80 من حديث: (لاعدوى ولا طيرة إنما الشؤم في ثلاث..)

 

بَاب لا عَدْوَى

5772- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ وَحَمْزَةُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاثٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ.

5773- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لا عَدْوَى.

5774- قَالَ أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لا تُورِدُوا المُمْرِضَ عَلَى المُصِحِّ.

5775- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سِنَانُ ابْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا عَدْوَى، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟.

5776- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ، قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ.

الشيخ: يعني: ليست من الطيرة، مثلما ذكر الشيخُ محمد رحمه الله في كتاب "التوحيد"، وذكر الشارح ما قاله أهلُ العلم في هذا الباب وبيَّن الصوابَ في ذلك، فالفأل غير الطيرة، ولهذا .....: وأحسنها الفأل، قال: الطيرة لا ترد مسلمًا، وأحسنها الفأل، وأكَّد النبيُّ ﷺ أنَّ مَن رأى شيئًا من هذا أن يقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوةَ إلا بك.

فالمؤمن يلجأ إلى الله ويسأله العافية من كل سوءٍ ويقول ما قاله النبيُّ: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوةَ إلا بك.

وهذه الأمور التي يعتقدها الجاهليةُ أبطلها الإسلامُ، وأراح الله المسلمين منها؛ حتى تطمئن القلوب، وترتاح النفوس، وتبتعد وساوس الشيطان.

بَاب مَا يُذْكَرُ فِي سُمِّ النَّبِيِّ ﷺ

رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

5777- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ اليَهُودِ، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلانٌ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَررْتَ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سمًّا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.

الشيخ: سألهم عن الأولى مقدّمات لهذا الأمر الأخير، وهذه من علامات النبوة، وأن الله أطلع نبيه على السم، وفي الرواية الأخرى: أن الذراع تكلَّم وأخبره الذراعُ أنَّ فيه سمًّا، والمقصود أنَّ الله جلَّ وعلا [وقى] نبيَّه شرَّهم .....، والسم مثلث، المقصود أنهم أرادوا قتله، والذي فعلته امرأةٌ بتواطؤ بينها وبين أعداء الله، جاء في بعض الروايات أنه مات به -بهذا السم- بعضُ الصحابة، وهو بشر بن البراء.

س: ............؟

ج: انظر كلام الشارح، القاعدة: أن النون تُحذف ..... أيش قال الشارح؟

الطالب: قَوْلُهُ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْهُ؟ كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الحَدِيث فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، قَالَ ابنُ التِّينِ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "صَادِقِيِّ" بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِغَيْرِ نُونٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ "صَادِقُونِي"، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ، فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّةٍ، سَبَقَ الْأَوَّلُ بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاء، وأُدغمت، وَمثله: وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22]، وَفِي حَدِيثِ "بَدْءِ الْوَحْيِ": أَوَمُخْرِجِيَّ هُمُ؟ انْتَهَى.

وَإِنْكَارُهُ الرِّوَايَةَ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَيْسَ بجيدٍ، فقد وَجههَا غَيرُه؛ قَالَ ابن مَالِكٍ: مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ تَصْحَبَ نُونُ الْوِقَايَةِ اسْمَ الْفَاعِلِ، وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، وَالْأَسْمَاءَ الْمُعْرَبَةَ الْمُضَافَةَ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ؛ لِتَقِيَهَا خَفَاءَ الْإِعْرَابِ، فَلَمَّا مَنَعَتْ ذَلِكَ كَانَتْ كَأَصْلٍ مَتْرُوكٍ، فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ الْمُشَابِهَةِ لِلْفِعْلِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي لِيَرْتَدَّ خَائِبًا فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا

وَمِنْهُ فِي الْحَدِيثِ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَخْوَفُ مُخَوِّفَاتِي عَلَيْكُمْ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ إِلَى الْيَاءِ، وَأُقِيمَتْ هِيَ مَقَامَهُ، فَاتَّصَلَ أَخْوَفُ بِهَا مَقْرُونَةً بِالنُّونِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ شَبِيهٌ بِفِعْلِ التَّعَجُّبِ.

وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ النُّونَ الْبَاقِيَةَ هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ، وَنُونُ الْجَمْعِ حُذِفَتْ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِلَفْظِ: صَادِقِيَّ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ النُّونَ الْبَاقِيَةَ هِيَ نُونُ الْجَمْعِ، فَإِنَّ بَعْضَ النُّحَاةِ أَجَازَ فِي الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ أَنْ يُعْرَبَ بِالْحَرَكَاتِ عَلَى النُّونِ مَعَ الْوَاوِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْعُولَ اسْمِ الْفَاعِلِ إِذَا كَانَ ضَمِيرًا بَارِزًا مُتَّصِلًا بِهِ كَانَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، وَتَكُونُ النُّونُ عَلَى هَذَا أَيْضًا نُونَ الْجَمْعِ.

بَاب شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ وَالخَبِيثِ

5778- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.

الشيخ: وهذا عند أهل السنة كما تقدَّم يُفسَّر على وجهين:

أحدهما: أن يكون مُستحلًّا فيكون كافرًا، والكافر مخلَّد أبد الآباد.

والمعنى الثاني: أن يكون غير مُستحلٍّ، بل فعل ذلك عن أمرٍ واقعٍ له من شيءٍ كدّره حتى انتحر بهذا العمل؛ لأن هذا يقع لكثيرٍ من الناس عندما تُضايقه أمورُ الحياة، وعندما تشتد به بعضُ الأمور ينتحر بمثل هذا الانتحار -نعوذ بالله- وهذا من باب الكبائر، وليس من باب الكفر، بل من باب الكبائر، فقتل النفس من باب الكبائر، كقتل الغير بغير الحقِّ من باب الكبائر.

وأهل الكبائر قسمان: قسم ورد فيه التَّخليد، وقسم لم يرد فيه التَّخليد، وما ورد فيه التَّخليد فهو تخليد غير تخليد الكفَّار، بل تخليد له أمد وله نهاية، وقد جاء فيه لفظ "الأبد"، وهو تخليد له نهاية وله المنتهى وله حدٌّ ينتهي إليه عند أهل السنة والجماعة، مثلما قال جلَّ وعلا في الزاني والقاتل في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68- 69]، فيُخلد من هذا الباب .. الخلود هنا ليس خلود الدوام الدائم أبدًا في حقِّ الزاني والقاتل، وإنما هو في حقِّ المشرك خلود دائم، وفي حقِّ العاصي كالزاني والقاتل .. خلود له نهاية، والعرب تعرف هذا وهذا، تعرف الخلود الدائم، ويعرفون الخلود المؤمَّد الذي له نهاية، مثلما في قول بعضهم: "أقاموا فأخلدوا" يعني: أقاموا فطوَّلوا الإقامة.

فالحاصل أنَّ أهل السنة والجماعة خلاف الخوارج والمعتزلة؛ يرون أن الخلود خلودان: خلود مؤمد له نهاية، وهذا هو الوارد في الزاني والسارق وقاتل نفسه والقاتل، وخلود لا نهايةَ له، بل هو مُؤبَّد، وهذا هو خلود الكفرة من سائر أنواع الكفار، وهذا الذي ورد في هذا الحديث من هذا الباب -من باب الخلود المؤمَّد- إن لم يكن صاحبُ هذا العمل قد استحلَّ الأمر، نسأل الله العافية.

وهنا يدل على هذا أن النبي ﷺ قال في المرتد: مَن بدَّل دينه فاقتلوه، والزاني جعلهم قسمين: قسم يُقتل، وقسم يُجلد، وقاتل النفس يعني: قاتل الشخص، قاتل بغير حقٍّ، جعل للأولياء الخيار: إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الديةَ، فلو كان القتلُ ردةً مطلقًا أو الزنا ردةً مطلقًا؛ لكان الواجبُ قتله.

5779- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سَمٌّ وَلا سِحْرٌ.

الشيخ: انظر كلامه على حديث اليهودية، حديث السم؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي سُمِّ النَّبِيِّ ﷺ) الْإِضَافَةُ فِيهِ إِلَى الْمَفْعُولِ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا عَلَّقَهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ آخر الْمَغَازِي فَقَالَ: قَالَ يُونُس: عَن ابن شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ.

الشيخ: الأبهر: العرق المعروف.

الطالب: وَقَدْ ذَكَرْتُ هُنَاكَ مَنْ وَصَلَهُ، وَهُوَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى.

وَقَوْلُهُ: أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ أَي: الْأَلَم الناشئ عَنْ ذَلِكَ الْأَكْلِ، لَا أَنَّ الطَّعَامَ نَفْسَهُ بَقِيَ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مُبَشِّرٍ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِخَيْبَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا، وَفِي أَوَاخِرِ الْجِزْيَةِ مُطَوَّلًا.

[5777] قَوْلُهُ: (أُهْدِيَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا .. الْحَدِيثَ، فَعُرِفَ أَنَّ الَّتِي أَهْدَتِ الشَّاةَ الْمَذْكُورَةَ امْرَأَةٌ، وَقَدَّمْتُ فِي "الْمَغَازِي" أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ امْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مُشْكِمٍ، أخرجه ابنُ إِسْحَاق بِغَيْر إِسْنَادٍ، وَأوردهُ ابنُ سعدٍ من طرق عَن ابن عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا أَكْثَرَتِ السُّمَّ فِي الْكَتِفِ وَالذِّرَاعِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ أَعْضَاءِ الشَّاةِ إِلَيْهِ، وَفِيهِ: فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكَتِفَ، فَنَهَشَ مِنْهَا، وَفِيهِ: فَلَمَّا ازْدَرَدَ لَقُمَتَهُ قَالَ: إِنَّ الشَّاةَ تُخْبِرُنِي يَعْنِي: أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ: هَلْ قَتَلَهَا النَّبِيُّ ﷺ أَوْ تَرَكَهَا؟ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ: فَقِيلَ: ألا تقتلها؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَحْنُونٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَتَلَهَا.

قَوْلُهُ: اجْمَعُوا لِي لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْمَأْمُورِ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي.

الشيخ: الذي بعده؟

الطالب: قَوْلُهُ: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ -بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، وَحُكِيَ فَتْحُهَا- وَهُوَ مِنَ الْبِرِّ.

الشيخ: برر يبرر من باب: فرح.

الطالب: قَوْلُهُ: (نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تخْلفُونَنَا فِيهَا).

الشيخ: الذي بعده.

الطالب: قَوْلُهُ: (أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ نبيًّا) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ: "إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا".

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ) يَعْنِي: عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ مِنَ السُّمِّ الْمَذْكُورِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ: فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَك عَلَى ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَسَيُطْلِعُكَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَأُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مَوْصُولًا عَنْ جَابِرٍ، وَأخرجه ابنُ سعدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن ابن عَبَّاسٍ.

وَوَقع عِنْد ابن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَنَّهَا قَالَتْ: قَتَلْتَ أَبِي وَزَوْجِي وَعَمِّي وَأَخِي وَنِلْتَ مِنْ قَوْمِي مَا نِلْتَ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيُخْبِرُهُ الذِّرَاعُ، وَإِنْ كَانَ مَلَكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ إِخْبَارُهُ ﷺ عَنِ الْغَيْبِ، وَتَكْلِيمِ الْجَمَادِ لَهُ، وَمُعَاندَة الْيَهُودِ لِاعْتِرَافِهِمْ بِصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اسْمِ أَبِيهِمْ، وَبِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ دَسِيسَةِ السُّمِّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَعَانَدُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِه.

الشيخ: أمرهم عجيب، اليهود أمرهم عجيب وغريب، العناد -والعياذ بالله- والاستكبار والرضا بالنار -نسأل الله العافية- مع علمهم بالحقِّ، وعلمهم بصدقه عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الاستمرار على العناد إلى يومنا هذا، نسأل الله العافية، أعوذ بالله.

الطالب: وَفِيهِ: قَتْلُ مَنْ قَتَلَ بِالسُّمِّ قِصَاصًا، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا اسْتَكْرَهَهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إِذَا دَسَّهُ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ بِبِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: هذا كلامه، عنده شكّ في هذا إنْ ثبت، هذا المقصود من البحث؛ كأنَّ عنده شكًّا في قتل هذه ببشر.

س: ما أسلمت المرأة؟

ج: ما أدري.

الطالب: وَفِيهِ: أَنَّ الْأَشْيَاءَ كَالسّمُومِ وَغَيْرِهَا لَا تُؤَثِّرُ بِذَوَاتِهَا، بَلْ بِإِذْنِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ السُّمَّ أَثَّرَ فِي بِشْرٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بعد حولٍ، وَوَقع فِي مُرْسَل الزُّهْرِيِّ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ لَوْنَهُ صَارَ فِي الْحَالِ كَالطَّيْلَسَانِ، يَعْنِي: أَصْفَرَ شَدِيدَ الصُّفْرَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ: "فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" فَاللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لُهًى -بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرُ منوَّنٌ- ولهيان -وَزْنُ إِنْسَانٍ- وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِيمَا مَضَى فِي الطِّبِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُذْرَةِ، وَهِيَ اللَّحْمَةُ الْمُعَلَّقَةُ فِي أَصْلِ الْحَنَكِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ مُنْقَطِعِ اللِّسَانِ إِلَى مُنْقَطِعِ أَصْلِ الْفَمِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ.

وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَعْتَرِيهِ الْمَرَضُ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ أَحْيَانًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ، وَوَقَعَ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا: مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ عِدَادًا، حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي، وَمثله فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة عِنْد ابن سَعْدٍ.

وَالْعِدَادُ -بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ- مَا يُعْتَادُ، وَالْأَبْهَرُ: عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ أَرَادَ أَنَّهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللَّهَوَاتِ بِتَغَيُّرِ لَوْنِهَا، أَوْ بِنُتُوءٍ فِيهَا، أَوْ تَحْفِيرٍ. قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

الشيخ: المقصود من هذا البحث كنتُ أظنُّه يتكلم على قصة بشر بن البراء، ولعلها تقدَّمت في المغازي، العيني ما تكلم فيها بشيءٍ؟

الطالب: ما زاد شيئًا.

الشيخ: نعم.

بَاب أَلْبَانِ الأُتُنِ

5780- حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى أَتَيْتُ الشَّأْمَ.

5781- وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ: هَلْ نَتَوَضَّأُ أَوْ نَشْرَبُ أَلْبَانَ الأُتُنِ، أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعِ، أَوْ أَبْوَالَ الإِبِلِ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ المُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا، فَلا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا، فَأَمَّا أَلْبَانُ الأُتُنِ: فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ لُحُومِهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَلْبَانِهَا أَمْرٌ وَلا نَهْيٌ، وَأَمَّا مَرَارَةُ السَّبُعِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلانِيُّ: أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ.

الشيخ: وهذا أيضًا قد جاء من رواية..... عند مسلم: أن الرسول نهى عن كل ذي مخلبٍ من الطير، وعن كل ذي نابٍ من السباع، وهو موافقٌ لرواية أبي ثعلبة، وألبان الأتن من جنس لحومها مُحرَّمة ..... نقل الإجماع على تحريم الحمر الأهلية، فألبانها منها، ولهذا قال النبيُّ ﷺ لما أمر أبا طلحة أن يُنادي في الناس، يُنادي أنها رجس: ألا إنها رجس.

فالمقصود أنَّ لحوم الحمر الأهلية مُحرَّمة، وألبانها منها مُحرَّمة، ولا يُتداوى بها، وإنما التَّداوي يكون بالحلال لا بالحرام، وهكذا السباع؛ لأنها مُحرَّمة، فهكذا مرارتها وغير ذلك.

س: تخصيص المرارة؟

ج: قد يكون بعضُ العرب يستعملها.

بَاب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الإِنَاءِ

5782- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ -مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ- عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ -مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ داءً، وفي الآخر شفاءً.

الشيخ: وهذا من العلم الذي جاء به الوحي، الرسول ﷺ أخبر عمَّا جاءه من الوحي: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1- 4]، وقد شاهد الناسُ وعرف الناسُ ما في الذُّباب من آثار السم، ولهذا في اللفظ الآخر: فإن في أحد جناحيه سمًّا، وفي الآخر شفاءً، وآثار لسعه تدل على ما فيه من السم، وكان يتَّقي بجناحه الذي فيه الداء، قال بعضُ أهل العلم: إنه تتبع ذلك ووجده يتَّقي بالأيسر، فدلَّ على أنَّ الأيسر فيه الداء، ويرفع الأيمن، فشرع الله لنا غمسه حتى يُكافح هذا هذا، حتى يُكافح ما في الجهة الثانية من الدواء ما وقع من الداء، ما في الجناح المرفوع من الدواء يُكافح ما وقع من الداء.

وهذا الحديث الصحيح رواه البخاري منفردًا به، وله شاهدٌ من حديث أبي سعيدٍ عند النسائي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، كما قال الشارحُ هنا، كذلك له شاهد في البزار بإسنادٍ جيدٍ عن أنسٍ، فالحديث جاء من طرقٍ عن جماعةٍ من الصحابة، وهو دالٌّ على هذه المسألة التي هي غمس الذباب ثم طرحه ثم يأكل أو يشرب ما وقع فيه، وهنا: في إناء أحدكم، وفي الرواية الأخرى: في شراب أحدكم، وفي رواية أبي سعيدٍ: في طعام أحدكم، والألفاظ كلها متقاربة تدل على أنه سواء كان الذي وقع فيه طعامًا أو شرابًا: لبنًا، أو ماء، أو غير ذلك.

س: إذا كان الشرابُ حارًّا؟

ج: ولو حار، ظاهره العموم، لكن الغالب أنه إذا وقع في حارٍّ لا يستطيع أن يُسوِّي شيئًا، الغالب أنه ما يحتاج إلى غمسه، تأكله النار، هذا الغالب؛ لأنه إنما يستطيع الغالب الرفع إذا كان الشرابُ باردًا، أما إذا كان الشرابُ حارًّا ما يستطيع أن يغمس.

77 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32].

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلا مَخِيلَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ".

الشيخ: وهذا يُبين لنا أنَّ الأصل هو الحلُّ في الأكل والشرب واللباس والصدقة وغير هذا، وأن المؤمن قد أباح الله له هذه الأمور، ومن هذا قوله جلَّ وعلا: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ [المؤمنون:51]، يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26]، إلى غير هذا.

فالأصل في هذه الأمور هو الحِلُّ والإباحة، فضلًا من الله وإحسانًا جلَّ وعلا، ما عدا ما قد يُبتلى به الناسُ من السرف والخُيلاء، هذا هو الذي يمنع منه، فلا يجوز للمؤمن الإسراف، والتَّبذير أشرّ، وهكذا الخيلاء، وهو التَّكبر؛ أن يلبس مُتكبرًا، أو يتعاطى بعض الأشياء الأخرى على سبيل التَّكبر والخيلاء والتعاظم، أو على سبيل التَّبذير، وهو صرف الأموال في غير محلِّها، والإسراف الزيادة عن الحاجة، والله يقول جلَّ وعلا: وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]، ويقول: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [الإسراء:26]، فالمؤمن لا يسرف ولا يُبذر، فالإسراف الزيادة عن المقصود، والتبذير صرف ما لا يحل ولا ينبغي: كالخمور والقمار، أو فيما لا حاجةَ إليه: كاللعب بالأموال وإحراقها وأشباه ذلك، فالرسول ﷺ نهى عن إضاعة المال.

5783- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يُخْبِرُونَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ.

بَاب مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلاءَ

5784- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاءَ.

الشيخ: وهذا قد يتعلق به بعضُ الناس فيجرّ ثيابه ويقول: لستُ أقصد الخيلاء، وهذا من سُوء الفهم، ومن الغلط، فإنَّ الصديق يتعاهد إزاره؛ لأنه قد يغلبه، قد يرتخي، وليس من قصده الخيلاء، هذا معفو عنه، وهذا هو مقصود النبي ﷺ، لكن مَن جرَّ ثوبه تعمدًا وأرخاه تعمدًا فهو داخلٌ تحت عموم النَّهي والتَّحذير؛ لأنَّ الغالب إنما يقع هذا عن تكبُّرٍ وعن خُيلاء، والنادر لا حكمَ له.

ثم هذا الشيء يتعلق بالقلوب، الله يعلم ما في القلوب، ونحن مأمورون باتِّباع الشرع، وقد قال ﷺ: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار، وقال: إياك والإسبالَ؛ فإنه من المخيلة، فجعل نفسَ الإسبال من المخيلة، وهكذا الحديث الآخر -حديث أبي ذرٍّ: ثلاثة لا يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنَّان بما أعطى، والمنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم.

هذا كله يدل على تحريم الإسبال وما زاد على الكعب، ثم أيضًا هو وسيلة إلى الأوساخ والنَّجاسات، إلى تلطيخه بالنَّجاسة والأوساخ، ثم هو إضاعة للمال، ثم هو من الإسراف في الحقيقة، وهذه كلها واضحة في منع الزيادة، ولما رأى عمر شابًّا يمسّ ثوبه الأرض -وهو بعدما طُعن - ناداه وقال: "ارفع ثوبك؛ فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك". نعم.

5785- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا، حَتَّى أَتَى المَسْجِدَ، وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا.

الشيخ: وهذا من هذا الباب، من شدَّة العجلة جرَّ ثوبه، هذا ما قصد الخيلاء، ولا تساهل بالأمر، ولكنه من شدَّة الفزع.

س: ............؟

ج: كأنه من شدة العجلة والفزع ارتخى الثوب.

بَاب التَّشمر فِي الثِّيَابِ

5786- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَوْنُ ابْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَأَيْتُ بِلالًا جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ فِي حُلَّةٍ مُشَمِّرًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى العَنَزَةِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ العَنَزَةِ.

الشيخ: قوله: "مُشَمِّرًا" يعني: رافعًا ثيابه فوق الكعبين، عليه الصلاة والسلام، التَّشمير: رفع الثياب وعدم إرخائها.

بَاب مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ

5787- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ.

بَاب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيَلاءِ

5788- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا.

س: التَّشمير أين حَدُّه؟

ج: إلى نصف الساق، ما بين الكعب والنّصف.

س: ............؟

ج: نعم مشروعة بعد صلاة الكسوف، يُشرع أن يخطب الناس ويُذكرهم ويُبيّن لهم الكسوف وأسبابه وفائدته مثلما فعل النبيُّ ﷺ.

س: يعني خطبة تُناسب الحال؟

ج: تُناسب الحال نعم، تُناسب المقام، يذكر فيها الكسوف وأسبابه وفائدته وصلاته ..... مثلما فعل النبي ﷺ.

5789- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ –أَوْ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

الشيخ: وهذا يُبين لنا خطر التَّكبر، وأنَّ صاحبه قد تُعجل له عقوبة التكبر مثلما في الحديث: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمَن نازعني في واحدٍ منهما عذَّبتُه، فالتكبر عاقبته وخيمة، وهو أظهر صفة أهل النار: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72]، أظهر صفات أهل النار التَّكبر -نسأل الله العافية- لأنَّ رؤساءهم وزعماءهم تكبَّروا عن الرسول، وتعاظموا أن يتَّبعوا الرسول، وتبعهم الناسُ في ذلك، فصارت النارُ أولى بهم؛ لأنها أوْلى بالمتكبرين -نسأل الله العافية- ولهذا قد تُعجّل العقوبة للمُتكبر قبل يوم القيامة، منها هذا: أنه بينما رجلٌ في حلَّةٍ له قد أعجبته نفسُه، مُرجل جمته، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

ومن هذا قضية قارون لما بغى وتكبر ولم يَنْقَدْ لِما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام، عجَّل الله له العقوبة، خسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.

فهذا يُفيد الحذر من هذه الخصلة السيئة الخبيثة، وهي التَّكبر والتَّعاظم، سواء كان ذلك في نفسه، أو في غير ذلك، ينبغي له أن تكون صفته التواضع والبُعد عن الخُيلاء.

وقد فسَّر النبيُّ ﷺ التَّكبر فقال: الكبر بطر الحقِّ، وغمط الناس يعني: ردّ الحق حتى يُوافق هواه، واحتقار الناس؛ يرى أنه فوق الناس.

5790- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلَّلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

الشيخ: وهذا شاهدٌ لخبر أبي هريرة المتقدم، نسأل الله السلامة.

 تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ، عن أبي هريرة.

حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ نَحْوَهُ.

5791- حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَأْتِي مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ: أَذَكَرَ إِزَارَهُ؟ قَالَ: مَا خَصَّ إِزَارًا وَلا قَمِيصًا.

تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ.

وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ.

الشيخ: انظر كلامه على .....

الطالب: قَوْلُهُ: (مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ) كَانَ مُحَارِبٌ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ: عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ، وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ فِي الرَّجُلِ سِتُّ خِصَالٍ سَوَّدُوهُ.

الشيخ: يعني: رأسوه عليهم.

الطالب: الْحِلْمُ وَالْعَقْلُ وَالسَّخَاءُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْبَيَانُ وَالتَّوَاضُعُ.

الشيخ: كلها صفات عظيمة جاء بها الإسلامُ، وحثَّ عليها الإسلام.

الطالب: وَلَا يَكْمُلْنَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِالْعَفَافِ.

الشيخ: صحيح، العفاف عمَّا حرم الله، يعني: زيادة في الإسلام، الحلم والعقل والسخاء والشجاعة والبيان والتواضع، هذه خصال عظيمة، فإذا انضمَّت إليها العفَّة عن محارم الله والاستقامة على دين الله؛ فهذا هو الكمال.

الطالب: وَقَدِ اجْتَمَعْنَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، يَعْنِي: مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ.

الشيخ: يعني: كان حليمًا ذا عقلٍ كبيرٍ، مع السخاء والجود والشجاعة والبيان -يعني: الفصاحة وحُسن البيان إذا تكلَّم- مع التواضع، مع التُّقى والاستقامة، رحمة الله عليه.

س: العفاف ......؟

ج: عن المحارم يعني.

س: ............؟

ج: لكنها في الأغلب يُعبر بها عن البُعد عن الفواحش، ولا شكَّ أنها ما تتم إلا بأداء الفرائض.

الطالب: وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَعَلَّ رُكُوبَهُ الْفَرَسَ كَانَ لِيَغِيظَ بِهِ الْكُفَّارَ، وَيُرْهِبَ بِهِ الْعَدُوَّ، وَتَعَقَّبَهُ ابن التِّينِ بِأَنَّ رُكُوبَ الْخَيْلِ جَائِزٌ، فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِذَارِ عَنْهُ.

قُلْتُ: لَكِنَّ الْمَشْيَ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْزِلَهُ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَنْزِلِ حُكْمِهِ.

الشيخ: وهذا هو الأقرب؛ أنه كان بعيدًا، أو عنده شيء من الثِّقل ورحمه الله.

الطالب: محارب.

الشيخ: نعم.

الطالب: محارب: بضم أوله، وكسر الراء، ابن دثار: بكسر المهملة، وتخفيف المثلثة، السَّدوسي، الكوفي، القاضي، ثقة، إمام، زاهد، من الرابعة، مات سنة ستّ عشرة (ع).

الشيخ: رحمه الله.

س: لا ينظر الله إليه، يعني: لا يرحمه؟

ج: هذا تأويل ما هو بصحيحٍ، لكن مقصود النظر هنا يعني: النظر، لا ينظر الله إليه يعني: غضبًا عليه، وإلا هو جلَّ وعلا يرى كلَّ أحدٍ سبحانه، لا تخفى عليه خافية، لكن تعبير لا ينظر الله لا يُكلمه، إشارة إلى غضبه ، وإلا ما يؤول بالرحمة، لكن هذا من مضمون لا ينظر الله إليهم لا يرحمهم، ولا يرضى عنهم، بل يغضب عليهم لأعمالهم القبيحة، هذا من مقتضى اللفظ. انظر كلامه على كتاب اللباس.

س: ...............؟

ج: على ظاهره، مع كونه يفيد الغلط، لا يُكلمهم الله، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم هذه إشارة إلى غضبه عليهم.

الطالب: (كِتَابُ اللِّبَاسِ) وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32] كَذَا للْأَكْثَر، وَزَاد ابنُ نعيم: وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَلِلنَّسَفِيِّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الْآيَة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ ابْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سعيد بن جُبَير، عَن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الْآيَة، وَسَنَده صَحِيح.

وَأخرج الطَّبَرِيُّ وابن أبي حَاتِم بأسانيد جِيَادٍ، عَن أَصْحَاب ابن عَبَّاسٍ -كَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا- نَحْوَهُ، وَكَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالسُّدِّيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَوَافِ الْمُشْرِكِينَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ.

الشيخ: وهذا كما ذكر عنهم أنهم كانوا يقولون: ثيابنا قد عصينا الله فيهم، فنطوف متجردين؛ لأنَّ هذه الثياب قد لابسنا فيها المعاصي، فهذا تورُّع خبيث، وعذر خبيث، ولهذا كانت صلاتهم عند البيت مكاءً وتصديةً: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35]، فالمكاء مثلما قال العلماء: الصَّفير، والتَّصدية: التصفيق، فيُصفرون ويُصفقون ويزعمون أنَّ هذا تَدَيُّن، والله المستعان.

الطالب: وَأخرج ابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ طَاوُسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَلَكِنْ كَانُوا إِذَا طَافَ أَحَدُهُمْ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ضُرِبَ وَانْتُزِعَتْ مِنْهُ، يَعْنِي: فَنَزَلَتْ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: سَقَطَ عَنِّي ثَوْبِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: خُذْ عَلَيْكَ ثَوْبَكَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ) ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ لِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ فَقَطْ، وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا مُعَلَّقَةً، وَلَمْ يَصِلْهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا" مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، بِهِ، وَلَمْ يَقَع الِاسْتِثْنَاءُ فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ.

وَذَكَرَهُ الْحَارِثُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ: وَتَصَدَّقُوا، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَوَقَعَ لَنَا مَوْصُولًا أَيْضًا فِي كِتَابِ الشُّكْرِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا بِتَمَامِهِ.

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى تَقْوِيَةِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

الشيخ: كأنها مُصحَّفة، تقوية صحيفة عمرو بن شعيب .....؛ لأنَّ عمرو بن شعيب تابعي، وليس شيخًا للبخاري، ولكن اختلف الناسُ في هذه الترجمة: عمرو بن شعيب ..... هل هي ترجمة صحيحة بسندٍ جيدٍ أم لا؟ فالبخاري رحمه الله وجماعة -كالحميدي وأحمد وجماعة- يُقوون هذه الترجمة، يعني هذه النسخة إذا قيل أنها صحيفة، والصحيح أنَّ هذا السند حسنٌ ما لم يُخالف ما هو أوثق منه، فكأنَّ قوله: "عن شيخه" مصحفة: عن صحيفة، أو قضية، أو نحوها، ما عندك شيء في العيني؟

الطالب: ما هو يعود شيخه إلى قتادة؟

الشيخ: وقتادة كذلك، قتادة ما هو شيخ للبخاري، تابعي أيضًا.

الطالب: شيخ عمرو بن شعيب.

الشيخ: لكن ما له ذكر في هذا، لكن يُفيد أنَّ جزمه بهذا يدل على أنَّ ترجمة عمرو جيدة عنده؛ لأنه علَّقه، ما قال: وقال عمرو، علَّقه: قال النبيُّ ﷺ ......

الطالب: وَلَمْ أَرَ فِي الصَّحِيحِ إِشَارَةً إِلَيْهَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ قَلَبَ هَذَا الْإِسْنَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَصَحَّفَ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

وَقَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيه) ذكر ابنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْعِلَلِ" أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ: عَمْرو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

الشيخ: يعني: شعيب تصحَّفت إلى: سعيد، والمؤلف ذكر في "البلوغ" هذا الأثر، قال: وعلَّقه البخاريُّ، ولكن بلفظ الإفراد: كُلْ واشرَبْ والبسْ، من غير لفظ الجماعة، هكذا ذكر في "البلوغ" في كتاب الأدب، كتاب جامع كما يأتي.

الطالب: وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْآيَةِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الَّتِي قبلهَا: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، وَالْإِسْرَافُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي كُلِّ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ أَشْهَرُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53]، وَقَالَ تَعَالَى: فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [الإسراء:33].

وَالْمَخِيلَةُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ، وَهِيَ بِمَعْنَى: الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ التَّكبر.

وَقَالَ ابنُ التِّينِ: هِيَ بِوَزْنِ مُفَعِّلَةٍ، مِن اخْتَالَ: إِذَا تَكَبَّرَ، قَالَ: وَالْخُيَلَاءُ -بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَقَدْ يُكْسَرُ، مَمْدُودًا- التَّكَبُّرُ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْخُيَلَاءُ: التَّكَبُّرُ، يَنْشَأُ عَن فَضِيلَةٍ يتراءاها الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ، وَالتَّخَيُّلُ: تَصْوِيرُ خَيَالِ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ، وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الْإِسْرَافِ وَالْمَخِيلَةِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ أَكْلًا وَلُبْسًا وَغَيْرِهِمَا: إِمَّا لِمَعْنًى فِيهِ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَهُوَ الْإِسْرَافُ، وَإِمَّا لِلتَّعَبُّدِ كَالْحَرِيرِ إِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ تَتَنَاوَلُ مُخَالَفَةَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، فَيَدْخُلُ الْحَرَامُ، وَقَدْ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْرَافُ الْكِبْرَ، وَهُوَ الْمَخِيلَةُ.

س: .............؟

ج: يعني الحرير ..... وعلل النبي ﷺ قال: إنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة، أنها مما يتمتع به الكفَّار، ويحتمل أنها مما يحصل به من التَّنعم الزائد، والرجل لا يليق به ذلك بكل حالٍ، المهم النَّهي عنه، والحمد لله.

الطالب: قَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُاللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِفَضَائِلِ تَدْبِيرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَفِيهِ تَدْبِيرُ مَصَالِحِ النَّفْسِ وَالْجَسَدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ السَّرَفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْجَسَدِ، وَيَضُرُّ بِالْمَعِيشَةِ، فَيُؤَدِّي إِلَى الْإِتْلَافِ، وَيَضُرُّ بِالنَّفْسِ إِذْ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْجَسَدِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ، وَالْمَخِيلَةُ تَضُرُّ بِالنَّفْسِ حَيْثُ تُكْسِبُهَا الْعُجْبَ، وَتَضُرُّ بِالْآخِرَةِ حَيْثُ تُكْسِبُ الْإِثْمَ، وَبِالدُّنْيَا حَيْثُ تُكْسِبُ الْمَقْتَ من النَّاس.

الشيخ: لأنَّ التَّكبر ممقوت، فالتَّكبر يضرُّه في الدنيا والآخرة، ويضره من جهة الناس أيضًا.

س: ما في أثر التَّكبر على المُتكبرين؟

ج: ما بلغني هذا.

الطالب: قَوْله: (وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَاشْرَبْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) وَصَلَهُ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالدِّينَوَرِيُّ فِي "الْمُجَالَسَةِ" من رِوَايَة ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَن ابن عَبَّاس، أما ابن أَبِي شَيْبَةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ، وَأَمَّا الدِّينَوَرِيُّ فَلَمْ يَذْكُرِ السَّرَفَ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَن معمر، عَن ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ.

الشيخ: كذا عندكم: "كل واشرب" وإلا "كل والبس"؟

الطالب: "كل ما شئتَ، والبس ما شئتَ".

الشيخ: في التخريج ما ذكر اللبس ....... انظر كلامه على قصة أبي بكر: لستَ ممن يفعله خُيلاء؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ) أَيْ: فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِابْنِ بَطَّالٍ.

[5784] قَوْلُهُ: (زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ.

قَوْلُهُ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) هُوَ الصِّدِّيقُ.

"إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي" كَذَا بِالتَّثْنِيَةِ لِلنَّسَفِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِمَا: "شِقِّ" بِالْإِفْرَادِ، وَالشِّقُّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ: الْجَانِبُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى النِّصْفِ.

قَوْلُهُ: "يَسْتَرْخِي" بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَانَ سَبَبُ اسْتِرْخَائِهِ نَحَافَةَ جِسْمِ أَبِي بَكْرٍ.

قَوْلُهُ: "إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ" أَيْ: يَسْتَرْخِي إِذَا غَفَلْتُ عَنْهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ: "إِنَّ إِزَارِي يَسْتَرْخِي أَحْيَانًا"، فَكَأَنَّ شَدَّهُ كَانَ يَنْحَلُّ إِذَا تَحَرَّكَ بِمَشْيٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَإِذَا كَانَ مُحَافِظًا عَلَيْهِ لَا يَسْتَرْخِي؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَادَ يَسْتَرْخِي شدَّه.

وَأخرج ابن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْنَى، لَا يَسْتَمْسِكُ إِزَارهُ، يَسْتَرْخِي عَنْ حَقْوَيْهِ".

وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا نَحِيفًا.

قَوْلُهُ: لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَسْتَ مِنْهُمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى مَنِ انْجَرَّ إِزَارُهُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ مُطْلَقًا.

وَأما مَا أخرجه ابن أبي شيبَة عَن ابن عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ جَرَّ الْإِزَارِ عَلَى كل حَالٍ، فَقَالَ ابن بَطَّالٍ: هُوَ مِنْ تَشْدِيدَاتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ الْبَابِ، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ.

قلتُ: بل كَرَاهَة ابن عُمَرَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَخِيلَةٍ أَمْ لَا، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِرِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُظَنُّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِالْكَرَاهَةِ مَنِ انْجَرَّ إِزَارُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، ثُمَّ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَدَارَكْهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا هَلِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ؟

الشيخ: يعني: إذا لم يتدارك، أما إذا تداركه مثل فعل أبي بكر فلا يضرُّه ذلك؛ لأنه لم يتعمد، ولم يقصد، ولم يتساهل، وظاهر النصوص أنه إذا تعمَّد ذلك يحرم ولا يجوز له.

الطالب: وَفِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارُ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ غَالِبًا.

[5785] قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ) لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا لِأَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ، وَأَغْفَلْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ بِخُصُوصِهِ فِي الْمُقدمَة، وَقد صرح ابنُ السَّكَنِ فِي مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ هَذَا بِأَنَّ مُحَمَّدًا الرَّاوِي عَن عبدالْأَعْلَى هُوَ ابن سَلَامٍ.

الشيخ: الترجمة التي بعد هذا؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابٌ –بِالتَّنْوِينِ- مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ) كَذَا أَطْلَقَ فِي التَّرْجَمَةِ، لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِزَارِ، كَمَا فِي الْخَبَرِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْمِيمِ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى لَفْظِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ أخرجه مَالك، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وابن ماجه، وَصَححهُ أَبُو عوَانَة، وابن حِبَّانَ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ مُسْلِمٍ، وَكَأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ لِاخْتِلَافٍ فِيهِ وَقَعَ عَلَى الْعَلَاءِ وَعَلَى أَبِيهِ، فَرَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْعَلَاءِ عَنْهُ، هَكَذَا، وَخَالَفَهُمْ زَيْدُ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ فَقَالَ: عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.

الشيخ: عن ابن عمر، الظاهر أنها تصحيف.

الطالب: عن ابن عمر، أخرجه الطبراني، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَ الطَّرِيقَيْنِ النَّسَائِيُّ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْأَوَّلَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي جري -بِالْجِيم وَالرَّاء مصغر- وَاسْمُهُ: جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ، رَفَعَهُ، قَالَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاق، فإن أَبيتَ فَإلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاك وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ.

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِلَفْظِ: الْإِزَار إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمِنْ وَرَاءِ السَّاقَيْنِ، وَلَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ.

[5787] قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَن شُعْبَةَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ مَا مَوْصُولَةٌ، وَبَعْضُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ كَانَ، وَ"أَسْفَلَ" خَبَرُهُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، أَيْ: مَا هُوَ أَسْفَلُ، وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "مَا" نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِأَسْفَلَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ، فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ عُقُوبَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ، أَوْ حَلَّ فِيهِ، وَتَكُونُ "مِنْ" بَيَانِيَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الشَّخْصَ نَفْسَهُ، أَوِ الْمَعْنَى: مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الَّذِي يُسَامِتُ الْإِزَارَ فِي النَّارِ، أَوِ التَّقْدِيرُ: لَابِسُ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ .. إِلَخْ، أَوِ التَّقْدِيرُ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مَحْسُوبٌ فِي أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: مَا أَسْفَلَ مِنَ الْإِزَارِ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ، وَكُلُّ هَذَا اسْتِبْعَادٌ مِمَّنْ قَالَهُ؛ لِوُقُوعِ الْإِزَارِ حَقِيقَةً فِي النَّارِ، وَأَصْلُهُ مَا أَخْرَجَ عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ: أَنَّ نَافِعًا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَمَا ذَنْبُ الثِّيَابِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْقَدَمَيْنِ. اهـ.

لَكِنْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عقيل، عَن ابن عُمَرَ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ ﷺ أسبلتُ إزَارِي فَقَالَ: يَا ابن عُمَرَ، كُلُّ شَيْءٍ يَمَسُّ الْأَرْضَ مِنَ الثِّيَابِ فِي النَّارِ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ ابن مَسْعُودٍ: أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا يُصَلِّي قَدْ أَسْبَلَ، فَقَالَ: "الْمُسْبِلُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ"، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَعَلَى هَذَا لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَكُونُ مِنْ وَادِي: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98]، أَوْ يَكُونُ فِي الْوَعِيدِ لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَةَ أَحَقُّ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: فِي النَّارِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْقُوبَ -وَهُوَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ بِزِيَادَةِ فَاءٍ، وَكَأَنَّهَا دَخَلَتْ لِتَضْمِينِ "مَا" مَعْنَى الشَّرْطِ، أَيْ: مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الْإِزَارِ الْمُسْبَلِ فَهُوَ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ على فعله.

وللطبراني من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: كُلُّ شَيْءٍ جَاوَزَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَفَعَهُ: إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ قَيْدِ الْخُيَلَاءِ، فَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِسْبَالِ فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ إِسْبَالِ الْإِزَارِ مُطْلَقًا مَا أَسْبَلَهُ لِضَرُورَةٍ: كَمَنْ يَكُونُ بِكَعْبَيْهِ جُرْحٌ مَثَلًا، يُؤْذِيهِ الذُّبَابُ مَثَلًا إِنْ لَمْ يَسْتُرْهُ بِإِزَارِهِ، حَيْثُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ.

الشيخ: يعني: العراقي.

الطالب: وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِإِذْنِهِ ﷺ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ الْحَرِيرِ مِنْ أَجْلِ الْحَكَّةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا جَوَازُ تَعَاطِي مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ، كَمَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّدَاوِي، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنَ الْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ، كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ) أَيْ: بِسَبَبِ الْخُيَلَاءِ، أَوْرَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:

الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا، وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا، وَالْبَطَرُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ.

قَالَ عِيَاضٌ: جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ على المصدر، وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ، أَيْ: جَرَّهُ تَكَبُّرًا وَطُغْيَانًا، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهْشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا.

[5788] قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ: لَا يَرْحَمُهُ، فَالنَّظَرُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ كَانَ مَجَازًا، وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ كَانَ كِنَايَةً.

الشيخ: وهذا من التأويل، وهذا غلط، ربنا يرى وينظر رؤية تليق به جلَّ وعلا، وليس من جنس صفات المخلوقين، فهو سميع بصير جلَّ وعلا، يُوصَف بالصفات التي جاءت على الوجه اللائق به .

س: ............؟

ج: كلها معناها واحد، يعني: ما يجوز أن يُرخيها حتى تتجاوز الكعب، الحدُّ الكعب.

الطالب: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ.

وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: عَبَّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ، فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبَّبَانِ عَنِ النَّظَرِ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: نِسْبَةُ النَّظَرِ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ كِنَايَة؛ لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالشَّخْصِ التَفَتَ إِلَيْهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ، وَلِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ النَّظَرِ، وَهُوَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازٌ عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً.

الشيخ: كلُّ هذا من أغلاطهم.

س: معنى قول العراقي: عبَّر عن المعنى الكائن عند النظر بالنَّظر؟

ج: ما في تصريح....... فقط أنه لا ينظر الله ولا يُكلمهم إشارة إلى غضبه عليهم سبحانه وتعالى، مع إثبات النظر والتَّكليم، لو أنه ينظر ويتكلم لما عبَّر بذلك، لكن النظر نظران: نظر محبَّةٍ ورضا، ونظر غضبٍ، وهكذا التَّكليم؛ قد يكلم الإنسانُ أخاه عن محبَّةٍ، وقد يُكلمه عن غضبٍ، فأشار بالآية الكريمة أنَّ الله جلَّ وعلا يغضب على أولئك الذين خالفوا أمره فلا ينظر إليهم ولا يُكلمهم كلامًا فيه خيرٌ لهم، ولا نظر فيه خيرٌ لهم، بل نظر غضبٍ، ونظر سخطٍ عليهم، ويُوجب العذاب، وهكذا التَّكليم، وهو سبحانه معلومٌ أنه يكلم يوم القيامة جميع الخلق: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمه ربُّه ليس بينهما ترجمان، وينظر جميع الخلق، لكن نظر يليق به ، وكلام يليق به عزَّ وجل، لا يُشابه خلقه.

س: .............؟

ج: نعم، إثبات النظر، وإثبات الكلام، ولكنه هنا نفاه لأجل غضبه عليهم.

س: العراقي يُؤول؟

ج: ما أدري، ما أعرف عنه شيئًا، ولا هو ببعيدٍ؛ لأنَّ مذهب الأشاعرة غلب على غالب الناس في القرون المتقدمة: في القرن الرابع وما بعده، ولم يسلم إلا القليل.

الطالب: وَقَوْلُهُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، بِخِلَافِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا قَدْ تَنْقَطِعُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ.

الشيخ: الذي بعده؟

الطالب: قَوْلُهُ: "مَنْ" يَتَنَاوَلُ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ، وَقَدْ فَهِمَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ فَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِع، عَن ابن عُمَرَ، مُتَّصِلًا بِحَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذيُولِهِنَّ؟ فَقَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ، لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ عَزَا بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِمُسْلِمٍ فَوَهِمَ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَكَأَنَّ مُسْلِمًا أَعْرَضَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا عَلَى نَافِعٍ؛ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ ابْنِ نَافِعٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَفْسِهَا، وَفِيهِ اخْتِلَافَاتٌ أُخْرَى، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيث ابن عُمَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الصّديق، عَن ابن عُمَرَ قَالَ: "رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا، فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا". وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْرَ الذِّرَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَأَنَّهُ شِبْرَانِ بِشِبْرِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ.

الشيخ: وحديث أم سلمة هذا صحيح، طرقه صحيحة، ولا يضرّ هذا الاختلاف؛ لأنَّ أسانيده جيدة.

س: .............؟

ج: حديث أم سلمة: يُرخين شبرًا، ثم زادهنَّ ذراعًا، يعني: ذيلها الذي وراءها حتى تستر الأقدام.

الطالب: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ التَّعَقُّبُ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْإِسْبَالِ مُقَيَّدَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الْمُصَرِّحَةِ بِمَنْ فَعَلَهُ خُيَلَاءَ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ: ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاءُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ مُخْتَصٌّ بِالْخُيَلَاءِ. وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِي اسْتِفْسَارِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي جَرِّ ذُيُولِهِنَّ مَعْنًى، بَلْ فَهِمَتِ الزَّجْرَ عَنِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَخِيلَةٍ أَمْ لَا، فَسَأَلَتْ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى الْإِسْبَالِ مِنْ أَجْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ قَدَمِهَا عَوْرَةٌ، فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ.

وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ -وَمُرَادُهُ مَنْعُ الْإِسْبَالِ- لِتَقْرِيرِهِ ﷺ أُمَّ سَلَمَةَ عَلَى فَهْمِهَا، إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ لَهَا أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ؛ لِتَفْرِقَتِهِ فِي الْجَوَابِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْإِسْبَالِ، وَتَبْيِينِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَمْنَعُ مَا بَعْدَهُ فِي حَقِّهِنَّ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرِّجَالِ حَالَيْنِ: حَالُ اسْتِحْبَابٍ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِالْإِزَارِ عَلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَحَالُ جَوَازٍ؛ وَهُوَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَكَذَلِكَ لِلنِّسَاءِ حَالَانِ: حَالُ اسْتِحْبَابٍ؛ وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا هُوَ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِقَدْرِ الشِّبْرِ، وَحَالُ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَبَرَ لِفَاطِمَةَ مِنْ عَقِبِهَا شِبْرًا وَقَالَ: هَذَا ذَيْلُ الْمَرْأَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِلَفْظِ: شَبَرَ مِنْ ذَيْلِهَا شِبْرًا أَوْ شِبْرَيْنِ وَقَالَ: لَا تَزِدْنَ عَلَى هَذَا، وَلَمْ يُسَمِّ فَاطِمَةَ.

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُعْتَمِرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ.

قُلْتُ: وأو شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالَّذِي جَزَمَ بِالشِّبْرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَبَرَ لِفَاطِمَةَ شِبْرًا.

وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ: أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجَرِّ خَرَجَ لِلْغَالِبِ، وَأَنَّ الْبَطَرَ وَالتَّبَخْتُرَ مَذْمُومٌ، وَلَوْ لِمَنْ شَمَّرَ ثَوْبَهُ، وَالَّذِي يَجْتَمِعُ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِالْمَلْبُوسِ الْحَسَنِ إِظْهَارَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، مُسْتَحْضِرًا لَهَا، شَاكِرًا عَلَيْهَا، غَيْرَ مُحْتَقِرٍ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ؛ لَا يَضُرُّهُ مَا لَبِسَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي غَايَةِ النَّفَاسَةِ، فَفِي "صَحِيح مُسلم" عَن ابن مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: وَغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْمِيمِ، ثُمَّ مُهْمَلَةٍ: الِاحْتِقَارُ.

وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "إِنَّ الرَّجُلَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ شِرَاكُ نَعْلِهِ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ [القصص:83] الْآيَةَ"، فَقَدْ جَمَعَ الطَّبَرِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ بِأَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ؛ لِيَتَعَظَّمَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، لَا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ ابْتِهَاجًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ –رَفَعَهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَصَححهُ ابنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ -وَرَآهُ رثّ الثِّيَاب: إِذا آتاك الله مَالًا فَلْيَرَ أَثَرَهُ عَلَيْكَ أَيْ بِأَنْ يَلْبَسَ ثِيَابًا تَلِيقُ بِحَالِهِ مِنَ النَّفَاسَةِ وَالنَّظَافَةِ؛ لِيَعْرِفَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِلطَّلَبِ مِنْهُ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْقَصْدِ وَتَرْكِ الْإِسْرَافِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

تَكْمِلَةٌ: الرَّجُلُ الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيث ابن مَسْعُودٍ هُوَ سَوَادُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: [5789] قَوْلُهُ: (قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، أَوْ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ) شَكٌّ مِنْ آدَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالُوا: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ.

الشيخ: والخلاصة من هذا أنَّ جرَّه بطرًا وأنَّ التَّكبر والبطر مُطلقًا مُحرَّم ومُنكر، أما إذا جرَّ الثوب من غير قصدٍ، بل تفلَّت عليه، واسترخى عليه من غير قصدٍ، مع التعاهد؛ فلا حرج في ذلك، وأما إذا تعمَّد جرَّه وقال: إنه لا يريد البطر، وإنما جرَّه تساهلًا أو عدم مبالاةٍ فهذا هو محل النظر؛ قال قوم: يُكره إذا كان ليس بنيته الكبر، وقال آخرون: بل يحرم كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة العامَّة، وإنما يُعفى عنه إذا غلبه ذلك من غير قصد التَّكبر، هذا هو الذي استُثني، وأما ما سوى ذلك فيحرُم، وهذا هو ظاهر الأحاديث الصحيحة، فيحرم جرّ الثياب وتعمّد جرّها تحت الكعب ولو زعم أنه ما أراد التَّكبر؛ لأنَّ ظاهره إرادة التكبر، ثم هو أيضًا من جملة الإسراف في الملابس، ثم هو وسيلة إلى وقوع النجاسة والوساخة والفساد في أطراف الثوب، فالصواب أنه محرم إلا لمن غلبه ذلك ولم يقصد التَّكبر.

س: ...........؟

ج: الكبر: بطر الحق، وغمط الناس، هذا الكبر.

س: ردَّ المؤلفُ على النووي في محله؟

ج: نعم.

س: ................؟

ج: هو وسيلة لذلك، وأيش الذي حمله على جرِّه إلا التكبر، ما حمله إلا التَّكبر.

س: .............؟

ج: يخليه، يرفعه الخياط، ترفعه الزوجة، يرفعه أخوه، ما يحملهم إلا التكبر والتساهل بأمر الله وعدم المبالاة، ثم هذا فتح باب الإسبال، فتح باب البلاء، بعض الناس ما يُبالي، يراه مكروهًا ولا يُبالي، عنده المكروه لا بأس ............

س: مَن يقول أن اللبس إلى نصف الساقين الآن من الشُّهرة؟

ج: لا، غلط، إلى نصف الساق جائز، بل هو أفضل عند جماعةٍ من أهل العلم، إلا إذا كان يترتب عليه شيء يرخيه إلى الكعب، والحمد لله، ولا يعرض نفسه لشيءٍ يُؤذيه، فما بين نصف الساق والكعب كله جائز.

باب الإِزَارِ المُهَدَّبِ

وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَابًا مُهَدَّبَةً.

الشيخ: أيش قال على حمزة.

الطالب: قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنهم لبسوا ثيابًا مُهدَّبة) قَالَ ابنُ التِّينِ: قِيلَ: يُرِيدُ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْفُوفَةِ الْأَسْفَلِ، وَهَذِهِ الْآثَارُ لَمْ يَقَعْ لِي أَكْثَرُهَا مَوْصُولًا.

أما الزُّهْرِيّ: فَهُوَ ابن شِهَابٍ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ.

وَأَمَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّد: فَهُوَ ابن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَاضِي الْمَدِينَةِ.

وَأَمَّا حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ -وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ- الْأَنْصَارِيُّ، السَّاعِدِيّ، فوصله ابنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ مَيْمُونٍ -مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ- قَالَ: رَأَيْتُ حَمْزَةَ بْنَ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مَفْتُولُ الْهُدْبِ، وَسَلَمَةُ هَذَا لَمْ يَزِدْ لِلْبُخَارِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ عَلَى مَا فِي هَذَا السَّنَد، وَذكره ابن حِبَّانَ فِي "الثقات".

الشيخ: يكفي، أبوه هو أبو أسيد المعروف، انظر "التقريب" حمزة بن أبي أُسيد.

5792- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا جَالِسَةٌ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الهُدْبَةِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا، فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهُوَ بِالْبَابِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟! فَلا وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى التَّبَسُّمِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ.

الشيخ: والشاهد من هذا قولها: "مثل هُدبة الثوب" دلَّ على أنها ثياب معروفة، ولها هدب، وهو معروف، الهدب معروف، وهو الأطراف التي لم تُنسج، بل أطراف تذبذب معروفة، وهذه لا حرجَ فيها.

الطالب: حمزة بن أسيد بن أبي أُسيد -بضم الهمزة- الأنصاري، الساعدي، أبو مالك المدني، صدوق من الثالثة، مات في خلافة الوليد بن عبدالملك (البخاري، وأبو داود، وابن ماجه).

الشيخ: .... نعم.