الشيخ: قوله: (ليس في شيءٍ من الكتب السّتة) هذا غريبٌ، بل أخرجه مسلمٌ في "الصحيح"، قد أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، لكن هذا غريبٌ من المؤلِّف رحمه الله.
س: ذكره مسلم؟
ج: إلا الزيادة، انظر: ويسبي بعضُهم بعضًا أيش بعدها؟
الشيخ: هذه رواية مسلم: ويسبي بعضُهم بعضًا، هذه الزِّيادة ذكر الشيخُ محمد رحمه الله في "التوحيد" أنها زيادة البرقاني، وزادها جماعةٌ.
إني لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، فَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَتَادَةَ –ثَلَاثَتُهُمْ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بنحوه والله أَعْلَمُ.
مُداخلة: أحسن الله إليك، المحشّي حشَّى على قوله: (عن أبي أسماء، عن ثوبان)، وأشار للذي رواه مسلمٌ قال: رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي الربيع العتكي، وقتيبة بن سعيد –كلاهما- عن حماد بن زيدٍ بإسنادٍ إلى ثوبان، مثله كتاب "الفتن" باب "هلاك هذه الأمّة بعضها بعضًا". وذكر الجزء والصَّفحة.
الشيخ: نعم، صحيحٌ مثلما قال، ينبغي أن يُعلّق على هذا: خرَّجه مسلمٌ في "صحيحه"، لكن إلى قوله: إنما أخاف على أُمَّتي الأئمّة المضلّين هذه زيادة، هذه رواها البرقاني وجماعة.
س: وهي صحيحة؟
ج: نعم.
مداخلة: التي ذكرها المؤلفُ عن شداد بن أوس؟
الشيخ: لا، التي عن ثوبان، ما هو عن ثوبان.
مداخلة: الأولى عن شدَّاد.
مداخلة: الرِّواية التي قال فيها: (ليست من الكتب الستة) رواية شداد.
الشيخ: عن ثوبان أخشى، أقول: أخرجها مسلمٌ من حديث ثوبان بهذا اللَّفظ، ويمكن شدّاد وافقه في رواية ابن أبي حاتم.
س: بعامّة أيش معناها؟
ج: يعني: جميعًا، يعني: هلاكًا عامًّا، بعامّة يعني: يُهلكهم جميعًا، ما يبقى أحدٌ، مثلما أهلك قوم نوحٍ جميعًا، وقوم عادٍ جميعًا، وقوم هودٍ جميعًا، وقوم صالحٍ جميعًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، وَمَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنَفِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالْجَبَّارِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكان من أصحاب الشَّجرة. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى وَالنَّاسُ حَوْلَهُ صَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً تَامَّةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: فَجَلَسَ يَوْمًا فَأَطَالَ الْجُلُوسَ حَتَّى أَوْمَأَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ أَنِ اسْكُتُوا إِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قال له بعضُ القوم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَطَلْتَ الْجُلُوسَ حَتَّى أَوْمَأَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ: إِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ رَغْبَةٍ، سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي واحدةً؛ سألتُ الله ألَّا يُعَذِّبَكُمْ بِعَذَابٍ عَذَّبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فأعطانيها، وسألتُ الله ألَّا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا يَسْتَبِيحُهَا، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ ألَّا يلبسكم شيعًا وألَّا يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِيهَا.
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَبُوكَ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ عَشْرَ أَصَابِعَ.
الشيخ: وهذه الفتنة التي خافها النبيُّ ﷺ وقعت من قديمٍ، من عهد عليٍّ ومعاوية، أول فتنةٍ وقعت في الأمّة ما جرى بسبب مقتل عثمان من الفتنة العظيمة، وانقسام الأُمَّة إلى كُتلتين، والحرب العظيمة بينهما، هذه من علامات النبوة، ومن دلائل الرسالة، وأنَّ الله جلَّ وعلا أعطاه الثِّنتين السَّابقتين، وهما: ألا يُعذّبهم بسنةٍ عامَّةٍ، وألا يُسلِّط عليهم عدوًّا غيرهم يُهلكهم، وأما كونهم يتقاتلون فيما بينهم فيكون بينهم الخلاف، ويكون بأسهم بينهم، هذه لم يُعْطَ إيَّاها، بل قد قدّر اللهُ أن تقع؛ ابتلاءً وامتحانًا، حتى يتبيّن الصَّادق من الكاذب، والراغب في الخير من المنحرف عنه، وطالب الحقِّ من طالب الرياسة أو المال أو غير ذلك.
فصارت أول فتنةٍ وقعت ما وقع بسبب مقتل عثمان حين انقسم الناسُ قسمين: أهل الشام، وأهل العراق، معاوية في الشام، وعلي في العراق، بسبب هذه الفتنة العظيمة التي حصلت بمقتل عثمان، معاوية له شُبَه، ومَن معه يطلبون القتلةَ الذين قتلوا عثمان حتى يقتصَّ منهم، وعلي يقول: "اصبروا حتى نتمكَّن من ذلك"؛ لأنَّ ..... من القتل ليس بالأمر السَّهل، وهم في جيش عليٍّ، وهم أُمَّة كبيرة، ولهم أتباع، ولهم أنصار، فلم يقدر ذلك حتى تمَّت المقتلة بينهم في يوم الجمل ويوم صفين بأسبابهم.
والمقصود من هذا أنه يجب الحذر من أسباب الخلاف وأسباب الفتن، والقضاء عليها حسب الطاقة والإمكان؛ لأنها قد تُفضي إلى فتنةٍ عظيمةٍ ومقتلةٍ عظيمةٍ كما قد وقع.
س: ما يحصل من تسلط بعض الدول الكافرة على المسلمين في بعض الأوقات؟
ج: هذا ما فيه استئصال، هذا يقع لكن ما فيه استئصال، ما فيه إلا أن ينالوا منهم، مثلما جرى على المسلمين في أوقات كثيرة ..... سلّطوا على النبي ﷺ فنالوا منه يوم أحدٍ، وكذلك سلّط على المسلمين في مواقع عديدة، هذا يقع، لكن المقصود أنهم لا يُسلّطون تسليطًا يستبيح المسلمين ويقضي عليهم مرةً واحدةً.
س: ما وقع من التّتار؟
ج: كذلك بقيت للمسلمين دولة، ولهم سلطان، بقيت لهم دولة، مصر قائمة، ودول الغرب كلها قائمة، ثم أهلكهم الله.
س: ألا يجمع أُمَّتي على ضلالةٍ؟
ج: يعني: يبقى فيهم حقٌّ، تبقى فيهم طائفةٌ منصورةٌ، لا تجتمع كلّها على ضلالةٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السّوائي، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَ خِصَالٍ، فَأَعْطَانِيَ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً؛ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تُهْلِكْ أُمَّتِي جُوعًا، فَقَالَ: هَذِهِ لَكَ، قُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ –يَعْنِي: أَهْلَ الشِّرْكِ- فَيَجْتَاحَهُمْ، قَالَ: ذَلِكَ لَكَ، قُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ -قَالَ- فَمَنَعَنِي هَذِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ الْمَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: دَعَوْتُ رَبِّي أَنْ يَرْفَعَ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعًا، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ، وَأَبَى عَلَيَّ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ؛ دَعَوْتُ رَبِّي أَنْ يَرْفَعَ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ، والغرقَ من الأرض، وألَّا يلبسهم شِيَعًا، وألَّا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْغَرَقَ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ اثْنَتَيْنِ: الْقَتْلَ وَالْهَرْجَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يزيد: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُنِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65]، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُرْسِلْ عَلَى أُمَّتِي عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلَا مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَلَا تَلْبِسْهُمْ شِيَعًا، وَلَا تُذِقْ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَارَ أُمَّتَكَ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
س: أليس الهرجُ هو القتل؟ الحديث ذكر أنَّه يقع الثّنتان: القتل والهرج؟ الجمع بين القتل والهرج.
ج: قد يكون من باب التنوع؛ لأنَّ الهرجَ يكون قبله اختلافٌ وشرٌّ كثيرٌ.