بَاب التَّوَاضُعِ
6501- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ -كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ نَاقَةٌ- قَالَ. ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ تُسَمَّى: العَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: سُبِقَتِ العَضْبَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ.
الشيخ: وهذا واضحٌ في التواضع، وفي أنَّ هذه الدار ليست محلَّ تمام النعيم، فإنها منغصة ويعتريها ما يعتريها من النَّقص، حتى ولو كان الرسلُ وهم أفضل الخلق عليهم الصلاة والسلام يُصيبهم من اللَّأْواء والبلاء ما يُصيبهم، فلهذا العضباء كانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعودٍ فسبقها في المسابقة، فشقَّ ذلك على الناس، وبيَّن ﷺ أنَّ هذه الدنيا ما هي دار نعيم، ولا دار كمال، ولكنها دار امتحان، ودار عبادة، ودار عمل، أيش قال الشارحُ على: إنَّ حقًّا على الله؟
الطالب: ما تكلم، قال: مضى في الجهاد .......
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّوَاضُعِ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الضِّعَةِ -بِكَسْرِ أَوَّلِهِ- وَهِيَ الْهَوَانُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَاضُعِ: إِظْهَارُ التَّنَزُّلِ عَنِ الْمَرْتَبَةِ لِمَنْ يُرَادُ تَعْظِيمه، وَقيل: هُوَ تَعْظِيم مَن فَوْقه فَضله، وَذكر فِي حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ النَّاقَةِ لَمَّا سُبِقَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ "الْجِهَادِ" فِي بَابِ نَاقَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَغَفَلَ عَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْءٌ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ، فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْحَثِّ عَلَى عَدَمِ التَّرَفُّعِ، وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَاضُعِ، وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا نَاقِصَةٌ غَيْرُ كَامِلَة.
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: فِيهِ هَوَانُ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَانَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الضِّعَةِ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ أَنْ يَزْهَدَ فِيهِ، وَيُقِلَّ مُنَافَسَتَهُ فِي طَلَبِهِ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي التَّوَاضُعِ مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّ النَّاسَ لَوِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الدُّنْيَا لَزَالَتْ بَيْنَهُمُ الشَّحْنَاءُ، وَلَاسْتَرَاحُوا مِنْ تَعَبِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ أَيْضًا حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَوَاضُعُهُ؛ لِكَوْنِهِ رَضِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُسَابِقُهُ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَابَقَةِ، وَزُهَيْرٌ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ هُوَ ابن مُعَاوِيَةَ، أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ، وَمُحَمَّدٌ فِي السَّنَدِ الثَّانِي هُوَ ابن سَلَامٍ.
الشيخ: ولعله "لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه" هذا محلُّ نظرٍ من بعض أهل العلم، وقال: لعلَّ الرواية: "ألا يرتفع"، وأما ما رفعه الله فلا يُوضَع، ولكن أمر مقيد: إذا رفع شيئًا من الدنيا، أمور الدنيا محل زوال، ومحل تغير، فليس في اللفظ إشكال: "ألا يرفع شيئًا من الدنيا"، أو "ألا يرتفع شيء من الدنيا"، كله معناه متقارب، بخلاف مَن رفعه الله بالعبادة والطاعة، فهذا لا يُوضَع، لا يزداد إلا قُربًا من الله، مَن رفعه الله بالإخلاص والصدق والعمل الصالح فهذا إلى ارتفاعٍ، وإلى علوٍّ، وإلى فضلٍ، لا يُوضع، وإنما المراد الدنيا؛ فقد ترتفع، قد يرفع الإنسانُ فيها بأسبابٍ: من ملك، أو تجارة، أو وظيفة، أو غير ذلك، ثم تتغير الأحوال فيحصل الوضع.
والمقصود جنس هذه الأمور: "ألا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه" يعني جنس أمور الدنيا، وليس المعنى أنَّ كل شيءٍ يرفع يُوضع، فهذه ناقة اشتهرت بالسبق والقوة وقوة العدو، ثم جاء هذا الأعرابي بقعودٍ فسبقها؛ ليُبين سبحانه وتعالى أنَّ هذه الأمور يعتريها ما يعتريها، وأن الناقة أو الفرس أو الإنسان وإن بلغ ما بلغ في القوة والعدو ونحو ذلك، فقد يأتي مَن هو أقوى منه وأسرع منه؛ ليُبيّن سبحانه حال هذه الدنيا، وأنها متفاوتة مختلفة، وأنه يعتريها النَّقص، فقد يضعف القوي، وقد يجهل بعض أموره العالم، وقد يعتري السابق والقوي ما يحجزه أو يعوقه عن السبق، إلى غير هذا من الأسباب التي يُقدِّرها .
س: .............؟
ج: السباق كله طيب: بالإبل، والعدو على الأقدام، والخيل، السباق لا بأس به، لكن الكلام في مسألة العوض، العوض لا يكون إلا في الإبل والخيل والنصال –الرمي- هذا محل السبق، يعني العوض؛ لقول النبي ﷺ: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ، الخف للإبل، والحافر للخيل، والنصل للرمي.
الشيخ: ما عندك: ولا بدَّ له منه؟
الطالب: لا يا شيخ.
الشيخ: في النسخ الأخرى، أيش قال الشارح؟ تكلم على محمد بن عثمان بن كرامة شيخه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ، هُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِ، مِنْهُمْ: خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ شَيْخُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ كَثِيرًا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، مِنْهَا فِي بَابِ "الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْجُبْنِ" فِي كِتَابِ "الدَّعَوَاتِ"، وَهُوَ أَقْرَبُهَا إِلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَطاء) هُوَ ابن يَسَارٍ، وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقِيلَ: هُوَ ابن أَبِي رَبَاحٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِيبُ، وَسَاقَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدٍ مِنَ "الْمِيزَانِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ فِيهِ: لَهُ مَنَاكِيرُ. وَقَوْل أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأخرج ابن عَدِيٍّ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ مِنْ حَدِيثِهِ اسْتَنْكَرَهَا، هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، لَوْلَا هَيْبَةُ الصَّحِيحِ لَعَدُّوهُ فِي مُنْكَرَاتِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، فَإِنَّ هَذَا الْمَتْنَ لَمْ يُرْوَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَا خَرَّجَهُ مَنْ عَدَا الْبُخَارِيّ، وَلَا أَظُنُّهُ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ".
قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" جَزْمًا، وَإِطْلَاقُ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا الْمَتْنُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْدُودٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَشَرِيكٌ شَيْخُ شَيْخِ خَالِدٍ فِيهِ مَقَالٌ أَيْضًا، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ الَّذِي زَادَ فِيهِ وَنَقَصَ، وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَتَفَرَّدَ فِيهِ بِأَشْيَاءَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، كَمَا يَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ مُسْتَوْعَبًا فِي مَكَانِهِ، وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا:
مِنْهَا: عَنْ عَائِشَةَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "الزّهْد"، وابن أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الزُّهْدِ" مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ مَيْمُون، عَن عُرْوَة، عَنْهَا، وَذكر ابن حبَان وابن عَدِيٍّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. لَكِنْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُرْوَةَ إِلَّا يَعْقُوبُ وَعَبْدُالْوَاحِدِ.
وَمِنْهَا: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الزُّهْدِ" بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
وَمِنْهَا: عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي "مُسْند عَليٍّ"، وَعَن ابن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَسَنَدُهُمَا ضَعِيفٌ، وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا، وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مُخْتَصَرًا، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أخرجه ابن مَاجَهْ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" مُخْتَصَرًا، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مَقْطُوعًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ"، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ"، وَفِيه تعقُّب على ابن حِبَّانَ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا طَرِيقَانِ -يَعْنِي غَيْرَ حَدِيثِ الْبَابِ- وَهُمَا: هِشَامٌ الْكِنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ، وَعَبْدُالْوَاحِدِ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ.
قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَدَّثَ بِهِ عَنْ جِبْرِيلَ، عَنِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِمُ بِاللَّهِ، الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ، الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ.
الشيخ: وضابطه مثلما قال الله في كتابه العظيم، الولي: هو المؤمن المطيع لله ولرسوله، وأولياء الله هم أهل الإيمان من الرجال والنساء، من كل جنس: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62- 63]، عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34]، فأولياء الله هم أهل التقوى والإيمان، أهل الطاعة والاستقامة، لا أهل الشَّعوذة كما يظنّ بعضُ الناس من أهل التَّصوف، وإنما أولياء الله هم أهل الإيمان والتَّقوى.
الطالب: وَقَدِ اسْتُشْكِلَ وُجُودُ أَحَدٍ يُعَادِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَمِنْ شَأْنِ الْوَلِيِّ الْحِلْمُ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ يَجْهَلُ عَلَيْهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَثَلًا، بَلْ قَدْ تَقَعُ عَنْ بُغْضٍ يَنْشَأُ عَنِ التَّعَصُّبِ: كَالرَّافِضِيِّ فِي بُغْضِهِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَالْمُبْتَدِعِ فِي بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ، فَتَقَعُ الْمُعَادَاةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْوَلِيِّ فَلِلَّهِ تَعَالَى وَفِي اللَّهِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْفَاسِقُ الْمُتَجَاهِرُ بِبُغْضِهِ الْوَلِيَّ فِي اللَّهِ.
الشيخ: على قوله: ما ترددتُ آخره: ولا بدَّ له منه؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: تَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِهِ، وَوَقَعَ فِي "الْحِلْيَةِ" فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ.. إِلَخْ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَلَكِنْ لَهُ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ مِنْ دَاءٍ يُصِيبُهُ، وَفَاقَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، فَيَدْعُو اللَّهَ فَيَشْفِيهِ مِنْهَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مَكْرُوهَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ كَتَرَدُّدِ مَنْ يُرِيدُ أَمْرًا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فَيَتْرُكُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَائِهِ إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ الْفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ، وَاسْتَأْثَرَ بِالْبَقَاءِ لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَا رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رَوَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَمَا كَانَ مِنْ لَطْمَةِ عَيْن مَلَكِ الْمَوْتِ، وَتَرَدُّدِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
قَالَ: وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ: عَطْفُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلُطْفُهُ بِهِ، وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْكَلَابَاذِيُّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ صِفَةِ الْفِعْلِ بِصِفَةِ الذَّاتِ، أَيْ: عَنِ التَّرْدِيدِ بِالتَّرَدُّدِ، وَجَعَلَ مُتَعَلَّقَ التَّرْدِيدِ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الْعَبْدِ مِنْ ضَعْفٍ وَنَصَبٍ إِلَى أَنْ تَنْتَقِلَ مَحَبَّتُهُ فِي الْحَيَاةِ إِلَى مَحَبَّتِهِ لِلْمَوْتِ فَيُقْبَضُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدْ يُحْدِثُ اللَّهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ، وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ، وَالْمَحَبَّةِ لِلِقَائِهِ مَا يَشْتَاقُ مَعَهُ إِلَى الْمَوْتِ، فَضْلًا عَنْ إِزَالَةِ الْكَرَاهَةِ عَنْهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَيَسُوءُهُ، وَيَكْرَهُ اللَّهُ مُسَاءَتَهُ، فَيُزِيلُ عَنْهُ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ؛ لِمَا يُورِدُهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَهُوَ لَهُ مُؤْثِرٌ، وَإِلَيْهِ مُشْتَاقٌ.
قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ تَفَعَّلَ بِمَعْنَى: فَعَلَ، مِثْلَ: تَفَكَّرَ وَفَكَّرَ، وَتَدَبَّرَ وَدَبَّرَ، وَتَهَدَّدَ وَهَدَّدَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكِيبُ الْوَلِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعِيشَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَعُمُرُهُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ سَبْعُونَ، فَإِذَا بَلَغَهَا فَمَرِضَ دَعَا اللَّهَ بِالْعَافِيَةِ فَيُحْيِيهِ عِشْرِينَ أُخْرَى مَثَلًا، فَعَبَّرَ عَنْ قَدْرِ التَّرْكِيبِ وَعَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ بِحَسب الأجل الْمَكْتُوب بالتردد.
وَعبر ابنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ التَّرَدُّدَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ الرُّوحَ، وَأَضَافَ الْحَقُّ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ تَرَدُّدَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ، قَالَ: وَهَذَا التَّرَدُّدُ يَنْشَأُ عَنْ إِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إِذَا أُمِرَ الْمَلَكُ بِالْقَبْضِ كَيْفَ يَقَعُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ؟
فَالْجَوَابُ: أَنه يتَرَدَّد فِيمَا لم يُحَدّ لَهُ فِيهِ الْوَقْتُ، كَأَنْ يُقَالَ: لَا تَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا إِذَا رَضِيَ.
ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابًا ثَالِثًا وَهُوَ: احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّرَدُّدِ اللُّطْفَ بِهِ، كَأَنَّ الْمَلَكَ يُؤَخِّرُ الْقَبْضَ، فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى قَدْرِ الْمُؤْمِنِ وَعِظَمِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا احْتَرَمَهُ، فَلَمْ يَبْسُطْ يَدَهُ إِلَيْهِ، فَإِذَا ذَكَرَ أَمْرَ رَبِّهِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنِ امْتِثَالِهِ.
وَجَوَابًا رَابِعًا وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا لَنَا بِمَا نَعْقِلُ، وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، فَكَمَا أَنَّ أَحَدَنَا يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ وَلَدَهُ تَأْدِيبًا فَتَمْنَعُهُ الْمَحَبَّةُ وَتَبْعَثُهُ الشَّفَقَةُ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْوَالِدِ كَالْمُعَلِّمِ لَمْ يَتَرَدَّدْ، بَلْ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى ضَرْبِهِ لِتَأْدِيبِهِ، فَأُرِيدَ تَفْهِيمُنَا تَحْقِيقَ الْمَحَبَّةِ لِلْوَلِيِّ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ.
وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ احْتِمَالًا آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ الْمُؤْمِنِ بِالتَّأَنِّي وَالتَّدْرِيجِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ: "كُنْ" سَرِيعًا دَفْعَةً.
قَوْلُهُ: يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: إِنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أكره مُساءته، زَاد ابن مخلد عَن ابن كَرَامَةَ فِي آخِرِهِ: وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ وَهْبٍ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الزُّهْدِ".
الشيخ: فقط، كذا عندكم في العيني؟
الطالب: ما تكلَّم عليه.
الشيخ: يكفي، المقصود أنَّ هذا الذي أشكل على كثيرٍ من الشُّراح: ما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض .. هذا ليس فيه إشكال، فإن التردد من صفة المخلوق عن الشكِّ، وعن عدم العلم بالعواقب، فيتردد: ما هو الأحسن؟ وما هو الأصلح؟ أما في حقِّ الرب عز وجل فهو تردد يليق به سبحانه وتعالى، لا يُشبه تردد المخلوقين، تردد يليق به ، ليس عن شكٍّ، ولا عن جهلٍ، بل هو العالم بكل شيءٍ، ولكنه تردد يليق به سبحانه وتعالى، مقتضاه رحمته لعبده، وعطفه عليه، وإحسانه إليه، فلا يكون هذا التردد نقصًا، ولا شبيهًا بما يقع للمخلوقين، وإنما هو تردد يليق به، لا يعلم كيفيته ولا كنهه إلا سبحانه، كما نقول في بقية الصفات في كنهها وكيفيتها، إنما نؤمن بها ونقرها كما جاءت، ونعلم أنها حقٌّ، وأن معناها لائق بالله على الوجه الذي يُناسبه سبحانه، لا على وجه المشابهة للمخلوقين، عندنا قاعدة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74]، فهو تردد لائقٌ به سبحانه، لا يتضمن نقصًا، ولا شكًّا، ولا جهلًا، ولكنه تردد يليق بالله ، من مقتضاه رحمته لعبده، وإحسانه إليه، ولطفه به ، وكراهة ما يُؤذيه.
س: ..............؟
ج: الرسل من أولياء الله يقينًا، والأنبياء من أولياء الله، والمؤمنون من أولياء الله، كل مؤمنٍ هو من أولياء الله، فمَن عادى المؤمنين فقد عادى أولياء الله، مَن عادى أهل الاستقامة في طاعة الله فقد عادى أولياء الله، هم مؤمنون، لكن الإنسان لا يُزَكِّي نفسه، يقول: أنا ولي الله؛ لأنه لا يدري؛ قد يكون قصَّر، لكن في نفس الأمر المؤمنون هم أولياء الله، المطيعون لله، المتبعون لشريعته هم أولياء الله.
س: قوله: كنتُ سمعه وبصره ..؟
ج: يعني: تسديده وتوفيقه لهذا الشيء؛ لأنه قال بعده: ولئن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وفي اللفظ الآخر: وبي يسمع، وبي يُبصر، وبي يمشي يعني: أنه يُوفَّق في حركاته، وفي سكناته، وفي حواسه، وفي جوارحه، بسبب طاعته لله، وإيمانه به، وتقواه لله؛ يُوفَّق في أعماله وتصرُّفاته، هذا من ثواب الله له؛ أنه يُوفِّقه للعمل الصالح، ولإصابة الحقِّ فيما يأتي ويذر.
س: .............؟
ج: ما أعرف شيئًا من هذه الألفاظ، تقع في كلمات بعض الناس، لكن ما أعرف فيها شيئًا.
س: ..............؟
ج: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب فالواجب على المؤمن أن يتواضع، ولا يُعادي أولياء الله، ولا يتكبر عليهم، ولا يُؤذيهم، بل يعرف لهم حقَّهم وفضلهم؛ لأنهم أولياؤه وأهل طاعته، فلا يجوز له أن يُؤذيهم، ولا يتكبَّر عليهم، ولا يُظهر أنه فوقهم؛ لأنَّ هذا شيء من الأذى، فينبغي للمؤمن أن يعرف قدر أخيه، وأن يحترم أخاه، وأن يتواضع معه، ولا يتكبر عليه، لا في كلامه، ولا في أفعاله، وإن كان لا يعلم أنه ولي فقد يكون وليًّا من أولياء الله وهو لا يدري، لم يعرف حاله، فإن الأولياء ليس كل واحدٍ يعرف أحوالهم، إنما يعرف أحوالهم مَن خالطهم وعرف أعمالهم، فمَن خالطهم وعرف أعمالهم بتقوى الله، والإيمان به، والاستقامة عليه، فقد يقول أنهم من أولياء الله، إذا كانت أعمالهم على ما ظهر منها، ولهذا تقدَّم لكم قوله ﷺ: وجبت، وجبت، مَن أثنى عليه المسلمون خيرًا وجبت له الجنة، أنتم شُهداء الله في أرضه.
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ
وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النحل:77]
6503- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة هَكَذَا، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّ بِهِمَا.
الشيخ: هكذا السَّبَّاحة والوُسطى، يعني: قريب، هو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وليس بعده نبي، ليس بعده إلا الساعة، ولا يزال الأمر يشتد غربةً حتى يقبض الله أرواح المؤمنين في آخر الزمان والمؤمنات، فيبقى الأشرارُ، فعليهم تقوم الساعة، فهو نبي الساعة: بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، فالمعنى أنه ليس بعده نبي، بل تقوم الساعةُ على عقبه، على أتباعه بعدما يقبض الله أرواح المؤمنين.
ويدل هذا على أنَّ ما مضى من الدنيا هو الأكثر، وما بقي منها إلا القليل، مثل: ما بين أصبعيه، الذي بينهما قليل، فالماضي أكثر، فالمعنى: أنَّ ما مضى منها هو الأكثر، مضى أكثرها، ومضى معظمها، ولم يبقَ إلا القليل الذي تقوم الساعةُ فيه.
6504- حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ -هُوَ الجُعْفِيُّ- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ.
6505- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ يَعْنِي: إِصْبَعَيْنِ.
تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ.
بَاب طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
6506- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلا يَطْعَمُهَا.
الشيخ: يعني: اللقمة، الأكلة: اللقمة، والمعنى: أنها تقوم الساعة على الناس وهم في شغلهم، وفي غفلتهم، كلٌّ مشغول في شأنه، فتهجم عليهم الساعةُ، وتقوم عليهم وهم في غفلةٍ وسكرةٍ، بعدما قبض الله المؤمنين والمؤمنات تقوم الساعة والناس على أعمالهم التي اعتادوها، فهذا مع صاحبه قد مدَّ الثوبَ أو نحو الثوب ليتبايعا، فتهجم الساعةُ عليهم، فلا يطويانه، ولا يتم بيعه، وتقوم الساعة والآخر بيده اللبن قد حلبه من لقحته -من ناقته- فتقوم الساعةُ وهو بيده لا يشربه، وتقوم الساعة واللقمة في يده فلا يأكلها، وتقوم الساعة قد لاط حوض إبله وأعدَّ الحوض ليسقي الإبل، فتقوم الساعة والحوض لم تشرب منه الإبل، ولم يأتِ فيه الماء.
المعنى: أنها تقوم الساعة وهم على غفلتهم وأشغالهم، والآخر تقوم الساعة والفسيلة بيده –الحيشة، النخلة- يريد أن يغرسها فلا يغرسها، والله المستعان.
س: ..............؟
ج: مرت بهم العلامات، ومرت على غيرهم، وهم بقوا في سكرتهم، تهجم عليهم الساعة وهم في سكرتهم، ولهذا يقول ﷺ: لا تقوم الساعةُ إلا على شرار الخلق، يبقون كبهيم الأنعام، يتهارجون تهارج الحمر في الأسواق، وفي الطُّرقات، ينكح بعضُهم بعضًا، نسأل الله العافية.
س: يُرفع القرآن؟
ج: يُرفع القرآن، ويُرفع الدين كله، ما يبقى شيء، ما يبقى إلا الكفر -نسأل الله العافية- ولهذا قال: إذا طلعت الشمسُ من مغربها آمن الناسُ كلهم لكن لا ينفعهم ذلك؛ لأنَّ طلوعها من مغربها علامة ظاهرة، فلهذا إذا رآها الناسُ آمنوا كلهم، لكن لا ينفعهم، لا ينفع الذين كانوا كفَّارًا إيمانهم بعدما رأوا طلوع الشمس من مغربها، نسأل الله السلامة: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، فالأمر محدد بطلوع الشمس من مغربها، متى طلعت من مغربها خُتم على الأعمال، فالمؤمن على إيمانه، والكافر على كفره -نسأل الله العافية- ثم يبعث الله ريحًا طيبةً مسّها مسّ الحرير، فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقَ إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية.
بَاب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ
6507- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ! قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
الشيخ: وهذا تفسير مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومَن كره لقاءَ الله كره اللهُ لقاءَه، هذا تفسيره: أن المؤمن إذا حضره أجلُه بُشِّر برحمة الله ورضوانه، فعند هذا يُحبُّ لقاء الله، فيُحبّ الله لقاءه، والكافر متى نزل به الأمرُ بُشِّر بعقاب الله وعذابه وبغضبه فيكره لقاء الله، فيكره الله لقاءه، نسأل الله العافية، لا حول ولا قوة إلا بالله.
6508- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
6509- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، قُلْتُ: إِذًا لا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ.
الشيخ: يعني: عرفت أنه خير، وأنه اختار ربَّه، واختار الرفيق الأعلى المذكور في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى.
س: ..............؟
ج: لا مُنافاة في تلك الساعة، فقط على فخذها ثم اعتدل.
س: ............؟
ج: هذه رواية، لكن المحفوظ في "الصحيحين": ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه، وهم بعضُ الرواة فقال: تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم يمينُه ما تُنفق شماله، هذا وهمٌ من بعض الرواة، تقع بعض الأشياء من هذا ولا يضرّ؛ لأن "الصحيحين" ...... وأثبتاه، فقد يقع من بعض الرواة غلط في بعض الروايات، هذا يقع في الصحيح وغير الصحيح، لكن أحاديث "الصحيحين" كلها محفوظة، سوى حديثٍ واحدٍ عند مسلم: إنَّ الله خلق ..... يوم السبت .. إلى آخره، وقع فيه بعضُ الغلط.
س: ...........؟
ج: هذا حديث أيضًا وهم من ابن عباس، وهو حديثٌ صحيحٌ عن ابن عباسٍ، لكن هو الذي وهم -ابن عباس- ظنَّ أنه تزوَّجها وهو محرم، والصواب أنه تزوَّجها وهو حلال، هذا ما هو غلط في الرواية، غلط في الفهم من ابن عباس.
س: ...............؟
ج: بعض الألفاظ .... صحح بعضُهم هذا اللفظ، لكن أصل الحديث صحيح، هذا وقع في كل كتابٍ.
س: حديث الجساسة؟
ج: صحيح في "مسلم"، المقصود أن "الصحيحين" تلقَّاهما أهلُ العلم والإيمان بالقبول، وهما كتابان عظيمان، تلقَّاهما الأئمةُ بالقبول، يعني: ما فيهما من الأحاديث المسندة الصحيحة والمعلَّقة في الصحيح فقد تقبَّلها الأئمةُ، لكن وجود بعض الألفاظ وبعض الأغلاط وبعض الوهم من بعض الرواة هذا ما يمنع.
س: .............؟
ج: ثابت، حديث ابن صياد ثابت، لكن الشكَّ: هل هو الدجال أو ما هو الدجال؟ هذا محل الشكِّ.
بَاب سَكَرَاتِ المَوْتِ
6510- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ –أَوْ: عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، يَشُكُّ عُمَرُ- فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: العُلْبَةُ مِنَ الخَشَبِ، وَالرَّكْوَةُ مِنَ الأَدَمِ.
الشيخ: وهذا رسول الله ﷺ اشتدَّ به الأمرُ عند الموت عليه الصلاة والسلام، فقد جعل يُدخل يديه في الماء، ثم يمسح وجهه ويقول: إنَّ للموت سكرات، ثم رفع يده وقال: اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى يعني: المذكورين في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: لأنَّ الساعة ساعتان: موت الإنسان هذه الساعة الصغرى، والقيامة الصغرى، وموت الأمة كلها، والجماعة كلها، هذه الساعة الكبرى، والقيامة الكبرى -والله المستعان- فكل مَن مات فقد قامت قيامته، والله المستعان.
الشيخ: ويقول هذا ﷺ ترغيبًا لأهل الإيمان في الثبات، وتحذيرًا لأهل الكفر والفجور مما هم فيه من الباطل، ولهذا لما مُرَّ عليه بجنازةٍ قال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح؟ وما المستراح منه؟ قال: المؤمن إذا مات يستريح من نصب الدنيا وأذاها يعني: من تعبها ونكدها إلى راحة الله وفضله ، وإلى ما يحصل له من النَّعيم في قبره حتى ينقل إلى الجنة، أما الفاجر فتستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب؛ لأنَّ فجوره وشرَّه وفساده يضرُّ المجتمع: يضرُّ العباد، ويضر البلاد، ويضر الدواب، ويضر الشجر بمنع الخير، إلى غير هذا مما يتسبب عن فجوره وشرِّه، نسأل الله العافية.
6513- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِرَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ.
6514- حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ.
الشيخ: وهذا فيه الحثُّ على الذي يبقى معك وهو العمل، هذا حثٌّ من النبي ﷺ على العناية بالعمل الصالح، هو الذي يبقى مع الإنسان في قبره، وفي نشوره، ووقوفه بين يدي الله، حتى يصل إلى الجنة، أو إلى النار، فهذا هو الذي ينبغي للمؤمن: أن يكون حريصًا على صلاح العمل، وسلامة العمل مما يضرُّه.
وإذا مات الميتُ تبعه ثلاثةٌ: أهله وماله وعمله، يعني: غالبًا إذا كان في بلدٍ له أهل ومال، وقد يكون في بلد غربةٍ ما عنده أهلٌ ولا مالٌ، لكن مقصود النبي ﷺ الأغلب، يتبعه أهله: كزوجها، وأخيها، وعمِّها، وأخيه، وأبيه، وعمه، وأقاربه، وماله، كذلك يتبعه أدوات الحفر مثلًا التي يحفر بها، أو ما أشبه ذلك مما قد يتبعه من أوانٍ للماء، أو لغير هذا، أو أصدقاؤه بسبب المال ومحبَّة المال، فإذا دُفن رجع هؤلاء، رجع الأهلُ والمالُ، ويبقى العملُ معه.
وجاء في الحديث أنه إذا سُئل وفرغ إن كان مؤمنًا جاءه عمله في أحسن صورةٍ، وأحسن رائحةٍ، فقال له: أبشر، فيقول: مَن أنتَ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، قال: أنا عملك الصالح، وإن كان بخلاف ذلك إذا سُئل وارتاب وضُرب -نسأل الله العافية- يأتي عمله في أبشع صورةٍ، فيقول له: أبشر بما يسوؤك، قال: مَن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالشرِّ، قال: أنا عملك الخبيث، نسأل الله العافية.
الشيخ: وهذا ما جاء في الحديث الآخر: القبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرةٌ من حُفر النار، فإما مُعذَّب، وإما مُنَعَّم، هو مبدأ للآخرة في النعيم والعذاب، فيُعرض عليه مقعده من الجنة، ومقعده من النار، فيأتي المؤمنَ شيءٌ من ريحها وطيبها، ويأتي الكافرَ شيءٌ من شرِّها وسمومها وعذابها -نسأل الله العافية- و..... على الروح والبدن يأتيه نصيبه، وإن كان في القبر، وإن تمزَّق، وإن كان في بطون السباع، وإن كان في البحار يأتيه نصيبه بإذن الله سبحانه وتعالى، فربُّك على كل شيءٍ قدير سبحانه وتعالى.
س: وإن كان الميتُ من المؤمنين وكان من أصحاب الكبائر؟
ج: هذا تحت مشيئة الله، أمره إلى الله .
الشيخ: على ظاهره الحديث، مَن مات فلا ينبغي سبّه، قد أفضى إلى ما قدَّم من خيرٍ أو شرٍّ، لكن استثنى بعضُ الأئمة مَن يُخشى شرُّه عند ذكره، فإذا سبّ -يعني: ذُمَّ، السَّبُّ: الذَّمّ- تحذيرًا من شرِّه وبدعته ونحو ذلك فهو لا يدخل في هذا، إذا كان بهذا القصد، كما قد وقع من النبي ﷺ ومن غيره في هذا الباب، فيدل على ذمِّ أهل الشر والتَّحذير منهم وإن كانوا أمواتًا، من باب التَّحذير من بدعهم وشرِّهم، مثلما في الحديث الصحيح: لما مُرَّ على النبي بجنازةٍ فأثنوا عليها خيرًا فقال: وجبت، ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرًّا فقال: وجبت، ولم يُنكر عليهم، قيل: يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: أثنيتُم على هذا خيرًا فوجبت له الجنة، وأثنيتُم على هذا شرًّا فوجبت له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض، دلَّ ذلك على أن الميت الذي قد عُرف بالشر والفساد إذا ذمّ وشُهد عليه بالشر للتَّحذير من شرِّه والتحذير من التأسي به؛ لا حرج في ذلك، ولا يكون من السبِّ الذي نُهي عنه.
س: إذا سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً؟
ج: كسائر أهل البدع.
بَاب نَفْخِ الصُّورِ
قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيْئَةِ البُوقِ، زَجْرَةٌ [الصافات:19]: صَيْحَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّاقُورِ [المدثر:8]: الصُّورِ. الرَّاجِفَةُ [النازعات:6]: النَّفْخَةُ الأُولَى. وَ الرَّادِفَةُ [النازعات:7]: النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ.
6517- حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ المُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى العَالَمِينَ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى العَالَمِينَ، قَالَ: فَغَضِبَ المُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِيِّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ المُسْلِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَكُونُ فِي أَوَّلِ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي: أَكَانَ مُوسَى فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟.
الشيخ: وهذا عند أهل العلم محمولٌ على التواضع منه ﷺ؛ أنه قال هذا تواضعًا في لفظ: لا تُفضِّلوني ولا في لفظ: لا تُخيِّروني، وقال بعضُهم: إنما هذا إذا كان على سبيل الحمية وعدم النظر في الأدلة الشرعية، فينبغي أن يكون التفضيلُ بالأدلة، لا بمجرد الحمية لنبي دون نبي، أو قوم دون قوم، بل هذا حسب الأدلة الشرعية، فقد ثبت في الأدلة الشرعية أنه أفضل من موسى، وأنه أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر.
وفي هذا أنه لم يُعاتب الأنصاري، لم يُؤدبه، ولم يضربه، فقد لطم وجه اليهودي، فهذا قد يُستفاد منه أنه على حقٍّ حيث أنكر عليه هذا المنكر، ولكنه أمره ﷺ تواضعًا، أمر ألا يُفضِّلوه ولا يُخيِّروه، أو سدًّا لباب الحمية التي ليست لها أساس، بل على سبيل الحمية، أما على سبيل التَّفضيل في الأدلة الشرعية فلا حرجَ في هذا كما هو معلوم في الأدلة الشرعية.
وأما هذه الصعقة: فالصواب فيها أنها في يوم القيامة كما قال، يُصعقون يوم القيامة غير الصَّعقتين المعروفتين: غير صعقة الفزع والموت، وغير صعقة البعث والنُّشور، هما صعقتان على الصحيح: إحداهما: طويلة عظيمة للموت، والثانية: طويلة عظيمة للبعث والنشور.
أما قول مَن قال أنها ثلاث؛ نفخة الفزع غير نفخة الصَّعق؛ فهو قول ضعيف، والحديث في هذا ضعيف؛ حديث ضعيف عن بن رافع الأنصاري ضعيف، وأما هذه الصَّعقة التي أفاق منها وموسى باطش بقائمة العرش فهذه عند اجتماع الناس يوم القيامة بعد البعث والنُّشور.
وقوله: أو كان ممن استثنى الله في الرواية الأخرى، أم قد جُوزي بصعقة الطور من المحفوظة، هذه كانت يوم القيامة عند اجتماع الناس، يُصعق الناسُ، تُصيبهم غشية عند مجيء الرب يوم القيامة ..... يعظم عليهم الأمر، فيغشى الناس غشية وهم أحياء يوم القيامة، فإذا أفاق وجد موسى باطشًا بقائمة العرش، فلا أدري هل أفاق قبله في هذه الصَّعقة أو جُوزي بصعقة الطور السابقة في الدنيا.
س: .............؟
ج: هذه بعد البعث والنشور، أما صعقة أهل الدنيا فهي ثنتان قبل القيامة، يعني: واحدة للفزع والصعق، يمدّها إسرافيلُ مدةً طويلةً حتى إنَّ مَن سمعها يُصغي ليتًا، ويرفع ليتًا، هكذا وهكذا، يتسمعون لها حتى تطول وتعظم، ثم إذا امتدت هالت الناس، ومات الناس منها، حتى إنَّ الرجل يرفع اللُّقمة فلا يأكلها، حتى إنَّ الرجل يلوط حوض إبله فلا يسقيها، كما تقدَّم في الحديث، وحتى إنَّ الرجل يمدّ الثوبَ مع أخيه فلا يستطيعا أن يطوياه، ولا أن يبتاعه، تبغتهم الصَّعقةُ فيموتون، والله المستعان.
س: هل الصاعقة ثم الرجفة؟
ج: تُسمَّى: صعقة ورجفة وفزع.
س: ..........؟
ج: باطش وآخذ بمعنى واحدٍ.
س: ..............؟
ج: ركنٌ من الأركان، يعني التي تحمل العرش، يعني القواعد التي تحمل العرش.
بَاب يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ
رَوَاهُ نَافِعٌ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
الشيخ: الله يأتي يوم القيامة للفصل والقضاء بين عباده، غير الملائكة الذين يحملونه في الدنيا: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] يوم القيامة على أحد القولين، وفي الدنيا أربعة، وهذه قائمة من القوائم يوم القيامة بعد البعث والنشور، والله المستعان.
6519- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ أبي سلمة، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟.
6520- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلًا لِأَهْلِ الجَنَّةِ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا القَاسِمِ، أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالام وَنُون، قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا.
س: ..............؟
ج: يُقال: كبد، وكبد تُكسر الباء وتُفتح.
س: ............؟
ج: الله أعلم، يحتاج إلى تأمل.
س: .............؟
ج: يكونون عُراة، أولًا يُكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
س: ............؟
ج: الناس مشغولون بالهمِّ العظيم، والله المستعان، أما وقت الكسوة الله أعلم، أولًا يُكسى إبراهيم، ثم يُكسى المؤمنون والأنبياء، لكن متى يكون هذا؟ الله أعلم: في أثناء اليوم، أو بعد دخولهم الجنة، الله أعلم.
س: ............؟
ج: أيش عندك أنت؟
الطالب: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ أبي سلمة. لا عن الزهري.
الشيخ: أيش قال الشارحُ؟ ما تعرَّض له؟
الطالب: قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) كَذَا قَالَ يُونُسُ، وَخَالَفَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
الشيخ: يعني خالفه في شيخ الزهري، وإلا الزهري موجود، يعني: يونس يرويه عن الزهري، عن يونس، عن أبي سلمة، وفي الرواية الأخرى عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة، روايةً له.
الشيخ: تُنسف الجبال، وتذهب الأشجار، وتبقى أرضًا نقيةً ليس فيها عوج ولا أَمْت، سبحان الحكيم العليم.
بَاب كَيْفَ الحَشْرُ
6522- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا.
الشيخ: يعني: إلى المحشر، يعني: إلى جهة الشام.
الشيخ: هذا إشارة إلى قوله جلَّ وعلا: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [الإسراء:97]، فالذي أمشاه على رجليه في الدنيا هو القادر سبحانه على أن يُمشيه على وجهه في الآخرة.
قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا.
6524- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّكُمْ مُلاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا، قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ.
6525- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّكُمْ مُلاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا.
6526- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ الآيَةَ [الأنبياء:104]، وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي.
الشيخ: معنى غُرْلًا كما هو معلوم، يعني: غير مختونين، تُعاد الجلدة التي قُطعت منهم، تُعاد إليهم: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم:27].
س: معنى: حُفاةً؟
ج: على ظاهره، حُفاة: بدون نعالٍ.
الشيخ: وهذه في المرتدين لما ارتدُّوا في عهد الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
6527- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاك.
6528- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ.
الشيخ: يعني: المؤمنين من أمَّته يكونون نصف أهل الجنة، والنصف الآخر لبقية المؤمنين من جميع الأمم، وجاء في بعض الروايات أنهم ثلثا أهل الجنة، وأن أهل الجنة مئة وعشرون صفًّا، وأنَّ أمة محمد المؤمنين منهم ثمانون صفًّا، وربك على كل شيءٍ قدير، فهذه الأمة لها شأنٌ عظيمٌ، فهي أمَّة عظيمة واسعة، وقد طال أمدها بعد رسول الله ﷺ، فآمن منها الجمُّ الغفير.
الشيخ: وفي اللفظ الآخر: إنَّ فيكم أمَّتين لا تكونا في أمةٍ إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحدٌ، ومنهم ألف، انظر كلامه على أول ما قرأتَ، الأمر عظيم، نسأل الله حُسن الختام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله العافية.
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ نَفْخِ الصُّورِ) تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ: فِي الْأَنْعَامِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالنَّمْلِ، وَالزُّمَرِ، وَق، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَالْأَحَادِيثِ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَهَا بِفَتْحِ الْوَاوِ، جَمْعُ صُورَةٍ.
الشيخ: الأرواح يعني، ردّت الأرواح إلى أجسادها يعني، لكن هذا قول شاذّ، ليس بشيءٍ، هذا القول ليس بشيءٍ، وإنما هو الصور: القرن الذي يُنفخ فيه.
الطالب: وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّفْخُ فِي الْأَجْسَادِ لِتُعَادَ إِلَيْهَا الْأَرْوَاحُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ: يُقَالُ: الصُّورُ –يَعْنِي: بِسُكُونِ الْوَاوِ- جَمْعُ صُورَةٍ، كَمَا يُقَالُ: سُورُ الْمَدِينَةِ، جَمْعُ سُورَة، قَالَ الشَّاعِر: "لما أتى خبر الزبير تَوَاضَعَتْ سُوَرُ الْمَدِينَةِ"، فَيَسْتَوِي مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ.
وَحَكَى مِثْلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ، وَزَادَ: كَالصُّوفِ جَمْعِ صُوفَةٍ، قَالُوا: وَالْمُرَادُ النَّفْخُ فِي الصُّورِ -وَهِيَ الأجساد- لتُعاد فيها الْأَرْوَاحُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29].
وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ: "جَمْعٌ" بِأَنَّ هَذِهِ أَسْمَاءُ أَجْنَاسٍ لَا جُمُوعٌ، وَبَالَغَ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ "الْعَظَمَةِ" مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ الصُّورَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ فِي صَفَاءِ الزُّجَاجَةِ، ثُمَّ قَالَ لِلْعَرْشِ: خُذِ الصُّورَ فَتَعَلَّقْ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْ، فَكَانَ إِسْرَافِيلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّورَ، فَأَخَذَهُ، وَبِهِ ثُقْبٌ بِعَدَدِ كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة" فذكر الحديث، وَفِيهِ: "ثُمَّ تُجْمَعُ الْأَرْوَاحُ كُلُّهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَتَدْخُلُ كُلُّ رُوحٍ فِي جَسَدِهَا".
فَعَلَى هَذَا فَالنَّفْخُ يَقَعُ فِي الصُّورِ أَوَّلًا لِيَصِلَ النَّفْخُ بِالرُّوحِ إِلَى الصُّورِ -وَهِيَ الْأَجْسَادُ- فَإِضَافَةُ النَّفْخِ إِلَى الصُّورِ الَّذِي هُوَ الْقَرْنُ حَقِيقَةً، وَإِلَى الصُّورِ الَّتِي هِيَ الْأَجْسَادُ مَجَازٌ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ) وَصَلَهُ الْفرْيَابِيُّ من طَرِيق ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف:99] قَالَ: كَهَيْئَةِ الْبُوقِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الْبُوقُ الَّذِي يُزْمَرُ بِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ لِلْبَاطِلِ، يَعْنِي: يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَازًا؛ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْبَاطِلِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَذْمُومًا أَنْ لَا يُشَبَّهَ بِهِ الْمَمْدُوحُ، فَقَدْ وَقَعَ تَشْبِيهُ صَوْتِ الْوَحْيِ بِصَلْصَلَةِ الْجَرْسِ، مَعَ النَّهْيِ عَنِ اسْتِصْحَابِ الْجَرْسِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي "بَدْءِ الْوَحْيِ"، وَالصُّورُ إِنَّمَا هُوَ قَرْنٌ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْءِ الْأَذَانِ بِلَفْظِ: "الْبُوقِ" وَ"الْقَرْنِ" فِي الْآلَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْيَهُودُ لِلْأَذَانِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الصُّورَ اسْمُ الْقَرْنِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ نَفَخْنَاهُمْ غَدَاةَ النَّقْعَيْنِ | نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ |
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحسَّنه، وَالنَّسَائِيّ، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِم، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ.
وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ؟، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث زيد بن أَرقم، وابن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَلِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ يَعْنِي إِسْرَافِيلَ.
وَفِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ.
وَلِلْحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ طَرَفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ، يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرَفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ.
قَوْلُهُ: زَجْرَةٌ [الصافات:19]: صَيْحَةٌ، هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيق ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ قَالَ: صَيْحَةٌ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:13- 14] قَالَ: صَيْحَةٌ.
قُلْتُ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْخِ الصُّورِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ، كَمَا عَبَّرَ بِهَا عَنِ النَّفْخَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ الْآيَة [يس:49].
قَوْله: (قَالَ ابنُ عَبَّاس: النَّاقور: الصُّور) وَصله الطَّبَرِيُّ وابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8] قَالَ: "الصُّورُ"، وَمَعْنَى نُقِرَ: نُفِخَ. قَالَهُ فِي "الْأَسَاسِ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ؟ الْحَدِيثَ.
تَنْبِيهٌ: اشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَقَلَ فِيهِ الْحَلِيمِيُّ الْإِجْمَاعَ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْمَذْكُورِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابن مَرْدَوَيْهِ.
بَاب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]،
أَزِفَتْ الآزِفَةُ [النجم:57]، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر:1]
6530- حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟! قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ، قَالَ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الحِمَارِ.
الشيخ: بسم الله، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذا يدلنا على كثرة أهل النار -نعوذ بالله من ذلك- وأن أكثر الخلق لم يستجيبوا للرسل عليهم الصلاة والسلام، ولم ينقادوا لما جاءت به من الهدى، فلهذا في هذا الحديث أنَّ حصة جهنم من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعون، وهذا يدل على كثرةٍ عظيمةٍ، وعلى قلَّة مَن استجاب للأنبياء، وقد قال سبحانه: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال جلَّ وعلا: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، وقال : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وفي قصة نوح وهود وصالح وغيرهم بعد كلِّ واحدٍ يقول: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8].
هذا يُوجب للمؤمن ويُوجب للعاقل الحذر في ألا يُصيبه ما أصاب الأكثرين، يُوجب للإنسان أن يسأل ربَّه دائمًا الثبات على الحقِّ، وأن يبتعد عن أسباب الفتن، وأسباب الشر، ويُجاهد نفسه لله، لعلَّ الله يمُنُّ عليه بالثبات على الحقِّ وحُسن الختام.
وقد عظم الأمرُ على المسلمين لما أخبرهم بهذا عليه الصلاة والسلام، قالوا: أيُّنا ذلك الواحد من كل ألف؟ قال: أبشروا، فإنَّ فيكم يأجوج ومأجوج، منهم ألف، ومنكم واحد؛ لأنهم على الشرِّ والفساد، طائفة يأجوج ومأجوج أكثرهم على الكفر بالله، والضلال، والفساد في الأرض، ثم بيَّن أن المسلمين كالشَّعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، يعني: يوم القيامة إذا اجتمع الناسُ الناجي منهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو العكس، هؤلاء هم الناجون، ومع ذلك يأتي على أبواب الجنة وقت وهي كظيظ من الزحام؛ لكثرة أهل الجنة، لكثرة الأمم، فالأمم كثيرة من عهد آدم إلى قيام الساعة، الأمم كثيرة، مع كون الناجين قليلًا، لكنَّهم باجتماعهم بهذه الأمم الكثيرة والقرون المتتابعة كثروا حتى صارت أبوابُ الجنة عند دخولها عليها كظيظ من الزحام، ما بين المصراعين أربعون عامًا.
هذا يدل على أن الداخلين في الجنة كثيرون من الأمم، وأكثرهم من هذه الأمة، قال عليه الصلاة والسلام: أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة يعني: نصف أهل الجنة، وجاء في بعض الروايات الأخرى أن أهل الجنة مئة وعشرون صفًّا، وهذه الأمة ثمانون منها، هذا نحو الثلثين، وهذا يدل على كثرة الداخلين الجنة من هذه الأمة -من أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولا يُنافي ذلك أنَّ أهل النار هم الأكثرون، وأن الضالين هم الأكثرون، وأن المتخلِّفين عن اتِّباع الرسل هم الأكثرون، فنصيب النار هم الأكثرون. نسأل الله العافية.
فعلى المؤمن أن يحذر أسباب الشر، ويسأل ربه الثبات على الحق، وأن ينصح لله ولعباده، وألا يغترَّ بعلمه، وألا يعجب بعمله، وأن يحذر الخطر: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، ليحذر، ويكن دائمًا دائمًا على حذرٍ، وعلى خوفٍ، وعلى استعدادٍ، وعلى بُعْدٍ من أسباب الهلاك، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س: .......... يأجوج ومأجوج؟
ج: المعروف في الشرق، شرق الدنيا -الصين وما حولها- هم محل يأجوج ومأجوج، محل السد.
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4- 6]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، قَالَ: "الوُصُلاتُ فِي الدُّنْيَا".
الشيخ: الآن هم ألف مليون وزيادة .. الآن في هذا العصر، فكيف بالعصور السابقة؟ الصين الشعبية المعروفة الشيوعية وما حولها من الكفرة داخل فيها، والله الذي يُحصيهم ويعلم أحوالهم سبحانه وتعالى، ومَن يلتحق بهم، ومَن لا يلتحق بهم، نسأل الله العافية.
الشيخ: في رشحه بالتسكين، المقصود أن بعض الناس -نسأل الله العافية- يقوم ويُلجمه العرق من شدة الخوف والخطر والذُّعر وما حمل من أوزارٍ، وبعض الناس رشحه إلى كعبيه، وبعضهم إلى ركبته، وبعضهم إلى حقوه، الناس يختلفون على حسب ما عندهم من الشرِّ والخير، فكلما كانت الأعمال الصالحة أكثر صار الخوفُ أقلَّ، والرشح قليل، وكلما عظمت الذنوب والأوزار صار الرشحُ أكثر، نسأل الله العافية.
6532- حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ.
بَاب القِصَاصِ يَوْمَ القِيَامَةِ
وَهِيَ الحَاقَّةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا الثَّوَابَ وَحَوَاقَّ الأُمُورِ.
الشيخ: يعني: القيامة، أسماؤها كثيرة؛ لعظم خطرها وعظم شأنها لها أسماء: هي الحاقة، وهي القارعة، وهي الطامة، وهي الصاخة، وهي القارعة، وهي الغاشية، فأسماؤها كثيرة، نسأل الله العافية من خطرها.
الشيخ: يعني: يوم التغابن، القيامة: يوم التغابن، هذا من أسمائها: يوم التغابن؛ لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار، هؤلاء يربحون، وهؤلاء يخسرون، فهذا أعظم الغبن على أهل النار -نسأل الله العافية- وأعظم الربح لأهل الجنة، قوم يسعدون سعادةً أبدًا لا شقاءَ بعدها، وآخرون يخسرون خسارةً لا نجاحَ بعدها، فهذا هو الغبن العظيم، ما هو بغبن الدنيا، غبن الدنيا قد يغبن اليوم ثم يربح، لكن الغبن يوم القيامة هو الغبن الذي ليس بعده غبن، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الشيخ: وهذا يُبين خطرها، وأن الواجب الحذر منها، وهي القتل بغير حقٍّ -نسأل الله العافية- أول ما يُقضى بين الناس بالدماء لشدة جريمتها، وشدة خطرها، وكثرة وقوعها بين الناس -نسأل الله العافية- ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لا يزال المرءُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُشرك بالله شيئًا، وما لم يسفك دمًا حرامًا، نسأل الله العافية.
س: .............؟
ج: المقصود ما كان من العدوان والظلم داخلٌ في هذا، نسأل الله العافية.
الشيخ: والمعنى أنَّ في الدنيا هناك قضاء بالمسامحة وبالدراهم والدنانير والعروض، لكن يوم القيامة القضاء بالحسنات والسيئات، فليحذر وليُبادر اليوم بالتَّحلل من أخيه قبل أن يكون يوم القيامة، ولهذا في اللفظ الآخر: فليتحلله اليوم يعني: في الدنيا، قبل ألا يكون دينار ولا درهم؛ لأنَّ المقصود التَّحلل اليوم في حال السعة، في حال المهلة، فإن يوم القيامة ليس عنده ما يتحلل به أخاه، لا دراهم، ولا دنانير، ولا عروض، ما في إلا الحسنات والسيئات، فإن كان له حسنات أُخذ من حسناته لصاحبه حتى يُوفى حقَّه، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه وحُمل عليه، وهذا الخطر العظيم.
ولهذا في الحديث الآخر يقول ﷺ: ما تعدُّون المفلسَ فيكم؟ قالوا: مَن لا درهم له ولا متاع، قال: لكن المفلس يوم القيامة مَن يأتي بأعمال من صلاةٍ وصومٍ وصدقةٍ، ويأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، فيُعطى هذا من حسناته، ويُعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته ولم يُقضى ما عليه أُخذ من سيئاتهم فحُمل عليهم، ثم طُرح في النار، هذا هو الإفلاس، أما إفلاس الدنيا فقد ترجع إليه الدنيا، وقد يُرزق، لكن الإفلاس في الآخرة فيه خطر عظيم، فهو تُؤخذ حسناته وتُدفع لغيره، أو يُحمّل من سيئات غيره، نسأل الله العافية.
والمقصود من هذا المبادرة، وأن يكون الإنسانُ حين الموت سليمًا، إن كانت عنده حقوق يُبادر بقضائها وتسديدها واستحلال أصحابها: من ضربٍ، أو سرقةٍ، أو شتمٍ، أو غير هذا من حقوق الناس، وأعظم ذلك الدماء: القتل، والجراحات المؤثرة الخطيرة، هذا أعظم ما يكون من الخطر، وإذا تيسر له التَّحلل في الدنيا وإرضاؤهم وإنهاء الموضوع في الدنيا كان ذلك من أسباب سلامته.
الشيخ: وهذا من رحمة الله جلَّ وعلا؛ أنهم إذا خلصوا من الصراط ونجا المؤمنون من الصراط وجاوزوه إلى الجنة وقفوا في محلٍّ هناك، القنطرة بين الجنة والنار هذه قبل دخول الجنة، فيقتص لبعضهم من بعضٍ ويتحاسبون، ويقتص لبعضهم من بعضٍ فإذا هُذّبوا ونُقوا مما بينهم أذن لهم في دخول الجنة، وعند ذلك يقع ما قال : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] يذهب كل ما في النفوس وينزع ما في النفوس مما جرى في الدنيا من أحقاد وذحول وشحناء وغير ذلك، كلها ذهبت ونقيت قلوبهم وهذبوا حتى سلموا من كل ما يكدرها، فيدخلون الجنة وهم على غاية من الصفاء والمحبة وألا يبقى هناك شيء يكدّر بعضهم على بعض، وهذا من رحمته وإحسانه : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.