بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
1620- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ فَأَعْطَى الشَّعِيرَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
1621- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ". أَخْرَجَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّام يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَا أَزَالُ ... إلَخْ. وَابْنُ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَة "أَوْ" في شيءٍ مِنْهُ.
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ"، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ الْأَقِطَ أَصْلٌ.
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَن ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَن ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "مَا أَخْرَجْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ". فَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُ فِي هَذَا الدَّقِيقَ، فَقَالَ: بَلَى، هُوَ فِيهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ.
1622- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
1623- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1624- وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: أَبَا عَبْدِاللَّهِ، كَمْ قَدْرُ صَاعِ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، أَنَا حَزَرْتُهُ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِاللَّهِ، خَالَفْتَ شَيْخَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: أَبُو حَنِيفَةَ، يَقُولُ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ لِجُلَسَائِنَا: يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدِّكَ، يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ عَمِّكَ، يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدَّتِكَ، قَالَ إِسْحَاقُ: فَاجْتَمَعَتْ آصُعٌ، فَقَالَ: مَا تَحْفَظُونَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ هَذَا: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ هَذَا: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَخِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا أَدَّتْ بِهَذَا الصَّاعِ إلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْتُ هَذِهِ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الصَّحيحة كلها تتعلق بزكاة الفطر، والله جلَّ وعلا شرع لعباده ختم صيام رمضان بهذه الزكاة، وبصلاة العيد، وبالتكبير، والذكر؛ تعظيمًا لله عز وجل وشكرًا له على نعمته بإكمال الصيام والقيام، وهي زكاة خفيفة، لكنها تنفع الفقراء والمساكين، تجتمع لهم وتنفعهم، وهي بحمد الله ليست ثقيلةً على المخرجين، بل هي خفيفة: صاع واحد عن كل رأسٍ من قوت البلد، من طعامهم، على الذكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصَّغير والكبير من المسلمين، تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قبل صلاة العيد؛ إغناءً للفقراء، وسدًّا لحاجتهم أيام العيد، سواء كان القوت شعيرًا أو تمرًا أو حنطةً أو أقطًا أو زبيبًا أو غير ذلك.
وهكذا الدقيق كما في الرواية الأخرى، والدقيق هو الطَّحين الذي قد طُحن، الحنطة المطحونة، وهذا أنفع للفقير، إذا كانت مطحونةً كفاه مؤنة الطحن، يعني هو زيادة منفعة ومصلحة؛ لأنَّ الحبَّ يحتاج إلى طحنٍ، وإذا أخرج صاعًا من الدقيق فقد كفاه المؤنة؛ ولهذا رواه ابنُ عيينة، وأنه ثابتٌ في الرواية: صاعًا من طعام، أو صاعًا من دقيق، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيبٍ، إلى آخره.
ولا بأس بإخراجها قبل العيد بيومٍ أو يومين كما فعل الصحابةُ توسعةً للناس؛ لأنَّ وقت الصبح قبل خروج الناس إلى الصلاة هو وقت ضيق لا يتَّسع للناس؛ ولهذا جاز إخراجها قبل ذلك، وما يدل على هذا أنه ﷺ وكَّل أبا هريرة على زكاة الفطر، فجاءه اللصُّ الشيطاني الذي يسرق في ثلاث ليالٍ، وهذه الليالي الثلاث قبل العيد: ليلة ثمان وعشرين، وليلة تسع وعشرين، وليلة ثلاثين، أو ليلة تسعٍ وعشرين، وليلة ثلاثين، وليلة واحدٍ وثلاثين -ليلة العيد- فلم يزل يمسكه ويقول له: دعني، دعني؛ فإني ذو حاجةٍ، وكان أبو هريرة وكيلًا على زكاة الفطر ...... حتى تُوزَّع، فلما كان في الثالثة قال: هذه الثالثة وأنت تقول: أنا ذو حاجةٍ، ولا أرجع، وترجع، قال: دعني أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بها؛ إذا أويتَ إلى فراشك فقل: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، وذكر آية الكرسي، وقال: إنه لا يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح، فلما أصبح أخبر النبيَّ بذلك فقال: صدقك وهو كذوب، هل تعرف مَن تُكلِّم هذه الليالي؟ قال: لا، قال: إنه شيطان.
قال: صدقك وهو كذوب فدلَّ على أنها تجتمع من ثمانٍ وعشرين الصدقة عند النبي حتى يُوزِّعها ليلة العيد أو صباح العيد بين الفقراء.
المقصود أنَّ هذه الزكاة تُخرج صاعًا كما في حديث ابن عباسٍ، تُخرج صاعًا من اللَّغو والرَّفث، وطعمةً للمساكين، فالواجب إخراجها من طيب المال، لا من رديء المال، كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]، والواجب أن تُوزَّع بين الفقراء في أيام العيد، يكون إخراجها قبل يوم العيد، قبل صلاة العيد، سواء كان في الصباح أو في الليل أو قبله بيومٍ أو يومين؛ توسعةً على المخرجين وعلى الآخذين.
وفي حديث معاوية دلالة على أن نصف الصاع من الحنطة يقوم مقام هذه الأشياء؛ اجتهادًا منه ، وقد رُوي في هذا بعض الأحاديث الضَّعيفة، ولكن الصواب مثلما قال أبو سعيدٍ: إخراج صاعٍ من الجميع، سواء من الحنطة أو غيرها، الواجب إخراج صاع من جميع أنواع القوت، سواء كان المخرج برًّا أو شعيرًا أو تمرًا أو أرزًا كله صاع، وهي خمسة أرطالٍ بالعراقي، وهو باليدين المعتدلتين أربع حفنات، باليدين المعتدلتين، صاع النبيّ ﷺ أربع حفنات باليدين الممتلئتين.
وفَّق الله الجميع.
س: إذا كان الشخصُ من الغارمين فهل يُعطى من زكاة الفطر؟
ج: لا، الفقراء والمحتاجين الذين فقرهم من أجل الحاجة؛ لأنهم المحتاجين لسدِّ العوز.
س: يعني أشدّ من الغارم؟
ج: أشد، الغارم دَينٌ في ذمَّته، وهؤلاء فقراء ما عندهم، مساكين، محتاجين.
س: الخروج إلى المُصلَّى الأفضل من بعد صلاة الفجر مباشرةً؟
ج: نعم، أفضل.
س: ما يرجع إلى بيته ويهتم بالنَّظافة؟
ج: بلى أفضل، يأخذ تمرات ثم يخرج.
س: يعني يخرج مُبكرًا؟
ج: نعم، بعد صلاة الفجر، والسنة أن يأكل تمرات وترًا قبل أن يخرج في عيد الفطر، يخرج مُكبِّرًا حتى يصل مُصلَّى العيد، ويُكبِّر ...... العيد، وكان النبيُّ ﷺ يأكل تمرات وترًا: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا وترًا، هذا هو الأفضل قبل خروجه إلى المصلَّى.
س: إذا كان الفقير بحاجةٍ إلى المال، يعني: إذا كان في بيته أرز؟
ج: ولو، لا يُخرج إلا طعامًا، وهو يبيعه ويتخرَّج.
س: المحلات التي تبيع زكاة الفطر تلقى فيها ناسًا فقراء يطلبون منك الزكاة هذه، هل أسأل عن حاله وأتأكد منه؛ لأنه هناك ناس يغشُّون كثيرًا؟
ج: الظاهر أنه يجوز أن يُعطى مَن ادَّعى الفقر؛ لأنه صعب التَّفتيش، مَن ادَّعى الفقر يُعطى ما دام ما تعلم حاله، مثلما قال النبيُّ: إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ.
كتاب الصيام
بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مِنَ الشُّهُودِ
1625- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَن ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
1626- وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ –يَعْنِي: رَمَضَانَ- فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ أَنْ يَقُومُوا وَأَنْ يَصُومُوا.
1627- وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِاللَّهِ لَأَهَلَّ الْهِلَالُ أَمْس عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَأَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ.
1628- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَالَ: أَلَا إنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَأَلْتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَانْسُكُوا لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: مُسْلِمَانِ.
1629- وَعَنْ أَمِيرِ مَكَّةَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: "عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تدل على أنه يجب الصوم والإفطار برؤية الشاهدين، وأن العمدة على الرؤية لا على الحساب، فمتى رأى الهلال شاهدان عند الدخول عدلان صام الناسُ بشاهدتهما، وأفطروا بشاهدتهما، فإن لم يرَ وجب إكمال العدَّة ثلاثين قبل الدخول، ووجب إكمال عدَّة رمضان ثلاثين قبل الإفطار؛ ولهذا قال ﷺ: صوموا لرؤيته، وأمسكوا لها، وفي اللفظ الآخر: وأفطروا لها، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدَّة ثلاثين، وفي اللفظ الآخر: فأكملوا عدَّة شعبان ثلاثين، وفي اللفظ الآخر: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروا ذلك أو تُكملوا العدَّة.
فهذا يدلنا على أنَّ الواجب اعتماد الرؤية بالشهادة في رمضان، وفي شهر ذي الحجة جميعًا، فإن شهد شاهدٌ ثقةٌ عند الدخول عُمل بشهادته احتياطًا للعبادة ودخولها، أما الخروج منها فلا يخرج منها إلا بشاهدين عدلين، وهكذا بقية الشهور لا تثبت إلا بشاهدين عدلين عند جميع أهل العلم، ولا يجوز الصوم مع الإغماء، بل يجب إفطار يوم الثلاثين من شعبان؛ لقوله ﷺ: لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه، ولقوله: فأكملوا العدَّة، وفي اللفظ الآخر: أكملوا عدَّة شعبان ثلاثين يومًا.
ويقول عمار : "مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ"، وهذا هو الواجب في الأدلة؛ إذا شهد شاهدان صام الناس وأفطروا ووقفوا في ذي الحجة كذلك في عرفة، وعملوا بالشهادتين كلَّ شيءٍ، أما الواحد فيُعمل به في دخول رمضان فقط، وما سواه لا بدَّ من شاهدين.
وإذا شهد شاهدٌ في دخول رمضان ولم يُرَ الهلال كملوا ثلاثين، إذا لم يشهد شاهدان في دخول شهر شوال، هذا هو المعتمد، وإنما يُعمل بالواحد في الدخول، أما في الخروج فلا بدَّ من شاهدين عدلين بدخول شوال.
وإذا شهد شاهدان يوم العيد أنهما رأيا الهلال البارحة أفطر الناسُ، ثم يغدون إلى مُصلَّاهم غدًا، إذا شهد شاهدان من الضُّحى مثلًا أو الظهر أنهم رأوا الهلال البارحة ليلة الثلاثين من رمضان؛ أفطر الناس، وصار يوم عيدٍ، ولكن الصلاة تكون في الغد، يذهبون إلى مُصلاهم غدًا إذا كانت البينةُ جاءت عند الزوال أو قرب الزوال أو بعد الزوال ما عاد يُمديهم يذهبون إلى صلاتهم غدًا الصبح، فإنهم يُؤجلون الصلاة إلى الغد، ويُفطرون في الحال؛ لأنه ثبت أنه يوم عيد.
س: إذا كان في غيوم؟
ج: يُكملون العدة: فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدَّة.
س: الخروج من العبادة لا بدَّ من شاهدين؟
ج: نعم، والدخول فيها يكفي واحد.
س: الواحد في رمضان فقط؟
ج: نعم.
س: ودخول شهر ذي الحجة؟
ج: لا بدَّ من شاهدين عدلين ذكرين.
س: بالنسبة لأهل البادية: هل يصومون إذا رأوا الهلال؟
ج: نعم، إذا رأوا الهلال يصومون ويُفطرون.
س: ما يكون أهل البلد تبعًا للمدينة؟
ج: لا، إذا كانوا بعيدين عن المدن فتُعتبر رؤيتهم، وإن كانوا قريبين من المدن يشهدون بالشَّهادة التي عندهم، يحضرون عند الحاكم ويُؤدُّون شهادتهم.
س: صومكم يوم تصومون ما يعمُّهم؟
ج: إذا رأوا الهلال لا، ما يعمُّهم؛ لأنهم مُستقلُّون في البرِّ، إذا رأوا البرَّ كفى.
س: مَن رأى شهر رمضان -واحد فقط- ولم يأخذوا بشهادته؟
ج: يصوم مع الناس.
س: ما يصوم وحده؟
ج: لا، الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تُفطرون، وإذا رأى هلال شوال كذلك يصوم مع الناس، لا يُفطر.
س: بالنسبة لوجود وسائل الإعلام الآن، بالنسبة لأهل البادية ما يصومون؟
ج: يلزمهم الصوم، إذا صام الناسُ يلزمهم الصوم تبع البلد الذي هم فيه.
س: لو رأى بالدربيل؟
ج: ما دام بعينه ما يُخالف.
س: صلاة التَّراويح هي مقام قيام الليل؟
ج: نعم، تُسمَّى قيامًا.
س: بعد صلاة التراويح أيش الأذكار أحسن الله إليك؟
ج: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات إذا سلَّم من الوتر بدل "أستغفر الله".
بَابُ مَا جَاءَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالشَّكِّ
1630- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ أَخْرَجَاهُ هُمَا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَفِي لَفْظٍ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ، وَزَادَ: قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ، فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحِلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا.
1631- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَالَ: فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ.
وَفِي لَفْظٍ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِي لَفْظٍ: إذَا رَأَيْتُم الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصوموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1632- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَصَحَّحَهُ.
وَفِيهِ فِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْهُ.
وَفِي لَفْظٍ: لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، وَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1633- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُهُ مِنْ غَيْرِهِ، يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
1634- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1635- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ مُحَمَّدًا ﷺ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث المتعددة: حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وحذيفة، وغيرهم، وعائشة؛ كلها تدل على وجوب العناية بالشهر، وأن أصله تسع وعشرون، تارةً ينقص، وتارةً يكمل ثلاثين، لا يتغير، إما ثلاثون وإما تسع وعشرون، فإذا لم يحل دون منظره سحابٌ أكملوا ثلاثين، فإن كان هناك غيم عدّوا ثلاثين؛ ولهذا قال ﷺ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا العدَّة، إذا لم يغمّ فأمر واضح، إن كان كاملًا رأوه، وإن كان نقصًا رأوا الهلال واضحًا، بيَّن لهم ﷺ حكم إذا غمَّ عليهم وحال بينهم وبينه سحابٌ قال: عدوا ثلاثين، أكملوا العدَّة ثلاثين، وفي الحديث الآخر: كان يُشير بأصابعه: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ثم يحذف إبهامه في الثالثة، يعني: ويكون تسعًا وعشرين، والشهر هكذا وهكذا وهكذا، بالعشرة الأصابع جميعًا، يعني أنه يكون ثلاثين، فإذا غبي عليهم وأُخفي عليهم فإنهم يعدُّونه إلى ثلاثين ثم يصومون، هذا هو الواجب.
ولا يُجاز أن يُصام يوم الغيم -يوم الثلاثين- بل يجب الإفطار؛ لقوله ﷺ: فعدُّوا ثلاثين، فأكملوا العدَّة ثلاثين، وهذه أوامر، وهي أوامر للوجوب، هذا هو الأصل في أوامر النبيِّ ﷺ، بل هو الأصل في أوامر الله ورسوله للوجوب، فلا يعدل عن الوجوب إلا بدليل؛ ولهذا قال عمار : "مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ".
فالواجب على المسلمين الأخذ بهذا التَّوجيه، وهذا الأدب الشرعي، فإذا رأوا هلالَ شهر رمضان صاموا، وإن رأوا هلال شوال أفطروا، وإن حال دون رؤيتهم غيمٌ أو قترٌ كملوا شعبان ثلاثين، وكملوا رمضان ثلاثين، هذا هو الواجب.
أما فعل ابن عمر فهذا اجتهادٌ منه ، مع أنه راوي الحديث، وفي الحديث: عدُّوا ثلاثين، ولكن سبحان الله ما أعظم شأنه! هذا من آيات الله، كون الإنسان يروي الشيء الصريح ثم يُخالفه باجتهاده، هذا من آيات الله، وتدل على أنَّ العالم قد يغلط وإن كان كبيرًا، فابن عمر من أعلم الناس، ومن أفقههم، ومن أتبع الناس للسنة، ومع هذا غلط في هذه المسألة، فصار إذا كان يوم الغيم صام اليوم الثلاثين، وإذا كان الصحو لم يصم.
وهذا مثل غلطه في اللحية: كان إذا حجَّ واعتمر أخذ من لحيته، مع أنه هو الراوي عن النبي ﷺ: قصُّوا الشَّوارب، وأعفوا اللِّحَى، خالفوا المشركين، وهو الراوي عن النبي ﷺ أنه قال: قصُّوا الشوارب، ووفروا اللحى، خالفوا المشركين، ومع هذا كان إذا حجَّ أو اعتمر أخذ من لحيته ما زاد على القبضة، وهذا من اجتهاده أيضًا، وهو خطأ، والصواب اتباع السنة وتعظيمها والأخذ بها في هذا الباب وفي غيره، ولا قول لأحدٍ مع سنة الرسول ﷺ: لا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الصديق، ولا ابن عمر، ولا غيرهم، متى وضحت السنةُ واتَّضحت، والله يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول جلَّ وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92]، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71].
فالواجب على كل مؤمنٍ أن يأخذ حذره من مخالفة الكتاب والسنة، ولا يجوز له أن يُقلد أحدًا أبدًا كائنًا مَن كان في مخالفة السنة، فإنَّ السنة هي واجبة الاتباع على الصغير والكبير، والصحابي ومن دون الصحابي، كلهم يجب عليهم أن يخضعوا لقول الله ورسوله، وأن يمتثلوا أمر الله ورسوله، وأن يحذروا خلاف أمر الله ورسوله، وقصارى مَن خالف ذلك إذا اجتهد أن يكون له أجر الاجتهاد، ويفوته أجر الصواب، إذا سلم من العلَّة فله أجر الاجتهاد كما قال ﷺ: إذا حكم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، فلابن عمر أجر الاجتهاد ، لكنه فاته أجر الصواب.
نسأل الله للجميع التَّوفيق.
س: قوله: ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا؟
ج: يعني بالصوم حتى ينتهي.
س: حفظ القرآن الكريم في رمضان أفضل أم مُراجعته أو مجرد تلاوة القرآن الكريم؟
ج: الإكثار من التلاوة أفضل؛ لأنه شهر القرآن، كل حرفٍ بحسنةٍ، والحسنة بعشر أمثالها، وإذا تحفظ فلا بأس، إذا جعل له وقتًا للحفظ فلا بأس، لكن السنة كلها للحفظ.
س: ما الرؤيا المُعتبرة؟
ج: بعد الغروب، لو رُئي قبل الغروب ما يُعتبر، إنما تكون الليلة المستقبلة إذا رُئي بعد الغروب تكون المستقبلة.
س: وهل يُرى عصرًا؟
ج: قد يُرى عصرًا، الجو صافٍ قد يراه بعضُ الناس، طيب البصر قد يراه، ويغيب قبل الغروب.
س: يكون للمُستقبل؟
ج: للماضية.
س: للماضية إذا كان قبل الغروب؟
ج: إذا كان قبل الغروب ما يُعتبر، يستقبل يعني بالنسبة إلى الدخول يعتبر، قد تكون القابلة، وقد تكون التي بعدها.
س: هل يُعتبر بعد الغروب؟
ج: الرؤيا المعتبرة بعد الغروب بالنسبة إلى الليلة القادمة، ما يكون لليلة القادمة إلا إذا كان بعد الغروب.
س: إذا كان مذهب الإنسان على مذهبٍ معين، حتى إذا أتى الدليلُ أخذ به وترك المذهب؟
ج: هو على خيرٍ إن شاء الله، إذا أخذ بالدليل وانتسب لمذهبٍ ما يضرُّ، مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما ينتسبون لمذهبٍ أحمد، وهم مجاهدون ومجتهدون إذا جاء الدليلُ، مثل: أئمة الدعوة: الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، حتى الانتساب إلى مذهب فلان: شافعي، مالكي، حنبلي، ظاهري، إذا كان هدفه السنة واتباع الحقّ ما يضرّه الانتساب.
س: إذا اجتهد المُجتهد ولم يرجح أحد القولين هل يتبع مذهبًا؟
ج: يتبع ما يغلب على ظنِّه أنه الصواب.
س: يكون انتسابه للمذهب من أجل ماذا؟
ج: قد يكون لأنه عاش بينهم تفقَّه عليهم، مثل: شيخ الإسلام، وابن القيم، وابن كثير، ومثل: الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأشباهه من مشايخ الحنابلة.
س: إذا كان دخولُ شهر شعبان من غير رؤيا، وحال دون منظر الهلال سحابٌ أو قترٌ فماذا يصنع؟
ج: يصوم ثلاثين، قال النبي: فإن حال دونه سحابٌ فصوموا ثلاثين.
س: لكنَّهم لم يتأكَّدوا من دخول شعبان؟
ج: ما كمل ثلاثين شعبان؟ الشهر ما يزيد على ثلاثين، ولا ينقص عن تسعٍ وعشرين، فإذا كملوا شعبان ثلاثين ثم صاموا يكملوا ثلاثين، إلا أن يروا شوال ليلة ثلاثين، إذا رأوا رمضان ليلة تسعٍ وعشرين -يعني ليلة شوال- وإلا فالواجب أن يُكملوا رمضان ثلاثين، فإن رأوا هلال شوال ليلة ثلاثين أفطروا بشاهدين.
س: هل الأفضل أن يُوتر مع الإمام أو يُوتر في آخر الليل؟
ج: لا، يُوتر مع الإمام أفضل؛ لقول النبي ﷺ: مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلةٍ.
س: مشايخ الحرم بعض الإخوة يحمل المصحف في أثناء الصلاة؟
ج: لا، تركه أولى؛ لأنه أعظم لخشوعه، فيخشع ويتسمع ولا يأخذ مصحفًا.
س: إذا كان ما يحفظ؟
ج: لا بأس، يقرأ من المصحف، كان مولى عائشة يُصلي بها من المصحف.
س: هل هو الأفضل؟
ج: الأفضل عن ظهر قلبٍ إن تيسر؛ لأنه أخشع.
س: ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنه يقول: "يوشك أن تسقط علينا حجارةٌ من السماء؛ أقول لكم: قال رسولُ الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!"؟
ج: هذا قاله لأنَّ أناسًا احتجُّوا بأثر الصديق في إفراد الحجِّ، ابن عباس قال: السنة المتعة مثلما أمر النبي ﷺ الصحابة [أن] يتمتعوا، فاحتجُّوا عليه بقول عمر والصديق، فقال: أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! إني أخشى أن تسقط عليكم حجارة من السماء، يعني في مخالفة السنة، رضي الله عنه وأرضاه يُحذِّرهم من مخالفة السنة.
س: وابن عمر كان يأخذ قبضةً فيحتجُّون الآن أنه كان ابنُ عمر ؟
ج: يُقال لهم: الحجة ما هي في ابن عمر، الحجَّة في رسول الله، ما هي الحجة في ابن عمر، ولا في ابن عباس، ولا غيرهما.
س: منهم مَن قال أنَّ فعل ابن عمر لتفسير أمر النبي؟
ج: لا، تفسير النبي الكلام العربي، ما يحتاج إلى شرحٍ، كلام عربي واضح، النبي يقول: وفِّروا، وأنت تقول: لا، ما أنا بموفِّرٍ؟!
س: يقولون: هذا حدُّها؟
ج: ما هي بحدِّها، الناس يُشاهدونها تطول وتقصر.
س: بلوى تهذيب اللِّحَى حتى بين طلبة العلم؟
ج: الشيخ ناصر الله يهديه له فيها كلام ما هو بطيب، الشيخ ناصر الألباني غلط فيها مثل ابن عمر، الله يعفو عنا وعنهم جميعًا.
بَابُ الْهِلَالِ إذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ هَلْ يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ
1636- عَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُم الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
بَابُ وُجُوبِ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ
1637- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يَجْمَع الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
1638- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَزَادَ النَّسَائِيُّ: ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ، وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ .
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فالحديث الأول فيما يتعلق بصوم الناس برؤية الهلال في أي بلدٍ قد رآه المسلمون، ذهب جمهور أهل العلم رحمة الله عليهم إلى أنَّ الهلال إذا رُئي في بلدٍ لزم المسلمين كلهم الصومُ إذا بلغهم الخبر؛ لأنه شهر واحد، وفريضة عليهم واحدة، فإذا ثبتت عندهم رؤية الهلال في أي بلدٍ من بلاد المسلمين صام الجميعُ، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وهو الأصح؛ لقوله ﷺ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدَّة ثلاثين، هذا خطابٌ للأمة، ما هو لأهل المدينة وحدهم، هو يُخاطب الأمة، مثل قوله جلَّ وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، ومثل قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] لجميع الأمة، هكذا قوله سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] المقصود جميع الأمة، فإن ثبت في الرياض، في مكة، في المغرب، في المشرق ثبوتًا شرعيًّا لزم الناس أن يصوموا إذا بلغهم الخبر، وأن يقضوا ما فاتهم، إذا ما بلغهم إلا بعد ذلك يقضوا ما فاتهم منه؛ لأنَّ الشهر للجميع، الواجب واجب على الجميع، فإذا ثبت عند قومٍ بالبينة الشرعية وجب على الآخرين صومه وفطره.
وذهب جماعةٌ من أهل العلم -منهم ابن عباس وجماعة- إلى أن الرؤية تتعدد، وأنَّ لكل أهل بلدٍ رؤيتهم إذا تباعدت المسافات بينهم: في الشام، والمدينة، كالشام والعراق، كالشام والمغرب، إذا تباعدت الأقطار فيكون لكل أهل بلدٍ رؤيتهم؛ لأنَّ الهلال قد يُرى هنا ولا يُرى في الجهة الأخرى، يُرى في الشام، ولا يُرى في المغرب، وقد يُرى في نجدٍ ولا يُرى في الشام؛ ولهذا ذهب ابنُ عباسٍ إلى العمل بتعدد الرؤية، وأن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، فإن كُريبًا أخبره أنَّ أهل الشام رأوه ليلة الجمعة، قال: صام معاوية وصام الناس، قال ابن عباس: نحن رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال أو نُكمل العدَّة، هكذا أمرنا رسولُ الله ﷺ. تأوَّل قول النبي ﷺ: صوموا لرؤيته، وأنه يُخاطب أهل كل بلدٍ بما بلغهم وثبت لديهم.
وهذا القول له قوته؛ لما قاله ابنُ عباس ، ولكن أصح منه قول الأكثرين، وأن الجميع يصومون، فإذا لم يتيسر ذلك وصام كل أهل بلدٍ على حدتهم فلا حرج إن شاء الله؛ لأن المسألة محتملة، وفيها شبهة، والأمر فيها واسع، لكن إذا تيسر أن يصوموا جميعًا ولا سيما في هذا العصر؛ فإن العموم متيسر في الإذاعات يعمُّ الخبر في الحال، بخلاف الأولين متى يصل الراكبُ من المدينة إلى الشام، أو من الشام إلى المدينة، وهم في آخر الشهر، يعني يتعسر في الزمن الماضي بلوغ الرؤية إلى البلاد البعيدة إلا في آخر الشهر، أو بعد الشهر، لكن اليوم متيسر في الليلة التي رُئِيَ فيها الهلال، يتيسر بالإذاعة، يبلغ أقاصي الدنيا وقريبها.
فالذي ينبغي متى ثبت في بلدٍ بالحكم الشرعي -بالرؤية الشرعية- أن يصوموا جميعًا، وأن تكون كلمتهم واحدةً، ويدهم واحدةً، هذا هو الواجب، فإن لم يتيسر ذلك والعلماء في بلدهم قول ابن عباس، وهو القول بأنَّ لكل أهل بلدٍ رؤيتهم فلا حرج، يصومون لرؤيتهم، ويُفطرون لرؤيتهم.
والحديث الثاني: حديث حفصة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: مَن لم يجمع الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له، وفي اللفظ الآخر: مَن لم يُبيت الصيامَ من الليل فلا صيامَ له، هذا يدل على أنه لا بدَّ من تبييت النية في حال صوم الفرض؛ لأنَّ الله أوجب علينا أن نصوم جميع النهار، فلا بدَّ من تبييت النية، ينوي قبل الفجر أنه يصوم هذا اليوم، أو هذا الشهر؛ لقوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، والله أوجب علينا أن نصوم جميع النهار في مدة الشهر، فلا بدّ من نيةٍ لتحقق هذه العبادة، وتبييتها أن ينوي قبل الفجر، هذا تبييتها: أن ينوي قبل أن يطلع الفجر أنه صائم هذا اليوم عن فرضه، أما النافلة فالأمر فيها واسع، النافلة لا بأس أن يصومها أثناء النهار، ويكون له أجر الصوم من حين نوى في أثناء النهار؛ لأنها نافلة، ليس أمرها بفرضٍ، ويدل على هذا حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ دخل عليها ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قالت: لا، قال: فإني إذًا صائم، فصام من أثناء النهار، فيكون له أجره من حين ينوي أنه صام، فإذا أصبح لم يأكل شيئًا ولم يتعاطَ مُفطرًا، وفي أثناء الضُّحى طلع عليه أن يصوم أمسك ولا بأس، ويكون له أجر الصيام من حين نوى، والنافلة أمرها أوسع.
وهكذا في الحديث الثاني: أن المطوع مثل صاحب الصدقة، يُخرج من ماله شيئًا، فإن شاء أمضاه، وإن شاء أمسكه، فهكذا الصائم في التطوع: إن شاء صام النهار كله، وإن شاء صام بعض النهار، وإن شاء أفطر، إذا صام فهو ليس بملزومٍ بالمضي في صومه، وليس عليه تبييت النية؛ لأنه تطوع، ليس عليه حرج، فإذا أصبح صائمًا ثم طلع عليه أن يُفطر لمصلحةٍ أفطر، وإذا أصبح مُفطرًا ثم صام فلا بأس إذا لم يتعاطَ مُفطرًا من أكلٍ وشربٍ وغير ذلك؛ لحديث عائشة وما جاء في معناه.
ويدل الحديث أيضًا على أن الإنسان لو عزل من ماله شيئًا للصدقة، ما يخرج من ماله حتى ينفد، لو عزل ألفًا أو ألفين وقال: هذه للصدقة، هي باقية في ملكه حتى يُسلمها للفقراء، فهي لا تخرج من ملكه، فلو تصرَّف فيها بشيءٍ آخر لا بأس، حتى تصل إلى الفُقراء.
وفَّق الله الجميع.
س: أقوى دليلٍ لابن عباس هذا الحديث -حديث كريب؟
ج: نعم.
س: صام في بلدٍ ثم اتَّجه إلى بلدٍ أخرى، ثم رأوا الهلالَ ولم يصم سوى ثمانية وعشرين يومًا؟
ج: يصوم يومًا بعد العيد والحمد لله؛ لأنَّ الشهر لا ينقص عن تسع وعشرين.
س: إلى متى ينتهي النَّفل؟ يعني: إذا صام إنسانٌ وما أكل شيئًا.
ج: ما له حدٌّ، ضُحًى أو الظهر، ما له إلا نيته، له أجر الصيام من حين نوى.
س: إذا اتفق الناسُ على رؤيةٍ واحدةٍ، بعض البلاد تُشرق عليها الشمس قبل الأخرى، فيبدؤون من غروب الشَّمس؟
ج: ولو، غروب الشمس يختلف في كل بلدٍ، تطلع على أهل المشرق قبل أهل المغرب، وتغيب على أهل المشرق قبل أهل المغرب، هذا شيء مُشاهد.
س: إذا رأوا الهلال في بلدٍ، والبلد الثاني يكونون ضُحًى، يقضون هذا اليوم؟
ج: إذا ما بلغهم إلا في النهار يقضون، أما إن جاءهم في الليل يصومون مثل الناس.
س: يقضى النَّفل؟
ج: لا، ما يُقضى، ما هو بلازمٍ.
س: والأثر هذا: "واقضِ يومًا مكانه"؟ حديث عائشة عند البيهقي والدارقطني؟
ج: هذا على سبيل الاستحباب، الأحاديث الصحيحة ما فيها الأمر بالقضاء، إذا صحَّ سنده.
س: النية من أول الشهر أن يصوم الشهرَ كلَّه؟
ج: لا، كل يوم له نيَّته.
س: بعض العلماء في بعض البلدان يُفتون بأنَّ النية تكفي للشهر كلِّه؟
ج: نعم، لكنه ضعيف مرجوح، لكل يوم نية مستقلة، كل يوم عبادة مستقلة.
س: الذي كان في تلك البلاد وصام على هذه النية هل يُجزئه؟
ج: يُجزئه ..........
بَابُ الصَّبِيِّ إذَا أَطَاقَ وَحُكْمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ أَوِ الْيَوْمِ
1639- عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُهُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ، وَنَذْهَبُ إلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُم اللّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ مِنَ الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. أَخْرَجَاهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُمَرُ لِنَشْوَانَ فِي رَمَضَانَ: "وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ!" وَضَرَبَهُ.
1640- وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَفْدُنَا الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِإِسْلَامِ ثَقِيفٍ، قَالَ: وَقد قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّهْرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1641- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وهذا حُجَّة في أنَّ صوم عاشوراء كان واجبًا، وأن الكافر إذا أسلم أو بلغ الصبيُّ في أثناء يومه لزمه إمساكه وقضاؤه، ولا حُجَّة فيه على سقوط تبييت النية؛ لأنَّ صومه إنما لزمه في أثناء اليوم.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بتصويم الصبيان، وصحَّة صوم مَن أسلم في أثناء النهار، وأنه لا يقضي ما فاته من أول الشهر، وأن الصبيان يصومون حسب الطاقة، كما يُؤمرون بالصلاة حسب الطاقة؛ لقوله ﷺ: مروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع، وهكذا يُؤمر الصبيان بالصيام إذا أطاقوا، كما قالت الربيع بنت معوذٍ رضي الله عنها، وهي من الصَّحابيات: "كنا نُصوِّم صبياننا، فنُعطي أحدهم اللّعبة من العهن"، يعني يشغلونهم بها، فإذا جاء الإفطار أفطروا مع الناس، فهذا يدل على أنَّ الصبي إذا أطاق وهكذا الصبية البنت إذا أطاقت تُؤمر بالصيام؛ حتى تتمرن على الصيام، كما يُؤمرون بالصلاة حتى يعتادوها قبل البلوغ، أما الصبي الذي لا يستطيع والبنت التي لا تستطيع فلا يُؤمران، ولكن وليّهما ينظر، فإذا رآهما يقويان على ذلك أمرهما ومرّنهما على الصيام.
ويُروى عن عمر أنه قال لنشوان –يعني: سكران- جيء به إليه، قال له: "ويلك! تُفطر وصبياننا صوم؟!" أنت كبير تُفطر والصبيان يصومون؟ يعني: أين الحياء؟ أين الدين؟ أين العقل؟ ثم أمر بجلده، والشاهد قوله: "وصبياننا صوم!".
وفي هذا أيضًا قصة وفد ثقيف: أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الصوم، وإذا أسلم في أثناء رمضان يُؤمر بصوم الباقي؛ لأنه ما صار من أهل التكليف إلا بعد إسلامه، فإذا أسلم في خمسة عشر رمضان صام الباقي، وإذا أسلم في أول رمضان صام الشهر كله.
وفيه من الفوائد: أن الكافر لا بأس أن يقرّ في المسجد للمصلحة الشرعية، فإنَّ الوفد ضُربت لهم خيمة في المسجد؛ ليُشاهدوا المسلمين، ويسمعوا القرآن، ويعرفوا أحوال المسلمين وأخلاقهم.
وهكذا حديث ثمامة في "الصحيحين": أنه أسلم، أولًا أخذه جيشُ النبي ﷺ وهم ذاهبون في بعض الغزوات، أخذوه من طريقه إلى العمرة أسيرًا، فجيء به إلى النبي ﷺ، فأسره في ساريةٍ من سواري المسجد، وكان يمر عليه ويقول: ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكرٍ، وإن ترد المال فسل تُعطه! قال له مرتين أو ثلاثًا، ثم اعتقد فيه النبيُّ الخير وأنه حري بالإسلام فقال: أطلقوا ثمامة في المرة الثالثة أو الرابعة لما قال له كلما مرَّ عليه وهو أسير في مسجد النبي ﷺ: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلتُ لك بالأمس، إن تُنعم تُنعم على شاكرٍ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، يعني: ذا دم كبير عند قومه؛ لأنه رئيس في قومه في اليمامة -في الخرج- وإن تُرد المال –يعني: فداء- فسل تُعطه، تُعطى المال الذي تريد حتى تُطلقني، فقال بعد ذلك بعد مرتين أو ثلاثًا: أطلقوا ثمامة، فأطلقوا ثمامة، وذهب إلى بستانٍ قرب المسجد فاغتسل، ثم جاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وأسلم وحسن إسلامه، وقال: يا نبي الله، أنا جئتُ لعمرةٍ، وسوف لا يرد إلى قريش حبَّة حنطةٍ إلا بإذنك، فلما وصل إلى مكة سألوه: صَبَأْتَ؟ قال: أسلمتُ، وسوف لن يأتيكم من اليمامة حنطة إلا بإذن محمدٍ.
فهذا دليل على أنه لا بأس أن يُربط الكافر في المسجد إذا رأى وليُّ الأمر ذلك، ولا بأس أن يدخل المسجد لسماع موعظةٍ، أو لسؤال أحدٍ عن مهمةٍ، أو لتناول ماء، يشرب ماءً، أو لغير هذا من الأسباب؛ لأنَّ الرسول ﷺ أنزل وفد ثقيف في المسجد ثم أسلموا، وربط ثمامة في المسجد ثم أسلم، وكانت الوفود ترد إليه وهو جالس في المسجد، فيُسلِّمون عليه، ويتكلَّمون معه، مسلمهم وكافرهم، فدلَّ ذلك على الجواز؛ ولأنَّ في ذلك وسيلةً إلى إسلامه؛ لأنَّ كونه في المسجد يشهد صلاة المسجد، ويشهد قراءتهم ودروسهم، ويرى أعمالهم؛ فهذا مما يدعوه إلى الدخول في الإسلام.
وفَّق الله الجميع.
الطالب: بعض الأسئلة وردت من بعض المُصلين:
س: يقول السائلُ: فضيلة الشيخ، أناس لديهم خادمة غير مسلمةٍ –يعني: هندوسية- يسألون عن كيفية التَّعامل معها، وهل يجوز استعمال ما تلمسه وتعمله بيدها؟
ج: الواجب إبعادها إلى بلادها؛ لأنَّ الرسول ﷺ أوصى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة وقال: لا يجتمع فيها دينان، وما دامت عندهم يستخدمونها حتى يتيسر تسفيرها، النبي ﷺ كان له خادم من اليهود، ثم هداه الله وأسلم، لكن النبيَّ ﷺ بعد هذا أمر بإخراج الكفرة من الجزيرة، فدلَّ على وجوب إخراجهم، وأن لا يُستقدم إليها إلا مسلمٌ، إلا لحاجةٍ: كالذي يأتي يبيع ميرةً، يبيع حاجاته، يذهب ويرجع لا بأس، أما أن يأتي إنسانٌ ويستقرُّ فيها لا، لكن إذا جاء لهدفٍ خفيفٍ: كرسول بعض الدول الكافرة، وكبائع الميرة، بائع الغنم، بائع الإبل الذي ينفع المسلمين؛ فلا بأس.
س: واستعمال ما تطبخ من أكلٍ أو شربٍ؟
ج: ما فيه بأس، لهم أن يستعملوا ما تأتي به من شرابٍ، وتُصلح لهم من طبخٍ، لكن لا تُؤمن، الواجب إبعادها، المسارعة إلى إبعادها.
س: بعض الناس يتساهل في زيارة القبور التي تُعبد من دون الله، أو يُذبح لها، وإذا سُئل عن زيارتها يقول: لا بأس، فما توجيهكم لهؤلاء؟
ج: زيارة القبور سنة؛ لأنها تُذكِّر الآخرة، تُذكر الموت، الرسول يقول: زوروا القبورَ؛ فإنها تُذكركم الآخرة، وفي اللفظ الآخر: تُذكركم الموت، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، وإذا كان القبرُ قبر كافرٍ يُعتبر للذكرى فقط، لا للسلام، ولا للدعاء له، وإنما للذكرى والاعتبار، أما إذا كان القبرُ يُعبد -كما يقع في بلدانٍ كثيرةٍ الآن- فلا ينبغي له أن يزوره على هيئةٍ يُظن به أنه يُوافق المشركين، أما إذا زاره للإنكار والدَّعوة والتَّعليم: كالذي يزور قبر الحسين في مصر، أو البدوي، أو ما أشبه ذلك، لا للزيارة؛ لقصد الدَّعوة والتَّوجيه، لا ليُظنّ به أنه يُقرهم، وأنه يراه جائزًا ما يفعلون، إذا زار يُبين أنَّ دعاء الميت لا يجوز، وأن الاستغاثة به لا تجوز، والتمسح بالقبر لا يجوز؛ ليُعلِّمهم دينهم؛ فلا بأس، يُسلم عليهم، ويدعوهم إلى الله، أما أن يزوره ولا يُبين لهم فهذا قد يُفضي إلى شرٍّ كثيرٍ، قد يُحتج به على أنه يُقرّهم.
س: ما حكم زكاة الحُلي المُستعمل؟ وكم النِّصاب فيه؟ وهل يكون العرف نصاب بالوزن أو بالمعرفة؟
ج: ....... نصاب الذهب معروف، ونصاب الفضة معروف، نصاب الذهب عشرون مثقالًا، ونصاب الفضة مئة وأربعون مثقالًا، فإذا كانت الحُلي هذا الوزن وجب زكاتها من الذهب والفضة، ولو كانت تلبس على الصحيح، وهي ربع العشر، من كل مئةٍ اثنان ونصف، ومن كل ألفٍ خمسة وعشرون، سواء كانت تُلبس أو مخزونة للحاجة.
س: الوزن؟
ج: الوزن عشرون مثقالًا، بالعملة السعودية الجنيه: أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع جنيه؛ لأنَّ الجنيه الموجود هذا مثقالان إلا ربع، والنِّصاب عشرون مثقالًا، فإذا كان الحُلي عشرين مثقالًا من الذهب وجبت الزكاة، وهكذا في الحلي من الفضَّة إذا كان فيها مئة وأربعون مثقالًا.
س: صحَّة حديث أن النبي ﷺ كان يأمر برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم، ويأمر أمّهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل. ذكره الشَّوكاني، وقال: وقد توقف ابن خزيمة في صحَّته؟
ج: ما أتذكر حاله.
س: والأثر الذي جاء عن ابن عباس: "تجب الصلاة على الغلام إذا عقل، والصوم إذا أطاق، والحدود والشَّهادة إذا احتلم" هذا ما يدل على وجوب الصوم على الصبيان عفا الله عنك؟
ج: ما أعرف له أصلًا.
س: اختلف في قيمة الرِّيالات: فبلغت نصابًا على الفضَّة، ولم تبلغ على الذهب، تُقَوَّم بالذهب أو الفضَّة؟
ج: تُزَكَّى.
س: المُعتبر إذا اختلف النِّصابان: الذهب أم الفضة؟
ج: هذا أو هذا، إذا بلغ هذا أو هذا زُكِّي.
س: يوم رجَّحتم يا شيخ أنَّ العبادة إذا كانت متصلةً تبطل بالرياء، بعض الناس يسأل عن الصلاة التي يدخلها الرياءُ هل يُعيدها؟
ج: الأقرب والله أعلم أنها غير صحيحةٍ؛ لأنَّ الله يقول: أنا أغنى الشُّركاء عن الشرك، مَن عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركه.
س: يُعيدها؟
ج: إن كانت فريضةً يُعيدها، وإن كانت نافلةً ما عليه إعادة.
س: بالنسبة للذهب الملبوس إذا كانت صاحبتُه ما عندها مال لأجل أن تُزَكِّي، هل تبيع منه وتُزَكِّي أم ماذا تصنع؟
ج: نعم تبيع منه وتُزَكِّي، أو تقترض.
س: إذا كانت الأم وعندها بنات فهل يُجمع الذهب مع بعضٍ؟
ج: لا، كل واحدةٍ لحالها، إذا تم النِّصابُ كل واحدةٍ لها حساب.
س: والنِّصاب مقداره كم -أقل شيء؟
ج: عشرون مثقالًا.
س: يعني: إذا صار أقلَّ من عشرين مثقالًا ما يُزَكَّى عليه؟
ج: نعم.
س: كم بالجرام؟
ج: بالجرام اثنان وتسعون جرامًا.
س: بعض العوام ما يعرف بالجرام، مثلًا يقول: كم؟ مثلًا: ذهب بألف، ألف وخمسمئة؟
ج: ستة وخمسون ريـال فضَّةٍ، وأحد عشر جنيهًا ونصف سعودي –يعني: جنيهًا سعوديًّا.
س: ألف ومئة وخمسون ريـالًا تقريبًا؟
ج: الصرف يختلف جزاك الله خيرًا، قد يغلى الجنيه وقد يرخص، المقصود يبقى في الذهب، أحد عشر جنيهًا، إذا وجبت الزكاةُ ينظر قيمتها في السوق عند الصيارفة ويُخرج، وهكذا الفضَّة ستة وخمسون ريالًا، وإذا كان مثل العملة الآن الموجودة ينظر قيمتها عند الصيارفة ويُخرج؛ لأنها تختلف.
س: لو بالمعرفة أحسن الله إليك، قال مثلًا: أريد أن أُزكي بالمعرفة، مثلًا كم يُساوي ألف ريـال؟ يُزكِّي مثلًا خمسة وعشرين ريالًا؟
ج: يعرضه للسوق، ينظر السوق ولا بأس، الحلي تُباع في السوق، ويُعرف صرف الجنيه، إذا كانت الجنيهات معروفة عرف صرف الجنيه وزكَّى، وإن كانت ما هي بمعروفة عرف قيمتها وزكَّاها.
س: معظم الفقهاء يقولون: إذا أتى الإنسانُ وهو مسافر إلى البلد الذي يُريده يُمسك، وحجَّتهم في هذا احترام الوقت؟
ج: هذا يختلف؛ إن كان في بلده يُمسك، وإن كان بلد السفر لا، إذا كان يُقيم فيه يومين، ثلاثة، أربعة ما يلزمه الإمساك؛ لأنه مسافر، إنما الإمساك إذا نوى أكثر من أربعٍ عند الجمهور، أو نوى إقامةً مطلقةً عند الآخرين.
س: وسط النهار، أتى وسط النهار وهو مُفطر؟
ج: إذا أتى وسط النهار في بلدٍ يلزمه فيها الإمساك كبلده أو البلد التي ينوي الإقامة فيها، فإذا جاء يلزمه الإمساك، أما إذا مرَّ ببلدٍ ما هو بمقيم فيها -هو مسافر- فهو على سفرٍ: كإنسانٍ يروح لمكة، ومرَّ ببريدة في طريق الحاجة، هو مسافر، ولو مرَّ بالبلد ما يلزمه الإمساك.
س: البقاء في مكة ما هو بمسافر؟
ج: إذا كانت إقامته أربعة أيام فأقلّ فله حكم السَّفر.
س: الأمر بقضاء عاشوراء؟
ج: حين كان فرضًا أو سنةً مؤكدةً، ثم نُسخ برمضان، لما فُرض رمضان نُسخ عاشوراء وصار مُستحبًّا فقط.
أَبْوَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ
1642- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِثْلُهُ.
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ.
1643- وَعَنْ ثَوْبَانَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
1644- وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
وَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يُفْطِرُ جَاهِلًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، بِخِلَافِ النَّاسِي.
قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ.
1645- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1646- وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: "لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1647- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1648- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث المتعددة المتعلقة بالحجامة كلها تدل على أنَّ الحجامة قد كانت مباحةً في الصوم، ثم نُسخ ذلك ومُنع منها، وهذا هو الصواب الذي عليه أئمَّة الحديث؛ أن الحجامة تُفطر الصائم، وأنَّ مَن قال ذلك منسوخ، ومن هذا حديث ابن عباس: "احتجم النبيُّ وهو صائم" قبل النَّسخ، كذلك احتجام جعفر بن أبي طالب قبل النَّسخ.
وأما حديث أنسٍ أنهم يكرهون الحجامة من أجل الضَّعف: فهذا مبني على القول بأنها مباحة، ولعل أنسًا نسي ما ورد في الأحاديث الصحيحة، فالأحاديث الصحيحة كلها دالة على تفطير الصائم بالحجامة.
وأما حديث أنس الأخير أنها منسوخة فهو أيضًا ضعيف مخالف للأحاديث الصحيحة وشاذٌّ عنها، والصواب أنها كانت مباحةً أولًا ثم جاء المنع، وحديث "احتجم وهو صائم" كان في وقت الإباحة، أو كان في وقت السفر، أو في النافلة كما قال ابن القيم رحمه الله، فحديث ابن عباس عنه أجوبة: منها أنه كان ذلك في إباحة الحجامة للصائم قبل النَّسخ، ومنها أنه قد يكون مُسافرًا كما في حديث "احتجم وهو محرم صائم"، ومنها أنه يحتمل أنه كان في نافلةٍ لا في الفريضة، فلا تقوم به الحجَّة في مخالفة الأحاديث الصحيحة الدالة على تفطير الحاجم والمحتجم بالصوم.
والخلاصة أنَّ الصواب هو ما عليه أهلُ الحديث من أنَّ الحجامة تُفطر الصائم إذا تعمَّدها، وهذا هو المعتمد، وجاء في هذا عدَّة أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ، وأما ما ورد من احتجامه وهو صائم فهو محمولٌ على أنه كان قبل النَّسخ، أو في حال السفر، أو في حال المرض، أو في حال كونه صوم النافلة؛ ولهذا قال ابنُ القيم رحمه الله: لا يتم الاحتجاج به إلا بعد تمهيد أربعة أمور:
الأمر الأول: أن يكون في الحضر.
الأمر الثاني: أن يكون صحيحًا.
الأمر الثالث: أن يكون في الفرض، لا في النَّفل.
الأمر الرابع: أن يكون بعد النسخ، بعد أحاديث: أفطر الصائم.
ولا يتم شيء من هذا، وبذلك يُعلم أنَّ الصواب قول من قال من أئمة الحديث أنَّ الحجامة تُفطر الصائم، كما هو قول أحمد وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وغيرهم من أئمة الحديث رحمهم الله، فإذا دعت الحاجةُ إلى الحجامة فليكن في الليل؛ ليخرج من الخلاف والحمد لله.
وفَّق الله الجميع.
س: قوله: إن الصائم لا يُعذر بجهله؟
ج: هذا قول قوي؛ لأنَّ الأكل في الصوم والشرب يحرم على المؤمن، فإذا جهل ذلك فهو عذر في عدم الإثم، لكنه ليس عذرًا في عدم القضاء، فليقضِ وليُتمَّ ما تعمَّد، مثل: الذين أفطروا يوم الثلاثين من شعبان يظنونه شعبان، ثم بان أنه من رمضان، فلا إثمَ عليهم، وعليهم القضاء، هكذا أفطروا يظنون أنَّ الشمس قد غربت، ثم بان أنها لم تغرب، أو يظنون أنَّ الفجر لم يطلع، ثم بان أنه طلع، وأنه أكل في النهار، الذي عليه الجمهور أنه يقضي، ولا إثم؛ لعدم تعمُّده خلاف أمر الله.
س: إذا تناول مُفطرًا ولم يعلم أنَّ هذا مُفطر؟
ج: يقضي، هذا الذي عليه الجمهور.
س: حديث شدَّاد ما يكون في أول الإسلام، وحديث ابن عباس في آخره، فيُصبح حديث ابن عباس ناسخًا لحديث شدَّاد؟
ج: لا، لا، كانت مباحةً أولًا، ثم مُنعت الحجامة.
س: الطيب والبخور هل يُكره للصَّائم؟
ج: لا يتنشَّقه، لا يسعطه؛ خروجًا من الخلاف، أما بدون تسعط في ثيابه وتحت ثيابه ما يضرُّ.
س: هذا سائل يقول: إذا فرغنا من قول: "سبحان الملك القدوس" بعد الوتر، فهل يُشرع الاستغفار بعد ذلك أم لا؟ وهل يُنكر على مَن يسمع ذلك في هذا الموطن خاصةً؟
ج: ما فيه شيء، يدعو ويستغفر لا حرج، المقصود أنَّ السنة بعد السلام من الوتر [أن] يقول: "سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس"، ثم يمد صوته في الثالثة: "سبحان الملك القدوس ربّ الملائكة والروح"، وإذا دعا بعدها: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، ما في بأس، لكن هذا هو المشروع، المشروع هذا بعد السلام: "سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح" ثلاثًا بعد السلام من الوتر من الركعة الأخيرة.
س: هل الفرد من أسماء الله ؟
ج: ما أخبر أنه ورد شيء في الأحاديث، لكن هو فرد، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، لكن ما أتذكر أنه جاء فيه شيء من الأحاديث اسم الفرد، لكن معناه صحيح، هو الفرد ......، لكن ليس من أسمائه.
س: درجة الحديث الذي عند الطبراني، يقول: "أُنزلت صحف إبراهيم لأول ليلةٍ خلت من رمضان، والتوراة لستٍّ، والإنجيل لثمانٍ" الحديث؟
ج: المعروف أنها إسرائيليات، ما له حديث صحيح.
س: ما جاء في لفظٍ: "احتجم النبيُّ ﷺ وهو مُحرم صائم" ما يكون هذا على حجة الوداع، فيكون هذا هو النَّاسخ؟
ج: قد يكون هذا في حجَّة الوداع؛ لأنه في حجة الوداع أحرم، ولكن قد يكون في غزوة الفتح؛ لأنه غزاها وهو صائم عليه الصلاة والسلام، أما حجة الوداع ما هو بصائم، مفطر.
س: ما الأسباب التي إذا عمل بها الإنسانُ يحصل على الخشوع في الصلاة؟
ج: التَّذكر أنه بين يدي الله، وأن الله جلَّ وعلا أحق بأن يخشع له ويعظم، إذا تذكَّر أنه بين يدي الله، وأن الله يُراقبه وينظر إليه كان هذا من أسباب الخشوع: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
س: هل يقول الإمامُ أحسن الله إليك: صلُّوا صلاةَ مُودِّع؟
ج: ما بلغنا شيء، يقول: استووا، تراصوا، أتموا الصفوف، كما قال النبيُّ ﷺ.
س: مسح الوجه واليدين بعد الدُّعاء؟
ج: لا حرج، جاءت فيها عدة أحاديث، ذكر بعضُ أهل العلم أنها من باب الحسن لغيره، كالحافظ ابن حجر وجماعة.
س: حتى ولو كان في الصلاة؟
ج: لا، خارج الصلاة، إلا في الوتر في القنوت.
س: الوتر يُكره؟
ج: إن مسح فلا بأس: الوتر والقنوت.
س: حديث فضالة يدل على أنه يُصلي الإنسانُ على النبي ﷺ قبل أن يدعو، فهل يُصلي على النبي ﷺ في دعاء القنوت قبل أن يبدأ؟
ج: لا، لا، ما ورد هذا في الدّعاء الخاص، حديث عَجِلَ هذا في الدعاء الخاص الذي يدعوه الإنسان، الدعاء الوارد الذي ورد عن النبيِّ ﷺ والصحابة يتقيد فيه بما ورد.
س: الفرد يُقال: يا فرد، يا صمد، من باب الخبر؟
ج: ما أعلم، لكن كونه يتوسل بالأسماء المعروفة: يا رحمن، يا رحيم، يا عزيز، الأسماء المعروفة أولى، وإلا هذا واردٌ في كلام العلماء كثير.
س: المُداومة على قراءة سبِّح والكافرون والإخلاص في الوتر؟
ج: هذا السنة، وبعض العلماء يتركها؛ لئلا يظن أنها واجبة، النبي كان يقرأها في وتره.
س: يا شيخ، نواقض الإسلام العشرة الناس في أمس الحاجة إلى شرحها؟
ج: نواقض الإسلام كثيرة: أربعمئة، لكن هذه منها، من جملتها، وإلا فهي كثيرة.
س: الناس بحاجة إلى أدلةٍ مقرونةٍ بالواقع؟
ج: معانيها واضحة، لكن زيادة خيرٍ إن شاء الله، كاتبين فيها كتابة توزع ...... نواقض الإسلام لابن حجر، نواقض الإسلام نحو أربعمئة، وفي باب حكم المرتد بسطوا فيها المقام، باب حكم المرتد في جميع المذاهب الأربعة.
س: الأبيات التي قيلت في شروط لا إله إلا الله هذه تُحسب لمَن؟
ج: لعبدالرحمن بن حسن سبعة شروط، والثامن للشيخ سالم بن عتيق: "وزيد ثامنها الكفران منك" لشيخنا الشيخ سالم بن عتيق في "فتح المجيد" في باب فضل التَّوحيد.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَيْءِ وَالِاكْتِحَالِ
1649- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
1650- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَن النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عَن النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُالرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ صَدُوقٌ.
بَابُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
1651- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
وَفِي لَفْظٍ: إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ولا كفَّارة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَن الْأَنْصَارِيِّ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بالكحل والقيء وأكل الإنسان أو تعاطيه شيئًا من المفطرات ناسيًا.
جاء في الكحل أحاديث استعماله للصائم، وفي ترك الصائم له، كلها أحاديث ضعيفة، كل الأحاديث المتعلقة بالكحل للصائم فعلًا وتركًا كلها ضعيفة، والأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج في الكحل للصائم؛ لأنَّ العين ليست منفذًا مُعتادًا، وإنما استعمال الكحل فيها للدواء وللجمال فلا يضرُّ، إذا اكتحل الصائمُ فلا حرج عليه، وإن ترك ذلك ليلًا فهو حسن؛ لأنَّ في الاكتحال ليلًا خروجًا من الخلاف، ولو اكتحل نهارًا فلا شيء.
أما القيء ففيه تفصيل: إن ذرعه بغير اختياره فلا شيء عليه، مَن ذرعه القيء فلا قضاءَ عليه، مثل ما لو احتلم وأنزل؛ لأنه ليس باختياره، أو فكَّر فأنزل فصومه صحيح؛ لأنَّ التفكير يعرض للإنسان، وكذلك الاحتلام يعرض للإنسان في النَّهار وهو صائم، فلا شيء عليه لو احتلم فأنزل، أو فكَّر في أشياء فأنزل، فالصوم صحيح وعليه الغسل إذا أنزل.
وهكذا القيء إذا ذرعه –يعني: خرج بغير اختياره- فلا بأس عليه، أما إذا طلبه واستقاء فإنه يُفطر، والحديث سنده صحيح عند المحققين ولا بأس به، فإذا استقاء عمدًا -استخرجه عمدًا- أفطر وعليه قضاء ذلك اليوم الذي استقاء فيه.
والحديث الثالث والرابع حديث أبي هريرة من روايته: فيه أنَّ مَن أكل أو شرب ناسيًا فإنه يُتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وصومه صحيح، يقول الله سبحانه: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]؛ ولأن النسيان ليس باختياره، أمر قهري؛ ولهذا نسي النبيُّ ﷺ في الصلاة وهو رسول الله، وقال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون.
فإذا أكل ناسيًا، أو شرب ناسيًا، أو جامع ناسيًا فلا قضاء ولا كفَّارة، وصومه صحيح، وليتم صومه، فلا إثم عليه، ولا كفَّارة عليه، ولا قضاء عليه، وهذا من لطف الله ورحمته وفضله .
وهكذا لو وقع ذلك في الحجِّ أو في العمرة ناسيًا، فإنه لا حرج عليه، ولا قضاء عليه، ولا كفَّارة؛ لعموم الأدلة.
س: الفرق بين الناسي والجاهل، الجاهل مُتعمّد؟
ج: الجاهل فيه خلاف، أما الناسي ما فيه خلاف، أما الجاهل فالصواب الذي عليه الجمهور أنه يُفطر، إذا جامع وادَّعى أنه جاهل، أو أكل بعد طلوع الفجر، أو قبل غروب الشمس وقال: إني جاهل، يُؤمر بالقضاء عند الجمهور.
س: والصحيح؟
ج: عند الأكثر يُؤمر بالقضاء، وهذا الذي نُفتي به؛ أنَّ عليه القضاء سدًّا لذريعة التَّساهل.
س: استعمال القطرة وهو صائم؟
ج: ما يضرُّ، مثل الكحل، وتركها أحسن، ويجعلها في الليل أحسن؛ لقول النبي ﷺ: دع ما يريبُك إلى ما لا يريبُك.
س: يشعر بطعمها في حلقه؟
ج: ولو؛ لأنَّ ما هي بطريق.
س: إذا وصف الطبيبُ استعمالها في النَّهار؟
ج: لا حرج، لكن في الليل إذا تيسر أفضل، والإبر كذلك.
س: قوله: "لا قضاء، ولا كفَّارة" يفيد أنه لو كان عامدًا عليه الكفَّارة؟
ج: إذا كان جماع عليه الكفَّارة، لغير الجماع ما فيه كفَّارة، الكفَّارة في الجماع، إذا جامع في نهار رمضان.
س: الإثمد المروح؟
ج: المطيب يعني.
س: حديث المُجامع لأهله كان عامدًا؟
ج: عامدًا، قال: يا رسول الله، هلكتُ.
س: لو طبيب وصف له الحقن -حقن الأدوية- صباحًا ومساءً؟
ج: إن كان بدل الأكل يُفطر، مثل: الإبر المغذية؛ لأنه يقوم مقام الأكل فيُفطر، أما إذا كانت إبرة تحليلية أو لقوة النَّشاط أو للنشاط فهذا لا يُفطر.
س: الفصد هل يُلحق بالحجامة؟
ج: المشهور عند العلماء أنه لا يلحق بالحجامة، وبعض أهل العلم يُلحقه بالحجامة، والأصل المشهور عند العلماء أنَّ هذا حكم خاصٌّ في الحجامة، لكن إذا كثر الدمُ أو أسعف إنسانًا بدمٍ كثيرٍ فالاحتياط كونه يقضي؛ لأنه إذا كثر أشبه الحجامة.
س: بالنسبة للإبرة المُفطرة: هل يقضي اليوم أو عليه ..؟
ج: المفطرة هي المغذية، يقضيها بعد حينٍ، يُمْسِك ويقضي.
س: يقضي يومًا واحدًا؟
ج: نعم.
س: بالنسبة للِّبان والعلك؟
ج: ما يجوز؛ لأنه يمصُّه.
س: ليس فيه حلى؟
ج: ولو كان ما فيه حلى، لو أكل شيئًا مُرًّا أفطر به.
س: الإنسان فيه بلغم؟
ج: يبصقه، ما يبلعه.
س: الصحيح أنَّ النُّخامة مُفطرة؟
ج: إذا بلغت الحلق، أما إذا راحت من حلقه -ما ظهرت- ما يفطر، لكن إذا بلغت الفم وصارت في الفم يبصقها.
س: الشيخ ناصر في السلسلة ساق حديثًا عن عمر بن الخطاب: أن الرسول ﷺ أذن له أن يشرب عند الإقامة في صلاة الفجر، وقال الشيخ ناصر: هذا حديث صحيح؟
ج: المعروف عند الأذان، ما هو بالإقامة، الأذان.
س: هذا ساقه في "السلسلة الصحيحة"؟
ج: هذا غلط، المعروف عند الأذان؛ ولهذا يقول ﷺ: إنَّ بلالًا يُؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يُؤذِّن ابنُ أم مكتوم، فالأمر مُعلَّقٌ بالأذان فقط.
س: حديث محمد بن عمرو بن علقمة: إذا سمع أحدُكم النِّداء وفي يده الإناءُ لا يتركه حتى يأخذ منه حاجته؟
ج: لا بأس به؛ لأنَّ الأذان قد يكون بالظنِّ والاجتهاد فالحمد لله، لكن إذا رأى الصبحَ يقينًا -مثل الذي في البرِّ رأى الصبحَ- فلا يأكل شيئًا؛ لأنَّ الله يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] إذا كان في الصحراء، أما في البلد فالعبرة على التقويم، على الظن، إذا شرب وهو يُؤذن لا يضرُّه إن شاء الله.
س: محمد بن عمرو بن علقمة إذا تفرَّد بمثل هذا الحديث هل يُحتج به؟
ج: لا بأس به، حسن، عمرو بن علقمة سنده حسن، محمد ثقة، لكن عمرو هو محل نظر –أبوه.
س: دعاء القنوت في تراويح رمضان هل يُشرع كل يوم؟
ج: لا أعلم مانعًا، مثلما علَّمه النبيُّ الحسنَ ولا قال له: "في ليلةٍ دون ليلةٍ"، علَّمه القنوت يعني في جميع اللَّيالي.
س: وفي الأيام العادية في صلاة الفجر؟
ج: لا، الفجر ما يُشرع فيه، يُشرع في الوتر فقط خاصةً.
س: أيُّهما أفضل: أن يُصلي الإنسانُ التراويح جماعةً مع إمام مسجده، أو يُصلي بأمِّه في بيته برًّا بها وإحسانًا إليها؟
ج: يُصلي مع الناس في المسجد، هذا السنة.
س: ولو طلبت أمُّه ذلك؟
ج: تُصلي وحدها، ما يحتاج.
س: تقول: تُعينني على الطاعة؟
ج: صلِّ بها إذا عوَّدْتَها، صلِّ بها والوتر الأول يكفي.
س: ما الفرق بين التراويح والقيام والتَّهجد؟
ج: كلها تُسمَّى: تهجدًا، وتُسمَّى: تراويح، وتُسمَّى: قيامًا، أسماء لمسمًّى واحدٍ.
س: ما حكم المسح على الوجه ..؟
ج: لا بأس به، جاء به عدَّة أحاديث إسنادها حسن لغيره، إن مسح فلا بأس، وإن ترك فلا بأس.
س: ألا يُقال أنها شاذَّة لعدم فعل النبيِّ ﷺ لها في المواقف المعروفة؟
س: المُسافر في السيارة مثلًا على وجه مصر هل الأحسن له أن يُفطر أو يتمسَّك بالصيام؟
ج: الأفضل له الفطر، إلا إذا كان يشقُّ عليه [الصوم] فالفطر أفضل، الفطر أفضل مطلقًا، لكن إذا اشتدَّ الحرُّ يتأكد عليه الفطر، ولا ينبغي له الصوم.
س: طيب عليه كفَّارة؟
ج: ولا عليه شيء، النبي ﷺ يقول: ليس من البرِّ الصوم في السفر، ولا سيما إذا اشتدَّ الأمر.
س: يعني عندما ينزل البلد المواطن فيها يتمسك بالصيام، يعني مثلًا نزل بالنهار: الظهر أو العصر أو في أي وقتٍ كان؟
ج: في بلده؟
س: في بلده، يُمسك في نفس اليوم؟
ج: يُمسك ويقضي.
س: ويعدّ الأيام التي أفطر فيها؟
ج: التي أفطر فيها يقضيها نعم: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] يقوله الربُّ جلَّ وعلا.