01 من حديث: (أعتق رجل من بني عزرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله..)

41 - (997) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عبداللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ

الشيخ: وهذا فيه الحث على الصدقة والإحسان، وأنه يبدأ بأهله وبقراباته ثم يتوسع في الصدقة ها هنا وها هنا، وفيه أن الإنسان إذا كان عنده مال قليل يبدأ بنفسه، لا يعتق لا عن دبر ولا عن غير دبر، بل يبدأ بنفسه ويصرف المال في حاجته، واحتج بهذا العلماء على الحجر على المفلس، وأن المفلس يحجر عليه ويمنع لأن هذا أعتق عبدًا عن دبره، وليس له عبد غيره، فلهذا باعه النبي ﷺ وقال له: أنفق على نفسك، وفي رواية أمره أن يقضي دينه، وفيه الدلالة على أن الصدقة والإحسان تكون في الأهل أولًا، ثم في القرابات، ثم ما وراء ذلك من وجوه الخير كما قال الله جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ الآية [النساء:36]، ولما سئل النبي ﷺ: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: ثم أباك قال: ثم من؟ قال: ثم الأقرب فالأقرب.

(997) وحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَريرٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ -يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ- أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ.

42 - (998) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبداللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

الشيخ: هذا كالذي قبله، وفيه فضل أبي طلحة ومسارعته إلى الخيرات، لما سمع قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وكانت بيرحاء هذا بستان أحب أمواله إليه فتصدق به على ما يراه النبي ﷺ، فأمره النبي ﷺ أن يجعلها في الأقربين، دل على فضل الصدقة على الأقربين والإحسان إلى الأقربين لما في من صلة الرحم، وفيه الصدقة، وفيه صلة الرحم، وفي حديث سلمان بن عامر الضبي قال ﷺ: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة أخرجه مسلم.

43 - (998) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَأُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي بَرِيحَا لِلَّهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ قَالَ: فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.

44 - (999) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ.

الشيخ: وهذا كالذي قبله فيه الدلالة على فضل الصدقة في الأقارب، ولهذا قال لميمونة: أما إنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك أعظم من العتق، كانت ميمونة أعتقتها فقال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك يعني المحتاجين لو أعطتها واحدًا منهم، أو باعتها وقسمت ثمنها بينهم.

وفيه من الفوائد: أنه لا بأس أن تتصرف المرأة بغير إذن زوجها، لا حرج أن تعتق أو تتصدق من مالها بغير إذن زوجها؛ لأن ميمونة أعتقت الجارية ولم تشاور النبي ﷺ، ولهذا قال لما سألها أخبرته وقال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك ولم يعترض عليها، وهكذا كان يأمر بلالا إذا فرغ من صلاة العيد أن يأتي النساء في المصلى فيقبض منهن الصدقة، كان النبي ﷺ يأمرهن بالصدقة ويتصدقن، ولم يقل لهن: لا تصدقن إلا بإذن أزواجكن، دل على أن المرأة تتصدق، تنفق من مالها من دون أن تستأذن زوجها لا حرج، أما حديث: لا يحل لامرأة عطية إلا بإذن زوجها فهو حديث ضعيف، وقع فيه غلط من بعض الرواة، وصواب الحديث: لا يحل لامرأة عطية من مال زوجها إلا بإذنه ما هو من مالها هي، من مال زوجها إلا بإذنه، أما مالها فلها التصرف فيه إذا كانت رشيدة.

45 - (1000) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عبداللهِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عبداللهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عبداللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ هُمَا؟ فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عبداللهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ.

الشيخ: وهذا ما جاء في الحديث السابق حديث سلمان بن عامر الضبي الصدقة على القرابة اثنتان صدقة وصلة.

س: هذا في الزكاة أيضًا؟

الشيخ: هذا في الصدقة على زوجها وأولادها، أما الزكاة لا تعطاها الأولاد، الزكاة يعطاها غير الأولاد.

س: والزوج؟

الشيخ: الزوج محل نظر، محل خلاف، والقول بجواز إعطاء الزوج لا بأس، لأن الزوج أجنبي ما هو بولد لها.

س: ولو أعطته وأنفقه على أولادها؟

الشيخ: ولو، ينفقه فيما يشاء.

46 - (1000) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبداللهِ قَالَ: فَذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبداللهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً، قَالَ قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَآنِي النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ.

47 - (1001) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ.

(1001) وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ح وحَدَّثَنَاه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عبدالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ.

الشيخ: وفيه الحث على النفقة، وأنه ينبغي للمؤمن والمؤمنة النفقة والصدقة وعدم البخل والشح، لأن الله يقول سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، وقال جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، وقال جل وعلا: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقال جل وعلا: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، ففي هذا الحث على الصدقة والإنفاق، وأن المؤمن يتصدق على قريبه وعلى غير قريبه، وعلى السائل ومن يعرف حالهم بالحاجة ولو قليل، ولو بالقليل القليل مع القليل، ينفع الفقير درهم مع درهم، وتمرة مع تمرة تنفع الفقير ولا تضر المنفق، ولهذا يقول ﷺ في الحديث الصحيح: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة أخرجه الشيخان في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم.

وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: ما من عبد يتصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا تقبلها الله بيمينه فيريبها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل تمرة تكون مثل الجبل إذا كان من كسب طيب وعن إخلاص لله يعطيها بعض الفقراء تمرة أو تمرتين، أو لقمة أو لقمتين، أو درهم أو درهمين، أو ما أشبه ذلك، ولا يقل هذا قليل لا، يعطي ولو قليل، ربنا جل وعلا يرضى منك بالصدقة ولو بالقليل، والفقير تنفعه الصدقة، إذا أعطاه زيد درهم والآخر درهم والآخر درهم تجمعت.

س: الرجل يتصدق على زوجات أولاده؟

الشيخ: إذا كن فقيرات، أولاده فقراء نعم.

(1001) وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ح وحَدَّثَنَاه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عبدالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ.

48 - (1002) حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عبداللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً.

(1002) وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ح وحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ.

49 - (1003) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبداللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَوْ رَاهِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا، قَالَ: نَعَمْ.

الشيخ: وهذا في وصل الكفرة، وأنه لا بأس بالصدقة على الكافر إذا كان ليس بحربي لأنه قد يهتدي بسببها من باب التأليف، والله جعل للمؤلفة قلوبهم حقًا في الزكاة وبيت المال، فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قدمت عليها أمها أيام الهدنة، وكانت أمها كافرة، فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة -يعني في الصدقة- أفأصلها؟ قال النبي ﷺ: صليها وهي على دين قومها، وهي أم أسماء وليست أم عائشة، عائشة أختها من الأب.

س: راغبة في الصدقة أو في الإسلام؟

الشيخ: لا، في الصدقة، في المساعدة يعني.

س: هذا رجل نصراني وقف في المستشفى ويريد جمع مال لأجل يعمل عملية؟

الشيخ: الصدقة عليه مشروعة ما هو بحربي، الصدقة طيبة على مريض في المستشفى كافر، أو مستأمن محتاج، أو ما أشبهه، أو معاهد محتاج، فالصدقة فيه فيها أجر عظيم، لكن في المسلمين أفضل إذا وجد هذا وهذا، فالمسلم أفضل، ولكن إذا جاد على هذا وعلى هذا وتصدق على هذا وعلى هذا؛ فهذا له الأجر العظيم.

س: إذا كان يضع الصليب على يده أو على صدره؟

الشيخ: ولو علق بالصليب، الشرك بالله أعظم، عبادة عيسى أعظم، وعبادة مريم أعظم من الصليب، ومع هذا يعطى، يتصدق عليه تأليفًا له، الله قال: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60].

س: إذا أنفق الرجل المسلم على أهله نفقة ولم يحتسبها هل تكون له صدقة؟

الشيخ: يرجى له الخير لأن في بعض الروايات عدم القيد نفقة الرجل على أهله صدقة، لكن إذا احتسبها يكون أكمل وأفضل.

50 - (1003) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ.

51 - (1004) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبداللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ، إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

الشيخ: وهذا فيه الصدقة عن الميت، وأن الصدقة على الميت تنفع الميت، ولهذا قالت: يا رسول الله أو علي حرج إن تصدق عنها، فالصدقة على الميت تنفعه، يقول النبي ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له والدعاء ينفع الميت، والصدقة تنفع الميت، والصدقة على الكافر والهدية له من أسباب إسلامه، يقول صفوان بن أمية: «ما كان أحد أبغض إلي من رسول الله ﷺ، فما يزال يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إليّ».

س: هم الرؤساء فقط المؤلفة قلوبهم وإلا عام؟

الشيخ: المعروف أنهم الرؤساء والكبار الذين يقتدى بهم، وإذا أعطى غيرهم لا بأس، لكن الزكاة تكون في المؤلفة قلوبهم الذين لهم شأن، الرؤساء والكبار الذين لهم شأن، أما عامة الكفار لا يعطي المسلمين، لكن الرؤساء كما ذكر جمع من أهل العلم، هم الرؤساء والسادة الذين بإعطاهم وبإسلامهم يسلم من وراءهم ويقوى إيمان من أسلم، أما الصدقة التطوع في كل أحد، في الرئيس وغير الرئيس من الكفرة وغير المسلمين، الصدقة التطوع أوسع.

س: الرافضة؟

الشيخ: الرافضة فيهم تفصيل، الرافضة عباد آل البيت وهم كفرة، إذا أعطاه يتألفه على الإسلام ويدعوه إلى الإسلام ويعطيه يتألفه من هذه الطريقة لا بأس.

(1004) وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ح وحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ح حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَلَمْ تُوصِ، كَمَا قَالَ: ابْنُ بِشْرٍ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ.

52 - (1005) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ -فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّكُمْ ﷺ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ:- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ.

الشيخ: وفي قوله ﷺ: كل معروف صدقة الدلالة على سعة الخير، وأن كل معروف تفعله مع أخيك صدقة، تبش في وجهه، تكلمه بكلمة طيبة، تبدأه بالسلام، تسأله عن أحواله، ترشده إذا أخطأ الطريق إلى غير هذا، كل معروف يعتبر صدقة تؤجر عليها مع إخوانك ومع غيرهم ممن تحسن إليهم يعتبر صدقة، ما هو الصدقة محصورة في المال، المال صدقة لكن حتى غير المال، كل معروف من الكلام الطيب والإرشاد إلى الخير والتوجيه إلى الخير والمساعدة التي تنفع أخاك تعتبر صدقة.

س: إعطاء الكافر من الأضحية؟

الشيخ: ما في مانع صدقة تطوع.