85 من حديث: (قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي..)

5955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ».

5956 - «وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ».

الشيخ: وهذا فيه جواز نظر الرجل إلى عورة زوجته، وهي كذلك، فإنه لا مانع أن يغتسلا من إناء واحد، ينظر أحدهما إلى الآخر، وأما ما يروى عن عائشة أنها قالت: "ما رأى ذلك مني ولا رأيت ذلك منه" فهو خبر باطل، لا أصل؛ لا صحة له.

بَاب مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ

5957 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقُلْتُ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ، قَالَ: مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ.

الشيخ: والمراد بهذا جنس الصورة؛ لأن الخبر الأول يدل على أنها جعلت وسادة المراد بهذا جنس الصور وأن هذا شأنها.

5958 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ، حَدَّثَهُ بُسْرٌ، حَدَّثَهُ زَيْدٌ، حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: وهذا لا يدل على جواز الصور في الستور لأمرين: الأمر الأول: أن قوله: إلا رقمًا في ثوب ليس صريحًا في التصوير، فإن الرقم يكون من النقوش، ويكون من أنواع الأرقام التي توضع على الثياب، لا يلزمه منه أن يكون صورة.

والأمر الثاني: أن الثوب الذي يُمتهن مما فيه صور وصار مما يفرش ويمتهن لا يضر، الذي يضر تعليقه إذا كان من قطعة الثياب التي تفرش وتمتهن كالبسط فلا يضر ذلك، الحاصل أن قوله: إلا رقمًا في ثوب لا يدل على ما ذكره عبيدالله الخولاني، ثم وجود الثوب على باب زيد لا يلزم أن يكون علم بذلك وأقر ذلك، فإن الأتباع والخدم قد يفعلون أشياء لا يفعلها مخدومهم وصاحب البيت، قد يكون هذا فعله بعض الخُدام مما لا يفهم الحكم، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه لما رأى سترًا عند عائشة على الباب هتكه وغضب وأنكر عليها ذلك، وعلم بذلك أن هذا الذي على باب زيد لا يدل على الجواز؛ بل إما أن يكون ذلك من غير علم زيد أو لم تبلغه السُّنة في هذا الشيء فظن أنه جائز لو فُرض أنه علم بذلك.

بَاب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي التَّصَاوِيرِ

5959 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ، سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: أَمِيطِي عَنِّي، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلاَتِي.

الشيخ: هذه علل، الرسول علل بأشياء منها لعن المصورين، وأنهم يعذبون يوم القيامة، ومنها أن تعرض له في صلاته وتشوش، ومنها ما جاء في اللفظ الآخر: كلما رأيتها ذكرت الدنيا فقد يكون الشيء معللًا بعلل عدة.

بَاب لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ

5960 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «وَعَدَ النَّبِيَّ ﷺ جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيْهِ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ».

الشيخ: أيش قال الشارح على هذا؟ هذا الحديث يوافق ما في رواية النسائي.. لكن هذا مختصر.

الطالب: قَوْله: بَاب لَا تَدْخُل الْمَلَائِكَة بَيْتًا فِيهِ صُورَة تَقَدَّمَ الْبَحْث فِي الْمُرَاد بِالصُّورَةِ فِي بَاب التَّصَاوِير، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم: إِنَّمَا لَمْ تَدْخُل الْمَلَائِكَة الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الصُّورَة لِأَنَّ مُتَّخِذهَا قَدْ تَشَبَّهَ بِالْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الصُّوَر فِي بُيُوتهمْ وَيُعَظِّمُونَهَا فَكَرِهَتْ الْمَلَائِكَة ذَلِكَ فَلَمْ تَدْخُل بَيْته هَجْرًا لَهُ لِذَلِكَقَوْله: عُمَر بْن مُحَمَّد، أَيْ اِبْن زَيْد بْن عَبْداللَّه بْن عُمَر، وَسَالِم شَيْخه هُوَ عَمّ أَبِيهِ وَهُوَ اِبْن عَبْداللَّه بْن عُمَرقَوْله: وَعَدَ جِبْرِيل النَّبِيّ ﷺ، زَادَتْ عَائِشَة: "فِي سَاعَة يَأْتِيه فِيهَا" أَخْرَجَهُ مُسْلِمقَوْله: فَرَاثَ عَلَيْهِ، بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَبْطَأَ، وَفِي حَدِيث عَائِشَة: "فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَة وَلَمْ يَأْتِهِ"قَوْله: حَتَّى اِشْتَدَّ عَلَى النَّبِيّ ﷺ، فِي حَدِيث عَائِشَة: "وَفِي يَده عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَده وَقَالَ: مَا يُخْلِف اللَّه وَعْده وَلَا رُسُله" وَفِي حَدِيث مَيْمُونَة عِنْد مُسْلِم نَحْو حَدِيث عَائِشَة وَفِيهِ: "أَنَّهُ أَصْبَحَ وَاجِمًا" بِالْجِيمِ أَيْ مُنْقَبِضًاقَوْله: فَخَرَجَ النَّبِيّ ﷺ فَلَقِيَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، أَيْ مِنْ إِبْطَائِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَا نَدْخُل بَيْتًا فِيهِ صُورَة وَلَا كَلْب، فِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِصَار، وَحَدِيث عَائِشَة أَتَمّ فَفِيهِ: ثُمَّ اِلْتَفَتَ فَإِذَا جِرْو كَلْب تَحْت سَرِيره فَقَالَ: يَا عَائِشَة مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْب؟ فَقَالَتْ: وَاَيْم اللَّه مَا دَرَيْت. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيل، فَقَالَ: وَاعَدْتنِي فَجَلَسْت لَك فَلَمْ تَأْتِ. فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْب الَّذِي كَانَ فِي بَيْتك. وَفِي حَدِيث مَيْمُونَة: فَظَلَّ يَوْمه عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسه جِرْو كَلْب فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاء فَنَضَحَ مَكَانه، فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيل، وَزَادَ فِيهِ الْأَمْر بِقَتْلِ الْكِلَاب. وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي السُّنَن وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّان أَتَمّ سِيَاقًا مِنْهُ وَلَفْظه: "أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: أَتَيْتُك الْبَارِحَة فَلَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَكُون دَخَلْت إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَاب تَمَاثِيل، وَكَانَ فِي الْبَيْت قِرَام سِتْر فِيهِ تَمَاثِيل، وَكَانَ فِي الْبَيْت كَلْب، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَال الَّذِي عَلَى بَاب الْبَيْت يُقْطَع فَيَصِير كَهَيْئَةِ الشَّجَرَة، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُول اللَّه ﷺ"، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ: "إِمَّا أَنْ تُقْطَع رُءُوسهَا أَوْ تُجْعَل بُسُطًا تُوطَأ" وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَرْجِيح قَوْل مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصُّورَة الَّتِي تَمْتَنِع الْمَلَائِكَة مِنْ دُخُول الْمَكَان الَّتِي تَكُون فِيهِ بَاقِيَة عَلَى هَيْئَتهَا مُرْتَفِعَة غَيْر مُمْتَهَنَة.

الشيخ: وهو صريح ............... عند أحمد والنسائي.. وهو لا بأس بسنده.

الطالب: فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُمْتَهَنَة أَوْ غَيْر مُمْتَهَنَة لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ مِنْ هَيْئَتهَا إِمَّا بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفهَا أَوْ بِقَطْعِ رَأْسهَا فَلَا اِمْتِنَاع.

الشيخ: قوله: قطع نصفها، ليس بجيد، وإنما الواجب مثل ما قال النبي ﷺ قطع الرأس فقط، أما قطع النصف وبقاء الصدر والرأس ما يحصل به المقصود، فقول الشارح: النصف، ليس بجيد، الصواب ما يتعلق بالرأس على نص الحديث، يعني إزالته بالكلية ما هو........... إزالته بالكلية.

الطالب: وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهِر حَدِيث زَيْد بْن خَالِد عَنْ أَبِي طَلْحَة الْمَاضِي قِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَمْتَنِع مِنْ دُخُول الْبَيْت الَّذِي فِيهِ صُورَة إِنْ كَانَتْ رَقْمًا فِي الثَّوْب، وَظَاهِر حَدِيث عَائِشَة الْمَنْع وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنْ يُحْمَل حَدِيث عَائِشَة عَلَى الْكَرَاهَة، وَحَدِيث أَبِي طَلْحَة عَلَى مُطْلَق الْجَوَاز وَهُوَ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَة. قُلْت: وَهُوَ جَمْع حَسَن؛ لَكِنَّ الْجَمْع الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَوْلَى مِنْهُ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.

الشيخ: الجمع الأخير هو الصواب، أما الكراهة والإباحة فلا وجه له، بل الجمع بينهما أن ما في حديث أبي طلحة إما رقم نقش ليس بصورة، وإما رقم قد أخذ رأس الصورة، وإما أن زيدًا لم يعلم ذلك أو جهل الحكم، والذي دل عليه حديث عائشة وأبي هريرة قطع الرأس أو جعله وسادة تُمتهن أو فراش، هذا هو الجمع، ما دلت عليه النصوص هو الجمع الصحيح.

بَاب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ

5961 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.

الشيخ: يعني لم أشترها لتعلق أو تجعل على الجدار، إنما اشتريتها لهذا الغرض، ولهذا أقرها كما في اللفظ الآخر.

وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ».

س: إذا عزم واحد، دعاه إنسان في بيته وفيه صور؟

الشيخ: إذا كانت معلقة يمتنع، ولا يدخله إلا إذا كانت تُمتهن.

س:.........

الشيخ: في كل ما يتعلق بالإنسان يُتاب إليه منه، يعتذر منه، إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوق يعتذر للمخلوق، وإذا كان يتعلق بحق الله فالتوبة إلى الله وحده، أما إذا كان الخطأ منك على زيد تتوب إليه معناه تعتذر إليه، تقول له: سامحني، ضربته سبيته، التوبة إليه معناه الاعتذار منه وطلب العفو.

س:.........

الشيخ: لا ما يحمل، هذا المراد به الكلب اللي ما هو مأذون فيه، مثل ما تقدم في الدرس الماضي، أما الكلاب المأذون فيها والصور المأذون فيها ما تمنع، الصور الممتهنة لا تمنع دخول الملائكة، ولهذا قال جبرائيل: اجعل منه وسادتين، ودخل جبرائيل لما جعل الستر وسادة، وكذلك الكلب الغير مأذون فيه هو الذي يمنع، أما المأذون فيه ككلب الصيد والماشية والزرع فلا يمنع؛ لأنه مأذون فيه.

بَاب مَنْ لَعَنَ المُصَوِّرَ

5962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ اشْتَرَى غُلاَمًا حَجَّامًا، فَقَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ البَغِيِّ، وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ وَالمُصَوِّرَ».

الشيخ: وهذا يدل على أن هذه كلها من الكبائر، لعنهم عليها دل على أنها من الكبائر: أكل الربا، وإيكال الربا، والوشم والواشمة والمستوشمة، وهكذا المصور؛ كلها كبائر لهذا جاءت اللعنة عليها.

بَاب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ

5963 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ، وَلاَ يَذْكُرُ النَّبِيَّ ﷺ حَتَّى سُئِلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ.

الشيخ: يعني هذا من عقوبته، يكلف هذا مثل ما جاء في الحديث: من تحلّم بحلم وهو كاذب كُلّف أن يعقد بين شعيرتين من باب التعذيب، نسأل الله السلامة.

س: الصور في الثياب؟

الشيخ: ما تجوز الثياب الملبوسة؛ لأنها في حكم المنصوبة: يقف فيها الإنسان، ويمشي فيها الإنسان، ما هي في حكم الممتهنة، ما هي في حكم البساط، ما يجوز لبس الثياب المصورة.

س:.........

الشيخ: الرقم يعني النقوش، ثوب فيه نقط ما يضر، أما الصور لا ..................

س:.........

الشيخ: هو ذكر الجمع الصحيح التالي: وهو أن الجمع الصحيح أن هذا محمول على إذا كانت ممتهنة.

..................

الشيخ: كل هذا محتمل، يحتمل النقوش من غير الصور، قال: إلا رقمًا، ما قال إلا صورة؛ لئلا يظن ظان أن الرقوم مثل الصور، النقوش غير الصور.

س: بيت واحد بس مقسّم أمكنة: مكان فيه تصاوير ومكان ليس فيه تصاوير، محتمل أن الملائكة تمتنع؟

الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أنه البيت كله إذا كان فيه صور فالبيت كله؛ لأن الغرفة تبع البيت.

بَاب الِارْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ

5964 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ».

الشيخ: وهذا منه ﷺ كثير، كان من عادته الإرداف عليه الصلاة والسلام، ضد حال المتكبرين، فالمتكبرون لا يرضون بالإرداف، وكان يردف على دابته على الحمار وعلى البعير، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، كذلك كونه ركب دابة، على حمار، على إكاف، كونه "حمار" من التواضع ثم كونه إكاف................ على ظهر الحمار كذلك من التواضع، وفي مجيئه في حجة الوداع لما سار من عرفات أردف أسامة، ولما سار من مزدلفة أردف الفضل بن العباس، وفي قصته مع معاذ أردف معاذًا عليه الصلاة والسلام، وله في هذا وقائع كثيرة عليه الصلاة والسلام وربما حمل ................ من أولاد بناته الحسن والحسين أو غيرهم أحدهما أمامه والآخر خلفه، كله من تواضعه عليه الصلاة والسلام.

س: مناسبة الحديث...؟

الشيخ: لأنه -والله أعلم- الجلوس على الشيء من الملابس ولأنه ألصق به، يعني يلصق به، وفي التواضع فكما يتواضع الناس في مجالسهم وفرشهم وما يتكئون عليه؛ كذلك فيما يركبون.

س:.........

الشيخ: فوق الإكاف، يعني مفروشة فوق الإكاف.

س: ما هو الإكاف؟

الشيخ: الظاهر مثل بردعة التي تكون على الحمار، شيء يوطأ ويجعل على ظهر الحمار، يكون حشوه "ليف" وإلا شبهه، فوق الحمار يركب عليه الراكب يسمونه عندنا بردعة، ويسمى "إكاف" في اللغة، شف الإكاف. الإكاف ضبطه تكلم على الإكاف؟ شف نجيح بن إبراهيم في التقريب؟

الطالب: قوله قطيفة، وهي الدثار ............. والفدكية صفتها نسبة إلى فدك بفتح الفاء والدال المهملة، وهي قرية بخيبر. انتهى.

الطالب: يقول إكاف، إكاف الحمار ككتاب وهراق.

الشيخ: إكاف وأكاف يكسر ويضم.

الطالب: وإكافه بردعته..

.................

بَاب الثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ

5965 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِالمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالآخَرَ خَلْفَهُ».

الشيخ: تكلم على قدم هذه؟ هل قدم في عمرة القضاء وإلا في حجة الوداع؟

الطالب: قَوْله: (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ ﷺ مَكَّة) يَعْنِي فِي الْفَتْح.

الشيخ: كذا في العيني في الفتح؟

الطالب: نعم.

بَاب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ.

5966 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ: - ذُكِرَ شَرُّ الثَّلاَثَةِ عِنْدَ - عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالفَضْلَ خَلْفَهُ، أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ، وَالفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟».

الشيخ: أيش قال الشارح على الترجمة؟

الطالب: قَوْله: (بَاب حَمْل صَاحِب الدَّابَّة غَيْره بَيْن يَدَيْهِ، وَقَالَ بَعْضهمْ: صَاحِب الدَّابَّة أَحَقّ بِصَدْرِ الدَّابَّة إِلَّا أَنْ يَأْذَن لَهُ). ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيق عِنْد النَّسَفِيّ، وَهُوَ لِأَبِي ذَرّ عَنْ الْمُسْتَمْلِيّ وَحْده، وَالْبَعْض الْمُبْهَم هُوَ الشَّعْبِيّ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق حُسَيْن بْن وَاقِد عَنْ عَبْداللَّه بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُول اللَّه ﷺ يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُل وَمَعَهُ حِمَار فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه اِرْكَبْ، وَتَأَخَّرَ الرَّجُل، فَقَالَ: لَأَنْتَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابَّتك إِلَّا أَنْ تَجْعَلهُ لِي، قَالَ: قَدْ جَعَلْته لَك. فَرَكِبَ" وَهَذَا الرَّجُل هُوَ مُعَاذ بْن جَبَل بَيَّنَهُ حَبِيب بْن الشَّهِيد فِي رِوَايَته عَنْ عَبْداللَّه بْن بُرَيْدَةَ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ، أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيقه. قَالَ اِبْن بَطَّال: كَأَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يَرْتَضِ إِسْنَاده يَعْنِي حَدِيث بُرَيْدَةَ فَأَدْخَلَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس لِيَدُلّ عَلَى مَعْنَاهُ. قُلْت: لَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطه، فَلِذَلِكَ اِقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَة إِلَيْهِ، وَقَدْ وَجَدْت لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيث النُّعْمَان بْن بَشِير أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ زِيَادَة الِاسْتِثْنَاء، وَأَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ حَدِيث قَيْس بْن سَعْد بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة. وَفِي الْبَاب عِدَّة أَحَادِيث مَرْفُوعَة وَمَوْقُوفَة بِمَعْنَى ذَلِكَ.

الشيخ: ولا شك أنها يشهد بعضها لبعض، وتدل على أن صاحب الدابة أحق بصدرها.. لكن إذا سمح وقدم غيره عليه بحيث يكون أمامه فلا بأس كما فعل معاذ. وكما فعل النبي ﷺ حين قدم بعض الغلمان قدامه.

الطالب: قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: إِنَّمَا كَانَ الرَّجُل أَحَقّ بِصَدْرِ دَابَّته؛ لِأَنَّهُ شَرَف، وَالشَّرَف حَقّ الْمَالِك؛ وَلِأَنَّهُ يَصْرِفهَا فِي الْمَشْي حَيْثُ شَاءَ وَعَلَى أَيّ وَجْه أَرَادَ مِنْ إِسْرَاع أَوْ بُطْء وَمِنْ طُول أَوْ قِصَر، بِخِلَافِ غَيْر الْمَالِك. وَقَوْله فِي حَدِيث بُرَيْدَةَ "إِلَّا أَنْ تَجْعَلهُ لِي" يُرِيد الرُّكُوب عَلَى مُقَدَّم الدَّابَّة، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ الرَّجُل قَدْ تَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّه اِرْكَبْ، أَيْ فِي الْمُقَدَّم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ، وَيُمْكِن أَنْ يُجَاب بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلهُ لَهُ صَرِيحًا، أَوْ الضَّمِير لِلتَّصَرُّفِ فِي الدَّابَّة بَعْد الرُّكُوب كَيْف أَرَادَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي حَقّ صَاحِب الدَّابَّة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اِجْعَلْ حَقّك لِي كُلّه مِنْ الرُّكُوب عَلَى مُقَدَّم الدَّابَّة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ.

قَوْله: (ذُكِرَ شَرّ الثَّلَاثَة عِنْد عِكْرِمَة) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِيّ وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ: "أَشَرّ" بِزِيَادَةِ أَلِف أَوَّله، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: "الْأَشَرّ" فَأَمَّا أَشَرّ بِزِيَادَةِ أَلِف فَهِيَ لُغَة تَقَدَّمَ تَقْرِيرهَا فِي شَرْح حَدِيث عَبْداللَّه بْن سَلَام، فَفِيهِ: "قَالُوا أَخِيرنَا وَابْن أَخِيرنَا" وَجَاءَ فِي الْمَثَل: "صُغْرَاهَا أَشَرّهَا" وَقَالُوا أَيْضًا: "نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ نَفْس حَرَّى، وَعَيْن شَرَّى" أَيْ مَلْأَى مِنْ الشَّرّ، وَهُوَ مِثْل أَصْغَر وَصُغْرَى. وَأَمَّا الرِّوَايَة بِزِيَادَةِ اللَّام فَهُوَ مِثْل قَوْلهمْ: الْحَسَن الْوَجْه وَالْوَاهِب الْمِائَة، وَالْمُرَاد بِلَفْظِ الْأَشَرّ: الشَّرّ؛ لِأَنَّ أَفْعَل التَّفْضِيل لَا يُسْتَعْمَل عَلَى هَذِهِ الصُّوَر إِلَّا نَادِرًا.

قَوْله: (أَتَى رَسُول اللَّه ﷺ) بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ أَتَى وَرَسُول اللَّه بِالرَّفْعِ أَيْ جَاءَ، وَقَدْ حَمَلَ قُثَم بَيْن يَدَيْهِ وَالْفَضْل خَلْفه وَهُمَا وَلَدَا الْعَبَّاس بْن عَبْدالْمُطَّلِب وَأَخَوَا عَبْداللَّه بْن عَبَّاس رَاوِي الْحَدِيث.

قَوْله: (أَوْ قُثَم خَلْفه) شَكّ مِنْ الرَّاوِي، وَقُثَم بِقَافٍ وَمُثَلَّثَة وَزْن عُمَر، لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ رِوَايَة، وَهُوَ صَحَابِيّ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظ عَبْدالْغَنِيّ مَعَ غَيْر الصَّحَابَة فَوَهَمَ.

قَوْله: (فَأَيّهمْ شَرّ أَوْ أَيّهمْ خَيْر)؟ هَذَا كَلَام عِكْرِمَة يَرُدّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَرّ الثَّلَاثَة وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ ثَبَتَ الْخَبَر فِي ذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى هَذَا وَيَكُون نَاسِخًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْل يَدْخُلهُ النَّسْخ وَالْخَبَر لَا يَدْخُلهُ النَّسْخ كَذَا قَالَ. وَدَعْوَى النَّسْخ هُنَا فِي غَايَة الْبُعْد، وَالْجَمْع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ أَوَّلًا أَوْلَى.

الشيخ: المعروف أن أفضلهم ابن عباس عبدالله ثم الفضل ثم كثير، أولاد العباس كثيرون رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن أفضلهم على الإطلاق عبدالله؛ لعلمه وفضله وفقهه في الدين ثم يليه الفضل.. ما تكلم عليه؟

الطالب: قَوْله: (فَأَيّهمْ شَرّ أَوْ أَيّهمْ خَيْر)؟ هَذَا كَلَام عِكْرِمَة يَرُدّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَرّ الثَّلَاثَة.

وحاصل هذه المذاكرة أنهم ذكروا عند عكرمة أن ركوب الثلاثة على دابة شر وظلم، وأن المقدم أشر أو المؤخر فأنكر عكرمة ذلك، واستدل بفعل النبي ﷺ، إذ لا يجوز نسبة الظلم إلى أحد منهم؛ لأنهما ركبا بحمله ﷺ إياهما.

الشيخ: المعروف عند أهل العلم أنه لا يجوز الإرداف على الدابة إلا إذا كانت تطيق، حتى ولو واحد إذا كانت الدابة ضعيفة، حدها راكب واحد ما يجوز الإرداف عليها، ولا يحمل عليها حمل آخر يشق عليها، فإذا كانت تطيق الثلاثة فلا بأس بركوب الثلاثة، ولاسيما إذا كان الثاني والثالث صغيرين، فإن الغالب ما يضر الدابة صغيران أقل من واحد آخر كبير، فالحاصل أن يراعى في الدابة أنها تستطيع تطيق وإلا لم يَجُز لمالكها أن يحمّلها ما لا تطيق، لا من بني آدم ولا من المتاع، لا يحملها إلا ما تطيق.

الطالب: الحديث الذي قبله إرداف الثلاثة على الدابة، تكلم على هذا؟

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: قَوْله: (بَاب الثَّلَاثَة عَلَى الدَّابَّة) كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث الْبَاب الَّذِي بَعْده، وَالْأَصْل فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط عَنْ جَابِر: "نَهَى رَسُول اللَّه ﷺ أَنْ يَرْكَب ثَلَاثَة عَلَى دَابَّة" وَسَنَده ضَعِيف، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ: "لَا يَرْكَب الدَّابَّة فَوْق اِثْنَيْنِ" وَفِي سَنَده لِين. وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ مُرْسَل زَاذَانَ أَنَّهُ: "رَأَى ثَلَاثَة عَلَى بَغْل فَقَالَ: لِيَنْزِلْ أَحَدكُمْ، فَإِنَّ رَسُول اللَّه ﷺ لَعَنَ الثَّالِث". وَمِنْ طَرِيق أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ نَحْوه وَلَمْ يُصَرِّح بِرَفْعِهِ، وَمِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ قَوْله مِثْله، وَمِنْ حَدِيث الْمُهَاجِر بْن قُنْفُذ أَنَّهُ لَعَنَ فَاعِل ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ يَرْكَب الثَّلَاثَة عَلَى الدَّابَّة، وَسَنَده ضَعِيف، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيّ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ ثَلَاثَة عَلَى دَابَّة فَارْجُمُوهُمْ حَتَّى يَنْزِل أَحَدهمْ"، وَعَكْسه مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ اِبْن مَسْعُود  قَالَ: "كَانَ يَوْم بَدْر ثَلَاثَة عَلَى بَعِير"، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْن أَبِي شَيْبَة أَيْضًا مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ عَنْ اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: "مَا أُبَالِي أَنْ أَكُون عَاشِر عَشَرَة عَلَى دَابَّة إِذَا أَطَاقَتْ حَمْل ذَلِكَ" وَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن مُخْتَلِف الْحَدِيث فِي ذَلِكَ.

الشيخ: هذا هو الصواب: النهي عن الثلاثة... ليس فيه أحاديث صحيحة، بل ضعيفة، الرسول ﷺ أرحم الخلق وأفضل الخلق ركب مع الشخصين، كما في الأحاديث الصحيحة، إنما العمدة والأساس مراعاة الدابة، فإذا كانت تطيق ركبها ثلاثة أو أربعة أو أكثر أو أقل، وإذا كانت لا تطيق لم تُحَمَّل ما لا تطيق.

الطالب: فَحُمِلَ مَا وَرَدَ فِي الزَّجْر عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الدَّابَّة غَيْر مُطِيقَة كَالْحِمَارِ مَثَلًا، وَعَكْسه عَلَى عَكْسه كَالنَّاقَةِ وَالْبَغْلَة، قَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَبنَا وَمَذَاهِب الْعُلَمَاء كَافَّة جَوَاز رُكُوب ثَلَاثَة عَلَى الدَّابَّة إِذَا كَانَتْ مُطِيقَة. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض مَنْعه عَنْ بَعْضهمْ مُطْلَقًا، وَهُوَ فَاسِد. قُلْت: لَمْ يُصَرِّح أَحَد بِالْجَوَازِ مَعَ الْعَجْز، وَلَا بِالْمَنْعِ مَعَ الطَّاقَة، بَلْ الْمَنْقُول مِنْ الْمُطْلَق فِي الْمَنْع وَالْجَوَاز مَحْمُول عَلَى الْمُقَيَّد.

الشيخ: وهذا أيضًا مثل ما تقدم يدل على رحمته ﷺ، وعطفه، وتواضعه، ورعايته لحال الأطفال، فإنه حمل الاثنين جميعًا؛ لما في حمل الاثنين من العطف واللطف وجبر الخواطر لأهلهم، فهو ﷺ كان يراعي هذه الأمور عليه الصلاة والسلام من رحمة وعطف ورعاية لأحوال الأقارب إلى غير ذلك، اللهم صل عليه وسلم.

بَاب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ

5967 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ.

 الشيخ: هذا حديث عظيم جليل كرّر فيه النبي ﷺ في أوله: يا معاذ يا معاذ؛ ليستعد ويتهيأ للجواب، وينتبه لأنه مقام عظيم، ففي هذا أنه لا مانع من التكرار: يا فلان يا فلان، وإن كان أجاب لينتبه، ويعد نفسه لما يقال له، فإن المقام عظيم، ولهذا قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا) فهذا أعظم الحقوق وأهمها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فأعظم حق وأكبر حق أن يُعبد وحده لا شريك له بكل العبادات دون كل ما سواه، في جميع الأوامر التي أمر بها، وبترك النواهي التي نهى عنها، فتفعل لأجله وإخلاصًا له، وتُترك النواهي لأجله وإخلاصًا له ، ثم بعد هذا بيّن ما لهم إذا عبدوه قال: ألا يعذبهم، إذا عبدوه ووحّدوه واستقاموا على أمره فمن حقهم عليه ألا يعذبهم، وهذا الحق الأخير حق تفضُّل وجود وكرم وإحسان من ربنا ، والحق الأول حق إيجاب وافتراض وإلزام، حقه لازم لنا وفرض علينا، وحقنا عليه حق تفضل وإحسان وجود وكرم منه سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54] فيه فضل منه وإحسان.

ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسع

المقصود أن الحقين مختلفان: حق لازم ومفترض وهو حقه علينا ، وحق تفضّل به علينا وجاد به وتكرَّم وهو عدم تعذيبنا إذا عبدناه وحده .

بَاب إِرْدَافِ المَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ ذا محرم

5968 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ يَسِيرُ، وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَقُلْتُ: المَرْأَةَ، فَنَزَلْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّهَا أُمُّكُمْ فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا دَنَا، أَوْ: رَأَى المَدِينَةَ قَالَ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.

بَاب الِاسْتِلْقَاءِ وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأُخْرَى

5969 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ ﷺ يَضْطَجِعُ فِي المَسْجِدِ، رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.

الشيخ: وهذا يدل على جواز ذلك، وأنه لا بأس أن يضطجع في المسجد ويضع إحدى رجليه على الأخرى، هذا لا بأس به، وحمله العلماء على إذا كان لا يخشى منه ظهور العورة، إن كانت العورة مصونة، وعلى هذا يحمل النهي فيما رواه مسلم عن الاضطجاع ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، قالوا: هذا محمول على ما إذا كان لا يخشى ظهور العورة، أما إذا كانت العورة محفوظة في السراويل أو بإزار مضبوط فلا حرج في أن يضع إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلقٍ؛ لهذا الحديث، حديث عبدالله بن زيد هذا، أيش قال الشارح على الأول؟

الطالب: قَوْله: (بَاب إِرْدَاف الْمَرْأَة خَلْف الرَّجُل ذَا مَحْرَم) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَالنَّصْب عَلَى الْحَال وَلِبَعْضِهِمْ ذِي مَحْرَم عَلَى الصِّفَة. وَاقْتَصَرَ النَّسَفِيُّ عَلَى: "خَلْف الرَّجُل" فَلَمْ يَذْكُر مَا بَعْده.

قَوْله: (أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ مِنْ خَيْبَر، وَإِنِّي لَرَدِيف أَبِي طَلْحَة وَهُوَ يَسِير وَبَعْض نِسَاء رَسُول اللَّه ﷺ رَدِيف رَسُول اللَّه ﷺ، إِذْ عَثَرَتْ النَّاقَة فَقُلْت الْمَرْأَة فَنَزَلَتْ فَقَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِنَّهَا أُمّكُمْ، فَشَدَدْت الرَّحْل) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة وَظَاهِره أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ هُوَ أَنَس، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الْجِهَاد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو طَلْحَة وَأَنَّ الَّذِي قَالَ: "الْمَرْأَة" رَسُول اللَّه ﷺ وَلَفْظه: أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَة وَمَعَ النَّبِيّ ﷺ صَفِيَّة يُرْدِفهَا عَلَى رَاحِلَته، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق عَثَرَتْ الدَّابَّة فَصُرِعَ النَّبِيّ ﷺ وَالْمَرْأَة، وَأَنَّ أَبَا طَلْحَة أَحْسَبهُ قَالَ اِقْتَحَمَ عَنْ بَعِيره فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللَّه هَلْ أَصَابَك مِنْ شَيْء؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ عَلَيْك الْمَرْأَة فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَة ثَوْبه عَلَى وَجْهه فَقَصَدَ قَصْدهَا فَأَلْقَى ثَوْبه عَلَيْهَا، فَقَامَتْ الْمَرْأَة فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتهمَا فَرَكِبَا" الْحَدِيث. وَفِي أُخْرَى عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق أَيْضًا: "وَرَسُول اللَّه ﷺ عَلَى رَاحِلَته وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ، فَعَثَرَتْ نَاقَته" فَسَاقَهُ نَحْوه. فَيُسْتَفَاد مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ تَسْمِيَة الْمَرْأَة، وَأَنَّ الَّذِي تَوَلَّى شَدَّ الرَّحْل وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ هُوَ أَبُو طَلْحَة لَا أَنَس، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق رِوَايَة عَنْ أَنَس، فَقَالَ شُعْبَة عَنْهُ مَا فِي هَذَا الْبَاب، وَقَالَ عَبْدالْوَارِث وَبِشْر بْن الْمُفَضَّل كِلَاهُمَا عَنْهُ مَا أَشَرْت إِلَيْهِ فِي الْجِهَاد، وَهُوَ الْمُعْتَمَد؛ فَإِنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة وَمَخْرَج الْحَدِيث وَاحِد وَاتِّفَاق اِثْنَيْنِ أَوْلَى مِنْ اِنْفِرَاد وَاحِد، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ أَنَسًا كَانَ إِذْ ذَاكَ يَصْغُر عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ الْأَمْر، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْتَنِع أَنْ يُسَاعِد عَمّه أَبَا طَلْحَة عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.

الشيخ: كان أنس ابن ستة عشر سنة ذاك الوقت، كان عمره ستة عشر في فتح خيبر، وهو مع عمه أبي طلحة، يعني زوج أمه أبو طلحة، فالرواية صريحة وأيضًا من طريقين لا شك أن أبا طلحة قام بهذا الأمر ولايمتنع أن يكون أنس ساعده في شيء؛ لأنه معه.

س: زوج الأم يسمى "عم"؟

الشيخ: على ظاهر ما قاله الحافظ وهو المشهور عندنا، لكن ما عليه دليل، كلام الحافظ حين قال هذا الكلام كأنه قد وجده في شيء، أو عمه لأن من عادة العرب تسمى ابن العم الكبير "عم"؛ لأن أبا طلحة ابن عم أنس.. المقصود أن ابن العم عند العرب يسمى عمًّا، ويسمى الكبير عمًّا، ولو كان ابن عم الكبير يسمونه عَمًّا كما قال معاذ ومعوذ لعبدالرحمن بن عوف: يا عم أين أبو جهل؟ وعبدالرحمن بن عوف ليس من الأنصار بل قرشي مهاجري، قالا له: يا عم؛ لأنه كبير السن وهم صغار، فعندهم قاعدة أن الصغير يقول للكبير: يا عم، أو يا والد، إلى الآن.

الطالب: فَقَدْ يَرْتَفِع الْإِشْكَال بِهَذَا. وَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ لَا بَأْس لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَدَارَك الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة إِذَا سَقَطَتْ أَوْ كَادَتْ تَسْقُط فَيُعِينهَا عَلَى التَّخَلُّص مِمَّا يُخْشَى عَلَيْهَا.

الشيخ: وهكذا لو سقطت في الماء، في البحر، في حريق، بيده أن يخلّصها ولو ما هو بمحرم يعني.. ولو رأى منها شيئًا؛ فإن هذا ضرورة، يجب عليه التخليص، وغض البصر، ولهذا طرح أبو طلحة على وجهه ثوبًا حرصًا منه على ألا يرى شيئًا. شف الباب اللي بعده أيش قال؟

الطالب: قَوْله: (بَاب الِاسْتِلْقَاء وَوَضْع الرِّجْل عَلَى الْأُخْرَى) وَجْه دُخُول هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي كِتَاب اللِّبَاس مِنْ جِهَة أَنَّ الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ لَا يَأْمَن مِنْ الِانْكِشَاف، وَلَا سِيَّمَا الِاسْتِلْقَاء يَسْتَدْعِي النَّوْم، وَالنَّائِم لَا يَتَحَفَّظ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ لِئَلَّا يَنْكَشِف. وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَبَّاد بْن تَمِيم عَنْ عَمّه، وَهُوَ عَبْداللَّه بْن زَيْد، وَفِيهِ ثُبُوت ذَلِكَ مِنْ فِعْل النَّبِيّ ﷺ، وَزَادَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته فِي آخِر الْحَدِيث: "وَإِنَّ أَبَا بَكْر كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ وَعُمَر وَعُثْمَان" وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عِنْده النَّهْي عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر رَفَعَهُ: "لَا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدكُمْ ثُمَّ يَضَع إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى" أَوْ ثَبَتَ لَكِنَّهُ رَآهُ مَنْسُوخًا، وَسَيَأْتِي شَرْحه مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.

الشيخ: والجمع بينهما مثل ما تقدم، الجمع بينهما أنه يجوز إذا أمن، ولا يجوز إذا لم يأمن.

78 - كِتَابُ الأَدَبِ

بَابُ البر والصلة وقولِ اللَّهِ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]

5970 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: الوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ، أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الوَالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.

الشيخ: وهذا الكتاب خص به الأئمة، ما يتعلق بالأخلاق الفاضلة التي جاء بها الشرع: من بر الوالدين، وصلة الأرحام، ورد السلام، والبدء بالسلام، وتشميت العاطس، وغير هذا مما يتعلق بالأخلاق الفاضلة والآداب الصالحة، وفي هذا الحديث الدلالة على أن الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله، وهو أن تؤدى في وقتها الذي حده الله عز وجل وبيّنه، لا قبله ولا بعده، فقبله لا تصح، وبعده لا يجوز التأخير إليه، فوجب على المُكلَّف أن يؤديها في الوقت، ولهذا قال: الصلاة على وقتها ومعنى وقتها.. في التقديم والتبكير بها حتى تكون فوق وقتها على وقتها، والمعنى: من أحب الأعمال إلى الله، أي العمل أفضل؟ يعني جنس التفضيل لا على باب اسم التفضيل من كل الوجوه، ولهذا جاء هذا المعنى في أحاديث كثيرة كما في حديث أبي ذر: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله قلت: ثم أي؟ قال: حج مبرور وهكذا أحاديث أخرى كلها تدل على أن هذه الصيغة صيغة اسم التفضيل، والمعنى بيان أنها من أحب الأعمال إلى الله ومن أفضل الأعمال إلى الله عز وجل، فينبغي للمؤمن أن يتحرّاها وأن يلاحظها دائمًا في سلوكه ولا يُشغل بشيء عن شيء، فيتحرى الصلاة على وقتها، ويتحرى أن يكون ذلك عن إيمان وعن صدق، ولهذا في اللفظ الآخر: إيمان بالله ورسوله فجعله مقدّمًا، ولا شك أنه مقدَّم؛ لأنه الأساس، فالإيمان بالله ورسوله هو أساس الأعمال؛ أن يكون مؤمنًا بالله شاهدًا له بالوحدانية مصدقًا لأخباره، مؤمنًا برسوله شاهدًا له بأنه رسول الله حقًّا، مصدّقًا بأخباره، وهذا الأساس ينبني عليه جميع الأعمال، فإذا ذُكر في حديث وتُرك في حديث فالمعنى مراعاته في الحديث الثاني الذي ترك فيه؛ لأن الأصول لابدّ من مراعاتها في جميع الأعمال، فقوله: الصلاة على وقتها أي بعد الإيمان، بعد الإيمان بالله ورسوله، بعد الإخلاص لله وبعد التوحيد، بعدما يثبت إيمانه تكون بعده الصلاة، وهكذا ما يتعلق بالأعمال الأخرى.

س:.........

الشيخ: ذكر أن هذا أحب الأعمال، فأخذ بطلانها قبل وقتها أو بعد وقتها من أدلة أخرى؛ لأن الواجب أن تؤدى العبادة على وجهها الذي شرعه الله، فتقديمها على وقتها أداء لها على الوجه الذي لم يشرعه الله، وهكذا إذا أخرها عمدًا بطلت على الأصح من قولي أهل العلم، كأنه لا صلاة له في الحقيقة، وكفر بذلك إذا تعمد ذلك، لهذا قال عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، ما هو بمعنى تركها دائمًا دائمًا، حتى ولو ترك وقتين أو ثلاثة، وهكذا قوله ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة رواه مسلم، هذا يعمها تركها بالكلية ويعم تركها فروضًا أخرى متعمدًا، فإذا تاب تاب الله عليه؛ لكن إن تركها عن نسيان، عن نوم، عن شبهة في بعض المرضى لم يتعمد تركها بقصد المخالفة، ولكن بعض الناس يظن أن تركها حتى يطيب حتى يشفى أنه أوْلى حتى يصليها صلاة كاملة، وهذا من الجهل، فهذا لا يكفُر؛ لأنه متأوِّل، ولكن يُنبّه أن الواجب أن يفعلها ولو في المرض، إذا عجز أن يصلي قائمًا صلى قاعدًا، وإذا عجز أن يصلي قاعدًا يصلي على جنبه، وإذا عجز عن جنبه يصلي مستلقيًا، أما التأخير فلا يجوز؛ لكنه لا يكفر لأجل التأويل؛ لأنه ما أخّرها تساهلًا بها، إنما أخرها بزعمه ليصليها على وجه أكمل، فغلط في هذا، وهكذا من أخّرها عن نوم يعني معذور، أو عن نسيان معذور، فيُؤمر بها أيضا، ولهذا في الحديث الصحيح: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك بخلاف المتعمد المتلاعب فهذا له شأن آخر، فالجمهور من المتأخرين على أنه كفر دون كفر، وأنه قد أتى كبيرة عظيمة، ومعصية عظيمة، لكن لا يخرج من الإسلام، والقول الثاني وهو الصواب أنه يخرج من الإسلام إذا تعمد ذلك، تعمد بغير شبهة، إنْ تعمد ذلك تساهلًا متهاونًا، أما لو جحد وجوبها، وقال إنها لا تجب، ومثله يعلم الحكم؛ يقام عليه الدليل إذا كان في جاهلية بعيدة عن الإسلام، فإذا أصرَّ؛ كَفَرَ عند الجميع، عند جميع أهل العلم، ولو صلى، ولو كان يصلي مع الناس، إذا جحد وجوبها؛ كَفَرَ إجماعًا، نسأل الله العافية.

س:.........

الشيخ: أول الوقت على وقتها أول الوقت، لكن إذا صلاها في أثناء الوقت أو في آخر الوقت صحت، ولا إثم عليه، لكن كونها يصليها في أول الوقت كما فعل النبي ﷺ يراعي أوائل الأوقات هذا هو الأفضل، إلا في مسائل مستثناة كمسألة شدة الحر في الظهر، الإبراد بها أفضل، وكالعشاء إذا لم يجتمعوا شرع له أن يراعيهم حتى يجتمعوا، كما قال جابر: كان النبي إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، يعني في العشاء، أو لأسباب أخرى اقتضت ذلك رآها الإمام أو ولي الأمر لأمر حدث، فأخّره لأجل أمر حدث، وإلا فالأصل مراعاة أول الوقت، لكن مراعاة أول الوقت مع مراعاة وقت يتسع للوضوء وقضاء الحاجة، يعني بعد أول الوقت بربع ساعة، بنصف ساعة؛ لمراعاة هذا الشيء الذي يتمكن منه الناس للوضوء والحضور للمسجد.

س: إذا تركها جهلًا هل يقضيها أو يكفيه التوبة؟

الشيخ: إذا كان مثله يجهل لا يقضي، أما إذا كان مثله لا يجهل فيكفُر، ولا يقضي أيضًا، هذا الذي يختلف: إنسان نشأ في أطراف غابات إفريقيا أو غابات بعيدة عن الإسلام؛ فهذا يُعَلَّم ويُبدي الإسلام من جديد.

س: بعض المرضى إذا نصحته يقول: أنا ما أصلي حتى أشفى؟

الشيخ: يُعَلَّم بالرفق والحكمة ويقول له: يجب عليك أن تصلي على حالك، ولو أنك على جَنْب، ولو ما استطاع الماء، ولو بالتيمم، وإذا ما استطاع يتيمم؛ يمَّمه من حوله من أقاربه، أو خدمه؛ حتى يصليها في وقتها ولا يؤخرها.

س: إذا يمَّم الصحيح المريض ؟

الشيخ: لا بد من نية، لا بد المريض ينوي مثل مَنْ يوضيه بالماء.. المريض ينوي التيمم، وهذا يمسح وجهه ويديه بالتراب..

س: بعضهم يمَّم المريض وهو ما أخبره؟

الشيخ: ما يصح لا بدّ أن يكون بنية.

...................[أسئلة غير واضحة]

س: من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا يكون "كفر"؟

الشيخ: هذا الصحيح من أقوال العلماء.

س: كفر مخرج عن الملة؟

الشيخ: نعم، كفرًا أكبر مخرج عن الملة، أما إذا جحد وجوبها كفر بإجماع المسلمين، ما في خلاف، ولو صلاها مع الناس، ولو أنه تقدم في الصف الأول، إذا جحد وجوبها كفر إجماعًا.

س: كسلًا وتهاونًا يعني؟

الشيخ: الخلاف في التهاون: هو يقول هي واجبة ولكني عندي كذا وعندي كذا وعندي ظروف ويتكاسل.

س: الحكم في هذا؟

الشيخ: يكفر كفرًا أكبر؛ لقول النبي ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، ولقوله ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة رواه مسلم في الصحيح، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الأئمة أمر ألا ينازعوا قال: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ثم قال: ما أقاموا فيكم الصلاة فدل على أنهم إذا لم يقيموها فقد أتوا كفرًا بواحًا، نسأل الله العافية.

س: الرد على من قال أنه لم يشتهر عن السلف أنهم أخرجوه من الملة؟

الشيخ: يراجع كلام أهل العلم، يراجع كلام ابن القيم في الصلاة، وفي المغني، والمحلى لابن حزم، وأشباههم الذين ذكروا الخلاف، وذكروا أدلة الفريقين، يراجع كتب أهل العلم ويستفيد.

وأكثر ما يحتجون به من لا يكفر تارك الصلاة أكثر ما يحتج به أحاديث التوحيد وفضل التوحيد وأنه من لقي الله بالتوحيد دخل الجنة، ومن لقاه بالشرك دخل النار، والجواب عن هذا أن يُقال إن المراد من لقيه بالتوحيد سالمًا من نواقض الإسلام، من لقيه بالتوحيد وهو سالم من نواقض الإسلام، هذا هو الذي يدخل الجنة، أما من لقي الله بالتوحيد ولكن معه ناقض من نواقض الإسلام فقد بطل توحيده، وذلك له أمثلة كثيرة، نقول لهم: لقي الله بالتوحيد ولكنه يجحد وجوب الصلاة؟ وأيش تقولون؟ يكفر وإلا ما يكفر؟ يبطل توحيده وإلا ما يبطل توحيده؟ لقي الله وهو موحد ولكنه يقول: الزكاة غير واجبة على المسلمين: يكفُر وإلا ما يكفُر؟ يكفُر، لقي الله وهو يقول: شهر رمضان ما هو بواجب: يكفُر وإلا ما يكفُر؟ يكفُر، لقي الله وهو يقول: الحج ما هو واجب ولو استطاع الناس لا يجب الحج؛ يكفُر عند جميع أهل العلم فلا ينفعه التوحيد ما دام معه ناقض، فهكذا إذا لقي الله وهو لا يصلي، كذلك الحكم واحد، أو لقي الله موحدًا مخلصًا وهو يقول: محمد كاذب، ويش يصير؟ يكون كافرًا عند جميع أهل العلم، أو لقي الله موحدًا مخلصًا ولكنه يستهزئ بشرع الله في الجهاد أو في الصيام أو في تحريم الزنا، يستهزئ بهذا ويقول هذا تحريم الزنا عبث، ويش يصير؟ كافر، وهكذا، الرد عليهم مُيَسَّر، الرد عليهم مُيَسَّر.

س: هذا الحديث يدل على تفضيل بر الوالدين على الجهاد؟

الشيخ: نعم، لكن عند أهل العلم الجهاد جنس الجهاد، أما إذا تعيَّن إذا هجم العدو على البلد؛ وَجَب عليهم أن يدافعوا، ولو أبى الوالد إذا هجم على البلد.

والمصيبة التي جعلت الناس يتحيَّرون في تكفير تارك الصلاة، المصيبة العظيمة كثرتهم، لما كَثُروا صَعُب تكفيرهم، هذه العلة التي وقعت. .. لما رأوا كثرة من ترك الصلاة صَعُب عليهم أن يكفّروهم مع كثرتهم، قلّ بيت إلا وفيه من يترك الصلاة إلا من شاء الله من خُدّام أو من أولاد أو من إخوة أو من زوجة أو من أب أو من عم، وهكذا لما كثُروا صَعُب تكفيرهم، هذه العلة، فأرادوا يتلمسوا لهم الأعذار، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بَاب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ

5971 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ.

الشيخ: وهذا يبين لنا أيضًا شأن الأم، وأن برها عظيم، وأنها مقدمة على الوالد ثلاث مرات، والرابع مساوية فيه الوالد، هذا يدل على عظم بر الوالدين، وأن الأم لها خصوصية بالبداءة بالبر والعناية ببرها؛ لأن تعبها أكثر كثيرًا وحنوها عليه ودفاعه عنه وصبره عليه أكثر من الوالد، الله جل وعلا شكر لها هذا العمل وجعل حقها أكبر، وفي اللفظ الآخر: من أبر؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب وفي اللفظ الآخر: ثم أدناك فأدناك.

بَاب لاَ يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

5972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، قَالَ: ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ أُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ.

الشيخ: وفي اللفظ الآخر: ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك وإلا فبرهما.

بَاب لاَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ

5973 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ.

الشيخ: لما كان في الفِطَر، وقد ورد في الفِطَر تعظيم الوالدين، واستعظام سبهما، سألوا: كيف يسب الرجل والديه، يعني كيف يصير هذا؟! الله غرس في الفِطَر محبة الوالدين وتعظيم الوالدين، بيّن لهم النبي ﷺ أن هذا يقع، وجود التساب بين الناس، إن كان الرجل شتّامًا للناس شتموا والديه، فالواجب أنه يحذر ويحفظ لسانه عن إيذاء الناس، فمن شتم الناس شتموه، ومن ضربهم ضربوه، ومن آذاهم أذوه، وهكذا إذا سب والديهم سبوا والديه، فصار سابًّا لوالديه؛ لأنه تسبب في ذلك. وفي هذه الزيادة: من أكبر الكبائر الحافظ في البلوغ ذكره بصيغة من الكبائر كما في الرواية الأخرى هنا زيادة: من أكبر الكبائر ومعلوم ما في هذه الزيادة من تعظيم الأمر.

س: في هذا الزمن يقع سبُّهما مباشرة؟

الشيخ: نسأل الله العافية، أكبر وأقبح؛ بل ضربهما، بلغنا أن بعضهم يضرب والديه ضربًا، يعني بسبب ذهاب الدين من القلوب، إذا ذهب الدين من القلوب ما يبقى شيء يُحترم، يسب الله.

س: إذا كان الإنسان بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبون والديه؟

الشيخ: ما يضر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو سبوا، الإثم عليهم.

بَاب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ

5974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ.

الشيخ: بالنون؟

الطالب: نعم.

الشيخ: تكلم عليه؟

الطالب: يقول وفي رواية: حتى رأوا.

الشيخ: مقتضى القواعد يروا أو رأوا بحذف النون.

الطالب: .............

الشيخ: نعم، إذا حذفت حتى استقام، نعم.

الطالب: .............الشيخ: كأن المتن غلط، اللي في الشرح أولى، فرجة يرون بدون حتى.

 

وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَاللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفْتَحِ الخَاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا. فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ البَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ البَقَرَ وَرَاعِيَهَا، فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

الشيخ: وهذا حديث عظيم جليل وقد أخرجه مسلم أيضًا، وهو من أدلة رحمته في عباده وابتلائهم وامتحانهم حتى يعلموا عظمته وقربه من داعيه وسائليه ، وحتى يعلموا فضل هذه الأعمال وما فيها من الخير العظيم، فهذه صخرة عظيمة انطبقت على الغار لم يستطيعوا دفعها ولم يبق لهم إلا اللجأ إلى الله، والضراعة إليه، فضرعوا إليه، وتوسلوا إليه بهذه الأعمال، فأراهم فضلها، وأراهم قدرته جل وعلا، فلما توسل الأول ببره لوالديه فرجت له فرجة يرون منها السماء؛ لكن لا يستطيعون الخروج، ثم لما توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة كذلك فرج الله لهم فرجة؛ لكن لا يستطيعون الخروج، فلما توسل الثاني بأمانته وأدائه للأمانة وعدم ظلمه للعمال انفرجت وخرجوا يمشون، فأراهم الله عجائب قدرته، وأراهم فضائل أعمالهم، فضل البر، وفضل العفة، وفضل أداء الأمانة، وفي الرواية الأخرى أنه اشترى من ذلك الفرق إبلا وبقرًا وغنمًا ورقيقًا، كما في الصحيح أيضًا فأعطاه له كلها: إبلها وبقرها ورقيقها وغنمها، فهي كله نتجت عن فرق من الأرز ثلاثة آصاع من الأرز رباها ونماها حتى صارت هذه الأموال العظيمة.

وذلك الرجل الذي جلس بين رجلي ابنة عمه التي هي من أحب الناس إليه، ثم قام عنها وهو على وشك الجماع خوفًا من الله وتعظيمًا له، وترك لها الذهب مائة دينار، وفي الرواية الأخرى مائة وعشرين دينار، تركها وترك شهوته خوفًا من الله، فقدر الله له هذا العمل الصالح، وأجاب دعوته، وهكذا الآخر البار لوالديه الذي بقي بقية ليله وهو واقف بقدحه على يده ينتظر يقظة والديه حتى استيقظا بعد طلوع الفجر فسقاهما، ثم سقى الصبية، فهذا كله عمل عظيم، ويدل على جنس هذا العمل، وأن جنس البر، وجنس العفة، وجنس الأمانة، كلها أعمال عظيمة يفرج الله بها الكروب عند الشدائد، ويجيب بها الدعاء سبحانه وتعالى.

س: الجمع بين مختلف الأحاديث؟

الشيخ: الظاهر من جهة حفظ الرواة، والقاعدة من زاد تقبل منه الزيادة، هذه قاعدة، فإن الرواة يختلفون فإذا زاد بعضهم على بعض قُبلت الزيادة، إذا كان الزائد ثقة، حتى أخبار الناس اليوم إذا حدث حادث. .. أخبارهم، والقاعدة: تُقبل الزيادة إذا رواها الثقة.

شف كلامه على..........

الطالب: قَوْله: (بَاب إِجَابَة دُعَاء مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ) ذَكَرَ فِيهِ قِصَّة الثَّلَاثَة الَّذِينَ اِنْطَبَقَ عَلَيْهِمْ فَم الْغَار حَتَّى ذَكَرُوا أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة فَفُرِّجَ عَنْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الْإِجَارَة.

الشيخ: شف إبراهيم بن عقبة؟ هذا عمه موسى.

الطالب: إبراهيم ابن عقبة ابن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أخو موسى، ثقة، من السادسة، "م د س ق".

الشيخ: رحمه الله.

س: إذا كان الراوي بدون زيادة أوثق؟

الشيخ: ولو، ما دامت الزيادة لا تماري ولا تخالف فما يضر، يقول الحافظ في النخبة: وزيادة راويهما، أي الصحيح والحسن، مقبولة، ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، ما دام ما تنافي، هذا قال مائة وذاك قال مائة وعشرين، هذا ما فيه كلام، قصاره أنه سقط على صاحب المائة ما انتبه للزيادة، وهذا حفظها، كذلك سقط على أحدهم الإبل والغنم وهذا حفظ الزيادة.

بَابٌ: عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ مِنَ الكَبَائِرِ

قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

5975 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ المُسَيِّبِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ.

5976 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:  الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ  فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ.

5977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ  قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ.

الشيخ: والمؤلف ترجم لهذا؛ لأن الأمر عظيم، ولهذا ترجم له المؤلف قال: باب عقوق الوالدين من الكبائر، وتقدم في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قول النبي ﷺ: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يلعن أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن أمه فيلعن أمه وفي اللفظ الآخر: من الكبائر شتم الرجل والديه قيل: يا رسول الله وهل يسب الرجل والديه؟ لأن هذا مستنكر في الفطر حتى عند الجاهلية حتى عند الكفرة مستنكر هذا، ولهذا قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه؛ هذا يدل على أنه من الكبائر، ومن أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، والوالدان يشمل الأب والأم والجد والجدة وإنْ عَلَيَا كلهما والد فالأب والد والجد والد والأم والدة والجدة والدة؛ فيجب الحذر، ويجب على المؤمن أن يحذر هذه الجريمة العظيمة، نسأل الله السلامة.

وفي حديث أبي بكرة وحديث أنس وفي حديث المغيرة الدلالة على شدة الإثم في هذا، في حديث المغيرة يقول ﷺ: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات خصهن بالذكر لعظم حقهن؛ لأن حقهن أعظم من حق الأب، وإن كان حقهما عظيمًا، وشتمهما من أكبر الكبائر؛ لكن حق الأمهات أشد وأكبر وأعظم، ولعنهن أقبح وأشد إثمًا، إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات: قتل البنات، كان بعض الجاهلية يقتل بناته ويدفنهن وهن حيات ويزعمون أنهم يخشون العار إذا كبرن؛ لأنها قد تكبر فتفعل الفاحشة فيكون عارًا على أهلها مع كونهم كفارًا جهالًا، وبعضهم يقتل الأولاد أيضًا الذكور خوفًا من الفقر كما قال جل وعلا: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ [الأنعام:151]، وفي الآية الأخرى: خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31] فحرم سبحانه قتل الأولاد لأي سبب، لا لأجل العار، ولا لأجل الفقر؛ بل يجب التربية الصالحة الإسلامية، والحذر من إهمالهم، وأما قتلهم فلا، إنما يجب على الوالد أن يربّي ولده وأن يوجّهه إلى الخير ويفقّهه ويعلّمه حتى يبتعد عن أسباب الشر.

ومنعًا وهات: الحرص على المال والبخل، فالله حرَّم طلب المال بغير حق، بل يجب أن يتحرَّى في ذلك الحق، وكسب الطيب، ويحرُم أن يطلبه بالطرق المعوّجة من الخيانة والغش والسرقة والربا، وغير هذا من وجوه الحرام، يجب أن يحذر ذلك، وإذا ملك المال بالطرق الشرعية يجب عليه البذل في الوجوه التي أمر الله بالبذل فيها، ويحرم عليه البخل، فالبخل من شر الخصال، ومن أقبح الخصال، فعلى المؤمن أن يتحرّى كسب المال الطيب، وعليه أن يتحرى صرفه في وجهه: كإخراج الزكاة، والإنفاق على الأهل والأولاد، وإكرام الضيف، والنفقة في وجوه البر وأعمال الخير. ويكره لكم قيل وقال وفي اللفظ الآخر: ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال فالله يكره لنا ذلك، قيل وقال يؤدي إلى الكذب، يؤدي إلى ما لا ينبغي، فينبغي للمؤمن أن يكون حافظا لكلامه، يعد كلامه من عمله، فلا يتكلم إلا عند الحاجة للكلام، والمصلحة في الكلام، قال بعض السلف: من عُدّ كلامه من عمله قل سقطه، والله يقول سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ويقول النبي ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت فإما أن تقول كلامًا طيبًا ينفعك وينفع الناس وإما أن تُمسك، كذلك إضاعة المال، المال له شأن وهو يفيد المؤمن وينفعه في أمور دنياه وأخراه، فلا يضيعه، بل يجب عليه أن يصرفه في الوجوه الصالحة، وأن يحذر إضاعته في الحرام وفي القمار وفي المعاصي وفيما لا فائدة فيه، هكذا كثرة السؤال يفسر بمعنيين: أحدهما: كثرة السؤال عن الدنيا والمال فينبغي له الحذر وألا يسأل إلا عند الحاجة والضرورة، يقول النبي ﷺ: من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر رواه مسلم في الصحيح، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم متفق على صحته، وقال في حديث قبيصة: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، حمل في إصلاح ذات البين وفي حاجة أهله ونفقة أهله، الثاني: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله كمطر أو حريق وجراد وأشباهه فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- حتى يصيب ما يسد حاجته.
والثالث: رجل أصابته فاقة –يعني: مسكنة حاجة- حتى يقوم ثلاثة من رجال قومه يشهدون له بهذا -حتى يقول ثلاثة من الرجال لقد أصابت فلانًا فاقة -فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- ثم قال ﷺ: وما سوى ذلك سُحت، وما سوى ذلك يا قبيصة سُحت، يأكله صاحبه سُحتًا، فيجب الحذر وينظر الإنسان في حاجته فينزلها على هذه الحاجات الثلاث.
 والمعنى الثاني في السؤال: سؤال العالم، هذا المعنى الثاني، فينبغي للمؤمن ألا يسأل إلا على سبيل طلب العلم، على سبيل الفائدة، لا على سبيل التعنت وإيذاء المسؤولين أو على سبيل الرياء: أن يقول الناس إنه جيد، أو أنه يفهم؛ بل يسأل على قدر الحاجة، عند الحاجة، بقصد صالح، بنية صالحة، لا بقصد الرياء، ولا بقصد إيذاء المسؤول، ولا بقصد تطلب المعضلات والأغلوطات حتى يربك المسؤول أو ويقع الإشكال؛ بل يسأل سؤال المستفيد، طالب العلم الذي قصده الخير، ليس قصده الرياء والسمعة، ولا قصده إيذاء المسؤول، ولا قصده إفساد المجلس بالأسئلة التي تضيع الفائدة وتضيع الوقت.
أما حديث أبي بكرة يقول ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت! يبيّن أن أكبر الكبائر:
الشرك بالله -نعوذ بالله- هو أكبر الذنوب، وهو صرف بعض العبادة لغير الله، أو صرف العبادة كلها لغير الله، هذا أعظم الجرائم، كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، وطلب منهم المَدَد وإن كانوا أنبياء صالحين، فسؤال الأصنام أو الجن أو الكواكب أو غير ذلك، هذا هو الشرك الأكبر المحبط للأعمال، الموجب للنار، نعوذ بالله.
والثانية: عقوق الوالدين، قطيعة الوالدين بسبهما أو إيذاهما أو ضربهما أو عدم الإنفاق عليهما مع الحاجة أو نحو ذلك، كل ما يؤذي الوالدين فهو من القطيعة وهو من العقوق سواء كان فعلاً أو قولاً.
الثالثة: شهادة الزور، الشهادة بغير حق كررها النبي ﷺ قال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، حتى قال الصحابة: إنه لا يسكت، من كثرة ما كرر، وفي لفظ قالوا: ليته سكت، إشفاقًا عليه، وإبقاء عليه من أن يتألم من هذا -عليه الصلاة والسلام-؛ لكثرة ما كرر من تحريم شهادة الزور.
وهكذا في حديث أنس: الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، ثم قال: ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور، هذا يبين لنا عظم خطر شهادة الزور، وأنها عظيمة في الإثم، قبيحة العاقبة، ولهذا كررها، لماذا؟ لم يترتب على شهادة الزور من المفاسد والأضرار والعواقب الوخيمة، ومعلوم أن الشرك أعظم منها وأكبر؛ ولكن لما كان يترتب عليها شرور كررها تحذيرًا منها، فالشرك عظيم، والعقوق كذلك، وقتل النفس من أعظم الجرائم بغير حق، كل هذه عظيمة وهذا أمر معلوم إثمه، ولكن شهادة الزور قد يكون لها أسباب: قد يكون لها عداوة للمشهود عليه، قد يكون فيها طمع يُعطى مالًا فيشهد بالزور، لها أسباب، وشرها عظيم، فلهذا كررها -عليه الصلاة والسلام- وأبدى فيها وأعاد؛ لكي يحذرها المسلمون، ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: لا يسكت، وفي اللفظ الآخر حتى قلنا: ليته سكت ليته سكت، يعني إبقاء عليه مخافة أن يشق على نفسه عليه الصلاة والسلام، وقد قرنها الله بالشرك سبحانه في قوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] فجعلها مع الشرك.
ومن المصائب العظيمة: كثرة وجود هذه البلية في الحاضرة والبادية، وبعضهم يقول لصاحبه: أنت تعلم أني صدوق، وأني الحمد الله ما أنا بصاحب كذب، كيف لا تشهد معي؟ فيقول: نعم أشهد معك، نعم هذا شرى كذا، هذا باع كذا، هذا قُتل ولده، قتله فلان، هذا فعل كذا، وكله بالكذب، وكله مجاراة لصاحبه أو تصديقًا لصاحبه أو لأنه أعطاه مالاً أعطاه رشوة حتى يقول ما يقول، وهذا من أعظم الجرائم، وإثم ذلك من أعظم الآثام، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س:.........
الشيخ: هذا يتعلق بالكُهّان، تقدم إتيان الكهان لا يجوز، من أكبر الكبائر، وإذا صدقهم كفر، نسأل الله العافية، ولا يجوز سؤالهم ولو ما صدقهم، يقول ﷺ: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا حتى ولو ما صدقه، نسأل الله العافية؛ لأنه وسيلة إلى القول بعلم الغيب.
س: من كتم الشهادة مخافة على نفسه؟
الشيخ: الله يقول: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] فالواجب أنه يؤدي الشهادة، لكن إذا وجد حالة يخشى على نفسه القتل فمعذور، لكن يحرص -مهما أمكن- على أن يؤديها بأي طريق ولو بطريق لا يعلم أنه هو الذي أداها، كأن يقول القاضي: شهد عندي العدول أو شهد عندي كذا، إذا أمكن القاضي ذلك.
س: من دفع الرشوة لأخذ حقه؟
الشيخ: لا يدفع رشوة لا، يطالب بالطرق الشرعية، ولا داعي للرشوة.