102 من حديث: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)

بَاب فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ

6407- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ.

الشيخ: يعني: الغافل كالميت، والذاكر كالحي، كفى بهذا تشجيعًا وترغيبًا في الذكر، وأنه ينبغي للمؤمن أن يكون ذاكرًا لله، ولهذا في حديث عبدالله بن بسر لما قال: يا رسول الله، علمني بابًا أتشبث به؛ فإنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله، فينبغي للمؤمن أن يكون كثير الذكر ؛ حتى يكون بعيدًا عن مشابهة الأموات، فالغافل شبيه الميت، والذاكر شبيه الحي: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ [فاطر:22].

6408- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لا، وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ.

الشيخ: الله يجعلنا وإياكم منهم، هذا من نعم الله العظيمة، وإذا كان هذا في أهل التَّسبيح، فمجالس العلم -قال الله، وقال رسوله- أعظم وأكبر من ذلك، فهي أوْلى بهذا الخير العظيم، والفضل العظيم.

رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

بَاب قَوْلِ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

6409- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ فِي عَقَبَةٍ -أَوْ قَالَ: فِي ثَنِيَّةٍ- قَالَ: فَلَمَّا عَلا عَلَيْهَا رَجُلٌ نَادَى، فَرَفَعَ صَوْتَهُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَغْلَتِهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى -أَوْ: يَا عَبْدَاللَّهِ- أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

الشيخ: انظر أول ما قرأت .. هذه كلمة عظيمة: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، تقدَّم الكلامُ فيها.

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ التَّهْلِيلِ) أَيْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ شَيْءٌ مِمَّا يتَعَلَّق بذلك.

[6403] قَوْلُهُ: (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ) بِمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ ابْن أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ": عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ مَالِكٍ، حَدَّثَنِي سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ. أَخْرَجَهُ ابن مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هِنْدٍ.

الشيخ: عبدالله بن سعيد بن أبي هند، عن زائدة، هذا جده، أبو هند جدّه.

الطالب: عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَوَرَدَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَفِي أُخْرَى زِيَادَةُ: بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَسَأَذْكُرُ مَنْ زَادَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: مِئَةَ مَرَّةٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَن مَالِكٍ الْمَاضِيَةِ فِي "بَدْءِ الْخَلْقِ": فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ: إِذَا أَصْبَحَ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ فِي الذِّكْرِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ تَقْيِيدُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ.

الشيخ: هذا فيه نظر ..... ما عزاها؟

الطالب: الذِّكْرِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ تَقْيِيدُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لَكِنْ قَالَ: عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَفِي سَنَدِهِمَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَقَالٌ.

الشيخ: والمحفوظ مُطلق في يومه، مطلق.

الطالب: قَوْلُهُ: كَانَتْ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْمَاضِيَةِ: كَانَ بِالتَّذْكِيرِ، أَيِ: الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ.

قَوْلُهُ: عَدْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَدْلُ بِالْفَتْحِ مَا عَدَلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ.

قَوْلُهُ: عَشْر رِقَابٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ: عَدْلُ رَقَبَةٍ، وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ، حَدِيث الْبَرَاءِ.

الشيخ: كأنها "من حديث"، كأنها ساقطة "من" حديث.

الطالب: وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ من حَدِيث الْبَرَاءِ بِلَفْظِ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي آخِرِهِ: عَشْرُ مَرَّاتٍ كُنَّ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ أخرجه النَّسَائِيُّ، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَنَظِيرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الَّذِي فِي الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

وَأَخْرَجَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي الذِّكْرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّؤَلِيُّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَنْ قَالَهَا فَلَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ، وَلَا تَعْجِزُوا أَنْ تَسْتَكْثِرُوا مِنَ الرِّقَابِ"، وَمِثْلُهُ رِوَايَة سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي صَحَابِيِّهِ فَقَالَ: عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.

قَوْلُهُ: وَكُتِبَتْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَكُتِبَ بِالتَّذْكِيرِ.

قَوْلُهُ: وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ: وَحُفِظَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَزَادَ: وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي طُرُقٍ أُخْرَى يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بَعْدُ.

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُوسُفَ: مِمَّا جَاءَ بِهِ.

قَوْلُهُ: إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: لم يَجِئ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَنْ قَالَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى عَمْرٍو، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا رَجُلٌ مُنْقَطِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنْ رَجُلٌ قَالَ أَكْثَر مِمَّا قَالَهُ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا.

[6404] قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْمُسْنَدِيُّ، وَعَبْدُالْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ -بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ- مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ اسْمُ أَبِيهِ: خَالِدٌ، وَقِيلَ: مَيْسَرَةُ، وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَزَكَرِيَّا أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنْهُ وَأَشْهَرُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ هُوَ الْأَوْدِيُّ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ، أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ.

قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ عَشْرًا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا، وَسَاقَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ الْغَيْلَانِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَلَفْظُهُ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، فَرَّقَهُمَا، قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً.

قَوْلُهُ: (قَالَ عُمَرُ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَلِغَيْرِهِ: عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَهُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ السَّنَدِ.

قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، وَسَكَّنَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ الْفَاءَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ)، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا الْمَذْكُورَةِ، فَأَعَادَ مُسْلِمٌ السَّنَدَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَوْصُولِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ الْمَذْكُورَةِ عَن الشَّعبِيِّ، عَن الرَّبِيع بْن خُثَيْمٍ، بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ، مُصَغَّرٌ.

قَوْلُهُ: (مِثْله) أَيْ: مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْمَوْقُوفَةِ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي زَائِدَةَ أَسْنَدَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ مَوْقُوفًا، وَالثَّانِي عَنْ عَبْداللَّهِ بْن أَبِي السَّفَرِ، عَن الشَّعْبِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا.

تَنْبِيه: وَقَعَ قَوْلُهُ: (قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ .. إِلَخْ) مُؤَخَّرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ التَّعَالِيقِ، عَنْ مُوسَى، وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعَنْ آدَمَ، وَعَنِ الْأَعْمَشِ وَحُصَيْنٍ، وَقَدَّمَ هَذِهِ التَّعَالِيقَ كُلَّهَا عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، فَصَارَ ذَلِكَ مُشْكِلًا، لَا يَظْهَرُ مِنْهُ وَجْهُ الصَّوَابِ.

وَوَقَعَ قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ) مُقَدَّمًا مُعَقَّبًا بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَن الْفَرَبْرِيِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ النَّسَفِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَرِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ الْمَذْكُورَتَانِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ) هُوَ ابْن أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ جَدُّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ .. إِلَخْ) أَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ التَّصْرِيحَ بِتَحْدِيثِ عَمْرٍو لِأَبِي إِسْحَاقَ، وَأَفَادَتْ زِيَادَةَ ذِكْرِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي أَيُّوبَ فِي السَّنَد.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ .. إِلَخْ) مَرْفُوعًا، وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَرْجَمَةِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ مِنْ تَارِيخِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَلَفْظُهُ: كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ مَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِسَنَدِهِ، لَكِنْ لَفْظُهُ: كَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ -أَوْ عَشْر رِقَابٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِالْمَجِيدِ، عَنْ دَاوُدَ قَالَ: مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيد بْن هَارُونَ –كِلَاهُمَا- عَنْ دَاوُدَ نَحْوَهُ.

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ، وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ يَزِيدَ بِلَفْظِ: كُنَّ لَهُ كَعَدْلِ عَشْرِ رِقَابٍ.

وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً صَاحِبَ سُنَّةٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ: قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: عَبْدُالرَّحْمَنِ، قُلْتُ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ.

وَرِوَايَةُ وُهَيْبٍ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَإِنْ كَانَ اخْتَصَرَ الْقِصَّةَ، فَإِنَّهُ وَافَقَهُ فِي رَفْعِهِ، وَفِي كَوْنِ الشَّعْبِيِّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ)، قَوْله: (إِسْمَاعِيل) هُوَ ابن أَبِي خَالِدٍ، وَاقْتِصَارُ الْبُخَارِيِّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ يُوهِمُ أَنَّهُ خَالَفَ دَاوُدَ فِي وَصْلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عَنِ الرَّبِيعِ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ وَصَلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا ذَلِكَ وَاضِحًا فِي زِيَادَاتِ الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَرِوَايَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ الْحُسَيْنُ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَامِرٍ -هُوَ الشَّعبِيُّ- سَمِعتُ الرّبيع بن خثيم يَقُول: "مَن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ: "فَهُوَ عَدْلُ أَرْبَعِ رِقَابٍ"، فَقُلْتُ: عَمَّنْ تَرْوِيهِ؟ فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فَلَقِيتُ عَمْرًا فَقُلْتُ: عَمَّنْ تَرْوِيهِ؟ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فَلَقِيتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ فَقُلْتُ: عَمَّنْ تَرْوِيهِ؟ فَقَالَ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَكَذَا أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ مَنْ قَالَ ..، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "أَرْبَعِ رِقَابٍ يُعْتِقُهَا" قُلْتُ: عَمَّنْ تَرْوِي هَذَا؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ: عَن النَّبِيِّ ﷺ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: سَمِعتُ الرّبيع بن خثيم يَقُول: "مَن قَالَ .." فَذَكَرَهُ دُونَ قَوْلِهِ: "يُعْتِقُهَا"، فَقُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ تَرْوِي هَذَا؟ فَذَكَرَهُ.

وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ مثله سَوَاء، وَذكر الدَّارَقُطْنِيُّ أن ابن عُيَيْنَةَ وَيَزِيدَ بْنَ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأُمَوِيَّ رَوَوْهُ عَن الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، كَمَا قَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ رَفَعَهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ.

وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ يَقُولُ: .. فَذَكَرَهُ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: فَلَقِيتُ عَمْرًا فَقُلْتُ: إِنَّ الرَّبِيعَ رَوَى لِي عَنْكَ كَذَا وَكَذَا، أَفَأَنْتَ أَخْبَرْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ .. إِلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ .. إِلَخْ) هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا آدَمُ، وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي نُسْخَةِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ شُعْبَةَ، رِوَايَةَ الْقَلَانِسِيِّ عَنْهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ –كِلَاهُمَا- عَنْ شُعْبَةَ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، وَسَاقَا الْمَتْنَ، وَلَفْظُهُمَا: عَن عبدالله -هُوَ ابن مَسْعُودٍ- قَالَ: "لَأَنْ أَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .." الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ".

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ وَحْدَهُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَنْ قَالَ .."، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، لَكِنْ زَادَ: "بِيَدِهِ الْخَيْرُ"، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "كَانَ لَهُ عَدْلُ أَرْبَعِ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَحُصَيْنٌ: عَنْ هِلَالٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ)، قَوْلُهُ: أَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "كَانَ لَهُ عَدْلُ أَرْبَعِ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل"، وأما رِوَايَة حُصَيْن -وَهُوَ ابن عَبْدِالرَّحْمَنِ- فَوَصَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ لَهُ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، فَذَكَرَهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ: "مَنْ قَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ: "كُنَّ لَهُ كَعَدْلِ أَرْبَع مُحَرَّرِينَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ"، قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ –يَعْنِي: النَّخَعِيَّ- فَزَادَ فِيهِ: "بِيَدِهِ الْخَيْرُ".

وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَرُوِّينَاهَا بِعُلُوٍّ فِي فَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرِ ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، وَلَفْظُهُ: عَنْ هِلَالٍ قَالَ: مَا قَعَدَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِلَّا كَانَ آخِرَ قَوْلِهِ: قَالَ ابن مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ هِلَالٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "كَانَ لَهُ عَدْلُ أَرْبَعِ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ"، وَزَادَ فِيهِ: "بِيَدِهِ الْخَيْرُ"، وَلَمْ يُفَصِّلْ كَمَا فَصَّلَ حُصَيْنٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى، عَنْ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ امْرَأَةٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .. مِثْلَ الْأَوَّلِ، وَزَادَ: عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُنَّ عَدْلَ نَسَمَةٍ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَا تَقْدَحُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ سَمِعَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ عَنْهُ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَحَدَّثَهُ بِهِ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ ثُمَّ ثَبَّتَتْهُ فِيهِ الْمَرْأَةُ.

قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَوَافَقَهُ النَّسَفِيُّ، وَلِغَيْرِهِمَا: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ .. إِلَخْ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ -كَمَا قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ- وَكَانَ يَخْدُمُ أَبَا أَيُّوبَ، وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ أَنَّهُ أَفْلَحُ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ بِاسْمِهِ، مُخْتَلَفٌ فِي كُنْيَتِهِ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يُعْرَفُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْحَرِيرِيِّ.

الشيخ: الجريري، سعيد بن إياس الجريري.

الطالب: وقد وَصَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الجريري، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ -وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- وَاسْمُهُ ثُمَامَة بْنِ حَزْنٍ -بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ- الْقُشَيْرِيّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَا أُعَلِّمُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .. فَذَكَرَهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَإِلَّا كُنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ مُحَرَّرِينَ، وَإِلَّا كَانَ فِي جُنَّةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَا قَالَهَا حِينَ يُمْسِي إِلَّا كَانَ كَذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ أَبِي أَيُّوبَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ أَبِي أَيُّوبَ.

وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَعِيشَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَفَعَهُ: مَنْ قَالَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .. فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ: عَشْرَ مَرَّاتٍ كُنَّ كَعَدْلِ أَرْبَعِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا قَالَهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَمِثْلُ ذَلِكَ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

وَأَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رُهْمٍ السَّمَعِيِّ -بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ .. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، لَكِنْ زَادَ: يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَقَالَ فِيهِ: كَعَدْلِ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكَانَ لَهُ مَسْلَحَةٌ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا يَوْمئِذٍ يَقْهَرُهُنَّ، وَإِنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي فَمِثْلُ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ القَاسِمِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ: مَنْ قَالَ غُدْوَةً .. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَأَجَارَهُ اللَّهُ يَوْمَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا عَشِيَّةً كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ -هُوَ الْبُخَارِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَمْرٍو) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ: "عَمْرو" بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ: "عُمَر" بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي رِوَايَتِهِ: الصَّحِيحُ قَوْلُ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْحَدِيثُ حَدِيث ابن أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَ الْإِسْنَادَ، وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ عُمَرَ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَفِيدَهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ، كَمَا بَيّنتُهُ.

وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا حَفِيدُهُ الْآخَرُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ طَرِيقِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ بَيْنَ عَمْرٍو وَعَبْدِالرَّحْمَنِ: الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ، وَوَقَفَهُ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ: كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ مَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.

وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا: زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ كَذَلِكَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، لَكِنْ قَالَ: كَانَ أَعْظَمَ أَجْرًا وَأَفْضَلَ، وَالْبَاقِي مِثْلُ إِسْرَائِيلَ.

وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ ابْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَالرَّحْمَنِ بَيْنَ الرَّبِيعِ وَأَبِي أَيُّوبَ.

وَأَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ، فَذَكَرَ مِثْلَ لَفْظِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

وَاخْتِلَافُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي عَدَدِ الرِّقَابِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بَيْنَهَا، فَالْأَكْثَرُ عَلَى ذِكْرِ أَرْبَعَةٍ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذِكْرِ عَشَرَةٍ لِقَوْلِهَا مِئَة، فَيَكُونُ مُقَابِلُ كُلِّ عَشْرِ مَرَّاتٍ رَقَبَةً مِنْ قبل الْمُضَاعَفَةِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ مَرَّةٍ بِالْمُضَاعَفَةِ رَقَبَةٌ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لِمُطْلَقِ الرِّقَابِ، وَمَعَ وَصْفِ كَوْنِ الرَّقَبَةِ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ يَكُونُ مُقَابِلُ الْعَشَرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، فَضْلًا عَنِ الْعَجَمِ.

وَأَمَّا ذِكْرُ رَقَبَةٍ بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فَشَاذٌّ، وَالْمَحْفُوظُ أَرْبَعَةٌ، كَمَا بَيَّنْتُهُ.

وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "الْمُفْهِمِ" بَيْنَ الِاخْتِلَافِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الذَّاكِرِينَ فَقَالَ: إِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْجَسِيمُ لِمَنْ قَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، فَاسْتَحْضَرَ مَعَانِيَهَا بِقَلْبِهِ، وَتَأَمَّلَهَا بِفَهْمِهِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الذَّاكِرُونَ فِي إِدْرَاكَاتِهِمْ وَفُهُومِهِمْ مُخْتَلِفِينَ كَانَ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ اخْتِلَافُ مَقَادِيرِ الثَّوَابِ فِي الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا ثَوَابًا مُعَيَّنًا، وَنَجِدُ ذَلِكَ الذِّكْرَ بِعَيْنِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، كَمَا اتَّفَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ.

قُلْتُ: إِذَا تَعَدَّدَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْجمع، وَإِذا اتَّحدت فَلَا، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَيُحْتَمَلُ فِيمَا إِذَا تَعَدَّدَتْ أَيْضًا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِقْدَارُ بِالزَّمَانِ، كَالتَّقْيِيدِ بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا، وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ إِنْ لَمْ يُحْمَلِ الْمُطْلَق فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ: جَوَازُ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ.

قَالَ عِيَاضٌ: ذِكْرُ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ الْمِئَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَايَةٌ لِلثَّوَابِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِلَّا أحد عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَادَ الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، فَيَكُونُ لِقَائِلِهِ مِنَ الْفَضْلِ بِحِسَابِهِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهَا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي نهى عَن اعتدائها، وأنه لا فضلَ فِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا، كَمَا فِي رَكَعَاتِ السُّنَنِ الْمَحْدُودَةِ، وَأَعْدَادِ الطَّهَارَةِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَادَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الذِّكْرِ أَوْ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَمَلًا آخَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ التَّهْلِيلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، يُشِيرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: إِلَّا مَنْ قَالَ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لِمَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ فِي الْيَوْمِ مُتَوَالِيًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ، لَكِنِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ مُتَوَالِيًا؛ لِيَكُونَ لَهُ حِرْزًا فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ، وَكَذَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ؛ لِيَكُونَ لَهُ حِرْزًا فِي جَمِيعِ لَيْلِهِ.

تَنْبِيه: أَكْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الذِّكْرِ فِي حَدِيث ابن عمر، عَن عمر رَفعه: مَن قَالَ حين يَدْخُلُ السُّوقَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا لَفْظُ جَعْفَرٍ فِي الذِّكْرِ، وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ، وَقَدْ وَرَدَ جَمِيعُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَا أَوْضَحْتُهُ مُفَرَّقًا، إلا قَوْله: وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوت.

الشيخ: ...... رواية عبدالله بن سعيد ابن أبي هند التي فيها: حين يُمسي التمسها، التي فيها زيادة: مَن قال مئة حين يُمسي أيضًا المحفوظ في يومٍ، زاد ..... في رواية إذا أصبح ما نبَّه إلى مَن عزاه إليه، هل الترمذي أو النسائي..؟ رواية: مَن قال حين يُمسي في المئة يعني.

الطالب: ......

الشيخ: الله أعلم.

س: يقول مئة مرة في أول الصباح، ومئة مرة في أول المساء؟

ج: لكن رواية المساء ما بعد نتحقق أنها صحَّت ..، لكن إن قاله في الليل أو في كل يومٍ فخيرٌ عظيم.

س: ...........؟

ج: ما هو جماعي، كل واحدٍ يُسبِّح لنفسه، يعني يُسبِّحون ويحمدون، ما هو يلزم أنه جماعي، يعني: الجماعي ما له أصل.

بَاب: لِلَّهِ مِئَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ

6410- حَدَّثَنَا عَ لِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رِوَايَةً، قَالَ: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِئَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ.

الشيخ: تكلم على إلا واحدةٍ؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابٌ: لِلَّهِ مِئَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدَةٍ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ: "مِئَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ" بِالتَّذْكِيرِ، وَكَذَا اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي هَذَا فِي لَفْظِ الْمَتْنِ.

[6410] قَوْلُهُ: (حَفِظْنَاهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ": "عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ"، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ" مِنْ طَرِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (رِوَايَةً) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ"، وَلِمُسْلِمٍ: "عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ" بِهَذَا السَّنَدِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي "التَّوْحِيدِ" مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِسَنَدِهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ"، وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بكير، عَن أَبِيه، عَن ابن وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ : لِي تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا.

قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْرَجِ أَيْضًا مُوسَى بن عقبَة عِنْد ابن مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَسَرَدَ الْأَسْمَاءَ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَيْضًا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، كَمَا مَضَى فِي الشُّرُوطِ، وَيَأْتِي فِي "التَّوْحِيدِ".

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَسَرَدَ الْأَسْمَاءَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَمَالك عِنْد ابن خُزَيْمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" وَقَالَ: صَحِيحٌ عَنْ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِي "الْمُوَطَّأ" قَدْرُ مَا عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي طُرُقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَبُو عَوَانَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ أحْمَد وابن مَاجَهْ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَد، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ والطَّبَرَانِيِّ فِي "الدُّعَاءِ"، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي "الذِّكْرِ"، وَأَبُو رَافِعٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَأَبُو سَلمَة ابن عبدالرَّحْمَن عِنْد أحْمَد وابن مَاجَهْ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ بِأَسَانِيدَ عَنْهُمْ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، لَكِنْ شَكَّ فِيهِ، وَرُوِّينَاهَا فِي "جُزْءِ الْمَعَالِي" وَفِي "أَمَالِي الْجُرْفِيِّ" مِنْ طَرِيقِهِ بِغَيْرِ شَكٍّ.

وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سلمَان الْفَارِسِي، وابن عَبَّاس، وابن عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَكُلُّهَا عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ فِي "طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ" لأبي عبدالرَّحْمَن السّلمِيّ، وَحَدِيث ابن عَبَّاس وابن عُمَرَ مَعًا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ "أَمَالِي أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ بَشْرَانَ".

الشيخ: يكفي، يكفي، نعم.

س: ..............؟

ج: رواية معناها: مرفوعًا، قال العراقي:

وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ) (يَبْلُغُ بِهْ) روَايَةً يَنْمِيهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ

"رواية" و"ينميه" و"مرفوعًا" و"يبلغ به النبي" كلها معناها: قال رسول الله.

الطالب: تكلم على إلا واحدة.

الشيخ: تكلم عليه؟

الطالب: نعم، قَوْله: (إلا وَاحِدَة) قَالَ ابن بَطَّالٍ: كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي "الِاعْتِصَامِ": "إِلَّا وَاحِدًا" بِالتَّذْكِيرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.

كَذَا قَالَ، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي "الِاعْتِصَامِ"، بَلْ فِي "التَّوْحِيدِ"، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الَّتِي هُنَا خَطَأ، بَلْ وَجَّهُوهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ هُنَا: "مِئَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ" بِالتَّذْكِيرِ أَيْضًا، وَخَرَّجَ التَّأْنِيثَ عَلَى إِرَادَةِ التَّسْمِيَةِ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: بَلْ أَنَّثَ الِاسْمَ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ: "الْكَلِمَةُ: اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ"، فَسَمَّى الِاسْمَ كلمةً.

وَقَالَ ابنُ مَالِكٍ: أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ الْكَلِمَةِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ: مِئَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ أَنْ يَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، جَمْعًا بَيْنَ جِهَتَيِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، أَوْ دَفْعًا لِلتَّصْحِيفِ الْخَطِّيِّ وَالسَّمْعِيِّ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا، حَتَّى يَدْخُلَ اسْتِثْنَاءُ الْكَثِيرِ، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا الْقَلِيلُ.

وَأغْرب الدَّاودِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابنُ التِّينِ؛ فَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَنَّ مَنْ أَقَرَّ ثُمَّ اسْتَثْنَى عَمِلَ بِاسْتِثْنَائِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا تِسْعَمِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا وَاحِدٌ.

وَتَعَقَّبَهُ ابنُ التِّينِ فَقَالَ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي الْإِقْرَارِ جَمَاعَةٌ، وَأَمَّا نَقْلُ الِاتِّفَاقِ فَمَرْدُودٌ، فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ حَتَّى فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ مِنْهُمْ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلا ثنتين، وَقَعَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ.

وَنَقَلَ عَبْدُالْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ وَغَيْره: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ، وَمِنْ لَطِيفِ أَدِلَّتِهِمْ أَنَّ مَنْ قَالَ: صُمْتُ الشَّهْرَ إِلَّا تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، يُسْتَهْجَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ إِلَّا يَوْمًا، وَالْيَوْمُ لَا يُسَمَّى شَهْرًا، وَكَذَا مَنْ قَالَ: لَقِيتُ الْقَوْمَ جَمِيعًا إِلَّا بَعْضَهَمْ، وَيَكُونُ مَا لَقِيَ إِلَّا وَاحِدًا.

قُلْتُ: وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْإِطَالَةِ فِيهَا.

الشيخ: والصواب صحَّة الاستثناء مطلقًا؛ لأنه إنما اعترف فيما أقرَّ به، ولا يُؤاخذ فيما لم يُقرّ به، وإن كان مُستهجنًا الاستثناءُ الكثير في بعض الأحيان من بعض الناس، لكن الأصل في هذا هو الصحة، فلا يُؤخذ من الإنسان إلا بما أقرَّه، ومن هذا قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42]، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ هؤلاء هم الأكثرون، الغاوون هم الأكثرون، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8].

فقوله: إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ استثناء أكثر من القليل، يعني: ما بقي إلا القليل، فإذا قال: "أنت طالق ثلاثًا إلا ثنتين" لم يقع إلا واحدة، وإذا قال: "عندي له ألف درهم إلا ستمئة" لم يلزمه إلا أربع، وإذا قال له: "عندي عشرة آلاف إلا ثمانية" لم يلزمه إلا ألفان، وإن كان قد يُستهجن بالنسبة لغالب الناس، لكن لا يُؤاخذ إلا بما أقرَّه.

س: .............؟

ج: أما القليل فمتَّفق عليه، الاستثناء القليل من الكثير.

س: ..............؟

ج: قد يستعمله بعضُ الناس: إما لنكتةٍ، وإما لكذا، الحاصل والغالب على العرب أن الاستثناء القليل هذا هو الغالب.

س: ............؟

ج: في "الصحيحين" رواه البخاري ومسلم، وهذه مئة مخصوصة، له أسماء غير هذه الأسماء سبحانه وتعالى، مَن أحصاها دخل الجنة، ومَن حفظها دخل الجنة، حثٌّ وتحضيض على تتبع أسمائه، تتبعها وتعقّلها؛ لتستفيد منها فائدةً كبيرةً؛ لأن تتبع أسمائه الحسنى وتدبّر معانيها وحفظها تكون فيه فائدةٌ كبيرة وعلمٌ بالله ؛ مما يُقوي الإيمان بالله عزَّ وجل، ويثبت أسباب السعادة، ومَن أحصاها وحفظها وعمل بمُقتضاها أدخله الله الجنَّة، أما مجرد الإحصاء والحفظ من دون عملٍ ما يُفيد شيئًا.

الطالب: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَدَدِ: هَلِ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ، أَوْ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنِ اخْتَصَّتْ هَذِهِ بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ؟

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الثَّانِي، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حَصْرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا، لَا الْإِخْبَارُ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ ﷺ فِي حَدِيثِ ابن مَسْعُود الَّذِي أخرجه أحْمَد وَصَحَّحهُ ابن حِبَّانَ: أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ.

الشيخ: يكفي، يكفي، نعم، هذا هو الحق، أسماء مخصوصة نعم، في تتبعها والعناية بها فائدة، لكن ليس معناه أنه ليس له أسماء سواها، له أسماء سواها، لكن هذه مختصة بهذا المعنى.

بَاب المَوْعِظَةِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ

6411- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَاللَّهِ، إِذْ جَاءَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْنَا: أَلا تَجْلِس؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ أَدْخُلُ فَأُخْرِجُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ، وَإِلَّا جِئْتُ أَنَا فَجَلَسْتُ، فَخَرَجَ عَبْدُاللَّهِ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "أَمَا إِنِّي أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ؛ كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا".

الشيخ: أيش قال على الباب؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَوْعِظَةِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِكِتَابِ الدَّعَوَاتِ أَنَّ الْمَوْعِظَةَ يُخَالِطُهَا غَالِبًا التَّذْكِيرُ بِاللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذِّكْرَ مِنْ جُمْلَةِ الدُّعَاءِ، وَخَتَمَ بِهِ أَبْوَابَ الدَّعَوَاتِ الَّتِي عَقَّبَهَا بِكِتَابِ الرِّقَاقِ لِأَخْذِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَوْبًا.

الشيخ: وأمر آخر: أن التذكير تقع فيه دعوات أيضًا، يقع فيه دعاء في الغالب، فلهذا جعله في أبواب الدعاء، المواعظ يقع فيها ذكر، ويقع فيها دعاء، فناسب ذكره هنا.

الطالب: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي شَقِيقٌ) هُوَ أَبُو وَائِلٍ.

الشيخ: ما تكلم على يزيد بن معاوية؟

الطالب: قَوْلُهُ: (إِذْ جَاءَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِاللَّهِ نَنْتَظِرُهُ، فَمَرَّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ" قُلْتُ: وَهُوَ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ عَابِدٌ، ذَكَرَ الْعِجْلِيُّ أَنَّهُ مِنْ طَبَقَةِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" أَنَّهُ قُتِلَ غَازِيًا بِفَارِسَ، كَأَنَّهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا أَحْفَظُ لَهُ رِوَايَةً، وَهُوَ نَخَعِيٌّ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ ردٌّ على ابن التِّينِ فِي حِكَايَتِهِ أَنَّهُ عَبْسِيٌّ بِالْمُوَحَّدَةِ.

الشيخ: انظر في "التقريب" ذكره وإلا ما ذكره.

بسم الله الرحمن الرحيم

81- كِتَابُ الرِّقَاقِ

بَاب ما جاء في الرِّقاق، وأن لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ

الطالب: في الشرح زيادة: (كِتَابُ الرِّقَاقِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ، وَلَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ).

الشيخ: ماشٍ، ماشٍ، متقارب.

الطالب: يزيد بن معاوية النَّخعي الكوفي العابد، ثقة، من الثانية (خ).

6412- حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ.

الشيخ: أيش قال عليه؟ ذكره في آخر أبواب الدعاء ... كتاب الرقاق، من دون رواية عنه، ما روى عنه، مجرد ذكر فقط، دخل على عبدالله بن مسعود.

الطالب: يقول في الشرح: وهو نخعي .........

الشيخ: أيش عندك؟ قوله: يزيد بن معاوية أيش؟

الطالب: فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِاللَّهِ نَنْتَظِرُهُ، فَمَرَّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ"، قُلْتُ: وَهُوَ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ عَابِدٌ، ذَكَرَ الْعِجْلِيُّ أَنَّهُ مِنْ طَبَقَةِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" أَنَّهُ قُتِلَ غَازِيًا بِفَارِسَ، كَأَنَّهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا أَحْفَظُ لَهُ رِوَايَةً، وَهُوَ نَخَعِيٌّ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

الشيخ: نعم، كلهم ما هو برواية، مجرد فقط أنه مرَّ بهم، يعني: مرَّ بهم، دخل على عبدالله بن مسعودٍ فخرج إليهم، ما هي برواية، لكن في "التقريب" كان مقتضى هذا أنه يحذفه أو يذكر ...... إما أن يحذفه بالكلية؛ لأنها ما هي برواية هذه، أو يقول ذكره .......

قَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.

الشيخ: أعد كتاب الرقاق.

بسم الله الرحمن الرحيم

81- كِتَابُ الرِّقَاقِ

بَاب ما جاء في الرِّقاق، وأن لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ

6412- حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ.

قَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.

الشيخ: وهذا يُوجب للمؤمن العناية بهذين الأمرين، وأن يستغلَّهما فيما ينفع: نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ يعني: تذهبان عليه من دون فائدةٍ، فينبغي للمؤمن أن يعتني بهما، وأن يحرص عليهما، فيستغلّ صحته في الأعمال الصالحة التي تنفعه في الآخرة، ويجتهد فيما يعود عليه بالخير دنيا وآخرة؛ حتى لا تضيع هذه الصحة، وهكذا الفراغ يعمره أيضًا بما ينفع في الدين والدنيا، يعمره بما ينفعه في الآخرة، وهو الأهم، من طلب العلم، والعبادة، والذكر، وعيادة المرضى، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وغير هذا من وجوه الخير؛ حتى يكون هذا الفراغُ مشغولًا بما ينفعه.

6413- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ.

الشيخ: يعني: لا عيشَ له أهمية وله معنى كبير إلا عيش الآخرة، أما عيش الدنيا فيزول، مدته محدودة، الحياة الدنيا: حياتها وعيشها ونعيمها كله محدود، مهما متع فيه الإنسان ولو ألف عامٍ كله منتهٍ، لكن العيش الباقي الدائم الذي لا ينتهي أبدًا هو عيش الآخرة؛ فينبغي أن يسعى لهذا العيش، وينبغي أن يطلب هذا العيش الذي يبقى، أما هذا العيش الذي يزول سواء كان مُنعّمًا أو مُنغّصًا فهو زائل، ولو قدرنا ولو فرضنا أنه نُعِّم مئة عام أو مئتي عام أو ألف عام ولم يحصل له كدر، فهذا كله زائل، كأنه أحلام بعد ذلك.

فينبغي للمؤمن أن يسعى للعيش الذي يبقى، الحياة التي تبقى، النعيم الذي يبقى، وذلك بالجدِّ في العمل الصالح، والاستقامة على أمر الله، والمحاسبة لنفسه، وحفظ وقته؛ لعله ينجح، لعله يفوز بالسعادة التي لا تنتهي.

6414- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الخَنْدَقِ، وَهُوَ يَحْفِرُ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ، وَيَمُرُّ بِنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ.

تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.

الشيخ: كيف؟ هذه رواية عن سهل، تابعه سهل وهي رواية عن سهل! أيش قال؟ كأنَّ هذا غلط، كأنَّ هذا بعد رواية أنس، أيش قال عليه؟ تكلم العيني؟

الطالب: قَالَ صَاحبُ "التَّلْوِيح": هَذَا يحْتَاج إِلَى نظرٍ. وَقَالَ غَيرُه: هَذَا لَيْسَ بموجودٍ فِي نسخ البُخَارِيّ، فَيَنْبَغِي إِسْقَاطه.

الشيخ: غلط.

الطالب: أسقطها في الشرح.

الشيخ: لأنَّ رواية سهل هي التي انتهت.

بَاب مَثَلِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].

6415- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

الشيخ: والرواية الأخرى: ورباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها من رواية سهل أيضًا، مضت في الجهاد، والله المستعان.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ

6416- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَبُو المُنْذِرِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ".

الشيخ: وهذا أمرٌ عظيمٌ: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، معلوم أنَّ الغريب وعابر السبيل يعتني بأسباب الرحيل، ما يهمه إلا أسباب الرحيل، ماشٍ، والمعنى: يعني اسعَ للآخرة، واحذر الركون إلى الدنيا وزينتها وغفلتها وشهواتها، لعلك تنجو، لعلك تُفلح.

ولهذا انتبه ابنُ عمر لهذا، وكان يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح"، يعني: كن مُستعدًّا دائمًا، "وخذ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"، يعني: اعمل في حال الصحة ما ينفعك إذا جاء المرض، واعمل في حال الحياة ما ينفعك بعد الموت، يعني: استعمل هذه الحياة وهذه الصحة قبل أن تزولا.

أيش قال الشارحُ عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَتْ "أَوْ" لِلشَّكِّ، بَلْ لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى "بَلْ"، فَشَبَّهَ النَّاسِكَ السَّالِكَ بِالْغَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ يَأْوِيهِ، وَلَا مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ، ثُمَّ تَرَقَّى وَأَضْرَبَ عَنْهُ إِلَى عَابِرِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَسْكُنُ فِي بَلَدِ الْغُرْبَةِ، بِخِلَافِ عَابِرِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِ لِبَلَدٍ شَاسِعٍ، وَبَيْنَهُمَا أَوْدِيَةٌ مُرْدِيَةٌ، وَمَفَاوِزُ مُهْلِكَةٌ، وَقُطَّاعُ طَرِيقٍ، فَإِنَّ مَنْ شَأْنَهُ أَنْ لَا يُقِيمَ لَحْظَةً، وَلَا يَسْكُنَ لَمْحَةً، وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِر الصَّبَاحَ .. إِلَخْ"، وَبِقَوْلِهِ: "وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ".

س: ............؟

ج: هذه زيادات قوَّاها بعضُهم، غير المؤلف يعني.

س: ..............؟

ج: هذا ذكره الطيبي، يعني نقله عن الطيبي.

الطالب: وَالْمَعْنَى: اسْتَمِرَّ سَائِرًا وَلَا تَفْتُرْ، فَإِنَّكَ إِنْ قَصَّرْتَ انْقَطَعْتَ وَهَلَكْتَ فِي تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ، وَهَذَا مَعْنَى الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَمَّا الْمُشَبَّهُ فَهُوَ قَوْلُهُ: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ" أَيْ: أَنَّ الْعُمُرَ لَا يَخْلُو عَنْ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ، فَإِذَا كُنْتَ صَحِيحًا فَسِرْ سَيْرَ الْقَصْدِ، وَزِدْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ قُوَّتِكَ مَا دَامَتْ فِيكَ قُوَّةٌ، بِحَيْثُ يكون مَا بِكَ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ قَائِمًا مَقَامَ مَا لَعَلَّهُ يفوتُ حَالَةَ الْمَرَضِ وَالضَّعْفِ، زَادَ عَبده فِي رِوَايَته عَن ابن عُمَرَ: "اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا .." الْحَدِيثَ، وَزَادَ لَيْثٌ فِي رِوَايَتِهِ: "وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ"، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بن مَنْصُورٍ: "وكأنَّك عَابِر سَبِيل".

وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: لَمَّا كَانَ الْغَرِيبُ قَلِيلَ الِانْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْحِشٌ مِنْهُمْ، إِذْ لَا يَكَادُ يَمُرُّ بِمَنْ يَعْرِفُهُ مُسْتَأْنِسٌ بِهِ، فَهُوَ ذَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ، خَائِفٌ، وَكَذَلِكَ عَابِرُ السَّبِيلِ لَا يَنْفُذُ فِي سَفَرِهِ إِلَّا بِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ، وَتَخْفِيفِهِ مِنَ الْأَثْقَالِ.

الشيخ: تخففه؛ لأنَّ عابر السبيل يتخفَّف.

الطالب: وتخففه من الأثقال، غَيْرَ مُتَثَبِّتٍ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ قَطْعِ سَفَرِهِ، مَعَهُ زَادُهُ وَرَاحِلَتُهُ يُبَلِّغَانِهِ إِلَى بُغْيَتِهِ مِنْ قَصْدِهِ، شَبَّهَهُ بِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى إِيثَارِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَخْذِ الْبُلْغَةِ مِنْهَا، وَالْكَفَافِ، فَكَمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُسَافِرُ إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يُبَلِّغُهُ إِلَى غَايَةِ سَفَرِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يُبَلِّغُهُ الْمَحَلَّ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى الْفَرَاغِ عَنِ الدُّنْيَا، وَالزُّهْدِ فِيهَا، وَالِاحْتِقَارِ لَهَا، وَالْقَنَاعَةِ فِيهَا بالبلغة.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: معنى الحَدِيث: لا تركن إِلَى الدُّنْيَا، وَلَا تَتَّخِذْهَا وَطَنًا، وَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرِيبُ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: عَابِرُ السَّبِيلِ هُوَ الْمَارُّ عَلَى الطَّرِيقِ طَالِبًا وَطَنَهُ، فَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا كَعَبْدٍ أَرْسَلَهُ سَيِّدُهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَشَأْنُهُ أَنْ يُبَادِرَ بِفِعْلِ مَا أُرْسِلَ فِيهِ، ثُمَّ يَعُودَ إِلَى وَطَنِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ أَنْ يُنَزِّلَ الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا مَنْزِلَةَ الْغَرِيبِ، فَلَا يَعْلَقُ قَلْبهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَلَدِ الْغُرْبَةِ، بَلْ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَطَنِهِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَيَجْعَلُ إِقَامَتَهُ فِي الدُّنْيَا لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَجِهَازَهُ لِلرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ.

الشيخ: كل مؤمنٍ وطنه في الجنة، هي دار أبيه الأولى، هي دار أبيه التي أُخرج منها بالخطيئة، فعلى المؤمن أن يحرص على أن يرجع إليها، ويتقلل ويتخفف لعله يسلم ويرجع إلى وطنه القديم، مثلما قال ابنُ القيم رحمه الله:

فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم

الله المستعان، سبي العدو بسبب ما زيَّنه الشيطانُ لآدم حتى خرج من الجنة بأسباب المعصية.

الطالب: وَهَذَا شَأْنُ الْغَرِيبِ، أَوْ يَكُونُ كَالْمُسَافِرِ لَا يَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ هُوَ دَائِمُ السَّيْرِ إِلَى بَلَدِ الْإِقَامَةِ.

وَاسْتُشْكِلَ عَطْفُ عَابِرِ السَّبِيلِ عَلَى الْغَرِيبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الطِّيبِيِّ، وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّرَقِّي؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَاتِهِ أَقَلُّ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَرِيب الْمُقِيم.

قَوْله: (وَكَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ) فِي رِوَايَةِ لَيْثٍ: "وَقَالَ لِي ابن عُمَرَ: إِذَا أَصْبَحْتَ .." الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ" أَيْ: زَمَنِ صِحَّتِكَ، "لِمَرَضِك" فِي رِوَايَةِ لَيْثٍ: "لِسَقَمِكَ"، وَالْمَعْنَى: اشْتَغِلْ فِي الصِّحَّةِ بِالطَّاعَةِ، بِحَيْثُ لَوْ حَصَلَ تَقْصِيرٌ فِي الْمَرَضِ لَا يُجْبَرُ بِذَلِكَ.

الشيخ: يُجبر، ما في "لا"، اشتغل في حال الصحة حتى ينجبر النَّقصُ الذي في حال المرض، "لا" زائدة.

الطالب: قَوْلُهُ: "وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ" فِي رِوَايَةِ لَيْثٍ: "قَبْلَ مَوْتِكَ"، وَزَادَ: "فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَاللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا" أَيْ: هَلْ يُقَالُ لَهُ: شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، وَلَمْ يُرِدِ اسْمَهُ الْخَاصَّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هَلْ هُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمَوْقُوفُ مِنْ هَذَا تَقَدَّمَ مُحَصل مَعْنَاهُ فِي حَدِيث ابن عَبَّاسٍ أَوَّلَ كِتَابِ الرِّقَاقِ، وَجَاءَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث ابن عَبَّاسٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَأَخْرَجَهُ ابن الْمُبَارَكِ فِي "الزُّهْدِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ.

الشيخ: ورواه الحاكم؟

الطالب: الرِّقَاقِ، وَجَاءَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث ابن عَبَّاسٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ...

الشيخ: هذه الفائدة تُكتب، ينبغي أن ينقلها الإنسانُ وتكون معه، رواية الحاكم، ومرسل عمرو بن ميمون شاهد لذلك: خمسًا قبل خمسٍ ...

الطالب: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَأَخْرَجَهُ ابن الْمُبَارَكِ فِي "الزُّهْدِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ.

س: ............؟

ج: كأنه عند قوله ﷺ: نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ، هو تكلم على الصحة والفراغ.

الطالب: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَلَامُ ابن عُمَرَ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِنِهَايَةِ قِصَرِ الْأَمَلِ، وَأَنَّ الْعَاقِلَ يَنْبَغِي لَهُ إِذَا أَمْسَى لَا يَنْتَظِرُ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحَ لَا يَنْتَظِرُ الْمَسَاء، بَلْ يَظُنُّ أَنَّ أَجَلَهُ مُدْرِكُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: "خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ .." إِلَخْ.

الشيخ: يكفي، يكفي.

بَاب فِي الأَمَلِ وَطُولِهِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، وَقَوْلِهِ: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَل".

بِمُزَحْزِحِهِ [البقرة:96]: بِمُبَاعِدِهِ.

6417- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا.

الشيخ: هذا واقع، الخط الظاهر الطويل هذا أعمال الإنسان، وهذا الخط المحيط به هذا أجله، ما له مفرّ من الأجل، فالموت لا بدّ منه، والإنسان في وسطٍ، والخطوط الصغيرة عن يمينه وعن شماله ما يعرض له من الآفات والأمراض والأذى، والله المستعان.

أعد، أعد.

الطالب: عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ...

الشيخ: ما مرَّ الخط الخارجي، قال: خطَّ النبي، الخط الخارجي ما جاء.

الطالب: قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا.

الشيخ: هذا هو، نعم.

الطالب: وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ...

الشيخ: نعم، نعم.

الطالب: وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا.

الشيخ: أيش وجه كونه مربعًا، ما قال: مُستديرًا، إن كان مربعًا هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، الحكمة كونه مربعًا، ما هو مستدير، هكذا محيط به، مستدير، الحكمة كونه مربعًا ليس بمستديرٍ، ما تكلم  عليه الشارح: العيني وإلا الحافظ؟

الطالب: يقول: ..... والمُربع مستوي الزوايا.

الشيخ: مستوي الزوايا فقط؟ ولا تكلم على الحكمة؟

الطالب: ............

الشيخ: لعلها إشارة للجهات، يعني: أوضح في الجهات، أوضح.

6418- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خُطُوطًا فَقَالَ: هَذَا الأَمَلُ، وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الخَطُّ الأَقْرَبُ.

بَاب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي العُمُرِ؛

لِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]: يَعْنِي: الشَّيْبَ

6419- حَدَّثَنِي عَبْدُالسَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً. تَابَعَهُ أَبُو حَازِمٍ، وَابْنُ عَجْلانَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ.

الشيخ: وهذا رواه مسلم أيضًا.

6420- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لا يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الأَمَلِ.

الشيخ: وفي اللفظ الآخر: يكبر ابنُ آدم ويشبّ معه اثنتان: حبّ الدنيا، وطول الأمل.

الطالب: قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ.

6421- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَطُولُ العُمُرِ. رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ.

الشيخ: وقال أول: طول الأمل.

س: ...............؟

ج: أعذر الله يعني: انتهى في العذر، يعني: قد بلغ في الإعذار إليه، يعني: ما بقي له عذر، مثلما في الحديث الآخر: لن يُهلك اللهُ قومًا حتى يُعْذَروا من أنفسهم يعني: حتى يقولوا: معذور مَن عاقبنا؛ قد فعلنا ما يُوجب العقوبة: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

س: ............؟

ج: هذا وصفٌ أغلبي، قد يأتي مَن رزقه الله الزهدَ في الدنيا، والرغبة في الآخرة، فلا يهمه طول الأمل، ولا يهمّه المال.

س: أعذر يعني: انقطعت المعذرة؟

ج: نعم، يعني: ما بقي له عذر، ستون سنة طويلة.

س: لماذا خصص ستين سنةً؟

ج: لأنها مدة طويلة، فيها تَذَكُّرٌ لمن أراد أن يتذكر، وفي اللفظ الآخر: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم مَن يجوز ذلك.

س: .............؟

ج: يكبر ويكبر من كبر يكبر، كبر يكبر صار كبيرًا ..... تكلم عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: يَكْبَرُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: يَطْعَنُ فِي السِّنِّ.

قَوْلُهُ: وَيَكْبُرَ مَعَهُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: يَعْظُمُ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ فِي الْأَوَّلِ تَعْبِيرًا عَنِ الْكَثْرَةِ، وَهِيَ كَثْرَةُ عَدَدِ السِّنِينَ بِالْعِظَمِ.

الشيخ: يكبر ويكبر ......

س: .............؟

ج: نعم، يكبر من جهة السن وارتفاعها، ويكبر من جهة كثرتها وعظمتها. تكلم على أعذر الله؟

الطالب: قَوْلُهُ: أَعْذَرَ اللَّهُ الْإِعْذَارُ: إِزَالَةُ الْعُذْرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِذَارٌ، كَأَنْ يَقُولَ: لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَلِ لَفَعَلْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ، يُقَالُ: "أَعْذَرَ إِلَيْهِ" إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُذْرِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا بِالْعُمُرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالطَّاعَةُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنِسْبَةُ الْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ مَجَازِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ لِلْعَبْدِ سَبَبًا فِي الِاعْتِذَارِ يَتَمَسَّكُ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إِلَّا بَعْدَ حُجَّةٍ.

الشيخ: ما له حاجة إلى ..... الأمر واقع وحقيقة ما في حاجة إلى ..... هو من فضله وإحسانه جلَّ وعلا، أبلغه هذا العمر وقد أعذر إليه، ولو أخذه قبل ذلك لكان له الحق في ذلك، لكن هذا من باب الجود والكرم والإحسان، حيث مدَّ له في العمر.

س: مَن لم يُبلغه الله ستين سنةً له عذر؟

ج: هذا ما له مفهوم، لكن هذا معناه أنَّ هذا غاية في العذر يعني.

الطالب: قَوْلُهُ: أَخَّرَ أَجَلَهُ يَعْنِي: أَطَالَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى عَبْدٍ أَحْيَاهُ حَتَّى يَبْلُغَ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً، لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ، لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ أَبُو حَازِم وابن عَجْلَانَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ) أَمَّا مُتَابَعَةُ أَبِي حَازِمٍ -وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ- فَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أبي، عَن سعيد المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَذَا أَخْرَجَهُ الْحُفَّاظُ عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَخَالَفَهُمْ هَارُونُ بن مَعْرُوف فَرَوَاهُ عَن ابن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن سعيد المقبري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَإِدْخَالُهُ بَيْنَ سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ رَجُلًا مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.

وَأَمَّا طَرِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ سِتُّونَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمر.

قَالَ ابن بَطَّالٍ: إِنَّمَا كَانَتِ السِّتُّونَ حَدًّا لِهَذَا؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُعْتَرَكِ، وَهِيَ سِنُّ الْإِنَابَةِ وَالْخُشُوعِ وَتَرَقُّبِ الْمَنِيَّةِ، فَهَذَا إِعْذَارٌ بَعْدَ إِعْذَارٍ، لُطْفًا مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ، حَتَّى نَقَلَهُمْ مِنْ حَالَةِ الْجَهْلِ إِلَى حَالَةِ الْعِلْمِ، ثُمَّ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ إِلَّا بَعْدَ الْحُجَجِ الْوَاضِحَةِ، وَإِنْ كَانُوا فُطِرُوا عَلَى حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ، لكِنَّهمْ أُمروا بمجاهدة النَّفس فِي ذَلِك؛ ليمتثلوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اسْتِكْمَالَ السِّتِّينَ مَظِنَّةٌ لِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ.

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْأَسْنَانُ أَرْبَعَةٌ: سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ، ثُمَّ الشَّبَابِ، ثُمَّ الْكُهُولَةِ، ثُمَّ الشَّيْخُوخَةِ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ، وَغَالِبُ مَا يَكُونُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ، فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنَ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ سِتِّينَ فَلَمْ يَحُجَّ مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقَصِّرًا وَيَأْثَمُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، بِخِلَافِ مَا دُونَ ذَلِك.

الشيخ: وهذا على القول بأنَّ الحج فرضٌ على التراخي، وأما الصحيح الذي عليه الجمهور أنه على الفور، يعني: مَن استطاع الحجَّ يلزمه أن يحجَّ ولو كان في حال الشباب، إذا استطاع وجب عليه الحجّ؛ لقوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فيجب عليه على الفور.

بَاب العَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ

فِيهِ سَعْدٌ.

6422- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ -وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ.

6423- قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، قَالَ: غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ.

6424- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الجَنَّةُ.

الشيخ: وفي هذا الباب الإرشاد إلى أنه ينبغي للمؤمن في أعماله كلها أن يبتغي بها وجه الله ، وأن يبتعد عن صفة المنافقين الذين لهم مقاصد وأغراض في أعمالهم ليست ابتغاء وجه الله جلَّ وعلا، فإن المنافق أعماله كلها لغير الله، فهو يعمل لمقاصد وأغراضٍ عاجلة: إما رياء للناس، وإما لطلب مدحة، وإما لطلب مالٍ، وإما لحقن دمه، وإما لغير هذا من الأمور، فليست أعمالهم لله.

فلهذا عقد المؤلفُ البخاري رحمه الله هذا البابَ في بيان الأعمال التي يُبتغى بها وجه الله، وأنها تنفع أهلها يوم القيامة، وأعظمها وأكبرها وأخصّها توحيد الله عزَّ وجل، كونه يأتي بذكر الله يبتغي وجه الله يقول: "لا إله إلا الله"، يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله" يبتغي وجه الله، هكذا المؤمن يقولها عن إخلاصٍ، عن صدقٍ، يعلم أنه لا معبودَ حقّ إلا الله، وهو يقولها يبتغي وجه الله، يبتغي مرضاة ربه، يبتغي الزُّلفى لديه، فلهذا وعده الله الجنة، وحرَّمه على النار، إذا قالها عن صدقٍ ولم يمت مُصرًّا على السيئات، فإذا أتى بالتوحيد الخالص لله، وليس معه إصرارٌ على السيئات؛ وجبت له الجنة، وحرَّمه الله على النار، أما إن كان قد أصرَّ على السيئات ولم يتب فهذا مثلما قال جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] تحت مشيئة الله، هذه المعاصي التي أصرَّ عليها ومات عليها، إن شاء المولى سبحانه عفا عنه فأدخله الجنة بتوحيده وإسلامه، وإن شاء عذَّبه على قدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب، ثم مصيره إلى الجنة.

وقوله: (فيه سعد) عن النبي ﷺ، يعني: سعد بن مالك، يعني: سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه، وهي قصته حين تخلَّف، حين أصابه المرض في مكة، فسأل النبيَّ ﷺ: هل أُخلَّف بعد أصحابي؟ قال: إنَّك لن تعمل عملًا تبتغي به وجهَ الله إلا ازدتَّ به درجةً ورفعةً، ولعلك أن تُخلّف حتى ينتفع بك أقوامٌ، ويُضرّ بك آخرون، فطالت حياته، وفسح الله له في الأجل حتى جاهد في الله في الفرس، وجرت على يديه فتوح عظيمة، وأعزَّ الله به الإسلام، وجرى على يديه خيرٌ كثيرٌ .

وفي هذا يقول ﷺ عن الله تعالى: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا أخذتُ صفيَّه من أهل الدنيا فاحتسبه إلا الجنة، والصَّفيُّ هو المحبوب لديك: إما ولد، أو زوجة، أو زوج، أو والد، أو والدة، أو أخ، أو صديق حميم، أو ما أشبه ذلك، أو أخذ بصره، أو سمعه، أو ما أشبه ذلك، فإذا أخذ محبوبه من الدنيا فاحتسبه عند الله وصبر؛ صار من جزائه عليه الجنة والنَّجاة من النار.

ويدخل في ذلك: مَن مات له واحدٌ، نفر واحد، جاء في الحديث أنه مَن مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنثَ كانوا له حجابًا عن النار، قالوا: يا رسول الله، واثنين؟ قال: واثنين، بقي الواحد لم يسألوه عنه، وهذا الحديث يدل على أنه حتى الواحد إذا احتسبه عند الله وهو محبوبٌ له وأخذ واحتسبه؛ كان من جزائه الجنة.