وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّنِي بِطَاعَتِكَ وَلَا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ | وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا |
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ | وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا |
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ | وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا |
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا عَصَى اللَّهَ أَحَدٌ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَه عَقْلُهُ لَحَجَزَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، أَوْ تَحْتَ قَهْرِهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَفِي دَارِهِ عَلَى بِسَاطِهِ وَمَلَائِكَتُهُ شُهُودٌ عَلَيْهِ نَاظِرُونَ إِلَيْهِ، وَوَاعِظُ الْقُرْآنِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ الْمَوْتِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ النَّارِ يَنْهَاهُ، وَالَّذِي يَفُوتُهُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ وَاللَّذَّةِ بِهَا، فَهَلْ يُقْدِمُ عَلَى الِاسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ؟
وَمِنْهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَكَاثَرَتْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهَا، فَكَانَ مِنَ الْغَافِلِينَ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14]، قَالَ: هُوَ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يُعْمِيَ الْقَلْبَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ أَحَاطَتْ بِقُلُوبِهِمْ.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقَلْبَ يَصْدَأُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا زَادَتْ غَلَبَ الصَّدَأُ حَتَّى يَصِيرَ رَانًا، ثُمَّ يَغْلِبُ حَتَّى يَصِيرَ طَبْعًا وَقُفْلًا وَخَتْمًا، فَيَصِيرُ الْقَلْبُ فِي غِشَاوَةٍ وَغِلَافٍ، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ انْتكَسَ فَصَارَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، فَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّاهُ عَدُوُّهُ وَيَسُوقُهُ حَيْثُ أَرَادَ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآثار السلفية كلها دالة على شؤم المعاصي وقبح آثارها على العبد، وأنها تورثه الذل والهوان، وأنها تسبب سواد قلبه وظلمة قلبه وانطفاء لنور قلبه، وتجر إلى ما سواها، وأنها أيضًا تسبب حبس المطر فيضر العقلاء وغير العقلاء من البهائم، حتى قال كثير من السلف: إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم وتقول: منعنا القطر بسبب معاصيهم،........ في المعاصي إلا أنها تسبب ظلمة القلب وذهاب نوره وقسوته حتى تسهل عليه مباشرة المعاصي ... وفي الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ورجع صقلت، فإن لم يتب عظمت ..... في قلبه نكتة سوداء ولا يزال حتى يسود القلب ويظلم وذلك الران الذي قال الله فيه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]
فالمعاصي تكسب الظلمة في القلوب وانتكاسها، والطاعات تكسب النور والهدى والسداد والبصيرة؛ فجدير بالعاقل أن يحذر شر المعاصي وأن يبتعد عنها، وأن يبادر بالتوبة مما قد يقع، كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فالواجب الحذر، ومتى وقع في المعصية وزلت قدمه فالواجب البدار بالتوبة والإقلاع والله يتوب على التائبين، نسأل الله للجميع العافية والسلامة.
السؤال: سائل يقول: سألت والدتي عن أبي فقالت: كان يعمل الخير ولكنه كان لا يصلي فهل يجوز لي أن أحج عنه وأستغفر له وأدعو له؟
الشيخ: إن كان لا يصلي فهو كافر - نعوذ بالله - لا يحج عنه ولا يدعا له لقول الله جل وعلا: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114] ويقول النبي ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ويقول ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر فالصلاة عمود الإسلام من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها أضاع دينه، نسأل الله العافية.
السؤال: ما حكم بيع آلات التصوير وأفلامها؟
الشيخ: بيع آلات التصوير لا بأس بها لأنها قد تستعمل للضرورة، وتصوير ما لا روح له كالشجر ونحوه، والتصوير الذي يحتاجه الناس للتابعيات وغيرها للضرورة لكن لا يصور إلا ما فيه ضرورة، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] كما يحتاجه أصحاب التوابع أو الشهادات العلمية ..... صورة أو تصوير الجمادات من شجر أو أودية أو أحجار أو سيارات أو غير ذلك.
السؤال: لي جد كبير في السن وأولاده لا يستطيعون أن يحجوا عنه وهو مريض وكبير في السن فهل يجوز لي وأنا ابن ابنته أن أحج عنه وعن جدتي علمًا بأن جدتي قد توفيت؟
الشيخ: مشكور لا بأس أن تحج عنه، جزاك الله خيرًا، هذا من الصلة ومن البر، إذا كان مريضًا مرضًا لا يرجا برؤه أو كبيرًا في السن عاجز تحج عنه أو ميتًا كذلك هذا من البر والصلة، فأنت مشكور ومأجور، جاءت امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ قال: حجي عن أبيكِ وجاء رجل فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير، لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه وأعتمر؟ قال: حج عن أبيك واعتمر فإذا حججت عن جدك أو جدتك أو غيرهما من الأموات أو كبار السن العاجزين فلا بأس، والعمرة كذلك.
س : يقول: إني من آل البيت وقيل لي لا يجوز لك أكل الصدقة والسبيل، فهل هذا صحيح؟ وهل يدخل في ذلك الماء الذي وضع للشرب في المساجد؟
الشيخ: لا ما يدخل، الممنوع الزكاة فقط، أما شرب الماء في المساجد أو صدقة التطوع أو غلات الأوقاف فلا بأس، الممنوع على أهل البيت الزكاة، قال النبي ﷺ: إنها لا تنبغي لآل محمد وإنما هي أوساخ الناس الزكاة فقط، نعم. وآل البيت هم بنو هاشم خاصة.
السؤال: هل يجوز إطلاق عبارة فاحشة اللواط أو رجل لوطي لمن عمل عمل قوم لوط عليه السلام؟
الشيخ: نعم، يقال له لوطي المقصود نسبته إلى اللواط ما هو بنسبة إلى لوط، لوطي يعني يتعاطى إتيان الذكور، نسأل الله العافية.
وَمِنْهَا: حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَدَعْوَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:7-9].فَهَذَا دُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الَّذِينَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ غَيْرُهُمَا، فَلَا يَطْمَعُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ بِإِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، إِذْ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَاتِ الْمَدْعُوِّ لَهُ بِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَمِنْ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا انْبَعَثَا لِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا فَيَقَعُ الْحَجَرُ، فَيَأْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يُصْبِحَ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ وَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرَغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يُصْبِحَ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ فَقَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ؛ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، وَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، فَقَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: فَقَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ
فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، فَإِذَا فِي النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْبَحَ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، أَوْ كَأَكْرِهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرًْاى، وَإِذَا هُوَ عِنْدَهُ نَارٌ يَحُثُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعَتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نُورِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟ وَمَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا إِلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَنَ، قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا، فَارْتَقَيْنَا فِيهَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ، وَلَبِنٍ فِضَّةٍ، قَالَ: فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا، قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَا ذَاكَ مَنْزِلُكَ.
قَالَ: فَسَمَا بَصْرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذَا مَنْزِلُكَ، قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، فَذَرَانِي فَأَدْخُلُهُ، قَالَا: أَمَّا الْآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ.
قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ.
أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو من بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ. وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهْرِ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمرآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُثُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ.
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ - وَفِي رِوَايَةِ الْبَرْقَانِيِّ: وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ - فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا خبر عظيم ورؤيا عظيمة قصها النبي ﷺ على الصحابة وما فيها من العظة والذكرى، كان يقول لهم ﷺ في بعض الأحيان: من رأى منكم رؤيا فيقصها عليه ﷺ لما فيها من العظة والذكرى، وهذه القصة رآها عليه الصلاة والسلام وقصها على أصحابها لما فيها من العظة والتذكير، وهو أنه رأى ملكين أتياه عليه الصلاة والسلام فقالا له: انطلق، فانطلق معهما فمر على رجل يثلغ رأسه بحجر كلما ثلغ رأسه تدهده الحجر وعاد الملك فأخذه فإذا التئم رأسه ضربه ثانية وهكذا، وبين أن هذا الرجل هو الذي كان ينام عن الصلاة فلا يصلي ولا يعمل بالقرآن، ينام عن الصلاة ولا يعمل بما دل عليه القرآن الكريم فيعذب هذا العذاب إلى يوم القيامة في القبر في البرزخ.
والثاني: رأى رجلًا يشرشر شدقه بكلوب إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، كلما التئم شق أيضًا شرشر أيضًا قالا له: هذا الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق يعني كذاب نعوذ بالله، هذا من عذاب البرزخ، نسأل الله العافية، وهذا يوجب الحذر من الكذب وأن الكذب عاقبته وخيمة، نسأل الله العافية، فينبغي للمؤمن أن يكون على غاية الحذر.
ومر على رجل في نهر وحوله رجل عنده حجارة يسبح هذا الرجل في النهر ثم يأتي فيلقمه الحجارة فيعود الماء كلما أراد الخروج ألقم حجارة فعاد فأخبرا أنه آكل الربا، نعوذ بالله.
ومر على أناس في مثل التنور لهم صياح ولهم ضوضاء كلما جاءهم اللهب فقالا له: هم الزواني والزناة - نعوذ بالله - يعذبون.
ومر على رجل كريه المنظر كريه المرآة يحش نارًا حوله فأخبراه أنه مالك خازن النار قال جل وعلا: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77].
ومر على رجل في روضة عظيمة وهو طويل وسأل عنه وحوله الأولاد أولاد المسلمين وأولاد الكفار قالوا: هذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ فهذا دليل على أن أولاد المشركين الذين ماتوا في الصغر يدخلون الجنة لأنه لا ذنب عليهم ولا تكليف عليهم، فهم مع أولاد المسلمين في الروضة مع إبراهيم، وهذا أحسن ما قيل في أولاد المشركين الذين ماتوا على الصغر ولم يدركوا الكفر مع آبائهم.
ومر على قوم شطر من أجسامهم قبيح وشطر حسن وعندهم نهر وأمروا أن ينغمسوا فيه فأذهب الله ما بهم من الأذى قالا: أولئك لهم سيئات فأزالها الله عنهم وطهرهم منها بسبب توبتهم وإخلاصهم.
فهذا كله يبين لنا أن الواجب على المؤمن الحذر من السيئات والحرص على الطاعات وبين في هذه الرؤيا المنزلة العظيمة التي له في الجنة عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل: أن هذه الرؤيا تحذر من عدم العمل بالقرآن، وتحذر من الكذب، وتحذر من الربا، وتحذر من الزنا، وتحذر من سائر المعاصي، فالمؤمن يتقي الله ويجتهد في طاعة الله ويعمل بكتاب الله ويحذر السيئات فإن شرها عظيم وعاقبتها وخيمة، فالمعاصي لمن لم يتب منها تمنع من دخوله في الدعوة دعوة نبينا ودعوة الملائكة قال جل وعلا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] والعاصي ناقص الإيمان ما يطلق عليه الإيمان بإطلاق، العاصي يقال: مؤمن عاصي، مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن فاسق، وهكذا لا تشمله دعوة الملائكة لقوله جل وعلا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] فهذه الدعوة لا تشمل العصاة لأنهم لم يتوبوا ولم يؤمنوا الإيمان الكامل، فهذا كله من شؤم المعاصي وقبحها وأنها تحرم الإنسان من دخوله تحت دعوة الملائكة ودعوة النبي ﷺ وتعرضه لهذه العقوبات العظيمة التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله للجميع العافية والهداية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السؤال: ...........
الشيخ: اللي مات قبل البلوغ نعم.
السؤال: يقول: إن جدتي لأمي أرضعت أختي وبنت خالتي، فهل يجوز لي أن أتزوج من بنات خالتي اللاتي لم يرضعن، وهل يجوز لي أن أكشف على اللاتي رضعن؟
الشيخ: إذا أرضعت جدتك أحدًا رضاعًا تامًا خمس مرات يكون الرضيع خالًا لك، أما الذين ما أرضعتهم فلا بأس، لكن الذي أرضعته جدتك أم أمك رضاعًا تامًا خمس رضاعات فأكثر، إن كانوا رجالا فهم أخوالك، وإن كانوا نساء فهن خالاتك، خالات أخوات لأمك، والذين ما أرضعتهم من إخوة هؤلاء لا حرج.
السؤال: ما قولكم فيمن يصنف الناس بمجرد الظن إلى فرق ومذاهب نرجو من سماحتكم نصيحة لهؤلاء الناس هداهم الله؟
الشيخ: الواجب على العبد تقوى الله ولا يصنف الناس إلا على بصيرة، على الوجه الذي صنفهم الله فمن اتقى الله فهو مع المؤمنين، ومن كفر بالله فهو مع الكافرين، ومن تعاطى المعاصي فهو بين بين مع الظالمين لأنفسهم فيقال له: فاسق، ويقال له: مؤمن ناقص الإيمان، هذه أقسام الناس مؤمن وكافر ومخلط وهو الظالم لنفسه هذه أقسام الناس، فمن اتقى الله فهو مع المؤمنين، ومن كفر بالله فهو مع الكافرين، ومن تعاطى المعاصي ولم يتب منها فهو مع المخلطين مع الظالمين لأنفسهم وهم تحت مشيئة الله كما قال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال سبحانه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32] فالظالم لنفسه هو صاحب المعاصي.
السؤال: يقول: هل صحيح أن الحجر الأسود من الجنة؟
الشيخ: جاء فيه حديث جيد لا بأس به أنه نزل من الجنة كاللبن بياضًا ثم سودته خطايا أهل الشرك، رواه الترمذي وجماعة ولا بأس به.
السؤال: يقول: والدتي تسأل وتقول: أنها أفطرت رمضانين وذلك قبل ثلاثين سنة عندما كانت نفساء في كل مرة ولم تقض، وقبل عدة سنوات وهي تصوم الاثنين والخميس والأيام البيض وتنوي التطوع والقضاء، وتعتقد أنها قد صامت أكثر من شهرين، وتسأل الآن هل عليها كفارة من طعام أو غيره، وإن كانت عليها فما مقدارها، وكيف طريقة إخراجها، وهل القضاء عليها واجب؟
الشيخ: هل عليها القضاء، صوم النافلة ما يقضي، لا بدّ أن تنوي بصومها القضاء أما إن نوت النوافل فعليها القضاء، الشهرين الذين تركتهما عليها القضاء والإطعام عن كل يوم مسكين؛ لأن الله يقول جل وعلا: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] والذي أفطر من غير عذر أقبح وأشد والواجب عليه القضاء مع التوبة إلى الله ومع إطعام مسكينًا عن كل يوم نصف صاع عن كل يوم..... مع التوبة إلى الله ، وعليها القضاء أما إن كانت فقيرة ما تقدر على الإطعام فعليها الصوم مع التوبة.
السؤال: يقول في حديث الرسول ﷺ: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. إلى آخر الحديث.. ما المقصود بقوله ﷺ: مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، هل المراد بذلك هو جعل المرأة شعرها على جهة واحدة من الرأس؟
الشيخ: وضح ﷺ أنهن من أهل النار وأنهن نساء كاسيات عاريات يلبسن لباسًا لا يسترهن وهن في الاسم كاسيات والحقيقة عاريات إما لرقته وإما لقصوره وعدم ستره، فهذا من المعاصي التي فعلنها كاسيات عاريات يعني ملابس غير ساترة، مائلات عن الرشد والهدى، عن العفة، مميلات لغيرهن من الفساد والزنا فهن لا يبالين بأسباب الزنا كاسيات عاريات ومع هذا مائلات عن الرشد والهدى إلى الباطل مميلات لغيرهن ولهذا أخبر أنهن من أهل النار، ورؤوسهن كأسنمة البخت المائلة قال بعض أهل العلم في ذلك يعني يضخمنها يحطين عليها تضخيمات فتبدو كبيرة كأنها رأسان كأسنمة البخت المائلة التي لها شبه السنامين لكونها يضخمن بالخرق أو بغير ذلك مما يكبر الرؤوس يُلَبّدنهن على رؤوسهن كعلامة لهن، كعنوان لهن، نسأل الله العافية.
وَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: أَنَّهَا تُحْدِثُ فِي الْأَرْضِ أَنْوَاعًا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْمِيَاهِ وَالْهَوَاءِ، وَالزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ، وَالْمَسَاكِنِ، قَالَ تَعَالَى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا وَلِيَ الظَّالِمُ سَعَى بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فَيَحْبِسُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَطْرَ، فَيَهْلِكُ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، ثُمَّ قَرَأَ: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ بَحْرٌ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ: بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْبَرُّ فَأَهْلُ الْعَمُودِ، وَأَمَّا الْبَحْرُ فَأَهْلُ الْقُرَى وَالرِّيفِ.
قُلْتُ: وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ الْعَذْبَ بَحْرًا، فَقَالَ: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ [فاطر:12]. وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ بَحْرٌ حُلْوٌ وَاقِفٌ، وَإِنَّمَا هِيَ الْأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ، وَالْبَحْرُ الْمَالِحُ هُوَ السَّاكِنُ، فَسَمَّى الْقُرَى الَّتِي عَلَيْهَا الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ بِاسْمِ تِلْكَ الْمِيَاهِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ: الذُّنُوبُ.
قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ الْفَسَادِ الَّذِي ظَهَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفَسَادَ الَّذِي ظَهَرَ هُوَ الذُّنُوبُ نَفْسُهَا فَتَكُونُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَامَ الْعَاقِبَةِ وَالتَّعْلِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ: النَّقْصُ وَالشَّرُّ وَالْآلَامُ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ مَعَاصِي الْعِبَادِ، فَكُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ عُقُوبَةً، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلَّمَا أَحْدَثْتُمْ ذَنْبًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ سُلْطَانِهِ عُقُوبَةً.
وَالظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْفَسَادَ الْمُرَادَ بِهِ الذُّنُوبُ وَمُوجِبَاتُهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا فَهَذَا حَالُنَا، وَإِنَّمَا أَذَاقَنَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ أَعْمَالِنَا، وَلَوْ أَذَاقَنَا كُلَّ أَعْمَالِنَا لَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.
وَمِنْ تَأْثِيرِ مَعَاصِي اللَّهِ فِي الْأَرْضِ مَا يَحِلُّ بِهَا مِنَ الْخَسْفِ وَالزَّلَازِلِ، وَيَمْحَقُ بَرَكَتَهَا، وَقَدْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى دِيَارِ ثَمُودَ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ دِيَارِهِمْ إِلَّا وَهُمْ بَاكُونَ، وَمِنْ شُرْبِ مِيَاهِهِمْ، وَمِنَ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ آبَارِهِمْ، حَتَّى أَمَرَ أَنْ يُعْلَفَ الْعَجِينُ الَّذِي عُجِنَ بِمِيَاهِهِمْ لِلنَّوَاضِحِ، لِتَأْثِيرِ شُؤْمِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ تَأْثِيرِ شُؤْمِ الذُّنُوبِ فِي نَقْصِ الثِّمَارِ وَمَا تَرَى بِهِ مِنَ الْآفَاتِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ قَالَ: وُجِدَتْ فِي خَزَائِنَ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ، حَبَّةُ حِنْطَةٍ بِقَدْرِ نَوَاةِ التَّمْرَةِ، وَهِيَ فِي صُرَّةٍ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: هَذَا كَانَ يَنْبُتُ فِي زَمَنٍ مِنَ الْعَدْلِ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ أَحْدَثَهَا اللَّهُ بِمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ.
وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ الصَّحْرَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْهَدُونَ الثِّمَارَ أَكْبَرَ مِمَّا هِيَ الْآنَ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ الَّتِي تُصِيبُهَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهَا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ مِنْ قُرْبٍ.
وَأَمَّا تَأْثِيرُ الذُّنُوبِ فِي الصُّوَرِ وَالْخَلْقِ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ.
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنَ الظَّلَمَةِ وَالْخَوَنَةِ وَالْفَجَرَةِ، يُخْرِجُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ ﷺ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَيَقْتُلُ الْمَسِيحُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،وَيُقِيمُ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَتُخْرِجَ الْأَرْضُ بَرَكَاتِهَا، وَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ، حَتَّى إِنَّ الْعِصَابَةَ مِنَ النَّاسِ لَيَأْكُلُونِ الرُّمَّانَةَ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيَكُونُ الْعُنْقُودُ مِنَ الْعِنَبِ وَقْرَ بَعِيرٍ، وَلَبَنُ اللِّقْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا طَهُرَتْ مِنَ الْمَعَاصِي ظَهَرَتْ فِيهَا آثَارُ الْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي مَحَقَتْهَا الذُّنُوبُ وَالْكُفْرُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْأَرْضِ بَقِيَتْ آثَارُهَا سَارِيَةً فِي الْأَرْضِ تَطْلُبُ مَا يُشَاكِلُهَا مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ آثَارُ تِلْكَ الْجَرَائِمِ الَّتِي عُذِّبَتْ بِهَا الْأُمَمُ، فَهَذِهِ الْآثَارُ فِي الْأَرْضِ مِنْ آثَارِ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْمَعَاصِي مِنْ آثَارِ تِلْكَ الْجَرَائِمِ، فَتَنَاسَبَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَحُكْمَهُ الْكَوْنِيُّ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَكَانَ الْعَظِيمُ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِلْعَظِيمِ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَالْأَخَفُّ لِلْأَخَفِّ، وَهَكَذَا يَحْكُمُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ فِي دَارِ الْبَرْزَخِ وَدَارِ الْجَزَاءِ.
وَتَأَمَّلْ مُقَارَنَةَ الشَّيْطَانِ وَمَحِلَّهُ وَدَارَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَارَنَ الْعَبْدَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ نُزِعَتِ الْبَرَكَةُ مِنْ عُمُرِهِ، وَعَمَلِهِ، وَقَوْلِهِ، وَرِزْقِهِ، وَلَمَّا أَثَّرَتْ طَاعَتُهُ فِي الْأَرْضِ مَا أَثَّرَتْ، وَنُزِعَتِ الْبَرَكَةُ مِنْ كُلِّ مَحِلٍّ ظَهَرَتْ فِيهِ طَاعَتُهُ، وَكَذَلِكَ مَسَكْنُهُ لَمَّا كَانَ الْجَحِيمَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنَ الرُّوحِ وَالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه أما بعد:
فهذا مثل ما تقدم المعاصي شرها عظيم وآثارها سيئة، كما قال النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقابه وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ويل للعرب من شر قد اقترب، قد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه فقالت له زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث
فالمعصية آثارها من آفات في البر والبحر ولهذا قال جل وعلا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] ويقول جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] فالواجب على المؤمن أن يحذر شر المعاصي على نفسه وعلى غيره من إخوانه المسلمين وأن يكون حريصًا على طاعة الله ورسوله،........ ذاته والسلامة من إيذاء الخلق وإضرار الخلق فأنت مخلوق للعبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] والرسل دعت إلى ذلك: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
فالواجب على المكلف أن يحذر هذه المعاصي كلها وأن يتباعد عنها، وأن يلزم الطاعة والاستقامة وأن يشجع غيره على ذلك فهذا هو طريق النجاة وهو طريق السعادة في الدنيا والآخرة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
السؤال: يقول: ذكر مسلم في مقدمة صحيحه حديث عائشة مرفوعًا إلى النبي ﷺ قالت: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معناه؟
الشيخ: هذا الحديث في سنده ضعف، لكن معناه لو صح كل ينزل منزلته فرئيس القوم وكبير القوم له منزلته، والمؤمن له منزلته والفقير السائل له منزلته، والكافر له منزلته، كل له منزلته، وفي بعض الروايات أنه جاءها فقير يسأل فأعطيته لقمة أو لقمتين وجاءها فقير آخر ظاهره الحشمة فأمرت بإجلاسه في محل وإعطائه طعامًا يناسبه فسألت عن ذلك فقالت: إن الرسول أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فالحديث معناه صحيح، وإن كان السند فيه ضعف، فينبغي للمؤمن أن ينزل الناس منازلهم ولا يجعلهم كشيء واحد، فرئيس القوم والمؤمن وأقاربه لهم حق فالذي يطوف على الأبواب له حق آخر.
السؤال: ما حكم الدعاء للكفار والمبتدعة بالهداية والصلاح، وهل هناك خلاف بين أهل العلم في ذلك، وما الراجح في ذلك؟
الشيخ: الهداية مطلوبة من الجميع، طلب الهداية مطلوب من الجميع من الكافر والعاصي وغيرهما، كل بحاجة إلى الهداية وأنت تقرأ في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أنت تطلب الهداية وأنت مؤمن تطلب الهداية والثبات على الحق والمزيد من الهداية، كل محتاج للهداية، النبي ﷺ قيل له: إن دوسًا كفرت وعصت قال ﷺ: اللهم اهد دوسًا وائت بهم، اللهم اهد دوسًا وائت بهم، ودعا لكثير من الكفرة فهداهم الله.
وإذا كان ظالمًا مؤذيًا دعي عليه بالهلاك أيضًا، يجوز الدعاء عليه بالهلاك والدعاء له بالهداية، هذا جائز وهذا جائز، ولاسيما إذا آذوا الناس وأضروا الناس فهم أولى بأن يدعا عليهم بالهلاك لبعد هدايتهم، وإذا كانوا كفوا شرهم دعي لهم بالهداية وأن الله يهديهم للحق وأن الله يبصرهم.
السؤال: قرأنا في جريدة الشرق الأوسط مسابقة شهرية وأسبوعية جائزتها خمسمائة ألف ريال، ولقد تدفق كثير من الناس لشراء هذه الجريدة لقصد المشاركة في المسابقة وبعد ذلك يرميها، فهل هذه المسابقة حرام أم حلال؟
الشيخ: المسابقة التي فيها دراهم هذه من القمار لأنه قد يخفق ولا يحصل شيئًا فهذا من باب القمار.
السؤال: هل الحديث أثناء الوضوء في كلام الدنيا مكروه؟
الشيخ: ما نعلم فيه شيء، الكلام في بيع أو شراء ما فيه شيء، يكره في المساجد أما كونه يتوضأ ويكلم أحد ما نعلم فيه شيء إذا كان مباحًا.
السؤال: هل الصورة تقيم الحجة على الزاني؟
الشيخ: لا ما يجوز التصوير، التصوير محرم، ولا يبرر التجسس على الشخص، ولكن إن صاروا أربعة شهدوا عليه فلا يحتاج صورة، لأن التصوير شر عظيم.
السؤال: إذا هو مثلًا أتى بالصورة وشاهده الناس؟
الشيخ: محل نظر، الله جل وعلا يقول: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4] فهذا محل نظر كونه صورهم فكثير من الناس قد يصور صورة .... قد يكذب المصور من غير أن يشاهد المصور، يصور صورته.. ثم يصوره، ونص القرآن أربعة شهداء.
السؤال: .................
الشيخ: التصوير منكر.
وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُطْفِئُ مِنَ الْقَلْبِ نَارَ الْغَيْرَةِ الَّتِي هِيَ لِحَيَاتِهِ وَصَلَاحِهِ كَالْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ لِحَيَاةِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَالْغَيْرَةُ حَرَارَتُهُ وَنَارُهُ الَّتِي تُخْرِجُ مَا فِيهِ مِنَ الْخَبثِ وَالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ، كَمَا يُخْرِجُ الْكِيرُ خَبثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ، وَأَشْرَفُ النَّاسِ وَأَعْلَاهُمْ هِمَّةً أَشَدُّهُمْ غَيْرَةً عَلَى نَفْسِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَغْيَرَ الْخَلْقِ عَلَى الْأُمَّةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَشَدُّ غَيْرَةً مِنْهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي.
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! مَا أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ.
فَجَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي أَصْلُهَا كَرَاهَةُ الْقَبَائِحِ وَبُغْضُهَا، وَبَيْنَ مَحَبَّةِ الْعُذْرِ الَّذِي يُوجِبُ كَمَالَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ - مَعَ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ - يُحِبُّ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ عَبْدُهُ، وَيَقْبَلُ عُذْرَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ عَبِيدَهُ بِارْتِكَابِ مَا يَغَارُ مِنَ ارْتِكَابِهِ حَتَّى يَعْذُرَ إِلَيْهِمْ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا، وَهَذَا غَايَةُ الْمَجْدِ وَالْإِحْسَانِ، وَنِهَايَةُ الْكَمَالِ.
فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ تَحْمِلُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ عَلَى سُرْعَةِ الْإِيقَاعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ إِعْذَارٍ مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِعُذْرِ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عُذْرٌ وَلَا تَدَعُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ أَنْ يَقْبَلَ عُذْرَهُ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَقْبَلُ الْمَعَاذِيرَ يَحْمِلُهُ عَلَى قَبُولِهَا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ حَتَّى يَتَوَسَّعَ فِي طُرُقِ الْمَعَاذِيرِ، وَيَرَى عُذْرًا مَا لَيْسَ بِعُذْرٍ، حَتَّى يَعْتَذِرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْقَدَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَمْدُوحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يَبْغَضُهَا اللَّهُ، فَالَّتِي يَبْغَضُهَا اللَّهُ الْغَيْرَةُ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثِ.
وَإِنَّمَا الْمَمْدُوحُ اقْتِرَانُ الْغَيْرَةِ بِالْعُذْرِ، فَيَغَارُ فِي مَحِلِّ الْغَيْرَةِ، وَيَعْذُرُ فِي مَوْضِعِ الْعُذْرِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ الْمَمْدُوحُ حَقًّا.
وَلَمَّا جَمَعَ سُبْحَانَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ كُلَّهَا كَانَ أَحَقَّ بِالْمَدْحِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ أَنْ يَمْدَحَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ، بَلْ هُوَ كَمَا مَدَحَ نَفْسَهُ وَأَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، فَالْغَيُورُ قَدْ وَافَقَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَنْ وَافَقَ اللَّهَ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ قَادَتْهُ تِلْكَ الصِّفَةُ إِلَيْهِ بِزِمَامِهِ، وَأَدْخَلَتْهُ عَلَى رَبِّهِ، وَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، وَقَرَّبَتْهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَصَيَّرَتْهُ مَحْبُوبًا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَحِيمٌ يُحِبُّ الرُّحَمَاءَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكُرَمَاءَ، عَلِيمٌ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، قَوِيٌّ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، حَتَّى يُحِبَّ أَهْلَ الْحَيَاءِ، جَمِيلٌ يُحِبُّ أَهْلَ الْجَمَالِ، وَتْرٌ يُحِبُّ أَهْلَ الْوَتْرِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي إِلَّا أَنَّهَا تُوجِبُ لِصَاحِبِهَا ضِدَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَتَمْنَعُهُ مِنَ الِاتِّصَافِ بِهَا لَكَفَى بِهَا عُقُوبَةً، فَإِنَّ الْخَطْرَةَ تَنْقَلِبُ وَسْوَسَةً، وَالْوَسْوَسَةُ تَصِيرُ إِرَادَةً، وَالْإِرَادَةُ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً، ثُمَّ تَصِيرُ فِعْلًا، ثُمَّ تَصِيرُ صِفَةً لَازِمَةً وَهَيْئَةً ثَابِتَةً رَاسِخَةً، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا كَمَا يَتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّتْ مُلَابَسَتُهُ لِلذُّنُوبِ أَخْرَجَتْ مِنْ قَلْبِهِ الْغَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ، وَقَدْ تَضْعُفُ فِي الْقَلْبِ جِدًّا حَتَّى لَا يَسْتَقْبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ دَخَلَ فِي بَابِ الْهَلَاكِ. وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِقْبَاحِ، بَلْ يُحَسِّنُ الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ لِغَيْرِهِ، وَيُزَيِّنُهُ لَهُ، وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ خَلْقِ اللَّهِ، وَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مُحَلِّلُ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِغَيْرِهِ وَمُزَيِّنُهُ لَهُ، فَانْظُرْ مَا الَّذِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ قِلَّةُ الْغَيْرَةِ.
وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ الْغَيْرَةُ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ، فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ، فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ، وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ، فَتَمُوتُ لَهُ الْجَوَارِحُ؛ فَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا دَفْعٌ الْبَتَّةَ.
وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا، فَتَمَكَّنَ، فَكَانَ الْهَلَاكُ، وَمِثْلُهَا مِثْلُ صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ الَّتِي تَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا تَكَسَّرَتْ طَمِعَ فِيهَا عَدُوُّهُ.
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الآثار والأحاديث تدل على أن المعاصي من أسباب إزالة الغيرة من القلوب، فالمعاصي متى تكاثرت زالت الغيرة من القلب أو ضعفت حتى لا يأمر بمعروف ولا ينكر المنكر، وحتى يتساهل بفعل المعاصي ولا يستحيي منها، فالغيرة أمرها عظيم، فإذا استكثر العبد من المعاصي ضعفت غيرته وقلّت وربما انعدمت بالكلية، ولهذا يقول ﷺ لما قال بعض الناس عن سعد بن عبادة وغيرته قال: أتعجبون من غيرة سعد؟! فأنا أغير من سعد والله أغير مني! فالله جل وعلا شرع لعباده الغيرة وهو يغار على محارمه، ولا أحد ..... إليه ..... ولهذا بعث الرسل وأنزل الكتب ولا ...... ولهذا حرم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولهذا أثنى على نفسه، فالمؤمن يبتعد عن الفواحش ويحذرها ويستجيب لداعي الله في أداء الحق وترك المعاصي، ويحذر التسويف وتغليب جانب الرجاء فإن هذا يجره إلى أسوأ العواقب.
فالواجب على كل مؤمن أن يغار لله وأن يحذر المعاصي كلها ويبتعد عنه لعله يسلم، أما إذا تساهل فعل هذه المعصية وهذه المعصية فإن هذا وسيلة إلى تنزع الغيرة من قلبه، ويبقى لا يبالي بما فعل نسأل الله السلامة والعافية.
وفق الله الجميع.
السؤال: أعظم الله مثوباتكم، يقول: كما يعرف سماحتكم ما حل بالناس من المعاصي وكثرة المغريات مما أدى إلى بعد الناس عن دينهم وعقيدتهم، وجعل الشياطين تستحوذ عليهم وأدى إلى ذهابهم إلى السحرة والمشعوذين وذلك لعدم وجود البديل، وحيث إننا قد نذرنا أنفسنا لهذا العمل الذي لا نريد عليه أجرًا سوى الأجر من الله وقمنا بفتح محل متواضع للقراءة على المرضى بالرقية الشرعية من القرآن والسنة المطهرة، ودعوة هؤلاء المرضى بالرجوع إلى الله والاعتصام به والمحافظة على الصلوات وقراءة القرآن والمحافظة على الأذكار والبعد عن المعاصي وعدم الذهاب إلى السحرة والمشعوذين، فنرجو من سماحتكم إعطاءنا فتوى بالاستمرار في هذا المجال الجليل لما نتعرض له من المرضى الذين كثيرًا ما يقدمون من أماكن بعيدة وفي حالات يرثى لها في ساعات متأخرة من الليل يأتون إلى المنزل ويلحون عليّ بالقراءة على مرضاهم وفي ذلك مشقة علي في ذلك، ولذلك قد افتتحنا مكانًا خاصًا بذلك حسب تعليمات وزارة الداخلية فما رأيكم في ذلك؟
الشيخ: قد كتبنا في هذا الموضوع للداخلية ووزارة العدل ورأينا أن ترفق هذه الأمور بالمحاكم وأن يكون الإذن لمن يرقي المرضى بواسطة المحاكم، والمحاكم منتشرة والحمد لله وفيهم البركة، فالذي يريد أن يأخذ إذن فعليه أن يقابل الدائرة التي تحكم تتبعها في ذلك لأنهم هم المسؤولون عن هذه الأشياء ويأذنون لمن يرون فيه الخير.
السؤال: هل يجوز أن أوصي عند وفاتي بأن أكفن في إزار ورداء حججت بهما وعملت بهما عدة عمرات كما أوصى عمر بن الخطاب بأن يوضع معه في كفنه الورقة التي أخذها من العجوز حين قضى لها حاجتها؟
الشيخ: ليس لهذا أصل، حصل الموت تكفن في أكفان جديدة أما كون الإنسان يأتي بملابس الإحرام ما أعلم له أصلًا، والأثر الذي يروى عن عمر لا أعلم صحته ولكن إن خشي الإنسان أنهم يتساهلون يوصيهم عند الموت بأن يكفن بثلاثة أثواب بيض كما كفن النبي ﷺ إذا أوصى بهذا فلا بأس، أما أنه يوصي بأن يكفن بملابس الإحرام فلا أصل له.
السؤال: هل يجوز أن تلقط اللقطة في منى ومزدلفة وعرفات أثناء الحج؟
الشيخ: النبي نهى عن لقطة الحاج فإذا وجدت اللقطة عرفها أبدًا ولا تملك إلا إذا كانت خارج الحرم في عرفات في الطريق فالأحوط أيضًا أن يعرفها دائمًا أو يعطيها اللجنة؛ لأن في بعض الأحاديث الصحيحة الرسول نهى عن لقطة الحاج، فهذا يعم لقطة الحاج في الحرم وفي غير الحرم، فينبغي أن يعرفها دائمًا أو يعطيها المحكمة حتى يأتي صاحبها.
السؤال: انتشر يا سماحة الشيخ في الصحف المحلية وفي التلفزيون الإعلان عن البنوك الربوية مما يضلل الناس ويدلهم عن الشر فكيف ينقص الدين ونحن أحياء؟ وكيف تشاع المحرمات ولما يقبض العلم؟
الشيخ: ..... تحريم الربا وتحريم الدشوش، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويهديهم ويعيننا وإياهم على الاستقامة.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف على زوج ابنتها بعد الطلاق من ذلك الرجل؟
الشيخ: نعم، محرمًا له ولو ماتت بنتها ولو طلقت، زوج البنت وزوج الأم محرم ولو ماتت الأم ولو ماتت البنت ولو طلقت؛ فزوج البنت محرمًا لها.
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: ذَهَابُ الْحَيَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ حَيَاةِ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الْخَيْرِ أَجْمَعِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ.
وَقَالَ: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ وَفِيهِ تَفْسِيرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ مِنَ الْقَبَائِحِ، إِذِ الْحَامِلُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَيَاءٌ يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ، فَإِنَّهُ يُوَاقِعُهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ مِنَ اللَّهِ فَافْعَلْهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ هُوَ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ تَهْدِيدًا، كَقَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت:40].
وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ إِذْنًا وَإِبَاحَةً.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، لِمَا بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ مِنَ الْمُنَافَاةِ، وَلَكِنَّ اعْتِبَارَ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْآخَرِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُضْعِفُ الْحَيَاءَ مِنَ الْعَبْدِ، حَتَّى رُبَّمَا انْسَلَخَ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَتَأَثَّرُ بِعِلْمِ النَّاسِ بِسُوءِ حَالِهِ وَلَا بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ حَالِهِ وَقُبْحِ مَا يَفْعَلُ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ انْسِلَاخُهُ مِنَ الْحَيَاءِ، وَإِذَا وَصَلَ الْعَبْدُ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْقَ فِي صَلَاحِهِ مَطْمَعٌ.
وَإِذَا رَأَى إِبْلِيسُ طَلْعَةَ وَجْهِهِ | حَيَّا وَقَالَ: فَدَيْتُ مَنْ لَا يُفْلِحُ |
وَالْحَيَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَيَاةِ، وَالْغَيْثُ يُسَمَّى حَيَا - بِالْقَصْرِ - لِأَنَّ بِهِ حَيَاةُ الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالدَّوَابِّ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالْحَيَاءِ حَيَاةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَمَنْ لَا حَيَاءَ فِيهِ فَهُوَ مَيِّتٌ فِي الدُّنْيَا شَقِيٌّ فِي الْآخِرَةِ، وَبَيْنَ الذُّنُوبِ وَبَيْنَ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْغَيْرَةِ تَلَازُمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْآخَرَ وَيَطْلُبُهُ حَثِيثًا، وَمَنِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ، اسْتَحَى اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لَمْ يَسْتَحِ اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ.
فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ ، وَتُضْعِفُ وَقَارَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَلَا بُدَّ، شَاءَ أَمْ أَبَى، وَلَوْ تَمَكَّنَ وَقَارُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَمَا تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَرُبَّمَا اغْتَرَّ الْمُغْتَرُّ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَحْمِلُنِي عَلَى الْمَعَاصِي حُسْنُ الرَّجَاءِ، وَطَمَعِي فِي عَفْوِهِ، لَا ضَعْفُ عَظْمَتِهِ فِي قَلْبِي، وَهَذَا مِنْ مُغَالَطَةِ النَّفْسِ؛ فَإِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُتَجَرِّئُونَ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَكَيْفَ يَقْدِرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، أَوْ يُعَظِّمُهُ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَرْجُو وَقَارَهُ وَيُجِلُّهُ، مَنْ يَهُونُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ، وَأَبَيْنِ الْبَاطِلِ، وَكَفَى بِالْعَاصِي عُقُوبَةً أَنْ يَضْمَحِلَّ مِنْ قَلْبِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّهُ.
وَمِنْ بَعْضِ عُقُوبَةِ هَذَا: أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ مَهَابَتَهُ مِنْ قُلُوبِ الْخَلْقِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَخِفُّونَ بِهِ، كَمَا هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَعَلَى قَدْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ، وَعَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ يَخَافُهُ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَحُرُمَاتِهِ يُعَظِّمُهُ النَّاسُ، وَكَيْفَ يَنْتَهِكُ عَبْدٌ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَيَطْمَعُ أَنْ لَا يَنْتَهِكَ النَّاسُ حُرُمَاتِهِ؟! أَمْ كَيْفَ يَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يُهَوِّنُهُ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ؟! أَمْ كَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِمَعَاصِي اللَّهِ وَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ الْخَلْقُ؟!
وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذَا فِي كِتَابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَنَّهُ أَرْكَسَ أَرْبَابَهَا بِمَا كَسَبُوا، وَغَطَّى عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَطَبَعَ عَلَيْهَا بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنَّهُ نَسِيَهُمْ كَمَا نَسُوهُ، وَأَهَانَهُمْ كَمَا أَهَانُوا دِينَهُ، وَضَيَّعَهُمْ كَمَا ضَيَّعُوا أَمْرَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ سُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ لَهُ: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18] فَإِنَّهُمْ لَمَّا هَانَ عَلَيْهِمُ السُّجُودُ لَهُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ أَهَانَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ مُكْرِمٍ بَعْدَ أَنْ أَهَانَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ ذَا يُكْرِمْ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ؟ أَوْ يُهِنْ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ؟
الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الكلمات كلها تبين لنا قبح الذنوب وخطرها، وأنها تنافي الحياء من الله، وتنافي تعظيمه وإجلاله؛ فإن المعاصي كلما زادت قل الحياء، وقل توقير الله، وقل تعظيمه وغلب على العبد التجرؤ على محارم الله بسبب قلة الحياء وقلة التعظيم لله ، يقول النبي ﷺ: الحياء خير كله، إن الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان فينبغي للمؤمن أن يحذر شر الذنوب، وأن يبتعد عنها لأنها يجر بعضها بعضًا وتسبب ظلمة القلب وتسبب أيضًا انخلاعها من الحياء وعدم تعظيمه لله وتقديسه له، فلو لو لم يكن فيها إلا هذا الشر لكان كافيًا في التحذير منها، فإنها معصية الله واستخفاف بحقه وتعد على حدوده فيكون صاحبها معرضًا للوعيد والخطر.
وعوده للذنوب وتساهله به يدل على قلة الحياء وقلة المبالاة وقلة التوقير والتعظيم لله عز وجل، فالواجب الحذر من مغبتها، وعواقبها خبيثة فاحذر يا عبد الله أن تتساهل في محارم الله جل وعلا، واحذر أن تبارز الله بالمعاصي وأن تخلع جلباب الحياء، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
السؤال: نذرت لله تعالى بأن أعق جملًا إذا رزقني الله بتوأمين فهل عليّ بعد ذلك أن أعق عنهما بأي شيء آخر بعد ذلك حيث رزقت بتوأمين؟
الشيخ: السُّنة أن تعُق عنهم بغنم، وإلا فقد نذرت فأوف بنذرك، لكن السُّنة غنم، وليس جمل، عن كل واحد رأسان من الغنم: جذع ضأن، أو ثني ماعز، هذه السنة النبي أمر أمر أن يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، وإذا نذرت مع ذلك ناقة تذبح لله فاذبحها من نذر أن يطيع الله فليطعه هكذا يقول ﷺ.
السؤال: يكفيه الجمل عن الشياه؟
الشيخ: لا ما يكفيه، السنة الغنم.
السؤال: هل المشي على المقبرة بالحذاء مكروه؟
الشيخ: لا ما يجوز، الرسول أمر صاحب النعلين أن يلقيهما .... أما حولها لا بأس كونه يمشي حولها وليس بينها لا بأس.
السؤال: ما ترتيب خروج كل من: المهدي، يأجوج ومأجوج، الدابة، المسيح الدجال، نزول عيسى، وما الفترة الزمنية التي تستغرقها هذه الأحداث من علامات الساعة الكبرى؟
الشيخ: هذا مبين في...... وغيرها من الكتب العقائد، الأول المهدي ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى ويقتله ثم خروج يأجوج ومأجوج في وقت عيسى ثم نزع القرآن من الصحف وآية الدخان ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، ثم آخر الآيات حشر النار نار تخرج من المشرق وفي رواية تخرج من المغرب ثم تشرق، ثم تسوق الناس إلى محشرهم، ثم بعدها ريح طيبة يقبض الله بها أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا شرار الخلق فعليهم تقوم الساعة قبل النار التي تسوقهم إلى المحشر ريح يقبض الله بها أرواح المؤمنين ثم يبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة.
السؤال: طلاق السكران هل يقع؟
الشيخ: إذا كان عقله ما هو معه ما له صلاه، أما إذا صحى فصلاته صحيحة وعليه التوبة إلى الله أما يصلي وهو سكران ما تصح صلاته لأن عقله ما هو معه.
السؤال: طلاقه يقع إذا كان سكرانا؟
الشيخ: طلاقه لا يقع إذا كان عقله ما هو معه، ما علم إلا من غيره ما درى عن نفسه.
السؤال: رجل حج وهو كبير السن وفي اليوم الأول رمى بالحجارة دفعة واحدة خوفًا من الزحام الشديد فماذا عليه؟
الشيخ: عليه دم، لأن الجمار ترمى واحدة بعد واحدة ما هو جميع، وإذا رماها جميعًا ولم يعد عليه دم يذبح في مكة للفقراء.
السؤال: جنين بلغ بداية الشهر الرابع أو أواخر الشهر الثالث ثم توفي في بطن الأم وأخرج في المستشفى فماذا يجب علينا نحوه؟
الشيخ: هذا ما بعد.. ما تنفخ فيه الروح إلا في الخامس فهذا لحمة .. يدفن وبس، لكن في النفاس على المرأة أن تضع الصلاة مدة النفاس وأما هو فليس بميت لا يغسل ولا يصلى عليه يدفن في بعض الأراضي.
فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَسْتَدْعِي نِسْيَانَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ، وَتَرْكَهُ وَتَخْلِيَتَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَشَيْطَانِهِ، وَهُنَالِكَ الْهَلَاكُ الَّذِي لَا يُرْجَى مَعَهُ نَجَاةٌ، قَالَ اللَّهُ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18، 19].
فَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ وَنَهَى أَنْ يَتَشَبَّهَ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْ نَسِيَهُ بِتَرْكِ تَقْوَاهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَاقَبَ مَنْ تَرَكَ التَّقْوَى بِأَنْ أَنْسَاهُ نَفْسَهُ، أَيْ أَنْسَاهُ مَصَالِحَهَا، وَمَا يُنْجِيهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَمَا يُوجِبُ لَهُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ، وَكَمَالَ لَذَّتِهَا وَسُرُورِهَا وَنَعِيمِهَا، فَأَنْسَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ جَزَاءً لِمَا نَسِيَهُ مِنْ عَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ، فَتَرَى الْعَاصِيَ مُهْمِلًا لِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مُضَيِّعًا لَهَا، قَدْ أَغْفَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، قَدِ انْفَرَطَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَقَدْ فَرَّطَ فِي سَعَادَتِهِ الْأَبَدِيَّةِ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ لَذَّةٍ، إِنَّمَا هِيَ سَحَابَةُ صَيْفٍ، أَوْ خَيَالُ طَيْفٍ كَمَا قِيلَ:
أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ | إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ |
وَأَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ نِسْيَانُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، وَإِهْمَالُهُ لَهَا، وَإِضَاعَتُهُ حَظَّهَا وَنَصِيبَهَا مِنَ اللَّهِ، وَبَيْعُهَا ذَلِكَ بِالْغَبْنِ وَالْهَوَانِ وَأَبْخَسِ الثَّمَنِ، فَضَيَّعَ مَنْ لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ، وَلَا عِوَضَ لَهُ مِنْهُ، وَاسْتَبْدَلَ بِهِ مَنْ عَنْهُ كُلُّ الْغِنَى أَوْ مِنْهُ كُلُّ الْعِوَضِ:
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِذَا ضَيَّعْتَهُ عِوَضٌ | وَمَا مِنَ اللَّهِ إِنْ ضَيَّعْتَ مِنْ عِوَضِ |
فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَوِّضُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَلَا يُعَوِّضُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُغْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْءٌ، وَيُجِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُجِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، كَيْفَ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْ طَاعَةِ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ؟ وَكَيْفَ يَنْسَى ذِكْرَهُ وَيُضَيِّعُ أَمْرَهُ حَتَّى يُنْسِيَهُ نَفْسَهُ، فَيَخْسَرُهَا وَيَظْلِمُهَا أَعْظَمَ الظُّلْمِ؟ فَمَا ظَلَمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَلَكِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَا ظَلَمَهُ رَبُّهُ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ نَفْسَهُ.
فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ وَتَمْنَعُهُ مِنْ ثَوَابِ الْمُحْسِنِينَ، فَإِنَّ الْإِحْسَانَ إِذَا بَاشَرَ الْقَلْبَ مَنَعَهُ عَنِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِاسْتِيلَاءِ ذِكْرِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ عَلَى قَلْبِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهُ، وَذَلِكَ سَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ، فَضْلًا عَنْ مُوَاقَعَتِهَا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ، فَاتَهُ صُحْبَةُ رُفْقَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَعَيْشُهُمُ الْهَنِيءُ، وَنَعِيمُهُمُ التَّامُّ، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَقَرَّهُ فِي دَائِرَةِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَاهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي تُخْرِجُهُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إِلَيْهِ فِيهَا النَّاسُ أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ.
وَمَنْ فَاتَهُ رُفْقَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَحُسْنُ دِفَاعِ اللَّهِ عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَفَاتَهُ كُلُّ خَيْرٍ رَتَّبَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهُوَ نَحْوُ مِائَةِ خَصْلَةٍ، كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
فَمِنْهَا: الْأَجْرُ الْعَظِيمُ: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146].
وَمِنْهَا: الدَّفْعُ عَنْهُمْ شُرُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]. وَمِنْهَا: اسْتِغْفَارُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ لَهُمُ: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر:7].
وَمِنْهَا: مُوَالَاةُ اللَّهِ لَهُمْ، وَلَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257].
وَمِنْهَا: أَمْرُهُ مَلَائِكَتَهُ بِتَثْبِيتِهِمْ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12].
وَمِنْهَا: أَنَّ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالْمَغْفِرَةَ وَالرِّزْقَ الْكَرِيمَ.
وَمِنْهَا: الْعِزَّةُ: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
وَمِنْهَا: مَعِيَّةُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19].
وَمِنْهَا: الرِّفْعَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
وَمِنْهَا: إِعْطَاؤُهُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِعْطَاؤُهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ وَمَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِمْ.
وَمِنْهَا: الْوُدُّ الَّذِي يَجْعَلُهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96].
وَمِنْهَا: أَمَانُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ يَوْمَ يَشْتَدُّ الْخَوْفُ: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48].
وَمِنْهَا: أَنَّهُمُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى صِرَاطِهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا هُوَ هُدًى لَهُمْ وَشِفَاءٌ: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44].
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِيمَانَ سَبَبٌ جَالِبٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَبَبُهُ الْإِيمَانُ، وَكُلُّ شَرٍّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَبَبُهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ، فَكَيْفَ يَهُونُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْتَكِبَ شَيْئًا يُخْرِجُهُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الذُّنُوبِ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَرِينَ عَلَى قَلْبِهِ، فَيُخْرِجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمِنْ هَاهُنَا اشْتَدَّ خَوْفُ السَّلَفِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْتُمْ تَخَافُونَ الذُّنُوبَ، وَأَنَا أَخَافُ الْكُفْرَ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المباحث كلها تتعلق بسوء عاقبة المعاصي وثمراتها الخبيثة وأن إتيان المعاصي واقترافها والتساهل بها من أسباب نسيان الله للعبد وإعراضه عنه ووكله إلى نفسه؛ وإذا وكل إلى نفسه هلك، ولا حول ولا قوة إلا الله، كما قال جل وعلا: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67] فالناسي لله ولحقه جدير بأن ينسى وأن يحل به المصائب وأن يقع في أنواع العقوبات والسيئات بسبب نسيانه لله ..... قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].
المقصود أن الله جل وعلا أنساهم أنفسهم بسبب نسيانهم لحقه أنساهم الله مصالحهم وأسباب نجاتهم وأسباب سعادتهم عقوبة عاجلة لنسيانهم حقه وذكره ، فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة العناية بأمر الله بترك الذنوب وطاعة الله، والحذر من الإعراض عن طاعة الله وعن أداء حقه؛ فإن الإعراض عن ذلك تشبه بأعداء الله ومن أسباب نسيان الله للعبد وإعراضه عنه وإذا وكله إلى نفسه هلك، لأنه عبد له فإذا وكله لنفسه وضيعه هلك فالمعاصي من أسباب إضاعة الله له ونسيان الله له ويوكل لنفسه حتى يتعاطى السيئات ويستكثر منها ويستثقل الحسنات، فالأمر عظيم وخطير، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، فالمعاصي شرها عظيم يجر بعضها إلى بعض فالحازم والقوي، الرجل الحزم هو الذي يحذرها ويتباعد عنها.
السؤال: هناك ظاهرة جديدة في البيع وهي أن يقترض المشتري من صاحب المعرض المتفق معه مبلغًا معينًا كدفعة أولى لشراء سيارة ثم تباع السيارة لصاحب المعرض بمبلغ فوري وتكون على المشتري الأصلي وهو المقترض من صاحب المعرض بالتقسيط المريح فما الحكم في ذلك؟
الشيخ: إذا كان المعرض باع السيارة على زيد أو على عمرو ثم قبضها المشتري فلا يتصرف فيها، أو المعرض اشتراها من صاحبها وتم الشراء له فله أن يبيع بالنقد أو بالعين، أما الحيل فلا تجوز الحيل كونه يتحيل بأن يعطيه فلوس على أنه يشتري وهو ما اشترى فهذا الحيلة ما تنفع لا بدّ يشتري حقيقة ثم ..... ويقبضها ثم يبيع على زيد أو على عمرو، وإذا اشترى يتصرف يبيع نقدا أو يبيع بالتقسيط لا حرج في ذلك لكن لا بدّ أن يكون البائع قد ملك الشيء حقيقة وحازه وصار في ملكه.
السؤال: هذا يا شيخ السيارة مكانها ويأخذ مبلغًا من صاحب المعرض ثم يعيد المبلغ لصاحب المعرض ويدفع بعد ذلك المبلغ أكثر من قدره بالتقسيط؟
الشيخ: يأخذها من المعرض بثمنها الذي يتفقان عليه إذا كان المعرض قد ملكها أو من صاحبها إن كان المعرض ما ملكها يشتريها من صاحبها بالنقد أو بالتقسيط ...... ثم بعد قبضها إياها يبيعها بالنقد إذا كان بحاجة ليتزوج أو يبني شيئا أو يقضي دين يشتريها بالتقسيط المعلوم ثم يبيعها بالنقد ليقضي دينه أو ليتزوج أو نحو ذلك ولا يشتري من إنسان ما بعد ملكها لا من معرض ولا غيره الرسول قال: لا تبع ما ليس عندك ....ولا بيع ما ليس عندك.
السؤال: هل قصة رضاع سالم مولى أبي حذيفة خاصة به أو بمن كانت حالته مثل حالة سالم، وهل يجوز إرضاع الكبير ولو دعت الحاجة، نرجو التفصيل في هذه المسألة؟
الشيخ: الصواب، أنه لا يجوز إرضاع الكبير هذا خاص بسالم أو منسوخ لقوله ﷺ: لا رضاع إلا في الحولين لا رضاع إلا ما كان قبل الفطام إن الرضاعة من المجاعة هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم، وقصة سالم إما منسوخة كما قال جماعة من أهل العلم، أو خاصة كما قال آخرون، أزواج النبي ﷺ تقول أم سلمة: كنا نعد هذا خاصًا بسالم ما عدا عائشة رضي الله عنها.
السؤال: يقول: أنا مدرس لمادة التاريخ وفي كتاب هذه المادة بعض الصور للملوك والرؤساء فهل يجوز لي طمس هذه الصور وأمر الطلاب بطمسها عاملًا بكلام الرسول ﷺ علمًا أن هناك البعض لا يجوز من باب رعاية حق هؤلاء وتعظيمهم واحترامهم؟
الشيخ: الواجب طمس الصور، طمس الرأس إذا زال الرأس وطمس بالكلية فلا محذور، وإن طمست كلها فأكمل وأكمل، النبي ﷺ لعن المصورين، وقال إنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وقال لما أتاه جبرائيل وأخبره أن في بيته تمثالًا وقرامًا فيه تصاوير أمره جبرائيل أن يقطع رأس التمثال حتى يكون كهيئة الشجرة فإذا قطع الرأس وصار كهيئة الشجرة لا يضر.
ثم أيضًا وجودها في المناهج يجرئ الطلبة على التصوير وعدم المبالاة بالتصوير.
السؤال: نحن قد تعودنا على قطيعة الرحم منذ الصغر وكان سبب ذلك آباؤنا، والآن إذا وصلناهم ظل الشك يراودهم لماذا يزورونا، إنه مثلًا يخطط لشيء أو يريد شيئًا، فماذا نفعل؟
الشيخ: الواجب عليكم السعي في الصلة، وترك هذه العادة القبيحة قطع الرحم من الكبائر، يقول النبي ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم والله سبحانه يقول: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23] ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد:25] فالواجب التواصل والعناية وعدم قطع الرحم، هذا هو الواجب على الجميع لا بدّ من الصبر ومجاهدة النفس حتى تخضع للحق بين الأقارب بين الإخوان.
السؤال: رجل حاج جامع زوجته بعد التحلل الأول وهو ناس، فماذا عليه؟
الشيخ: إذا كان ناسي الصحيح لا عليه شيء رَبَنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال الله: قد فعلت، إن كان ناسيًا وهو صادق ليس عليه شيء هذا هو الصواب.