43 من حديث (أَنَّ امرأة قالت: يا رسول اللّه، إِنَّ ابني هذا كان بطني له وعاءً..)

بَابُ الْحَضَانَةِ

1162- عَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ، مَا لَمْ تَنْكِحِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

1163- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ نَفَعَنِي، وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا غُلَامُ، هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1164- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَقْعَدَ النَّبِيُّ ﷺ الْأُمَّ نَاحِيَةً، وَالْأَبَ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّ بَيْنَهُمَا، فَمَالَ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَمَالَ إِلَى أَبِيهِ فَأَخَذَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ.

1165- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1166- وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فَقَالَ: وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ.

1167- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

1168- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتِ النَّارَ فِيهَا، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذا الباب في الحضانة، وهي تولي الطفل الصغير، ومثله المجنون والمعتوه يحضنه، يعني: يضمّه إليه، ويصونه إليه، ويُلاحظ حاجاته ومصالحه، وهي مشروعة وقربة وطاعة وواجبة في الجملة، وإنما الخلاف فيمَن هو أحقّ بها، وإلا فهي واجبة وحقّ ..... واجب على أمه وأبيه وقراباته أن يصونوه، وأن يحضنوه، وأن يُراعوا مصالحه؛ حتى يستقلّ بنفسه، هذا واجب في الجملة، وأحقّ الناس بالحضانة وأولاهم بها في الجملة أمه، ثم أبوه، وبقية القرابات فيهم التَّفصيل الآتي.

ذكر المؤلفُ رحمه الله هنا ستة أحاديث فيما يتعلق بالحضانة:

الأول: حديث عبدالله بن عمرو في قصة المرأة التي قالت: يا رسول الله، إنَّ ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، فلما طلَّقني أراد أن ينزعه مني. فقال لها النبيُّ: أنتِ أحقّ به ما لم تنكحي.

هذا الحديث واضح في أنَّ الأمَّ أولى بالحضانة، يعني: أولى بأن تتولى الطفل وتعتني به؛ لأنها أشفق الناس عليه في الجملة، وأرحمهم له، وأعناهم به، هذا في الجملة، مع قطع النَّظر عما قد يقع من الأمهات غير المشفقات، هذا في الجملة: أنهن أشفق الناس على الولد، وأرحمهم له، وأعلمهم بمصالحه، هذا فضلٌ من الله جلَّ وعلا جعله في قلبها، وقد ذكرت المبررات التي تجعلها أولى؛ قالت: "كان بطني له وعاء" حملته مدةً طويلةً، "وثديي له سقاء" تسقيه من ثديها، "وحجري له حواء" مسكن يستقر في حجرها، وتعتني به، وتحمله، وتنقله؛ لو جلست تضعه في حجرها .....، فهي أولى به من أبيه الذي يذهب عنه ويتركه، ولا يقوم بهذه الأمور.

فالنبي ﷺ قال: أنت أحقّ أقرها على ما قالت، وقال: أنت أحقّ به ما لم تنكحي.

هذا يدل على أنَّ الأم أولى بالطفل في الجملة، وأحق به من أبيه لهذه الأسباب التي ذكرت ولغيرها مما هو معلوم في حملها له، ومشقتها في حمله وولادته وتربيته، وغير ذلك، ولما هو معلوم من شفقتها عليه، ونُصحها له، وإحسانها إليه، لكن متى تزوجت سقط حقُّها منذ ذلك، وصار الأب أولى؛ لأنها في الغالب قد تُشغل عنه بالزوج، قد تتعطل بعض مصالحه، لكن يأتي في حديث البراء أن الزوج إذا رضي بالطفل ولم يمنع فإنَّ المرأة تكون على حقِّها، سواء كانت أمًّا أو خالةً أو غيرهما .....

وقد ذكر ابنُ القيم رحمه الله في هذا أنَّ الحديث حُجَّة على كون المرأة المزوجة لها حقٌّ في الحضانة إذا رضي الزوجُ ولم يكن هناك مانع من ..... أخرى.

وذكر العلماء -كابن القيم وغيره- أنَّ هذا كله يُراعى فيه مصلحة الطفل، وكونها أحقّ به، أو كونه يُخير، هذا في الجملة، إذا كانت الحالةُ مستقيمةً، وليس هناك ما يمنع، أما إذا كان هناك مانعٌ في بقائه في يد الأم أو الخالة أو التَّخيير: من كون الأم تضره؛ لكفرها أو فسقها، أو لكونها تُربيه على الشرِّ، أو تُهمله، أو كون الأب لا يصلح لفسقه أو فساده، وكونه يضرّ الطفل، أو غير هذا من الأسباب التي تقتضي المصلحةُ ألا يكون في يد الأم أو الأب أو الخالة أو العم أو نحو ذلك؛ فلا بدَّ من مراعاة مصلحة الطفل، وألا يقرّ بيد مَن لا يصونه ولا يُصلحه ولا يرعى حقَّه، فإذا تقاربا في ذلك .....، فإنَّ الأم أحقُّ، ثم بعدها الأب، ثم على التفصيل في الجدَّات كما ذكر الفقهاءُ في هذا الباب.

والحال في هذا تُشبه المواريث: مَن كان أحقّ بالميراث فهو أولى بالطفل في الجملة، مع مراعاة مصلحته؛ فقد يكون البعيدُ أولى من القريب، إذا كان القريبُ لا يصلح للرعاية والحضانة، ولكن في الجملة بيَّن النبيُّ ﷺ أنَّ أمَّه أحقُّ ما لم تتزوج، فإذا تزوجت فالأب أحقّ به ما لم يسقط حقّه ويرضى ببقائه مع أمه.

ودلَّ الحديث الثاني -حديث أبي هريرة- على التخيير، وأن الولد إذا كان يعقل ويفهم -ابن سبعٍ وأكثر .....- فإنه يُخير إذا كانا صالحين في الولاية، فإذا اختار أمَّه وأخذها أخذته، وإن اختار أباه أخذه، إذا كانا صالحين، أما إن كانت الأمُّ لا تصلح فلا حاجةَ إلى الخيار، أو كان الأبُ لا يصلح فلا حاجةَ إلى الخيار؛ لأنَّ المقصود مراعاة مصلحة الطفل.

وهكذا الحديث الثالث: حديث رافع بن سنان في إسلام أبيه، وعدم إسلام أمه، فظاهره أنه خيَّره أيضًا، ولكن أعلَّ هذا الحديثَ جماعةٌ من أهل العلم، قالوا: إنه لا يصلح للاحتجاج؛ لضعف إسناده، ولأنَّ الأم كافرة، والطفل لا يُقرُّ بأم كافرةٍ، ولا بأبٍ كافرٍ .....؛ لأنَّ الكافر لا ولايةَ له على المؤمن، والله سبحانه قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فلا تكون ولايةُ كافرٍ على مسلمٍ، فلا بدَّ من كونهما مسلمين أو كافرين إذا تحاكما إليه، فعلى هذا الأم الكافرة لا حقَّ لها؛ لضعف الحديث، ولما عُرف من كون المسلم ليس للكافر عليه ولاية.

والحديث الرابع حديث البراء في قصة ابنة حمزة: أنها تبعت النبيَّ ﷺ لما خرج من مكة عام عمرة القضاء، تبعته، فأمر النبيُّ ﷺ أن تحملها فاطمة، فتبعته تنادي: يا عم، يا عم، فأمر بأخذها عليه الصَّلاة والسلام، وتنازع فيها جعفر بن أبي طالب -أخو عليٍّ- وزيد بن حارثة وعليٌّ رضي الله عنهم، فقضى بها ﷺ لخالتها، وهي تحت جعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وقال لعليٍّ: أنت مني، وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهتَ خَلقي وخُلقي، وقال لزيدٍ: أنت أخونا ومولانا، فأرضاهم بالكلمات الطيبة، والأسلوب الحسن، وقضى بها لخالتها؛ لأنَّ جعفرًا قد رضي بهذا ..... وطالب بها، وقال: الخالة بمنزلة الأم.

فدلَّ ذلك على أنَّ الخالة لها حضانة، ولها حقٌّ، ولكن هذا إذا لم يكن هناك مَن هو أقرب منها: كالأم والجدّة، فإن الجدَّة أقرب من الخالة، لكن في منزلة الأم عند فقد الأم ومَن يقوم مقامها، وعند فقد الأب، فإنَّ الأب مُقدَّم على الخالة كما تقدم في الحديث الأول.

ويُؤخذ من هذا كما تقدم أنَّ المزوجة لها حقٌّ إذا رضي الزوجُ وكانت أهلًا لذلك ولم يُنازعها مَن هو أولى منها، ثم يتأيد بهذا أيضًا ما تقدم من مراعاة مصلحة الطفل، فإذا كانت مصلحةُ الطفل تقتضي أن يُدفع إلى المزوجة، قد رضيت، ورضي زوجها، فذلك أولى من غيرها لمصلحته.

وغالب هذه المسائل تتعلق بالأصول والقواعد، فعلى القُضاة عند النزاع أن ينظروا في القواعد والأصول، وأن يُراعوا ما يتعلق بمصلحة الطفل، وما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، ولا يُراعوا قصة القرابة إذا اختلَّ فيها هذا الأمر، فإنهم في هذا المقام يُراعون مصلحته ورعاية حقّه، سواء كان الذي يحضنه أقرب أو أبعد.

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة في الخادم، وهو يتعلق بباب الحضانة؛ لأنَّ الخادم يتولاه المخدوم -السيد- ونحوه، وهو تحت يده، فأشبه الطفل، وأشبه المجنون والمعتوه، فله حقٌّ بأن يُراعى؛ ولهذا يقول ﷺ: إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فيُناوله لقمةً أو لقمتين، هذا فيه مراعاة نفس الخادم الذي يتولى الطعام؛ ولهذا في اللفظ الآخر: فإنه قد تولَّى حره وعلاجه، تولى حرَّه ودخانه، فإن لم يُجلسه معه فليُناوله لقمةً أو لقمتين، هذا إذا كان الطعامُ مختلفًا، أما إذا كان طعامُ السيد والمخدوم هو طعام الخادم، ما هناك فرق، شيء واحد، فليس هناك حاجة إلى هذا الشيء، وإنما قال النبيُّ هذا إذا كان السيدُ يمتاز بشيءٍ ويختص بشيءٍ، وقد عالجه الخادمُ، فقد تكون نفسه مُعلقةً به، فينبغي أن يُعطى منه شيئًا؛ قمعًا للنفس، وردعًا للتَّشوف الذي قد يتعلق بنفسه.

ثم الأفضل أن يكون طعامُهما واحدًا، هذا هو الأفضل، كما في حديث أبي ذرٍّ: أن النبيَّ أمره أن يُطعمه مما يطعم، ويُلبسه مما يلبس، هذا هو الأفضل والأكمل، ولكن لا يجب؛ ولهذا في هذا .....: فليُناوله لقمةً أو لقمتين.

هذا يدل على أنه لا يجب أن يتساويا، وهكذا في حديث أبي هريرة المتقدم: للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكلَّف من العمل إلا ما يطيق، هذا يدل على أنه له طعامه المعتاد، وكسوته المعروفة، هذا الواجب، ما يُكسى به أمثاله، ويُطعم به أمثاله هو الواجب له، ولا يلزم أن يكون سيدُه مثله في كل شيءٍ، قد يختص سيده بشيءٍ، لكن من الكمال ومن تمام المروءة ومن تمام كمال الأخلاق أن يكون الحالُ واحدًا: أن يُطعمه من طعامه، ويسقيه من شرابه، ويُلبسه من لباسه، هذا من باب التواضع وكمال المروءة، ومن كمال الإحسان، كما في حديث أبي هريرة المتقدم.

والحديث السادس: حديث ابن عمر في الهرة، عن النبي ﷺ أنه قال: دخلت امرأةٌ النارَ في هرةٍ لها حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.

هذا يدل على تحريم حبس الحيوان وظلمه ولو كان غير مأكولٍ: كالهرة والكلب والحمار، فإما أن يُطعمه، وإما أن يُطلقه، أما أن يحبسه ولا يُطعمه ولا يسقيه فهذا ظلم لا يجوز؛ ولهذا دخلت هذه المرأةُ النارَ في هرةٍ، والهرة معلوم أنها حيوان حقير، ومع ذلك دخلت فيها النار؛ لأجل الظلم والتَّعدي.

فإذا كانت الهرةُ تدخل فيها النار مَن ظلمتها وحبستها بغير حقٍّ، فكيف بمَن هو فوقها: كالإبل والبقر والغنم وغيرها من بني آدم المعصومين؟ والتَّعدي عليهم وحبسهم بغير حقٍّ يكون هو أكبر وأعظم وأخطر.

وهذا تنبيه على ما هو فوق ذلك في حقِّ بني آدم المعصومين وإيذاؤهم والتَّعدي عليهم فوق هذا بأضعافٍ مُضاعفةٍ، والواجب على المؤمن أن يحذر الظلمَ كله: لا مع الحيوان، ولا مع بني آدم، وأن يتحرى الحقَّ والعدالة والإنصاف في كل شيءٍ، والله المستعان.

..............

كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

1169- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1170- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ قَتْلُ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ فَيُرْجَمُ، وَرَجُلٌ يَقْتُلُ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ، وَرَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ، أَوْ يُصْلَبُ، أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

1171- وَعَنْ عبدالله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1172- وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ. وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ.

1173- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ مُضْطَرِبٌ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: كتاب الجنايات، جمع جنايةٍ، وهي العدوان على المال أو البدن، ويدخل على العِرض أيضًا كما يأتي في القذف.

فالجناية تكون على المال، وعلى البدن، وعلى العِرض، وجمعها لتعدد أنواعها، وهي العدوان على الغير، قد يكون عمدًا، وقد يكون خطأً، وأحكامها متنوعة كتنوع صفاتها.

ومن كمال الشَّريعة أنَّ الله شرع فيها ما يردع عن العدوان، ويكفّ الناس عن ظلم بعضهم بعضًا، فلا صلاحَ للناس إلا برادعٍ يردع بعضَهم عن بعضٍ، كما قال سبحانه: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251]، فقد يدفع الشرَّ بالظالم في حقِّ مَن هو أظلم منه، وقد يدفع الشرَّ بالكافر بكافرٍ آخر، وقد يدفع بالمسلم عن المسلم، وبالمسلم عن الكافر، إلى غير ذلك.

فالله جعل فيما شرع من الحدود والتَّعزيرات والعقوبات دفاعًا للناس، وكفايةً لهم، وعصمةً وحفظًا؛ حتى يعيشوا في الأرض آمنين، وحتى يطمئنوا؛ ولهذا لا يوجد في الدنيا آمنٌ إلا مَن حكم شريعة الله، واستقام على أمر الله، فشريعة الله وسيلة عظيمة كاملة لأمن العباد في الدنيا والآخرة إذا استقاموا عليها، وإذا أخلوا بها ولم يحكموا شرعَ الله أكل بعضُهم بعضًا، وتعدَّى بعضُهم على بعضٍ، وظلم بعضُهم بعضًا، وعلى حسب قوة الرادع في أي دولةٍ، وفي أي مكانٍ يقوى الأمن، وعلى حسب ضعف الرادع يضعف الأمن.

الحديث الأول: حديث ابن مسعودٍ ، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.

الثَّيب بالجرِّ، ويجوز بالرفع، وهي الثيب الزاني .. إلى آخره، ويجوز النَّصب على قاعدة العرب في إضمار الأفعال: كأعني الثَّيب الزاني، وإلى آخره.

المقصود أنَّ هذه الثلاث هي التي تحل دمه: الثيب الذي تزوج ووطئ المرأة، صار ثيبًا، تزوج زواجًا شرعيًّا صحيحًا ووطأ، هذا يُقال له: ثيب، فإذا زنا يُرجم ولو ما كانت معه، ولو طلَّقها، ولو ماتت عنه، ما دام قد تزوج بإجماع المسلمين.

وقد بلغ في الناس مَن قال: إنه لا يكون ثيبًا إلا إذا كان معه زوجه. هذا من الأقوال الفاسدة الباطلة التي لا أساسَ لها في الشرع، ولا عند العلماء، الثيب: هو الذي قد تزوج ووطئ، ولو ماتت زوجته، ولو طلَّقها، متى زنا وجب إقامة الحدِّ عليه إذا رُفع للسلطان، وذلك بالرجم حتى يموت.

والنفس بالنفس هذا القصاص، إذا تعدَّى على غيره من مُكافئه فقتله فعليه القصاص، كما قال : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:179]، وقال: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، وبهذا يردع الناس عن ظلمهم بعضهم بعضًا إذا علم أنه يُقتل إذا قتل.

والثالثة: التارك لدينه المفارق للجماعة، وهو الذي يأتي بناقضٍ من نواقض الإسلام، سموا جماعة؛ لأنَّ الجماعة هم أهل الإيمان، وهم أهل الإسلام، ومَن أتى بناقضٍ فقد فارقهم حكمًا، وإن كان بينهم، وإن كان موجودًا بينهم فقد فارقهم في الحكم، والغالب أنه لا يكون بينهم، بل يهرب منهم، ولكن لو وُجد بينهم وتساهلوا فهو في الحقيقة مفارق للجماعة بسبب إتيانه النَّاقض: كسبِّ الدِّين، وكشركه بالله بأنواع الشرك الأكبر، وكالتَّنقص من دِين الله، أو برسول الله، أو بكتاب الله، أو بما شرعه الله، وكالاستهزاء بالدِّين، أو بالرسول، أو بشيءٍ مما شرعه الله، أو كجحد بعض ما أوجب الله: كجحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب الصيام، أو جحد وجوب الحجِّ مع الاستطاعة، أو استحلال ما حرَّمه الله مما هو معلومٌ من الدِّين بالضَّرورة: كاستحلال الزنا، أو الخمر، أو السرقة، أو القذف، أو شهادة الزور، أو ما أشبه ذلك مما هو معلومٌ من الدِّين بالضَّرورة.

هذه كلها نواقض، وقد جمع بعضُ أهل العلم في ذلك ..... في كتاب "الإعلام في قواطع الإسلام"، وقد ذكر أهلُ العلم بابًا مُستقلًّا في هذه المسألة، قالوا: باب حكم المرتد، في كتب الأحكام، ثم ذكروا أنواع الردة، والأشياء التي يرتد بها الإنسان، وهو باب عظيم، جدير بطالب العلم أن يعتني به كثيرًا، وأن يُطالعه كثيرًا؛ لئلا يقع في شيءٍ من ذلك وهو لا يشعر؛ وليعرف حكم ذلك إذا وقع من غيره، فهو باب عظيم.

وكان الإمامُ العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه كان يحثّ مَن يُكاتبهم ويبحث معهم على مراجعة هذا الباب، ويقول: إنما هلك كثيرٌ من الناس وجهلوا أحكامَ الردة بأسباب إعراضهم عن هذا الباب، واشتغالهم بالأبواب الأخرى.

فتجده قاضيًا ومُفتيًا مشغولًا بالإجارة، مشغولًا بالأوقاف، مشغولًا بالبيع، جاهلًا بأحكام الردة؛ فلهذا وقع الشركُ بينهم، وانتشر الشرُّ بينهم ولم يُنكروه؛ لاشتغالهم عنه، وعدم التفاتهم إلى هذا الباب، وهذا شيء واقع تجده في كثيرٍ من البلدان: مَن يُنسب إلى العلم والرياسة في العلم، ومع ذلك فهو لا يعرف حقيقةَ التوحيد، ولا حقيقة الشرك؛ لأنه أعرض عن هذا الأمر، ولم يتفقه فيه، ولم يعتنِ به، ولم يُراجع كتب أهل العلم في ذلك، فتجده مع دُعاة غير الله، ومع العاكفين على القبور، ومع مَن ينذر لغير الله، ويظن أنَّ هذا ليس بشيءٍ، وليس بشركٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المقصود أنَّ هذه النَّواقض الثلاث أمرها عظيم، وخطرها جسيم، فيجب الحذرُ منها هذه الأشياء التي تُبيح الدم، هذه الثلاث التي تُبيح الدم، لكن بعضها ناقضٌ، وبعضها غير ناقضٍ:

"النفس بالنفس، والثيب" هاتان معصيتان: الزنا والعدوان على النفس، هاتان معصيتان كبيرتان، ولا تكونان ردةً إلا إذا استحلَّهما -والعياذ بالله- مَن فعلهما، وأما التَّارك لدينه فهذا يكون بالنَّواقض المعروفة، نواقض الإسلام المعروفة، وهذا أصل أصيل في عصمة الدِّين، الأصل في المسلم أنه معصوم، ولا يُراق دمه إلا بإحدى هذه الثلاث، ويدخل في الثلاث جميع نواقض الإسلام، فإنها كلها داخلة في "التارك لدينه المفارق للجماعة".

ومن هذا ترك الصلاة؛ لأنَّ تاركها يُقتل، يُستتاب وإلا قُتل كافرًا على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأنَّ تركها ناقض.

وقال جمعٌ من أهل العلم .....: ليس بناقضٍ، ولكنه يُبيح سفك دمه، يُقتل بذلك إذا لم يتب؛ لقوله جلَّ وعلا: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]؛ ولقوله ﷺ: نُهيتُ عن قتل المصلين، والقول بقتله هو قول جمهور أهل العلم: أنه يُقتل، وإنما اختلفوا هل يُقتل حدًّا أو كفرًا؟ على قولين مشهورين، أصحّهما أنه يُقتل كفرًا؛ لقوله ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسنادٍ صحيحٍ عن بريدة ، وهكذا قوله ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة خرجه مسلم في "صحيحه" عن جابرٍ .

وما سوغ القتل ألحق بهذه الأشياء، فإن كان ردةً ألحق بالتارك لدينه، وما ليس بناقضٍ فهو مسوغ رابع جاءت به الشريعة، لكن الأصل أنَّ المسوغات هذه الثلاث، فما ثبت أنه يحل الدم صار ناقضًا رابعًا إن لم يُذكر في واحدٍ من هذه الثلاث.

والحديث الثاني: حديث عائشة، مثل حديث ابن مسعودٍ، ولكن فيه ذكر التَّارك لدينه، وأنَّ التارك لدينه قد يكون محاربًا، وقد يكون غير محاربٍ، فإن حارب الله ورسوله قُتل، أو قُطعت يده ورجله من خلافٍ، أو نُفي من الأرض، على حسب ما يراه وليُّ الأمر من المصلحة للمسلمين، وإن لم يُحارب قُتل فقط، إذا ارتدَّ عن الإسلام يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، فإن ارتدَّ عن الإسلام وحارب جمع أمرين: جمع حدَّ الحرابة، وحدَّ الردة، وقد يكون محاربًا وليس بكافرٍ: كالمسلم الذي يُحارب يقطع السَّبيل، ولكن لم يرتد عن دينه ولم يكفر، ولكنه عمله الطمع وحب المال على أن قطع السَّبيل، وأخذ أموال الناس، فهذا أيضًا حكمه حكم المحارب من جهة أن وليَّ الأمر يُخير بين قتله، وبين صلبه، وبين قطع يده ورجله من خلافٍ، وبين نفيه من الأرض، على حسب ما يراه من مصلحة المسلمين؛ لقوله جلَّ وعلا: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، نسأل الله العافية.

الثالث حديث ابن مسعودٍ أيضًا: يقول النبيُّ ﷺ: أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء رواه الشَّيخان: البخاري ومسلم في "الصحيحين".

هذا يدل على عظم شأن الدماء، وأن خطرها عظيم؛ ولهذا بُدئ بها يوم القيامة بين الناس، أول ما يُقضى بينهم، فيما بينهم: بين زيد وعمرو في الدماء، ما كان بينهم من حقوقٍ أولها الدماء يُقضى بينهم؛ لعظمها وخطرها، ولكونها أعظم جريمة على الإنسان، أعظم جريمة .....؛ لأنَّ هذا فوق ضربه، وفوق .....؛ ولهذا يُقضى بينهم قبل كل شيءٍ في الدماء، أما ما يتعلق بنفسه هو ومعاصيه هو فأول شيءٍ يُنظر فيه من عمله صلاته، كما جاء في الحديث الصحيح: أول ما يُحاسَب عليه العبدُ من عمله صلاته في نفسه، فيما يتعلق بنفسه أول شيءٍ يُحاسب عليه الصلاة: هل أدَّاها حقًّا وحافظ عليها؟ وهل امتثل أمر الله فيها؟ أو ضيَّعها ولم يُؤدها؟ وهذا فيه الجمع بين النَّصين؛ ففيما بينه وبين الناس يبدأ بالدماء، وفيما يتعلق بنفسه وخاصته يبدأ بالصَّلاة.

والحديث الرابع حديث سمرة بن جندب: أن النبيَّ ﷺ قال: مَن قتل عبده قتلناه، ومَن جدع عبده جدعناه، ومَن خصى عبده خصيناه.

اختلف العلماءُ في هذا الحديث، وسبب اختلافهم اختلافهم في سماع الحسن عن سمرة، فمَن قال: إنه سمع عنه صحَّح هذا الحديث، وقال: إنه دليل على قصاص الحرِّ بالعبد، إذا اقتص به السيد وهو سيده ومالكه، فمن باب أولى غيره، فيكون قوله جلَّ وعلا: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178] لا مفهومَ له.

ومَن قال: إنَّ الحسن لم يسمع من سمرة، قال: الحديث ضعيف، ولا يُحتج به، والقرآن دلَّ على أنه لا يُقتل الحر بالعبد، ولكن يُؤدب .....، وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور: مَن قتل عبدًا يستحق التأديب إذا كان عمدًا، وعليه قيمته .....؛ لأنه ينزل عن درجة الحرِّ بسبب أنه يُباع ويُشترى، فنزل عن درجة الحرِّ، وهذا هو الصواب، وهو المعتمد: أن الحرَّ لا يُقتل بالعبد، والسيد لا يُقتل بعبده.

والحديث هذا ضعيف، والصواب أنَّ الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة كما قال جمعٌ من أهل العلم رحمة الله عليهم، ثم ..... شبهة تُدرأ بها الحدود، ومما يدل على أنه لا يُقاد به ما يأتي في ..... من حديث أبي هريرة عند الشَّيخين، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن قذف مملوكه يُقام عليه الحدُّ يوم القيامة، فإذا كان حدُّ القذف لا يُقام عليه وهو أسهل من القتل، وأسهل من الجدع، فمن باب أولى ألا يُقام عليه القصاص والقطع.

وحديث أبي هريرة حديث صحيح: رواه الشيخان، وقوله: يُقام عليه يوم القيامة دليل على أنه يُنتقم منه يوم القيامة لعبده إذا تعدَّى عليه، وأما أنه يُقاد به فلا، ولكن هذا لا يمنع من كون ولي الأمر يُؤدبه على تعديه على عبده، وينتصف للعبد بما يردع السادة عن التَّعدي عليه، هذا شيء آخر، هذا من باب التَّعزيرات، ولكن المقصود هنا أنه لا يُقتل به، ولا يُقتص منه له، ولكن يستحق التَّعزير إذا تعمَّد ذلك؛ لأنه معصية، والمعاصي لها تعزير.

والحديث الخامس: حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: لا يُقاد الوالدُ بولده، هذا الحديث رواه جماعةٌ عن عمر: رُوي من طريق عبدالله بن عمرو، عن عمر. ومن طريق سُراقة بن مالك الجعشمي، عن عمر. ومن طريق مجاهد، عن عمر.

وجاء أيضًا له شاهد من حديث ابن عباسٍ عند الترمذي وابن ماجه عن النبي ﷺ، قال: لا يُقاد الوالدُ بولده، وله شواهد أخرى.

فيه أنه لا يُقاد الوالدُ بولده، قالوا: والحكمة في ذلك والله أعلم أنَّ الوالد هو السبب في وجوده، الله جلَّ وعلا جعله سببَ وجوده، فلا يكون سببًا لإعدامه؛ ولعظم حقِّ الوالد فلم يُقد به، ويشمل الذكر والأنثى، يشمل الأب والأم، والجد والجدة، كلهم والد.

وقد رواه أحمد رحمه الله في "المسند" بإسنادٍ جيدٍ عن مجاهد، عن عمر، وهذا فيه انقطاع، هو جيد لولا الانقطاع؛ لأنَّ مجاهدًا لم يسمع من عمر.

ورواه الترمذي وجماعة من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

ورواه أحمد من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا عمرو بن شعيب. وهذا يشهد لرواية مجاهد.

ورواه الترمذي من طريقين: من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو. ومن طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو. وكلاهما: المثنى ضعيف، والحجاج كذلك كثير الأخطاء.

ورواه الترمذيُّ وابن ماجه عن ابن عباسٍ من طريق إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف، لكن ..... هذه الطرق يشدّ بعضُها بعضًا، وتشهد له بالصحة؛ ولهذا قال الترمذيُّ: إنه مضطرب. ولكن ابن الجارود والبيهقي وجماعة نظروا إلى تعدد طرقه وكثرتها، وأنَّ بعضها لا بأس به من حيث الجملة، قالوا: إنه جيد، وإنه صحيح من هذه الحيثية، وهو من باب الحسن لغيره على أقل تقديرٍ، وهو حُجَّة.

وقال الترمذي رحمه الله لما ساقه وذكر اضطرابه قال: والعمل عليه عند أهل العلم. ولم يحكِ خلافًا في ذلك، فالوالد لا يُقتل بالولد لهذا الحديث وللمعنى، والله أعلم.

..............

1174- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ غَيْر الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النِّسْمَةَ، إِلَّا فَهْمٌ يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1175- وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

1176- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ بِكِ هَذَا؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

1177- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَوا النَّبِيَّ ﷺ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

1178- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَرِجْتُ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ، وَبَطَلَ عَرَجُكَ. ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.

1179- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ.

فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ، وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1180- وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ مَنْ شَهِدَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْجَنِينِ؟ قَالَ: فَقَامَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ... فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

1181- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ -عَمَّتَهُ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الْأَرْشَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟! لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ، فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة كلها ظاهر تعلقها بالجنايات، وتقدم أن الجنايات فيها العمد والخطأ.

الحديث الأول حديث أبي جُحيفة، وهو وهب بن عبدالله الدَّستوائي، أحد الصحابة المشهورين، وهو من أتباع عليٍّ، وعلى شُرطته رضي الله عن الجميع.

فيه أنَّ عليًّا سُئل: هل عنده شيء من الوحي غير القرآن؟ فقال: "ولا الذي فلق الحبة وبرأ النسمة" يعني: ما عندنا شيء سوى القرآن، وهذا والله أعلم عندما تكلمت الشيعةُ في الكوفة أنَّ أهل البيت اختصُّوا بأشياء، وعندهم شيء من الوحي غير ما عند الناس، وكان داء الشيعة قديمًا من حين انتقل عليٌّ إلى الكوفة، وصارت الفتنةُ بمقتل عثمان، صار لهم نشاط وكلام، حتى آل بهم الأمرُ إلى أن غلوا في عليٍّ رضي الله عنه وأرضاه، واعتقدوا فيه الألوهية؛ حتى غضب رضي الله عنه وأرضاه، وأحرق مَن أمكنه منهم بالنار؛ غضبًا لله ، وانتقامًا منهم، وردعًا لغيرهم من هذا البلاء العظيم، والشرك الوخيم، وبقيت لهم بقايا إلى اليوم، قطع الله دابرهم، وكفانا شرَّهم.

فأراد السائلُ أن يُبين أنَّ هذا الشيء الذي تزعمه الشيعةُ شيء لا أصلَ له، ولا أساسَ له؛ ولهذا أجابه عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه بهذا الجوابِ.

والنَّسمة بالفتح: الروح، والحبَّة معروفة ..... حبة حنطة.

المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا هو الحكيم العليم، وهو القادر على كل شيءٍ، وهو الذي فلق الحبةَ، وبرأ النَّسمة؛ لتأكيد المقام في القسم، يعني: الله الذي لا إله إلا هو له القُدرة، وله التصرف في عباده، خلق الأرواح، وخلق غيرها : أنَّ هذا شيء لا أصلَ له، ولا صحةَ له، لم يخصنا بشيءٍ، فأهل البيت ما خُصُّوا بشيءٍ دون الناس من جهة الأحكام الشَّرعية أو الوحي، إلا ما ثبت بحقٍّ؛ ولهذا سُميت الصَّدقة كما هو معروف.

المقصود أنهم ما خُصُّوا بشيءٍ ووحي غير وحي الناس، أو شرع غير شرع الناس، كل هذا من زيف الرافضة وأشباههم؛ ولهذا قال : "إلا فهم" يعني: ما عندنا شيء إلا فهم، بدل من شيءٍ؛ لأنه تام غير .....، إلا فهم يُعطيه الله مَن يشاء في القرآن .....، فهم القرآن والسنة، كذلك فقد يفهم العالم من الآية حكمين أو ثلاثة، ويفهم الآخر أربعة أحكام أو خمسة وأكثر، وهكذا من الأحاديث، فالفهم يتفاوت حسبما يُعطي الله العباد من النور والبصيرة، وما عندهم من العلم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

"وما في هذه الصَّحيفة" يعني: وما جاء في الأحاديث التي رواها عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه.

المقصود ما عندهم شيء إلا ما فهم مَن وفَّقه الله في القرآن، أو حفظه من السنة التي هي كلام النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته، فالناس يتفاوتون بهذا على حسب الفهم، وعلى حسب حفظهم السنة: هذا يحفظ مئة حديثٍ، وهذا يحفظ مئتي حديثٍ، وهذا يحفظ ألف حديثٍ، وهذا يحفظ ألفي حديثٍ، وهكذا على حسب ما يُعطيهم الله من فهمٍ وحفظٍ.

قلت: وما في هذه الصَّحيفة؟ قال: "العقل، وفكاك الأسير"، فِكاك بكسر الفاء، يقال: فكاك وفكاك، "وألا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ"، كان هذا في صحيفةٍ مُعلَّقةٍ في سيف عليٍّ.

والعقل: الدية، العقول التي جعلها النبيُّ ﷺ في الدِّيات، هذا الشاهد، "وفكاك الأسير" جاءت النصوص بالحثِّ على فكِّ الأسير؛ الرسول ﷺ قال: عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكُّوا العاني، وقال: فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد:13]، ففكاك الأسير من أفضل القُربات، وهو واجب على المسلمين حسب طاقتهم، وعلى بيت المال، إذا كان هناك أسرى للمسلمين عند الكفرة وجب على المسلمين إطلاق سراحهم وفكِّهم بالمال من بيت المال، إن قدر المال، وإن عجز بيتُ المال فالمسلمون يتعاونون في فكِّ أسراهم.

ومن ذلك: "ألا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ"، وهذا أيضًا مما يتعلق بالباب: أنَّ الكافر إذا قتله المسلمُ لا يُقاد به؛ لما جعل الله بينهما من الفرق: فهذا عزيز على الله، كبير عليه. وهذا هين على الله، فلا يستويان، ولا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ إذا حصل بينهما مُقاتلة، ولكن لولي الأمر أن يُؤدب المسلم إذا تعدَّى، أن يُعزره بما يراه، لكن من غير أن يُقاد بالكافر.

وفي اللفظ: أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم.

هذا رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وكلاهما صحيح معروف.

فالمقصود أنَّ هذا يدل على أنَّ دماءهم مُتكافئة: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويُقتل هذا بهذا: الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، والمرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، يتكافؤون لأنهم شيء واحد، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال: المسلم أخو المسلم.

يُستثنى من ذلك ما دلَّ عليه الشرعُ كما تقدم في عدم قتل الحرِّ بالعبد؛ لاختلاف ما بينهما؛ بأسباب كونه يُباع ويُبذل بالقيمة، على خلافٍ مشهورٍ، لكن هذا هو قول الجمهور كما تقدم؛ لقوله تعالى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178]، والحر يخصّ الآية، كما عليه: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، ويخصه هذا الحديث.

ويسعى بذمَّتهم أدناهم يعني: أدناهم في الفضيلة والشرف، ويُجير عليهم الفقيرُ ومَن هو غير مشهورٍ فيهم، ويُجير عليهم المرأة والعبد .....، أدناهم في الجملة .....

وهم يدٌ على مَن سواهم؛ ولهذا قال النبيُّ لأم هانئٍ: أجرنا مَن أجرتِ يا أم هانئ، فإذا أمَّن المسلمُ كافرًا، وإن كان المؤمنُ من أطراف المسلمين، ليس من أشرافهم وكُبرائهم، أو من مماليكهم، أو من نسائهم؛ وجب إمضاء تأمينه، وعدم قتل هذا المؤمن حتى يُردّ إلى مأمنه، فإذا قال: أمهلني حتى أُكلم الأمير، أمهلني حتى أُكلم فلانًا. فأمَّنه أحد المسلمين، فإنه يُمضى ولا يبطل، ولا يجوز قتله بعد ذلك حتى يُردَّ إلى مأمنه.

وهم يدٌ على مَن سواهم يد يعني: هم جماعة وقوة على مَن سواهم، يجب أن يتكافؤوا، ويجب أن يتعاضدوا، وأن تكون أيديهم يدًا واحدةً ضد عدوهم، كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وقال: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال:46].

فالمؤمنون يجب أن يكونوا يدًا واحدةً ضد الأعداء، وهذه تعليمات عظيمة، وأصول كبيرة أوضحها النبيُّ ﷺ في هذا الحديث العظيم، وفيه إبطال ما تقوله الشيعة بالنسبة لخصائص الوحي لأهل البيت، وأنَّ عندهم قرآنًا غير القرآن، وعندهم أحاديث غير ما عرفها المسلمون، أو شرائع خاصَّة بهم غير ما عرفها المسلمون، فهذا كله باطل، وأنَّ أهل البيت من بني هاشم وأزواج النبيِّ ﷺ، كلهم من جنس بقية المسلمين: أحكامهم واحدة كلهم، كسائر بقية المسلمين، ما عدا مسألة الصَّدقة؛ فإنها لا تنبغي لآل محمدٍ كما هو معروف.

والحديث الثاني: حديث أنسٍ في قصة الجارية التي قتلها اليهودُ، كان يهودي في المدينة رأى جاريةً عليها أوضاح من ذهبٍ، فأمسكها وقتلها وأخذ الأوضاح التي عليها، علا بها فرضَّ رأسها وأخذ الذهبَ وهرب، فجيء إليها وبها رمقٌ لم تمت، فسُئلت، فأشارت بما يدل على أنَّ القاتل اليهود، أنَّ الذي قتلها يهود، فعُرض عليها جماعةٌ من اليهود المتَّهمون: هذا قتلك؟ فقالت: لا، هذا قتلك؟ فقالت: لا، ثم جيء إليها بالذي قتلها فقالت: نعم، أشارت أن نعم هو هذا، فأُخذ اليهودي الذي أشارت أنه صاحبها فأقرَّ، قال: إنه قتلها من أجل كذا وكذا. فأمر النبيُّ أن يُرضَّ رأسه بين حجرين قصاصًا كاملًا.

فهذا فيه فوائد:

منها: أنَّ الرجل يُقتل بالمرأة ويُقتص منه إذا قتل المرأة.

ومنها: أن القتل بالمثقل -كالمحدد- إذا كان عمدًا وحصل به القتلُ يُقاد به، النبي قاده لما رضَّ رأسه، والرضُّ يقتل غالبًا، فقِيد به؛ ولهذا ماتت بسبب ذلك.

وقول بعض الفقهاء الكوفيين: أنه لا يُقتل بمثقلٍ. قول ساقط لا وجهَ له، والصواب أنَّ القتل بما يقتل غالبًا: بمثقلٍ، أو محدد: كحجر، أو حديدٍ، أو غير ذلك مما يقتل غالبًا، يُقاد به قصاصًا، ومن ذلك الحجر، إذا رضَّها -رضَّ رأسَها به- أو تعمَّد قتلها بالحجر في مواضع القتل.

ومن الفوائد: أن القصاص يكون بالمماثلة، الله كتب القصاص علينا وهو مماثلة .....، فإذا قتله بحجرٍ يُقتل بحجرٍ، وإذا قتله بالخيط يُقتل بالخيط، كما قال تعالى ..... اقتصّ بمثل ما قتل، إلا أن يكون ذلك أمرًا مُحرَّمًا: كاللواط، أو إسقائه الخمر، فلا يجوز.

المقصود أنه يُقتل بمثل ما قتل به ..... النبي ﷺ بأن يرضّ رأس اليهودي بالحجر كما فعل في المرأة.

وفيه من الفوائد: العمل بالإشارة، وأنَّ الإشارة تُعتبر في الدَّعوى وفي غير الدَّعوى، لكن لا يُعتمد بدون بينةٍ ..... ترشد إلى المتهم، ترشد إلى المطلوب .....، فإنَّ النبي اهتدى بهذا إلى الجاني لما أشارت إليه واعترف، فالعمدة على اعترافه، لكن اعترافه أسبابه أنها أشارت إليه، والأدلة في عمل الإشارة والقرائن كثيرة جدًّا.

وفيه من الفوائد: خُبث اليهود، وحرصهم على المال، وطمعهم، وعدم مُبالاتهم بقتل النفوس إذا كان لهم طمعٌ في ذلك، نسأل الله السلامة.

والحديث الثالث: حديث عمران بن حصين الصحابي الجليل، ابن عبيد الخزاعي، صحابي وأبوه صحابي، وهو الذي قال له النبيُّ ﷺ: يا حصين، كم تعبد؟ قال: سبعة؛ ستة في الأرض، وواحد في السماء. لم يُسلم، قال: مَن كنتَ تعدّ لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السَّماء. فقال له ﷺ ما يدل على أنَّ الذي في السَّماء هو جدير بأن تعبده وحده، فأسلم رضي الله عنه وأرضاه، وعلَّمه النبيُّ ﷺ كلمتين يقولهما، علَّمه أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شرِّ نفسي.

في هذا أنَّ غلامًا لأناسٍ فقراء قطع أذنَ غلامٍ لأناس أغنياء، فجاءوا إلى النبيِّ ﷺ فلم يُعطهم شيئًا.

هذا الحديث أشكل على كثيرٍ من الناس، واختلف الجوابُ عنه، ويجب أن يُحمل على معنى يُطابق الأدلة الشرعية ويُوافقها؛ لأنَّ ما اشتبه من الناس مثلما اشتبه من القرآن سواء بسواءٍ، كما أنَّ المشتبه من آيات القرآن يُفسر بالمحكم، ويُصار فيه إلى المحكم .....، وهكذا السنة ما أشكل منها يُرد إلى المحكم، ويُفسر بالمحكم.

ومعلوم في المحكم أنَّ الجاني عليه القصاص أو الدية إن كان عمدًا، وإن كان خطأً فعليه الديةُ، ولا يُقتل، وهنا قال: لم يجعل لهم شيئًا!

فأجاب بعضُهم بأنَّ هذا قطع أذنه خطأً، وكانت عاقلته فقراء، ما عندهم شيء؛ فلهذا لم يُجب عليهم دية؛ لفقرهم وفقر القاطع للأذن، والدية على العاقلة في الخطأ، هكذا أجاب بعضهم.

وأجاب بعضُ الشراح بأنه كان صغيرًا، كان غلامًا صغيرًا، والصغير لا يُقاد، وعمده كالخطأ، وليس له عاقلة غنية تتحمل؛ فلهذا لم يجعل لهم النبيُّ شيئًا، ولم يُعطهم من المال لأسبابٍ: إما لأنه ليس هناك في بيت المال ما يُقابل ذلك، أو لبيان أنه لا يلزم بيت المال أن يسلم عمَّن ليس عنده شيء؛ لفقره وفقر عاقلته.

فالحاصل أنَّ هذا الحديث فيه بعض الإشكال، فيجب حمله على محمل يُناسب الأدلة الشرعية القائمة المعروفة: إما بحمله على أنه كان فقيرًا وعاقلته فقراء؛ ولهذا لم يكن عليهم شيءٌ، وهو خطأ، كان قطعًا خطأً، مثل: لو قتل خطأً، فالدية على العاقلة. أو أنه كان صبيًّا صغيرًا، ومعلوم أنَّ الصبي عمده في حكم الخطأ، وديته على العاقلة .....، وكذلك لم يكن عندهم شيء؛ لأنهم فقراء، والله أعلم.

الحديث الرابع: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنَّ رجلًا طعن رجلًا بقرنٍ بركبته، فقال: يا رسول الله، أقدني. فقال: حتى يبرأ، فكرر عليه قال: أقدني يا رسول الله. فأقاده، ثم ندم المستقيدُ؛ لأنه أصابه عرجٌ، لما برئ أصابه عرجٌ، فقال: يا رسول الله، عرجتُ. فقال: قد نهيتُك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك.

هذا فيه الدعاء على مَن أساء الأدبَ، مثلما قد يقع في دعواتٍ أخرى غير مقصودة: تربت يداك، ثكلتك أمك، أو نحو ذلك، وقد يكون هذا أبلغ؛ لكونه أساء الأدبَ فاستحقَّ أن يُدعا عليه، من باب الزجر عن العجلة.

ثم نهى الرسولُ ﷺ أن يُقتص من جرحٍ حتى يبرأ صاحبُه، فاستقرت الشريعةُ على هذا: أنَّ الجرح لا يُعجل بالقود حتى يبرأ؛ لأنه قد يكون له سراية فيكون القودُ أبلغ، قد يكون يتبعه مالٌ مع القود فلا تصلح العجلةُ، بل ينظر ويمهل حتى يبرأ المعتدى عليه، فإذا برأ أخذ حقَّه على بصيرةٍ في القصاص أو في غيره.

وفيه أنه إذا أخذ القصاص قبل أن يبرأ: بأن عجل فأخذ القصاص لنفسه، أو بواسطة القضاة أو الأمراء أو غيرهم ممن أعطاهم القود قبل أن يبرأ، ثم أصابه شيءٌ بعد ذلك من السراية، فإنها تبطل ويهدر ..... ويبطل عرجه، استعجلتَ واستوفيتَ حقك، فلم يبقَ لك شيء.

يقال: عرج يعرج عرجًا، إذا غمز برجله، إذا لم يستوِ في نفسه وأفعال العيوب، من باب تعب عرج وأشباه ذلك، وهكذا الألوان: سود وحمر من باب تعب، أما معنى الصعود فهو من باب نصر: عرج يعرج: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4] من باب الصعود: صعد يصعد، قال في "القاموس": ويقال عرج أيضًا بالفتح إذا خنع، إذا عثر برجله. بخلاف ما إذا كان عيبًا فإنه بالكسر.

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة في قصة المرأتين الهذليتين اللَّتين اقتتلتا، فقتلت إحداهما الأخرى وما في بطنها.

هذا الحديث العظيم رواه الشيخان وغيرهما، يدل على أنَّ القتل شبه العمد يُلحق بالخطأ، فإذا قتلت المرأةُ أو الرجلُ الآخر بما لا يقتل غالبًا، في بعض الروايات أنها قتلتها بعمودٍ، رمتها بعمود فسطاطٍ، وهنا بحجرٍ، فحكم عليها بالدية على العاقلة، وحكم في الجنين بغرةٍ.

قال العلماء: إنَّ الواقعة وقعت على وجهٍ يُشبه العمد، وهو ليس يقتل غالبًا؛ ولهذا قضى رسولُ الله ﷺ بالدية على العاقلة -عاقلة القاتلة- وحكم بالغرة؛ وهي عبد أو أمة على الجنين الذي أسقطته.

فدلَّ ذلك على أنَّ المضروبة إذا أسقطت جنينًا ميتًا فيه غرة: عبد أو أمة، وإذا ماتت ففيها الدية على العاقلة .....

واعترض الحملُ بن النابغة، وهو من عاقلة المرأة، وقال: يا رسول الله، كيف يغرم مَن لا شربَ، ولا أكل، ولا نطق، ولا استهلَّ، فمثل ذلك يُطلّ؟! يعني: يبطل؛ لأنه سقط ميتًا، فقال ﷺ: إنَّ هذا من إخوان الكهان؛ لأجل سجعه الذي سجع.

هذا يدل على أنَّ الكهان كانوا يسجعون في تأييد أباطيلهم وكذبهم وما يدَّعونه من الغيب، فيُذم السجع إذا كان لإبطال الحقِّ، أو لا حاجةَ إليه، أو مُتكلف، أما إذا كان السجعُ عفوًا في نصر الحقِّ، وفي بيان الحقِّ، فلا يضرّ هذا، وقد وقع في كلام النبيِّ ﷺ كثيرًا.

وفيه من الفوائد: أن قتل شبه العمد لا يُقاد به، ولكن فيه ديته على العاقلة كالخطأ.

وفيه أن الجنين الساقط بجنايته على أمه ..... بالغرة، وقد ثبت هذا من حديث المغيرة، ومن حديث محمد بن مسلمة في عدة أحاديث على أنَّ المرأة إذا أملصت بسبب ضربٍ لها فيه غرة الإملاص، فيه غرة: عبد أو أمة، ضربها أحدٌ فأسقطت جنينًا ففيه الدِّية؛ غرة عبد .....

والحديث السادس: حديث أنسٍ في قصة الربيع، الربيع كسرت ثنيةَ جاريةٍ لأناسٍ من الصحابة، فطلب المعتدى عليهم القصاص من الربيع، فجاءوا إلى النبي ﷺ، فأمر بالقصاص بالسن، فقال أنس: لا تُكسر ثنية الربيع.

أنس بن النَّضر قُتل يوم أحدٍ رضي الله عنه وأرضاه، وهو عم أنس بن مالك بن النضر، أخو أبيه، فقال رسولُ الله: يا أنسُ، كتاب الله القصاص يعني: حكم الله القصاص، أو إنَّ كتاب الله القرآن نصَّ على القصاص في قوله جلَّ وعلا: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].

قال: والذي بعثك بالحقِّ لا تُكسر ثنيتها. هذا قاله ليس باعتراضٍ على الحكم، وإنما قاله من باب حُسن الظن بالله، ومن باب أنه سيتيسر من الجهود ومن الأسباب ما يجعلهم يسمحون ويعفون عن القصاص، فرضي القومُ، فحققوا طلب أنس بن النضر وسمحوا بالعفو.

وقال النبيُّ ﷺ: إنَّ من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرَّه يعني: إنَّ من عباد الله الصُّلحاء الأخيار الذين لهم حُسن ظنٍّ بالله، ولهم معاملة صحيحة مع الله، مَن لو أقسم على الله لأبرَّ قسمه .....

ومن هذا الحديث الآخر: رُبَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَّه، مثلما جرى للبراء بن معرور وأنس.

المقصود أنَّ هذا واقع، وهو ينشأ عن حسن الظنِّ بالله، وعن رجائه ، والرغبة إليه في أن يُحقق هذا الطلب، والله على كل شيءٍ قدير، والله سبحانه بيده القلوب يصرفها كيف يشاء.

أما الإقسام من باب الاعتراض، كأن يقول: والله لن .....، أو ما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، بل يجب الخضوع لحكم الله، وإنما هذا من باب حُسن الظن بالله، ومن باب ..... عليه بما ..... من فضله وإحسانه وجوده وكرمه على أوليائه .

وفي هذا الدلالة على أنَّ حكم الله ينفذ في القصاص في السن وفي غير السن، السن والعين والأنف ..... ما نصَّ الله عليه، فالقصاص واجب حيث أمكن، فإذا تعذر وجبت الدِّية والله أعلم.

س: ..............؟

ج: فيه خلاف مشهور، فيه قول لأحدهما أنه من بيت المال، كما ..... النبي ﷺ دية عبدالله بن سهل الأنصاري من الصَّدقة. وقال آخرون: على الجاني نفسه إذا كان مليئًا؛ لأنَّ الأصل في الجنايات أنها على الجاني .....، وحُملت على العاقلة من باب التَّخفيف .....، والعصبة والجماعة شيء واحد يتعاونون، فإذا عجزوا وهو غني فمن ماله.

والقولان ..... جيدان، والعمل الآن على أنه يغرمها الجاني .....، ولا يبطل الدم إلا أن تحملها ..... يتحملها بيت المال، كما تحملها النبيُّ ﷺ ..... عبدالله بن سهل، وإلا فعلى الجاني عملًا بالأصول؛ لأنَّ الأصل أنَّ الجاني يتحمل جنايته، واختُلف في العاقلة لكثرة ما يقع من الأخطاء ..... العاقلة، فإذا كانت العاقلةُ غير موجودةٍ أو موجودة وفقيرة فإنه يُؤخذ من الجاني عملًا بالأصول، وهذا هو الأرجح، الأقرب يحملها الجاني، إلا إذا تفضلت الدولةُ وسلمت ذلك.

..............

1182- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّا أَوْ رِمِّيَّا بِحَجَرٍ، أَوْ سَوْطٍ، أَوْ عَصًا؛ فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَأ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ، وَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ.

1183- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَجَّحَ الْمُرْسَلَ.

1184- وَعَنْ عبدالرحمن بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهِدٍ، وَقَالَ: أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ. أَخْرَجَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ هَكَذَا مُرْسَلًا.

وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَإِسْنَادُ الْمَوْصُولِ وَاهٍ.

1185- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُتِلَ غُلَامٌ غِيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1186- وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ أَوْ يَقْتُلُوا. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

1187- وَأَصْلُهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالجنايات وأحكامها، وابن عباسٍ هو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي رحمة الله عليه، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهو المراد إذا أُطلق، إذا قيل: ابن عباسٍ فهو عبدالله، وإذا قيل: ابن عمر، فهو عبدالله، وإذا قيل: ابن الزبير فهو عبدالله، وإذا قيل: ابن عمرو فهو عبدالله؛ لأنهم اشتهروا بالعلم والرواية رضي الله عنهم وأرضاهم.

يقول: عن النبيِّ ﷺ أنه قال: مَن قُتِلَ في عميا أو رميا عمّيا بالتَّشديد، ورميا كذلك، والمعنى في أمرٍ مُختلٍط مُلتبسٍ: بحجرٍ، أو سوطٍ، أو عصًا، فعليه عقلُ الخطأ، ومَن قُتل عمدًا فهو قود، ومَن حال دونه فعليه لعنة الله أخرجه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه بإسنادٍ قويٍّ.

قد ذكر أبو داود هذا الحديثَ من طريقين: مرسل عن طاوس بإسنادٍ جيدٍ، ومتصل عن ابن عباسٍ بإسنادٍ جيدٍ أيضًا كما قال المؤلفُ، وفيه زيادة، في بعض الروايات زيادة: فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا، وفي روايةٍ أخرى: فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين؛ لأنه حال دون القود، مَن حال دون القود وحمى الجاني ولم يُمكن من أخذ القود منه.

والحديث دلَّ على مسائل:

منها: إذا قُتل الإنسانُ في حالةٍ مُشتبهةٍ مُلتبسةٍ لم يتضح القاتلُ، كما لو قُتِل في عميا أو في رميا، يعني: تضارب ناس، أو ترامى ناس فقُتِل بينهم قتيل في أحد الجانبين، ولم يُعرف القاتل.

قال النبيُّ ﷺ: فعليه عقل الخطأ بيَّن أوصاف ذلك: بحجرٍ، الرمي بحجرٍ، أو بسوطٍ، أو بعصًا، وقد تقاتلوا بهذه الأشياء التي في الغالب لا تقتل .....، فعليه عقل الخطأ، كما في الحديث الآخر: ألا إنَّ دية شبه العمد ما كان بالسوط والعصا .. إلى آخره.

المقصود أنَّ هذا حكمه حكم الخطأ، شبه العمد حكمه حكم الخطأ، لكن ليس فيه قود.

وقوله: فعقله عقل الخطأ يدل على أنه على العصبة، على عصبة مَن نُسب إليهم القتيل، فإذا تضارب تميم وبنو هاشم، فالقتيل من بني هاشم على عصبة تميم، والقتيل من بني تميم على عصبة بني هاشم؛ لأنَّ هذا عقل الخطأ، حكم به النبيُّ ﷺ على العصبة، وهذا أظهر الأقوال في هذه المسألة.

وقال قومٌ: يُقسم على المشتركين. وهذا يُخالف العقل الخطأ.

وقال آخرون: يكون هدرًا؛ لأنه لا يُعرف قاتله.

وقال آخرون: من بيت المال.

وليس كل هذا بجيدٍ، والصواب أنه على عصبة مَن منهم القاتل، من منهم الرمي .....؛ لأنَّ الرسول جعل عقله عقل الخطأ، أما إذا كان عمدًا: بأن ضربه عمدًا بما يقتل غالبًا، فهذا هو القود؛ ضربه بالحجر الكبير، بالسكين، بالسيف، بشيءٍ يقتل غالبًا، فهذا فيه القود، وليس المرادُ تعينه، لكن المقصود أنَّ فيه القود؛ لأنه أهم الأمرين، وإلا فهو مُخير؛ إن شاء أخذ الديةَ، لا حرجَ، كما يأتي في آخر الباب، وكما في حديث أبي هريرة.

وفي عدة أحاديث أنَّ الرسول ﷺ خيَّر أصحاب القتيل بين القود، وبين الدية، وبين العفو، جعل لهم ثلاثة أشياء: إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا عفوا، هذا هو المستقر في الشريعة، ولكن لم يُبين ﷺ أنَّ القود يتعين فيما إذا كان الضربُ أو القتلُ عمدًا بما يقتل غالبًا، وأنَّ صاحبه له أخذه وعدم قبول الدية.

المقصود من هذا تأكيد القود، وأنَّه حقٌّ لأولياء القتيل، وليس المقصود أنه يتعين، ليس له بديل، بل له بديل وهو الدية، إذا شاء ولي الدم، ولا يتعين عليه أن يأخذ القود مطلقًا من دون تخيير.

وفيه من الفوائد: أنَّ مَن حال بين أولياء الدم وبين القود فقد تعرض لغضب الله ولعنته، فعليه لعنة الله، وفي اللفظ الآخر: وغضبه، ولا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا يعني: لا فريضة ولا نافلة، كما فسَّره جماعةٌ.

المقصود أنَّ هذا يدلنا على تحريم التَّعرض لحماية الظالمين، وأنه لا يجوز حماية الظالمين من أخذ الحقِّ منهم: لا في الحدود، ولا في القود، لا في النفس، ولا في غيرها، بل الواجب التَّعاون على البرِّ والتقوى، والحرص على إنفاذ الحقِّ وإيصاله إلى مُستحقه، فمَن حال دون ذلك بشفاعةٍ أو قوةٍ فقد تعرَّض لغضب الله.

الواجب على المؤمن أن يكون عونًا للحقِّ، ولو كان أهلُ الحق ضعيفين، أو أعداء له، الحق أحقّ بالأخذ والاتباع.

ولما ولي الصديقُ خطب الناسَ وقال: "إنَّ قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه، وإن ضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحقَّ له"، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور، وعلى القضاة، وعلى جميع مَن تولى شيئًا من أمور المسلمين: أن يُنصف، وأن يحذر التَّساهل أو قبول الشَّفاعات التي تمنع الحقَّ، أو السماح لمن يقف في هذا الطريق، ولو كان عظيمًا، بل يجب تنفيذ الحقِّ.

ولما شفع أسامةُ في امرأةٍ من بني مخزوم أمر النبيُّ بقطع يدها في السرقة، غضب النبيُّ وقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! غضب عليه وهو يُحبه، وقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! وقال: إنما أهلك مَن كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليه الحدّ، وايم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها، هذا هو الواجب على أهل الإيمان والعلم والعمل والإمرة؛ يجب عليهم التَّعاون في كثيرٍ من الحقوق، وإيصالها إلى أهلها.

والحديث الثاني حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ قال: إذا أمسك الرجلُ الرجلَ وقتله الآخرُ فإنه يُقتل الذي قتل، ويُحبس الذي أمسك أخرجه الدَّارقطني موصولًا ومرسلًا، وصحَّحه ابنُ القطان، ورجاله ثقات، ورجَّح البيهقي رواية المرسل.

تعلمون القاعدة: أنه إذا تعارض مرسلٌ ومتَّصلٌ، فالمتصل هو الراجح عند الأقل، وهو الصواب، وإن كان الأكثرُ على خلاف ذلك كما قاله العراقيُّ رحمه الله في ألفيته: "واحكم بوصل ثقةٍ في الأظهر"، وقيل: بل الإرسال للأكثر، فالأكثر هنا غلطوا، والصواب مع الأقل؛ لأنَّ الواصل يُعتبر وصله كحديثٍ مُستقلٍّ، فكما يُقبل حديث الثِّقة لو استقلَّ، فهكذا إذا وصل وأرسلوا.

فإذا قال الثِّقةُ: عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال كذا.

وقال الأكثرون من الرواة: عن محمد بن سيرين، عن النبي ﷺ. وتركوا أبا هريرة، فالواصل الذي ذكر أبا هريرة أو ذكر غيره من الصحابة ممن سمع منه التَّابعي أولى بالأخذ؛ لأنَّ الحديث مُستقل، وزيادة الثقة مقبولة، فقد يكون الأكثرون الذين أرسلوا قد يكونوا غفلوا عند الرواية، نسوا، وهذا حفظ وذكر، فوجب الأخذُ بقوله.

فهذا الحديث يدلنا على أنه إذا أمسك رجلٌ رجلًا للقتل فقتله الممسك له، فإنَّ القاتل يُقتل قصاصًا، إلا أن يعفو أهلُ القتيل، والممسك يُمسك، يُحبس حتى يموت، كما حُبس هذا حتى مات، يُحبس حتى يموت، هذا قول جماعةٍ من أهل العلم، وهو قول أحمد رحمه الله ..... وآخرون.

وقال آخرون: يُقتل الممسك. وهو قول مالك وجماعة؛ لأنه مشترك في القتل، لولا إمساكه ما قدر على قتله، فيُقتل معه، ولكن هذا خلاف النص.

وقال آخرون: يُعزر.

والصواب ما دلَّ عليه الحديث إذا كان الإمساكُ للقتل، أما إذا كان ما درى عن الحقيقة، فهذا يجتهد فيه ولي الأمر، إذا قامت القرائنُ ودلَّت الدلائلُ على أنه أمسكه ما درى أنَّ هذا سيقتله على العادة ..... المسلم بأخيه، ما درى عن الحقيقة، فهذا محل نظرٍ، فلا يظهر أنه يجب إمساكه للموت، بل ينظر فيه.

وقد صرح جماعةٌ من أهل العلم بذلك، قالوا: إذا كان أمسك ما درى عن الحقيقة، فهذا محل اجتهادٍ، ومحل نظرٍ: هل يُعاقب أو ما يُعاقب؟ أما إذا عرف أنه أمسكه، تعاون معه على القتل، فالممسك المتسبب، والقاتل المباشر فيُقتل، وهذا يُمسك حتى يموت، كما أمسك ذلك حتى مات.

والحديث الثالث: حديث ابن البيلماني عبدالرحمن هذا ضعيف، تابعي ضعيف، ليس من الحفاظ، وروى هذا الخبر مرسلًا: أن النبيَّ قتل مسلمًا بمعاهدٍ، وأضعف منه ولده محمد، متهم بالوضع، محمد بن عبدالرحمن، فهو وأبوه ليسا بشيءٍ، لكن أباه أحسن منه.

يقول أنَّ النبي قتل مسلمًا بمعاهدٍ، وقال: أنا أولى مَن وفى بذمته.

هذا الحديث مثلما قال المؤلفُ رواه الدَّارقطني موصولًا عن ابن عمر، وهو ضعيف واهٍ، والمرسل ضعيف؛ لأنَّ مرسل الثِّقات ضعيف، فكيف بمُرسل الضُّعفاء؟ من باب أولى.

ثم هذا معارض للأحاديث الصَّحيحة، حتى ولو كان ثقةً، ولو كان غير ابن البيلماني لم يُقبل؛ لأنَّ الرسول قال: لا يُقتل مسلمٌ بكفرٍ حديث صحيح، فدلَّ ذلك على أنَّ هذا الأثر ليس بشيءٍ.

والمؤلف لعله ذكره لبيان حاله؛ وليعلم طالبُ العلم أنَّ هذا شيء لا أصلَ له، ولو أسقطه لكان خيرًا؛ لأنه لا قيمةَ له، الأحاديث الصَّحيحة دالة على أنَّ المسلم لا يُقتل بالكافر، ولعله ذكره المؤلفُ هنا لبيان الفائدة؛ وليعلم المؤمن وطالب العلم أنَّ في الباب شيئًا مخالفًا للصَّواب.

والحديث الرابع: حديث عمر في قصة المرأة التي قتلت صبيًّا لزوجها، وقال عمر في ذلك: لو اشترك فيه أهلُ صنعاء لقتلتهم به. خرجه البخاري.

هذه لها قصة رواها مالك في "الموطأ"، وابن أبي شيبة، وجماعة، والقصة أنَّ امرأةً كانت في اليمن، وكان زوجُها غائبًا، وترك عندها ولدًا من غيرها، ليس منها، ولدًا من غيرها، فاتخذت خليلًا لها بالفاحشة يتصل بها، فلما مضى عليهم وقتٌ قالت لخليلها: إنَّ هذا الولد سوف يفضحنا فاقتله. فقال الرجل: لا ما نقتله. فامتنعت منه ولم تُمكنه من نفسها؛ فلان لها حينئذٍ وتعاون معها ومع خادمها ومع رجلٍ آخر، صاروا أربعةً، فقتلوه، قطعوه وجعلوه في عيبةٍ وألقوه في ركيةٍ بعيدةٍ في أطراف القرية، ولما جاء زوجُها وسأل واهتمَّ بالأمر أخذوا الخليل الذي كان يدخل عليها، فأخذوه فاعترف، ثم اعترفت هي، واعترف مَن معها؛ فأمر عمرُ بقتلهم رضي الله عنه وأرضاه الأربعة، كتب إليه يعلى بن أمية أمير صنعاء ذاك الوقت لعمر فأمره بقتلهم جميعًا.

ورواه مالك في "الموطأ" أنهم كانوا سبعةً، عن سعيد بن المسيب أنهم كانوا سبعةً، وابن أبي شيبة روى أنهم كانوا سبعةً، وروى مالك في "الموطأ" أنهم كانوا خمسةً أو ستةً.

وبكل حالٍ فإنَّ عمر أمر بقتلهم جميعًا، سواء كانوا سبعةً أو أقلَّ أو أكثر، وقال: لو اشترك فيه أهلُ صنعاء لقتلتهم به.

أخذ العلماء من هذا أنَّ الجماعة إذا اشتركوا في قتل أحدٍ فإنَّ الواجب قتلهم، وهذا هو قول جمهور أهل العلم؛ حسمًا لباب الشرِّ، وسدًّا لأبواب الفساد؛ لأنهم لو لم يُقتلوا لتتابع الناسُ في هذا، فإذا أرادوا قتل أحدٍ تجمَّعوا وقتلوه وقالوا: لا نُقتل؛ فلهذا أمر عمر بقتل الجماعة.

وهكذا عليّ : فإنه جيء إليه بسارقٍ، فشهد عليه اثنان فقطعه، ثم جاءا بعد ذلك بآخر وقال: أخطأنا في الأول، وهذا هو السارق، فلم يقبل شهادتهما، وغرَّمهما دية الأول، ولم يقطع الثاني، فاتَّهمهما وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما الكذب لقطعتكما قصاصًا.

ورُوي عنه أنه قتل ثلاثةً بواحدٍ، وهكذا رُوي عن المغيرة، وابن عباس، وهو قول جمهور أهل العلم: أنَّ الجماعة يُقتلون بالواحد.

وقال بعضهم: لا يُقتلون، ولكن تُوزع عليهم الدية ويُعزرون ولا يُقتلون؛ لأنَّ القصاصَ مماثلة، والجماعة لا يماثلون الواحد.

وقال بعضُهم: يُقتل الواحد فقط، والبقية يُعزرون وتُوزع عليهم الدية.

والصواب الأول: أنهم يُقتلون، متى اشتركوا في القتل وجب قتلُهم؛ عقوبةً لهم، وقصاصًا، وسدًّا لباب الشرِّ والفساد، وهذا إذا كان كل واحدٍ يصلح أن يكون قاتلًا، كما نبَّه على ذلك أهلُ العلم، كان كل واحدٍ جرح أو أمسك، ساعد حتى قُتل، فإن كانت أفعالهم مختلفةً، لكنَّهم مُتواطئون، تواطؤوا على قتله، وأفعالهم مختلفة في قتله؛ فإنهم يُقتلون أيضًا على الصحيح لأجل الاتِّفاق، كما لو تمالؤوا؛ فإذا ضربه هذه، وضربه هذا، وقطع يده هذا، وقطع رجله هذا، أو أطلقوا عليه النار: هذا أطلق عليه النار، وهذا أطلق؛ يُقتلون جميعًا، أو اجتمعوا عليه بالعصي قاصدين قتله حتى قتلوه، أو ما أشبه ذلك، فإنهم يُقتلون به؛ لأنَّ اجتماعهم على هذا وتواطؤهم على قتله ينزل منزلة ما لو حصل من كلِّ واحدٍ ما يقتل، نسأل الله السَّلامة.

والحديث الأخير: حديث أبي شريح الخزاعي فيمَن قُتل له قتيل، ومثله حديث أبي هريرة في "الصحيحين" وما جاء في معنى ذلك.

فيه أنَّ النبي ﷺ خير أولياء القتيل بين الدية وبين القصاص، تقدم هذا، هذا هو الحقّ، وقول مَن قال: يتعين القود، قول ضعيف، والصواب أنه يُخير أولياء القتيل.

وتقدم الجوابُ عن حديث ابن عباسٍ في قوله: فهو قود. يعني: فهو قود متعين لولي القتل إذا أراد ذلك، أما إذا لم يُرد فله النزول عنه إلى الدية، والأحاديث يُجمع بينها، ويُفسر بعضُها بعضًا، وإن أرادوا العفو فلهم ذلك إذا كانوا أهلًا للعفو كالمرشدين.

س: ..............؟

ج: الظاهر إذا كان مُلتبسًا على القبيلتين، كما قال جماعةٌ من أهل العلم: على عاقلة القبيلتين تُوزع بينهم. وقال بعضهم: من بيت المال، إذا اشتبه تحملهم إياه أحسن من بيت المال؛ لأنهم هم المجرمون.

س: ...............؟

ج: ما دام اشتبه، إن كان المقامُ يقتضي أنه من الخصوم فهو على عصبة الخصوم، وإن كان المقامُ يقتضي أنه ملتبس، يحتمل من هؤلاء ومن هؤلاء، كما قُتل اليمان في أحدٍ، التبس على الناس، وقتله المسلمون، يكون على الجميع، على عصبة الجميع؛ لأنَّ النبي قال: فعقله عقل الخطأ، وهذا خطأ.

س: ..............؟

ج: قول ضعيف، هذا ..... يعني حال كونه في العهد لا يُقتل، ما هو المقصود أنه لا يُقتل بالمسلم، لكن لا يقتل في حال كونه في العهد.

س: ................؟

ج: إذا كانوا تعمَّدوا قتله، أرادوا قتله، عُرف أنهم أرادوا قتله يُقتلون، أما إذا كان نزاع بينهم ولا أرادوا قتله، شيء خطأ، يكون حكمه حكم شبه العمد، عليهم الدية المغلظة مع التَّأديب والتَّعزير.

س: ...............؟

ج: إذا كان القتيلُ بينهم هذا يصير قسامةً، يُقسم أولياء القتيل على واحدٍ منهم فيُقتل، يحلفون عليه خمسين يمينًا أنَّ قاتله فلان.

س: ................؟

ج: ما يجوز، هذا لا يُطاع، يُنكر عليه مثلما أنكر النبيُّ ﷺ على أسامة .