بَاب ما رخّص للمريض أن يقول: "إِنِّي وَجِعٌ"، أَوْ "وَا رَأْسَاهْ"، أَوِ "اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ" وَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83].
5665- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ القِدْرِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَا الحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ أَمَرَنِي بِالفِدَاءِ.
5666- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّاءَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاه! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ، وَأَدْعُوَ لَكِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاه! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاه! لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ.
س: الحديث الأول مناسبته؟
ج: قوله: "يؤذيه هوام رأسه"، قال له: تُؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، إنها تؤذيه، أنه يُؤذيه وجع كذا، لا بأس بهذا، لو قال: يُؤذيني هوام في رأسي، ألم رأسي، ألم في بطني، لا حرج.
المقصود أنَّ هذا ما هو من الجزع: وارأساه، وابطناه، أو واظهراه، أو إني أشكو كذا، أو يُؤلمني كذا، كل هذا ليس من الجزع.
س: بعض المرضى إذا سُئل يقول: ما نمتُ البارحة من شدَّة الوجع؟
ج: الظاهر ليس من الجزع، يُخبر عن الواقع، من باب الخبر.
5667- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟! قَالَ: أَجَلْ، كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ، قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذى مَرَض فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.
5668- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقُلْتُ: بَلَغَ بِي مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ.
بَاب قَوْلِ المَرِيضِ: قُومُوا عَنِّي
5669- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ. وحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ! حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ فَاخْتَصَمُوا: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ ﷺ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلافَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُومُوا.
قَالَ عُبَيْدُاللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ، مِن اخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ".
الشيخ: وهذا الكتاب الذي أراده ﷺ كأنه أراد أن يكتب لهم فيه شيئًا حول الخلافة أو كذا، ثم ترك ذلك عليه الصلاة والسلام؛ لأنه زالت عنه الشدة ذلك اليوم -يوم الخميس- وعاش إلى يوم الاثنين، ثم لم يرَ كتابة الكتاب عليه الصلاة والسلام، واكتفى بما عندهم من العلم من أحاديثه ﷺ التي عندهم، ومن القرآن العظيم، وبوصاياه التي أوصى بها في آخر حياته: من الصلاة، وملك اليمين، وإخراج المشركين من الجزيرة، وإجازة الوفد، فدلَّ ذلك على أنه كتابٌ أراد أن يكتبه، ثم بدا له ألا يكتبه عليه الصلاة والسلام، وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
بَاب مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِيِّ المَرِيضِ لِيُدْعَى لَهُ
5670- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ -هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ- عَنِ الجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ.
الشيخ: انظر حاتم بن إسماعيل.
الطالب: حاتم بن إسماعيل المدني، أبو إسماعيل الحارثي، مولاهم، أصله من الكوفة، صحيح الكتاب، صدوق يَهِم، من الثامنة، مات سنة ستٍّ أو سبعٍ وثمانين (ع).
الشيخ: ما تعرَّض للضبط؟
الطالب: لا.
بَاب تَمَنِّي المَرِيضِ المَوْتَ
5671- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي.
الشيخ: وفي حديث عمار بن ياسر: أن النبي كان يدعو بهذا الدعاء -وهو حديث جيد رواه النَّسائي وغيره: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، هذا من أجمع الدعاء وأفضله؛ لأنه وكل فيه الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وعلمه جلَّ وعلا.
س: هذا عند المرض أو ..؟
ج: مُطلقًا، نعم.
س: هل مستثنى من هذا ما يحتاجه الإنسانُ، يعني من مسكنٍ؟
ج: كأنَّ قصاراه أنه مباح، ليس بقربةٍ، قد يُستثنى من هذا أنه إذا فعله لأجل قصدٍ صالح، وهو الستر والاستغناء عن الناس، والاستفادة من هذا في شيءٍ ينفع الأهل والعائلة والضيف، هو ما رفعه، لكنه في حكم الرفع، لكن هذا ما يُقال في الرأي، أيش قال الشارحُ عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: "إِنَّ الْمُسْلِمَ لِيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ إِلَّا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ" أَيِ: الَّذِي يُوضَعُ فِي الْبُنْيَانِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: هَكَذَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ جَمِيعًا، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَهُوَ يُعَالِجُ حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا، إِلَّا مَا يَجْعَلُهُ فِي التُّرَابِ»، وَعُمَرُ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.
الشيخ: محتمل أنه اجتهادٌ منه، ومحتمل أنه في حكم المرفوع، وعلى كل حالٍ، هذا يُفيد أنه ينبغي للمؤمن ألا يتوسَّع في البناء، وألا يحرص على البناء، وأن تكون النَّفقات فيما ينفعه: في تعمير المساجد، في مواساة الفقير، في إكرام الضيف، في إقامة المشاريع الخيرية، فيما ينفع الأمة، أما التوسع في البناء فليس من شأن الأخيار، ولكنه من شأن المُترَفين.
س: ..............؟
ج: هذه أبواب التّجارة، لها شأنٌ آخر، إن كانت له نيَّة صالحة في البيع والشراء لينفع عباد الله، وليستغني هو مأجورٌ، وإن كان ما له نيَّة فيها، إنما هي للدنيا؛ فلا له ولا عليه، ليس له ولا عليه.
وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو قال: كالصائم لا يُفطر، والقائم لا يفتر، وفي الحديث الآخر: التاجر المسلم الصدوق الأمين يُحشر مع النَّبيين والصّديقين، أخرجه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ وغيره.
المقصود على حسب النية، والاستقامة في العمل، وتحرِّي الحق، وتحري البُعد عمَّا حرم الله من الغشِّ والخيانة والربا ونحو ذلك، هذا يُؤجر على حسب تحريه ونيته في تجارته وغيرها.
الشيخ: هذا من الحكمة في عدم تمني الموت، وأن الإنسان قد يستفيد من حياته: إما محسن فيزداد إحسانًا، وإما أن يكون مُسيئًا فلعله أن يستعتب ويتوب، فلهذا لا ينبغي تمني الموت، وظاهر النَّهي التَّحريم، ولكن إذا علَّق الأمر بالله فلا بأس: اللهم أحيني إذا كانت الحياةُ خيرًا، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي، أما أن يقول: "اللهم أمتني، اللهم عجّل منيَّتي، اللهم خُذْ روحي" وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يُنهى عنه، والله المستعان.
س: ...............؟
ج: بلى، يُروى عن بعض الناس، لكن أفعالهم ما هي حُجَّة، أفعالهم ما هي بحجّة، الحجّة في النصوص.
س: ما جاء في الحديث أن الرجل يأتي على القبر فيقول: ليتني مكانه؟
ج: جاء في الصحيح، لكن هذا ما هو بحجَّة، هذا من شدة الهول، من شدة الأهوال، ما بِهِ الدين، ولكنه من شدة الهول، يعني: من شدة الفتن، نسأل الله العافية.
س: إذا خشي على نفسه من الفتن؟
ج: مثلما قال: اللهم أحيني إذا كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي.
5674- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ.
بَاب دُعَاءِ العَائِدِ لِلْمَرِيضِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، قَالَه النَّبِيُّ ﷺ.
5675- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا.
قَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِي الضُّحَى: إِذَا أُتِيَ بِالْمَرِيضِ. وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى وَحْدَهُ، وَقَالَ: إِذَا أَتَى مَرِيضًا.
بَاب وُضُوءِ العَائِدِ لِلْمَرِيضِ
5676- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا مَرِيضٌ، فَتَوَضَّأَ، فَصَبَّ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: صُبُّوا عَلَيْهِ، فَعَقَلْتُ، فَقُلْتُ: يا رسول الله، لا يَرِثُنِي إِلَّا كَلالَةٌ، فَكَيْفَ المِيرَاثُ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.
بَاب مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى
5677- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلالُ، كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ | وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً | بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ |
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ | وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ |
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ.
الشيخ: انظر كلامه على الباب الذي قبل هذا، قبل الوضوء، دعاء المريض.
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ دُعَاءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ) أَيْ بِالشِّفَاءِ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ) أَيِ ابن أَبِي وَقَّاصٍ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ قَرِيبًا.
[5675] قَوْلُهُ: (عَن مَنْصُورٍ) هُوَ ابن الْمُعْتَمِرِ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَو أُتِيَ بِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُعَلَّقَةِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (لَا يُغَادِرُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: لَا يَتْرُكُ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، فَيَخْلُفُهُ مَرَضٌ آخَرُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، فَكَانَ يَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ الْمُطْلَقِ، لَا بِمُطْلَقِ الشِّفَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَمْرُو بن أبي قيسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بن طَهْمَان: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِي الضُّحَى: إِذَا أَتَى الْمَرِيضَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: "إِذَا أُتِيَ بِالْمَرِيضِ" وَهُوَ أَصْوَبُ، فَأَمَّا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ فَهُوَ الرَّازِيُّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ، وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ إِلَّا تَعْلِيقًا، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا حَدِيثُهُ هَذَا مَوْصُولًا فِي فَوَائِدِ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ نَجِيحٍ، مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ الْقَزْوِينِيِّ عَنْهُ، بِلَفْظِ: "إِذا أَتَى بِالْمَرِيضِ".
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: فَوَصَلَ طَرِيقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ التَّمِيمِيِّ الْكُوفِيِّ نَزِيلِ بَغْدَادَ عَنْهُ، بِلَفْظِ: "إِذَا أُتِيَ بِمَرِيضٍ".
قَوْلُهُ: (وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى وَحْدَهُ، وَقَالَ: إِذَا أَتَى مَرِيضًا) وَهَذَا وَصله ابن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، بِلَفْظِ: "إِذَا أَتَى إِلَى الْمَرِيضِ فَدَعَا لَهُ"، وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا.
وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ كُلٍّ مِنْ جَرِيرٍ وَأَبِي عَوَانَةَ عَلَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ حَفِظَا عَنْ مَنْصُورٍ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْده عَن شيخين، وَأَنه كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا، وَتَارَةً عَنْ هَذَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْهُمَا كَذَلِكَ، وَرَجُحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ رِوَايَةُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الثَّوْرِيَّ رَوَاهَا عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الطِّبِّ، وَوَافَقَهُ وَرْقَاءُ، عَنْ مَنْصُورٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ الْجَمِيعِ، لَكِنْ رِوَايَةُ جَرِيرٍ غَيْرُ مَرْفُوعَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ بِالشِّفَاءِ، مَعَ مَا فِي الْمَرَضِ مِنْ كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ وَالثَّوَابِ، كَمَا تَضَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، وَلَا يُنَافِي الثَّوَابَ وَالْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِأَوَّلِ مَرَضٍ، وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَالدَّاعِي بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ، أَوْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِجَلْبِ نَفْعٍ، أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، وَكُلٌّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
الشيخ: وهناك أمرٌ آخر في الدّعاء له: وهو أن النفوس مُتشوّفة للشفاء، راغبة في الشفاء، تُحب العافية من الأمراض، فالدعاء له شيء يُحبه ويسره ويُؤثر عليه في نفسه، ولا يُنافي ما يحصل له من الثواب في تكفير السيئات، ورفع الدرجات، وحصول الحسنات، مع الصبر والاحتساب، هذا وهذا، ولهذا شُرع الدواء والتَّداوي والعلاج؛ لأنَّ النفوس مجبولة على حبِّ الشفاء، ولأن في الشفاء أيضًا عونًا لها على أداء شرائع الله وما أوجب الله، والقيام بحاجة أهله، والتقرب إلى الله ، إلى غير هذا من المصالح الكثيرة، وتقدم أنه أتى المريض وقال له: لا بأس، طهور إن شاء الله، هذا من سنّته عليه الصلاة والسلام: الدعاء للمرضى، فلا تنافي بين الدعاء وطلب الشِّفاء وما يحصل للمريض من تكفير السيئات.
76- كِتَابُ الطِّبِّ
بَاب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً
5678- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً.
بَاب هَلْ يُدَاوِي الرَّجُلُ المَرْأَةَ أَوِ المَرْأَةُ الرَّجُلَ
5679- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ رُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَسْقِي القَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ القَتْلَى وَالجَرْحَى إِلَى المَدِينَةِ".
بَاب الشِّفَاءُ فِي ثَلاثٍ
5680- حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ، رَفَعَ الحَدِيثَ، وَرَوَاهُ القُمِّيُّ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: فِي العَسَلِ، وَالحَجْمِ.
س: ..............؟
ج: ...... وهذا دليلٌ ظاهر على جواز العلاج بهذه الثلاث: بالعسل، والحجم، والكي، ولكن يكره ﷺ الكيَّ للأمة، قال: وأنهى أُمَّتي عن الكيِّ، وما أُحبُّ أن أكتوي كما في الرواية الأخرى، فالكي ينبغي أن يكون هو الآخر عند عدم تيسُّر غيره؛ لما فيه من نوع العذاب والأذى، فإذا تيسر غيره فهو أوْلى، وقد كوى ﷺ بعض أصحابه، والكي معروفٌ، وهو من أسباب الشِّفاء، ومن أنواع العلاج المعروف، لكن يكون هو الآخِر، آخر الطب الكي، ولهذا قال: وما أُحبُّ أن أكتوي، وفي هذا قال: وأنهى أُمَّتي عن الكيِّ يعني: نهي الكراهة، نهي التَّنزيه.
وفي الحديث الأول من الفوائد: رحمته على عباده، وأنه حينما ابتلى الناسَ بالأمراض والأدواء أنزل لكلِّ داء دواءً، فإذا أُصيب الدواء الداء برئ بإذن الله إذا لم يحضر الأجل: لكل داءٍ دواء، في اللفظ الآخر: لكل داءٍ دواء، فإذا أصيب الدواء الداء برئ بإذن الله، وفي اللفظ الآخر: ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله، ولهذا يتنوّع الطب ويتطوّر، ويختلف الناس فيه بسبب اختلاف أفهامهم وعلمهم بمواد المرض وما يُناسبه من العلاج؛ فهذا ينجح، وهذا لا ينجح فيه؛ لأنه لم يُعطَ فيه البصيرة.
وفي حديث الرُبَيِّع: جواز تمريض النساء للرجال إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، مع الحشمة والعفَّة والبُعد عن الخطر، كما في حالة نساء الصحابة وأشباههم: نسقي المرضى ونخدمهم، "نسقي القوم ونخدمهم، ونَرُدُّ الجرحى والقتلى إلى المدينة"، وفي اللفظ الآخر: "نُداوي الجرحى، ونسقي المرضى"، هذا يحتج به مَن لا يفصِّل بين حال الناس اليوم وحال ذاك الوقت، فإذا دعت الحاجةُ إلى أن تقوم المرأةُ بسقي المريض وإعطائه الدواء ونحو ذلك عند الحاجة، مع الحجاب، ومع البعد عن أسباب الفتنة، ومع عدم الخلوة؛ هذا يجوز عند الحاجة، كما فعله الصحابة لحاجتهم إلى النساء، وقلَّة الرجال في جهاد الأعداء، أما عند تغير الأحوال فالقاعدة الشرعية: الحكم يدور مع علَّته، فلا يجوز أن تُباشر النساءُ علاج الرجل عند الغُنية، وعند أسباب الفتنة؛ لأنَّ نساء اليوم ليس عندهن من الإيمان والعناية بالحجاب والعناية بالبعد عن أسباب الفتنة ما عند غيرهن.
ثم الآن الطب في الرجال أكثر، والعلوم في الرجال أكثر، فلم تبقَ هناك حاجة إلى أن يتولى النساء تمريض الرجال، أو طب الرجال، إلا عند الحاجة والضَّرورة فلا بأس، مع الحرص على عدم الخلوة، وعدم تعاطي ما يُسبب الفتنة من إبداء الزينة والمفاتن.
فالحاصل: أنَّ عادة مَن في قلبه مرض يتعلق بالمشتبهات، ولا ينظر في القواعد الشرعية، ولا في مكافحة أسباب الفتن، بل يأخذ الأمور على إطلاقها، من غير نظرٍ ولا عنايةٍ ولا تفكيرٍ؛ فيضرّ كثيرًا، والله المستعان.
5681- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الحَارِثِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ.
بَاب الدَّوَاءِ بِالعَسَلِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69].
5682- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ".
5683- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ الغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ -أَوْ: يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ- خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ.
الشيخ: وهذا شاهدٌ لحديث ابن عباس.
س: النَّهي عنه من باب الكراهة؟
ج: نعم، نعم، كراهة تنزيه.
الطالب: عندنا عيَّاش.
الشيخ: لا، عباس بن الوليد.
الطالب: قال: عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء .. وبالشين المعجمة، الدولي، النرسي بالنون والراء الساكنة والسين المهملة.
الشيخ: هناك عياش بن الوليد، وعباس بن الوليد .. قد يكون "عياش" ما يُخالف، كلاهما موجود، أيش قال عندك الحافظ؟ ضبطه؟ ما تعرَّض له ..........
الطالب: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الَّذِي اشْتَكَى بَطْنَهُ، فَأُمِرَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ دَوَاءِ الْمَبْطُونِ، وَشَيْخُهُ عَبَّاسٌ فِيهِ، هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ، ثُمَّ مُهْمَلَةٌ، النَّرْسِيُّ بِنُونٍ ومهملة، وَعبدالْأَعْلَى شَيْخه، هُوَ ابن عبدالْأَعْلَى، وَسَعِيد هُوَ ابن أبي عرُوبَة، والإسناد كُله بصريُّون.
الشيخ: هذا صريح في أنه من رواية عباس بن الوليد، وكلاهما موجود، هذا وهذا .......
الطالب: عياش بن الوليد الرقام، أبو الوليد، البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة ستٍّ وعشرين ومئتين (خ د س).
الشيخ: انظر العباس بن الوليد، يُعرف بشيخه، يُميز بينهما بالشيوخ، فكلاهما من شيوخ البخاري.
الطالب: العباس بن الوليد بن صبح بضم المهملة وسكون الموحدة، الخلال بالمعجمة وتشديد اللام، الدمشقي، السلمي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثمانٍ وأربعين (ق).
العباس بن الوليد بن مزيد بفتح الميم، وسكون الزاي، وفتح المُثناة التحتانية، العذري بضم المهملة، وسكون المعجمة، البيروتي بفتح المُوحدة، وآخره مُثناة، صدوق، عابد، من الحادية عشرة، مات سنة تسعٍ وستين وله مئة سنة (د س).
العباس بن الوليد بن نصر النرسي بفتح النون، وسكون الراء، بعدها مهملة، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمانٍ وثلاثين (خ م س).
الشيخ: محتمل، الظاهر أنَّ الحافظ أضبط لهذه الأمور من العيني؛ لأنه في الحديث ورجاله وعلومه أخصّ من العيني.
س: سقاه عدّة مرات ولم يُشْفَ؟
ج: كأنَّ المرض مُتحكمًا، كأن في بطنه شيئًا من التَّعب الكثير، وفي الرابعة سلم.
بَاب الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الإِبِلِ
5685- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آوِنَا وَأَطْعِمْنَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إِنَّ المَدِينَةَ وَخِمَةٌ، فَأَنْزَلَهُمُ الحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ، فَقَالَ: اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ.
قَالَ سَلَّامٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ: حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا، فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقَالَ: "وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ".
الشيخ: لأنَّ الحجاج ظالم، وربما تجرَّأ بهذا على الزيادة في الظلم، ولكن لا يسع أنسًا إلا أن يُحدثه، رضي الله عنه وأرضاه، وهؤلاء لما كان ذنبهم عظيمًا كانت العقوبةُ شديدةً، ولهذا لم يحسمهم عليه الصلاة والسلام؛ زيادة في النّكال والزجر؛ لأنهم فعلوا أشياء: القتل، وأخذ الإبل، والردة، نسأل الله العافية.
س: لكن تمني الحسن أن أنسًا لم يُحدثه، مع أنه ينبغي التبليغ، هذا حكم شرعي؟
ج: كأنه يرى أنه يجوز كتم الحديث إذا كان يستعمله المحدَّث في غير .......
بَاب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ
5686- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي المَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ -يَعْنِي الإِبِلَ- فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ، فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَسَاقُوا الإِبِلَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ، فَجِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الحُدُودُ.
الشيخ: هذا ليس بظاهرٍ، هذه من آية المائدة، والمائدة فيها قطع، وفيها قصاص، كما في حقِّهم ......، نسأل الله العافية.
بَاب الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
5687- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ، فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ، فِي هَذَا الجَانِبِ، وَفِي هَذَا الجَانِبِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا مِنَ السَّامِ، قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: المَوْتُ.
5688- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا السَّامَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ: المَوْتُ، وَالحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ.
الشيخ: انظر كلامه على الحبَّة السوداء؟
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ) سَيَأْتِي بَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا فِي آخِرِ الْبَابِ.
[5687] قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) كَذَا سَمَّاهُ، وَنَسَبَهُ لِجَدِّهِ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِن اسْمِهِ، وَأَبُو شيبَة جده، وَهُوَ ابن مُحَمَّدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَبُو شَيْبَةَ قَاضِيَ وَاسِطٍ.
الشيخ: كذا عندكم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إبراهيم هو جده، أبو شيبة هو إبراهيم، ما هو محمد بن إبراهيم، هو إبراهيم، الكلام ما هو محرر، هو عبدالله بن محمد بن إبراهيم، أبو شيبة، كُنيته: أبو شيبة، كأن الكلام فيه تحريف، اللهم إلا أن يكون إبراهيم أيضًا أبوه اسمه محمد .. سُمي على جدِّه.
الطالب: وهو يعني عبدالله نفسه، يقول: وهو مشهور بكُنيته أكثر من اسمه، وأبو شيبة جده، وهو ابن محمد بن إبراهيم.
الشيخ: يعني عبدالله، هذا يرجع إلى عبدالله، يستقيم، وهو ابن محمد بن إبراهيم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، ما يُخالف.
الطالب: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ، كَذَا للْجَمِيع غير مَنْسُوبٍ، وَكَذَا أخرجه ابن مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، غَيْر مَنْسُوبٍ، وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ" بِأَنَّهُ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْيَنِ، وَالْخَطِيب فِي كِتَابِ "رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ" مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ الرَّازِيِّ، وَهُوَ عِنْدَنَا بِعُلُوٍّ مِنْ طَرِيقِهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي غَرَزَةَ -بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالزَّايِ- فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْخَطِيبُ أَيْضًا، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَهُوَ الْكُوفِيُّ الْمَشْهُورُ، وَرِجَالُ الْإسْنَادِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ، وَعُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَرُبَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَالَّذِي هُنَا.
قَوْلُهُ: (عَن مَنْصُورٍ) هُوَ ابن الْمُعْتَمِرِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ) هُوَ مَوْلَى أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمَنْجَنِيقِيُّ فِي كِتَابِ "رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ" عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ مُوسَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَأَدْخَلَ بَيْنَ مَنْصُورٍ وَخَالِدِ بْنِ سَعْدٍ مُجَاهِدًا، وَتَعَقَّبَهُ الْخَطِيبُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَنْجَنِيقِيِّ بِأَنَّ ذِكْرَ مُجَاهِدٍ فِيهِ وَهْمٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَنْجَنِيقِيِّ أَيْضًا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِزِيَادَةِ يَاءٍ فِي اسْمِ أَبِيهِ، وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ) بِمُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ، وَزْنُ أَحْمَدَ، يُقَالُ: إِنَّهُ الصَّحَابِيُّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أبي دَاوُد.
قَوْله: (فعاده ابن أَبِي عَتِيقٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْيَنِ: فَعَادَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَكَذَا قَالَ سَائِر أَصْحَاب عبدالله بن أبي موسى.
الشيخ: عبيدالله بن أبي موسى.
الطالب: وكذا قال سائر أصحاب عبيدالله بن أبي موسى، إِلَّا الْمَنْجَنِيقِيَّ، فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَاخْتَصَرَ الْقِصَّةَ، وَبِسِيَاقِهَا يَتَبَيَّنُ الصَّوَابُ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَوْلُهُ فِي السَّنَدِ: (عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ) وَهْمٌ، فَلَيْسَ لِغَالِبٍ فِيهِ رِوَايَةٌ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ خَالِدٌ مَعَ غَالِبٍ مِنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، قَالَ: وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ هَذَا هُوَ عَبْداللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبُو عَتِيقٍ كُنْيَةُ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ لِكَوْنِهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ صَحَابَةٌ مَشْهُورُونَ.
قَوْلُهُ: "عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السُّوَيْدَاءِ" كَذَا هُنَا بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا، إِلَّا الْكُشْمِيهَنِيَّ فَقَالَ: "السَّوْدَاءُ"، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: "فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ"، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: "أَنَّ فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ شِفَاءً"، كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْيَنِ: هَذِهِ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمِلْحِ، وَكَانَ هَذَا قَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُرِيدُ الْكَمُّونَ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ جَرَتْ أَنْ يُخْلَطَ بِالْمِلْحِ.
قَوْلُهُ: "إِلَّا مِنَ السَّامِ" بِالْمُهْمَلَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلِابْنِ مَاجَهْ: "إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ"، وَفِي هَذَا أَنَّ الْمَوْتَ دَاءٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدْوَاءِ، قَالَ الشَّاعِرُ: "وَدَاءُ الْمَوْتِ لَيْسَ لَهُ دَوَاء"، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ إِطْلَاقِ الدَّاءِ عَلَى الْمَوْتِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ) لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ السَّائِلِ وَلَا الْقَائِلِ، وَأَظُنُّ السَّائِلَ خَالِدَ بْنَ سَعْدٍ، والمُجيب ابن أبي عَتيق، وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابن أَبِي عَتِيقٍ ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ فِي عِلَاجِ الزُّكَامِ الْعَارِض مَعَه عُطَاسٌ كَثِيرٌ، وَقَالُوا: تُقْلَى الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ، ثُمَّ تُدَقُّ نَاعِمًا، ثُمَّ تُنْقَعُ فِي زَيْتٍ، ثُمَّ يُقَطَّرُ مِنْهُ فِي الْأَنْفِ ثَلَاثَ قَطَرَاتٍ. فَلَعَلَّ غَالِبَ بْنَ أَبْجَرَ كَانَ مَزْكُومًا، فَلِذَلِكَ وَصَفَ لَهُ ابن أَبِي عَتِيقٍ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ.
وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ مَرْفُوعَة أَيْضًا، فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْيَنِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَأَقْطِرُوا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنَ الزَّيْتِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى: وَرُبَّمَا قَالَ: "وَأَقْطِرُوا .. إِلَخْ".
وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ، وَقَدْ أوضحت ذَلِك رِوَايَة ابن أَبِي شَيْبَةَ، ثُمَّ وَجَدْتُهَا مَرْفُوعَةً مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَأَخْرَجَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ حُسَامِ بْنِ مِصَكٍّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ فِيهَا شِفَاءٌ الْحَدِيثَ.
قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: قِيلَ: وَمَا الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: الشُّونِيزُ، قَالَ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: تَأْخُذُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَبَّةً، فَتَصُرُّهَا فِي خِرْقَةٍ، ثُمَّ تَضَعُهَا فِي مَاءٍ لَيْلَةً، فَإِذَا أَصْبَحْتَ قَطَرْتَ فِي الْمَنْخَرِ الْأَيْمَنِ وَاحِدَةً، وَفِي الْأَيْسَرِ اثْنَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَطَرْتَ فِي الْمَنْخَرِ الْأَيْمَنِ اثْنَتَيْنِ، وَفِي الْأَيْسَرِ وَاحِدَةً، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَطَرْتَ فِي الْأَيْمَنِ وَاحِدَةً، وَفِي الْأَيْسَرِ اثْنَتَيْنِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْحَبَّةِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ دَاءٍ صِرْفًا، بَلْ رُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مُفْرَدَةً، وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مُرَكَّبَةً، وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مَسْحُوقَةً وَغَيْرَ مَسْحُوقَةٍ، وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ أَكْلًا وَشُرْبًا وَسَعُوطًا وَضِمَادًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ كُلِّ دَاءٍ تَقْدِيرُهُ: يَقْبَلُ الْعِلَاجَ بِهَا، فَإِنَّهَا تَنْفَعُ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْبَارِدَةِ، وَأَمَّا الْحَارَّةُ فَلَا، نَعَمْ قَدْ تَدْخُلُ فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ الْحَارَّةِ الْيَابِسَةِ بِالْعَرْضِ، فَتُوَصِّلُ قُوَى الْأَدْوِيَةِ الرَّطْبَةِ الْبَارِدَةِ إِلَيْهَا بِسُرْعَةِ تَنْفِيذِهَا، وَيُسْتَعْمَلُ الْحَارُّ فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ الْحَارَّةِ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ لَا يُسْتَنْكَرُ: كَالْعَنْزَرُوتِ، فَإِنَّهُ حَارٌّ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي أَدْوِيَةِ الرَّمَدِ الْمُرَكَّبَةِ، مَعَ أَنَّ الرَّمَدَ وَرَمٌ حَارٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ.
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ: إِنَّ طَبْعَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ حَارٌّ يَابِسٌ، وَهِيَ مُذْهِبَةٌ لِلنَّفْخِ، نَافِعَةٌ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ وَالْبَلْغَمِ، مُفَتِّحَةٌ لِلسُّدَدِ وَالرِّيحِ، مُجَفِّفَةٌ لِبَلَّةِ الْمَعِدَةِ، وَإِذَا دُقَّتْ وَعُجِنَتْ بِالْعَسَلِ وَشُرِبَتْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ أَذَابَتِ الْحَصَاةَ، وَأَدَرَّتِ الْبَوْلَ وَالطَّمْثَ، وَفِيهَا جَلَاءٌ وَتَقْطِيعٌ، وَإِذَا دُقَّتْ وَرُبِطَتْ بِخِرْقَةٍ مِنْ كَتَّانٍ وَأَدِيمٍ شَمُّهَا نَفَع مِنَ الزُّكَامِ الْبَارِدِ، وَإِذَا نُقِعَ مِنْهَا سَبْعُ حَبَّاتٍ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ، وَسَعَطَ بِهِ صَاحِبُ الْيَرَقَانِ أَفَادَهُ، وَإِذَا شُرِبَ مِنْهَا وَزْنُ مِثْقَالٍ بِمَاءٍ أَفَادَ مِنْ ضِيقِ النَّفسِ، وَالضِّمَادُ بِهَا يَنْفَعُ مِنَ الصُّدَاعِ الْبَارِدِ، وَإِذَا طُبِخَتْ بِخَلٍّ وَتُمُضْمِضَ بِهَا نَفَعَتْ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ الْكَائِنِ عَنْ بَرْدٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابن الْبَيْطَارِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْمُفْرَدَاتِ فِي مَنَافِعِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَأَكْثَر مِنْهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «مِنْ كُلِّ دَاءٍ» هُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَبْعِ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ مَا يَجْمَعُ جَمِيعَ الْأُمُورِ الَّتِي تُقَابِلُ الطَّبَائِعَ فِي مُعَالَجَةِ الْأَدْوَاءِ بِمُقَابِلِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَحْدُثُ مِنَ الرُّطُوبَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَسَلُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ دَوَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنَ الْأَمْرَاضِ مَا لَوْ شَرِبَ صَاحِبُهُ الْعَسَلَ لَتَأَذَّى بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْعَسَلِ: فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاس الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ، فَحَمْلُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصِفُ الدَّوَاءَ بِحَسَبِ مَا يُشَاهِدُهُ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ، فَلَعَلَّ [5688] قَوْلَهُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَافَقَ مَرَضَ مَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ أَيْ: مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَيْثِيَّةِ كَثِيرٌ شَائِعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ ابْن أَبِي جَمْرَةَ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَخَصُّوا عُمُومَهُ، وَرَدُّوهُ إِلَى قَول أهل الطِّبِّ والتجربة، ولا خفاءَ بِغَلَطِ قَائِلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا إِذَا صَدَّقْنَا أَهْلَ الطِّبِّ، وَمَدَارُ عِلْمِهِمْ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّجْرِبَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى ظَنٍّ غَالِبٍ؛ فَتَصْدِيقُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ كَلَامِهِمْ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَا خُرُوجَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: كلام أبي جمرة كلام عظيم، كلام حسن، وهو حمله على الظاهر، ولا مانع من كونه يُضاف أن الأطباء يُضيفون إليها أشياء تُناسب الحال، لكن النبي ﷺ مثلما قال أبو جمرة: لا ينطق عن الهوى، قال: شفاء من كلِّ داء، فلا مانع من أن تكون شفاءً من كل داءٍ، سواء كانت الأدواء باردةً أو حارةً، لكن يختلف الناسُ، يختلف الأطباء في معرفة التطبيق، كيف يُطبق بالزيادة والنقص؟ وما يُضاف إليها عند الحاجة، وما يُزاد من الإضافة وينقص من الإضافة، فالأصل هو السلامة من جوامع كلامه، لكن قد يُخطئ الطبيبُ، قد يغلط الطبيبُ في كيفية العلاج، أو في زيادة الكمية، أو في نقص الكمية، أو أشباه ذلك، وإلا فالأصل أنها شفاء ..........
العيني تكلم بشيء؟
الطالب: وأنه فسر السام بالموت، والحبة السوداء بالشُّونيز، وقد مرَّ الكلامُ فيه في أول الباب، وقد قال إبراهيمُ الحربي في "غريب الحديث" عن الحسن البصري: "إنَّ الحبة السَّوداء الخردل"، وحكى أبو عبيدٍ الهروي في "الغريبين" أنها ثمرة البطم -بضم الباء المُوحدة، وسكون الطاء المهملة- واسم شجرها الضرو -بكسر الضاد المعجمة، وسكون الراء.
قلتُ: البطم كثيرًا ما يُنبت في البلاد الشمالية، وهو حبٌّ أخضر يُقارب الحمص، يأكله أهل البلاد كثيرًا، ويجعلونه في الأقراص، يستخرجون منه الدهن ويأكلونه.
وقال القرطبي: تفسير الحبة السوداء بالشونيز أولى من وجهين: أحدهما: أنه قول الأكثر. والثاني: كون منافعها أكثر، بخلاف الخردل والبطم.
الشيخ: نعم.
الطالب: ذكره الحافظُ، ذكره في الآخر.
الشيخ: نفس هذا.
الطالب: نفس الكلام.
الشيخ: نعم.
الطالب: أقرأه؟
الشيخ: نعم.
الطالب: قَوْلُهُ: "وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ" كَذَا عَطَفَهُ عَلَى تَفْسِير ابن شِهَابٍ لِلسَّامِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ أَيْضًا لَهُ، وَالشُّونِيزُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا زَايٌ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَيَّدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الشِّينَ بِالْفَتْحِ، وَحكى عِيَاض عَن ابن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَسَرَهَا فَأَبْدَلَ الْوَاوَ يَاءً، فَقَالَ: الشِّينِيزُ، وَتَفْسِيرُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ بِالشُّونِيزِ لِشُهْرَةِ الشُّونِيزِ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ، وَأَمَّا الْآنَ فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنَ الشُّونِيزِ بِكَثِيرٍ، وَتَفْسِيرُهَا بِالشُّونِيزِ هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَشْهَرُ، وَهِيَ الْكَمُّونُ الْأَسْوَدُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الْكَمُّونُ الْهِنْدِيُّ.
وَنَقَلَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "غَرِيبِ الْحَدِيثِ" عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا الْخَرْدَلُ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي "الْغَرِيبَيْنِ" أَنَّهَا ثَمَرَةُ الْبُطْمِ: بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَاسْمُ شَجَرَتِهَا الضِّرْوُ: بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ صَمْغُ شَجَرَةٍ تُدْعَى: الْكَمْكَامُ، تُجْلَبُ مِنَ الْيَمَنِ، وَرَائِحَتُهَا طَيِّبَةٌ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْبَخُورِ.
قُلْتُ: وَلَيْسَتِ الْمُرَادُ هُنَا جَزْمًا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَفْسِيرُهَا بِالشُّونِيزِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَالثَّانِي: كَثْرَةُ مَنَافِعِهَا، بِخِلَافِ الْخَرْدَلِ وَالْبُطْمِ.
الشيخ: طيب، نعم.
الطالب: (كِتَابُ الطِّبِّ) كَذَا لَهُمْ إِلَّا النَّسَفِيَّ فَتَرْجَمَ: "كِتَابُ الطِّبِّ" أَوَّلُ كَفَّارَةِ الْمَرَضِ، وَلَمْ يُفْرِدْ كِتَابَ الطِّبِّ، وَزَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: وَالْأَدْوِيَةِ وَالطِّبُّ بِكَسْرِ الْمُهْملَة، وَحكى ابن السَّيِّدِ تَثْلِيثَهَا، وَالطَّبِيبُ هُوَ الْحَاذِقُ بِالطِّبِّ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: طَبَّ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَمُسْتَطَبٌّ، وَامْرَأَةُ طبّ بِالْفَتْح، يُقَال: استطبَّ: تعانى الطِّبّ، واستطبّ: اسْتَوْصَفَهُ، وَنَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الطِّبَّ بِالْكَسْرِ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ لِلْمُدَاوِي وَلِلتَّدَاوِي وَلِلدَّاءِ أَيْضًا، فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِلرِّفْقِ وَالسِّحْرِ.
الشيخ: يُقال: مطبوب: مسحور، يعني تفاؤل.
الطالب: وَيُقَالُ لِلشَّهْوَةِ وَلِطَرَائِق تُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ، وَلِلْحِذْقِ بِالشَّيْءِ، وَالطَّبِيبُ: الْحَاذِقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَخُصَّ بِهِ الْمُعَالِجُ عُرْفًا، وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ: أَطِبَّةٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ: أَطِبَّاء، وَالطِّبُّ نَوْعَانِ: طِبُّ جَسَدٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَطِبُّ قَلْبٍ وَمُعَالَجَتُهُ خَاصَّةٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَن ربه .
وَأَمَّا طِبُّ الْجَسَدِ فَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ ﷺ، وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ، وَغَالِبُهُ رَاجِعٌ إِلَى التَّجْرِبَةِ، ثُمَّ هُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ وَنَظَرٍ، بَلْ فَطَرَ اللَّهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ الْحَيَوَانَاتِ، مِثْلُ مَا يَدْفَعُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَنَوْعٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ: كَدَفْعِ مَا يَحْدُثُ فِي الْبَدَنِ مِمَّا يُخْرِجُهُ عَن الِاعْتِدَالِ، وَهُوَ إِمَّا إِلَى حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا إِلَى رُطُوبَةٍ، أَوْ يُبُوسَةٍ، أَو إِلَى مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُمَا، وَغَالِبُ مَا يُقَاوَمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا بِضِدِّهِ، وَالدَّفْعُ قَدْ يَقَعُ مِنْ خَارِجِ الْبَدَنِ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْ دَاخِلِهِ، وَهُوَ أَعْسَرُهُمَا، وَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْعَلَامَةِ، فَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي تَفْرِيقِ مَا يَضُرُّ بِالْبَدَنِ جَمْعُهُ، أَوْ عَكْسُهُ، وَفِي تَنْقِيصِ مَا يَضُرُّ بِالْبَدَنِ زِيَادَتُهُ، أَوْ عَكْسُهُ، وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: حِفْظُ الصِّحَّةِ، وَالِاحْتِمَاءُ عَنِ الْمُؤْذِي، وَاسْتِفْرَاغُ الْمَادَّةِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ: فَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ النَّصَبِ، وَهُوَ مِنْ مُغَيِّرَاتِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ الصِّيَامُ ازْدَادَ فَأُبِيحَ الْفِطْرُ إِبْقَاءً عَلَى الْجَسَدِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ.
الثَّانِي: وَهُوَ الْحَمِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، فَإِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ خَوْفِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ.
وَالثَّالِثُ: مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ [البقرة:196]، فَإِنَّهُ أُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ لِاسْتِفْرَاغِ الْأَذَى الْحَاصِلِ مِنَ الْبُخَارِ الْمُحْتَقَنِ فِي الرَّأْسِ.
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَيُّكُمَا أَطَبُّ؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي الطِّبِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: أَنْزَلَ الدَّاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّوَاءَ.
الشيخ: وفي قوله سبحانه وتعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] فيه الأمران: أمر الصحة والحمية، فالأكل والشرب من حفظ الصحة: وَلَا تُسْرِفُوا فيه الحمية أيضًا من الأذى، أما الاستفراغ ففي مواضع كثيرة منه: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، ومنه: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] يعني: حلق استفراغًا.
س: الحلق من الاستفراغ؟
ج: من الاستفراغ نعم، الحلق، كذا الحجامة وأشباهها، والقيء.
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً) كَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وابن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَمْ أَرَ لَفْظَ "بَابٍ" مِنْ نُسَخِ الصَّحِيحِ إِلَّا لِلنَّسَفِيِّ.
[5678] قَوْلُهُ: (أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيُّ، نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ أَسَدٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَدْ يَلْتَبِسُ بِمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ؛ لِكَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى، وَهَذَا مِنْ فُنُونِ عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَصَنَّفُوا فِيهِ الْأَنْسَابَ الْمُتَّفِقَةَ فِي اللَّفْظِ، الْمُفْتَرِقَة فِي الشَّخْصِ.
وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْأَسَدِيُّ، أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ.
وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْحَمَّالِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَخَالَفَهُ شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ، وَرَوَاهُ طَلْحَةُ بن عَمْرو، عَن عَطاء، عَن ابن عَبَّاسٍ، هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْهُ، وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجه ابن عَاصِمٍ فِي الطِّبِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ.
الشيخ: لعله ابن أبي عاصم المعروف، أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم.
الطالب: وَهَذَا مِمَّا يَتَرَجَّحُ بِهِ رِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ.
قَوْلُهُ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: من دَاءٍ، وَمن زَائِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ: أَنْزَلَ مَحْذُوفًا، فَلَا تَكُونُ مِنْ زَائِدَةً، بَلْ لِبَيَانِ الْمَحْذُوفِ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.
قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً فِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الزِّيَادَةِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تَدَاوَوْا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَن ابن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، فَتَدَاوَوْا.
الشيخ: وهذا يدل على صحة قول الجمهور، وأنه سنة يُستحب، خلافًا لمن قال: إنه مباح فقط، أو تركه أفضل.
الطالب: وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَنَحْوُهُ لِلطَّحاوِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيث ابن عَبَّاسٍ.
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: إِنَّ اللَّهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا.
وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ: تَدَاوَوْا يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا: الْهَرَمَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي "الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَفِي لَفْظٍ: إِلَّا السَّامَ بِمُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ، يَعْنِي: الْمَوْتَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عبدالرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابن مَسْعُودٍ نَحْو حَدِيث الْبَاب، وَزَاد فِي آخِرِهِ: عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهله، أخرجه النَّسَائِيُّ وابن ماجه، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ.
وَفِي مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا يُعْرَفُ مِنْهُ الْمُرَادُ بِالْإِنْزَالِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَهُوَ إِنْزَالُ عِلْمِ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَثَلًا، أَوْ عَبَّرَ بِالْإِنْزَالِ عَنِ التَّقْدِيرِ، وَفِيهَا التَّقْيِيدُ بِالْحَلَالِ، فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ.
الشيخ: الأول هو الأظهر، يعني: أنزل علم هذه الأشياء، لما أنزل الداء أنزل الدواء ، في معنى الإنزال هنا أنه خلقه وأوجده سبحانه وتعالى، ويحتمل أنه ضَمَّن ذلك معنى الخلق، مثل: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6] يعني: خلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج، عن أمرٍ مُنَزَّلٍ، عن شيءٍ مُقَدَّرٍ، يُضَمَّن معنى الخلق، يعني: ما خلق داء إلا خلق له دواء: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] يعني: خَلَق.
الطالب: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْهَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الشِّفَاءَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِصَابَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّوَاءَ قَدْ يَحْصُلُ مَعَهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْكَيْفِيَّةِ أَوِ الْكَمِّيَّةِ، فَلَا يَنْجَعُ، بَلْ رُبَّمَا أَحْدَثَ دَاءً آخَرَ.
وَفِي حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَدْوِيَةِ لَا يَعْلَمُهَا كُلُّ أَحَدٍ، وَفِيهَا كُلُّهَا إِثْبَاتُ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ لِمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَبِتَقْدِيرِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَنْجَعُ بِذَوَاتِهَا، بَلْ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَأَنَّ الدَّوَاءَ قَدْ يَنْقَلِبُ دَاءً إِذَا قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: بِإِذْنِ اللَّهِ، فَمَدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ، وَالتَّدَاوِي لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَكَذَلِكَ تَجَنُّبُ الْمُهْلِكَاتِ، وَالدُّعَاءُ بِطَلَبِ الْعَافِيَةِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الشيخ: هذا هو الحق، وقد التبس هذا على بعض الصوفية، وبعض العُبَّاد، وظنُّوا أن التداوي يُنافي التوكل، وهذا غلطٌ، فإن تعاطي الأسباب لا يُنافي التوكل، بل هو من التوكل، التوكل مُركَّب من أمرين:
الأمر الأول: التفويض إلى الله، والاعتماد عليه، والإيمان بأنه مُقدِّر الأمور، ومُسبِّب الأسباب، وأن كل شيءٍ بقضائه وقدره، وأنه لا يتم شيء إلا بإذنه.
والأمر الثاني: تعاطي الأسباب التي شرعها وأباحها ، وقد يجب تعاطي الأسباب، وقد يُستحب، وقد يُباح، فهو يتنوع، فقد يجب الأكل، ويجب الشرب، إذا كان يخشى من ترك ذلك الموت، ويُستحب لما فيه من قوام البدن، وصحة البدن، وسلامته من العلل، ويُباح إذا كان من باب الكماليات، لا من باب الضَّروريات والمتأكّدات.
فالحاصل أن الأسباب أنواع، لكن إذا كانت الأسباب مُحرَّمة حرمت، كالأسباب التي حرَّمها الشارعُ: كالخمر، قال: إنها ليست بدواءٍ، ولكنها داء، والتداوي بالنَّجاسات، نعم.
س: الجمع بين هذا وبين حديث السبعين ألفًا؟
ج: ما في منافاة؛ لأنَّ السبعين تركوا شيئًا ينبغي تركه، وهو الاسترقاء، سؤال الناس والكي مكروه، قال النبي ﷺ: وأنهى أمتي عن الكيِّ، والطيرة شرك، فهم تركوا أشياء ينبغي تركها، ما قال: لا يتعاطون الأسباب كلها.
الطالب: وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا الْبَحْثِ فِي بَابِ الرُّقْيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا أَيْضًا: الدَّاءُ الْقَاتِلُ الَّذِي اعْتَرَفَ حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ بِأَنْ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَأَقَرُّوا بِالْعَجْزِ عَنْ مُدَاوَاتِهِ، وَلَعَلَّ الْإِشَارَة فِي حَدِيث ابن مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ: وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى عُمُومِهَا.
الشيخ: ويدل على صدق هذا ما حصل الآن، فإن ارتقاء الطب وكثرة العلم الجديد يدل على ما قاله ﷺ، فإنه لا ينطق عن الهوى ﷺ: ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً، غير داءٍ واحدٍ وهو الهرم -أو الموت كما في روايتيه، فما عدا الموت والهرم كل شيء له دواء، فالسرطان قالوا: لا دواء له، ووجدوا له أدوية، وأشياء كثيرة قالوا: لا دواء لها، ووجدوا لها أدويةً.
فالحاصل أن الطبَّ لا يزال يزيد، ولا يزال يرتقي، ولا يزال الناس يزدادون علمًا في علاج الأمراض، وهذا عند زوال هذه الدنيا، وعند قُرب نهايتها.
فالحاصل أنه مثلما قال النبيُّ، هذا من جوامع الكلم: «ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً، علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله»، ولا يُستثنى من هذا شيء إلا ما استثناه الرسولُ ﷺ؛ وهو الهرم وكبر السن، فهذا لا حيلةً في ردِّه إلى الشباب، وهكذا الموت لا حيلةً في دفعه.
الطالب: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَبَرِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: لَمْ ينْزِلْ دَاء يَقْبَلُ الدَّوَاءَ إِلَّا أُنْزِلَ لَهُ شِفَاءٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْمَرْضَى أَنَّهُ يَتَدَاوَى مِنْ دَاءٍ بِدَوَاءٍ فَيَبْرَأُ، ثُمَّ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ الدَّاءُ بِعَيْنِهِ، فَيَتَدَاوَى بِذَلِكَ الدَّوَاءِ بِعَيْنِهِ فَلَا ينجع، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ الْجَهْل بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الدَّوَاءِ، فَرُبَّ مَرَضَيْنِ تَشَابَهَا، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مُرَكَّبًا، لَا يَنْجَعُ فِيهِ مَا يَنْجَعُ فِي الَّذِي لَيْسَ مُرَكَّبًا، فَيَقَعُ الْخَطَأُ مِنْ هُنَا، وَقَدْ يَكُونُ مُتَّحِدًا، لَكِنْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ لَا يَنْجَعَ، فَلَا ينْجَعُ، وَمِنْ هُنَا تَخْضَعُ رِقَابُ الْأَطِبَّاء.
وَقد أخرج ابنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خُزَامَةَ -وَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ وَزَايٍ خَفِيفَةٍ- عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ؟ هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُصُولَ الشِّفَاءِ بِالدَّوَاءِ إِنَّمَا هُوَ كَدَفْعِ الْجُوعِ بِالْأَكْلِ، وَالْعَطَشِ بِالشُّرْبِ، وَهُوَ يَنْجَعُ فِي ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ لِمَانِعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ كِلَاهُمَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْمَدِّ، وَحُكِيَ كَسْرُ دَالِ الدَّوَاءِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَوْتِ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَاضِحٌ، وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ: إِلَّا دَاءَ الْمَوْتِ. أَيِ: الْمَرَضُ الَّذِي قُدِّرَ عَلَى صَاحِبِهِ الْمَوْتُ.
وَاسْتِثْنَاءُ الْهَرَمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِمَّا لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَبِيهًا بِالْمَوْتِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا نَقْصُ الصِّحَّةِ، أَوْ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَوْتِ وَإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنِ الْهَرَمُ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَالله أعلم.
الشيخ: رحمه الله.
بَاب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ
5689- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ المَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ.
5690- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ ابْنُ أَبِي المَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ: "هُوَ البَغِيضُ النَّافِعُ".
الشيخ: انظر كلامه على التَّلبينة؟
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ) هِيَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَسُكُونِ اللَّامِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ، ثُمَّ نُونٌ، ثُمَّ هَاءٌ، وَقَدْ يُقَالُ بِلَا هَاءٍ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ حَسَاءٌ يُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نُخَالَةٍ، وَيُجْعَلُ فِيهِ عَسَلٌ.
قَالَ غَيْرُهُ: أَوْ لَبَنٌ، سُمِّيَتْ: تَلْبِينَةً تَشْبِيهًا لَهَا بِاللَّبَنِ فِي بياضها ورقَّتها.
وَقَالَ ابن قُتَيْبَةَ: وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُخْلَطُ فِيهَا لَبَنٌ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُخَالَطَةِ اللَّبَنِ لَهَا.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ: هِيَ دَقِيقٌ بَحْتٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: فِيهِ شَحْمٌ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُؤْخَذُ الْعَجِينُ غَيْرَ خَمِيرٍ، فَيُخْرَجُ مَاؤُهُ، فَيُجْعَلُ حَسْوًا، فَيَكُونُ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ، فَلِذَلِكَ كَثُرَ نَفْعُهُ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ: التَّلْبِينَةُ: الْحَسَاءُ، وَيَكُونُ فِي قِوَامِ اللَّبَنِ، وَهُوَ الدَّقِيقُ النَّضِيجُ، لَا الْغَلِيظُ النَّيِّء.
الشيخ: المقصود: حساء من الطحين -من الدقيق- يُجعل فيه لبن أو عسل أو شيء من الدسم، يحصل به راحة الحزين والمريض، فيه بُرودة للجوف يحصل به راحة، وهذا لا شكَّ أنه طعامٌ خفيفٌ يحصل له شيء من الراحة، ولا فيه شيء من الثِّقل، ولا سيما إذا كان مع اللبن أو العسل، وفيه هذا وهذا، أما الشحم فقد يثقل.
بَاب السَّعُوطِ
5691- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: احْتَجَمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَاسْتَعطَ.
بَاب السَّعُوطِ بِالقُسْطِ الهِنْدِيِّ وَالبَحْرِيِّ
وَهُوَ الكُسْتُ، مِثْلُ: الكَافُورِ، وَالقَافُورِ، مِثْلُ: كُشِطَتْ [التكوير:11]، وَقُشِطَتْ: نُزِعَتْ، وَقَرَأَ عَبْدُاللَّهِ: قُشِطَتْ.
5692- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ العُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ.
5693- وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَرَشَّ عَلَيْهِ.
بَاب أَيّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ
وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا.
5694- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ صَائِمٌ".
الشيخ: ثبت أنه احتجم وهو صائم، وثبت أنه احتجم وهو مُحْرِم، فدلَّ ذلك على جواز الحجامة، وأنها من الأدوية الشرعية: الحجامة، والسعوط، والفصد، وأشباه ذلك مما اعتاده الناس وعرفوه، فيه دواء لأدواء متعددة يعرفها أهل البصيرة، وأهل التجارب.
وقوله: "وهو صائم" قال أهلُ العلم: يحتمل أنَّ هذا كان قبل أن ينهى عن الحجامة للصائم، وأن هذا منسوخ، ويحتمل أنه كان لمرضٍ وعلَّةٍ، ويحتمل أنه كان في نافلةٍ، ويحتمل أنه كان في سفرٍ؛ لهذه العلل الأربعة؛ فلا يُعارض به حديث: أفطر الحاجمُ والمحجوم، فإذا كان الصومُ فريضةً حرمت الحجامةُ للصائم في هذه الحال.
وهذا هو الجمع بين النصوص، فالإفطار إذا كان من غير علةٍ؛ حَرُم ذلك، وأفطر به الصائم في الفريضة، أما إذا كان الصوم نافلةً فله أن يُفطر بالحجامة وغيرها إذا دعت المصلحةُ إلى ذلك والحاجة، أو كان في السفر؛ فإن الصائم له الفطر في السفر، أما إن كان قبل النَّهي فهذا معروفٌ؛ يكون منسوخًا.
فالحاصل مثلما قال ابنُ القيم رحمه الله: أنه لا يتم لأحدٍ أن يُعارض بهذا أحاديث إفطار الصائم بالحجامة إلا بعد تمهيد أربعة أمور:
الأول: أن يكون هذا بعد النَّهي.
والثاني: أن يكون في صوم الفريضة.
والثالث: أن يكون في حال الصحة.
والرابع: أن يكون في حال إقامةٍ، لا في حال سفرٍ.
فإذا تمهدت هذه الأمور الأربعة أمكن المعارضة، وإلا فلا.
والصواب الجمع بين النصوص كما تقدَّم أنَّ هذا محمولٌ على أنه كان في سفرٍ، أو في صوم نافلةٍ، والمسافر له أن يُفطر إذا دعت الحاجةُ لأجل المصلحة، أو كان ذلك لمرضٍ، أو كان قبل النَّهي ..........
بَاب الحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِحْرَامِ
قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
5695- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُوسٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ".
الشيخ: لا شكَّ أنه مسافرٌ، المُحْرِم مُسافر.
...