الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه، الحمد لله الذي مَنَّ بالاجتماع واللِّقاء في مجلس العلم، والحمد لله على كل حالٍ، هذا الحديث الذي ذكره المؤلفُ دخل فيه حديثٌ في حديثٍ؛ قوله ﷺ: إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا هذا ثابتٌ في الصحيح من حديث أبي هريرة، أمَّا زيادة: وأن تُناصحوا مَن ولَّاه اللهُ أمركم فهذه ليست في الصَّحيح، بل في خارج الصَّحيح من حديثٍ آخر، وهي الثالثة.
أمَّا على رواية مسلم فالثالثة: ولا تفرَّقوا، فالله جلَّ وعلا أوجب على عباده أن يعتصموا بحبله ، قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فالواجب على جميع المسلمين أن يعتصموا بحبل الله، يعني: دين الله، الحبل هنا هو دين الله وما جاء به نبيُّه من الهدى عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على جميع العباد أن يتمسَّكوا بحبل الله، وهو دينه، وهو الإسلام، وهو الكتاب والسُّنة، فمَن فسَّره بالكتاب أو بالإسلام أو بالسُّنة فالمعنى واحد، المقصود هو الاعتصام بدين الله الذي دلَّ عليه الكتاب والسُّنة، وعدم التَّفرق والاختلاف، كانت الجاهليةُ في فرقةٍ واختلافٍ؛ كان الأوس والخزرج في فرقةٍ واختلافٍ ونزاعٍ وقتالٍ، فجمعهم الله بالإيمان والهدى، فصاروا إخوةً مُتحابين في الله .
هكذا يجب على بقية المسلمين في جميع العصور وفي كل مكانٍ: أن يعتصموا بحبل الله، وأن يجتمعوا على الحقِّ، وأن يتعاونوا على البرِّ والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن ينبذوا أسبابَ الشَّحناء والعداوة، فيجتهدوا في الكلام الذي يُؤلِّف ولا يُفرِّق، بل يجمع ولا يُشتت.
ويسخط قيل وقال إلى آخره، فهذا ثابتٌ من حديث المغيرة بن شعبة.
وبكل حالٍ فالأحاديث ثابتةٌ فيها الدّلالة على وجوب الاعتصام بحبل الله جلَّ وعلا، والاستقامة عليه، والتَّناصح والحذر من شرِّ اللِّسان: قيل وقال، فإنَّ شرَّ اللسان عظيمٌ وخطيرٌ؛ ولهذا يسخط اللهُ للعبد أن يكون ديدنُه قيل وقال؛ لأنَّه يقع بذلك في الكذب والغيبة والنَّميمة وغير هذا من البلاء؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت متَّفقٌ عليه. ويقول ﷺ: إنَّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يتبين فيها يعني: ما يتثبَّت فيها يكتب اللهُ له بها سخطَه إلى يوم يلقاه، نسأل الله السلامة، وفي اللَّفظ الآخر: يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.
فالواجب على المؤمن أينما كان أن يحفظ لسانَه مما يضرّه، وأن يصونه مما يُغضب الله عليه، كما أنَّه يُشرع له استعماله في كل خيرٍ: في واجبٍ، وفي مُستحبٍّ، فهو سريع الحركة، خفيف الحركة، فينبغي استغلاله فيما ينفع، فيما يُرضي الله ويُقرّب لديه، مع الحذر من استعماله فيما يُسخط الله .
س: الزيادة هذه ثابتة: وأن تناصحوا؟
ج: نعم ثابتة، نعم.
وَقَدْ ضُمِنَتْ لَهُمُ الْعِصْمَةُ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ مِنَ الْخَطَأ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَعَدِّدَةُ أَيْضًا، وَخِيفَ عَلَيْهِم الِافْتِرَاقُ وَالِاخْتِلَافُ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَافْتَرَقُوا عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَمُسَلَّمَةٌ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ عَلَى مَا كَانَ عليه النبي ﷺ وأصحابه.
وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَهَذَا السِّيَاقُ فِي شَأْنِ الأوس والخزرج، فإنَّه قد كان بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَدَاوَةٌ شَدِيدَةٌ وَضَغَائِنُ وَإِحَنٌ وَذُحُولٌ، طَالَ بِسَبَبِهَا قِتَالُهُمْ وَالْوَقَائِعُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَدَخَلَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ صَارُوا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ بِجَلَالِ اللَّهِ، مُتَوَاصِلِينَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63] إلى آخر الآية. وَكَانُوا عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ بِسَبَبِ كفرهم، فأنقذهم اللَّهُ مِنْهَا أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ.
وَقَدِ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَعَتَبَ مَنْ عتب منهم بما فضل عليهم في القسم بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بي؟ فكلما قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ.
الشيخ: وهذا من باب التَّذكير بنِعَم الله، هذا الكلام من باب التَّذكير بنِعَم الله عليهم بأسبابه عليه الصلاة والسلام، كانوا على غايةٍ من الشَّقاء والفتنة والعذاب والفُرقة، فهداهم اللهُ به، وجمع اللهُ شملَهم به، وأزال المحن التي بينهم به، فهذا من نِعَم الله جلَّ وعلا، فهو يُذكرهم بهذه النِّعَم العظيمة ليعرفوا قدرها وليشكروها، فهكذا النَّاصح والواعظ إذا ذكر الناس فهو يُذكرهم بالنِّعَم هذه ليشكروها، ويجتمعوا عليها، ويتعاونوا على حفظها بالاستقامة والطَّاعة وعدم أسباب الفُرقة.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مَرَّ بِمَلَأ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَسَاءَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِن الِاتِّفَاقِ وَالْأُلْفَةِ، فَبَعَثَ رَجُلًا مَعَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمْ وَيُذَكِّرَهُمْ مَا كَانَ مِنْ حُرُوبِهِمْ يَوْمَ بُعَاثٍ وَتِلْكَ الْحُرُوبِ، فَفَعَلَ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى حَمِيَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ، وَغَضِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَثَاوَرُوا وَنَادَوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وَتَوَاعَدُوا إِلَى الْحَرَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَتَاهُمْ، فَجَعَلَ يُسَكِّنُهُمْ وَيَقُولُ: أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟! وَتَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، فَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَاصْطَلَحُوا وَتَعَانَقُوا وَأَلْقَوُا السِّلَاحَ .
وَذَكَرَ عِكْرِمَةُ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِيهِمْ حِينَ تثاوروا في قضية الإفك، والله أعلم.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [آل عمران:104- 109].
يَقُولُ تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ مُنْتَصِبَةٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ خَاصَّةُ الصَّحَابَةِ، وَخَاصَّةُ الرُّوَاةِ، يَعْنِي: الْمُجَاهِدِينَ وَالْعُلَمَاءَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، ثُمَّ قَالَ: الْخَيْرُ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِي رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أن تكون فرقةٌ من هذه الْأُمَّةِ مُتَصَدِّيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ.
الشيخ: الصَّواب أنه من حديث أبي سعيدٍ، وليس من حديث أبي هريرة، وأمَّا الرِّواية الأخرى: وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردلٍ، هذا من حديث ابن مسعودٍ أيضًا.
المقصود من هذا أنَّ الواجبَ على الأمّة العناية بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والدَّعوة إلى الله، وأن تكون منهم طائفةٌ مستعدّةً لهذا الأمر، قائمةً به.
وقال بعضُ أهل العلم: "من" للجنس، والمعنى: كونوا كلّكم، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ يعني: كونوا كلّكم هكذا: آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، داعين إلى الله، كما في قوله سبحانه بعد ذلك: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، الجميع، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].
الواجب على الجميع أن يكونوا هكذا: داعين إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، كلٌّ بحسبه، كلٌّ بحسب عمله وطاقته، فقد يتعين عليه، وقد يكون فرض كفايةٍ، وقد يكون مستحبًّا، على حسب الأحوال، وهو فرضٌ على الأمّة، فرض كفايةٍ، إذا قام به مَن يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون فرض عينٍ على بعض الناس؛ إذا كان في جهةٍ ليس فيها سواه، أو في قبيلةٍ ليس فيها سواه، صار فرض عينٍ عليه، أو رأى منكرًا ليس هناك مَن يُنكره سواه؛ صار فرضًا عليه، وقد يكون مستحبًّا إذا كان معه آخرون قائمون بالواجب، ولكن يُساعدهم، صار مستحبًّا في حقِّهم؛ لوجود مَن يحصل به الكفاية.
وبكل حالٍ فهذا الأمر من أفضل العبادات، وأفضل القربات، وفيه صلاح المجتمعات، فالواجب على الأمّة العناية به؛ لأنَّ فيه فلاحهم وسعادتهم، ولأنَّ فيه العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة للمُجتمع المسلم.
س: .............؟
ج: على حسب الحال، كلٌّ بحسبه، مثلما قال: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع .....، إن كان في بيته يستطيع بعض الشيء، والأمير يستطيع بعض الشيء، والموظف المعين يستطيع بعض الشيء، وعامّة الناس ليس في أيديهم إلا اللّسان أو القلب.
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو ابْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ، كما سيأتي تفسيرها في أماكنها.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ الآية، ينهى تبارك وتعالى هذه الأمّة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم وَاخْتِلَافِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْهَرويّ.
مداخلة: في نسخة "الشعب": الهوزني. في حاشية قال فيها: كذا في مخطوطتنا و"المسند" المجلد الرابع، صفحة (120)، وفي "المسند" بعد أن ذكر "الهوزني" قال: قال أبو المغيرة في موضعٍ آخر: الحرازي. وهو كذلك في "سنن أبي داود" كتاب "السنة" حديث رقم .. وذكر الجزء والصَّفحة.
الشيخ: نعم، "التقريب" حاضر؟ انظر "التقريب": أزهر بن عبدالله. حطّ عليه نسخة، على "الهوزني".
س: حديث: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، حدّ الاستطاعة في قوله: فإن لم يستطع؟
ج: إذا لم يستطع أن يُنكر بيده –يعني- أو بلسانه، أنكر بقلبه، إذا لم تكن له قُدرة، ليس عنده سلطة ولا إمرة، وليس في بيته .....، أمَّا إن كانت عنده قُدرة لا يترتب عليها شرٌّ، إن كانت قُدرة لا يترتب عليها ما هو شرٌّ من ذلك يُنكر بيده، وإن كان يترتب عليها شرٌّ أفسد وأكثر شرًّا يُنكر بلسانه فقط، يتحرى ما هو الأصلح والأقلّ شرًّا.
الطالب: أزهر بن عبدالله بن جُمَيْع الحرازي، حمصي، صدوق، تكلَّموا فيه للنَّصب، وجزم البخاري بأنَّه ابن سعيد، من الخامسة. (د، ت، س).
الشيخ: طيب، حطّ في الحاشية: في "التقريب": الحرازي. نعم.
س: إذا كثرت المنكرات في طريق الإنسان يسقط .....؟
ج: لا، ما يسقط: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يحيى قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قام حين صلَّى الظُّهْرَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً -يَعْنِي الْأَهْوَاءَ- كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ، وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ ﷺ لَغَيْرُكُمْ مِنَ الناس أحرى ألَّا يَقُومَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ: عَبْدُالْقُدُّوسِ بْنُ الحجاج الشَّامي بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ.
مداخلة: في السَّند عندنا: عن أبي عامر عبدالله بن لحي.
الشيخ: حطّ نسخة: ابن لحي.
س: .............؟
ج: هذا من باب الوعيد، فيهم الكافر، وفيهم العاصي، هذا من باب الوعيد، لا يلزم أن يكونوا كفَّارًا، فيهم العاصي، وفيهم الكافر.
س: .............؟
ج: الكلب داء، يُسمّونه: داء ..... يُصيب الكلاب، يكون من شأنه عضّ الناس، وإيذاء الناس، والتَّعدي عليهم، آثاره تسري في بدن الإنسان، وقلَّ أن يسلم منه، ويموت، نسأل الله السَّلامة.
س: رواية: كلها في النار ثابتة؟
ج: نعم.
س: .............؟
ج: كلهم من الأمّة المستجيبة، المدعيّة للاستجابة، المدعية أنها من أتباع محمدٍ ﷺ.
س: ما يكونوا كفَّارًا؟
ج: فيهم الكافر بسبب ردّته، بسبب تعاطيه ما يُوجب ردّته، لكنه ينتسب للإسلام.
س: ما يكون خرج من الفِرَق؟
ج: لا، ما هو من اليهود والنَّصارى وأنواع الكفرة، ما هم داخلين في هذا، المراد بهذا الأمّة المستجيبة، المدعيّة للاستجابة، التي تنتسب إليه ﷺ وإجابته، أمَّا أولئك فيُقال لهم: أمّة الدَّعوة، وهؤلاء أمّة الإجابة.
س: الإجابة فيهم الكافر؟
ج: قد يرتدّ، مثل: الجهمية، ومثل: الرافضية، ينتسبون للإسلام وهم يعبدون عليًّا، والآخرون ينفون الأسماء والصِّفات، وهم يدَّعون الإسلام، وأنهم مسلمون، هكذا عُبَّاد القبور الآن.
س: .............؟
ج: هذا وعيدٌ، فيهم المخلد بكفره، وفيهم مَن لا يخلد، بل وعيد، قد ينجو، وقد يعفو اللهُ عنه.
مداخلة: في "التقريب": عبدالله بن لحي -بضم اللام وبالمهملة مُصغَّرًا- أبو عامر، الهوزني، الحمصي، ثقة، مخضرم، من الثانية. (د، س، ق).
الشيخ: نعم، ماشٍ على ما عندكم.
س: ثنتين وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة؟
ج: يُقال: ثنتين، واثنتين، ما يُخالف.