فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ مِثل: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ.
وَتُوُفِّيَ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَدِينُهُ بَاقٍ، وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّهَا عَلَيْهِ: التَّوْحِيدُ وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَالشَّرُّ الَّذِي حَذَّرَهَا مِنْهُ: الشِّرْكُ وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ، بَعَثَهُ اللهُ في النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ ﷺ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30- 31]، وَالنَّاسُ إِذَا مَاتُوا يُبْعَثُونَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، وقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [نوح:17- 18].
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على محمدٍ.
يقول المؤلفُ رحمه الله، وهو الإمام أبو عبدالله الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان رحمه الله التميمي في رسالته المشهورة القيمة المفيدة "ثلاثة الأصول" وما أضاف إليها من شروط الصلاة والقواعد الأربع، يقول رحمه الله: لما استقر النبيُّ في المدينة، لما هاجر واستقرَّ في المدينة عليه الصلاة والسلام أُمِرَ ببقية شرائع الإسلام: الزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير هذا من الشَّرائع، في مكة إنما أُمِرَ بالتوحيد والصلاة، أُمِرَ بالتوحيد، عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وإلى الإيمان بالرسول ﷺ، ثم بعد مضي عشر سنين فرض الله عليه الصَّلوات الخمس، صلَّاها في مكة ثلاث سنين، وبعد مضي ثلاث عشرة سنة في مكة انتقل إلى المدينة، هاجر إلى المدينة بسبب أذى قومه، لما آذوه انتقل إلى المدينة وهاجر إليها بإذن الله ، والقصة -قصة الهجرة- معروفة.
فلما استقرَّ في المدينة مُهاجرًا أُمر ببقية شرائع الإسلام: من الزكاة، وصيام رمضان، وحجّ البيت، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبقيت شرائع الإسلام كلها كانت في المدينة: أحكام البيع والشراء، وأحكام النكاح، وغير هذا.
وبها توفي عليه الصلاة والسلام بعدما أكمل الله به الدِّين وأتم عليه النِّعمة، كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، فهذا من فضل الله جلَّ وعلا ومن إحسانه إلى عباده .
وقد بعثه الله إلى الناس كافَّة، كما قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فهو مبعوث لجميع الأمة: جنِّهم وإنسهم، ودينه باقٍ، تُوفي ودينه باقٍ، لا خيرَ إلا دلَّ عليه، ولا شرَّ إلا حذَّر منه، فالخير الذي دلَّ عليه: التوحيد وجميع ما يُحبه الله ويرضاه. والشرُّ الذي حذَّر منه: الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه، والناس إذا ماتوا يُبعثون، كما قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وقال جلَّ وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، فهكذا الرسل قبله كلهم ماتوا، ودينه باقٍ، لا خيرَ إلا دلَّ عليه، ولا شرَّ إلا حذَّر منه. فالواجب التَّمسك بدينه، والاستقامة عليه.
ولما توفي ﷺ وأشكل على بعض الناس خطب الصديقُ الناسَ وقال: "مَن كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا بشر قد مات، ومَن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت"، ثم تلا قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، فجعل الناس يقرؤونها كأنهم لم يسمعوها إلا ذلك اليوم، وهكذا قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30- 31]، مات كما مات الرسل، ولكن دينه باقٍ، لا خيرَ إلا دلَّ عليه، ولا شرَّ إلا حذَّر منه، فالخير الذي دلَّ عليه هو التوحيد: توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، وهكذا كل ما يُحبه الله ويرضاه من جميع الأمور: من صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وغير ذلك. والشرُّ الذي حذَّر منه هو الشرك وجميع ما يكرهه الله من سائر المعاصي.
والناس كلهم إذا ماتوا يُبعثون، كما قال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، وقال تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [نوح:17- 18]، وبعد البعث يُجزون بأعمالهم ويُحاسبون كما يأتي.
نسأل الله أن يُوفق الجميع.