74 من حديث: (أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه..)

بَاب نَقِيعِ التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ
5597- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ القَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ: أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِعُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ العَرُوسُ، فَقَالَتْ: مَا تَدْرُونَ مَا أَنْقَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ.
 
بَاب البَاذَقِ، وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ
وَرَأَى عُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ البَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "اشْرَبِ العَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا"، وَقَالَ عُمَرُ: "وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِاللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ".
5598- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ البَاذَقِ فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ البَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ: الشَّرَابُ الحَلالُ الطَّيِّبُ، قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الحَلالِ الطَّيِّبِ إِلَّا الحَرَامُ الخَبِيثُ.
5599- حدَّثنا عبدالله بن محمد بن أبي شيبة، حدَّثنا أبو أسامة، حدَّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبيُّ ﷺ يُحب الحلواء والعسل".

الشيخ: مقصود ابن عباس أنَّ الأسماء تختلف، والقاعدة هي التي تُعتبر، فما أسكر فهو حرام، سُمي: باذقًا، أو ويسكي، أو كذا، أو كذا، أو كذا، الأسماء لا اعتبارَ لها، فإن الناس يختلفون في لغاتهم واصطلاحاتهم، وفي أعرافهم في الأسماء، فما أسكر هو حرام، على أي اسمٍ كان، ولهذا أخبر ﷺ أنه يأتي في آخر الزمان قومٌ يستحلون الخمرَ، ويُسمونها بغير اسمها، فاسمها لا يُغير الأحكام، الخمر وغير الخمر من المحرمات، تغيير الأسماء لا يُؤثر شيئًا.
 
بَاب مَنْ رَأَى أَنْ لا يَخْلِطَ البُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا وَأَنْ لا يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ
5600- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "إِنِّي لَأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ البَيْضَاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وَتَمْرٍ، إِذْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ، فَقَذَفْتُهَا، وَأَنَا سَاقِيهِمْ وَأَصْغَرُهُمْ، وَإِنَّا نَعُدُّهَا يَوْمَئِذٍ الخَمْرَ". وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعَ أَنَسًا.
5601- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: "نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالبُسْرِ وَالرُّطَبِ".
5602- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ".

الشيخ: وهذا لأن الجمع بينهما يُسبب سرعة الإسكار، شدة الحرارة وسرعة الإسكار، ولهذا شرع أن ينبذ كل واحدٍ على حدةٍ حتى لا يُسرع إليه الإسكار.
س: الزهو ما هو؟
ج: الرطب الذي ما بعد تم، يعني بُسر فيه رطب .....
س: ............؟
ج: هو هذا مثل التمر والزبيب ..
 
بَاب شُرْبِ اللَّبَنِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66]
5603- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ.
5604- حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الفَضْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ الفَضْلِ، قَالَتْ: "شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ"، فَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ: "شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الفَضْلِ"، فَإِذَا وقفَ عَلَيْهِ قَالَ: هُوَ عَنْ أُمِّ الفَضْلِ.
5605- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَّا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا.
5606- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ -أُرَاهُ- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ -رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ- مِنَ النَّقِيعِ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَّا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا، وَحَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِهَذَا.

الشيخ: هذا واضحٌ في تخمير الإناء الذي فيه شيء؛ لئلا يقع فيه شيء من الحشرات، أو شيء من الغبار؛ لأنَّ تخميره أفضل، ولهذا قال: ألا خمَّرته حتى ولو بعرض العود، فإنه بامتثال الشرع يكون من أسباب الوقاية، ولو كان الغطاء غير كاملٍ.
 
5607- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَرَرْنَا بِرَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فِي قَدَحٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، وَأَتَانَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ سُرَاقَةُ أَنْ لا يَدْعُوَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَرْجِعَ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ.

الشيخ: تقدَّم هذا، وأنه دعا عليه حتى ساخت قوائمُ فرسه في الأرض على بطنها، فقال له سراقة: قد علمتُ أن ما أصابني بأسبابك، فادع الله لي، ولا أضرّكم، وأردّ عنكم، فدعا الله له فأطلق فرسه، فكان في الأول طالبًا، وفي الأخير مُدافعًا وذابًّا.
 
5608- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ، وَتَرُوحُ بِآخَرَ.
الشيخ: وقصة سراقة في خروج النبي ﷺ من مكة إلى المدينة يوم الهجرة، وهذا فيه دلالة على شرعية المنحة، وأنها من خير الصَّدقات، كون الإنسان يمنح قريبه أو جاره شاةً أو لقحةً من الإبل ينتفع بلبنها ثم يردّها، بقرة، أو شاة، أو ناقة، ينتفع بلبنها ثم يردّها على صاحبها بعد ذهاب الحاجة منها تغدو بقدح وتروح بآخر يعني أنه ينتفع بها ويحلبها صباحًا ومساءً، فالمنحة: العطية التي هي صدقة على وجه العارية.
س: ..............؟
ج: مبتدأ، وخبره مقدم؛ لأنَّ المنحة الشاة مبتدأ: نعم الرجل زيد، الجملة خبر مُقدَّم.
س: .............؟
ج: نعم، مبتدأ وخبر، ومنحة تمييز.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: أربعون خصلة، أعلاها منيحة العنز، ما من عاملٍ يعمل بخصلةٍ منها ابتغاء ثوابها، وتصديق موعودها؛ إلا أدخله الله بها الجنة.
 
5609- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَرِبَ لَبَنًا، فَمَضْمَضَ وَقَالَ: إِنَّ لَهُ دَسَمًا.
5610- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ، وَأَمَّا البَاطِنَانِ: فَنَهَرَانِ فِي الجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ.
قَالَ هِشَامٌ وَسَعِيدٌ وَهَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: فِي الأَنْهَارِ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا: ثَلاثَةَ أَقْدَاحٍ.

الشيخ: أيش قال عن قوله: (وقال إبراهيم)؟
الطالب: قَوْلُهُ (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ..) إِلَخْ، وَصَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "الصَّغِيرِ" مِنْ طَرِيقِهِ، وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي غَرَائِبِ شُعْبَةَ لِابْنِ مَنْدَهْ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ.
الشيخ: الذي بعده، انظر كلامه على ......
الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ نَقِيعِ التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَفِيهِ: أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا، وَتَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ، وَأَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى أَن الَّذِي أخرجه ابن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ نَقِيعِ الزَّبِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَغَيَّرَ وَكَادَ يَبْلُغُ حَدَّ الْإِسْكَارِ، أَو أَرَادَ قَائِلُهُ حَسْمَ الْمَادَّةِ، كَمَا سَيَأْتِي عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: أَحْدَثَ النَّاسُ أَشْرِبَةً لَا أَدْرِي مَا فِيهَا، فَمَا لِي شَرَابٌ إِلَّا الْمَاءَ وَاللَّبَنَ. الْحَدِيث، وَتَقْيِيدُهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِمَا لَمْ يُسْكِرْ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلسُّكْرِ، لَا إِثْبَاتًا، وَلَا نَفْيًا، إِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا سَهْلٌ -وَهُوَ مِن أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى أَثْنَاءِ نَهَارِهِ- لَا يَحْصُلُ فِيهَا التَّغَيُّرُ جُمْلَةً، وَإِمَّا خَصَّهُ بِمَا لَا يُسْكِرُ مِنْ جِهَةِ الْمَقَامِ، وَالله أعلم.
قَوْله: (بَاب الباذق) ضَبطه ابنُ التِّينِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ -يَعْنِي الْقَابِسِيَّ- أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ بِكَسْرِ الذَّالِ، وَسُئِلَ عَنْ فَتْحِهَا فَقَالَ: مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِالْمَلِكِ أَنَّهُ الْخمر إِذا طُبخ، وَقَالَ ابنُ التِّينِ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
وَقَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: أَصْلُهُ باذه، وَهُوَ الطِّلَاءُ، وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ الْعَصِيرُ حَتَّى يصير مثل طلاء الْإِبِل.
وَقَالَ ابنُ قُرْقُولٍ: الْبَاذَقُ الْمَطْبُوخُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا أَسْكَرَ أَو إِذَا طُبِخَ بَعْدَ أَنِ اشْتَدَّ.
وَذكر ابن سِيدَهْ فِي "الْمُحْكَمِ" أَنَّهُ مِن أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ يُشْبِهُ الْفُقَّاعَ، إِلَّا أَنه رُبمَا اشْتَدَّ وأسكر.
وَكَلَام مَن هُوَ أَعْرَفَ مِنْهُ بِذَلِكَ يُخَالِفُهُ، وَيُقَالُ لِلْبَاذَقِ أَيْضًا: الْمُثَلَّثُ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ ثُلُثَاهُ، وَكَذَلِكَ الْمُنَصَّفُ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ، وَتُسَمِّيهِ الْعَجَمُ: مَيْنُخْتَجُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَآخِرُهُ جِيمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّ الْمُثَنَّاةَ.
وَرِوَايَتُهُ فِي "مُصَنف ابن أَبِي شَيْبَةَ" بِدَالٍ بَدَلَ الْمُثَنَّاةِ، وَبِحَذْفِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ مِن أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ) كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، مَعَ نَقْلِهِ عَنْهُ تَجْوِيزَ شُرْبِ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ، فَكَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنَ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الَّذِي أَبَاحَهُ مَا لَمْ يُسْكِر أَصْلًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (مِنَ الْأَشْرِبَةِ) فَلِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي أَوْرَدَهَا مَرْفُوعَهَا وَمَوْقُوفَهَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُشْرَبُ، وَقَدْ سَبَقَ جَمْعُ طُرُقِ حَدِيثِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فِي بَابِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ.
قَوْلُهُ: (وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ: رَأَوْا جَوَازَ شُرْبِ الطِّلَاءِ إِذَا طُبِخَ فَصَارَ عَلَى الثُّلُثِ، وَنَقَصَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ سِيَاقِ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآثَارِ:
فَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا، وَقَالُوا: لَا يُصْلِحُنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَابُ، فَقَالَ عُمَرُ: اشْرَبُوا الْعَسَلَ، قَالُوا: مَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ، فَقَالَ رِجَالٌ مِن أَهْلِ الْأَرْضِ: هَلْ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَكَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ ثُلُثَانِ، وَبَقِيَ الثُّلُثُ، فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ، فَأَدْخَلَ فِيهِ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ، فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ، فَقَالَ: هَذَا الطِّلَاءُ مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ، فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ، وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَمَّارٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ جَاءَنِي عِيرٌ تَحْمِلُ شَرَابًا أَسْوَدَ كَأَنَّهُ طِلَاءُ الْإِبِلِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَهُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ الْأَخْبَثَانِ: ثُلُثٌ بِرِيحِهِ، وَثُلُثٌ بِبَغْيِهِ، فَمُرْ مَنْ قِبَلَكَ أَنْ يَشْرَبُوهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ أَحَلَّ مِنَ الشَّرَابِ مَا طُبِخَ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: اطْبُخُوا شَرَابَكُمْ حَتَّى يَذْهَبَ نَصِيبُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ، فَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ اثْنَيْنِ، وَلَكُمْ وَاحِد.
وَهَذِهِ أَسَانِيد صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَفْصَحَ بَعْضُهَا بِأَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْهُ السُّكْرُ، فَمَتَى أَسْكَرَ لَمْ يَحِلَّ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِنَصِيبِ الشَّيْطَانِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابن سِيرِينَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لما ركب السَّفِينَة فقد الحبلة، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَخَذَهَا، ثُمَّ أُحْضِرَتْ لَهُ وَمَعَهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فِيهَا، فَأَحْسِنِ الشَّرِكَةَ، قَالَ: لَهُ النِّصْفُ، قَالَ: أَحْسِنْ، قَالَ: لَهُ الثُّلُثَانِ وَلِيَ الثُّلُثُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ، وَأَنْتَ مِحْسَانٌ أَنْ تَأْكُلَهُ عِنَبًا، وَتَشْرَبَهُ عَصِيرًا، وَمَا طُبِخَ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ، وَمَا جَازَ عَنِ الثُّلُثِ فَهُوَ مِنْ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ وَجهٍ آخر: عَن ابن سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.
أغْرب ابن حَزْمٍ فَقَالَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمْ يُدْرِكْ نُوحًا، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.
وَأَمَّا أَثَرُ أَبِي عُبَيْدَةَ -وَهُوَ ابن الْجراح- ومعاذ -وَهُوَ ابن جَبَلٍ- فَأَخْرَجَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُور، وابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا طَلْحَةَ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنَ الطِّلَاءِ مَا طُبِخَ عَلَى الثُّلُثِ، وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ.
وَالطِّلَاءُ -بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ- هُوَ الدِّبْسُ، شُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِلِ، وَهُوَ الْقَطِرَانُ الَّذِي يُدْهَنُ بِهِ، فَإِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ حَتَّى تَمَدَّدَ أَشْبَهَ طِلَاءَ الْإِبِلِ، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَالِبًا لَا يُسْكِرُ، وَقَدْ وَافَقَ عُمَرُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ: أَبُو مُوسَى، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَغَيرهم، أخرجهَا ابن أبي شيبَة وَغَيره، وَمن التَّابِعين: ابن الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ، وَشَرْطُ تَنَاوُلِهِ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ تَوَرُّعًا.
الشيخ: كأنه بهذا يعني يبعد من الإسكار إذا طُبخ العنب ونحوه حتى يذهب ثلثاه، يعني الثلث الباقي يكون طيبًا، ولا يعتريه السكر، لكن لو وقع فيه السكر وجب تركه، بخلاف إذا ترك ولم يُطبخ فإنه في الغالب إذا جاوز الثلاث اشتدَّ وأسكر، لكن متى طُبخ زال منه نصيب الشيطان، زالت الأسباب التي تجعله يشتدُّ، فيبقى سليمًا طيبًا لا يُسكر، هذا معناه في الغالب، وقد يقع منه شيء، فإذا عرف أنه أسكر تُرك، القاعدة هي السكر.
س: يُطبخ أولًا؟
ج: يُطبخ أولًا حتى تذهب منه أسباب شدَّته.
س: أو يُطبخ بعد مضي المدة؟
ج: الظاهر بعد الانتباذ، وبعد عصر ما يُعصر.
س: يعني ما يُترك يومين ثم يُطبخ؟
ج: لا، ما هو بلازم، الظاهر قصدهم أنَّ هذا الطبخ يُزيل الأسباب التي يحصل بها الإسكار.
الطالب: قَوْلُهُ (وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ) أَمَّا أَثَرُ الْبَراء: فَأخْرجهُ ابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ، أَيْ إِذَا طُبِخَ فَصَارَ عَلَى النِّصْفِ.
وَأَمَّا أثر أبي جُحَيْفَة: فَأخْرجهُ ابن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، فَذَكَرَ مثله.
وَوَافَقَ الْبَراء وَأَبا جُحَيْفَة: جرير وَأنس، وَمن التَّابِعين: ابن الْحَنَفِيَّةِ وَشُرَيْحٌ، وَأَطْبَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُسْكِرُ حَرُمَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَشْرِبَةِ: بَلَغَنِي أَنَّ النِّصْفَ يُسْكِرُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف أعناب الْبِلَاد، فقد قَالَ ابن حَزْمٍ إِنَّهُ شَاهَدَ مِنَ الْعَصِيرِ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى الثُّلُثِ يَنْعَقِدُ وَلَا يَصِيرُ مُسْكِرًا أَصْلًا، وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى النِّصْفِ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى الرُّبْعِ كَذَلِكَ، بَلْ قَالَ إِنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ مَا يَصِيرُ رُبًّا خَاثِرًا لَا يُسْكِرُ، وَمِنْهُ مَا لَوْ طُبِخَ لَا يَبْقَى غَيْرَ رُبُعِهِ، لَا يَخْثُرُ، وَلَا يَنْفَكُّ السُّكْرُ عَنْهُ.
قَالَ: فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَمْرِ الطِّلَاءِ عَلَى مَا لَا يُسْكِرُ بَعْدَ الطَّبْخ.
وَقد ثَبت عَن ابن عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: "أَنَّ النَّارَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الطِّلَاءِ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَصِيرُ مِثْلَ الْعَسَلِ، وَيُؤْكَلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، فَيُشْرَبَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: اشْرَبِ الْعَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا)، وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَابِتٍ الثَّعْلَبِيِّ، قَالَ: كنتُ عِنْد ابن عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَصِيرِ، فَقَالَ: اشْرَبْهُ مَا كَانَ طَرِيًّا، قَالَ: إِنِّي طَبَخْتُ شَرَابًا وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: أَكُنْتَ شَارِبَهُ قَبْلَ أَنْ تَطْبُخَهُ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ النَّارَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا قَدْ حُرِّمَ.
الشيخ: ومراده: يعني أنه إذا اشتدَّ الخمر ما يَعُدْ يجوز تحليله؛ لأنه سُئل عن الخمر يتّخذ خلًّا فقال: لا، إذا اشتدَّ وجبت إراقته، لكن هذا الطبخ يكون قبل أن يشتدَّ، ما دام عصيرًا، ما دام خلًّا، فإذا طبخ امتنع من كونه يُسكر في الغالب، أما كونها صارت خمرًا ثم يطبخها حتى يزول خمرها ما يصلح، إذا اشتدَّت وأسكرت؛ وجبت إراقتها.
الطالب: وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي الْآثَارِ الْمَاضِيَةِ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُطْبَخُ إِنَّمَا هُوَ الْعَصِيرُ الطَّرِيُّ قَبْلَ أَنْ يَتَخَمَّرَ، أَمَّا لَوْ صَارَ خَمْرًا فَطُبِخَ فَإِنَّ الطَّبْخَ لَا يُطَهِّرُهُ، وَلَا يُحِلُّهُ إِلَّا عَلَى رَأْي مَنْ يُجِيزُ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَحُجَّتُهُمُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي طَلْحَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ: "اشْرَبِ الْعَصِيرَ مَا لَمْ يَغْلِ"، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: "مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ"، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ إِذَا بَدَأَ فِيهِ التَّغَيُّرُ يَمْتَنِعُ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْغَلَيَانِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَقِيلَ: إِذَا انْتَهَى غَلَيَانُهُ وَابْتَدَأَ فِي الْهُدُوِّ بَعْدَ الْغَلَيَانِ، وَقِيلَ: إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْرُمُ عَصِيرُ الْعِنَبِ النِّيءُ حَتَّى يَغْلِيَ وَيَقْذِفَ بِالزَّبَدِ، فَإِذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ حَرُمَ، وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، وَلَوْ غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ بَعْدَ الطَّبْخِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: يَمْتَنِعُ إِذَا صَارَ مُسْكِرًا شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، سَوَاءٌ غَلَى أَمْ لَمْ يَغْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ بِأَنْ يَغْلِيَ ثُمَّ يَسْكُنَ غَلَيَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ: حَدُّ مَنْعِ شُرْبِهِ أَنْ يَتَغَيَّرَ، وَالله أعلم.
قَوْله: (وَقَالَ عمر) هُوَ ابن الْخَطَّابِ، وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِاللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ ابن عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (رِيحُ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ) وَصَلَهُ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: فَسَأَلَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ يُسْكِرُ، فَجَلَدَهُ.
وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بن مَنْصُور، عَن ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ عُبَيْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَصْحَابَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسكر حددتُهم.
قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ قَالَ: فَرَأَيْتُ عُمَرَ يَجْلِدُهُمْ.
وَهَذَا الْأَثَرُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أَحَلَّهُ عُمَرُ مِنَ الْمَطْبُوخِ الَّذِي يُسَمَّى: الطِّلَاءَ، مَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَإِنْ بَلَغَهُ لَمْ يَحِلَّ عِنْدَهُ، وَلِذَلِكَ جَلَدَهُمْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ: هَلْ شَرِبُوا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؟
وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِعُمَرَ فِي جَوَازِ شُرْبِ الْمَطْبُوخِ إِذَا ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ، وَلَو أَسْكَرَ فَإِنَّ عُمَرَ أَذِنَ فِي شُرْبِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَثَرَيْنِ عَنْهُ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَاسْتَغْنَى عَنِ التَّفْصِيلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ ابْنَهُ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ شَرِبَ كَذَا، فَسَأَلَ غَيْرَهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُسْكِرُ، أَوْ سَأَلَ ابْنَهُ فَاعْتَرَفَ أَنَّ الَّذِي شَرِبَ يُسْكِرُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَبْدُالرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ: شَهِدْتُ عُمَرَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحَ شَرَابٍ، وَإِنِّي سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ الطِّلَاءُ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا جَلَدْتُهُ، قَالَ: فَشَهِدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِدُهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا السِّيَاقُ يُوضِّح أَنَّ رِوَايَة ابن جريج الَّتِي أخرجهَا عبدُالرَّزَّاق أَيْضًا عَنهُ عَن الزُّهْرِيِّ مختصرة مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَفْظُهُ: عَنِ السَّائِبِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَر يَجْلِدُ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ شَرَابٍ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ تَامًّا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ جَلَدَهُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الرِّيحِ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَكَذَلِكَ مَا أخرجه ابن أبي شيبَة من طَرِيق ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الرِّيحِ، فَإِنَّهَا أَشَدُّ اخْتِصَارًا، وَأَعْظَمُ لَبْسًا.
وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يُجَوِّزُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِوُجُودِ الرِّيحِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّسَائِيُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ كَسَرَ النَّبِيذَ بِالْمَاءِ لَمَّا شَرِبَ مِنْهُ فَقَطَّبَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِحُمُوضَتِهِ، لَا لِاشْتِدَادِهِ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّهُ عَمَّمَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ مِنْهُ: هَلْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيذَ الَّذِي قَطَّبَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ أَصْلًا.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالرَّائِحَةِ، وَقَدْ مَضَى فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ النَّقْلُ عَن ابن مَسْعُودٍ أَنه عمل بِهِ، وَنقل ابن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ وَمَالِكٍ مِثْلَهُ، قَالَ مَالِكٌ: إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ مِمَّنْ كَانَ يَشْرَبُ ثُمَّ تَابَا أَنَّهُ رِيحُ خَمْرٍ وَجَبَ الْحَدُّ.
وَخَالَفَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّوَائِحَ قَدْ تَتَّفِقُ، وَالْحَدُّ لَا يُقَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ أَنَّهُ جَلَدَ بِالرَّائِحَةِ، بَلْ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْلِدْهُمْ حَتَّى سَأَلَ.
وَفِي قَوْلِ عُمَرَ: "اللَّهُمَّ لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ" رَدٌّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِإِجَازَتِهِ شُرْبَ الْمَطْبُوخِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَلَو أَسْكَرَ شَارِبَهُ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إِذَا أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ أَثَرِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَصَلَ، بِخِلَافِ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.
الشيخ: يكفي.
س: كيف يكون النيل والفرات من أنهار الجنة؟
ج: بيَّن العلماء هذا، وأنها أسماء متوافقة: نهران باطنان، ونهران ظاهران، الظاهران: النيل والفرات، والباطنان: سيحون وجيحون، وقال جمعٌ أنها أسماء مُتوافقة، وافقت ما في الدنيا، وقال آخرون: لا مانع من أن يكون ما في الدنيا أصله من هذه الأنهار، وأن الله أنزل منها شيئًا فجعله سببًا لهذه الأنهار التي في الأرض: سيحون، وجيحون، والنيل، والفرات، محتمل هذا وهذا، نعم.
س: ................؟
ج: كان يجلد في عهد النبي أربعين جلدة، فلما رأى عمر الناس تمادوا في هذا الشيء جعله ثمانين، كما استقرَّ الصحابةُ على جلده ثمانين جلدة.
وفي قصة عمر دلالة على غيرته ، وعدم محاباته، فإن ولده لما تحقق أنه شرب هذا المسكر أقام عليه الحدَّ هو وأصحابه، كانوا قد تأوَّلوا، قالوا: إنه لا يُسكر، لكن لما سأل وعرف أنه يُسكر أقام عليهم الحدّ؛ على عبيدالله بن عمر وعلى أصحابه الذين معه، وهذا من عنايته في حماية المسلمين من الشر، وسدّ ذرائع الشر، والحرص على سلامة المجتمع من أسباب الفساد.
 
بَاب اسْتِعْذَابِ المَاءِ
5611- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ: لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وَإِنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، أَوْ رَايِحٌ شَكَّ عَبْدُاللَّهِ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَفِي بَنِي عَمِّهِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى: رَايِحٌ.
الشيخ: وهذا يدل على منقبةٍ لأبي طلحة، وهو زيد بن سهل الأنصاري ، وهو زوج أم سليم -أم أنس- ومن خيرة الأنصار رضي الله عنه وأرضاهم، في هذا فقه الصحابة، وحرصهم على الخير رضي الله عنهم وأرضاهم، لما سمع هذه الآية الكريمة: لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ تقدم إلى النبي ﷺ وقال هذا الكلام: إنَّ أحبّ أموالي إليَّ بيرحاء، إني سمعتُ الله يقول: لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. هذا يدل على الفقه العظيم بالكتاب العزيز، والمسابقة إلى الخير، والحرص على التقرب إلى الله ببذل ما يُحبه العبد: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8]، وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177]، لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
ويدل على شدة الرغبة وكمال الرغبة بما عند الله : كون الإنسان يُنفق مما يُحب، ليس يُنفق من الأشياء التي ليست لها أهمية، هذا كل أحدٍ يستطيعه، لكن كون الإنسان يقدم ما يُحبه رغبةً بما عند الله هذا هو الشأن في أهل الخير وأهل السبق.
وفي هذا فضل الصَّدقة في الأقربين، فإنها تجمع صلة الرحم والصدقة، كما في حديث سلمان بن عمرو الظبي: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أجله؛ فليصل رحمه، فصلة الرحم قربة عظيمة، والصدقة على المسكين قربة عظيمة، فإذا اجتمعتا صدقة وصلة صار خيرًا إلى خيرٍ.
ومعنى لَنْ تَنَالُوا البِرَّ يعني كماله، يعني كمال البرِّ وتمامه.
بَاب شربِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ
5612- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَرِبَ لَبَنًا، وَأَتَى دَارَهُ، فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ البِئْرِ، فَتَنَاوَلَ القَدَحَ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ.
5613- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا، قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ المَاءَ فِي حَائِطِهِ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ، فَانْطَلِقْ إِلَى العَرِيشِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ، قَالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ.

الشيخ: وهذا فيه التواضع والثناء على الأصحاب والأحباب، والزيارة لهم، زاره وقال له هذا الكلام: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنّة وإلا كرعنا، فيه عدم التَّكلف، فالأنصاري أتى بالماء وسكب عليه الحليب، فهذا كله من الأخلاق الكريمة: زيارة الأحبة، وعدم التكلف، والمباسطة في الكلام، وتقديم ما تيسر من إكرامه، وعدم التكلف بما يعسر، كل هذا من أخلاقه وأخلاق أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ويدل على جواز الكرع عند الحاجة إليه، كونه يكرع في الماء الذي في الساقي، أو في الحوض، كأن يشرب من فمه عند الحاجة إلى ذلك، أو يأخذ بيديه ويشرب بيديه.
س: ..............؟
ج: المقام شرب، قرأتها: شرب؟
الطالب: نعم.
الشيخ: شرب بدون واو.
الطالب: ...........
الشيخ: يصلح، ما في بأس، شوب اللبن بالماء، وشرب اللبن بالماء، لكن شرب أظهر، والمعنى واحد.
س: خلطه يعني؟
ج: خلطه يعني نعم، أيش قال عن قوله: وإلا كرعنا؟
الطالب: قَوْلُهُ وَإِلَّا كَرَعْنَا فِيهِ حَذَفٌ تَقْدِيرُهُ: فَاسْقِنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ كرعنا، وَوَقع فِي رِوَايَة ابن مَاجَهْ التَّصْرِيحُ بِطَلَبِ السَّقْيِ، وَالْكَرْعُ بِالرَّاءِ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ إِنَاءٍ وَلَا كَفٍّ.
وَقَالَ ابن التِّينِ: حَكَى أَبُو عَبْدِالْمَلِكِ أَنَّهُ الشُّرْبُ بِالْيَدَيْنِ مَعًا. قَالَ: وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ.
قلتُ: وَيَردهُ مَا أخرجه ابن ماجه عَن ابن عُمَرَ قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ، فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَكْرَعُوا، وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا بِهَا الْحَدِيثَ، وَلَكِنْ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالنَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ، وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ قِصَّةُ جَابِرٍ قَبْلَ النَّهْيِ، أَوِ النَّهْيُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْفِعْلُ كَانَ لِضَرُورَةِ شُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِبَارِدٍ، فَيَشْرَبُ بِالْكَرْعِ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ؛ لِئَلَّا تَكْرَهَهُ نَفْسُهُ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْجَرْعَ، فَقَدْ لَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ مِنَ الرِّيِّ.
أَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ ابن بَطَّالٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشُّرْبِ بِالْفَمِ: كَرْعٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهَائِمِ، لِشُرْبِهَا بِأَفْوَاهِهَا، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُدْخِلُ أكارعها حِينَئِذٍ فِي المَاء.
وَوَقع عِنْد ابن ماجه من وَجهٍ آخر عَن ابن عُمَرَ، فَقَالَ: "نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا، وَهُوَ الْكَرْعُ"، وَسَنَدُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِبُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَى الشُّرْبِ بِالْفَمِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْبِطَاحِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: وَإِلَّا تَجَرَّعْنَا بِمُثَنَّاةٍ وَجِيمٍ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، أَيْ: شَرِبْنَا جَرْعَةً جَرْعَةً، وَهَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: وما دامت رواية ابن ماجه ضعيفة لا يتعلق بها، وهو يدل على جواز الكرع عند الحاجة إليه، ولو صحَّت كما قال المؤلفُ حُمل النَّهي على الكراهة، والكرع على الجواز لو صحَّت.
 
بَاب شَرَابِ الحَلْوَاءِ وَالعَسَلِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ؛ لِأَنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، وقال ابنُ مسعودٍ في السّكر: "إنَّ الله لم يجعل شفاءَكم فيما حرَّم عليكم".
5614- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ".

الشيخ: أيش قال على الترجمة؟
الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: "الْحَلْوَاءُ" بِالْمَدِّ، وَلِغَيْرِهِ بِالْقَصْرِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ مَا يُعْقَدُ مِنَ الْعَسَلِ وَنَحْوه.
وَقَالَ ابن التِّينِ: عَنِ الدَّاوُدِيِّ: هِيَ النَّقِيعُ الْحُلْوُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ: شَرَابُ الْحَلْوَاءِ.
كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مُقْتَضى الْعُرف.
وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: الْحَلْوَى كُلُّ شَيْءٍ حُلْوٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَى تَسْمِيَةِ مَا لَا يُشْرَبُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُلْوِ حَلْوَى، وَلِأَنْوَاعِ مَا يُشْرَبُ: مَشْرُوبٌ وَنَقِيعٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ اخْتِصَاصُ الْحَلْوَى بِالْمَشْرُوبِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ؛ لِأَنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَصَلَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَوَجهه ابن التِّينِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمَّى الْبَوْلَ رِجْسًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، وَالرِّجْسُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَبَائِثِ.
وَيَرُدُّ عَلَى اسْتِدْلَالِ الزُّهْرِيِّ جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الشِّدَّةِ، وَهِيَ رِجْسٌ أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ ابن بَطَّالٍ: الْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَأَشَدُّ حَالِ الْبَوْلِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ مِثْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُدْخِلُ الرُّخَصَ، وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَيْتَةِ لَا فِي الْبَوْلِ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الشّعب" من رِوَايَة ابن أَخِي الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ، فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا! فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي رَمَضَانَ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وَلَيْسَ ذَلِك لعاشوراء.
قَالَ ابن التِّينِ: وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْمَيْتَةَ لِسَدِّ الرَّمَقِ، وَالْبَوْلُ لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا صَحَّ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي بعده.
قَوْله: (وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم) قَالَ ابن التِّينِ: اخْتُلِفَ فِي السَّكَرِ –بِفَتْحَتَيْنِ- فَقِيلَ: هُوَ الْخَمْرُ، وَقِيلَ: مَا يَجُوزُ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، وَكَالْخَلِّ، وَقِيلَ: هُوَ نَبِيذُ التَّمْرِ إِذَا اشْتَدَّ.
قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ عَن أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67]، وَهُوَ مَا حُرِّمَ مِنْهَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أُحِلَّ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ -أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ- قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَعْنَاهُ.
ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "السَّكَرُ: نَقِيعُ الزَّبِيبِ" يَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، وَالْخَلُّ. وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَانْتَصَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْهُ دَعْوَى نَسْخٍ، وَيَسْتَمِرُّ الِامْتِنَانُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْأَثَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْكِرِ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّكَرُ خَمْرٌ.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ السَّكَرَ بِلُغَةِ الْعَجَمِ الْخَمْرُ، وَبِلُغَةِ الْعَرَبِ النَّقِيعُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: السَّكَرُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ. وَعَلَى هَذَا ينطبق قَول ابن مَسْعُودٍ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُم".
وَنقل ابنُ التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن -يَعْنِي ابن الْقَصَّارِ: إِنْ كَانَ أَرَادَ مُسْكِرَ الْأَشْرِبَةِ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرُ السُّؤَالِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السُّكْرَ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ: فَأَحْسَبُهُ هَذَا أَرَادَ؛ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرين: سُئِلَ ابن مَسْعُودٍ عَنِ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَأَجَابَ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ.
قُلْتُ: قَدْ رَوَيْتُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ: خُثَيْمُ بْنُ الْعَدَّاءِ دَاءً بِبَطْنِهِ يُقَالُ لَهُ: الصُّفْرُ، فَنُعِتَ لَهُ السَّكَرُ، فَأرْسَل إِلَى ابن مَسْعُودٍ يسْأَله، فَذكره. وَأخرجه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ.
الشيخ: المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا لم يجعل الشِّفاء فيما حرَّمه على عباده، لا من السكر، ولا من غيره، لكن إذا جاءت الضَّرورات التي يُخشى منها الهلاك جاز شرب البول والمسكر، كما يجوز الأكل من الميتة، فالضَّرورات لها حال أخرى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3]، فما فيه من الخبث، وما في الميتة من الخبث كله يُعفى عنه عند الضَّرورة، إذا كان هذا الشيء تدعو إليه الضَّرورة -نسأل الله السلامة والعافية.
س: ..............؟
ج: يدل على أنه ما يرى القياس في المحرَّمات، فالمحرمات ليس فيها قياس، الاقتصار على الوارد فيها، ولكن هذا ليس بمسلمٍ.
س: ................؟
ج: قصده أنه لا يُقاس البول على الميتة، لا يقاس .....

 
بَاب الشُّرْبِ قَائِمًا
5615- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِمًا، فَقَالَ: "إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ".

الشيخ: يعني لبيان الجواز، كره النبيُّ الشرب قائمًا، وشرب قائمًا ليعلم الناس أنه ليس بمحرمٍ، ولكنه من باب ترك الأوْلى، أو من باب المتروك؛ لأنه أهنأ وأمرأ مع الجلوس، وإذا احتاج إلى القيام قد يكون الإنسانُ عجلًا، قد تكون الأرض غير طيبةٍ، قد يكون يشق عليه الجلوس، المقصود أنه فعله ﷺ لبيان الجواز.
5616- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الكُوفَةِ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلاةُ العَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قِيَامًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَنَعَ مِثْلَمَا صَنَعْتُ".
5617- حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباسٍ قال: "شرب النبيُّ ﷺ قائمًا من زمزم".
بَاب مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ
5618- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ. زَادَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ: عَلَى بَعِيرِهِ.
بَاب الأَيْمَن فَالأَيْمَن فِي الشُّرْبِ
5619- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: الأَيْمَن فَالأَيْمَن
بَاب هَلْ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الشُّرْبِ لِيُعْطِيَ الأَكْبَرَ
5620- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟ فَقَالَ الغُلامُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي يَدِهِ.

الشيخ: وهذا يدل على أن الأيمن أوْلى بالفضلة ولو كان أعرابيًّا، ولو كان مفضولًا بالنسبة إلى مَن على اليسار، ولو كان صبيًّا، ولكن لمن بيده الشراب أن يستأذن، إذا أحبَّ أن يستأذن فلا بأس، يقول لمن عن يمينه من المفضولين: أتسمحون أن أُعطي هؤلاء عن اليسار؟ فإذا سمحوا فلا بأس، وإلا فالأصل هو الأيمن فالأيمن، وتقدم أنَّ النبي ﷺ لم يستأذن في قصة الأعرابي مع أبي بكر، فالمقصود أنه إن شاء استأذن، وإن شاء تلَّه في يده لمن عن يمينه ولم يستأذن، وهذا يرجع إلى ما يراه الشاربُ في الاستئذان وعدمه.
س: .............؟
ج: تبدأ بالأصل، تبدأ بالمقصود من جهة المقصود، ثم بعد ذلك مَن عن يمينك .....؛ لأن الناس إذا دخلوا قصدوا النبيَّ ﷺ.
س: بعد المقصود: الأيمن؟
ج: الأمر واسع، ما أعرف فيه شيئًا.
 
بَاب الكَرْعِ فِي الحَوْضِ
5621- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ وَصَاحِبُهُ، فَرَدَّ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَهِيَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ، وَهُوَ يُحَوِّلُ فِي حَائِطٍ لَهُ -يَعْنِي المَاءَ- فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ، وَإِلَّا كَرَعْنَا، وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ المَاءَ فِي حَائِطٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ، فَانْطَلَقَ إِلَى العَرِيشِ، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ مَاءً، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ أَعَادَ، فَشَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ.

بَاب خِدْمَةِ الصِّغَارِ الكِبَارَ
5622- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: "كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الحَيِّ أَسْقِيهِمْ -عُمُومَتِي وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ- الفَضِيخَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ، فَقَالَ: اكْفِئْهَا، فَكَفَأْنَا"، قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: "رُطَبٌ وَبُسْرٌ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: وَكَانَتْ خَمْرَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: "كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ".

الشيخ: وقد سبق ذلك، نعم، يعني خمرهم الغالب عليها البسر والتمر، والعنب قليل، كما تقدَّم عن أنسٍ.

 
بَاب تَغْطِيَةِ الإِنَاءِ
5623- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ.

الشيخ:  فخلُّوهم.
الطالب: هنا بالحاء.
الشيخ: أيش قال الشارح؟ خلّوهم: اتركوهم يعني، وحلوهم يعني: اتركوا قيدهم، وليس المقصود قيدهم، المقصود كفّهم، ومقابل الكفّ التَّخلية. أيش قال عندك؟ ضبطها؟
الطالب:  تقدم في شرح باب اللبن شرح قوله ....... العيني قال: بضم الحاء المهملة. وقال الكرماني: خلّوهم بإعجام الخاء.
الشيخ: هذا أظهر، حلوهم يقتضي أنهم مُقيدون، وليس المراد التقييد هنا.
 
فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ.
5624- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ.
س: ............؟
ج: الظاهر أنه بالفتح: كفأ يكفأ، مثل: قطع يقطع .....، والقاعدة في مثل هذا: فعل يفعل، قطع يقطع، نحر ينحر، نفع ينفع، إلا ما خرج عن ذلك من كلمات سماعية.
بَاب اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ
5625- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ" يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا.
الشيخ: تقدم هذا، وأن هذا قد يُفضي إلى دخول شيء في حلق الإنسان -في جوف الإنسان- من السقاء: من عود، أو حشرة، أو كذا، أو كذا عند شربه من الفم، فلهذا ينبغي أن يصبَّ في يديه حتى يرى، أو في إناء إن كان عنده إناء، إلا عند الضَّرورة.
5626- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. قَالَ عَبْدُاللَّهِ: قَالَ مَعْمَرٌ أَوْ غَيْرُهُ: هُوَ الشُّرْبُ مِنْ أَفْوَاهِهَا.
الشيخ: تقدم أنه شرب من فيه ..... عند الحاجة قطعتها صاحبة القربة.
س: النَّهي للتَّحريم أو التَّنزيه؟
ج: ظاهره التنزيه؛ لأنه ورد الشرب منها عند الحاجة، فالأصل في هذا التحريم، لكن المراد من شربه منها في بعض الأحيان ..... للأدب والكراهة والحماية مما يضرّ الإنسان.
 
بَاب الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ
5627- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ لَنَا عِكْرِمَةُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو هُرَيْرَةَ؟ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ القِرْبَةِ، أَوِ السِّقَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي دَارِهِ.
5628- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ.
5629- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ.
س: ..........؟
ج: الظاهر للتأكيد، يعني بيان حكمه، يعني أول الإشارة إلى قصة المرأة التي شرب النبيُّ من سقائها، وأن هذا للكراهة، وإلا هو مفهوم مما تقدَّم، الاختناث: الشرب من فيها، فيكون معنى الثاني: هذا باب الشرب من فم السقاء، يعني حكمه، وأن حكمه الكراهة، بدليل أنه وجد منه الشرب ﷺ في بعض الأحيان. أيش قال الشارحُ عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ) الْفَمُ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ: (مِنْ فِي السِّقَاءِ)، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا، قَالَ ابنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يَقْنَعْ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِصُورَةِ الِاخْتِنَاثِ، فَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ يَعُمُّ مَا يُمْكِنُ اخْتِنَاثُهُ وَمَا لَا يُمْكِنُ: كَالْفَخَّارِ مَثَلًا.
[5627] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَالَ لَنَا عِكْرِمَةُ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السّخْتِيَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ.
قَوْلُهُ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو هُرَيْرَةَ) فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلًا: فَقُلْنَا: نَعَمْ، أَوْ فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا، أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة، وَوَقع فِي رِوَايَة ابن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ) هُوَ شَكٌّ من الرَّاوِي، وَكَأَنَّهُ من سُفْيَان، فقد وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِالْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: مِنْ فِي السِّقَاءِ، وَفِي رِوَايَة ابن أَبِي عُمَرَ عِنْدَهُ: مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَن يَمْنَعَ جَارَهُ .. إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَظَالِمِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَذْكُر إلَّا شَيْئَيْنِ، فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ فَاخْتَصَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ، أَوْ أَقَلُّ الْجَمْعِ عِنْدَهُ اثْنَانِ.
قُلْتُ: وَاخْتِصَارُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِسْيَانًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، فَذَكَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَزَادَ النَّهْيَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا.
وَفِي "مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ" أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّهْيَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ أَوِ الْقِرْبَةِ، وَقَالَ: هَذَا آخرهَا، وَالله أعلم.
[5628] قَوْله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ) زَادَ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ: قَالَ أَيُّوبُ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِزِيَادَتِهِ، وَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ راويها لم يسمّ، وَلَيْسَت مَوْصُولَة، لَكِن أخرجهَا ابن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِنَحْوِ الْمَرْفُوعِ، وَفِي آخِرِهِ: وَإِنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ النَّهْيِ إِلَى سِقَاءٍ فَاخْتَنَثَهُ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ حَيَّةٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ النَّهْيِ، بِخِلَافِ مَا تقدم من رِوَايَة ابن أَبِي ذِئْبٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ النَّهْيِ.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ النَّهْيِ، فَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ النَّهْيِ، ثُمَّ وَقع أَيْضًا بَعْدَ النَّهْيِ تَأْكِيدًا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ، لَا لِلتَّحْرِيمِ. كَذَا قَالَ، وَفِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ؛ لِمَا سَأَذْكُرُهُ، فقد نقل ابن التِّينِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ الشُّرْبَ مِنْ أَفْوَاهِ الْقِرَبِ، وَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ نهي، وَبَالغ ابن بَطَّالٍ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ ابنُ الْمُنِيرِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْمِلُ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى التَّحْرِيمِ. كَذَا قَالَ، مَعَ النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ نَهْيٌ، فَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى، وَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ هَذَا النَّهْيِ لِلتَّنْزِيهِ أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، قُلْتُ: لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إِلَّا مِنْ فِعْلِهِ ﷺ.
الشيخ: والمقصود أنَّ الأصل هو النَّهي، والأصل فيه التَّحريم، فلما جاء شربه ﷺ من في السقاء في بعض الحاجات دلَّ على النهي للكراهة، لا للتحريم الذي فيه الإثم؛ لأنه من باب الأدب، ومن باب الحماية للإنسان مما يضرُّه، فيكون هذا من باب الكراهة، ومن باب التوجيه إلى الخير والمصلحة، فإذا دعت الحاجةُ إلى الشرب من في السقاء زالت الكراهة.
بَاب النَّهْيِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الإِنَاءِ
5630- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ.
الشيخ: يعني من الخلاء، نعم. 
بَاب الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ
5631- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاثًا.
الشيخ: كان يتنفس ..... ويقول: إنه أهنأ وأمرأ ﷺ.
 
بَاب الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ
5632- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ، فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَانَا عَنِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَقَالَ: هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ.

الشيخ: وهذا يدل على تحريم استعمال الحرير والديباج للرجال، وأنه مما يتعلق بالنساء، وهكذا الذهب والفضَّة لا يجوز استعمالهما في الأواني ونحوها، ولكن يجوز التَّحلي به للنساء خاصةً، أما الأواني فظاهر الحديث المذكور وما جاء في معناه التحريم على الجميع: على النساء والرجال جميعًا، وقال: هو لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة يعني للكفار، هذا يعمُّ الرجال والنساء، ليس للرجل ولا المرأة الشرب بالفضة، ولا بالذهب من باب أولى، وقد جاء في رواية مسلم: أن الذي يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يُجرجر في بطنه نار جهنم. من حديث أم سلمة.
وفي هذا أن حذيفة رمى الخادم بالكأس الذي جاء به من الفضَّة، وقال: "إني فعلتُ هذا لأني قد نهيتُه فعاد" من باب الأدب، كيف يعود لشيءٍ قد نُهي عنه؟! ففي هذا دلالة على تأديب الخادم إذا أخطأ في مثل هذا، وأنه لا ينبغي إقراره على الخطأ، بل يجب التنبيه.
وقد يسأل سائلٌ ويقول: لم أقرّ حذيفة وجود الإناء؟ لم لم يقضِ عليه من أساسه حتى لا يوجد؟ حتى لا يغلط مرةً أخرى؟ لأنه لا يجوز الشرب في أواني الذهب والفضة، ولا يجوز اتِّخاذها في البيت؛ لأنَّ اتخاذها وسيلة إلى استعمالها.
والجواب عن هذا: لعله أن يقال أنها بقيت لبيعها أو لأسبابٍ أخرى اقتضت وجودها وقتًا ما، وإلا فليس من شأن حذيفة أن يقرّها في البيت، لكن لعلها وجدت لأسبابٍ؛ لأنها ستُباع، أو لأنها من غنيمة ستقسم، أو أشباه ذلك، أيش قال الشارحُ عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، بَعْدَهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ قَافٌ، هُوَ كَبِيرُ الْقرْيَة بِالْفَارِسِيَّةِ.
وَوَقع فِي رواية أحمد: عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ: اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ مِنْ دِهْقَانٍ أَوْ عِلْجٍ.
وَتَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيق سيف، عَن مُجَاهِد، عَن ابن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ.
قَوْلُهُ: (بِقَدَح فِضَّةٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْصٍ -شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ- بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَابٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ.
قَوْلُهُ: (فَرَمَاهُ بِهِ) فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: فَحَذَفَهُ بِهِ، وَيَأْتِي فِي الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ: فَرَمَى بِهِ فِي وَجْهِهِ.
وَلأَحْمَد من رِوَايَة يزِيد، عَن ابن أَبِي لَيْلَى: مَا يَأْلُو أَنْ يُصِيبَ بِهِ وَجْهَهُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ -وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ- فَرَمَاهُ بِهِ فَكَسَرَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ: لَمْ أَكْسِرْهُ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ.
وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَاعْتَذَرَ.
وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ: لَوْلَا أَنِّي تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ أَفْعَلْ بِهِ هَذَا.
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: إِنِّي أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَسْقِيَنِي فِيهِ. وَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ مَزِيدٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ) سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ التَّصْرِيحُ بِبَيَانِ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِهِمَا، وَفِيهِ بَيَانُ الدِّيبَاجِ مَا هُوَ.
قَوْلُهُ: (وَالشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَقَعَ فِي الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ: لَا تَشْرَبُوا، وَلَا تَلْبَسُوا. وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَكَمِ، كَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَنْ حُذَيْفَةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الشُّرْبِ.
وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد، عَن ابن أَبِي لَيْلَى بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا، وَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُنَّ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) كَذَا فِيهِ بِلَفْظِ: هُنَّ، بِضَمِّ الْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ -شَيْخ الْبُخَارِيِّ فِيهِ- بِلَفْظِ: هِيَ، بِكَسْرِ الْهَاءِ، ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ: هُوَ، أَيْ: جَمِيعُ مَا ذَكَرَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فِي الدُّنْيَا إِبَاحَةَ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: لَهُمْ أَيْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُ مُخَالَفَةً لِزِيِّ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْ تَسْتَعْمِلُونَهُ مُكَافَأَةً لَكُمْ عَلَى تَرْكِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُمْنَعُهُ أُولَئِكَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ بِاسْتِعْمَالِهِ.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لَا يَتَعَاطَاهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ، بَلْ وَقَعَ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ مَا سَأُبَيِّنُهُ فِي الَّذِي قبله.
الشيخ: لعلها بعده.
 
بَاب آنِيَةِ الفِضَّةِ
5633- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ.
5634- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ.

الشيخ: كما تقدَّم، وزاد مسلم: والذهب.
5635- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ -أَوْ قَالَ: آنِيَةِ الفِضَّةِ- وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَالقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ".

الشيخ: لا خيرَ إلا دلَّ عليه، ولا شرَّ إلا حذَّر منه، اللهم صلِّ عليه وسلم.
بَاب الشُّرْبِ فِي الأَقْدَاحِ
5636- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الفَضْلِ، عَنْ أُمِّ الفَضْلِ: أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ.

الشيخ: والقدح يكون من الخشب ولا بأس، الأصل في هذا الباب جواز الأواني من كل شيءٍ، هذا هو الأصل: من الحجر، ومن الطين، ومن الخشب، ومن الحديد، ومن النحاس، والصفر، لكن لا يجوز من الذهب والفضَّة خاصةً، مستثنى، وإلا فالأصل جواز الأواني من كل جنسٍ، ومن كل مادةٍ.
س: ولو كانت أغلى من الذهب؟
ج: ولو.
س: ............؟
ج: ولو، ما يجوز للزينة؛ لأنَّ الزينة وسيلة إلى الشرب فيها، والشريعة جاءت بسدِّ الذرائع، ثم قوله: هما لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة يدل على أنه ليس لنا تعلّق فيها بالكلية، بل هي للكفار، بمعنى أنهم يستحلُّونها ويستعملونها، أما المسلم فلا، ويدخل في هذا الملاعق والأطباق: أطباق الشاي، وأطباق القهوة، والملاعق التي يُؤخذ بها المرق، وأشباه ذلك، كلها نوع من الأواني.
س: ............؟
ج: اختلفوا في هذا: منهم مَن قال أنَّ فيها كسرًا لقلوب الفقراء، ومنهم أنَّ فيها قهرًا .....، نعم، أيش قال عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ، أَوْ قَالَ: فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْبَرَاءِ: فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: مَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الدُّنْيَا لم يشرب فيهمَا فِي الْآخِرَةِ، وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّبَاسِ مِنْهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، وَلَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهَا فِي شَيْءٍ.
الشيخ: يعني: الشرب والأكل.
الطالب: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَيُلْحَقُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا، مِثْلُ: التَّطَيُّبِ، وَالتَّكَحُّلِ، وَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ.
وَأَغْرَبَتْ طَائِفَةٌ شَذَّتْ فَأَبَاحَتْ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ التَّحْرِيمَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ.
الشيخ: واختلف في علَّة المنع؛ لأن التَّكحل والتَّطيب من جنس الشرب والأكل، بل من باب أولى؛ لأن حاجة الناس إلى الشرب والأكل كما الحاجة هنا إلى التَّكحل والتَّطيب في الأواني، التَّكحل: جعل الأواني مكاحل من الذهب والفضة، أو جعل قوارير للطيب ملحق بأواني الأكل والشرب من باب أوْلى.
الطالب: فَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى عَيْنِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: هِيَ لَهُمْ، وَ إِنَّهَا لَهُمْ، وَقِيلَ: لِكَوْنِهِمَا الْأَثْمَان، وقيم الْمُتْلفَات، فَلَو أُبِيح استعمالهما لَجَازَ اتِّخَاذُ الْآلَاتِ مِنْهُمَا، فَيُفْضِي إِلَى قِلَّتِهِمَا بِأَيْدِي النَّاسِ، فَيُجْحَفُ بِهِمْ، وَمَثَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِالْحُكَّامِ الَّذِينَ وَظِيفَتُهُمُ التَّصَرُّفُ لِإِظْهَارِ الْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَوْ مُنِعُوا التَّصَرُّفَ لَأَخَلَّ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ، فَكَذَا فِي اتِّخَاذِ الْأَوَانِي مِنَ النَّقْدَيْنِ حَبْسٌ لَهُمَا عَنِ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا جَوَازُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ مِنَ النَّقْدَيْنِ، وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ.
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الرَّاجِحَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو عَلِيٍّ السَّنْجِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ.
وَقِيلَ: عِلَّةُ التَّحْرِيمِ السَّرَفُ وَالْخُيَلَاءُ، أَوْ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْأَوَانِي مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَغَالِبُهَا أَنْفَسُ وَأَكْثَرُ قِيمَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَمْ يمْنَعهَا إِلَّا مَن شَذَّ، وَقد نقل ابنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ بَعْدَهُ، لَكِنْ فِي زَوَائِدِ الْعُمْرَانِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ نَقَلَ وَجْهَيْنِ.
وَقِيلَ: الْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ التَّشَبُّهُ بِالْأَعَاجِمِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِثُبُوتِ الْوَعِيدِ لِفَاعِلِهِ، وَمُجَرَّدُ التَّشَبُّهِ لَا يَصِلُ إِلَى ذَلِكَ.
وَاخْتُلِفَ فِي اتِّخَاذِ الْأَوَانِي دُونَ اسْتِعْمَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ فِي مَنْعِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ غَرَامَةُ أَرْشِ مَا أُفْسِدَ مِنْهَا، وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا.
الشيخ: يكفي، يكفي، نعم.
بَاب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ ﷺ وَآنِيَتِهِ
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ لِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلامٍ: "أَلا أَسْقِيكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ؟".
5637- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ امْرَأَةٌ مِنَ العَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَدِمَتْ، فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى جَاءَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُّ ﷺ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي، فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لا، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَاءَ لِيَخْطُبَكِ، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْقِنَا يَا سَهْلُ، فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا القَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ. فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ القَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ.
5638- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: "لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي هَذَا القَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا"، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَتَرَكَهُ.
 
بَاب شُرْبِ البَرَكَةِ وَالمَاءِ المُبَارَكِ
5639- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هَذَا الحَدِيثَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ حَضَرَتِ العَصْرُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى أَهْلِ الوُضُوءِ، البَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ المَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لا آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ، قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِئَةٍ.
الشيخ: وهذه من آيات الله ومعجزات رسوله عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] سبحانه وتعالى، هذه من آيات الله الدالة على قُدرته العظيمة، وأنه يقول للشيء: كن، فيكون، ومن مُعجزات هذا النبي العظيم الدالة على صدقه، وأنه رسول الله حقًّا، وهو ماء مبارك، الذي نبع من بين أصابعه هو ماء مبارك، كما أن زمزم ماء مبارك.
ولهذا احتجَّ به العلماء على أنه لا بأسَ بالوضوء من زمزم، والاستنجاء منها، وغسل الثياب، وإن كان ماء مباركًا، كما أن الماء الذي نبع من بين أصابع النبي ماء مبارك طيب، ومع هذا يتوضأ به، ويستنجى به، وتُغسل به الثياب ولا بأس، ولهذا قال: البركة من الله تنبيه، تنبيه لئلا يظنّ ظانٌّ أنها منه عليه الصلاة والسلام، وأن هذا من الله، تُطلب منه البركة جلَّ وعلا.
س: ............؟
ج: ما أعلم فيها إلا الخاتم، وقبيعة السيف، ونحوه، ما أعلم فيه غير هذا، الأواني ممنوعة، ما في إلا الخاتم للرجال، أو ما يتعلق بقبيعة السيف ونحوه ......
 
تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ حُصَيْنٌ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ: "خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً". وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرٍ.
الشيخ: وهذا يُشير إلى أنه كان يوم الحديبية؛ لأنهم كانوا ألفًا وخمسمئة، أو ألفًا وأربعمئة وكسور، فالألف والأربعمئة حذف الكسر، ومَن جبر قال: ألف وخمسمئة، جبر الكسر، نعم ..........
وقصة نبع الماء من بين أصابعه من آيات الله، ونبع الماء من الحجر لبني إسرائيل، دون هذا نبع الماء من الحجر من الجبال معروف، لكن من بين أصابعه هذا شيء عظيم .. كان فيه فضلة ماء، أصابعه فيها ماء، وبورك في هذا الماء حتى صار يفور من بين أصابع النبي ﷺ.
الظاهر أنه من هذا الماء الموجود، ما هو من داخل الجسم، من هذا الماء الموجود، يعني: بارك الله في هذا الماء الموجود، فعل النبي هكذا بالقدح وهو صغير قدر يده، فجعل يفور هذا الماء من بين أصابعه من هذا الماء الموجود في القدح.