وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُنْسِي الْعَبْدَ نَفْسَهُ، وَإِذَا نَسِيَ نَفْسَهُ أَهْمَلَهَا وَأَفْسَدَهَا وَأَهْلَكَهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْسَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ؟ وَإِذَا نَسِيَ نَفْسَهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَذْكُرُ؟ وَمَا مَعْنَى نِسْيَانِهِ نَفْسَهُ؟
قِيلَ: نَعَمْ يَنْسَى نَفْسَهُ أَعْظَمَ نِسْيَانٍ، قَالَ تَعَالَى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].
فَلَمَّا نَسُوا رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ نَسِيَهُمْ وَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67].
فَعَاقَبَ سُبْحَانَهُ مَنْ نَسِيَهُ عُقُوبَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ نَسِيَهُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ أَنْسَاهُ نَفْسَهُ.
وَنِسْيَانُهُ سُبْحَانَهُ لِلْعَبْدِ: إِهْمَالُهُ، وَتَرْكُهُ، وَتَخَلِّيهِ عَنْهُ، وَإِضَاعَتُهُ، فَالْهَلَاكُ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنَ الْيَدِ لِلْفَمِ، وَأَمَّا إِنْسَاؤُهُ نَفْسَهُ، فَهُوَ: إِنْسَاؤُهُ لِحُظُوظِهَا الْعَالِيَةِ، وَأَسْبَابِ سَعَادَتِهَا وَفَلَاحِهَا، وَصْلَاحِهَا، وَمَا تَكْمُلُ بِهِ بِنَسْيِهِ ذَلِكَ كُلِّهِ جَمِيعِهِ فَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، وَلَا يَجْعَلُهُ عَلَى ذِكْرِهِ، وَلَا يَصْرِفُ إِلَيْهِ هِمَّتَهُ فَيَرْغَبُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمُرُّ بِبَالِهِ حَتَّى يَقْصِدَهُ وَيُؤْثِرَهُ.
وَأَيْضًا فَيُنْسِيهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَنَقْصَهَا وَآفَاتِهَا، فَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ إِزَالَتُهَا.
وَأَيْضًا فَيُنْسِيهِ أَمْرَاضَ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَآلَامَهَا، فَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ مُدَاوَاتُهَا، وَلَا السَّعْيُ فِي إِزَالَةِ عِلَلِهَا وَأَمْرَاضِهَا الَّتِي تَؤولُ بِهَا إِلَى الْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ، فَهُوَ مَرِيضٌ مُثْخَنٌ بِالْمَرَضِ، وَمَرَضُهُ مُتَرَامٍ بِهِ إِلَى التَّلَفِ، وَلَا يَشْعُرُ بِمَرَضِهِ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مُدَاوَاتُهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.
فَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ وَضَيَّعَهَا، وَنَسِيَ مَصَالِحَهَا وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا، وَأَسْبَابَ سَعَادَتِهَا وَفَلَاحِهَا وَصَلَاحِهَا وَحَيَاتِهَا الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ؟
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ هَذَا الْخَلْقِ قَدْ نَسُوا حَقِيقَةَ أَنْفُسِهِمْ وَضَيَّعُوهَا وَأَضَاعُوا حَظَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَبَاعُوهَا رَخِيصَةً بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الْغَبْنِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ لَهُمْ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيَظْهَرُ هَذَا كُلَّ الظُّهُورِ يَوْمَ التَّغَابُنِ، يَوْمَ يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ غُبِنَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ لِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَالتِّجَارَةِ الَّتِي اتَّجَرَ فِيهَا لِمَعَادِهِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَتَّجِرُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِآخِرَتِهِ.
فَالْخَاسِرُونَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الرِّبْحِ وَالْكَسْبِ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَحَظَّهُمْ فِيهَا وَلَذَّاتِهِمْ، بِالْآخِرَةِ وَحَظِّهِمْ فِيهَا، فَأَذْهَبُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَاسْتَمْتَعُوا بِهَا، وَرَضُوا بِهَا، وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهَا، وَكَانَ سَعْيُهُمْ لِتَحْصِيلِهَا، فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَاتَّجَرُوا وَبَاعُوا آجِلًا بِعَاجِلٍ، وَنَسِيئَةً بِنَقْدٍ، وَغَائِبًا بِنَاجِزٍ، وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْحَزْمُ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ:
خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ
فَكَيْفَ أَبِيعُ حَاضِرًا نَقْدًا مُشَاهَدًا فِي هَذِهِ الدَّارِ بِغَائِبٍ نَسِيئَةً فِي دَارٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ؟ وَيَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ ضَعْفُ الْإِيمَانِ وَقُوَّةُ دَاعِي الشَّهْوَةِ، وَمَحَبَّةُ الْعَاجِلَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِبَنِي الْجِنْسِ، فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ الْخَاسِرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي أَهْلِهَا: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة:86]، وَقَالَ فِيهِمْ: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16]، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ظَهَرَ لَهُمُ الْغَبْنُ فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ، فَتَتَقَطَّعُ عَلَيْهِمُ النُّفُوسُ حَسَرَاتٍ.
وَأَمَّا الرَّابِحُونَ فَإِنَّهُمْ بَاعُوا فَانِيًا بِبَاقٍ، وَخَسِيسًا بِنَفِيسٍ، وَحَقِيرًا بِعَظِيمٍ، وَقَالُوا: مَا مِقْدَارُ هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، حَتَّى نَبِيعَ حَظَّنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِهَا؟ فَكَيْفَ بما يَنَالُ الْعَبْدُ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الْقَصِيرِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَغَفْوَةِ حُلْمٍ، لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَى دَّارِ الْقَرَارِ أَلْبَتَّةَ: قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [يونس:45].
وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].
وَقَالَ تَعَالَى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ [الأحقاف: 35].
وَقَالَ تَعَالَى: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:112-114].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [طه:102-104].
فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الدُّنْيَا عِنْدَ مُوَافَاةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا عَلِمُوا قِلَّةَ لُبْثِهِمْ فِيهَا، وَأَنَّ لَهُمْ دَارًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ، هِيَ دَارُ الْحَيَوَانِ وَدَارُ الْبَقَاءِ - رَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ بَيْعَ دَارِ الْبَقَاءِ بِدَارِ الْفَنَاءِ، فَاتَّجَرُوا تِجَارَةَ الْأَكْيَاسِ، وَلَمْ يَغْتَرُّوا بِتِجَارَةِ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، فَظَهَرَ لَهُمْ يَوْمَ التَّغَابُنِ رِبْحُ تِجَارَتِهِمْ وَمِقْدَارُ مَا اشْتَرَوْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بَائِعٌ مُشْتَرٍ مُتَّجِرٌ، وَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مَوْبِقُهَا.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
فَهَذَا أَوَّلُ نَقْدٍ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ التِّجَارَةِ، فَتَاجِرُوا أَيُّهَا الْمُفْلِسُونَ، وَيَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ، هُنَا ثَمَنٌ آخَرُ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التِّجَارَةِ فَأَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112].
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10، 11].
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُنْسِي الْعَبْدَ حَظَّهُ مِنْ هَذِهِ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ، وَتَشْغَلُهُ بِالتِّجَارَةِ الْخَاسِرَةِ، وَكَفَى بِذَلِكَ عُقُوبَةً، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المباحث التي تترتب على المعاصي تقدم الكثير منها، ومن أعظم أخطار هذه المعاصي أنها تنسي العبد نفسه، وتنسيه حق الله عليه، تشغله بهواه واتباع شهواته فيخسر الدنيا والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا قال جل وعلا: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67] وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19] فالمؤمن شر المعاصي فإنها تسبب الغفلة واتباع الهوى فينسى نفسه وينسى مصالحه كما قال جل وعلا: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] فالمؤمن يحذر غاية الحذر من الإقدام على ما حرم الله والتساهل بذلك: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26] وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:41]
فالواجب المجاهدة لهذه النفس، والحرص على الاستقامة، والثبات على الحق أينما كنتم، في السفر في الحضر، في الشدة في الرخاء، في المرض في الصحة، أينما كنت حاسبها وجاهدها حتى تستقيم على الحق حتى تثبت على الحق وحتى تدع الباطل، فإن هذا هو طريق النجاة وطريق السعادة وأنت مخلوق لهذا العمل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] مخلوق لهذه المجاهدة أينما كنت حتى تستقيم على الحق وحتى تلتزم الحق وحتى تبتعد عن الباطل بأقوالك وأعمالك وفي جميع شؤونك، ترجو ثواب الله وتخشى عقابه، فمتى غفلت من هذا الأمر وهذا الجهاد هجم عدو الله بجنوده وزينوا لك الباطل وجروها إلى الباطل، وحسنوا لها اتباع هواها وثبطوها عن الحق، وصارت تسير في ميدان الباطل وفي طريق الهوى وفي طريق النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالحزم كل الحزم والكيس كل الكيس أن تلزم الحق وأن تجاهد هذه النفس حتى لا تميل مع الباطل، وبذلك تحصل لك السعادة والعاقبة الحميدة بتوفيق الله لها، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
السؤال: ما حكم الجهاد في البوسنة والهرسك في ظل الأوضاع الحالية والهجمة الصليبية الشرسة على المسلمين هناك، بالنسبة لأهل البوسنة وما جاورها من المسلمين القاطنين في بلدان أوروبية، وبالنسبة لساكني الدول العربية والإسلامية، علمًا بأن معظم القادة الميدانيين هناك يقولون بأنهم بحاجة إلى السلاح والرجال وبالذات من العرب؟
الشيخ: المسلمون هناك في أشد الحاجة إلى الدعم والمساعدة بالرجال والمال والسلاح في البوسنة والهرسك هم في أشد الحاجة إلى الدعم والمساعدة، والجهاد واجب ومساعدتهم واجبة على حكام المسلمين وعلى كل أحد متى قام بها من يكفي سقط عن الآخرين؛ لأنه وجوب كفائي فرض كفاية، وحالتهم الآن محزنة والأعداء قد تكالبوا عليهم فهم في أشد الحاجة إلى الدعم والمساعدة وإلى أن يسمح لهم بشراء السلاح حتى يدافعوا عن أنفسهم ضد هذا العدو الخبيث، نسأل الله أن يمنحهم التوفيق وأن ينصرهم على عدوهم، وأن يكبت أعداء الإسلام وأن يجعل الدائرة عليهم.
السؤال: يقول: ما حكم لبس الباروكة لمن به عيب وهو الصلع من النساء والرجال وما حكم بيعها في المحلات؟
الشيخ: لبس الباروكة أشد من الوصل، الوصل يعني وصل الشعر فكيف بالباروكة التي هي رأس كامل، والرسول ﷺ أخذ ذات يوم كبة من الشعر وقال: إنما هلك نساء بنو إسرائيل لما فعلوا مثل هذا فالتدليس لا يجوز، لكن العلاج لإنبات الشعر لا بأس أن تعالج ليعود الشعر، أما تلبس كبة من الشعر أو توصل الشعر لا.
السؤال: هل يجوز وضع ورقة على المصحف ثم الكتابة عليها؟
الشيخ: ترك هذا أحوط لأن فيه نوع امتهان فترك هذا أحوط، فجعل المصحف مستندا له أو متكئا لا يجوز.
السؤال: هل يجوز طلاء سوار الساعة باليسير من الذهب بالنسبة للرجال؟
الشيخ: الرسول ﷺ يقول: أحل الذهب والحرير لنساء أمتي وحرم على ذكورهم، فلا يجوز للرجل أن يلبس الساعة المذهبة أو المطلية بالذهب ولا يتساهل في هذا، هذا من شأن النساء.
س: ما حكم سماع القرآن المجود لمشاهير القراء مع العلم بأنهم يقرؤون على قواعد الموسيقى؟
الشيخ: إذا كانت التلاوة فيها تجاوز وفيها زيادة على الحد المطلوب لا يستمع له، أما إذا كان يقرأه مجودة والمدود التي لا بأس بها من غير وجود آلات ملاهي لا بأس، أما أن يقرأ قراءة تشابه كمن يقرأ على موسيقى ولا يراعي حدود التلاوة فلا بدّ أن يكون القارئ يراعي حدود التلاوة.
الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ الْحَاضِرَةَ، وَتَقْطَعُ النِّعَمَ الْوَاصِلَةَ، فَتُزِيلُ الْحَاصِلَ، وَتَمْنَعُ الْوَاصِلَ، فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَا حُفِظَ مَوْجُودُهَا بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَلَا اسْتُجْلِبَ مَفْقُودُهَا بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا وَآفَةً، سَبَبًا يَجْلِبُهُ، وَآفَةً تُبْطِلُهُ، فَجَعَلَ أَسْبَابَ نِعَمِهِ الْجَالِبَةِ لَهَا طَاعَتَهُ، وَآفَاتِهَا الْمَانِعَةَ مِنْهَا مَعْصِيَتَهُ، فَإِذَا أَرَادَ حِفْظَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ أَلْهَمَهُ رِعَايَتَهَا بِطَاعَتِهِ فِيهَا، وَإِذَا أَرَادَ زَوَالَهَا عَنْهُ خَذَلَهُ حَتَّى عَصَاهُ بِهَا.
وَمِنَ الْعَجَيبِ عِلْمُ الْعَبْدِ بِذَلِكَ مُشَاهَدَةً فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَسَمَاعًا لِمَا غَابَ عَنْهُ مِنْ أَخْبَارِ مَنْ أُزِيلَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِمَعَاصِيهِ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، أَوْ مَخْصُوصٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ، وَكَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَارٍ عَلَى النَّاسِ لَا عَلَيْهِ، وَوَاصِلٌ إِلَى الْخَلْقِ لَا إِلَيْهِ، فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيُّ ظُلْمٍ لِلنَّفْسِ فَوْقَ هَذَا؟ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
الْمَعْصِيَةُ تُبَاعِدُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَلِكِ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُبَاعِدُ عَنِ الْعَبْدِ وَلِيَّهُ وَأَنْفَعَ الْخَلْقِ لَهُ وَأَنْصَحَهُمْ لَهُ، وَمَنْ سَعَادَتُهُ فِي قُرْبِهِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ، وَتُدْنِي مِنْهُ عَدُوَّهُ وَأَغَشَّ الْخَلْقِ لَهُ، وَأَعْظَمَهُمْ ضَرَرًا لَهُ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَصَى اللَّهَ تَبَاعَدَ مِنْهُ الْمَلَكُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، حَتَّى إِنَّهُ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ بِالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ مَسَافَةً بَعِيدَةً.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ مِنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتَنِ رِيحِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا تَبَاعُدَ الْمَلَكِ مِنْهُ مِنْ كِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَاذَا يَكُونُ مِقْدَارُ بُعْدِهِ مِنْهُ مِمَّا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَفْحَشُ مِنْهُ؟
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا رُكِبَ الذَّكَرُ الذَّكَرَ عَجَّتِ الْأَرْضُ إِلَى اللَّهِ وَهَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى رَبِّهَا، وَشَكَتْ إِلَيْهِ عَظِيمَ مَا رَأَتْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ابْتَدَرَهُ الْمَلَكُ وَالشَّيْطَانُ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَحَمِدَهُ وَهَلَّلَهُ، طُرِدَ الشَّيْطَانُ وَتَوَلَّاهُ الْمَلَكُ، وَإِنِ افْتَتَحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْمَلَكُ عَنْهُ وَتَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ.
وَلَا يَزَالُ الْمَلَكُ يَقْرُبُ مِنَ الْعَبْدِ حَتَّى يَصِيرَ الْحُكْمُ وَالطَّاعَةُ وَالْغَلَبَةُ لَهُ، فَتَتَوَلَّاهُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ بَعْثِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [فصلت:30، 31].
وَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمَلَكُ تَوَلَّاهُ أَنْصَحُ الْخَلْقِ وَأَنْفَعُهُمْ وَأَبَرُّهُمْ، فَثَبَّتَهُ وَعَلَّمَهُ، وَقَوَّى جَنَانَهُ، وَأَيَّدَهُ قال اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12].
فَيَقُولُ الْمَلَكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ وَأَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، وَيُثَبِّتُهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْقَبْرِ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ.
فَلَيْسَ أَحَدٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ مِنْ صُحْبَةِ الْمَلَكِ لَهُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ فِي يَقَظَتِهِ وَمَنَامِهِ، وَحَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي قَبْرِهِ، وَمُؤْنِسُهُ فِي وَحْشَتِهِ، وَصَاحِبُهُ فِي خَلْوَتِهِ، وَمُحَدِّثُهُ فِي سِرِّهِ، وَيُحَارِبُ عَنْهُ عَدُوَّهُ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَيَعِدُهُ بِالْخَيْرِ وَيُبَشِّرُهُ بِهِ، وَيُحِثُّهُ عَلَى التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ الَّذِي يُرْوَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: إِنَّ لِلْمَلَكِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ: إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْوَعْدِ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ: إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ.
وَإِذَا اشْتَدَّ قُرْبُ الْمَلَكِ مِنَ الْعَبْدِ تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ الْقَوْلَ السَّدِيدَ، وَإِذَا بَعُدَ مِنْهُ وَقَرُبَ الشَّيْطَانُ، تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ قَوْلَ الزُّورِ وَالْفُحْشِ، حَتَّى يُرَى الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ الْمَلَكُ وَالرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ الشَّيْطَانُ وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ الصَّالِحَةَ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَيَقُولُ: مَا أَلْقَاهُ عَلَى لِسَانِكَ إِلَّا الْمَلَكُ، وَيَسْمَعُ ضِدَّهَا فَيَقُولُ: مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِكَ إِلَّا الشَّيْطَانُ، فَالْمَلَكُ يُلْقِي بِالْقَلْبِ الْحَقَّ وَيُلْقِيهِ عَلَى اللِّسَانِ، وَالشَّيْطَانُ يُلْقِي الْبَاطِلَ فِي الْقَلْبِ وَيُجْرِيهِ عَلَى اللِّسَانِ.
فَمِنْ عُقُوبَةِ الْمَعَاصِي أَنَّهَا تُبْعِدُ مِنَ الْعَبْدِ وَلِيَّهُ الَّذِي سَعَادَتُهُ فِي قُرْبِهِ وَمُجَاوَرَتِهِ وَمُوَالَاتِهِ، وَتُدْنِي مِنْهُ عَدُوَّهُ الَّذِي شَقَاؤُهُ وَهَلَاكُهُ وَفَسَادُهُ فِي قُرْبِهِ وَمُوَالَاتِهِ، حَتَّى إِنَّ الْمَلَكَ لَيُنَافِحُ عَنِ الْعَبْدِ، وَيَرُدُّ عَنْهُ إِذَا سَفِهَ عَلَيْهِ السَّفِيهُ وَسَبَّهُ، كَمَا اخْتَصَمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ رَجُلَانِ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَسُبُّ الْآخَرَ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَرُدُّ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ قُمْتَ، فَقَالَ: كَانَ الْمَلَكُ يُنَافِحُ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ.
وَإِذَا دَعَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَمَّنَ الْمَلَكُ عَلَى دُعَائِهِ، وَقَالَ: وَلَكَ بِمِثْلٍ.
وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَمَّنَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى دُعَائِهِ.
وَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ الْمُوَحِّدُ الْمُتَّبِعُ لِسَبِيلِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ.
وَإِذَا نَامَ الْعَبْدُ عَلَى وُضُوءٍ بَاتَ فِي شِعَارِ مَلَكٍ.
فَمَلَكُ الْمُؤْمِنِ يَرُدُّ عَنْهُ وَيُحَارِبُ وَيُدَافِعُ عَنْهُ، وَيُعَلِّمُهُ وَيُثَبِّتُهُ وَيُشَجِّعُهُ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُسِيءَ جِوَارَهُ وَيُبَالِغَ فِي أَذَاهُ وَطَرْدِهِ عَنْهُ وَإِبْعَادِهِ، فَإِنَّهُ ضَيْفُهُ وَجَارُهُ.
وَإِذَا كَانَ إِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْجَارِ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ وَمُوجِبَاتِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِكْرَامِ أَكْرَمِ الْأَضْيَافِ، وَخَيْرِ الْجِيرَانِ وَأَبَرِّهِمْ؟ وَإِذَا آذَى الْعَبْدُ الْمَلَكَ بِأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ دَعَا عَلَيْهِ رَبَّهُ، وَقَالَ: لَا جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، كَمَا يَدْعُو لَهُ إِذَا أَكْرَمَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْإِحْسَانِ.
قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ : إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ، فَاسْتَحْيُوا مِنْهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ.
وَلَا أَلْأَمَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ الْقَدْرِ، وَلَا يُجِلُّهُ وَلَا يُوَقِّرُهُ، وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10- 12] أَيِ اسْتَحْيُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَافِظِينَ الْكِرَامِ وَأَكْرِمُوهُمْ، وَأَجِلُّوهُمْ أَنْ يَرَوْا مِنْكُمْ مَا تَسْتَحْيُونَ أَنْ يَرَاكُمْ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُكُمْ، وَالْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، وَإِذَا كَانَ ابْنُ آدَمَ يَتَأَذَّى مِمَّنْ يَفْجُرُ وَيَعْصِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِأَذَى الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا البحث فيما يتعلق بالمعاصي وأثرها على العبد فإن أثرها كبير وخطير وقد تقدم في ذلك أشياء كثيرة منها: أن المعاصي من أسباب بعده من أولياء الله وبعده من الملائكة، فالمعاصي تكون سببًا لبعده من أولياء الله من الإنس والجن وتكون سببًا لتسليط الشياطين عليه من الإنس والجن لجرأته عليه فالطاعات تبعده عن الشياطين وتقربه من الخير وتبعده من الشر والمعاصي تقربه من الشياطين شياطين الإنس والجن وتبعده من الخير، قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] فالعبد متى أقدم على المعاصي فقد جرأ الشياطين عليه، لأنهم دعاة الباطل ودعاة الشر فإذا رأوا من الإنسان ميلًا إلى الشر والباطل ساعدوه على باطله الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268]
فالواجب على المؤمن أن يحذر شياطين الإنس والجن وأن يحذر المعاصي فإنها طاعة لهم، وأن يبتعد عنها، وأن يستقيم على طاعة الله ورسوله، هذا هو طريق النجاة وهو طريق أهل الاستقامة: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] استقاموا على طاعته تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31] نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32] وفي الآية الأخرى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13] أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:14]
فالواجب على من لديه معاصي وسيئات أن يبادر بالتوبة وأن يحذر شرها، وأن يستقيم على طاعة الله ورسوله، وأن يبادر بالتوبة من كل ما سلف حتى يتوب الله عليه وحتى يسلم من عاقبة المعاصي وشرها، فالمعاصي تقربه من الأشرار من شياطين الإنس والجن، والطاعات تقربه من الأخيار، فالمتقون هم أولياء الله وأولياء المؤمنين، والكفار هم أولياء الشيطان، والمعصية فيها جزء مما يتعلق بطاعة وجزء مما يتعلق بمعصية الله، ففعلها تقرب من شياطين الإنس والجن وإنكارها وهو يعلم أنها معصية من أسباب التوبة إلى الله منها، فإذا تاب إلى الله ورجع إلى الله وبادر بالإقلاع منها، والعزيمة أن لا يعود فيها سلم من شرها وإذا تساهل ومال معها وأعرض عن طاعة الله ورسوله صار الأمر خطيرًا وصار بها من أولياء أعداء الله، نسأل الله العافية.
وبكل حال هذه دار الفتنة دار البلاء دار المحنة دار الغرور هذه الدار يجب الحذر من كل ما يغضب الله، ويجب الابتعاد عن أسباب الهلاك والنار، ويجب الحرص على أسباب النجاة من طاعة الله ورسوله وصحبة الأخيار والبعد من صحبة الأشرار، والله المستعان، ووفق الله الجميع.
س: امرأة مريضة بالسكر وبضغط الدم وحامل في الشهر السابع وقال لها الأطباء إن جنينها ليس لديه جمجمة وسيموت بمجرد الولادة، فهل يجوز لها إسقاطه؟
الشيخ: هذه أشياء لا ينبغي التساهل بها، فكثير من الأطباء يقررون أشياء ما لها حقيقة ظلم وشبهات فالواجب ترك هذا الشيء وعدم المبالاة بذلك، وسؤال الله العافية، تسأل ربها أن يعافي ولدها مما يقولون وسوف ترى الخير إن شاء الله. كثير من الأطباء يقررون أشياء وهو علقة أو مضغة ما بعد .................. كل هذا من التسرع والمدة طويلة يقلب فيها الطفل من طور إلى طور تغير الأحوال، فلا يجوز لها الاقدام على ذلك.
س: أسماء الله وصفاته هل هي من قبيل المحكم وليست من قبيل المتشابه، أما أنها من حيث المعنى من المحكم ومن حيث الكيفية من المتشابه؟
الشيخ: هي من المحكم، أسماء الله الحسنى من المحكم من جهة المعنى، ولكن من جهة الكيفية لا يعلمها إلا الله، ولهذا قال السلف رضي الله عنهم ورحمهم في الصفات قالوا فيها: معلومة والكيف مجهول، الاستواء معلوم، الرحمة معلومة، الغضب معلوم، الرضا معلوم، الضحك معلوم، والكيف غير معلوم، الكيف مجهول، فالذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بالأسماء والصفات وأنها حق وأنها معلومة المعنى لكن كيفيتها لا يعلمها إلا الله، ولهذا قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول.
س: دعاء الصفة من صفات الله ما حكمه؟
الشيخ: ما يجوز دعاء الصفة، يتوسل بها، اللهم إني أسألك بمحبتك، أعوذ بالله برضاه من سخطه وبعفوه من عقوبته. يتوسل بها أما أن تسأل لا تسأل ما قال: يا عين الله افعل بنا، يا يد الله ارزقنا، أو يا كلام الله انصرنا، لا، قال: يا الله يا رحمن يا رحيم، يسأل باسمه جل وعلا، الصفات لا تسأل بإجماع المسلمين كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، وإنما يتوسل بها، ويستعاذ بها، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، برحمتك أستغيث يا ربي وما أشبه ذلك.
س:.......................
الشيخ: التوسل فقط الذاتية والفعلية فقط، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، رضاه وسخطه صفتان فعليتان بالمشيئة تتعلق بالمشيئة.
س: وما توجيه قوله ﷺ: (اللهم إني أسألك بوجهك)؟
الشيخ: جاء في بعض الأحاديث (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) وفي إسناده بعض المقال، ولا ينبغي أن يسأل بوجه الله إلا الجنة وما يقرب إليها عملًا بالحديث، وإن كان في سنده بعض المقال اليسير، لكن إذا أراد الإنسان يسأل ربه بأسمائه الحسنى غير الوجه وإذا سأل الله بوجهه الجنة فلا بأس لأنه مما يقرب إليها.
س: قوله ﷺ في دعاء المسجد وبسلطانك القديم ألا يدل على إثبات صفة القديم؟
الشيخ: لا، هذا شيء وهذا شيء لكن لا يعد من أسماء الله، وهو قديم ليس قبله شيء سبحانه وتعالى لكن أسماؤه توقيفية، ما هي بالرأي والاجتهاد.
س: إذا كان الصحابة كلهم رضي الله عنهم عدولا فما توجيه ما حدث من بعضهم من كبائر كالزنا؟
الشيخ: لم يثبت هذا، قد طهرهم الله عز وجل، لم يثبت هذا عن أحد منهم، ولهذا أقام الحد عمر على من اتهم المغيرة بذلك أقام حد القذف، ولم يثبت عليه، فهم عدول بإجماع المسلمين، هم أعدل الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم مثل ما قال الله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ.. الآية [الفتح:29] هم خير الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء، ولا هم معصومون، لكن بحمد الله لم يثبت عنهم إلا الخير والهدى والصلاح.
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَسْتَجْلِبُ مَوَادَّ هَلَاكِ الْعَبْدِ مِنْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ هِيَ أَمْرَاضٌ، مَتَى اسْتَحْكَمَتْ قَتَلَتْ وَلَابُدَّ، وَكَمَا أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا إِلَّا بِغِذَاءٍ يَحْفَظُ قُوَّتَهُ، وَاسْتِفْرَاغٍ يَسْتَفْرِغُ الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ وَالْأَخْلَاطَ الرَّدِيَّةَ، الَّتِي مَتَى غَلَبَتْ أَفْسَدَتْهُ، وَحِمْيَةٍ يَمْتَنِعُ بِهَا مِمَّا يُؤْذِيهِ وَيَخْشَى ضَرَرَهُ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا تَتِمُّ حَيَاتُهُ إِلَّا بِغِذَاءٍ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، تَحْفَظُ قُوَّتَهُ، وَاسْتِفْرَاغٍ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، تَسْتَفْرِغُ الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ وَالْأَخْلَاطَ الرَّدِيَّةَ مِنْهُ، وَحِمْيَةٍ تُوجِبُ لَهُ حِفْظَ الصِّحَّةِ وَتَجَنُّبَ مَا يُضَادُّهَا، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ مَا يُضَادُّ الصِّحَّةَ.
وَالتَّقْوَى: اسْمٌ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَمَا فَاتَ مِنْهَا فَاتَ مِنَ التَّقْوَى بِقَدَرِهِ.
وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَالذُّنُوبُ مُضَادَّةٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهَا تَسْتَجْلِبُ الْمَوَادَّ الْمُؤْذِيَةَ وَتُوجِبُ التَّخْطِيطَ الْمُضَادَّ لِلْحِمْيَةِ، وَتَمْنَعُ الِاسْتِفْرَاغَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ.
فَانْظُرْ إِلَى بَدَنٍ عَلِيلٍ قَدْ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الْأَخْلَاطُ وَمَوَادُّ الْمَرَضِ، وَهُوَ لَا يَسْتَفْرِغُهَا، وَلَا يَحْتَمِي لَهَا، كَيْفَ تَكُونُ صِحَّتُهُ وَبَقَاؤُهُ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
جِسْمُكَ بِالْحِمْيَةِ حَصَّنْتَهُ | مَخَافَةً مِنْ أَلَمٍ طَارِي |
وَكَانَ أَوْلَى بِكَ أَنْ تَحتمى | مِنَ الْمَعَاصِي خَشْيَةَ الْبَارِي |
فَمَنْ حَفِظَ الْقُوَّةَ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَاسْتَعْمَلَ الْحِمْيَةَ بِاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، وَاسْتَفْرَغَ التَّخْطِيطَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، لَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا، وَلَا مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
فَإِنْ لَمْ تَرْدَعْكَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتُ، وَلَمْ تَجِدْ لَهَا تَأْثِيرًا فِي قَلْبِكَ، فَأَحْضِرْهُ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى الْجَرَائِمِ، كَمَا قَطَعَ الْيَدَ فِي سَرِقَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَقَطَعَ الْيَدَ وَالرِّجْلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى مَعْصُومِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ، وَشَقَّ الْجِلْدَ بِالسَّوْطِ عَلَى كَلِمَةٍ قَذَفَ بِهَا الْمُحْصَنُ، أَوْ قَطْرَةِ خَمْرٍ يُدْخِلُهَا جَوْفَهُ، وَقَتَلَ بِالْحِجَارَةِ أَشْنَعَ قِتْلَةٍ فِي إِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ حَرَامٍ، وَخَفَّفَ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ عَمَّنْ لَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِ نِعْمَةُ الْإِحْصَانِ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ، وَيُنْفَى سَنَةً عَنْ وَطَنِهِ وَبَلَدِهِ إِلَى بَلَدِ الْغُرْبَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ رَأْسِ الْعَبْدِ وَبَدَنِهِ إِذَا وَقَعَ عَلَى ذَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ، أَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ وَطِئَ ذَكَرًا مِثْلَهُ وَقَتْلِ الْمَفْعُولَ بِهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً وَقَتْلِ الْبَهِيمَةَ مَعَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي رَتَّبَهَا اللَّهُ عَلَى الْجَرَائِمِ، وَجَعَلَهَا بِحِكْمَتِهِ عَلَى حَسَبِ الدَّوَاعِي إِلَى تِلْكَ الْجَرَائِمِ، وَحَسَبِ الْوَازِعِ عَنْهَا.
فَمَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا وَمَا لَيْسَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ اكْتُفِيَ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ التَّعْزِيرِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا، كَأَكْلِ الرَّجِيعِ، وَشُرْبِ الدَّمِ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَمَا كَانَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِقَدْرِ مَفْسَدَتِهِ، وَبِقَدْرِ دَاعِي الطَّبْعِ إِلَيْهِ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ دَاعِي الطِّبَاعِ إِلَى الزِّنَا مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي كَانَتْ عُقُوبَتُهُ الْعُظْمَى مِنْ أَشْنَعِ الْقِتْلَاتِ وَأَعْظَمِهَا، وَعُقُوبَتُهُ السَّهْلَةُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجَلْدِ مَعَ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ.
وَلَمَّا كَانَتْ جَرِيمَةُ اللِّوَاطِ فِيهَا الْأَمْرَانِ، كَانَ حَدَّهُ الْقَتْلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا كَانَ دَاعِي السَّرِقَةِ قَوِيًّا وَمَفْسَدَتُهَا كَذَلِكَ، قَطَعَ فِيهَا الْيَدَ.
وَتَأَمَّلْ حِكْمَتَهُ فِي إِفْسَادِ الْعُضْوِ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْجِنَايَةَ، كَمَا أَفْسَدَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ يَدَهُ وَرِجْلَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا آلَةُ قَطْعِهِ، وَلَمْ يُفْسِدْ عَلَى الْقَاذِفِ لِسَانَهُ الَّذِي جَنَى بِهِ، إِذْ مَفْسَدَتُهُ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَبْلُغُهَا، فَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ بِإِيلَامِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالْجَلْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ.
قِيلَ: لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَفْسَدَةَ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ، إِذْ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَتَعْرِيضُهُ لِلْهَلَاكِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْفَرْجَ عُضْوٌ مَسْتُورٌ، لَا يَحْصُلُ بِقَطْعِهِ مَقْصُودُ الْحَدِّ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْجُنَاةِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ يَدَهُ أَبْقَى لَهُ يَدًا أُخْرَى تُعَوِّضُ عَنْهَا، بِخِلَافِ الْفَرْجِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ لَذَّةَ الزِّنَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْبَدَنِ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ تَعُمَّ الْعُقُوبَةُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِبُضْعَةٍ مِنْهُ. فَعُقُوبَاتُ الشَّارِعِ جَاءَتْ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَوْفَقِهَا لِلْعَقْلِ، وَأَقْوَمِهَا بِالْمَصْلَحَةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ أَوِ الْقَدَرِيَّةُ أَوْ يَجْمَعُهَا اللَّهُ لِلْعَبْدِ، وَقَدْ يَرْفَعُهَا عَمَّنْ تَابَ وَأَحْسَنَ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالمعاصي مثل ما تقدم شرها عظيم وعواقبها وخيمة ولا بدّ لها من علاج فالمؤمن يعالجها بشتى أنواع العلاج بما يدفع شرها من الطاعات والتوبة إلى الله عز وجل والإنابة إليه والعزم الصادق أن لا يعود إليها، فلا بدّ من جهاد لا بدّ من جهاد لهذه المعاصي لأداء الفرائض وترك المحارم واستفراغ ما قد أصاب الإنسان من ذلك بالتوبة النصوح فيكون أبدًا في حرب وجهاد مع النفس الأمارة بالسوء ويجتهد في المظان التي تعينه على طاعة الله ويبتعد عن الأسباب التي تعينه على معاصي الله، يحذر غاية الحذر من ذلك مع سؤال الله التوفيق والهداية والإعانة ومع الحرص على صحبة الأخيار وترك الأشرار؛ لأن هذه أمور يصاب بها العبد لأسباب كثيرة فعليه أن يتوب إلى الله مما وقع منه، وعليه أن يحذر أسبابها من طاعة المخلوق في المعصية أو صحبة الأشرار التي تجره إلى المعاصي وكلما صاحب الأخيار ازداد من الخير النافع وكلما فارقهم وصحب الأشرار كسب من شرهم، فالواجب على كل مؤمن أن يحذر أسباب المعصية ويبتعد عنها، وأن يجتهد في أسباب الخير حتى يحصل له الفوز بأسباب السعادة والسلامة من أسباب الهلاك، وكل معصية تجر إلى غيرها فلا بدّ من الحذر، نسأل الله للجميع التوفيق.
س: يقول: قال أحد الإخوة أن الله يُظلم واستشهد بقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فعندما تتعدى على حد من حدود الله فإنك تظلمه، ولكن ظلمًا يليق به سبحانه، فهل يصح مثل هذا القول؟
الشيخ: لا يقال هذا، الله جل وعلا يقول: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57] فالظلم وضع الأمور بغير موضعها وهو لا يضر الله شيئًا، وإنما ظلموا أنفسهم، وتحملوا تبعة ذلك، ولهذا يقول: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57] الظلم وضع الشيء في غير موضعه فالمعاصي ظلم للنفس، والطاعات تسلية لها، والله لا يضره ظلم ولا معاصي بل مضرته عليهم: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46].
السؤال: لقد تهجم أحدهم يوم الجمعة الماضي على الشيخ حسن البنا والشيخ سيد قطب، وقال: بأنهم دعوا إلى أن يكون القرآن وحده مصدر التلقي وليس القرآن والسنة، فهل هذا صحيح؟ وإذا لم يكن هذا صحيحا ألا يُعدُّ هذا قذفًا لهم، علمًا بأن الرجل يدرك تمامًا ما يقول؟
الشيخ: هذا محل عناية، ومحل مراجعة لكتب الشيخين سيد قطب وحسن البنا، محل مراجعة؛ لأن عليهم بعض الملاحظات في كتبهم، نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم، فلا بدّ من مراجعة الكتب حتى يحكم عليها على بصيرة، ويحكم على قولهم على بصيرة من كتبهم، نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم وعن كل مسلم.
السؤال: هل في السنة الراتبة سجود سهو؟
الشيخ: السجود يكون في النفل والفرض، سجود السهو يكون في الفرض والنفل إذا سها في النافلة سهوًا يوجب السهو مثل الفريضة، لو شك هل سجد سجدتين أو واحدة سجد الثانية وسجد السهو، ولو قام يصلي ثنتين فشك هل أتى بالثانية أو ما أتى بالثانية يأتي بالثانية ويسجد للسهو.
السؤال: ما هو القول الصحيح في الوصية الواجبة، ومن قال بالوصية الواجبة من العلماء؟
الشيخ: الوصية الواجبة من الحقوق التي عليه، يجب عليه أن يوصي بالديون التي ما عليها بينات كفارات حقوق عليه للناس يلزمه أن يوصي بها، والحق التي لله أو لعباده يوصي به، وأما الوصية بالثلث بطاعة الله أو بالربع أو بالخمس هذه مستحبة.
س: ما رأي سماحتكم فيمن يشكك في القصة الواردة عن موسى في اغتساله، ويقول: أن ذلك من خوارم المروءة، وأن القصة لا تصح؟
الشيخ: لا، هي صحيحة ثابتة، وهذه من آيات الله، ومما يدل على عنايته عليه الصلاة والسلام بالستر وبعده عن التساهل.
وَعُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ: شَرْعِيَّةٌ، وَقَدَرِيَّةٌ، فَإِذَا أُقِيمَتِ الشَّرْعِيَّةٌ رُفِعَتِ الْعُقُوبَةُ الْقَدَرِيَّةُ وَخَفَّفَتْهَا، وَلَا يَكَادُ الرَّبُّ تَعَالَى يَجْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الْعُقُوبَتَيْنِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَفِ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِ مُوجَبِ الذَّنْبِ، وَلَمْ يَكْفِ فِي زَوَالِ دَائِهِ، وَإِذَا عُطِّلَتِ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ اسْتَحَالَتْ قَدَرِيَّةً، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ الشَّرْعِيَّةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ دُونَهَا، وَلَكِنَّهَا تَعُمُّ، وَالشَّرْعِيَّةُ تَخُصُّ، فَإِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُعَاقِبُ شَرْعًا إِلَّا مَنْ بَاشَرَ الْجِنَايَةَ أَوْ تَسَبَّبَ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ الْقَدَرِيَّةُ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَامَّةً وَخَاصَّةً، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا، وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتِ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ، وَإِذَا رَأَى النَّاسُ الْمُنْكَرَ فَتَرَكُوا إِنْكَارَهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ مَفْسَدَةِ الذَّنْبِ وَتَقَاضِي الطَّبْعِ لَهَا، وَجَعَلَهَا سُبْحَانَهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ وَالْجَلْدَ، وَجَعَلَ الْقَتْلَ بِإِزَاءِ الْكُفْرِ وَمَا يَلِيهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ، وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ، فَإِنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَنْسَابَ وَنَوْعَ الْإِنْسَانِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68].
وَالنَّبِيُّ ﷺ ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ، فَإِنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ، فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ.
فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا.وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ: أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ.
وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا: أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تَتَضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنَ الْحَقِّ.
فَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَعْظَمُ إِثْمًا وَعُقُوبَةً مِنَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا وَجُرْمًا مِنَ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ.
فَالزِّنَا بِمِائَةِ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا أَيْسَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا لَهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ سُوءُ الْجِوَارِ، وَأَذَى جَارِهِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ.
فَإِنْ كَانَ الْجَارُ أَخًا لَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَقَارِبِهِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ لَهُ الْإِثْمُ، حَتَّى إِنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ خُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَمَا ظَنُّكُمْ؟ أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ حَسَنَاتٍ، قَدْ حُكِّمَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا شَاءَ؟ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، حَيْثُ لَا يَتْرُكُ الْأَبُ لِابْنِهِ وَلَا الصَّدِيقُ لِصَدِيقِهِ حَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا مِنْهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الْإِثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ، كَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ، تَضَاعَفَ الْإِثْمُ. وَعَلَى هَذَا فَاعْتَبِرْ مَفَاسِدَ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفَ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث تدل على عظم شر الذنوب وعظم خطرها، وأنها كلما عظم أثرها في الفساد صارت أعظم في العقوبة والإثم، فالواجب على جميع المؤمنين أن يحذروا وأن يتقوا الله جل وعلا فإن المعاصي متى ظهرت ولم تغير عمت عقوباتها، والله سبحانه قد يجمع على العبد العقوبتين العقوبة الشرعية والعقوبة القدرية إذا لم تمنعه العقوبة الشرعية، فالعقوبات مثل ما تقدم نوعان شرعي وقدري، فالشرعي مثل: حد الزنا كالرجم للمحصن والجلد للبكر، والقطع في السرقة، والقصاص كل هذه حدود شرعية، حدود محاربين كلها حدود الشرعية، فإذا لم تؤثر في العبد وعاد إلى المعاصي فقد يعاقب بالعقوبة القدرية التي هي أشد وأنكى، نسأل الله العافية، والناس إذا رأوا المنكرات ولم يغيروها أوشك أن يعمهم الله بعقابه كما قال ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه فالواجب على المؤمن أن يحذر المعاصي كلها، وأن يجاهد نفسه بالحذر منها، وإذا بلي بشيء منها فليبادر بالتوبة والإصلاح، والله يتوب على التائبين، كما قال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وأعظم الذنوب وأشدها وأخطرها الشرك والكفر بالله وهو أعظم الذنوب كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم والاستهزاء بالدين والطعن في الدين هذه من نواقض الإسلام ومن الردة عن الإسلام، أو جحد ما أحل الله أو جحد ما حرم الله كل هذه من نواقض الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، ثم كذلك الذنوب كالزنا والسرقة واللواط والربا وعقوق الوالدين وغير ذلك من كبائر الذنوب، فالواجب الحذر منها كلها، يقول الله جل وعلا في الشرك والقتل والزنا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68 -70] ويقول النبي ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور وفي اللفظ الآخر: اجتنبوا السبع الموبقات -يعني المهلكات- قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف يعني التولي عن القتال يوم زحف المسلمين على أعدائهم وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات فعلى المسلم أن يحذر جميع الذنوب وأن يحذر صحبة أهلها فإن صحبتهم تجر إلى الفساد صحبة المجرم تجر إلى إجرامه، فالواجب الحذر من صحبة أهل الفساد والحرص على صحبة الأخيار، رزق الله الجميع العافية والسلامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السؤال: لقد عملت ما يقارب السنة مع الشيعة الرافضة الاثني عشرية في مدينة القطيف، وجرى خلال هذه المدة بعض النقاش حول بعض الاختلاف بين أهل السنة والشيعة، وكنت آتي بأدلة لما أقوله من كتبهم المعتمدة مثل الكافي وما لا يحضره الفقيه، ومن كتب أهل السنة المؤلفة في الشيعة، وكانوا لا يقبلون لحجة أن هذه الكتب مثل الكافي وغيره ليست صحيحة كلها، وكنت أعطيهم من كلام الخميني ولا يردونه، عمومًا سؤاله كالتالي: أنا الآن انتقلت من عندهم واتفقت أنا وأحدهم أن نكمل النقاش عبر المراسلة، فما رأي سماحتكم، وبماذا تنصحوني في هذا الشأن؟
الشيخ: الشيعة من أخبث أهل البدع، وشرهم الرافضة الإمامية، فإنهم ضد الإسلام وضد أصحاب الرسول ﷺ، فهم عندهم من الشرك والكفر وأنواع الشر ما ليس عند غيرهم من سب الصحابة والغلو في علي وأهل البيت وأنواع الشرك بالله فمثلهم لا يحاجهم إنسان إلا بقال الله وقال رسوله لا بقول فلان وفلان؛ لكن هم وأمثالهم لا بدّ من مقارعة الحجة بالحجة وباطلهم يدمغ بالحجة قال الله وقال رسوله حتى لا يلبسوا على الناس بقول فلان وفلان.
فالواجب أن يدعوا إلى الحق من الكتاب والسنة وبما درج عليه سلف الأمة وهم في الغالب لا يستجيبون لأن كفرهم متعمد مثل اليهود هم أشبه الناس باليهود، يجادلون بالباطل ويجحدون الحق على بصيرة، ولا يستجيبون لداعي الحق عنادا وكفرًا وضلالا، نسأل الله العافية.
السؤال: صليت مرة في مسجد لهم دون علمي بذلك فهل صلاتي صحيحة؟
الشيخ: صلاته غير صحيحة إذا كان إمام المسجد منهم فليست صحيحة يعيدها، الصلاة خلف الكافر لا تصح، إنما تصح خلف الفاسق أما الكافر لا، هم يدعون أهل البيت ويستغيثون بعلي ويستغيثون بفاطمة ويستغيثون بالحسن والحسين ويقولون أنهم يعلمون الغيب يسبون الصحابة هم من أئمة الكفر.
س: يقول أيضًا: ما حكم صلاتهم حيث يجمعون الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء؟
الشيخ: هذا من بدعهم هذا من ضلالهم لا تجمع الظهر مع العصر ولا المغرب مع العشاء إلا بعذر شرعي كالمرض والسفر أما الجمع بدون عذر باطل لا يجوز.
س: يقول أيضًا: ماذا نطلق عليهم ؟ كفارًا أم مشركين علمًا بأنهم ينفون بأن يكون لديهم مصحف آخر يعدل ثلث القرآن وينفون سورة الولاية؟
الشيخ: هم على كل حال مشركون كفار بعبادة غير الله ودعاء غير الله والاستغاثة بغير الله فهم في حكم الكفرة المرتدين إلا من هداه الله منهم.
س: رجل نذر لله أن يذبح عشرة من الغنم فلما ذبح ما نذر به أكل من اثنتين منها فهل أكله هذا جائز أم لا وإذا كان أكله هذا غير جائز فهل يذبح اثنتين من الغنم مكان التي أكل منها؟
الشيخ: إن كان ناويًا أن يأكل منها فليس عليه شيء، أما إن كان ما نوى فإنه يغرم مقدار ما أكل يشتري من السوق لحم مقدار ما أكل ويتصدق به ولا يلزمه ذبيحتان يغرم مقدار ما أكل من اللحم كيلو ونصف كيلو قدر ما يظن ويشتري من السوق ويتصدق به.
وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ فَسَادِ الْأَمْوَالِ الَّذِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَمْوَالَ فِي الِاخْتِفَاءِ، وَيُنَقِّبُ الدُّورَ، وَيَتَسَوَّرُ مِنْ غَيْرِ الْأَبْوَابِ، فَهُوَ كَالسِّنَّوْرِ وَالْحَيَّةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَةُ سَرِقَتِهِ إِلَى الْقَتْلِ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِالْجَلْدِ، فَأَحْسَنُ مَا دُفِعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهُ إِبَانَةُ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ، وَجُعِلَ الْجَلْدُ بِإِزَاءِ إِفْسَادِ الْعُقُولِ وَتَمْزِيقِ الْأَعْرَاضِ بِالْقَذْفِ.
فَدَارَتْ عُقُوبَاتُهُ سُبْحَانَهُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا دَارَتِ الْكَفَّارَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْعِتْقِ، وَهُوَ أَعْلَاهَا، وَالْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ.
أَقْسَامُ الذُّنُوبِ
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذُّنُوبَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمًا فِيهِ الْحَدُّ، فَهَذَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ كَفَّارَةً اكْتِفَاءً بِالْحَدِّ.
وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا، فَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَالظِّهَارِ، وَقَتْلِ الْخَطَأِ، وَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا وَلَا كَفَّارَةً، وَهُوَ نَوْعَانِ:أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا، كَأَكْلِ الْعَذِرَةِ، وَشُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَدْنَى مِنْ مَفْسَدَةِ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَالنَّظَرِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمُحَادَثَةِ، وَسَرِقَةِ فِلْسٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الْكَفَّارَاتُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ
وَشَرَعَ الْكَفَّارَاتِ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ، ثُمَّ عَرَضَ تَحْرِيمُهُ فَبَاشَرَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي عَرَضَ فِيهَا التَّحْرِيمُ، كَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ، وَطَرْدُهُ: الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَلِهَذَا كَانَ إِلْحَاقُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَهُ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّلَوُّطِ، وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا عُقِدَ لِلَّهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ بِاللَّهِ مِنْ يَمِينٍ، أَوْ حَرَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَرَادَ حِلَّهُ، فَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِلَّهُ بِالْكَفَّارَةِ وَسَمَّاهَا نِحْلَةً، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مَاحِيَةً لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ بِالْحِنْثِ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْحِنْثَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ حِلٌّ لِمَا عَقَدَهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا تَكُونُ فِيهِ جَابِرَةً لِمَا فَاتَ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِثْمٌ، وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ خَطًَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ، وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الزَّوَاجِرِ، وَالنَّوْعُ الْوَسَطُ مِنْ بَابِ التَّحِلَّةِ لِمَا مِنْهُ الْعَقْدُ.
لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ
لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فِي مَعْصِيَةٍ، بَلْ إِنْ كَانَ فِيهَا حَدٌّ اكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا اكْتُفِيَ بِالتَّعْزِيرِ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَعْصِيَةٍ، بَلْ كُلُّ مَعْصِيَةٍ فِيهَا حَدٌّ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَهَلْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا؟
فِيهِ وَجْهَانِ: وَهَذَا كَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ، وَوَطْءِ الْحَائِضِ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الْكَفَّارَةَ، فَقِيلَ: يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِمَا انْتَهَكَ مِنَ الْحُرْمَةِ بِرُكُوبِ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ: لَا تَعْزِيرَ فِي ذَلِكَ، اكْتِفَاءً بِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا جَابِرَةٌ وَمَاحِيَةٌ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه
أما بعد: فهذا بيان أنواع العقوبات وأنواع الذنوب وأنواع ما يترتب عليها وربك جل وعلا حكيم عليم فيما يرتبه على أعمال العباد وهو جل وعلا له الحكمة البالغة فكثير من أعمال العباد ومعاصيهم رتب عليه حدًا دون الكفارة كحد الزنا فإن الزاني يرجم إن كان ثيبًا ويجلد مائة جلدة إن كان بكرًا وليس فيه كفارة، وكحد الخمر معصية عظيمة ليس فيها إلا حد ليس فيها كفارة، وهكذا السرقة ليس فيها إلا الحد وهو القطع ليس فيها كفارة، وهناك من الذنوب ما ليس فيه حد ولكن فيه كفارة كالوطء في رمضان فإنه معصية وفيها الكفارة عتق رقبة فإن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكينًا، وهكذا تحريم الزوجة والظهار منها فيه كفارة دون الحد .......................... هذه الكفارة عتق رقبة فإن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكينًا، وهناك ذنوب فيها تعزير فيها التأديب بما يراه ولي الأمر كالمعاصي التي ليس فيها حد ولا كفارة كالظلم للناس في بعض أموالهم وأبدانهم، وكتعاطي المعاصي التي ليس فيها حد فإن فيها التعزير، والله جل وعلا هو الحكيم العليم فيما يقضي ويقدر وفيما يشرع لعباده، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يلتزم بشرع الله في كل شيء، وأن يدور مع الشرع حيثما دار؛ لأنه عبد مأمور بالتنفيذ فعليه أن يتبع ما جاء به الشرع كما قال الله جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155] وقال جل وعلا: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14] فأنت يا عبد الله مخلوق للعمل مخلوق للعبادة لطاعة الله، لست مخلوقًا لاتباع الشهوات والتصرف في نفسك كيف شئت، لا، أنت مخلوق لتصرف هذه النفس فيما أمر الله من العبادة وبترك ما نهى الله عنه، فأنت عبد مأمور عليك اتباع الأوامر، فما أمرت به وجب عليك فعله وما نهيت عنه وجب عليك تركه، وما خيرت فيه فأنت مخير ليس لك أن تبتدع شيئًا ما شرعه الله، وليس لك أن تتعدى حدود الله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229] وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] فالعبد يؤتى من جهة تفريطه أو إفراطه، في تفريطه في ترك ما أمر الله أو إفراطه في الغلو والزيادة، فلابدّ من الوقوف عند حدود الله فلا إفراط ولا تفريط، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
س: يقول: ما حكم حضور الخطبة يوم الجمعة، وما هو الدليل؟
الشيخ: الواجب على المؤمن إذا سمع المؤذن أن يبادر بالتوجه إلى المسجد ليسمع الخطبة ويصلي لأن المقصود من الخطبة وعظ الجماعة، وعظ المسلمين وتذكيرهم وتعليمهم، فالواجب أن يبادروا لحضورها حتى يستفيدوا من توجيهات الخطيب وتذكيره وحتى يتمكن من أداء الصلاة من أولها ولا يفوته شيء، ولهذا قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] فالواجب السعي من حين النداء وإذا بكر قبل ذلك فهو أفضل، كما في الحديث الصحيح يقول ﷺ عن المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، والذي بعده كالمهدي بقرة، والذي بعده كالمهدي كبشًا أقرن، والذي بعده كالمهدي دجاجة، وفي الساعة الخامسة كالمهدي بيضة.
السؤال: ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في سيرة الإمام أحمد رحمه الله أن البيهقي روى عن الإمام أحمد أنه قال في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] قال: جاء أمره. انتهى ما ذكره ابن كثير وقد ذكر الخلال عن الإمام أحمد أنه قال في صفات الله: نمرها كما جاءت لا كيف ولا معنى، فما يقال في تلك الروايات؟
الشيخ: هذه الرواية خطأ ولا تصح عن أحمد رحمه الله لأن القاعدة عدم تأويل النصوص ونمرها كما جاءت فقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] الأصل مجيئه سبحانه يوم القيامة، مثل ما قال سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] فهو جل وعلا يأتي يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده مجيئًا يليق بجلاله فلا يجوز التأويل، وهذا ذكره بعض المفسرين جاء أمر ربك وهذا غلط، ولو صح عن أحمد فهو غلط منه، فالنصوص الأخرى تدل على رجوعه عنه؛ لأن قاعدة أحمد والسلف الصالح والصحابة من قبله قاعدتهم عدم التأويل وإمرار النصوص على ظاهرها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل لأسماء الله وصفاته هذا هو قاعدة السلف الصالح، فإذا جاءت رواية شاذة عن أحمد منهم فهي إما باطلة وإما غلط فيها من باب الغلط وليس بمعصوم لا هو ولا غيره.
السؤال: هل هناك حرج في ترك المصحف مفتوحًا؟
الشيخ: ما أعلم فيه شيء إذا كان في محل مصون ما أعلم فيه شيء، إذا كان في دولاب أو فرجة مضبوطة أو ما أشبهها ما أعلم فيه شيء، لكن لو أطبقه حتى لا يقع فيه شيء مما يؤذي فحسن، قد يقع فيه غبار أو أعواد أو أوساخ فيكون ذلك أبعد عن الأذى.
السؤال: ما حكم وضع المصحف على الأرض مباشرة؟
الشيخ: الأفضل على شيء مرفوع ككرسي أو دولاب أو فرجة هذا أفضل، وقد جاء في قصة اليهوديين لما جاء بهما اليهود إلى النبي ﷺ ليقيم عليهما الحد قالوا إنهم لا يجدون في التوراة إلا أنهم يحممونهم، فطلب التوراة فجيء بالتوراة فجعلها على كرسي ثم نظر فيها فوجد فيها حد الرجم، فوضع التوراة على كرسي يدل على أن هذا مما ينبغي في كتب الله والقرآن أعظم فكونه يوضع على شيء مرتفع أفضل وأولى وأحوط، لكن إذا ما تيسر ذلك وجعله على أرض طيبة فلا حرج، وإن تيسر أن يكون في شيء مرفوع دولاب كرسي أو فرجة كان هذا أفضل وأكمل .
السؤال: هل يجوز لصاحب عمل أن يعاقب العامل الذي لا يصلي بخصم يوم من راتبه زجرًا له عن ترك الصلاة؟
الشيخ: لا، لا يعاقبه، يرفع أمره إلى ولي الأمر، أما أنه يعاقبه بإسقاط راتبه لا، يعطيه حقه ولكن يرفع أمره إلى الهيئة إلى القاضي إلى الأمير وإلا يطرده، الذي ما يصلي يطرده لا يعمل عنده، أما أنه يأخذ راتبه لا، لا يأخذ راتبه.