المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى من أخبار المصطفى ﷺ".
ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بالشيخ عبدالعزيز فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.
المقدم: وقف بنا الحديثُ عند باب ما جاء في البول قائمًا:
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَالَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا جَالِسًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ.
- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
- وَعَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ انْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالبول قائمًا:
في حديث عائشة رضي الله عنها الدلالة على أنه كان يبول جالسًا عليه الصلاة والسلام، وما كان يبول قائمًا.
وفي حديث حُذيفة الدلالة على أنه قد يبول قائمًا في بعض الأحيان إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك.
والجمع بينهما أنَّ عائشة إنما اطلعت على ما كان يفعل في بيته، وكان في بيته يبول جالسًا؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى القيام، وقولها: "مَن حدَّثكم أنه بال قائمًا فلا تُصدقوه" هذا من اجتهادها، والصواب أنَّ مَن حدَّث بأنه بال قائمًا يُقبل منه؛ لأنه مُثْبِتٌ، والمثبت مُقدَّم على النَّافي؛ ولأنَّ الرجال أعلم بأحوال النبي ﷺ في خارج البيت، أعلم بأحواله في السفر، وفي خارج البيت، وحُذيفة من أفضل الصحابة، وقد شهد على الرسول أنه بال قائمًا لما أتى سباطة قومٍ، فدلَّ ذلك على أنه لا حرجَ في ذلك، والبول جالسًا أفضل، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك: إما لوجعٍ، أو لأنَّ المكان لا يُناسب فيه الجلوس، أو لعجلةٍ، أو لأسبابٍ أخرى فلا بأس.
ولعله ﷺ بال قائمًا لما أتى السباطة؛ لأنَّ السباطة قد ينحدر عليه البول وهو جالس، أو لأسبابٍ أخرى دعت إلى بوله قائمًا، فلا حرج في ذلك.
والنبي ﷺ هو المبلغ عن الله، والجمع بين الحديثين: أن الجلوس أفضل؛ لأنه كان هو المستعمل في بيته ﷺ، والبول قائمًا لا حرجَ فيه إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك.
أما حديث جابر: أن الرسول نهى عن البول قائمًا، فهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي ﷺ؛ لأنَّ في إسناده مَن لا يُحتج به.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِدُونِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْجَارِ
- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قِيلَ لِسَلْمَانَ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ. فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ، نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.
- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ الاستجمار يجب ألا ينقص عن ثلاثة أحجار؛ لحديث سلمان وما جاء في معناه من حديث عائشة وغيرها، فإذا أراد أن يكتفي بالاستجمار فإنه لا بدَّ أن يُثلث بثلاثة أحجار، فإن أنقى وإلا زاد رابعًا وخامسًا حتى ينقي؛ لقول سلمان: أن الرسول نهى أن يُستنجى بأقلّ من ثلاثة أحجار. وهكذا جاء في حديث عائشة: أن الرسول نهى أن يُستنجى بأقلّ من ثلاثة أحجار. لكن لو لم تكفِ فإنه يزيد رابعًا حتى يُنقي المحلَّ، فإذا لم ينقِ بالرابع زاد خامسًا حتى يُنقي المحلَّ.
وثلاثة أحجار يقوم مقامها اللّبن، ويقوم مقامها ما يحصل به إزالة الأذى: من خشب، أو مناديل خشنة، أو ما أشبه ذلك مما يزول به الأذى، وهذا إذا كان يكتفي بها عن الماء، أما إذا كان يستنجي بالماء فإنه يكفيه الماءُ وحده، وإن استنجى بحجرٍ أو حجرين فهذا زيادة في النَّظافة، لا يُشترط في ذلك العدد؛ لأنَّ العمدة في هذا على الماء، أما إذا كان يكتفي بالحجارة فلا بدَّ من ثلاثة أحجارٍ فأكثر، ولا بدَّ من الإنقاء بها، وإن كانت الثلاثُ لم تُنقِ فلا بدّ من زيادةٍ حتى يُنقي، والأفضل أن يقطع على وترٍ؛ إذا أنقى بأربعٍ يأتي بخامسٍ؛ حتى يكون القطعُ على وترٍ أفضل، وهكذا لو أنقى بستٍّ يُستحب أن يزيد سابعًا؛ حتى يقطع على وترٍ؛ لقوله ﷺ: مَن استجمر فليُوتر.
وكذلك النَّهي عن الاستنجاء باليمين، لا يستنجي بيمينه، ولا يستنجي برجيعٍ أو عظمٍ.
الرجيع: الروث. والعظم معروف، فلا يجوز الاستنجاء بالبعر، ولا بالعظام، ولا باليمين، بل يكون باليسار، يستنجي باليسار، واليمين لما يكون مُحترمًا، ولحاجات الإنسان وأكله ونحو ذلك، أما اليسار فلما يُستقذر وللمفضول.
وكذلك لا يستقبل القبلةَ ولا يستدبرها في حال قضاء حاجته بالبول أو الغائط، بل تكون القبلةُ عن يمينه أو شماله، إلا إذا كان في البناء فلا حرج، إذا كان محل قضاء الحاجة في البناء فلا حرج؛ لما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رأى النبيَّ ﷺ يقضي حاجته مُستقبل الشام، مُستدبر الكعبة، في بيت حفصة، ويدل هذا على أنه إذا كان في البناء فلا حرج، ولكن كونه يجعل القبلةَ عن يمينه أو شماله هو الأفضل مطلقًا، لكن في الصحراء يجب ذلك، وفي البناء يكون هو الأفضل إذا تيسر.
المقدم: بالنسبة للاستجمار: يبقى أحيانًا أثرٌ بسيطٌ من النَّجاسة، ما حكم ذلك؟
الشيخ: عليه أن يستنقي منها، وما عجز عنه يسقط، المهم أن يستنقي حسب الطاقة، والآثار التي تبقى ما تضرّ؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: فإنها تُجزئ عنه، فدلَّ ذلك على أنه إذا أنقى واجتهد في الإنقاء كفى والحمد لله، أما كونه يبقى أثر لا يُزيله إلا الماء ما يضرّ، لكن الإنقاء بإزالة آثار الغائط وإزالة آثار البول بثلاثةٍ فأكثر، إذا حصل الإنقاء بذلك كفى، أما الأثر الذي لا يُزيله إلا الماء لا يضرّ.
المقدم: ما الأفضل: الاستنجاء أم الاستجمار؟
الشيخ: الاستنجاء أفضل؛ لأنه أبلغ في الإنقاء، الاستنجاء بالماء أفضل، ثم الحجارة، ثم الجمع بينهما، الجمع بينهما أفضل، وعند الاقتصار على واحدٍ فالماء، والاقتصار على الحجارة هو الأدنى، أدناها الحجارة وحدها، ثم الماء وحده، ثم الجمع بينهما هو الأفضل.
بَابٌ فِي إلْحَاقِ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْأَحْجَارِ بِهَا
- عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
- وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: أَمَرَنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ- أَنْ لَا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلَا عَظْمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ولولا أنه أراد الحجرَ وما كان نحوه في الإنقاء لم يكن لاستثناء العظم والروث معنًى.
الشيخ: وهذا واضح، فإنه ﷺ إنما نهى عن العظم والروث، فدلَّ ذلك على أنه لا يُستنجى به بدلًا من الحجر: كالتراب أو المناديل الخشنة أو الخشبة أو ما أشبه ذلك، قطع الخشب، كل هذا يُنقي، كل هذا يحصل به المطلوب، إلا الرجيع والعظم وما هو محترم كالطعام، فلا يُستنجى بالطعام؛ لأنه يُقذر.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ
109- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
110- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ بِعَظْمٍ، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
الشيخ: وكل هذا قد تقدم، لا بأس أن يُستنجى بغير العظم والروث، أما العظام والأرواث فلا يُستنجى بها، فالاستنجاء يُطهر، لكن لا يُستنجى بالعظام ولا بالأرواث، يُستنجى بغيرها من الحجر واللَّبِن والمناديل الخشنة ونحو ذلك، وهي تطهر كما بيَّنه النبيُّ ﷺ.
المقدم: ما الرمة؟
الشيخ: الرمة: العظم.
المقدم: وهل العظام طعامٌ للجن؟ وكيف يكون ذلك؟
الشيخ: جاء في بعض الأحاديث أنها زاد إخواننا من الجنِّ، البعر يكون علفًا لدوابهم، والعظام تكون أوفر ما كانت لحمًا لهم، طعام لهم، كل شيءٍ ذُكر اسم الله عليه من العظام يكون أوفر ما كان لحمًا لهم، والبعر تكون علفًا لدوابهم، يجعل الله فيها قوتها.
المقدم: النَّهي عن الاستجمار بالعظم هل لكونه طعامًا للجنِّ، أم لأنه نعمة؟
الشيخ: لكونه طعامَ إخواننا من الجنِّ كما صرَّح به النبيُّ في حديث ابن مسعودٍ، قال: إنهما زاد إخوانكم من الجنِّ.
بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ أَوْ بِمَا لَهُ حُرْمَة
- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِم الْقُرْآنَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
الشيخ: الروث يكون علفًا لدوابهم، والرمة يُعيد الله إليها اللَّحم، تكون أوفر ما كانت لحمًا لهم، يستفيدون من ذلك، فدلَّ على أنَّ ما كان طعامًا لا يُستنجى به، ما كان طعامًا للجنِّ لا يُستنجى به، وطعامنا من باب أولى: كالخبز واللحم ونحو ذلك لا يُستنجى به، ما دام طعامُ الجنِّ يُمنع فطعامنا أولى وأولى.
المقدم: كثر تلبس الجنّ بالإنسي، ما أسبابه؟ وكيف نرد على مَن يُنكر ذلك؟
الشيخ: لعلَّ من أسبابه: قلة تحفظ المسلمين بالتَّعوذات الشَّرعية والأوراد الشَّرعية، لعلَّ هذا من أسبابه.
ومن أسبابه: كثرة الفُسَّاق من الجنِّ؛ لأنه كلما طال الزمنُ زاد فسقُ الناس وشرُّهم: بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، كما هو غريب بالنسبة إلينا؛ غريب بالنسبة إلى الجنِّ أيضًا، فلعلَّ غُربة الإسلام وقلة الإيمان من الفريقين سبب تسلط الجنِّ على الإنس بالتَّلبس بهم وإيذائهم.
وبعض الأحيان قد يكون بسبب إيذاء الإنسي للجني، وقد يكون إيذاءً له؛ لأنه آذاه بصبِّ شيءٍ عليه من الماء، أو شيء من الحجارة، ولم يُسمِّ، أو ما أشبه ذلك مما ذكره بعضُ أهل العلم.
المقدم: هناك سؤال يُطرح وهو: ما العاصم من شياطين الإنس والجنِّ؟ وهل من كلمةٍ توجيهيةٍ في ذلك؟
الشيخ: شياطين الجنِّ يعصم منهم التَّعوذ بالله، التَّعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق، يقول ﷺ: مَن نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق، لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك.
وجاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ البارحةَ من عقربٍ لدغتني؟ قال: أما إنك لو قلتَ: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق لم تضرك.
وقال النبيُّ ﷺ: مَن قال في يومٍ أو ليلةٍ: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السَّميع العليم، ثلاث مرات لم يضرّه شيءٌ ذلك اليوم وتلك الليلة.
فالإنسان يعتني بالأوراد الشَّرعية والتَّعوذات الشرعية، وهي من أسباب السلامة من تلبس الجن بالإنس، ومن أسباب جميع الشُّرور الأخرى.
الشيخ: وهذا واضح في أنه لا يُستنجى بالعظام والأرواث، وأنَّ الأسباب أنهما زاد إخواننا الجنّ، وأن الرسول سأل ربه أن يجعل كلَّ ما يكون من عظمٍ أو روثٍ زادًا لهم، العظم لهم، والروث لدوابهم، وهذا من فضل الله جلَّ وعلا، ومن رحمته ، ومن تيسيره جلَّ وعلا.
بَابُ مَا لَا يُسْتَنْجَى بِهِ لِنَجَاسَتِهِ
- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هذا رِكْسٌ أي: نجس. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وابن ماجه، وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ ما كان نجسًا لا يُستنجى به: كروث البغال والحمير والهرّ ونحو ذلك؛ ولهذا قال ﷺ: إنها ركس يعني: نجس، فلا يُستنجى بالعظام والأرواث الطاهرة: كروث الإبل والغنم والبقر ونحو ذلك، يجدون عليها طعام الجنِّ، للجنِّ، لا يستنجي بها المسلم ليس احترامًا لها، لكن لأنها زاد وطعام إخواننا من الجنِّ، أما الأرواث الأخرى التي هي مما لا يُؤكل لحمه: كأرواث البغال والحمير، فهذه لا يُستنجى بها لنجاستها، وأما الأرواث الطاهرة فلا يُستنجى بها لأنها زاد إخواننا من الجنِّ.
فدلَّ ذلك على أنَّ ما كان نجسًا لا يُستنجى به؛ ولهذا قال لما أتاه بروثةٍ قال: ألقها، فألقاها، وقال: ائتني بغيرها، وقال: إنها ركس، وفي روايةٍ: رجس، فالعظام والأرواث النَّجسة لا يُستنجى بها، وأما العظام والأرواث الطَّاهرة فإنها لا يُستنجى بها؛ لأنها زاد إخواننا من الجنِّ، يعني: العظام والأرواث تكون لدوابهم.
المقدم: هل هناك أشياء نجسة غير ما ذكر في الحديث تُنبِّهون إليها؟
الشيخ: ممكن استعمال روث الحمار، وروث البغل، وروث الهرّ، وأشباهه مما لا يُؤكل لحمه، روثه نجس، كذلك غائط بني آدم، وعذرة بني آدم، كلها نجسة، كذلك الدِّماء الجامدة نجسة لا يُستنجى بها، وغير مأكول اللحم لو وُجد منها شيء: كلحوم الحمر والبغال وأشباهها لا يُستنجى بها؛ لأنها نجسة.
المقدم: الزجاج هل ينفع للاستجمار؟
الشيخ: الأقرب والله أعلم أنه لا ينفع لملوسته؛ لأنه ما يُنقي، أملس، ما فيه خشونة.
بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وعن مُعاذة، عن عائشة أنها قالت: مرنا أزواجكنَّ أن يغسلوا عنهم أثر البول والغائط، فإنا نستحي منهم، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعله. رواه أحمد، والنَّسائي، والترمذي وصحَّحه.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108].
الشيخ: هذا هو المشروع: أن يكون الاستنجاءُ بالشيء الطاهر، وأما النَّجس فلا يُستنجى به: لا بالأرواث، ولا بغيرها من النَّجاسات، يكون الاستنجاء بالشيء الطاهر: من اللَّبِن، والحجر، والمناديل الطاهرة، ونحو ذلك، ويُكتفى بالماء، إذا استنجى بالماء كفى، وإن جمع بين الاستجمار والماء كان ذلك أكمل وأفضل.
المقدم: قال ابنُ حجر رحمه الله عن الحديث الأول: عن أنس بن مالكٍ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماءٍ وعنزةً، فيستنجي بالماء. متفق عليه.
الشيخ: الحديث صحيح، متَّفق على صحَّته، ما فيه كلام لأحدٍ، أقول: الحديث صحيح متَّفق على صحته عن أنسٍ .
المقدم: إذا خرج من الإنسان مذيٌ هل يجب غسل الاثنين؟
الشيخ: المذي يُغسل، يجب غسل الذَّكر والأُنثيين، المذي، النبي أمر عليًّا أن يغسل ذكره وأُنثييه ويستنجي قبل الوضوء، أما المني فيُوجب الغسل، وهو الماء الغليظ الخارج عن شهوةٍ، أما المذي: وهو الماء اللَّزج الذي يخرج من آثار الشَّهوة على طرف الذكر، فهذا حكمه حكم النَّجاسات؛ ينقض الوضوء، ويُغسل الذكر والأُنثيين، وما أصاب الثوب يُنضح.
المقدم: وإذا توضأ قبل الاستحمام هل يصحّ ذلك؟
الشيخ: نعم، الأفضل أن يبدأ بالوضوء قبل أن يستحم، سواء للجنابة أو غير الجنابة، هذا هو الأفضل، ثم يغتسل.
المقدم: أحيانًا الإنسان يتوضأ ويشعر بقرب خروج الريح، فهل يتوقف عن الوضوء، ولكن لا يخرج منه شيء، هل يُكمل الوضوء أم تلزمه الإعادة؟
الشيخ: إذا أكمل .....، إذا نوى قطع الوضوء لأجل إخراج الريح يبدأه من أوله، قطع الوضوء يبدأه من أوله، وإن وقف يريد قطع الوضوء حتى يخرج الريح ويبدأ منه حتى خروج الريح فيبتدئ من أوله؛ لأنه نوى قطعه، نوى قطع الوضوء.
أَبْوَابُ السِّوَاكِ وَسُنَنِ الْفِطْرَةِ
بَابُ الْحَثِّ عَلَى السِّوَاكِ وَذِكْرِ مَا يَتَأَكَّدُ عِنْدَهُ
- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا.
- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ.
وَلِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ.
وعَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
- وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ ﷺ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَالشَّوْصُ: الدَّلْكُ.
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّوَاكِ إذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ.
- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَرْقُدُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث فيها دليل على شرعية السِّواك، والسِّواك سنة وقُربة، وهو دلك الأسنان بعود الأراك ونحوه؛ لتنظيفها وتنشيط المستاكِ، وكان ﷺ يستاك عند بدء الصلاة، وعند دخول المنزل، كما في حديث عائشة، وعند البدء في الصلاة كما في حديث حذيفة وغيره، وكان يستعمله كثيرًا حتى في خارج الصلاة؛ ولهذا قالت عائشةُ رضي الله عنها: أنها سمعت النبيَّ يقول: السِّواك مطهرة للفم، مرضاة للرب.
هذا يدل على أنه مُستحب دائمًا، وربما كان يستعمله وهو في المجلس جالس مع أصحابه.
فالسواك سنة عند دخول المنزل، وعند الدخول في الصلاة، وعند الوضوء، كان يستاك مع كل وضوءٍ، وفي جميع الأحوال، وعند تغير الفم، كل هذا يُستحب فيه السِّواك ويتأكَّد.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.