المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجَّلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس شرح كتاب "المنتقى من أخبار المصطفى ﷺ"، ضيفنا في هذا البرنامج المبارك هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، والذي سيتولى مشكورًا الشرح والتعليق على ما يتيسر من هذه الأحاديث المباركة، فأهلًا ومرحبًا بسماحة شيخنا عبدالعزيز.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله سماحة الشيخ، وقف بنا الحديثُ عند باب بيان زوال تطهيره، وهذا الحديث:
7- وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ: حَدَّثَتْنِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ. فَذَكَرَ حَدِيثَ وُضُوءِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهِ: وَمَسَحَ ﷺ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي يَدِهِ مَرَّتَيْنِ، بَدَأَ بِمُؤَخِّرِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى نَاصِيَتِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثَلَاثًا.
ورَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ بِيَده.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ صَدُوقٌ، وَلَكِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا الحديث فيما يتعلق بمسح الرأس مما فضل في اليدين بعد غسل اليدين ضعيف؛ من أجل عبدالله بن محمد بن عقيل؛ فإنه كثير الوهم والغلط؛ ولأنه شاذٌّ مخالف للأحاديث الصَّحيحة الدالة على أنه كان يمسح رأسه بماءٍ جديدٍ، وهذا هو الصواب: أن الرأس يُمسح بماءٍ جديدٍ غير ماء اليدين، وأما حديث ابن عقيل هذا فهو ضعيف.
المقدم: مسح الرأس يا سماحة الشيخ هل يكفي مرةً واحدةً أم لا بدَّ من تكرار المسح؟
الشيخ: السنة واحدة، لكن يبدأ بمقدمه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردّهما إلى المكان الذي بدأ منه، كما ثبت في "الصحيحين" من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم الأنصاري: أخبر أنَّ النبي مسح على رأسه، فبدأ بمقدم رأسه بيديه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه.
وفي حديث الربيع هذا الضَّعيف أنه بدأ بمؤخر الرأس، ضعيف، السنة البداءة بالمقدم، هذا الأفضل، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردّهما، مسحة واحدة بماءٍ واحدٍ.
المقدم: هل يُجزئ غسل الرأس عن المسح؟
الشيخ: يُجزئ، لكنه خلاف السنة، المشروع مسحه، فغسله مُبالغة، والسنة المسح.
الشيخ: وهذا الحديث حديث عظيم جليل، من أصح الأحاديث عن النبي ﷺ في صفة وضوء النبي ﷺ، من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم، فيه أنه غسل يديه ثلاثًا في أول الوضوء، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، فهذا يدل على أنَّ السنة أن يغسل يديه ثلاث مرات قبل أن يُدخلهما في الإناء قبل البدء في الوضوء، ثم يغسل وجهه ثلاثًا بعد المضمضة والاستنشاق، يتمضمض ويستنشق ثلاثًا بغرفةٍ، كل مرةٍ بغرفةٍ، هذا هو الأفضل: يغرف غرفةً فيتمضمض ويستنشق، ثم يغرف ثانيةً فيتمضمض ويستنشق، ثم ثالثة، هذا هو الأفضل، ويكفي واحدة؛ لما صحَّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ أنه توضأ مرةً مرةً، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، فالواجب مرة، فلو توضأ مرةً واستنشق مرةً وغسل وجهه مرةً أجزأه، والأفضل مرتين: أن يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه مرتين، والثلاث أفضل.
فالحاصل أن أدنى الواجب مرة واحدة، وأفضل من ذلك مرتان، والكمال ثلاث، يغسل وجهه ثلاث مرات بعد المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، والأفضل أن تكون المضمضة والاستنشاق بغرفةٍ واحدةٍ، كل مرةٍ بغرفةٍ، هذا هو الأفضل، وإن فصل بينهما فتمضمض على حدةٍ، واستنشق على حدةٍ فلا حرج.
وهكذا يغسل يديه إلى المرافق ثلاثًا أفضل، ويجوز مرتان، كما في حديث عبدالله بن زيد بن حارثة، ولكن الأفضل ثلاثًا ثلاثًا، وكونه غسلها مرتين يُبين الجواز، كما دلَّ حديثُ ابن عباسٍ على أنه لا بأس بالمرة؛ لأنَّ الرسول توضأ مرةً مرةً في حديث ابن عباسٍ، فالمرة مُجزئة، والثِّنتان أفضل من المرة، والثلاث هي الكمال في غسل يديه، كما هي الكمال في غسل وجهه.
أما الرأس فمثلما دلَّ عليه حديث عبدالله بن زيد وغيره: مسحة واحدة، يمسح رأسه مرةً واحدةً، يبدأ بمقدمه إلى قفاه، ثم يردّهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو السنة: مرة واحدة بماءٍ جديدٍ، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات، هذا هو الأفضل، وإن غسلهما مرةً أو مرتين أجزأ ذلك إذا عمَّهما الماء، لكن الأفضل ثلاثًا، يعمّها بالماء، هذا هو الأفضل، وإن عمَّهما بالماء مرةً واحدةً ومرتين أجزأ ذلك.
المقدم: في بعض الكتب الفقهية يا سماحة الشيخ تقول: يُستحب أخذ ماء جديد للأُذنين؟
الشيخ: هذا غلط، قول ضعيف، قاله بعضُ الحنابلة وغيرهم، ضعيف، والواجب بل السنة أن يمسح أُذنيه بماء الرأس، ولا يُشرع ماء جديد للأذنين، هذا هو الأفضل: يمسح رأسه وأُذنيه بماءٍ واحدٍ، وبعض أهل العلم قال: يأخذ ماءً للأذنين. ويُروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولكن الأفضل ترك ذلك، الأفضل أن يمسح أذنيه بماء رأسه؛ لأنَّ الأذنين من الرأس، فيمسحهما، يُدخل إصبعيه في صماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه مع الرأس، مع مسح الرأس، والحمد لله، هذا هو الأفضل.
المقدم: لو ترك مسحهما هل يبطل الوضوء؟
الشيخ: نعم، لا بدَّ من مسحهما؛ لأنهما جزء من الرأس، ولا بدَّ [أن] يعمّهما بالمسح.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ
9- عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، إلَّا أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيَّ قَالَا: وَضُوءُ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ وَقَدْ رَوَى بَعْدَهُ حَدِيثًا آخَرَ: الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. يَعْنِي: حَدِيثَ الْحَكَمِ.
الشيخ: هذا احتجَّ به بعضُ أهل العلم على كراهة الوضوء بفضل المرأة، والغسل بفضل المرأة، ولكن دلَّت الأحاديث الأخرى على أنه ليس بممنوعٍ، ولكن تركه أفضل؛ لأنَّ الرسول اغتسل بفضل ميمونة، فدلَّ ذلك على أنه لا يُمنع فعله، يدل على أنَّ النهي ليس للتَّحريم، ولكن للكراهة، وترك الأولى، فالأفضل ألا يتوضأ من فضلها، ولا يغتسل بفضلها، وهكذا هي لا تتوضأ بفضله، ولا تغتسل بفضله، هذا هو الأفضل، وإن توضَّأت بفضله وتوضأ بفضلها، أو اغتسل بفضلها أو اغتسلت بفضله فلا بأس.
وحديث: نهى رسولُ الله أن يغتسل الرجلُ بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرَّجل. حديث صحيح أيضًا، ولكن ليس للتَّحريم، إنما هو للكراهة وترك الأولى، وإذا اغتسل بفضلها أو اغتسلت بفضله فلا حرجَ في ذلك؛ جمعًا بين الأحاديث الصَّحيحة في ذلك.
الشيخ: وهذا هو الدَّليل كما تقدم، هو الدليل على أنَّ الاغتسال بفضلها لا بأس به، وأن النهي للكراهة وترك الأولى فقط، أو منسوخ.
الشيخ: كما تقدم يدل على أنه لا حرجَ الغسل بفضلها، والوضوء من فضلها، وأنَّ النهي إما منسوخ، وإما على سبيل ترك الأولى.
الشيخ: وهذا كالذي قبله يدل على أنَّ فضل المرأة لا حرجَ فيه من غسل الجنابة أو الوضوء، وأنه إذا اغتسل بفضل المرأة أو توضأ بفضلها فلا حرجَ؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة وبقاؤها، فغسل المرأة من الماء أو وضوؤها من الماء لا يسلبه الطّهورية، وهكذا غسل الرجل منه، فلها أن تتوضأ بفضله كما يأتي.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناءٍ واحدٍ تختلف أيدينا فيه من الجنابة. متفق عليه.
الشيخ: وهذا يدل على فوائد:
منها: جواز اغتسال الرجل مع زوجته، كل منهما يرى عورة الآخر.
ومنها: الدلالة على أنَّ فضلها وفضله لا بأس به؛ فضل المرأة، وفضل الرجل، كل ذلك لا بأس به؛ لأنها إذا غرفت فقد اغتسل بفضلها، وإذا غرف فقد اغتسلت بفضله، فلا حرج في ذلك والحمد لله.
وفي لفظٍ للبخاري: من إناءٍ واحدٍ نغترف منه جميعًا.
ولمسلمٍ: من إناءٍ بيني وبينه واحد، فيُبادرني وأُبادره، حتى أقول: دع لي، دع لي.
الشيخ: وهذا كالذي قبله يدل على أنه لا حرجَ في ذلك: أن يغتسلا جميعًا في محلٍّ لا تُرى عورتهما من الناس الآخرين، في محلٍّ مستورٍ لا يرى عورتهما غيرهما، فإذا اغتسلت عاريةً، وهو عارٍ، في محلٍّ خاصٍّ فلا حرج في ذلك؛ لأنها تُباح له؛ فلهذا لا حرج أن يرى عورتها وترى عورته، ولا حرج أن تغتسل بفضله وبفضلها، هو يغتسل بفضلها، وهي تغتسل بفضله، لا حرج في ذلك، والحمد الله، وهذا من تيسير الله، ومن رحمته .
الشيخ: وهذا من باب المداعبة، ومن باب حُسن المداعبة وحُسن المعاشرة؛ كونه يغتسل معها ويقول: دعي لي، وتقول: دع لي، كل هذا من باب المعاشرة الطيبة واللُّطف في الكلام.
بَابُ حُكْمِ الْمَاءِ إذَا لَاقَتْهُ النَّجَاسَةُ
13- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الشيخ: وهذا من أدلة طهارة الماء، وأنه لا ينجس بما يُلقى فيه من خرقٍ أصابتها نجاسة أو غير ذلك؛ لأنه ماء عظيم، ماء البئر ماء جيد، فلا يُؤثر فيه ما يُلقى فيه، وهكذا بقية الماء إذا أُلقي فيها شيء لا يُؤثر فيها، فإنها باقية على طهوريتها؛ لقول النبي ﷺ: إنَّ الماء طهورٌ لا يُنجسه شيء، فالماء الأصل فيه الطَّهارة، يقول الله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، فالأصل فيه الطَّهارة، فلا ينجس إلا بالتَّغير، فإذا تغير طعمُه أو لونُه أو ريحه بالنَّجاسة صار نجسًا بإجماع العلماء، أما ما دام على حاله لم يتغير فهو طهور وإن وقعت فيه نجاسة، إلا إذا كان قليلًا جدًّا فإنه يُراق، كما قال النبيُّ ﷺ: إذا شرب الكلبُ في إناء أحدكم فليُرقه، فأمر بإراقته؛ لأنَّ الإناء في الغالب يكون صغيرًا، فإذا ولغ فيه الكلبُ أثَّر فيه.
فإذا كان الشي قليلًا ووقعت فيه النَّجاسة يُراق؛ لأنَّ الغالب أنها تُؤثر فيه، أما الشيء الكثير والإناء الكبير والحوض الكبير فهذا لا يتأثر إذا وقعت فيه النَّجاسة ولم تُغيره، فهو طهور، أما إذا تغير طعمُه أو لونه أو ريحه صار نجسًا، هذا هو الصواب.
وبعض أهل العلم فصَّل فقال: إن كان قُلتين لم ينجس إلا بالتَّغير، وإن كان أقلَّ منهما نجس بالملاقاة ولو قليلًا؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: إذا كان الماء قُلتين لم يحمل الخبث، وفي لفظٍ: لم ينجس.
والصواب أنَّ هذا المفهوم لا يدل على النَّجاسة، ولكن يدل على التَّثبت، وأنه إذا كان دون القُلتين يتثبت فيه؛ فإن تغير وأثرت فيه نجس، وإلا فلا، هذا هو الصواب، فلا ينجس الماءُ إلا بالتغير، إلا إذا كان قليلًا تؤثر فيه النَّجاسة كماء الأواني، إذا وقعت فيه النَّجاسة أو ولغ فيه الكلب فإنه يُراق لو لم يتغير.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: إنَّهُ يُسْتَقَى لَك مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُطْرَحُ فِيهَا مَحَايِضُ النِّسَاءِ، وَلَحْمُ الْكِلَابِ، وَعذرُ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ.
الشيخ: مثلما تقدم: ما دام على حاله فهو طهور، وما يُلقى فيه من بعض هذه الأشياء، فقد تُلقى بعض هذه الأشياء من السُّفهاء، أو تلقيه الريحُ من خرقٍ، أو بعض لحوم الكلاب، أو غير ذلك، تلقيها الرياحُ أو نحو ذلك، فلا يضرّ ما دام الماءُ لم يتغير.
المقدم: سماحة الشيخ، أسئلة حول هذا الحديث -حديث بئر بضاعة- ما سبب شهرة هذا الحديث يا سماحة الشيخ؟
الشيخ: لأنه سُئل عنه النبيُّ ﷺ، ويقع فيه ما يُحير الناس من هذه الِخرق ولحوم الكلاب ونحوها مما تُلقيه الرياح، فاستشكل على الناس؛ فلهذا سألوه ﷺ، واشتهر بسبب ذلك؛ لأنها بئر خارجية يتوضأ منها الناس في خارج المدينة، ظاهر المدينة.
المقدم: هل يُفرق بين قليل الماء وكثيره؟
الشيخ: مثلما تقدم، القليل عُرفًا كماء الأواني إذا وقعت فيه النَّجاسةُ يُراق، أما الكثير عُرفًا كالقُلة والقلتين وما حولهما فهذا لا ينجس إلا بالتَّغير، أما القلة فبالنص المذكور، وأما ما دونهما فكذلك حكمه حكمه؛ لقوله ﷺ: إنَّ الماء طهور لا يُنجسه شيء، لكن إذا كان قليلًا فإنه يُراق؛ لحديث: إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فليُرقه، فإنَّ هذا يدل على أنَّ الماء القليل يُراق؛ لأنه في الغالب يتأثر، كماء الأواني الصغيرة.
المقدم: الوضوء الذي اختلط بنجاسةٍ وهو يجري ما حكمه؟
الشيخ: حكمه الطَّهارة ما لم يتغير بالنَّجاسات.
المقدم: طيب، كيف نعرف أنَّ هذا الماء قليل أو كثير؟
الشيخ: بالعُرْفِ، بعُرْف الإنسان، أما إذا بلغ قلتين فهو بالنص كثير، أما إذا كان دُون قلتين فما يقع في نفسه أو ما يتحراه المسلم.
الشيخ: كما تقدم، يعني: لم تُؤثر فيه النَّجاسة، لم يحملها يعني: لم تُؤثر فيه النَّجاسة، فلا مانع من الشرب منه والغسل والوضوء ونحو ذلك، سواء كان في البرية أو في الحاضرة.
الشيخ: هذا من باب الإيضاح، "لم يحمل الخبث" يعني: لم يُنجسه شيء لكثرته، والمعنى غالبًا، وإلا قد ينجس وهو كثير، قد تكون النَّجاسة كثيرةً فتُغيره وإن كان قلتين فينجس عند الجميع، لو كان أربع قلالٍ أو خمسًا ثم غيَّرته النَّجاسة نجس عن الجميع، لكن ما دون القُلتين في الغالب يتأثر بالنَّجاسة القليلة، لكن إذا كان لم يتأثر وبقي على لونه وريحه وطعمه فإنه طاهر، بل إنه طهور، إلا أن يكون قليلًا يتأثر بها: كمياه الأواني الصَّغيرة، فإنه يُراق كما تقدم في حديث أبي هريرة: إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فليُرقه.
الشيخ: كما تقدم؛ لأنه مظنة النَّجاسة، فإذا بال فيه لا يغتسل منه إلا إذا كان كثيرًا لا يتأثر بالنَّجاسة، يقول ﷺ: إنَّ الماء طهور لا يُنجسه شيء، لكن إذا كان قليلًا قد يتأثر، فالاحتياط ألا يتوضأ ولا يغتسل منه؛ لقوله ﷺ: لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه؛ لأنَّ هذا يُقذره على الناس، واغتساله أيضًا يزيده قذرًا.
وفيه احتياط أنه يغتسل من ماءٍ آخر؛ لأنَّ الماء الدائم يتأثر بالبول، ويتأثر بالغسل، إلا إذا كان كثيرًا، فإذا كان الماء الدائم ليس بالكثير فإنه لا يتوضأ منه، ولا يغتسل منه؛ لأنَّ الظاهر نجاسته بالبول والغسل، أما إذا كان كثيرًا لم يتأثر، فالرسول يقول: إنَّ الماء طهور لا يُنجسه شيء، وهكذا إذا كان قلتين.
بَابُ آسارِ الْبَهَائِمِ
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُلَّتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهَا، وَإِلَّا يَكُونُ التَّحْدِيدُ بِالْقُلَّتَيْنِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ وُرُودِهَا عَلَى الْمَاءِ عَبَثًا.
الشيخ: الصواب أنه أجاب بذلك ليعتني المؤمنُ بماء القلتين؛ لأنه قال ﷺ: إنَّ الماء طهور لا يُنجسه شيء، وقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث، معناه أنه كثير، لكن لو حمله وتغير نجس عند الجميع، فدل على أنَّ مراد النبي ﷺ أنَّ جنسه في الغالب لا يحمل، لكن متى حمل الخبث ومتى تغير نجس، وهكذا ما دونه إن تغير بالنَّجاسة صار نجسًا، وإلا فالأصل فيه الطَّهارة، والمنطوق مُقدم على المفهوم؛ لقوله ﷺ: إنَّ الماء طهورٌ لا يُنجسه شيء هذا منطوق، وقوله: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث هذا مفهوم فيما دون القلتين، والقاعدة: أنَّ المنطوق يُقدم على المفهوم، فالأصل أنَّ الماء طهور، إلا إذا تغير بالنَّجاسة، وهذا هو الأصح عند أهل العلم.
الشيخ: كما تقدم قوله: فليُرقه يدل على أنَّ الماء القليل إذا ولغ فيه الكلبُ أو وقعت فيه النَّجاسة يُراق؛ لأنَّ الغالب [أنه] يتأثر الماء القليل: ماء الأواني، أما ما كان كثيرًا فإنه لا يُراق إلا إذا تغير بالنَّجاسة كما تقدم في الأحاديث؛ ولهذا قال: في إناء أحدكم فليُرقه أي: الإناء العادي؛ لأنَّ ولوغ الكلب قد يُؤثر فيه، بخلاف الكثير فإنه لا يُؤثر فيه.
المقدم: هل يكفي في تطهير الكلب استعمال الصابون بدل التُّراب؟
الشيخ: الأصل التراب إذا تيسر بنصِّ الرسول ﷺ، هذا هو الأولى، فإذا ما تيسر فالأُشنان وغيره من الصابون يكفي، لكن إذا تيسر التراب فليفعل ما أمر به النبيُّ ﷺ، والأفضل أن يكون في الأولى.
المقدم: ما سبب اختلاف الروايات: فليغسله سبعًا أولاهنَّ بالتراب، وفي روايةٍ: أحدها؟ وهل الغسل يشمل كلب الصيد؟
الشيخ: أسباب ذلك والله أعلم: أن الرسول قاله مرات، سُئل عن هذا فقاله مرة: مرة قال: إحداهنَّ، ومرة قال: أولاهن، فدلَّ ذلك على التَّوسعة، لكن أولاهنَّ أكمل؛ لأنه يعقبها الماء الذي يُزيل أثر التراب وأثر النَّجاسة.
المقدم: أولئك الأشخاص الذين يُربون الكلاب في بيوتهم، هل لهم توجيه؟
الشيخ: إذا كان للصيد لا بأس، أما تربيتها لغير الصيد ما يجوز، إن كان للصيد والماشية والزرع فالرسول أباح ذلك من الثلاث، وقال ﷺ: مَن اقتنى كلبًا نقص من أجره كل يوم قيراطان، إلا كلب صيدٍ أو ماشيةٍ أو زرعٍ، فاقتناء الكلاب لا ينبغي، وينقص الأجر، إلا إذا [كان] لصيدٍ، أو ماشيةٍ لغنمه، أو للزرع؛ لحماية المزرعة.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ الهرة ليست نجسةً، بل هي طاهرة، فإذا ولغت في الإناء: فيه لبن، فيه ماء، فلا حرج، هو طهور، ولا يضرّ ولوغها، أما بولها وروثها فهو نجس مثل: بول الحمار والبغل نجس، ومثل: بول بني آدم وروثه نجس، لكن هي في نفسها طاهرة؛ لأنها تغشى الناس؛ ولهذا قال ﷺ: من الطوافين عليكم والطّوافات، فمن رحمة الله أن جعلها طاهرةً، ما أصاب من جلدها وعرقها طاهر، من ولوغها طاهر، تولغ في لبنٍ، أو في ماءٍ، فهو طاهر، هذا هو الأصل، وهذا هو الدليل على أنها لا بأس بفضلها؛ لكونها من الطَّوافين علينا والطَّوافات، نُبتلى بها.
وهكذا الحمر والبغال من الطَّوافين، وسؤرها طاهر، وركوبها طاهر، لو عرق إنسانٌ عليها -على ظهر الحمار أو البغل- فهو طاهر، مع أنَّ بوله نجس، وروثه نجس، وهو حرام الأكل: البغل والحمار، فهكذا الهرة بولها نجس، وروثها نجس، وهي مُحرَّمة الأكل، لكنها طاهرة؛ لكونها من الطَّوافين علينا، فإذا ولغت في إناءٍ، أو في لبنٍ، فهو طهور، وهكذا الحمار والبغل إذا شرب من إناءٍ أو شرب من حوضٍ فهو طهور، لا يضرُّه ذلك.
المقدم: بالنسبة إلى تربية الهرة؟
الشيخ: لا حرج، لو ربَّاها لا بأس؛ لأنها قد تُؤنس الأطفال، وقد تُعين على إزالة آثار الفأر؛ لأنها مُسلطة على الفأر، قد يُؤذي الفأرُ البيتَ، فإذا جعلوا هرةً جاهدت لهم هذا الفأر وكفتهم شرَّه.
المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.