10 من حديث: (أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بحج مفرد..)

136 - (1213) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، -قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا، لَيْثٌ- عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرِكَتْ، حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا

الشيخ: لأنها صارت قارنة لما أحرمت بالحج بعد إحرامها من العمرة بسبب الحيض صارت قارنة وهكذا لو أحرم إنسان بالعمرة ثم أدخل عليها الحج صار قارنًا.

 فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا، يَا عبدالرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ

الشيخ: ليلة الحصبة ليلة أربعة عشر النزول بالمحصب بمكة الوادي الذي يقال له البطحاء

 (1213) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ عَبْدٌ: - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَهِيَ تَبْكِي، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ.

الشيخ: ورواية جابر عنها؛ لأن الرسول ﷺ أخبرهم بهذا، أخبرهم بهذا ليستفيدوا ويعلموا وتعلم نساؤهم، أخبرهم بقصة عائشة حتى يستفيدوا، وهكذا قصة أسماء بنت عميس لما ولدت في الميقات بمحمد بن أبي بكر لأن هذا شرع يعم الجميع، فمن أصابه بمثل ما أصاب عائشة يعمل مثل عملها، كل امرأة وصلت إلى مكة وهي محرمة بالعمرة ثم أصابها الحيض قبل أن تطوف والوقت ضيق تحرم بالحج مع الناس، تخرج إلى منى وتصير قارنة، وهكذا لو ولدت في الطريق أو في بلدها ثم جاءت محرمة وهي نفساء ولم تطهر حتى جاء الحج تحرم بالحج مع العمرة، تلبي بالحج مع العمرة ثم يكون طوافها وسعيها بعد ذلك تشريعا عاما لجميع الأمة.

137 - (1213) وحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَهَا مَعَ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ مَطَرٌ: قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ ﷺ.

الشيخ: وهذا من خلقه العظيم كونه لين مع النساء فيما أباح الله، هذا من خلقه العظيم وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وهذا من المعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] كون الرجل لين مع زوجته بالكلام الطيب يعطيها مطلوبها إذا كان مباحًا أو حسنًا، هذا من المعاشرة الطيبة، بعض الناس شرس الأخلاق، شديد مع زوجته، لا يلين معها ولا يتلطف بالكلام الطيب، وهذا من سوء الخلق وليس من المعاشرة الطيبة، وهو مخالف لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، يجب أن يكون الزوج لين الخلق مع أهله، طيب الخلق طيب الكلام، حسن المعاشرة فيما أباح الله، وفيما شرع الله، لا في الحرام، لا يكون عليها كالأسد مع فريسته لا، يكون لينًا طيب الكلام، طيب المحادثة، يلبي طلباتها المباحة إذا ما كان هناك محذور، مثل ما فعل ﷺ مع عائشة لما قالت: يا رسول الله أجد في نفسي أن صواحباتي –زوجاته- أخذن عمرة مفردة، وأنا أخذت عمرة مع حجي، فأمر عبدالرحمن أن يعمرها حتى ترجع مفردة مع عمرتها التي مع حجها، وهذا فيه خير كثير، تأتي بعمرة جديدة والحمد لله، وليس هناك مشقة، وفيه دليل على أنه لا بأس بهذا من حج قارنًا ثم أحب أن يأخذ عمرة مفردة فلا بأس، وهكذا أهل مكة إذا أرادوا أخذ عمرة يخرجون إلى الحل ويأتون بعمرة، كل هذا من نعم الله العظيمة، وجزى الله عائشة خيرًا لأنها تسببت في هذا الخير العظيم فجزاها الله خيرًا.

138 - (1213) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ ، ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، -وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، مَعَنَا النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ قَالَ قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسِسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ.

الشيخ: وهذا أيضا من لطف الله ومن رحمة الله؛ إذا قدم الإنسان في أول ذي الحجة أو في آخر ذي القعدة ولم يلبِّ بالحج أو بالعمرة والحج جميعًا مشقة، كونه يبقى على إحرامه مشقة، لا يتطيب ولا يقص شاربًا ولا يقص ظفرًا قد يكون هناك مشقة كبيرة، وكذلك بعده عن أهله لا يحل له أهله، كل هذا فيه مشقة، فمن رحمة الله أن شرع الله لنا أن نتحلل، نطوف ونسعى ونقصر ونحل، ثم نلبي بالحج في يوم الثامن حتى يتمكن الإنسان من الطيب، ومن قص أظفاره، ومن قص شاربه من جماع أهله يترفه، هذا من رحمة الله وإحسانه جل وعلا إلا أن يكون معه الهدي، فإذا كان معه الهدي لا يحل، يبقى على إحرامه، وإذا علم الإنسان أنه إذا ساق الهدي بقي على إحرامه، ترك سوق الهدي حتى لا يتكلف ما هو لزوم يسوق الهدي.

139 - (1214) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ».

الشيخ: يعني مكة يوم الثامن، الأبطح يعني مكة، يسمى وادي الأبطح، الذي حل يلبي بالحج يوم الثامن متوجهًا إلى منى، وإذا اغتسل وتطيب يكون أفضل كما يفعل عند الميقات، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف» لأنه يمكث أياما ما يمس الطيب، فإذا تطيب عند إحرامه يبقى معه أثر الطيب، وكذلك غسله للنظافة عند ذهابه إلى منى يوم الثامن، وهذا في حق المتمتع، أما من بقي على إحرامه فإنه يذهب ولا يمس طيبًا، لكن لو اغتسل لا بأس للنظافة والنشاط، الغسل لا بأس، المحرم يغتسل لكن لا يتطيب حتى يحل، ولا يقلم أظفاره ولا يمس طيبًا ولا يقص شاربًا حتى يحل، لكن كونه يغتسل وهو محرم لا بأس، النبي اغتسل وهو محرم عليه الصلاة والسلام.

س: اشتراك أكثر من واحد في السبع؟

الشيخ: السبع لواحد، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة في الهدي، وفي الضحايا، والشاة عن الرجل وأهل بيته، وإذا ضحى بالسبع عنه وعن أهل بيته أجزأ؛ لأن أهل البيت كالشيء الواحد.

140 - (1215) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عبداللهِ ، يَقُولُ: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» زَادَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ: طَوَافَهُ الْأَوَّلَ.

الشيخ: يعني الذين قرنوا وساقوا الهدي طافوا طوافًا واحدًا بين الصفا والمروة، أما الذين تحللوا سعوا سعيًا ثانيًا لحجهم، والسعي الأول لعمرتهم، كما في حديث عائشة أنهم سعوا سعيا آخر، وحديث ابن عباس أيضًا كما يأتي.

141 - (1216) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القطان، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي نَاسٍ مَعِي قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالْحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ، قَالَ عَطَاءٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ، فَقُلْنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ، قَالَ: يَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ -كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا- قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِينَا، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، فَحِلُّوا، فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا، قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ: لِأَبَدٍ.

الشيخ: وهذا فيه الإخبار عن نفسه، لأنه مأمور أن يخبر عن نفسه أنه أتقى الناس لله، وأعلمهم بالله، حتى يطمئنوا، وهو أعلم الناس وأتقاهم لله، فإذا أخبرهم بشيء من العفو والصفح فليس معناه التساهل منه، ولكنه شرع من الله، فهو أعلمهم به، فإذا قال لهم: حلوا وآتوا النساء، فهذا فضل من الله، والرسول ﷺ هو أعلمهم بالله يخبرهم عن وحي ليس عن تساهل ولا عن رغبة في النساء، هو محرم، هو ساق الهدي ما يحل، لكن أخبرهم بشرع الله، وهكذا لما سمع أن قومًا قالوا: أين نحن من رسول الله، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما نحن يعني أننا على خطر؟ فقال بعضهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال بعضهم: أما أنا فلا آكل اللحم، فلما بلغه ذلك قال ﷺ: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني فيه الرحمة بالعباد حتى لا يتكلفوا ولا يشقوا على أنفسهم، يحسبون أنه متساهل، أن الله غفر له وأنه متساهل، حاشا وكلا، بل هو أصدق الناس، وأتقى الناس، وأعلم الناس بحدود الله، وأحرصهم على الخير، ولكنه يبين للأمة شرع الله.

142 - (1216) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عبدالْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَمَا نَدْرِي أَشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي، فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ.

143 - (1216) وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُكَ الْآنَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ عَطَاءٌ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عبداللهِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، وَأَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً قَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ قَالَ: افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ، فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي الحَرَامٌ، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا.

144 - (1216) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَنَحِلَّ، قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً».

145 - (1217) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عبداللهِ، فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ»، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ اللهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ، فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ، فأَبِتُّوا واتقوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ، فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ، إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ.

(1217) وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ.

146 - (1216) وحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ، وَقُتَيْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ نَقُولُ: «لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً».

الشيخ: والذي تقدم عن عمر عن اجتهاده رضي الله عنه، وأن الحج في وقت، والعمرة في وقت، ويروى عن الصديق أيضًا، ولكن هذا قول مرجوح، السنة أولى، ولهذا كان ابن عباس يفتي بخلاف ذلك، ويقول للناس: إذا قدمتم اجعلوها عمرة ثم لبوا بالحج يوم الثامن على ما فعله النبي ﷺ وأخبر به الصحابة يوم حجة الوداع، فيقول له الناس: قال أبو بكر وعمر كذا وكذا، فيقول لهم: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر"، والمعنى أن الواجب اتباع السنة وإن خالفها أبو بكر وعمر باجتهادهما، فالسنة أولى بالاتباع، وأحق بأن تتبع، والأمير والخليفة والعالم قد يجتهد وتخفى عنه السنة، فالواجب الأخذ بالسنة والتمسك بها وإن خالفها من خالفها من العلماء والكبار.

147 - (1218) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عبداللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ -وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ-: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ [البقرة:158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً.

الشيخ: يعني بعدما سعوا، بعدما طافوا وسعوا، دل على أنه لا بأس إذا نواها عمرة ولو بعد الطواف والسعي، إذا كان ما معهم هدي إذا طافوا وسعوا بنية الحج ثم أرادوا أن يجعلوها عمرة فلا بأس، ولو بعد السعي والطواف يقصرون ويحلون، ولهذا قال لهم وهو على المروة: اجعلوها عمرة.

وفيه دلالة أيضًا أن الساعي يقول على المروة في الشوط الأخير مثل ما قال في الأشواط الأخرى السابقة، يختم بالذكر والدعاء والحمد بالشوط الأخير في المروة، وهكذا عند تمام الطواف يكبر عند نهاية الشوط السابع، يستقبل الحجر ويكبر مثل ما فعل في الأشواط السابقة، يختم بالتكبير ويبدأ بالتكبير، وهكذا في السعي يقول على المروة في الشوط الأخير مثل ما قال في الأشواط السابقة.

فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا.

الشيخ: حلت مع النساء، حلت مع أزواج النبي ﷺ ملبية بعمرة.

قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُمَّ، إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا.

الشيخ: الرسول قدم بثلاثة وستين من المدينة ...

قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عبدالْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟

الشيخ: وهذا فيه أمر عظيم، وأن المسلمين إذا اعتصموا بالقرآن فإنهم لن يضلوا أبدًا، إنما يأتي الضلال من انحرافهم عن القرآن وإعراضهم عنه، فمتى اعتصموا بكتاب الله والتزموا به فلهم الهداية والسعادة، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله معلوم كتاب الله فيه الأمر بالسنة أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] فالاعتصام بكتاب الله اعتصام به وبالسنة، ولهذا في اللفظ الآخر: كتاب الله وسنتي، ففي هذا الحث على التمسك بالقرآن والعناية بالقرآن والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه حتى تفقه ما فيه، حتى تعلم.

وفيه بيان أن دماء الجاهلية موضوعة، وأمور الجاهلية موضوعة، وأن الواجب على المسلمين الأخذ بالشرع والإعراض عن أمور الجاهلية كلها، كل أمور الجاهلية التي خالفها الشرع يجب تركها من الربا، ودماء الجاهلية، وأمورهم كلها إلا ما وافقهم الشرع.

وفيه عظم حق النساء على الأزواج، وأن الواجب على الأزواج العناية بالنساء، وتقوى الله في النساء أخذهن بأمانة الله، واستحلوا فروجهن بكلمة الله، فالواجب الإحسان إليهن، وتقوى الله فيهن، ولهذا في اللفظ الآخر: استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوان عندكم، ولكم عليهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم ما تكرهون، وألا يأذن في بيوتكم من تكرهون، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح فالواجب على الرجال العناية بالنساء، ورحمة النساء، وتقوى الله في النساء، وأداء حقوقهن، وعلى النساء أن يتقين الله في الرجال، وأن يحفظن فروجهن، وأن يحسن العشرة مع أزواجهن، وأن يتقين الله في ذلك، كل واحد عليه أن يتقي الله، الزوج والزوجة، فعلى الزوج أن يتقي الله فيها، وعليها أن تتقي الله فيه، وعليهما أن يتعاونا على البر والتقوى والاستقامة على الحق.

وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

الشيخ: يقول لهم: أنتم تسألون عني يوم القيامة، يقال لكم: بلغكم محمد أو ما بلغكم محمد؟ الأمة تسأل هل بلغها محمد؟ يقول لهم ﷺ: أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، في هذا المجمع العظيم مجمع عرفة، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني اللهم اشهد عليهم أنهم اعترفوا أني بلغتهم، ونحن نشهد الآن، وكل مسلم وكل ذي بصيرة يشهد أنه قد بلغ عليه الصلاة والسلام، نشهد أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فالواجب اتباعه والسير على منهاجه لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] فالواجب على الأمة اتباعه والسير على منهاجه في توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، وفي فعل أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذا الواجب على الأمة كما قال جل وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال جل وعلا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، وقال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:155]، وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فالواجب على الأمة اتباع هذا القرآن العظيم، واتباع هذا الرسول الكريم، والسير على منهاجه، والتمسك بسنته، والتعاون في ذلك، والتواصي بذلك حتى الموت.

ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

الشيخ: يعني صلى مبكرًا، يعني أذن بعد الزوال وصلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا جمع تقديم في أول الوقت، وهذا السنة للحجاج أن يصلوا مبكرين يوم عرفة الظهر والعصر جمع تقديم قصرًا وجمعًا بأذان واحد وإقامتين تأسيًا بالنبي ﷺ، هذا هو السنة.

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا.

الشيخ: هذا السنة بعد صلاة الجمع يقف الناس في عرفات بعد صلاة الجمع -جمع تقديم الظهر والعصر- يقف الناس في عرفات مستقبلين القبلة كل واحد في مكانه، عرفة كلها موقف، يدعون الله ويذكرونه، ويرفعون أيديهم ويجتهدون في الدعاء والذكر حتى غروب الشمس، فإذا غربت الشمس غروبًا واضحًا انصرفوا إلى مزدلفة بسكينة لا بالعجلة، ولهذا كان يقول للناس: «السكينة السكينة» حتى لا يضر بعضهم بعضًا، كان النبي ﷺ يشير بيده السكينة السكينة حتى لا يضر بعضهم بعضًا، فإذا أتوا مزدلفة كما يأتي صلوا بها المغرب والعشاء.

كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.

الشيخ: وهذا هو السنة، إذا أتى مزدلفة بادر بالمغرب والعشاء قبل حط الرحال حين يصلها يبادر ولو في وقت المغرب يبادر بصلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، المغرب ثلاثة ما تقصر المغرب، والعشاء ثنتين بأذان واحد وإقامتين كما فعله النبي ﷺ، ثم بعد هذا يستريح الناس، الذي ينام، والذي يتعاطى العشاء من غير ذلك، والنبي لما صلى اضطجع عليه الصلاة والسلام.

ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا.

الشيخ: دعاه، الضمير يعود على الله، دعاه: يعني الله جل وعلا، واستغفره وهلله جل وعلا، المشعر ... هناك جبل، ومزدلفة كلها موقف، كل إنسان في محله كما قال ﷺ: وقفت ها هنا، وجمع كلها موقف كل إنسان في محله يدعو الله، ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويذكر الله مثل عرفة.

فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا.

الشيخ: هذا السنة يندفعون من مزدلفة قبل طلوع الشمس، بعد الإسفار ينصرفون إلى منى قبل طلوع الشمس، هكذا السنة.

فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى.

الشيخ: وهذا من التعليم، يخاف عليه من الفتنة، أشار بيده معناه لا تنظر إليها.

ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عبدالْمُطَّلِبِ، يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا، بَنِي عبدالْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

الشيخ: هذا حديث عظيم طويل، ساق فيه حجة النبي ﷺ رضي الله عن جابر ورحمه، وجزاه خيرًا، ساق فيه واعتنى به بحجة النبي ﷺ، وهو حديث طويل منسك مستقل رضي الله عنه ورحمه.

148 - (1218) وحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ عُرْيٍ، فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، لَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ، ثَمَّ فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ، حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ.

149 - (1218) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ، فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ.