- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: الميتُ يُعذَّب في قبره بما نِيح عليه. متَّفقٌ عليه.
ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة .
- وعن أنسٍ قال: "شهدتُ بنتًا للنبي ﷺ تُدفن, ورسول الله ﷺ جالسٌ عند القبر، فرأيتُ عينيه تدمعان" رواه البخاري.
- وعن جابرٍ : أنَّ النبي ﷺ قال: لا تدفنوا موتاكم بالليل إلَّا أن تضطرُّوا.
أخرجه ابن ماجه، وأصله في "مسلم"، لكن قال: "زجر أن يُقبر الرجلُ بالليل حتى يُصلَّى عليه".
- وعن عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر -حين قُتِلَ- قال رسولُ الله ﷺ: اصنعوا لآل جعفر طعامًا, فقد أتاهم ما يشغلهم.
أخرجه الخمسةُ, إلا النَّسائي.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث في النِّياحة على الميت والبكاء، وصناعة الطعام لأهله.
والنياحة على الميت لا تجوز، وهي تضرُّه، فالنبي ﷺ قال: أنا بريءٌ من الصَّالقة، والحالقة، والشاقَّة، الصَّالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، وأخذ على النِّساء ألا يَنُحْنَ، وجاء عن النَّائحة والمستمعة، وفي "صحيح مسلم": أربعٌ في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهنَّ: الفخر بالأحساب، والطَّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنِّياحة على الميت.
فالنياحة لا تجوز، وهي رفع الصوت، ويُعذَّب بها الميت، كما في حديث ابن عمر: الميت يُعذَّب بما نِيح عليه، وهكذا حديث المغيرة، وجاء معناه من حديث عمر، فلا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه؛ لأنَّ هذا يضرُّه، ولكن لا بأس بالبكاء، وهو دمع العين، وحزن القلب، لا بأس به، كما يأتي في حديث أنسٍ أنَّ النبي ﷺ كان عند قبر إحدى بناته وهي تُدفن، فقال: "فرأيتُ عينيه تذرفان"، يعني: يبكي، فهذا يدل على جواز البكاء، وأنه لا حرج في ذلك.
ومن هذا الحديث الصَّحيح: يقول ﷺ لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلَّا ما يُرضي الربّ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، فلا مانع من دمع العين وحزن القلب، لكن لا يرفع صوته.
ولعلَّ من الحكمة في كونه يُعذَّب بنياح أهله: أن يجتهد في زجرهم، ووصيتهم، ونصيحتهم ألا ينوحوا، فإذا كان يضرُّه ذلك يُوصيهم ويُحذِّرهم من النياحة، وهذا مُستثنًى من قوله جلَّ وعلا: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، فهذا مُستثنى لحكمةٍ بالغةٍ.
وفي حديث عبدالله بن جعفر: أنه لما جاء نعي جعفر في الشام لما قُتل -وهو أحد الأمراء في الجيش المبعوث- قال النبيُّ ﷺ: اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فقد أتاهم ما يشغلهم، فأمر أهل بيته أن يصنعوا لآل جعفر طعامًا، فهذا يدل على أنه يُستحبُّ أن يُصنع طعامٌ لأهل الميت؛ لأنَّهم مشغولون بالموت، فيُستحبّ أن يصنع لهم أقاربُ الميت أو جيرانُه طعامًا فيكفونهم المؤونة بسبب حزنهم ومصيبتهم.
وحديث عبدالله بن جعفر حديثٌ صحيحٌ.
أما أهل الميت فلا يصنعون للناس: روى أحمد رحمه الله وابن ماجه، عن جرير بن عبدالله البجلي قال: "كنا نعدّ الاجتماع عند أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدَّفن من النياحة" يعني: يعدُّه الصحابةُ، فهذا يدل على أن أهل الميت ما يصنعون للناس، ولكن يُصنع لهم.
والحديث الأخير فيه النَّهي عن الدفن بالليل إلَّا عند الضَّرورة، وقد رواه ابن ماجه.
وفي رواية مسلم: "زجر رسولُ الله أن يُقبر الرجلُ ليلًا حتى يُصلَّى عليه"، فرواية مسلم هي المعتمدة؛ ألا يُدفن حتى يُصلَّى عليه، أمَّا الدفن في الليل فلا بأس به، فقد دفن رسولُ الله ﷺ بعضَ الصحابة في الليل، وأسرجوا له السراج، ودُفن النبيُّ بالليل، والصديق، وعمر في الليل، فلا حرج في ذلك.
وهذه الرواية التي فيها النَّهي عن الدفن في الليل ضعيفة، رواها ابن ماجه بسندٍ ضعيفٍ، والصواب أنَّ الدفن بالليل لا بأس به إذا لم يُقَصَّر في حقِّ الميت، فإذا غُسِّل وصُلِّي عليه فلا بأس.
الأسئلة:
س: إذا قيل أن تفسير حديث: (أنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه)، أنه توبيخٌ له في قبره؛ لتقصيره في تعليم أهله حُرمة النياحة؟
ج: على كل حال، الحكمة أن يُوصيهم ويُحذِّرهم.
س: .................؟
ج: ما له تأويل، على ظاهره، فعليه أن يُوصيهم ويُحذِّرهم، فإنه تضرُّه نياحتهم.
س: إذا مرَّ المسلمُ بجوار سور المقبرة هل يُسلِّم عليهم، أو إذا شاهد القبور؟
ج: الأفضل أن يُسلِّم عليهم ولو كان مارًّا، فيقف على الجدار ويُسلِّم عليهم، لكن كونه يقصد الزيارة ويأتيها قصدًا يكون أفضل وأكمل، ويأتي البحث في الزيارة إن شاء الله.
س: ............ الإطعام لو كان على شكل الرَّحى أو كذا؟
ج: ما فيه شيء.
س: ولكن الذي يطبخه المُعزِّي؟
ج: نعم، الجيران أو الأقارب.
س: مَن قال: إنَّ الميت يُعذَّب بسبب ..؟
ج: الرسول ﷺ قال: بما نِيحَ عليه بسبب النياحة.
س: إذا أوصى الميتُ قبل موته أهلَه بعدم النياحة وحذَّرهم منها، ثم مات وناحوا عليه، هل يُعذَّب في قبره؟
ج: الله أعلم، الواجب عليهم الحذر، فالرسول ﷺ قال: يُعذَّب في قبره بما نِيحَ عليه، ولعله إذا أوصاهم وحذَّرهم يسلم إن شاء الله، لعله يَسْلَم على القاعدة الشرعية: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].
س: إذا صُنع لهم غداء أو عشاء، ثم اجتمعوا في بيت الميت وتغدّوا أو تعشوا، هل هذا من النياحة التي كنا ..؟
ج: لا، لا بأس، إذا بعث إليهم عشاء أو غداء، ودعوا إليه مَن يأكل معهم لا بأس؛ لأنه قد يكون كثيرًا، فإذا دعوا إليه مَن يأكل معهم فلا حرج.
س: الجلوس عند أهل الميت بين يوم أو ليلةٍ، مثل: السفر للعزاء والمُكث عندهم؟
ج: هذا محلُّ نظرٍ؛ فقد يكون فيه تثقيلٌ عليهم، وقد يُحبُّون ذلك، فالأمر واسعٌ إن شاء الله إذا لم تكن فيه مشقَّةٌ عليهم ولا تثقيل ..
س: قول بعض الفقهاء أنه يُباح لغير الزوجة ترك الزينة وأحسن الثياب إذا مات لهم ميتٌ لمدة ثلاثة أيام؟
ج: هذا جاء به الحديث: لا تحدّ امرأةٌ على ميتٍ فوق ثلاث.
س: لغير الزوج؟
ج: لغير الزوج ثلاثة فقط، تحدّ على أبيها أو أخيها لا بأس، فترك الزينة ثلاثة أيام فأقلّ.
س: غير الزوجة مثل الرِّجال؟
ج: سبحان الله!
س: يعني: يتزهَّدون؟
ج: هذا في غير الزوجة.
س: حديث عائشة في "صحيح مسلم" أنها قالت: "كنا إذا أتى أهلُ الميت جلسنا، فإذا خرجوا وضعنا لهم تلبينةً، فإني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: فإنها تُخفف من الحزن، فصنعتْ لهم طعامًا؟
ج: إذا صُنع لهم طعامٌ لا بأس، أما المنهي عنه فهو أن يصنعوا هم، فلا ينبغي أن يصنعوا هم، أما إذا صنع جيرانُهم أو أصحابُهم أو أقاربُهم فلا بأس، تلبينة أو غير تلبينة، أو أرز، أو غيره من أنواع الطعام، ويبعثوه إليهم؛ لأنَّهم مصابون وحزانى، فلا بأس، أما هم فلا يصنعون الطعام لأنفسهم.
س: إذا صنعوا هم لهم فقط في اليوم التالي؟
ج: إن تيسر لحاجتهم لا بأس، لكن لا يصنعوا وليمةً للناس، أما أن يصنعوا حاجتهم -طعامهم وغداءهم وعشاءهم- فلا بأس، لكن لا يُنادون الناس، ولا يعزمون الناس.