49 من حديث (لَوْ كَانَ المطعم بن عدي حياً، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لَتركتهم له)

لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتنى لتركتُهم له.

المطعم هو أبو جبير، وهو أخو طعيمة الذي سبق أنه قُتل في أسرى بدر، والمطعم كانت له يدٌ على النبيِّ ﷺ؛ حين رجع من الطائف دخل في جواره إلى مكة، فأمضته قريش، وقالوا: مثلك لا يُخفر. فكانت يدًا بيضاء للمُطعم؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ: لو كان حيًّا ثم كلَّمني في هؤلاء لتركتُهم له.

هذا فيه شرعية مجازاة مَن له عليك يد كريمة، وإظهار استحقاقه لذلك بعد وفاته .....، وهذا من كرم الأخلاق: أن يُجازى المحسنون، وأن يُشكروا على إحسانهم، وأن تُذكر لهم هذه اليد الطيبة ولو بعد وفاتهم، من باب التَّشجيع على مكارم الأخلاق، حتى ولو كان فاعلها كافرًا، من باب التَّشجيع على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنَّفع لمن يستحقّ النَّفع.

وفيه من الفوائد: أنَّ ولي الأمر له أن يعفو عن الأسرى ولو كانوا كثيرين إذا رأى المصلحةَ في ذلك، وقد عفا النبيُّ ﷺ عن أهل مكة وقال: أنتم الطُّلقاء.

والعفو في محلِّه له فوائد كبيرة؛ فإنه يُؤلف القلوب ويجمعها على المحبَّة والخير، ويُنهي الأحقاد والحزازات، ويحلّ محلها المحبَّة والوئام غالبًا، فله فوائد كثيرة؛ ولهذا قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]: ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا كما قال النبيُّ ﷺ.

الحديث الرابع: حديث أبي سعيدٍ في سبايا أوطاس، لما فرغوا من أوطاس، وهو تابع لغزوة حنين -غزوة الفتح- أوطاس: وادٍ هناك بين مكة والطائف جرت فيه وقعةٌ؛ بعد هزيمة أهل الطائف تجمع منهم جماعةٌ في أوطاس، وقُتلوا أيضًا، وسُبي منهم سبايا.

الحاصل أنهم بعدما حصلت السَّبايا تحرَّجوا: هل يُباح لهم جماعهنَّ؟ وكان لهن أزواجٌ في بلادهن، فأنزل الله جلَّ وعلا قوله سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24]، وقوله: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، هذا استثناء من المحصنات، وهن المزوَّجات، المحصنة تُطلق على ذات الزوج، وتُطلق على العفيفة والحرَّة، والمراد هنا المزوجات؛ بدليل حديث أبي سعيدٍ هذا وما جاء في معناه.

فالمزوَّجات حرام على الإنسان أن يخطبهنَّ، ليس لأحدٍ أن يخطب المزوجة؛ لأنها غير صالحةٍ للزواج لغير زوجها، فلا يجوز لأحدٍ أن يخطبها، وهكذا مَن كانت في العدة، لكن مَن كانت مسبيَّة فإنَّ سبيها فراقٌ لزوجها، فتستبرأ بحيضةٍ أو بوضع الحمل وتحلّ للسَّابي، تكون حلًّا له بالسبي والاستبراء.

وهذا نصٌّ في الموضوع يُبين معنى الآية الكريمة، ويُوضح أنَّ هذا هو الصواب فيها، وأما بيعها أو بيع الزوج فلا يكون مُحِلًّا لها، كما في قصة بريرة، وإنما يُحلها كونها مسبيَّة، فسبيها واستيلاء المسلمين عليها جعلها في حكم المطلقة؛ فتُستبرأ بحيضةٍ أو بوضع الحمل وتحلّ له، وصارت في سهمه، والله أعلم.

س: حيضة واحدة؟

ج: نعم، استبرأ فقط للعلم ببراءة الرحم.

1302- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً وَأَنَا فِيهِمْ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُم اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1303- وَعَنْهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمًا لَهُ.

1304- وَعَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ.

1305- وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَفَّلَ الرُّبُعَ فِي الْبَدْأَةِ، وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

1306- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالأنفال، ذكر ابنُ عمر أنهم غزوا قبل نجد، وأنهم أصابوا عدوهم وغنموا، وأنه أحصى لكل واحدٍ منهم اثني عشر بعيرًا، ونُفِّلوا بعيرًا بعيرًا، جاء في الرواية الأخرى التَّصريح بأنه نفَّلهم أميرُهم بعيرًا بعيرًا، وجاء في الرواية الأخرى أنه نفَّلهم النبيُّ ﷺ ذلك.

والجمع بين ذلك كما قال أهلُ العلم: أنَّ الأمير نفَّلهم وأمضاه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وهذا يدل على أنَّ للقائم على الجيش أن يجتهد في تنفيل الجيش الذي معه والسرية التي معه؛ تقديرًا لأعمالهم الطيبة وشجاعتهم وإقدامهم وصبرهم، وهذا التَّنفيل ظاهره أنه من الخمس؛ لأنه قال: الغنيمة قسمت بينهم، وحصل لكلِّ واحدٍ منهم اثنا عشر بعيرًا، فنفَّلهم من الخمس هذه الزيادة؛ تقديرًا لأعمالهم الطيبة، وتشجيعًا لهم على الصبر والمسارعة إلى الجهاد.

وهذا مُستثنًى من قوله: لا نفل إلا بعد الخمس، فالأصل أنَّ الأنفال تكون بعد الخمس، بعدما تُخمس الغنيمة ينفلون، ولكن ظاهر الحديث هذا أنه قسم بينهم الغنيمة؛ إذ لو كان البعيرُ اثني عشر من الغنيمة ما صار تنفيلًا، صار هو حاصل حقّهم، فلما قسم بينهم الغنيمة، وحصل لهم لكل واحدٍ اثنا عشر بعيرًا؛ دلَّ على أنَّ هذا الثالث عشر ليس من غنيمتهم التي قسمت بينهم، وإنما هي من الخمس.

وهذا واضح أيضًا في سلب القتيل؛ فإنه ليس من رأس الغنيمة، قال ﷺ: مَن قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه.

وقوله: فله سلبه يدل على أنه منزوع من الأصل، وأنَّ مَن قتل قتيلًا يُعطى السّلب، فإن قوله ﷺ: لا نفل إلا بعد الخمس من العام المخصوص، يعني: في الجملة، إلا ما استثناه الشارعُ.

وهكذا حديث ابن عمر؛ يُبين ابن عمر أنَّ النبي ﷺ قسم الغنيمة بين الفرسان والراجلة، وأنه فضل الفرسان؛ فجعل للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، وللفارس سهمًا مع سهمي فرسه، فيكون له ثلاثة، وللراجل سهم، وما ذاك إلا لغلاء الفارس وما يحصل به من الخير العظيم، فإنه يُبارز العدو ويُخاطر بنفسه وبماله، وللخيل من الهيبة وإدراك الهارب وغَناء في الجهاد ما ليس للراجل؛ فلهذا جاءت الشريعةُ بإعطائهم ما يُناسب حالهم؛ ليتشجَّعوا، وليبذلوا المستطاع في الجهاد.

والحديث الثالث: حديث معن بن يزيد بن السكن، وهو صحابي، وأبوه وجده: أنَّ النبي ﷺ قال: لا نفل إلا بعد الخمس.

هذا يدل على أنَّ التنفيل يكون بعدما ينزع الخمس، ينزع الخمس لمن بيَّنه الله جلَّ وعلا في قوله سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، فيُنزع الخمس لهؤلاء الذين بيَّنهم الله في سورة الأنفال، ثم تُقسم الأربعة على الغانمين، وإذا أراد أن ينفل نفَّل من الأربعة مَن له حقّ في أن يُنفَّل باجتهاد الإمام؛ كمَن أغنى على المسلمين غناءً كبيرًا، فيُعطى قبل القسمة شيئًا، مثل: مَن فتح حصنًا، أو انتُدِبَ لقتل عدو ووفق لقتله، أو ما أشبه ذلك من الغنائم التي يرى وليُّ الأمر أنه جدير بأن يُساعد ويُشجع ..... من الغنيمة.

فالأصل هو هذا إلا ما دلَّ الشرعُ على أنه يخرج من الرأس، وإلا الأصل أنه يخرج الخمس، ثم يكون التَّنفيل بعد ذلك من الباقي على حسب ما يراه وليُّ الأمر، وإذا رأى التَّنفيل من رأس الغنيمة كما تقدم في حديث ابن عمر، وكما في حديث السلب هذا له ذلك؛ لأنه ..... لمصالح المسلمين، وهو الذي يقدر حالة الرجال وغناءهم وتعبهم وما ينبغي أن يُشجعوا به.

وهكذا ما يتعلق بالسَّرايا التي تُبعث من الجيش؛ كان يُنفلهم الربع في البدأة، والثلث في الرجعة، يعني بعد الخمس، وما ذاك إلا لأنهم في البدأة ظهورهم محمية بالجيش، وراءهم الجيش، وهم يُغيرون على العدو بقوة الجيش، فصار تعبهم والخطر عليهم أقلّ؛ فأُعطوا الربع، ثم يُقسم الباقي بينهم وبين الجيش، أما في القفول فالجيش منصرف عنهم، ومُتوجه إلى البلاد، أو إلى محل الإقامة، فهم أخطر، فأُعطوا الثلث لما فيه من الخطر؛ لما في سريتهم عليهم من الخطر، فكان في إعطائهم الثلث تشجيع وإعانة وتقدير لصبرهم وتعبهم ومُخاطرتهم.

كذلك حديث ابن عمر: أنَّ النبي ﷺ كان يُنفل بعض مَن يبعث من السَّرايا لأنفسهم خاصةً سوى قسم عامَّة الجيش.

هذا مثلما تقدم في الحديث الأول: أُعطوا بعيرًا بعيرًا. فهذا يُبين أنَّ ولي الأمر له أن يُنفل بعض مَن يرى من السَّرايا وبعض مَن يرى من الجيش، لا لهواه، ولا لقرابته، ولكن للغناء في الإسلام، والتَّشجيع لأمثاله، فإذا كان للمصلحة الجهادية فلا بأس على حسب ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام والله أعلم.

س: يعني هذا يكون من رأس الغنيمة؟

ج: من رأس الغنيمة نعم، سوى قسم عامَّة الجيش.

س: الفرق بين رواية "الصحيحين": قسم للفرس سهمين، وللراجل سهمًا. وفي رواية أبي داود: أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة؟

ج: رواية "الصحيحين" بيَّنت حدَّ الفرس، ولم تذكر حقَّ صاحبه؛ لأنه معلوم، وهنا أوضح، رواية أبي داود هي من باب الإيضاح، وهذا هو الثابت: أنه كان ﷺ والخلفاء يُعطون الفارسَ ثلاثة، والراجلَ واحدًا، هم مساوون للناس، فيُعطون مثلهم، لكن الفرس تحتاج؛ لأنها تريد علفًا، وتتعب، وقد تُصاب، وقد ترتفع قيمتها قيمة عظيمة، فهو مخاطَب بفرسه، وكان لها شأن ذاك الوقت، لها شأن في القيمة، وفي العلف، وفي التعب، وقد يكون لها صبي أيضًا يريد معاشًا ويُلاحظها ويعتني بها، فقدَّر لهم حاجة الفرس.

1307- وَعَن ابن عمر قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَبِي دَاوُدَ: فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُم الْخُمُسُ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1308- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَالْحَاكِمُ.

1309- وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ.

1310- وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

1311- وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ.

1312- وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بهَا أَدْنَاهُمْ".

1313- زَادَ ابْنُ مَاجَه مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: "يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ".

1314- وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ.

الشيخ: هذا حديث ابن عمر، وحديث عبدالله بن أبي أوفى، كلاهما يدل على أنه لا بأس بالأكل من الطعام -الفواكه- للمُجاهدين، كما قال ابن عمر: يُصيبون العنب والعسل فيأكلون منه. وهكذا قول عبدالله بن أبي أوفى: أنهم أصابوا الطعامَ، فكانوا يأخذون منه حاجتهم.

هذا يدل على أنَّ الإنسان في الجهاد يأكل حاجته من الطعام المجموع والفواكه، وأنَّ هذا لا حرجَ فيه، وإنما الحرج في الغلول؛ يأخذ أموالًا يُغلّها؛ ليستفيد بها دون إخوانه، أما كونه يأكل كما يأكل إخوانه حاجته فلا بأس بذلك من الفواكه والعسل والأطعمة التي يغنمونها من دون غلولٍ، لا يتّخذ خبنةً، إنما يأخذ حاجته التي تكفيه من دون خفاءٍ ولا غلولٍ، بل هذا يأكل، وهذا يأكل على العادة التي رخَّص لهم فيها وليُّ الأمر، وسمح لهم فيها وليُّ الأمر؛ لأنَّ المجاهد في حاجة إلى ما يُقيم أوده ويُقيم صلبه، فإذا أخذوا من الطعام، أو من الفواكه، أو من العسل، أو من الملابس، أو من الدَّواب ما يُوصلهم إلى محلِّ عملهم، أو مقرِّ خيامهم، كل هذا لا حرجَ فيه؛ لأنَّ هذا يُعينهم على جهادهم، ويشدّ من قوتهم، ولا يضرّ الغانمين؛ لأنهم كلهم سواء، بخلاف الغلول؛ فإنَّ الغلول يأخذه ويختصّ به دونهم، أما هذا يأكل، وهذا يأكل، وهذا يأكل، كلهم سواء فيه، ولا حرجَ فيه.

وكذلك الأخذ من الدَّواب ما لا يُعجفها، والملابس ما لا يضرّها، كونه يأخذ دابَّةً فيستعملها حتى يُعجفها، أو دابَّةً حتى يُرهقها، هذا لا يجوز؛ لأنَّ هذا شبه الغلول، ويضرّ الغانمين، وهم شركاء، لكن لو قدر أنه أخذ دابَّةً تُوصله إلى خيامه، تُوصله إلى محلِّه، تُبعده عن العدو، يهرب عليها عن العدو، أو ثوبًا يستر به عورته أو يستدفئ به ثم يرده من غير أن يستمر في ذلك حتى يُخلقه، إنما لحاجةٍ وعارضٍ، فهذا لا يضرّ لكل واحدٍ منهم، ولا يُسمَّى: غلولًا.

وحديث أبي عبيدة وعلي وحديث أم هانئ وما جاء في معناها كل هذه الأحاديث تدل على أنَّ المسلمين ذمَّتهم واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على مَن سواهم، فإذا أجار واحدٌ منهم، أو أمَّن واحدٌ منهم فهو على الجميع مثلما قال النبيُّ ﷺ لأم هانئ بنت أبي طالب: قد أجرنا مَن أجرتِ، لما أجارت بعض أحمائها.

فإذا أمَّن الإنسانُ أسيرًا، أو أجار إنسانًا استجار به، فعلى ولي الأمر أن يُنفذ ذلك حتى يرده إلى مأمنه، وهكذا حتى المرأة، وحتى العبد على الصحيح؛ لأنه يدخل في قوله: أدناهم، يدخل فيه العبد والمرأة، والمرأة جاء فيها ما هو أصرح من ذلك في حديث أم هانئ.

س: الذِّمَّة والإجارة بمعنى واحدٍ؟

ج: نعم، يُجير ويُؤمن، الإجارة بمعنى التأمين، هذا هو، مثل استأسر، قال: أطلب منك أن تُؤمنني حتى تُوصلني إلى ولي الأمر، أو تُجيرني من كذا وكذا، فأجاره، فهو يجب تنفيذ هذا التأمين وهذه الإجارة حتى يصل إلى ولي الأمر، ثم ولي الأمر ينظر: إن رأى التَّنفيذ نفذ، وإن رأى عدم التنفيذ ردَّه إلى جماعته عند قومه.

س: رجل عليه كفَّارة يمينٍ، وأخرجها طعامًا وأعطاها لأهل بيتٍ، وكانوا ثلاثةً أو أربعةً؟

ج: يكمل الباقي، يكمل عشرة، إن كانوا ثلاثةً يكمل سبعة، وإن كانوا أربعةً يكمل ستة.

س: أخرج عن عشرة؟

ج: ما يجزي إلا عن أربعةٍ، ما يجزي إلا للذي أعطاهم فقط، والباقون يُدورهم، يلتمسهم.

س: لا بدَّ من عشرةٍ؟

ج: لا بدَّ.

س: في أوقاتٍ مُتفرقةٍ؟

ج: ولو، ولو، لو أعطاهم مئةَ صاعٍ أو ألفًا ما يجزي إلا العدد الذي أعطى فقط، والباقي يلتمسهم.

1315- وَعَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1316- وَعَنْهُ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1317- وَعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا، فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَائِفَةً، وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ.

1318- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلَا أَحْبِسُ الرُّسُلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1319- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنْ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بأمور الجهاد والمعاهدة بين المسلمين.

الحديث الأول: حديث عمر : أن النبي ﷺ قال: لأُخرجنَّ اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا، هذا الحديث في الصَّحيح، وهو يدل على وجوب إخراج اليهود والنَّصارى من الجزيرة، وأنها -هذه الجزيرة- يجب أن تكون مخلصةً للمسلمين، فهي مهد الإسلام، وهي منبع الإسلام، فيجب أن تكون خالصةً للمسلمين؛ حتى تكون مرجعًا للمسلمين، وقدوةً للمسلمين، وحتى لا يتسبب وجودهم بين المسلمين في وقوع الكفر وانحراف الأخلاق.

وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: أن النبي أوصى بإخراج المشركين من هذه الجزيرة، فدلَّ ذلك على وجوب إقصائهم وإبعادهم من هذه الجزيرة؛ حتى تبقى للمسلمين خالصةً؛ حفاظًا على دينهم، وعلى أخلاقهم وسيرتهم؛ وليكون غيرهم يقتدي بهم، اللهم إلا ما تدعو الحاجةُ إليه: كالتِّجارة والضَّيف والوفد، وما أشبه ذلك، فإنهم يُقرون ما شاء الله، ما يراه وليُّ الأمر، ثم يعودون، القادم رسولًا، أو جاء ضيفًا لحاجةٍ، أو يبيع التِّجارة، كان عمر يجعل لهم ثلاثةً لبيع تجارتهم ثم يرجعون في القرية التي يقدمونها.

وكذلك إذا دعت الحاجةُ إلى بقائهم في عملٍ ثم يُبعدون إلى بلادهم، كما فعل النبيُّ مع أهل خيبر لما دعت الحاجةُ إلى أن يُقيموا في خيبر لحرثها وفلاحتها؛ لاشتغال المسلمين بالجهاد، ثم أجلاهم عمرُ بعد ذلك، فهذا لا بأس به.

وأما توسع الناس اليوم في هذا فهو خطأ كبير، وخطر عظيم، وقد حصل بسببه شرٌّ كبير على المسلمين؛ لأن اختلاط العمَّال بالمسلمين فيه شرٌّ كثيرٌ، ولا يجوز استقدامهم للخدمة أو للسياقة أو غير ذلك، بل يجب على مَن له حاجة أن يكفَّ عن ذلك، وأن يكتفي بالمسلمين، وهكذا الدولة عليها أن تعتني بها، وأن تمنع استقدام الكفَّار، وهي أيضًا كذلك تمتنع من استقدامهم إلا للضَّرورة القصوى، وقد نبَّه وليُّ الأمر على هذا ووعد خيرًا، ونسأل الله لهم التوفيق، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والهداية.

والحديث الثاني: حديث عمر أيضًا قال: كانت أموال بني النَّضير مما أفاء الله على رسوله ﷺ، ولم يُوجف عليها المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ. فهي داخلة في قوله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [الحشر:6]، فهذه الأرض جلى منها أهلها بأمر النبي ﷺ وتركوها، لما همُّوا بالغدر وعرف منهم الشرّ حاصرهم النبيُّ ﷺ، وقطع بعض نخيلهم كما تقدم، وأنزل الله في هذا قوله تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5].

والحاصل أنهم لما هموا بالغدر وعرف منهم الشرّ حاصرهم النبيُّ ﷺ حتى أجلاهم، وصارت أموالهم مما أفاء الله على نبيه ﷺ، وهكذا أشباهها ما يتركه الكفَّار خوفًا من المسلمين، فإنه يكون فيئًا للمسلمين، يتصرف فيه وليُّ الأمر بما يُريه الله من مصالح العباد، وهكذا النبي ﷺ استولى على أموالهم، وصار يُنفق منها على أهله، وعلى ضيفه، وعلى وفوده، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح، عدة في سبيل الله .

فهكذا تكون الأموالُ التي تُقبض من الكفار من دون حربٍ، تكون فيئًا للمسلمين، وتبع بيت مال المسلمين، يتصرف فيها ولي الأمر بما يراه صالحًا، ويكون منها نفقته وأهل بيته، يكون منها حاجات الضيف، وحاجات الوفود، ونحو ذلك، وما فضل يُصرف في المصالح العامَّة: كالكراع والسلاح وأشباه ذلك مما يحتاجه ولي الأمر في ..... الوفود ومواساة الفقراء وغير هذا من شؤون المسلمين.

والحديث الثالث حديث معاذٍ : أنهم أصابوا غنمًا يوم خيبر، فقسم النبي فيهم طائفةً، وجعل الباقي في المغنم.

وهذه الأموال التي تقدمت في أموال بني النضير هي التي تنازع فيها العباس وعلي كما تقدم في هذه الأموال، كانت تحت يد النبي ﷺ، ثم تحت يد الصديق، ثم تحت يد عمر بعد موت النبي ﷺ، وبعد موت الصديق سنتين، ثم جاء العباس وعلي يسألان عمر إرث فاطمة وإرث العباس، فأخبرهما عمر بما يعلمان: أن الأنبياء لا يُورثون، وأن ما تركوه صدقة، فطلب منهما أن تكون على أيديهما؛ لصرفها في المصالح والنَّفقة على أولادهم منها، فجعلها تحت أيديهما على أن يقوما فيها بما قام به النبي ﷺ، ثم جاءا مرةً أخرى، فقال: ليس عندي قضاء سوى ذلك، فإما أن تقوما بها بما قام به النبي ﷺ، وإما أن ترداها إليه، هي هذه.

س: على قسمة المواريث؟

ج: لا، الأنبياء لا يُورثون.

س: .............؟

ج: يأخذون نفقتهم، حاجتهم فقط.

وتقدم أنَّ حديث: إنا لا نُورث رواه جمٌّ غفيرٌ من الصحابة عن النبي ﷺ أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نُورث، ما تركناه صدقة رواه العشرة وغيرهم.

وحديث معاذٍ فيه الدلالة على أن لولي الأمر أن ينفل ما يرى من الغنيمة للغانمين، ثم يجعل الباقي في القسمة، فإذا كانت سريةً أو جماعةً بُعثوا لهتك حصنٍ، أو للاستيلاء على مالٍ للكفار، أو شبه ذلك مما فيه مخاطرة، ثم جمعوا ذلك، فإنه يُعطيهم ما يرى في مقابل عملهم وجهادهم تنفيلًا، ثم الباقي بينهم وبين الناس كما تقدم في تنفيل النبي الربع في البدأة، والثلث في الرجعة كما تقدم: أن ينفل الذين تولوا الغنيمة، والباقي يكون لباقي الجيش مع السرية.

وتقدم قول ابن عمر: كان النبي ينفل بعض مَن يبعث من السرايا لأنفسهم خاصةً سوى قسم عامة الجيش.

فالحاصل أنَّ ولي الأمر له أن يُعطي أهل العمل الذين ينفردون به لمصلحة الجهاد ومصلحة المسلمين، له أن يُنفلهم شيئًا للتَّشجيع على مثل هذه الأمور، والتقدير على عملهم وصبرهم وجهادهم؛ حتى لا يخجل أحدٌ في هذه المسائل، وحتى لا يضعف في ..... المسلمين وانتهاز الفرصة فيما يضرّ الكفار وينفع المسلمين، مثل: هدم حصنٍ، مثل: تعرض لشيءٍ من أموالهم حتى يأخذه، ومثل: التَّعرض لبعض أشخاصهم حتى يقتله، إلى غير ذلك مما يكون فيه شيء من المخاطرة، وشيء من التَّعب.

والحديث الرابع: حديث أبي رافع مولى النبي ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس الرسل، هذه سنته: أنه لا ينقض العهد، ولا ينقص، بل ..... ويُوفيه كاملًا؛ لأنَّ الله قال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [الأنعام:152].

المقصود أنه لا بدَّ من الوفاء بالعهد، إذا تعاقد وليُّ الأمر مع عدوه فعليه أن يُوفي بالعهد، إلا أن يخونوا هم، إلا أن ينقضوا، أما هو لا ينقض ولا يحبس الرسل، هذا من شمائل الرسل، ومن صفاتهم العظيمة، وصفات مَن تأسَّى بهم من الأمراء الأخيار: أنهم لا يخيسون بالعهد، ولا ينقضونه، ولا يخونون، ولا يغدرون، ولا يحبسون الرسل.

الرسل مأمورون، فلو حُبِسوا امتنعت المواصلةُ بين العدو وعدوه، فالرسل يجب ألا يُؤذنوا وأن يُحبسوا حتى يؤدُّوا رسالتهم ويرجعوا؛ ولهذا لما جاء رسولُ مُسيلمة إلى النبيِّ ﷺ قال: لولا أنَّ الرسل لا تُقتل لقتلتك، فالمقصود أنَّ الرسل يجب أن يُلاحظوا، وألا يُؤذوا، وألا يُحبسوا، بل تُؤخذ الرسالة التي معهم ويُنظر فيها ويُعادون إلى مأمنهم.

والحديث الخامس حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: أيما قريةٍ أقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قريةٍ عصت الله ورسوله فإنَّ خمسها لله ولرسوله، ثم هي لكم رواه مسلم.

هذا الحديث اشتبه على بعض الناس ..... في القرية الأولى، والأقرب في ذلك والله أعلم ما قاله القاضي عياض وغيره: أنَّ القرية الأولى هي التي يُقيمون فيها من غير حربٍ، يعني: يجدونها خاليةً فيسكنوها، أو يُصالحوا أهلها عليها أنها للمسلمين، أو يجلوا الكفار منها؛ خوفًا من المسلمين، فهذه تكون فيئًا للمسلمين، وللذين أقاموا فيها سهمهم منها كغيرهم من المسلمين.

أما القرية التي تُقاتل ويحصل جهادٌ وتُفتح بالجهاد فهذه تكون غنيمةً، يُنزع منها الخمس، والباقي للجيش كما فعل النبيُّ بخيبر: قسمها بين المسلمين إلا شيئًا يسيرًا وقفه لمصالح المسلمين.

فولي الأمر في هذه القرى والبلدان مخير: إن شاء قسم، وإن شاء وقف، وإن شاء قسم بعضًا وأوقف بعضًا، هذا هو المعتمد، وهو الذي فعله النبيُّ ﷺ، فإنه قسم جزءًا كبيرًا من خيبر بين المسلمين، أعطاهم إياها غنيمةً، ووقف أرض مكة ولم يقسمها، كانت عنوةً فتركها لأهلها، ولم يقسم منها شيئًا، جعلها لأهلها، وفتح العراق المسلمون فلم يقسموها، وهكذا الشام، بل جعلوها وقفًا، عليها الخراج، وهكذا مصر في عهد عمر، فلم يقسمها بين المسلمين، جعلها للمسلمين، يضرب فيها الخراج على الفلاحين، يكون هذا الخراج لبيت المال ينفع المسلمين؛ لأنها لو قسمت راحت بين الناس، وبيت المال يبقى محتاجًا، فرأى عمر أن يفعل ما فعله النبيُّ ﷺ في بعض خيبر.

وقد نازعه في هذا مَن نازعه: كبلال وجماعة، ولكنه أصرَّ هو وجمهور المسلمين على هذا الرأي، وأن تبقى للخراج إذا رأى ولي الأمر ذلك، وهذا فيه مصالح لأهل الزمان -زمن عمر رضي الله عنه وأرضاه- ولمن يأتي بعدهم إلى آخر الدهر.

فالعراق لا تزال خراجية، ومصر لا تزال خراجية، وهكذا الشام؛ لأنها فُتحت عنوة، وأقرَّها الصحابةُ بأيدي أهلها، وضربوا عليهم الخراج الذي هو شيء معلوم كالأجرة، يفرضه وليُّ الأمر بعد التَّحري، بعد التَّشاور في هذا، ويضرب عليهم ما يُناسبهم، ولا يكون فيه ظلمًا لهم، يعني: خراج يكون خارجًا عمَّا يحتاجون إليه من نفقة الفلاحة ونفقة العائلة، يعني: يكون خراجًا مُقاربًا، وأجرةً مقاربةً، ليس فيها مضرة على أهل الأرض؛ لأنَّ الأرض تحتاج إلى فلاحةٍ وتعبٍ ونفقةٍ، والفالحون يحتاجون إلى أن يأكلوا منها ويُنفقوا، فيُضرب عليهم شيءٌ يكون مقاربًا، لا يضرّهم، ولا يجحف بهم كأجرةٍ، والله أعلم.

س: ..............؟

ج: ما في شيء، الذي يظهر أنها في حكم الفيء.

س: ...............؟

ج: يعني: لجنس المسلمين، لبقية المسلمين، يجعل لهم مثلًا يخطّ لهم خططًا يسكنونها، يجعل لهم أرضًا يفلحونها على حسب ما يرى.

س: ...............؟

ج: لأنها قد يكون فيها موات، وقد يكون فيها شيء حيّ فلأهله.

س: ...............؟

ج: يُوزعون الغلة.

س: فقط؟

ج: نعم، هذا الذي بلغنا.

س: ...............؟

ج: القرية الثانية قاتلوا عليها فأُخذت، وهذه ما قاتلوا عليها: إما تركوها خوفًا وفزعًا، جلوا أو صُولحوا على أنها للمسلمين، أهل ..... مثل: قصة بني النَّضير، والمصالحين مثل .....

س: ..............؟

ج: الظاهر والله أعلم أنه مثلما يُعطى غيرهم، أنتم كغيركم فيها.

س: ..............؟

ج: ليس معناها قسم الغنيمة يعني؛ ولهذا أشكل على بعض الناس هذا الحديث: سهمكم فيها، لكن هذا هو أوجه معنى.

س: ...............؟

ج: مَن مغلها، أو مثلًا إذا أراد أن يُعطي منها أحدًا، يعني: منحةً، سكنًا له .....

س: ................؟

ج: رسل، رسل، وجاء مُسيلمة نفسه، وجاءت رسله بعد ذلك.

س: ...............؟

ج: إيه، نعم، الخراج يبقى؛ لأنها فُتحت عنوة، يبقون فيها، ويُؤخذ منهم الخراج.

بَابُ الْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ

1320- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَهَا -يَعْنِي: الْجِزْيَةَ- مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَهُ طَرِيقٌ فِي "الْمُوَطَّأ" فِيهَا انْقِطَاع.

1321- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ فَأَخَذُوهُ، فَحَقَنَ دَمَه، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

1322- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ معافريًّا. أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

1323- وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

1324- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1325- وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ... فَذكر الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: "هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.

1326- وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ: "أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا"، فَقَالُوا: أَنَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.

1327- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: هذا الباب في الجزية والهدنة، أجمع أهلُ العلم بالجملة على جواز أخذ الجزية، وعلى مُفاداة الكفَّار ومُصالحتهم بالمصلحة التي يراها وليُّ الأمر، والأصل في هذا قوله جلَّ وعلا في سورة التوبة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فأمر بقتالهم، وأخبر أنَّ إيمانهم ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ إيمانهم منقوضٌ بكفرهم بالله ، وإن كانوا يُؤمنون بالبعث والنُّشور، لكن لما كان إيمانًا فاسدًا باطلًا؛ لما جرى منهم من التَّكذيب لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام؛ ولما جرى منهم من التَّغيير في التَّوراة، صار إيمانهم لاغيًا؛ ولهذا قال: وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ؛ لأنَّ الدِّين الذي معهم ناقضٌ من نواقض الإسلام، ليس بدين الحقِّ، بل هو دين باطل: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

فدلَّ ذلك على أنَّ أهل الكتاب يُقاتَلون، إلا إذا رضخوا للجزية وتسليمها، فيكفّ عنهم، مع التزامهم بالذلِّ والصَّغار الذي يفرضه عليهم وليُّ الأمر في مُعاملاتهم، وفي لباسهم، وفي غير ذلك؛ حتى يُعرفوا بين الناس، ويتميزوا عن المسلمين، وحتى يظهر ذلك عليهم؛ ليقودهم ويحفزهم ذلك إلى الدخول في الإسلام؛ حتى يسلموا من الجزية التي هي ذلّ عليهم، وما يُفرض عليهم من أنواع المخالفة لزي المسلمين؛ لما فيه ذلٌّ وصغارٌ لهم.

والحكمة في ذلك والله أعلم هو ما تقدم: أنَّ في هذا حافزًا وداعيًا إلى أن يدعوا كفرَهم وضلالهم، ويدخلوا في الإسلام؛ حتى تحصل لهم العزَّة، ويسلموا من هذا الذلِّ، ومن هذا المال المضروب عليهم.

وكذلك قوله جلَّ وعلا في الهدنة: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال:61]، وفي قصة الحُديبية، فالجزية ضرب مالٍ على الكافر يُؤديه كل سنةٍ؛ عونًا للمسلمين، وصغارًا له، لعله يستجيب لداعي الحقِّ، ويدع باطله، وهي من الجزاء، كأنها سُميت بذلك لأنها جزاء له في مقابل بقائه، وترك قتاله بين المسلمين.

ثم اختُلف في بقية الكفَّار بعد الموافقة على إلحاق المجوس باليهود والنَّصارى في أخذ الجزية؛ لأنَّ الرسول أخذها منهم كما في حديث عبدالرحمن بن عوف المذكور هنا: أنَّ النبي ﷺ أخذ الجزيةَ من مجوس هجر. وهكذا ما جاء في حديث المغيرة لما قاتلوا فارسًا أمرهم النبيُّ أن يُقاتلوا فارسًا حتى يعبدوا الله وحده أو يُؤدوا الجزية، أما بقية الكفرة من الوثنيين من العرب وغيرهم اختلف العلماءُ في أخذها منهم على أقوالٍ:

فمنهم مَن أجاز أخذها مثل بقية الكفرة؛ لحديث بُريدة الذي رواه مسلم، وفي أوله: ادعهم إلى ثلاثٍ، وقال في آخره: فإن أبوا فاسألهم الجزية، ولم يخصّ ذلك باليهود والنَّصارى والمجوس، قالوا: فهذا يدل على أخذها من بقية المشركين.

وهذا قول جماعةٍ من أهل العلم، واستثنى بعضُهم العرب خاصةً، قالوا: العرب لا تُؤخذ منهم؛ لأنَّ الرسول قاتلهم وقال: إنَّ هذه الجزيرة لا يبقى فيها دينان، وأمر بإخراج اليهود والنَّصارى والمشركين منها.

والصواب أنَّ الجزية إنما تُؤخذ من اليهود والنَّصارى والمجوس، كما أخذها النبيُّ ﷺ، وأخذها أصحابُ النبي ﷺ، ولم يأخذوها من غيرهم؛ ولأنَّ الصحابة توقَّفوا في أخذها من المجوس حتى شهد عبدُالرحمن بأنَّ الرسول أخذها منهم، فدلَّ ذلك على أنَّ الأصل أنها تُؤخذ.

وحديث بُريدة محمول على هذا، وأن المشركين: اليهود والنصارى والمجوس: إذا لقيتَ عدوك من المشركين، فهو مُطلق، مراد به ما قصّ علينا الربُّ جلَّ وعلا في سورة التوبة في اليهود والنَّصارى، وهم أهل الكتاب، وما جاء في حديث عبدالرحمن في المجوس، والله قال في سورة التوبة عن الكفار: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، ما قال: أو أدُّوا الجزية، وهي آية السَّيف، فدلَّ ذلك على أنهم لا يُقرون بالجزية إلا إذا كانوا من الأصناف الثلاثة التي جاء النصُّ باستثنائهم.

وفي حديث أُكيدر الدلالة على أنَّ النصارى كاليهود تُؤخذ منهم الجزية، وكان أكيدر في دومة الجندل، المعروف بالجوف هنا، فأخذ منهم الجزية وأقرَّهم على نصرانيتهم وعلى دينهم الباطل، فدلَّ ذلك على أنهم كاليهود في أخذ الجزية منهم، ولو كانوا عربًا فلا فرقَ بين العرب والعجم، فمَن اعتنق اليهودية أو النَّصرانية -عربًا أو عجمًا- أُخذت منهم الجزية، وهكذا المجوس عربًا وعجمًا.

وفي حديث معاذٍ: أن النبي ﷺ أخذها من اليمن، واليمن عرب في الغالب، وفيهم العجم، ومع هذا أخذها النبيُّ ﷺ، ثم لم يُفرق، فدلَّ ذلك على أنها تُؤخذ من اليهود والنصارى مطلقًا، عربًا وعجمًا، ثم أمر النبي بإجلاء الكفار من الجزيرة، فدلَّ ذلك على أنَّ أخذها منهم لا يمنع من إجلائهم بعدما أمر النبي بإجلائهم عليه الصلاة والسلام، فالجزيرة ليست محلَّ سكنٍ للكفار، وإنما هي محل الإسلام، هي مهد الإسلام، ومنبع الإسلام، فلا يُقرّ فيها مشرك؛ ولهذا تقدم في "الصحيحين" عن ابن عباسٍ: أن النبيَّ ﷺ أمر بإخراج المشركين من هذه الجزيرة، وقال: لا يبقى فيها إلا مسلم، وقال في آخر حياته: لأُخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا، وقد نفذ هذا الأمر الفاروق في خلافته؛ فأجلاهم من الجزيرة.

وفي حديث معاذٍ: من كل حالمٍ يعني: مُحتلم دينار سكة معروفة من الذهب، أو عدله يعني: ما يُقابله من معافري، وهي ثياب معروفة ترد من اليمن، منسوبة إلى بلادٍ يُقال لها: مَعافر، بفتح الميم، والمعنى: دينار أو قيمته.

واختلف العلماءُ: هل هذا حدٌّ لا يُتجاوز، أو هذا هو الحدّ الأول؟

على قولين:

منهم مَن قال: إنه حدٌّ لا يُتجاوز، وأنَّ ولي الأمر لا يتجاوز الدينار أو عدله في فرض الجزية؛ ولهذا ذهب الشَّافعي وجماعة وقالوا: إنَّ الرسول ﷺ أراد بهذا الحدّ.

وقال آخرون: إنه ﷺ أمره بذلك؛ لأنَّ أحوال اليمن ذاك الوقت لا تتحمل؛ لضعف الحال، وقلة المال، فأمرهم بهذا المقدار؛ لأنَّ اليمن لا تتحمل، لكن إذا كان الكفَّار أغنياء، عندهم أموال وقوة، فلا مانع من زيادة الجزية. وهذا هو الذي عليه العمل في الدول الإسلامية؛ يضعون الجزيةَ على حسب أحوال الكفار: فإن كانوا أغنياء زادوا فيها، وإن كانوا دون ذلك خفضوا فيها؛ ولهذا قال ابنُ أبي نجيح المجاهد: ما بال الجزية في الشام بأربعة دنانير، وفي اليمن دينار؟ قال: على حسب السعة والغنى.

وجاء في حديثٍ: أن النبيَّ ﷺ فرض على أهل نجران ألفي حلةٍ. رواه أبو داود.

فرض ألفي حلةٍ وثلاثين بعيرًا وثلاثين فرسًا وثلاثين درعًا وثلاثين من كل أصناف السلاح، يكون عاريةً للمسلمين، فإذا حصل في اليمن كيدٌ -يعني: حدثٌ من الأحداث- يُستعان به على الجهاد، ثم يُردّ على نصارى نجران، ثم أمر عمر بإجلائهم بعد ذلك.

المقصود أنَّ أرجح الأقوال أن الجزية لا تختصّ بها، وإنما هذا هو الأقل، أقلّ ما تُفرض، فإذا رأى وليُّ الأمر الزيادةَ في ذلك والمصلحة تقتضي ذلك فلا مانع من زيادتها؛ ولهذا اختلفت آراءُ الخلفاء الراشدين ومَن بعدهم في وضع الجزية على حسب أحوال الكفرة من كثرة الأموال وعدم ذلك.

وقد تضطر الحال ويعجز ..... عن أخذها منهم، فإذا دعت الضَّرورة إلى إقرارهم بغير جزيةٍ للعجز عن ذلك؛ ولأنَّ أخذها قد يُفضي إلى شرٍّ على المسلمين، فالصواب جواز إقرارهم بدون ذلك عند العجز عن استيفائها، وعند خوف فتنةٍ تقع على المسلمين، وضرر يضرهم من عدوهم، وإلا فالأصل أخذها وإلزامهم بها عند القُدرة على ذلك.

والحديث الرابع حديث عائذٍ: الإسلام يعلو ولا يُعلى، وهذا دلَّت عليه آيات كثيرات وأحاديث، وأنَّ الواجب على ولاة الأمور أن يعملوا بما فيه علو الإسلام وظهوره على الأعداء: في أخذ الجزية، وفي المصالحة، وفي كلِّ شيءٍ إلا عند العجز، وإلا فالواجب العناية بإعلاء الإسلام، كما قال النبيُّ ﷺ: لا تبدؤوا اليهود ولا النَّصارى بالسلام، كما في الحديث الخامس: وإذا لقيتم أحدَهم في طريقٍ فاضطروه إلى أضيقه هذا من باب إعلاء الإسلام وإظهار قوته، وذلّ أعدائه.

هذا يُستعمل عند القُدرة، عند القُدرة على ذلك، فتُؤخذ الجزية ويُعاملون بما فيه إذلالهم؛ لعلهم يدخلون في الإسلام، ولعلهم ينقادون للحقِّ، ولعلهم يدعون ما هم عليه؛ لأنَّ في ذلك إحسانًا إليهم بإخراجهم من الظُّلمات إلى النور، في دعوتهم إلى الخير في هذا الذلِّ وفي هذا الصَّغار خيرٌ لهم؛ لعلهم يرجعون، لعلهم يخرجون مما هم فيه من الباطل والكفر، لكن عند العجز وعند الضَّعف من ولاة الأمور لا بأس أن يتنازلوا عن بعض الشيء.

ولهذا وقع في صُلح الحديبية في الحديث السادس: أن النبي ﷺ صالح الكفرة من أهل مكة على شيءٍ فيه بعض الذل للمسلمين، لكن للمصلحة العظيمة؛ حتى يأمن الناسُ، وحتى يتَّصل بعضُهم ببعضٍ، وحتى يستطيع الكفَّار أن يسمعوا القرآنَ، وأن يجلسوا مع المسلمين، فيحصل لهم بهذا خير عظيم.

وقد صالح النبيُّ ﷺ أهلَ مكة على يد سهيل بن عمرو صلحًا فيه غضاضة على المسلمين، لكن قضاه الحاجة إلى ذلك، وهي المصلحة العظمى للمسلمين، فقد صالحهم على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكفّ بعضُهم عن بعضٍ، واشترطوا عليه أن يكتب: محمد بن عبدالله، وألا يكتب: محمد رسول الله، فأجابهم، معلوم أن في هذا بعض الغضاضة، لكن للمصلحة، وقال: اكتب محمد بن عبدالله، أنا محمد بن عبدالله، وأنا محمد رسول الله، فأمر أن يكتب: محمد بن عبدالله؛ لأنهم لم يُقروا بالرسالة، وقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك. ثم كتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قالوا: لا، اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال: اكتبوها كما قالوا: باسمك اللهم، ثم اشترطوا عليه أنَّ مَن جاءنا من المسلمين مُرتدًّا لا نرده عليكم، ومَن جاءكم منا مسلمًا تردوه علينا، فأجاب النبيُّ أيضًا إلى ذلك.

فهذه الشروط الثلاثة كلها صار فيها بعض الغضاضة، حتى قال عمر في ذلك قال: يا رسول الله، كيف نُعطي الدَّنية في ديننا؟! ألسنا على الإسلام وهم على الكفر؟! أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟! قال: بلى، ولكني رسول الله، ولن يُضيعني الله عليه الصلاة والسلام، ثم ذهب إلى الصديق فقال له الصديقُ: إنه رسول الله ولن يُضيعه الله، فاستمسك بغرزه فإنه على الحقِّ عليه الصلاة والسلام.

المقصود أنه تم الصلحُ على هذا، ومعلوم ما في هذا من الغضاضة، لكن للمصلحة العامَّة؛ لأنه أراد ﷺ أن يأمن الناسُ، وأن ينتهي القتالُ؛ حتى يظهر الإسلامُ بين العرب وينتشر، وينتشر الناس ويتَّصلوا بالمدينة، ويتَّصلوا بالمسلمين ويحصل سماع القرآن وسماع الأحاديث، ويعرف الناسُ أخلاقَ الإسلام وأعمال الإسلام فيدخلون في دين الله بغير قتالٍ، وهذا هو الواقع؛ فإنَّ الناس لما أمنوا اتَّصل بعضُهم ببعضٍ وسمعوا القرآن، وسمعوا الأحاديث، ودخل الناسُ بعد ذلك في دين الله كثيرًا، فلما فُتحت مكة دخل الناسُ في دين الله أفواجًا.

فدلَّ هذا على أنه يجوز لولي الأمر المصالحة بما فيه غضاضة عند الضَّرورة، إذا دُعي لذلك، وعند وجود المصلحة العامَّة للمسلمين، لا عن ضعفٍ، ولا عن مُداهنةٍ، ولا عن مُوالاةٍ، لكن للمصلحة العامَّة، ينظر المصلحة العامَّة للمسلمين، فإذا رأى المصلحة العامَّة للمسلمين في شيءٍ من الشروط التي تدعو لها الضَّرورة فلا بأس.

والحديث السابع حديث ابن عمر: مَن قتل مُعاهدًا لم يرح رائحةَ الجنة رواه البخاريُّ.

هذا يدل على تحريم قتل المعاهدين، وأنَّ المسلمين إذا أعطوا عهدًا للكفار فليس لهم قتالهم حتى تتم المدةُ، أو ينبذون العهد، أو يخافون من خيانتهم، فلا يجوز لهم الغدر، والغدر من صفات المنافقين: إذا عاهد غدر، أما المسلمون فلا يغدرون.

وقوله: من مسيرة أربعين عامًا فإنَّ ريحها دون مسيرة أربعين عامًا، هذا يدل على عظم الريح، وأنه ريح عظيم؛ حتى يجده المؤمنُ يوم القيامة من مسيرة أربعين عامًا: ريح الجنة؛ لما فيها من الطيب العظيم، والرائحة العظيمة الحسنة ..... أربعين عامًا، وهذا يدل على أمرٍ عظيمٍ لهذه الريح.

وجاء في بعض الروايات والأحاديث الأخرى بعضها: "سبعين عامًا"، وبعضها: "مئة عامٍ".

وهذا يدل -كما قال جماعةٌ من أهل العلم- [على] أنَّ الريح تختلف على حسب إيمان الذي يجد الريح، فكلما قوي الإيمانُ وعظم الإيمانُ وجد الريحَ من مسافةٍ طويلةٍ أكثر من أربعين عامًا.

وفَّق الله الجميع.

س: قول سهيل: "لو نعلم أنك رسول الله" العلم بقلبه أو العلم باللِّسان؟

ج: الظاهر مُكابرة: "لو نعلم" يعني الجحد؛ لأنَّ الله أخبر عنهم أنهم جحدوا، وسهيل من أكابرهم، من أساطينهم، ولما أسلم نفع الله به الإسلام، المقصود أنهم مثلما قال الله: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، يقول هذا مُكابرةً، وإلا فهم يعلمون في داخل قلوبهم أنه رسول الله.

س: قوله: لا تبدؤوا اليهودَ والنَّصارى بالسلام، وإذا لقيتُم أحدَهم في طريقٍ فاضطروه إلى أضيقه؟

ج: على ظاهره، عند القُدرة، يعني: يمشون على وسط الطريق حتى تكون الحافات للكفرة.

س: الجزية هل تُؤخذ من البوذيين والشُّيوعيين أم لا؟

ج: تُؤخذ من اليهود والنَّصارى والمجوس.

س: بعض الناس يقيس الآن اضطرارهم إلى أضيقها بالسيارات؟

ج: المقصود يكون العلو للإسلام، يعني: يسلك المسلمون الوسط، يكون لهم الطريق الواسع الوسط، أما إذا نظم الطريق، ما عاد للناس فيه حيلة يلزم المشي على الطريق المنظم.

س: قد يكون فيه خطورة؟

ج: نعم ما يصلح، بعدما نظمت الطرقُ وجب المشي على الطريق المنظم.

س: قتل المعاهد ......؟

ج: نعم، ولا يُقاد به، يُعزر ويُؤدب، عليه الدية، ولا يُقاد به المسلم، لا يُقاد بالكافر، لكن ولي الأمر يُعزره إذا تعدَّى، ويلزمه بالدية ويُؤدبه.

بَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

1328- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِد بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّة، وَمِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيل.

1329- وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَبقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1330- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1331- وَعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَمِنَ فَهُوَ قِمَارٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

1332- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْرَأُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]: أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: باب السّبق والرمي. يعني: باب شرعية المسابقة والرماية؛ ليتمرَّن على الإعداد للحرب والجهاد، فالمجاهدون محتاجون إلى أن يعدّوا أنفسهم للمُسابقة والرمي بأنواع السلاح والعَدْو حتى يُدركوا مُرادهم من عدوهم؛ حتى يهربوا من عدوهم عند الحاجة؛ فلهذا عقد الأئمةُ بابًا للسبق والرمي.

الحديث الأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبيَّ سابق بين الخيل، وجعل للمُضمرة أمدًا غير أمد غير المضمرة، المضمرة تكون خفيفةً ونشيطةً وقويةً، فجعل أمدها بعيدًا: خمسة أيام أو ستة، وغير المضمرة ثقيلة، جعل أمدها أقلّ.

وهكذا في الحديث الآخر: فضَّل القرح في الغاية. والقرح هي العتيقة القوية التي قد تمرنت، وقد اعتادت الجري، والصَّغيرة حتى الآن.

قال أئمةُ اللغة: القارح من الخيل هي التي تُشبه البازي من الإبل، يعني: قد ارتفع سنُّها، واعتادت الجري، والبازل من الإبل هي التي تمَّ لها ثمانٍ ودخلت في التاسعة، يقال لها: بازل، فالبازل من الخيل هو الذي تم سنُّها، وارتفع سنُّها، وبلغت الغاية.

قال بعضُهم: إذا دخلت في الخامسة صارت بازلًا، يعني: الخيل القرح هي التي دخلت في الخامسة، كما قال صاحب "النهاية" ..... وغيرها صغير دونها، فهذه أقوى في الجري؛ لأنها قد تم خلقها، وقويت أعضاؤها، واعتدل جسمها، فيكون لها المدى الأطول من مدى الصغيرة وغير المضمرة.

والتضمير شيء يعرفه أهلُ الخيل: يُطعمونها كثيرًا، ويُشبعونها كثيرًا مدة من الزمن، ثم يمنعون عنها بعض الطعام والشراب، ويُعطونها قوتًا أيامًا معدودة قرب السباق؛ حتى تكون قويةً شديدةً خفيفةً، فيكون لها مدى أطول من غيرها.

وفي الحديث الثاني يقول ﷺ: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ.

النصل: السِّهام، الرمي. والخفّ: الإبل. والحافر: الخيل، السباق على هذه الحيوانات يجوز فيه العوض، والسبق هو العِوض: لا سبق لا عوض. فيجوز وضع العِوض في هذه الثلاث: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ، أما المسابقة على الأقدام، أو بالبغال، أو بالحمير فلا يجوز فيها سبق عوضٍ، بل المسابقة بدون شيءٍ، أما التي يحتاجها في الجهاد ويعتمد عليها في الجهاد ففي هذه الثلاث: الرمي، والإبل، والخيل. فلا مانع أن يكون فيها عوضٌ؛ حتى ينشط الناسُ للمُسابقة، واختبار الخيل الجيدة، واختبار الإبل الجيدة، حتى تُستعمل في الجهاد، وهكذا بالرمي؛ حتى يعتاد الرمي، فإنه إذا جعل له عِوض صبر على المسابقة وعلى ما قد يُنفق من الرصاص في هذا ويخسر، فهو يرجو العوض؛ فلهذا يُنفق ويشتري الرصاص ويصبر على المسابقة بالرمي؛ حتى يعتاد هذا، ويقوى على الرمي، وعلى إصابة الهدف، بسبب الاعتياد السابق؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]؛ ولهذا خطب النبيُّ ﷺ وقال: ألا إنَّ القوة الرمي، ألا إنَّ القوة الرمي، ألا إنَّ القوة الرمي ثلاث مرات، يُكرر.

ومَن تعلم الرمي ثم نسيه فقد عصى، أو فليس منا، كما في الرواية الأخرى عند مسلم: مَن تعلم الرمي ثم نسيه فقد عصى، أو قال: فليس منا، وهو يفيد أنه يجب على المؤمن أن يعتني بهذا، وألا يُضيعه إذا تعلمه، يُشرع له التَّعلم، وإذا تعلم يُحافظ عليه، لا ينساه، حتى إذا جاء الجهادُ وقام يوم الجهاد إذا هو قد استعدَّ، وقد تأهَّل لهذا الشيء.

وقد بسط ابنُ القيم رحمه الله البحثَ في كتابه "الفروسية"، وهو كتاب جيد في هذا الباب، اعتنى به في أمور الفروسية وما يُؤخذ فيه العِوض وما لا يؤخذ فيه العِوض، وينبغي أن يُراجع؛ لأنه كتاب مفيد في هذا المعنى.

الحديث الرابع حديث أبي هريرة: مَن أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس، فإن أمن فهو قمار.

اختلف العلماءُ في المحلل، إذا كان شخصان فقط هل يحتاجا إلى المحلل، أو لا بأس أن يُخرجاه من مالهما عِوضًا للمُسابقة، أو من مال أحدهما؟

اتَّفق العلماءُ على أنه إذا كان المالُ من غيرهما فلا بأس، إذا أخرج المالَ الإمامُ من بيت المال، أو جعله للمُسابقين فلا بأس عند الجميع، أو إنسان مُتبرع قال: للسَّابق ألف ريال، للسابق عشرة آلاف ريال. هذا لا بأس، يتسابقون، ومَن سبق أخذ هذا المال، وإن جعل للسَّابق كذا، وللثاني كذا، وللثالث كذا، وللرابع كذا، وللخامس كذا، فلا بأس؛ لأنها كلها فيها حفز للمُسابقة وحثّ.

أما إذا كان منهما فهذا محل اختلافٍ، إن كان منهما فهل يجوز أو لا بدَّ من محلل، وهو فرس ثالث؟

والحديث ضعيف كما ذكر المؤلفُ؛ قد ضعَّفه الأئمةُ، وليس بصالحٍ؛ ولهذا اختار جمعٌ من أهل العلم أنه لا بأس أن يكون السبقُ منهما أو من أحدهما؛ لأنه مقصود به الخير، مقصود به التَّهيئة للجهاد، والإعداد للجهاد، فليس من القمار.

وقال قومٌ: يكون من القمار؛ لأنَّ كل واحدٍ: إما أن يغنم، وإما أن يخسر، فلا بدَّ من ثالثٍ؛ حتى يكون الاثنان قد لا يغنمان ولا يخسران إذا كان معهما ثالث، قد يكون الواحدُ منهم لا يغنم ولا يخسر .....، والمسألة فيها نظر وتأمُّل، سيأتي فيها بحثٌ إن شاء الله، في الدرس الآتي إن شاء الله؛ لتحقيق كلام العلماء في هذه المسألة.

والشيخ تقي الدين رحمه الله يختار أنه لا حاجةَ إلى المحلل، وهكذا جماعة يختارون ذلك، وأنه لا بأس أن يكون العِوض منهما، أو من أحدهما، المسألة تحتاج إلى مزيدٍ من العناية، والله أعلم.

س: ................؟

ج: هو المحلل نعم.

س: ................؟

ج: لا بأس فيها، لا حرج فيها، لكن ما يجوز فيها العِوض.

س: ...............؟

ج: يسبق إذا كان فرسًا جيدًا، إذا كان يسبق فلا بأس، أما إن أُدخل وهو ..... ما له قيمة، فهذا وجوده كعدمه، فيكون قيمة، وعلى رأي مَن قال هذا، لكن الحديث مثلما سمعت: ضعيف.

س: ................؟

ج: يعني يكونون ثلاثة إذا كان السبقُ منهما؛ حتى يكون ..... قد يغنم وقد لا يغنم، يتسابقون كلهم، وواحد منهم إذا لم يسبق ما عليه شيء: لا ربح، ولا خسر شيئًا، هذا المقصود، بخلاف المقامرين فلا بدَّ لكلِّ واحدٍ: إما [أن] يخسر، وإما [أن] يغنم، كل واحدٍ يحطّ شيئًا، هذه المقامرة.

س: يعني مفهوم هذا الحديث الضَّعيف أنهم إذا كانوا اثنين فلا يجوز؟

ج: إيه، ما يجوز وحدهم وهم قد أخرجوا.

س: ..............؟

ج: لأنه لا يؤمن أن يسبق، إذا كان قويًّا صار لا بأس، قد يسبقهم ويأخذ السبق على الثالث.

س: يعني الثالث لا بدَّ أن يكون ..؟

ج: قويًّا؛ حتى يظنّ فيه السبق.

س: ...............؟

ج: محل نظرٍ، أما إن كان فيها عملٌ: مَن استخرج البحثَ هذا يُعطى كذا. هذه جوائز، من باب الجعالة: مَن استخرج حكمَ كذا بأدلته فله كذا. ومَن ..... كذا فله كذا. هذه ما هي من القمار، هذه من باب الجعالات، من باب المساعدة والتَّشجيع، مثلما يقال: مَن فتح الحصن فإنَّ له كذا، مَن أتى ..... فله كذا، مَن أتى بمال كذا أُعطي كذا؛ تشجيعًا على الحرب والجهاد والكسب.

س: ...............؟

ج: لا، هذا ما يصلح.

س: ................؟

ج: لا، هذه ما تصلح إلا في الثلاث: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خفٍّ، أو حافرٍ.

س: ...............؟

ج: هو قول بعض أهل العلم، اختاره بعضُ أهل العلم، لكنه قول ضعيف يُخالف الحديث الصَّحيح.

س: ...............؟

ج: لا: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ.

س: ..............؟

ج: نعم، ما يجوز، كل واحدٍ يأخذ حقَّه فقط.

س: الذي لا يتعلم الرماية؟

ج: هو فرض كفايةٍ، إذا تعلم من المسلمين مَن يكفي لجهاد العدو كفى، ولكن إذا تعلم يجب أن يُحافظ، لا ينسى، إذا تعلم يجتهد في أن يتبقى التَّعلم، لا ينساه، وأنواع الرمي كثيرة: منها المدافع والبنادق وغيرها، أنواع الرمي بحسب ما استجدَّ بين الناس.

................

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ

1333- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1334- وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظ: نَهَى. وَزَادَ: وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ.

1335- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: وَرَخَّصَ.

1336- وَعَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1337- وَعَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْأَرْنَبِ قَالَ: فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَبِلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1338- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1339- وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: الضَّبُعُ صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ.

الشيخ: هذا كتاب الأطعمة، من عادة كثيرٍ من المؤلفين [أنهم] يجعلون هذا الكتاب في آخر كتبهم في الحديث والفقه، يذكرون أولًا العبادات؛ لأنها أهم شيءٍ، العقائد والعبادات أهم شيءٍ؛ فلهذا يبدؤون بها؛ لأنَّ العبد خُلق ليعبد ربَّه ويُطيعه ؛ ولهذا يبدأ العلماءُ بالعبادات؛ لأنها المقصود من خلق بني آدم: أن يعبدوا الله.

ثم يذكرون المعاملات؛ لأنَّ الناس في حاجةٍ إلى معرفة المعاملات التي يستعينون بها على ما يحتاجون إليه من ملابس يُصلون فيها، ويمشون فيها بين الناس، وحاجات أخرى: من شراء الطعام والشراب، وغير هذا؛ فلهذا احتاج الناسُ إلى المعاملات حتى يعرفوا أحكام ملابسهم ومآكلهم وسكنهم وغير ذلك، وما يكون بعد ذلك مما يتعلق بالأوقاف والوصايا والنكاح والطلاق؛ لأنَّ هذا له صلة بالمعاملات، ودخل في المعاملات؛ فلهذا يجعلونها بعدها؛ لأنَّ الإنسان إذا ملك أوقف وأوصى وتزوج، وكلها دخلت في المعاملات، واتَّصلت بالمعاملات.

ثم يذكرون الحدودَ وما يتعلق بالحدود والجنايات؛ لأنَّ العبد إذا تمت عليه النِّعمة وأدرك الخيرَ في الغالب يطغى ويقع في الفساد والشرِّ والمعاصي، فيحتاج إلى أن تُقام عليه الحدود والتَّعزيرات؛ فلهذا ذكروه بعد المعاملات، وبعد النكاح والطلاق؛ لأنَّ الغالب على بني آدم هكذا: إذا تمت النعمةُ جاء الفساد وجاء الشرُّ: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6- 7].

ثم ذكروا بعد ذلك الأطعمة التي تحلّ وتُباح، والتي لا تحلّ؛ حتى يعرفها المؤمنُ فيشتري ما يُباح، ويُهدي ما يباح، ويأكل ما يُباح، ويترك ما لا يُباح.

ثم ذكروا الخصومات بعد ذلك وما يقع من الخصومات والقضاء؛ لأنَّ الناس تقع بينهم الخصومات، وتقع بينهم النزاعات، فيحتاجون إلى حكم القاضي.

المقصود أنَّ الأطعمة هي ما يُؤكل ويُشرب، كما في قوله: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249]، المقصود أن الطعام يُطلق على هذا وعلى هذا، وإن كان الغالبُ يُطلق على المأكولات، وما يُشرب يقال: أشربة، فالأشربة والأطعمة فيها ما يُباح، وفيها ما يحرم، فاحتيج إلى بيان ذلك؛ ولهذا ذكرها العلماءُ: علماء الحديث والفقه؛ ليعرف المؤمنُ ما أباح الله له فيتناوله؛ وليعرف ما حرَّم الله عليه فيجتنبه.

وهي جمع طعامٍ، كالأشربة جمع شرابٍ، والأوعية جمع وعاءٍ، والأسقية جمع سقاءٍ، فهذه المادة معروفة.

الحديث الأول حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: كل ذي نابٍ من السباع فأكله حرام، وهكذا جاء هذا المعنى عند البخاري من حديث أبي ثعلبة الخشني.

وكل ذي نابٍ يعني: كل ذي سنٍّ يفترس به، والنَّاب هو ما يلي الرباعية، فما كان يفترس من الحيوانات حرَّمه الله لحكمةٍ بالغةٍ: كالأسد، والنمر، والذئب، والكلب، والهر، والثعلب، هذه كلها تفترس، وكلها مُحرَّمة؛ لما فيها من سُوء الأخلاق والعدوان، فمن رحمة الله أن حرَّمها؛ لأنَّ المتغذي بها قد يتشبَّه بها، وقد يُبتلى بأن يكون من أهل العدوان، كما أنها تعتدي.

ورواه مسلم من حديث ابن عباسٍ بلفظ: نهى رسولُ الله عن كل ذي نابٍ من السباع، وعن كل ذي مخلبٍ من الطير.

والسباع تكون في المواشي: كالأسد والنمر ونحو ذلك، وتكون في الطيور: كالعقاب والصقر والباشق وأشباهها مما يفترس الطيور، فحرم هذا وهذا.

قال بعضُ أهل العلم: السرُّ في ذلك والله أعلم أنَّ الذي يتغذَّى يتشبَّه بما يتغذَّى به، فمن رحمة الله أن حرَّم هذه الأشياء حتى لا يكون المؤمنُ شبيهًا بها في أذاها وافتراسها، كما حرَّم الخبائث لئلا يتأثر بها وخبثها من العقرب والحية والفأر وأشباه ذلك.

والحديث الثاني حديث جابرٍ في الحُمر والخيل: حرَّم رسولُ الله الحمر الأهلية، ورخَّص في الخيل، والحمر الأهلية جاءت فيها الأحاديث الصَّحيحة عن النبيِّ ﷺ في تحريمها، وأنها رجس.

ورُوي عن ابن عباسٍ وبعض السلف فيها بعض الخلاف؛ قال بعضهم: إنها حُرمت من أجل ..... القرية. وقال بعضُهم: لحمولة الناس. ثم استقرَّ الإجماعُ على تحريمها عند أهل العلم -تحريم الحمر الأهلية- لأنَّ الأحاديث فيها مُستفيضة عن النبيِّ ﷺ في تحريمها، ويُقال لها: الحمر الأهلية والإنسية؛ لأنها تُستعمل وتأنس بالناس، بخلاف حمر الوحش فإنها تُشبه الوحشة، وليست مثل هذه الخلقة، بل لها خلقة أخرى، فهي حلّ وصيد.

أما الخيل فقد أحلها الله، وقد تنازع فيها العلماءُ، وذهب بعضُهم إلى تحريمها، والصواب الذي عليه جمهور أهل العلم حلّها؛ لما ثبت من حديث جابرٍ في "الصحيحين": أنَّ النبي أجاز لحوم الخيل، ولما في "الصحيحين" من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله فرسًا فأكلناه ونحن في المدينة.

فالمقصود أنَّ الخيل حِلٌّ لنا كحمر الوحش، وكالغنم والإبل والبقر، ومَن قال بتحريمها فقوله ضعيف ومردود بالأحاديث الصَّحيحة.

وقد احتجَّ بعضُ أهل العلم بحديث خالد بن الوليد: أن النبيَّ ﷺ نهى عن البغال والحمر الأهلية والخيل، ولكنه حديث ضعيف عند أهل العلم لا يُحتج به، والصواب الذي عليه جمهورُ أهل العلم هو أنها حلٌّ؛ لمجيء الأحاديث الصَّحيحة في ذلك.

والحديث الثالث: حديث عبدالله بن أبي أوفى ، الأسلمي، قال: غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكل الجراد.

هذا يدل على حِلِّ الجراد، وأنَّ الجراد من جملة الطيبات المباحة، صغيره وكبيره، ذكره وأُنثاه، حيُّه وميته.

والرابع: حديث أنسٍ في الأرنب، وأنهم أنفجوا أرنبًا بمر الظّهران فذبحوها، وبعث أبو طلحة بوركها إلى النبيِّ فقبله عليه الصلاة والسلام، الأرنب حِلُّ، الأرانب حِلٌّ بإجماع أهل العلم، من الطيب، وهكذا الظِّباء وحمر الوحش والوعل، كل هذه من الطيبات التي أباح الله لعباده.

والعُقاب تقدم أنه من ذوي المخالب من الطير، وأنه من المحرمات: العقاب والصقر والباشق.

س: في البرّ يصطادونهم ويأكلونهم؟

ج: لا عبرةَ بمَن استحلَّ ما حرَّم الله.

والحديث الخامس: حديث ابن عباسٍ في النَّهي عن النملة والنحلة والهدهد والصُّرد. هذه الأشياء نهى النبيُّ عن قتلها، فدلَّ على تحريمها؛ لأنها لو أُبيحت لقُتلت، فلما نهى النبيُّ عن قتلها دلَّ على تحريمها، وأنه لا يجوز قتلها ولا أكلها.

النملة والنَّحلة معروفة، والهدهد معروف، والصرد معروف، كل هذه الحيوانات: النملة والنحلة، النملة معروفة، قد تطير بعض الأحيان، يكون لها ريش فتطير، وهي دابَّة في الأرض، قد تطير مع الطيور، والنَّحلة طائر كذلك مثل الذباب، والهدهد ذباب معروف، طائر، والصُّرد معروف، طائر.

فهذه كلها نهي عن قتلها، لكن إذا آذت النَّملةُ قُتلت للأذى، والنَّحلة لو قُدر وجودها في مكانٍ وآذت كذلك، لكن هذا عند عدم الأذى.

والحديث السادس: حديث ابن أبي عمار في الضبع، بيَّن ﷺ أنَّ الضبع صيد، وليست داخلةً في السِّباع، هذه مُستثناة من كل ذي نابٍ من السباع، فلا تحرم؛ لأنها مُستثناة.

وقال بعضُهم: ليست ذات نابٍ، بل أسنانها شيء مُستدير تطحن بها طحنًا.

وبكل حالٍ فهي مُستثناة، إن وُجد لها نابٌ فهي مُستثناة من أحاديث الناب، وللشارع أن يستثني، ولعلَّ بعض الإخوان رآها، بعضهم يقول أنَّ رأسها مُستدير، ليس لها نابٌ.

مُداخلة: نابها أقوى من ناب النَّمر.

الشيخ: رأيتها؟

الطالب: نعم، مسكناها وأكلناها.

الشيخ: هي من المستثنى والله أعلم.

س: تأكل الحمير؟

ج: تأكل بني آدم وهي مُستثناة.

..............

س: الضّفدع؟

ج: لا، منهيٌّ عن قتلها، لا تُؤكل.

س: ...............؟

ج: لا نعرف فيه تفصيلًا الجراد، لكن ذكر ابنُ العربي، ذكر الشارحُ عن ابن العربي أنه يُوجد في الأندلس جراد يضرّ، ما هو من جنس الجراد المعروف، فإذا وُجد شيء يضرّ انتهى، يعني: استُثني، إذا وُجد في بعض الجهات أو بعض البلاد جراد يضرّ -مسموم، فيها ضررٌ على الناس- يُترك، أما هذا الذي نعرف فقد أكلناه وأكله الناسُ، ما فيه شيء، طيب.

1340- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُنْفُذِ، فَقَالَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية [الأنعام:145]، فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: خبيثة مِنَ الْخَبَائِثِ، فقال ابن عمر: إن كان رسولُ الله ﷺ قال هذا فهو كما قال. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

1341- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا. أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1342- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ: فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ ﷺ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1343- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1344- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1345- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ : أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الضِّفْدَعِ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالأطعمة:

منها حديث ابن عمر في القنفذ، والقنفذ معروف، وهو صاحب الشَّوك، قال: سُئل ابن عمر عن ذلك فقرأ قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية [الأنعام:145] يعني: أنه لا بأس به؛ لأنه من الأشياء المعفو عنها، فقال شيخٌ عنده: إني سمعتُ أبا هريرة يقول: أنَّ رسول الله سُئل عنها فقال: إنها خبيثة من الخبائث، فقال ابنُ عمر: إن كان رسولُ الله قال ذلك فهو كما قال.

فابن عمر لم يُصدق الشيخ، قال: إن كان قاله النبيُّ فهو كما قال.

الحديث رواه أحمد، وأبو داود، قال المؤلفُ: وإسناده ضعيف.