بَاب التَّلْبِينَةِ
5417- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ.
الشيخ: تكلَّم عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (بَاب التَّلْبِينَةِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَسُكُونِ اللَّامِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ نُونٌ، طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نُخَالَةٍ، وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهَا عَسَلٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشَبَهِهَا بِاللَّبَنِ فِي الْبَيَاضِ وَالرِّقَّةِ، وَالنَّافِعُ مِنْهُ مَا كَانَ رَقِيقًا نَضِيجًا، لَا غَلِيظًا نِيئًا.
وَقَوْلُهُ: [5417] «مَجَمَّةٌ» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: مَكَانُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَرُوِيَتْ بِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ: مُرِيحَةٌ، وَالْجِمَامُ بِكَسْرِ الْجِيمِ: الرَّاحَةُ، وَجَمَّ الْفَرَسُ: إِذَا ذَهَبَ إِعْيَاؤُهُ، وسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي كِتَابِ "الطِّبِّ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
بَاب الثَّرِيدِ
5418- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الجَمَلِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ.
الشيخ: يُقال: "كمَل وكمُل" تُفتح الميم وتُضم.
الشيخ: تكلَّم على فضل عائشة؟
الطالب: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي عَنْ أبي مُوسَى وَأنسٍ فِي فضل عَائِشَة، وَقد تَقَدَّمَا فِي الْمَنَاقِبِ، وَفِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذِكْرِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَفِي تَرْجَمَةِ مَرْيَمَ.
وَالْجَمَلِيِّ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، نِسْبَةً إِلَى بَنِي جَمَلٍ -حَيٌّ مِنْ مُرَادٍ- وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ هُنَاكَ، وَتَقْرِيرُ فَضْلِ الثَّرِيدِ، وَوَرَدَ فِيهِ أَخَصُّ مِنْ هَذَا؛ فَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْبَرَكَةِ فِي السُّحُورِ وَالثَّرِيدِ". وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ –رَفَعَهُ: الْبَرَكَةُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْجَمَاعَةِ، وَالسُّحُورِ، وَالثَّرِيدِ، وَأَبُو طُوَالَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حزم.
5419- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.
5420- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا حَاتِمٍ الأَشْهَلَ بْنَ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ.
س: وصف الكامل لبعض الرجال من حديث: كمل من الرجال كثير؟
ج: يعني: الذي يليق ببني آدم كمال بني آدم من الحلم والتقوى والاستقامة، ابن آدم لا بدّ فيه من نقصٍ، لكن الكمال نسبي في بني آدم، أما الكمال الحقيقي فلله وحده سبحانه.
بَاب شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ، وَالكَتِفِ وَالجَنْبِ
5421- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، قَالَ: "كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ".
5422- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".
الشيخ: الله يعفو عنا وعن كلِّ مسلمٍ، نسأل الله العفو، قد وسّع لنا من الدنيا ما وسّع، نسأل الله السلامة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.
بَاب مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ
فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: "صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً".
5423- حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ؟ قَالَتْ: "مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الغَنِيُّ الفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ"، قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ".
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ بِهَذَا.
الشيخ: والمعنى: أنَّ هذا في عام دفَّت فيه دافّة من الفقراء، فأمرهم النبيُّ ﷺألا يدَّخروها فوق ثلاثٍ، وأن يُوزِّعوا على الفقراء لحوم الأضاحي، ثم نسخ ذلك وبيَّن لهم ﷺ أنَّ هذا شيء مُؤقَّت، فقال: كلوا وادَّخروا، فلا بأس أن يدَّخر الإنسانُ من لحوم ضحاياه وهداياه لأيامٍ؛ يأكل ويطعم ويدَّخر، لا بأس، وهكذا كان النبيُّ ﷺ يدَّخر قوتَ سنةٍ لأهله لما أفاء الله عليه يوم بني النَّضير، كان يعزل نفقةَ أهله سنةً، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح، فلا مانع أن يدَّخر الإنسانُ حاجات بيته، وحاجات ضيفه، وحاجات أسفاره، ونحو ذلك.
5424- حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الهَدْيِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ".
تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ، عَن ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ: "حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ"؟ قَالَ: لا.
الشيخ: يعني: هدي التمتع والقِران الإنسانُ يأكل منه ويتزود للطريق للرجوع، أما الهدايا التي تُذبح عن واجبٍ أو فعل محظورٍ فهذه مثلما قال الله جلَّ وعلا: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] تُقسم على الفقراء والمساكين في الحرم، مثل: الهدي عن ترك الرمي، عن ترك المبيت في مُزدلفة، وأشباه ذلك عن فعل محظورٍ: عن قتل صيدٍ، فهذا يُوزع في الفقراء والمساكين في الحرم، ولا يأكل منها، ولا يتزود، بخلاف لحم الهدي: هدي التمتع، وهدي القران، وهدي التطوع –الضحايا- يأكل ويتزود ما شاء.
س: أيش الراجح في المبيت في مُزدلفة؟
ج: الصحيح أنه واجب، ليس بركنٍ، ولا بسنةٍ، الأقوال ثلاثة: ركن، واجب، سنة، والوسط هو الأرجح.
س: لو أخرجها من الحرم كلها، لو كانت لحوم كثيرة وأخرجها كلها؟
ج: يُوزع منها ما تيسر هنا وهناك، وإن أُخرجت كلها لا بأس لو أعطاها الفقراء أو أكلها بعضُ أهل العلم، يرى ..... بعض الشيء اليسير في الضَّحية.
س: .............؟
ج: ما نعلم فيه مانعًا إلا إن كان فقراء الحرم محتاجين يبدأ بهم.
بَاب الحَيْسِ
5425- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو -مَوْلَى المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ- أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي طَلْحَةَ: التَمِسْ غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَمَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.
بَاب الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ
5426- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ القَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ -كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا- وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَنَا فِي الآخِرَةِ.
الشيخ: وهذا واضحٌ في تحريم استعمال أواني الذهب والفضة، وأنها للكفار لا للمسلمين؛ لأنهم يستحلُّونها في الدين، أما المسلمون فهي لهم مُدَّخرة في دار النعيم، في دار الكرامة، وأما هنا فليس لهم الشرب في الذهب والفضة، ولعلَّ الحكمة في ذلك أنها تُقسي القلوب وتُمرضها وتُرغبها في الدنيا تشبهًا بالكفرة، وذكر بعضُ أهل العلم أيضًا أن من ذلك أنها تكسر قلوب الفقراء إذا رأوها تُستعمل، وهم في حاجةٍ إلى النقود، فهذا مما يُؤلم ويُؤذي.
فالمقصود أن الرسول أخبرنا أنها للكفرة، فلا ينبغي للمؤمن أن يتشبَّه بهم في هذه الرفاهية، يدخل فيها الملاعق والأكواب -أكواب الشاي والقهوة- كلها أوانٍ فلا يجوز استعمالها من الذهب والفضَّة.
وأما كون حُذيفة رماه بالإناء بيَّن علَّته: يقول: إني قد نهيتُه أن يسقيني في شيءٍ من الذهب والفضَّة، فلهذا رماه به؛ من باب العقوبة، من باب التأديب لما جاءه بماءٍ في إناء من الفضة أو الذهب، ولعلها بقيت عندهم لأسبابٍ: سوف تكسر، أو تُباع على الكفرة، أو لأسبابٍ بقيت عند حذيفة، حذيفة كان في العراق.
س: المجوسي كان خادمًا له؟
ج: المجوسي كان خادمًا عنده، الظاهر أنه خادم؛ لأنه مقر بالجزية، كانوا يخدمونهم في العراق، ليس من الجزيرة.
س: في الحديث: "كأنه يقول: لم أفعل هذا"؟
ج: لم أفعل هذا، لولا أني نهيتُه ما رميتُه بالكأس، يعني: قد نهيتُه لكن لم يمتثل، لم يتأدَّب، كأنه استنكر عليه الحاضرون: كيف يرميه بالكأس؟ من حلمٍ عليه، فأراد أن يُبين لهم أني ما رميتُه إلا لأني قد تقدمتُ إليه سابقًا ألا يأتي بهذا.
بَاب ذِكْرِ الطَّعَامِ
5427- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لا رِيحَ لَهَا، وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ.
الشيخ: يعني: خراب المنافق، خراب، يتظاهر بالإسلام وهو خراب، فلا ريحَ طيبة، ولا داخل طيب، كالحنظلة، مُرٌّ، خبيث، وليس له ريح لأنه لا قراءةَ له، ولا إيمانَ له.
أما المؤمن القارئ: فداخله طيب، وظاهره طيب، كالأُترجة: طعامها طيب، وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن كالتمرة: طعمها طيب، صاحب إيمانٍ وهدى واستقامة، لكن لا يقرأ القرآنَ، فلهذا لا ريحَ له، فالقرآن هو الذي يظهر به المؤمن بين الناس كالريح الطيبة: يُعلّم ويقرأ ويُوجه الناس إلى الخير ويُرشدهم، الله المستعان.
5428- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.
5429- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ.
الشيخ: وهذا واضحٌ بيِّنٌ، والمقصود من السفر قضاء الحاجات، معلومٌ أنه يُتعب، ولا سيما في الصيف أكثر، وفي البرد أيضًا يُتعب: يمنعه راحته، يمنعه نومه المعتاد، يمنعه طعامه المعتاد، يمنعه حاجاته التي كان يتمتع بها في حضرة الإقامة: من تعليم، من نشر العلم، من غير ذلك، فإذا قضى نهمته فينبغي أن يعجل بالرجوع إلى أهله؛ حتى يستدرك ما له من الأعمال التي يقوم بها في إقامته.
بَاب الأُدْمِ
5430- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الوَلاءُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ، وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ البَيْتِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ لَحْمًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَهْدَتْهُ لَنَا، فَقَالَ: هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا، وَهَدِيَّةٌ لَنَا.
الشيخ: وهذا حديث بريرة ألَّف فيه بعضُ العلماء مُؤلَّفًا لاستنباط ما فيه من الأحكام، ولكن هذه الثلاث من أظهر ما فيه من الفوائد، وفيه فوائد أخرى كثيرة؛ لهذا ألَّف فيه بعضُ أهل العلم.
وبريرة كانت مملوكةً لبعض الأنصار، فباعوها على نفسها؛ كاتبوها بتسع أواقٍ، في كل عام أوقية، فجاءت إلى عائشة تستعينها في الثمن، فقالت عائشة: "إذا أراد أهلُك أن أعدَّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلتُ"، فقالوا: لا، يكون الولاء لنا، فسألت النبيَّ ﷺ فقال: لا، الولاء لمن أعتق، فاستقرت هذه السنة، وعلمت بأسبابها، وأن الولاء لمن أعتق عن كتابةٍ أو عن غيرها، فالولاء له.
كذلك خيارها بين زوجها وبين الفراق: كانت تحت العبد، فلما عتقت خُيِّرت، فهذه فائدة عظيمة: أن الجارية إذا عتقت تحت المملوك يكون له الخيار، وكان زوجها مُغيث عبدًا أسود مملوكًا، وكان يُحبها كثيرًا، فاختارت نفسها ولم ترضخ لبقائها معه، فلما رأى النبيُّ ﷺ حُبَّه له وبكاءه الكثير شفع إليها لعلها تُراجعه، فقالت: "لا حاجة لي فيه"، قالت: "تأمرني أو تشفع؟" قال: بل أشفع، قالت: "لا حاجة لي فيه".
والسنة الثالثة: مسألة اللحم: أُهدي لها لحم، تُصدِّق عليها بلحمٍ من زكاةٍ، فقال النبيُّ ﷺ: هو عليها صدقة، ولنا منها هدية، فهذه سنة عظيمة أيضًا، الإنسان إذا أعطى الفقراء زكاةً له أن يأكل من طعامهم ضيافةً أو هديةً من الفقراء لا بأس، فإذا أعطيتَ مثلًا جارًا لك من الفقراء شاةً أو ناقةً أو تمرًا أو غير ذلك من الزكاة، ثم دعاك إلى وليمةٍ، أو دعا الجيران وأنت معهم فأكلتَ منها فلا بأس؛ لأنها بلغت محلها، صارت مالًا له، فهي صدقة منك عليه، وهي هدية منه لصاحب الزكاة، هدية أو ضيافة، لا حرج.
وفي هذا فوائد أخرى: بيع التأجيل: أن أبيعك إلى أجلٍ مقسطٍ، وأقره النبيُّ ﷺ، دلَّ على جواز بيع التقسيط، وأنه لا بأس أن يُباع المتاع والعقار إلى آجالٍ كثيرةٍ بأقساطٍ، كما بيعت بريرة بأقساطٍ، فإنها بيعت بثلاثمئة وستين درهمًا، كل سنة أربعون درهم، تسع أواقٍ، فهذه مقسطة على تسعة آجالٍ، فأقرَّها النبيُّ ﷺ.
س: ولو زيد الثَّمن بالتقسيط؟
ج: ولو زيد نعم، لا بدّ أن يُزاد في الغالب، بيع الآجل غير بيع النقد، إذا صار الشيء يُباع بالنقد بألف، يُباع بالأجل بألفين، ثلاثة بالآجال، الأجل يُزاد لا حرج فيه عند أهل العلم.
س: الراجح في الصَّدقة على بني هاشم؟
ج: يُعطون من الصدقة غير الزكاة، الزكاة لا تنبغي لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناس يقول النبيُّ ﷺ، لكن بعض أهل العلم قال: إذا اضطروا إليها جاز، إذا لم يُعطوا من بيت المال ما يكفيهم، ولكن في النفس منه شيء، الأولى بهم أن يتنزَّهوا عنها، ويلتمسوا الأعمال الحرة والعمل والكسب حتى يستغنوا عنها.
بَاب الحَلْوَاءِ وَالعَسَلِ
5431- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ".
5432- حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الفُدَيْكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ ﷺ لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لا آكُلُ الخَمِيرَ، وَلا أَلْبَسُ الحَرِيرَ، وَلا يَخْدُمُنِي فُلانٌ وَلا فُلانَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْنِي بِالحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهِيَ مَعِي؛ كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا".
الشيخ: هذا أخو علي ، كان أقام في المدينة سنة سبعٍ وبعض سنة ثمانٍ لما قدم من الحبشة، كان من الأجواد والكُرماء ، ثم سافر في غزوة مؤتة، وكان هو أحد الأمراء، فقُتل شهيدًا في مُؤتة على يد الروم، وكان من الأجواد والأخيار والمحسنين للفقراء ورحمه.
بَاب الدُّبَّاءِ
5433- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْكُلُهُ.
الشيخ: والدّباء هو القرع كما هو معروف.
بَاب الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لِإِخْوَانِهِ
5434- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ، قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أَوْ يَدَعُوا.
الشيخ: وهذه الترجمة في تكلف المسلم لإخوانه الطعام والوليمة، استنبطه المؤلفُ والله أعلم من كون الداعي حدَّد قال: "خامس خمسة"، هذا التَّحديد يدل على أنَّ هناك تكلُّفًا وحاجةً، ولو كانت هناك سعة ما كان هذا التَّحديد، لكن لما حدَّد وقال: "خامس خمسة" يدل على أنَّ الحاجة شديدة، وأن هناك شيئًا من التَّكلف في إعداد هذا الطعام، وكان المسلمون في المدينة أصابهم جهدٌ وشدَّة وحاجة عظيمة، حتى التمر قد لا يتيسر بسبب كثرة القوم المهاجرين، وقلَّة الأزودة التي في المدينة، وقلّة الجلب، وقلة النقود أيضًا والعمل.
فالحاصل أنهم أصابهم جهدٌ عظيم فصبروا واستقاموا وجاهدوا على ما عندهم من الضعف والشدة، وتقدم لك أن النبي ﷺ في بعض الأيام قسم بينهم تمرًا، أعطى كل واحدٍ سبع تمرات، قال أبو هريرة: فكانت فيها حشفة، فكانت أعجبها إليَّ؛ لأنها شدّت مضاغي، يعني ..... لقوتها.
وتقدمت قصة السرية التي ذهبت إلى الساحل مع أبي عبيدة بن الجراح، وأنهم زُوِّدوا بتمرٍ، فكان في آخر الأمر قلَّ التمر حتى صار يُعطيهم واحدةً واحدةً، تمرة تمرة، فقال الراوي يسأل جابرًا: يا فلان، ما كانت تفعل هذه التَّمرة؟ قال: "لقد وجدنا فقدها لما فُقدت"، حتى يسَّر الله لهم الحوتَ العظيم الذي هو العنبر على ساحل البحر، فأطعمهم الله إياه، واستقاموا عليه مدةً حتى عادت إليهم أبدانهم من بعد الجوع الشديد.
بَاب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ
5435- حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ النَّضْرَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ غُلامًا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَأَقْبَلَ الغُلامُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ أَنَسٌ: لا أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ مَا صَنَعَ.
الشيخ: وهذا يُفيد أنه لا بأس بذلك، وليس من اللازم أن يأكل المضيف مع ضيفه، إن أكل فهذا حسن، له فضله في المحادثة والمؤانسة، ولا سيما المضيف إذا كانت له أهمية، فإن مُؤانسته للضيف وأكله مع الضيف فيها فائدة كبيرة، وإن وجد ما يقتضي عدم المشاركة؛ لزحمةٍ، أو لأسبابٍ أخرى فلا بأس.
وفي هذا أن المضيف لم يأكل معهم، بل رجع إلى عمله –خياط- قدَّم القصعة للنبي ﷺ ورجع إلى عمله وهو الخياطة، ولم يقل له النبيُّ شيئًا عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أنه لا بأس أن يرجع المضيف إلى العمل إن كان خياطًا أو نجارًا أو شبه ذلك، أو في حرثٍ –فلاحة- فقدَّم الطعام ورجع إلى حاجةٍ في شأنه فلا بأس.
وهذا الغلام يحتمل أنه مملوكٌ للنبي ﷺ، وهو الظاهر؛ أنه في بيتٍ مستقلٍّ مع أهله، في بيتٍ مستقلٍّ يخيط، يعمل، ويحتمل أنه عتيق يُسمَّى: غلامًا بناءً على الأصل، وهو أنه كان غلامًا ثم أعتق.
المقصود أنَّ هذا كان في بيتٍ مستقلٍّ، وكان خيَّاطًا، وكان غلامًا للنبي ﷺ، يعني: ظاهره أنه كان مملوكًا، وأقرَّه النبيُّ ﷺ في بيتٍ مُستقلٍّ، وكان ربما دعا النبيَّ ﷺ إلى الطعام، ويحتمل أن يكون غلامًا بالأصل وهو عتيق استقلَّ بنفسه.
س: ما ورد من النَّهي في التَّكلف للضيف صحيح؟
ج: ما أتذكر فيها شيئًا إلا قوله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86].
على كل حالٍ، النصوص إذا تأمَّلها المؤمنُ يظهر منها أنه لا ينبغي التَّكلف، وأنه ينبغي للمسلمين فيما بينهم أن يتسامحوا؛ حتى تحصل المودة، ويحصل التعاون والتَّزاور، أما مع التَّكلف فيقلّ ذلك، والواقع من فعل الصحابة يدل على هذا، وسمعت قصة عتبان بن مالك: دعا النبيَّ يُصلي في بيته، والمسافة بعيدة، ولم يصنع إلا عصيدة، عصيدة قدَّمها لهم، حريرة، والعصيدة تقدَّم لكم بيانها، وأنها عصيدة من الدقيق يُلقى فيها بعض الأحيان شيء من الشحم، وبعض الأحيان تُلقى فيها قطع صغيرة من اللحم، هذا معروف عند أهل نجد أيضًا، من قديم يصنعون هذه العصائد، يجعلون فيها شيئًا من الدهن –الشحم- أو شيئًا من اللحم القليل، قطعًا قليلة.
وهذا ..... فيما مضى .. في حالة المدينة من كل الوجوه، لا من جهة أنهم يعيشون على التمر، ولا من جهة الطعام، وأنه طعام خفيف، وأنه من الحنطة، وأنه يوضع فيه شيء قليل من الشحم أو من اللحم القليل الذي يُقددونه، كما فعلت العربُ، وهو اللحم الذي ييبس ثم يُؤكل منه قليلًا قليلًا في الطعام، كان هذا معروفًا في أول هذا القرن -في أول القرن الرابع عشر الماضي وفيما قبله- فيما ذكره العارفون بنجدٍ، لكن اتسعت الدنيا على الناس، كما اتسعت عليهم في عهد بني أمية، وعهد بني العباس، واتسعت هنا في النصف الأخير من القرن الماضي، وفي هذا الوقت.
تكلم على الغلام؟
الطالب: قَوْلُهُ: (أَنْ خَيَّاطًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ غُلَامَ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا دَعَاهُ.
الشيخ: رواية "مولى" تدل على أنه عتيق، إن ثبتت فهي تدل على أنه عتيق سُمي: غلامًا بالأصل، يعني: كان غلامًا ثم أعتق.
الطالب: ................
الشيخ: عندكم "مولى" في نفس الصحيح؟
الطالب: في نفس الرواية التي قبل ترجمة الباب، في باب الدباء: أن مولًى له خيَّاطًا.
الشيخ: هذا صريح في أنه عتيق، وهو أشبه العتيق، أشبه بأن يكون له منزل، ويكون له عمل المملوك، في الغالب يكون تبعًا للبيت، في بيوت النبي ﷺ.
بَاب المَرَقِ
5436- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ.
الشيخ: وهذا يُفسِّر ما تقدم، الروايات تُفسر بعضها بعضًا، رواية "مولى" فسَّرت غلامًا، ورواية هنا "خبز شعير ومرق فيه دباء وقديد" فسَّرت الطعام المقدم، وأن الطعام المقدم كان من خبز الشعير، ولا يقدم خبز الشعير إلا من الحاجة، كذلك الدباء والقديد، لو كانت هناك سعة لكان الطعام أكثر من هذا.
بَاب القَدِيدِ
5437- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ يَأْكُلُهَا".
5438- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَام جَاعَ النَّاسُ، أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الغَنِيُّ الفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثًا".
الشيخ: وهذا تعني به أمره ﷺ في عدم ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ، ..... في سنةٍ واحدةٍ دفت فيها دافّة من الفقراء، فأراد أن الغني يُعطي الفقير، لا يتركوا فقراءهم، ثم رخَّص لهم في الادِّخار حتى كانوا يرفعون الكراع خمسة عشر يومًا.
والقديد: هو الذي يُقدد –يقطع- ويُعلق أو يُملح ويحفظ، المقصود أنه شيء يُقطع من اللحم ويُحفظ للمستقبل، يُسميه بعضُ الناس هنا: القفرة، المقصود أنه شيء يُقدد ويُقطع ويُجعل شرائح، يُعلق على الحبال حتى ييبس، ويُملح، وحتى لا يخيس، ويوقدون به ويأتدمون به مدةً طويلةً، كلما خلص أعدوا غيره، كانت هذه الحالة السابقة.
بَاب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى المَائِدَةِ شَيْئًا
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: لا بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلا يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ المَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى.
الشيخ: يعني: ليس من الأدب هذا، أما إذا كانت المائدة فيها هذا يُناول هذا، وهذا يدفع إلى هذا، وهذا يُلقيه في جنب هذا؛ هذا لا بأس، هذا من المروءة والأدب، ولا سيما إذا كان بعضُهم يستحي، أو ضعيفًا، أو كفيفًا، فيُناولونه بعض الشيء، ويُلقون في طريقه بعض الشيء، هذا من الأدب، ومن كرم الأخلاق، أما أن يروح لمائدةٍ أخرى يأخذ منها فليس من الأدب، المائدة الأخرى لأهلها.
وهذا يُؤخذ من قصة أنس: كان يجمع الدُّبَّاء ويُلقيه بين يدي النبي ﷺ، يُؤخذ منه أن بعض المستديرين على المائدة إذا ناول بعضُهم بعضًا، أو طرح بعضُهم لبعض شيئًا من الموجود على المائدة من اللحم أو الدباء أو شيء آخر لا بأس.
الشيخ: وهذا يُستفاد منه عدم التَّكلف، يعني هذه القصة فيها فوائد كثيرة متعددة، فإن المولى ما تكلَّف، قدَّم الميسور من خبز الشعير والمرقة والقديد والقرع، ولم يتكلَّف، لم يذبح داجنًا، أو شاةً كبيرةً، أو بعيرًا، أو بقرةً، ما تكلَّف، على قدره.
فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَقَالَ ثُمَامَةُ: عَنْ أَنَسٍ: فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
بَاب الرُّطَبِ بِالقِثَّاءِ
5440- حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالقِثَّاءِ.
الشيخ: تكلَّم عليه الشارح؟
الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ الْقِثَّاءِ بِالرُّطَبِ) أَيْ: أَكْلِهِمَا مَعًا، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ بَعْدَ سَبْعَة أَبْوَابٍ: الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ.
[5440] قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
الشيخ: عبدالله بن جعفر هذا ولد في الحبشة، وقدم مع أبيه من الحبشة، ومات النبي ﷺ وهو صغير، وعاش إلى نحو الثمانين من الهجرة.
الطالب: قَوْلُهُ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ" قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فِي الْحَدِيثِ أَكْلُ الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ، وَالتَّرْجَمَةُ بِالْعَكْسِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلْمُلَاصَقَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُصَاحِبٌ لِلْآخَرِ أَوْ مُلَاصِقٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَتِ التَّرْجَمَةُ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَلَى وَفْقِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْنٍ -جَمِيعًا- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، بِلَفْظِ: "يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ" كَلَفْظِ التَّرْجَمَةِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ فِي بَابِ: الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ.
الشيخ: تقدَّم هذا، كذلك فضل أبي هريرة وأنه وزوجته وغلامه يقتسمون الليل أثلاثًا: واحد يقوم الثلث الأول، وواحد يقوم الثلث الوسط، وواحد يقوم الثلث الأخير، فعندهم كلهم مأمور بالعبادة، ولعلَّ هذا لأسبابٍ اقتضت هذا.
الشيخ: لعلَّ هذه واقعة أخرى، أو غلط من بعض الرواة، تقدَّم أنها سبع. انظر عبدالله بن جعفر.
الطالب: تكلَّم عليه العيني.
الشيخ: العيني، أيش قال؟
الطالب: وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب من صغار الصحابة، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولودٍ وُلد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة، وحفظ عن رسول الله ﷺ وروى عنه، وتوفي بالمدينة سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة، وصلَّى عليه أبان بن عثمان -وهو أمير المدينة- وكان يُسمَّى: بحر الجود، يُقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه.
الشيخ: وهكذا أبوه، كان جوادًا كريمًا، رفيقًا بالفقراء، رحيمًا بالفقراء، كما قال أبو هريرة فيما تقدم؛ كان يأخذ الفقراء ويذهب بهم إلى بيته ويُطعمهم، يعني: أباه جعفر كان قُتل في مؤتة سنة ثمانٍ من الهجرة -أحد الأمراء - على هذا يكون قبل الهجرة بعشر سنين، إن مات وهو ابن تسعين سنةً معناه أنه قدم مع أبيه وهو ابن ستّ عشرة سنة، وهو كبير، وما أظن قول العيني هذا جيدًا، كون عمره تسعين حين مات ما أظنه جيدًا، أيش قال في "التقريب"؟
الطالب: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، الهاشمي، أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة، وله صحبة، مات سنة ثمانين وهو ابن ثمانين (ع).
الشيخ: ابن ثمانين هذا أقرب؛ لأنه قدم مع أبيه وهو ابن ست سنين؛ لأنهم قدموا سنة سبع -سنة خيبر- وهو ابن ست سنين، ولهذا قيل: من صغار الصحابة؛ لأنه مات النبيُّ وهو ابن عشر سنين. كذا عندك: تسعين؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ينبغي أن تُعلق عليه: ذكر في "التقريب" أنه توفي سنة ثمانين وعمره ثمانون، يعني: وُلد في أول الهجرة.
بَاب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:25].
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ".
5443- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الجِدَادِ، وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ، فَجَلَسَتْ، فَخَلا عَامًا.
الطالب: عندنا: فجلست نخلًا عامًا.
الطالب: تكلَّم عليه.
الشيخ: نعم.
الطالب: قَوْلُهُ: "فَجَلَسَتْ، فَخَلَّا عَامًا" قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا لِلْقَابِسِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ بِالْجِيمِ وَاللَّامِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَرْوَانَ ابْنُ سِرَاجٍ يُصَوِّبُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، إِلَّا أَنَّهُ يَضْبِطُهَا: فَجَلَسْتُ، أَيْ: بِسُكُونِ السِّينِ، وَضَمِّ التَّاءِ عَلَى أَنَّهَا مُخَاطَبَةُ جَابِرٍ، وَتَفْسِيرُهُ: أَيْ تَأَخَّرْتُ عَنِ الْقَضَاءِ فَخَلَّا -بِفَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ مُشَدَّدَةٍ- مِنَ التَّخْلِيَةِ، أَوْ مُخَفَّفَةٍ مِنَ الْخُلُوِّ، أَيْ: تَأَخّرَ السَّلَفُ عَامًا.
قَالَ عِيَاضٌ: لَكِنْ ذِكْرُ الْأَرْضِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ عَنِ الْأَرْضِ، لَا عَنْ نَفْسِهِ. انْتَهَى.
فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عِيَاضٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ، وَالضَّمِيرُ لِلْأَرْضِ، وَبَعْدَهُ نَخْلًا بِنُونٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، أَيْ: تَأَخَّرَتِ الْأَرْضُ عَنِ الْإِثْمَارِ مِنْ جِهَةِ النَّخْلِ.
قَالَ: وَوَقَعَ لِلْأَصِيلِيِّ: "فَحَبَسَتْ" بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ: "فَخَاسَتْ" بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَلْفٌ، أَيْ: خَالَفَتْ مَعْهُودَهَا وَحَمْلَهَا، يُقَالُ: "خَاسَ عَهْدَهُ" إِذَا خَانَهُ، أَوْ تَغَيَّرَ عَنْ عَادَتِهِ، وَ"خَاسَ الشَّيْءُ" إِذَا تَغَيَّرَ.
قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَثْبَتُهَا.
قُلْتُ: وَحَكَى غَيْرُهُ: "خَنَسَتْ" بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ، أَيْ: تَأَخَّرَتْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ" بِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَمَا أَدْرِي بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، أَوْ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ؟
وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: "فَخَنَسَتْ عَلَيَّ عَامًا"، وَأَظُنُّهَا بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ، وَبَعْدَهَا: "عَلَيَّ" بِفَتْحَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ.
فَكَأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ بِصُورَةِ "نَخْلًا" وَكَذَا "فَخَلَّا" تَصْحِيفٌ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ عَلَى كَتْبِ الْيَاءِ بِأَلِفٍ، ثُمَّ حَرَّفَ الْعَيْنَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.
الشيخ: يكفي، المقصود حصل فيها بعض التَّحريف.
فَجَاءَنِي اليَهُودِيُّ عِنْدَ الجَدَادِ، وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ فَيَأْبَى، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ اليَهُودِيِّ، فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُكَلِّمُ اليَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا القَاسِمِ، لا أُنْظِرُهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ فَأَبَى، فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: افْرشْ لِي فِيهِ، فَفَرَشْتُهُ، فَدَخَلَ، فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ اليَهُودِيَّ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَة، ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ، جُدَّ وَاقْضِ، فَوَقَفَ فِي الجَدَادِ، فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.
عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: بِنَاءٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْرُوشَاتٍ [الأنعام:141]: مَا يُعَرَّشُ مِنَ الكُرُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: عُرُوشِهَا [البقرة:259]: أَبْنِيَتهَا.
الشيخ: وهذا يدلنا على لعانة اليهود وخُبثهم وقلَّة مُروءتهم، يرون الثمر قليل، والمصيبة واضحة، ثم يشفع النبي ﷺ ومعه الصحابة، ومع هذا يقول: "لا أنظره"، وهو يُشاهد الحال، لا شكَّ أن هذا دليل على شدة البغضاء والحقد والكراهة للإسلام وأهله، وهم لا شكَّ هكذا شأنهم -قبَّحهم الله.
ثم إنَّ الله جلَّ وعلا أنزل البركةَ في هذا الثمر القليل، فجزَّه ودعا فيه النبيُّ ﷺ وصنَّفه كما في الرواية الأخرى، صنَّفه أنواعًا، فدعا فيه بالبركة، فأوفى وبقي خيرٌ كثيرٌ والحمد لله، تقدَّم هذا فيما تقدم.
الطالب: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل -وَهُوَ الْبُخَارِيُّ: "فَحَلَّا" لَيْسَ عِنْدِي مُقَيَّدًا -أَيْ: مَضْبُوطًا- ثُمَّ قَالَ: فَخَلَّا لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ.
الشيخ: وقوله: أشهد أني رسول الله يُعلم الأمة أنَّ هذه أمارات ظاهرة على صدق النبوة، شهد لنفسه بأنه رسول الله لما رأى ما على يده من الآيات العظيمة، والبركة الكثيرة، والرزق الواسع، حتى يعلم أولئك الحاضرين ومَن تبلغه الأخبار أنَّ هذه من أمارات النبوة وعلاماتها ودلائلها؛ ما يضع الله على يديه من البركات العظيمة في الطعام، وما يكون بين أصابعه من الماء، وما يحصل من الخير لهذه الأمة، كلها من دلائل أنه صادق؛ لأن الكذَّاب لا يُؤيد بهذا، الكذَّاب ينتظر العقابَ، وينتظر الفشل، وينتظر التكذيب بأنواع التكذيب، أما الصادق فلا يزال في علوٍّ وظهورٍ ودلائل تُؤيد ما قال، والله المستعان.
وفيه من الفوائد العظيمة: أن المعسر لا يترك الفقير، بل يُساعد ويشفع له عند مَن يريد .....
وفيه جواز الشفاعة حتى عند الكافر، لا بأس أن يشفع المسلمُ عند الكافر أن ينظر المسلم في حقٍّ له عليه، ولا يقول: هذا كافر وليس أهلًا! والرسول شفع وهو أفضل الخلق وأعلاهم درجةً، فدلَّ ذلك على أن الشفاعة مطلوبة، حتى من الكبير، حتى من رئيس الدولة وأعيان الدولة؛ يشفعون لأفراد المسلمين عند مَن له حقّ.
وفيه أيضًا: أن صاحب الحقِّ له مقال، فالنبي ما عنَّفه؛ لأن له شُبهة، فالنبي ما عنَّفه، بل طلب منه الإنظار، ثم سعى في الوفاء عليه الصلاة والسلام، مثلما قال في الحديث الآخر: دعوه، فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا، فالمؤمنون يُساعدون على أداء الحقوق، ويشفعون فيما تنبغي الشفاعة فيه: من إنظار المعسر، ومُواساة الفقير، وأشباه ذلك مما تحصل به الشفاعة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، كان إذا جاءه صاحبُ حاجةٍ قال لأصحابه: اشفعوا تُؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء كما تقدم.
بَاب أَكْلِ الجُمَّارِ
5444- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ جُلُوسٌ إِذَا أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ التَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ، أَنَا أَحْدَثُهُمْ، فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هِيَ النَّخْلَةُ.
الشيخ: هذا فيه بركة وفضل النخل، وما فيه من الخير العظيم، وأن النخلة شبيهة المؤمن، المؤمن كله خير، والنخلة كلها خير.
وفيه طرح المسألة على الطلبة للاختبار والفائدة، وخاض الناسُ كما تقدم في شجر البادية، ووقع في نفس ابن عمر أنها النخلة، ولعله استنبط ذلك من وجود الجمّار في يده عليه الصلاة والسلام، فاستحيا أن يقول ذلك؛ لأنه كان أصغر القوم وأحدثهم، ولكن مثلما قال عمر: "لئن كنتَ قلتَها أحبّ إليَّ من كذا وكذا"، فالإنسان لا يحقر نفسه ولو كان صغيرًا، يتكلم إن ظهر له شيء حتى يتشجَّع، وحتى يعتاد الكلام في العلم، ولا يقول: أنا أصغر القوم، لا، يتكلم ولو كان صغيرًا.
بَاب العَجْوَةِ
5445- حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ.
الشيخ: جمعة هذا غريب، أيش قال عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا جُمْعَة) بِضَمِّ الْجِيم، وَسُكُون الْمِيم، ابن عبدالله، أَي ابن زِيَادِ بْنِ شَدَّادٍ السُّلَمِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ، يُقَالُ: إِنَّ اسْمَهُ يَحْيَى، وَجُمْعَةُ لَقَبُهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: أَبُو خَاقَانَ، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الرَّأْيِ أَوَّلًا، ثُمَّ صَارَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَه ابن حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِئَتَيْنِ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ بَلْ وَلَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.
الشيخ: انظر "التقريب".
الطالب: جمعة بن عبدالله بن زياد السلمي، أبو بكر البلخي، قيل: إن جمعة لقب، واسمه: يحيى، صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين (خ).
الشيخ: نعم.
الشيخ: تكلم عليه الشارح؟
الطالب: وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْعَجْوَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ هُنَا: مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ فِي أَوَّلِهِ، فَقَالَ: بِسَبْعِ.
الشيخ: وأنت؟
الطالب: قوله: مَن تصبَّح أي: أكل صباحًا قبل أن يأكل شيئًا.
قوله: عجوة مجرور بالإضافة، من إضافة العام إلى الخاص، ويُروى: "عجوةً" بالنصب على التمييز.
قوله: لم يضرَّه بضمِّ الضاد، وتشديد الراء، من الضرر، ويُروى: "لم يضرّه" بكسر الضاد، وسكون الراء، من: ضارَّه يضيره ضيرًا، إذا أضرَّه.
قوله: سم يجوز الحركات الثلاث في السين، وقال الخطابي: كونها عوذة من السحر، والسم إنما هو من طريق التبرك لدعوةٍ سلفت من النبي ﷺ فيها، لا لأنَّ من طبع التمر ذلك.
وقال النووي: تخصيص "من عجوة المدينة" وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارعُ، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمانُ بها، وهو كأعداد الصَّلوات ونصب الزكاة.
وقال المظهر: يجوز أن يكون في ذلك النوع منه هذه الخاصية.
وفي "العلل الكبير" للدارقطني: مَن أكل مما بين لابتي المدينة سبع تمرات على الريق، وفي لفظٍ: من عجوة العالية الحديث.
وروى الدارمي بإسناده من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي ﷺ قال: في عجوة العالية شفاء –أو: ترياق- أول البكرة على الريق.
الشيخ: يكفي، المقصود في رواية مسلم: مما بين لابتيها، يعمّ العجوة وغيرها، يعني: تمر المدينة كله، فيعمّ العجوة وغيرها، وبعض أهل العلم قال: العجوة يعمّ التمر كله، كله يُقال له: عجوة، والمشهور أن العجوة نوعٌ معروفٌ في المدينة. المقصود أن الرواية الأخرى عند مسلم: مما بين لابتيها.
س: خاصٌّ بتمر المدينة يا شيخ؟
ج: هذا ظاهر الحديث، ويُرجى في أنواع التمر كذلك؛ لأنَّ في بعض الروايات: من تمر، في بعض الروايات: مَن تصبَّح سبع تمرات من تمرٍ، فيعمّ التمر كله؛ لأنَّ رواية من عجوة المدينة، و مما بين لابتيها هذا يدل على الخصوصية، وأن هذا أوْلى من غيرها، وأقرب من غيرها.
بَاب القِرَانِ فِي التَّمْرِ
5446- حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ، وَيَقُولُ: "لا تُقَارِنُوا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ القِرَانِ"، ثُمَّ يَقُولُ: "إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ"، قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
الشيخ: تكلَّم عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: (قَالَ شُعْبَةُ: الْإِذْنُ مِنْ قَول ابن عُمَرَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ شُعْبَةَ مُدْرَجًا، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَصْلُهُ لِمُسْلِمٍ كَذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ، وَبَهْزٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ شُعْبَةَ، وَتَابَعَ آدَمَ عَلَى فَصْلِ الْمَوْقُوفِ مِنَ الْمَرْفُوعِ شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِهِ مِثْلَمَا سَاقَهُ آدَمُ إِلَى قَوْلِهِ: "الْإِقْرَان، قَالَ ابن عُمَرَ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ"، وَكَذَا قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ: أرى الْإِذْنَ من قَول ابن عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ.
وَقَدْ فَصَّلَهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ شُعْبَةُ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هُوَ من قَول ابن عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ سَعِيدًا أَخْطَأَ فِي اسْمِ التَّابِعِيِّ فَقَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، وَالْمَحْفُوظُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْحَابَ شُعْبَةَ اخْتَلَفُوا: فَأَكْثَرُهُمْ رَوَاهُ عَنْهُ مُدْرَجًا، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ رَوَوْا عَنْهُ التَّرَدُّدَ فِي كَوْنِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَرْفُوعَةً أَوْ مَوْقُوفَةً، وَشَبَابَةُ فَصَّلَ عَنْهُ، وَآدَمُ جَزَمَ عَنْهُ بِأَن الزِّيَادَة من قَول ابن عُمَرَ، وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي التَّابِعِيِّ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَى شُعْبَةَ وَتَعَارَضَ جَزْمُهُ وَتَرَدُّدُهُ، وَكَانَ الَّذِي رَوَوْا عَنْهُ التَّرَدُّدَ أَكْثَرَ؛ نَظَرْنَا فِيمَنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ التَّابِعِينَ، فَرَأَيْنَاهُ قَدْ وَرَدَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وابن إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ.
الشيخ: وأبي إسحاق الشيباني.
الطالب: وأبي إسحاق الشيباني، وَمِسْعَرٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ.
فَأَما الثَّوْريّ: فَتَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ فِي الشَّرِكَةِ، وَلَفْظُهُ: نَهَى أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. وَهَذَا ظَاهِرُهُ الرَّفْعُ، مَعَ احْتِمَالِ الْإِدْرَاجِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الشَّيْبَانِيِّ: فَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ: نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَكَ. وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ: فَأَخْرَجَهَا ابن حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالْخَمْسِينَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ "صَحِيحِهِ" بِلَفْظِ: "مَنْ أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ مِنْ تَمْرٍ فَلَا يَقْرُنْ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَأْذِنْهُمْ، فَإِنْ أَذِنُوا فَلْيَفْعَلْ"، وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الرَّفْعِ، مَعَ احْتِمَالِ الْإِدْرَاجِ أَيْضًا.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْر ابن عُمَرَ: فَوَجَدْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِئْذَانِ مَرْفُوعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ إِسْحَاقَ فِي "مُسْنده" وَمن طَرِيقه ابن حِبَّانَ أَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَمْرَ عَجْوَةٍ، فَكَبَّ بَيْنَنَا، فَكُنَّا نَأْكُلُ الثِّنْتَيْنِ مِنَ الْجُوعِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُنَا إِذَا قَرَنَ أَحَدُهُمْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنِّي قَدْ قَرَنْتُ فَاقْرِنُوا.
وَهَذَا الْفِعْلُ مِنْهُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا لَهُمْ مَعْرُوفًا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: "كُنَّا نَفْعَلُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَذَا" لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَفْظُهُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَمْرًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرُنُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقْرُنَ إِلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهِ.
فَالَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنْ لَا إِدْرَاجَ فِيهِ، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ، وَفِي الشّركَة، وَلَا يَلْزم من كَون ابن عُمَرَ ذَكَرَ الْإِذْنَ مَرَّةً غَيْرَ مَرْفُوعٍ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ فِيهِ الرَّفْعَ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ اسْتُفْتِيَ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى.
الشيخ: يكفي، المقصود أنَّ هذه السُّنَّة؛ أن الإنسان إذا أكل مع إخوانه التمر ونحوه لا يقرن إلا بإذنهم، لا يأخذ ثنتين جميعًا، على واحدة، واحدة، حتى لا يغلبهم، حتى لا يأكل أكثر منهم، ولا سيما عند الحاجة وعند قلَّة الطعام؛ لأنه شيء يضرّهم، وقد يتَّهمونه بالجشع ..... السنة أن يكونوا سواء في مثل هذا، وأن يُراعي حال إخوانه، وهذا فيه إشارة إلى غير القران، والإنسان إذا كان مع قومٍ ينبغي له الرفق، ولا سيما إذا كان الطعام قليلًا ينبغي له الرفق، وينبغي أن يُراعيهم حتى لا يأكل أكثر منهم ..... ولا سيما عند الجوع وعند قلَّة الطعام يُراعي إخوانه ويطمئن.
س: .............؟
ج: الشيء الذي نصَّ عليه النبيُّ ﷺ ينبغي ألا يفعل إلا بإذنٍ: كالقران، ينبغي ألا يقرن مع الناس على واحدةٍ واحدة.
س: ...............؟
ج: قد يُقال من جهة المعنى، المعنى: ألا يضيق عليهم، وألا يأكل أكثر منهم، فإن كان التمر كثيرًا ونحوه ما في مضايقة لهم؛ لأنه لو أكل ما شاء ما ضرَّهم، يعني: قد يُقال للحكمة، وإن كان يظهر من الحكمة، والمعنى أن القران إذا كان أمره واسعًا لا يضرّه إذا كان الشيء كثيرًا، لكن قد يظهر منه سبة على الشخص، وأنه يتعاطى هذا عن جشعٍ، وعن سُوء أدبٍ.
الطالب: ذكر هذا الشارح.
الشيخ: أيش قال؟
الطالب: قد أخرج ابن شَاهِينَ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"، وَهُوَ فِي "مُسْنَدِ الْبَزَّار" من طَرِيق ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ –رَفَعَهُ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ، وَإنَّ اللَّهَ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ فَاقْرِنُوا، فَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا.
قَالَ الْحَازِمِيُّ: حَدِيثُ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، إِلَّا أَنَّ الْخَطْبَ فِيهِ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّة، فيكتفى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيُعَضِّدُهُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.
كَذَا قَالَ، وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ فِي حَالِ كَوْنِ الشَّخْصِ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَأْكُولِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ، كَمَا قَرَّرَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِلَّا فَلَمْ يُجِزْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْتَأْثِرَ أَحَدٌ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ الضِّيفَانِ لَا يُرْضِيهِ اسْتِئْثَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَرُمَ الِاسْتِئْثَارُ جَزْمًا، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُكَارَمَةُ فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةُ الرِّضَا.
وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ "الْغَرِيبَيْنِ".
الشيخ: كتاب "الغريبين": غريب القرآن وغريب السنة.
الطالب: وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ "الْغَرِيبَيْنِ" عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ اسْتِقْبَاحَ الْقِرَانِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرَهِ وَالطَّمَعِ الْمُزْرِي بِصَاحِبِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِجَمِيلٍ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ رُفْقَتِهِ.
الشيخ: صدق، صدق، كونه يأكل ولا يُراعي مَن حوله هذا لا شكَّ أنه قبيح.
تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَب، وَكَذَا الزَّبِيبُ وَالْعِنَبُ وَنَحْوُهُمَا؛ لِوُضُوحِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ.
س: القران خاصٌّ بالتمر، وإلا يكون في كل الطعام؟
ج: مثلما قال المؤلف، فيما يُشبهه حبّ العنب والزبيب وأشباه ذلك، الشيء الذي هو حبَّات تُؤكل، إلا إذا تسامحوا فيما بينهم وسمحوا له بأن يقرن ما في بأس.
بَاب القِثَّاءِ
5447- حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالقِثَّاءِ".
الشيخ: تقدَّم هذا الحديث قبل أحاديث، القثاء معروف، يُطلقون على الخيار والطروح، كل هذه في قسم القثاء، وهو بارد، والرطب فيه بعض الحرارة، يستقيم مع هذا.
ومن فوائده: الجمع بين لونين –طعامين- وأنه لا بأس، يكون قثاء ورطب، بطيخ ورطب، وأنواع أخرى، لا بأس، مثلما قال الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51] يعمّ النوع والأنواع.
وقصة الحديث المتقدم: لما خرج النبيُّ ﷺ ووجد الصديق وعمر وقال: ما أخرجكما؟ قالا: أخرجنا الجوعُ يا رسول الله، قال: إن الذي أخرجني هو الذي أخرجكما، ثم ذهبا إلى بعض الأنصار، وهو أبو الهيثم، فلم يجداه، وجدا امرأته، فهلّت ورحَّبت ودخلوا، وجاء الزوج وكان يستعذب لهم فجاء، فلما رآهم قال: ما أحد اليوم أفضل أضيافًا مني، أو قال: أكرم أضيافًا مني، ثم قدَّم لهم عذقًا فيه تمر وبسر ورطب، ثم ذبح لهم، وقدَّم لهم طعام لحمٍ، فأكلوا من البسر والرطب والتمر، وأكلوا ما قدَّم لهم من الطعام، ثم قال: لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة، هذه أنواع، نعم.
س: المراد أكل هذا بعد هذا، أو أكلهما جميعًا؟
ج: لا فرق، كونه أكل القثاء بالرطب يشمل هذا قبل هذا، أو هذا مع هذا، أو هذا قبل هذا، يعمّ.
بَاب بَرَكَةِ النَّخْلِ
5448- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً تَكُونُ مِثْلَ المُسْلِمِ، وَهِيَ النَّخْلَةُ.
الشيخ: هي مثل المؤمن، وهي مثل الكلمة الطيبة: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:24]، هي مثل المؤمن، وهي مثل الكلمة الطيبة التي هي لا إله إلا الله، وسبحان الله، كل كلام طيب، ثمرتها عظيمة، ونفعها عظيم، ولا يُترك شيء منها، كلها نافعة، والمؤمن كله نافع، والكلام الطيب كله نافع.
بَاب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوِ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ
5449- حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالقِثَّاءِ".
بَاب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً وَالجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً
5450- حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ. ح، وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ -أُمَّهُ- عَمَدَت إلى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: وَمَنْ مَعِي؟ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ، فَجِيءَ بِهِ، وَقَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَامَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ: هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ؟
الشيخ: تقدَّم في الرواية الأخرى أنهم كانوا ثمانين، ويحتمل أنها قصة أخرى، المقصود أنَّ هذا فيه فائدة، وهي أن الطعام إذا كان قليلًا، والمكان ضيق؛ أنهم يُوزّعون: قوم بعد قوم، ولا حرج في ذلك؛ كون الجماعة بعد الجماعة حتى ينتهوا، وفي هذا عَلَم من أعلام النبوة، فإنه شيء قليل وكفى هذا العدد الكثير، ثم لما فرغوا قال أنس: "ما أدري هل نقص أو ما نقص؟" فهذا من آيات الله جلَّ وعلا، وفيه أن المضيف لا مانع أن يتأخَّر إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك؛ لأنه في هذا الحديث قدَّمهم عشرةً عشرةً، ثم أكل مما بقي عليه الصلاة والسلام.
وفي قصة أبي هريرة لما جاء إلى النبي ﷺ، وأُهدي إلى النبي ﷺ قدحٌ من لبنٍ -وكان أبو هريرة قد أصابه جوعٌ شديدٌ- فقال له: ادع لي أهل الصفة، فدعاهم، فإذا هم سبعون، فلما دخلوا وأخذوا مجالسهم أمر النبيُّ ﷺ أبا هريرة أن يمشي عليهم بالقدح، فقال أبو هريرة: "ما يكون هذا القدح مع هؤلاء الناس؟" فمشى به على الناس وشربوا جميعًا، ورووا جميعًا، ثم بقي النبي ﷺ، وبقي أبو هريرة، وقال النبي لأبي هريرة: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب، فشرب، حتى قال له: "والذي بعثك بالحقِّ، لا أجد له مسلكًا"، ثم شرب النبي الفضلة عليه الصلاة والسلام، سمَّى وشرب، اللهم صلِّ وسلم عليه، هذا من جنس ما تقدَّم، يُفيد تأخّر المضيف في بعض الأحيان، كونه يتأخّر عن الضيوف.
بَاب مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالبُقُولِ
فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
5451- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسٍ: مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا.
5452- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زَعَمَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا.
س: معنى التَّعبير بزعم؟
ج: يعني: قال، زعم تأتي بمعنى قال، مثل قول...: زعم رسولك. يعني: قال رسولك، وتأتي بمعنى الكناية عن الكذب: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا [النساء:60].
س: ..............؟
ج: هذا ما ينبغي أن يحضر، ظاهر النهي التحريم، لا يجوز له أن يحضر وفيه رائحة الثوم والكراث، أما أكل الثوم والكراث فمُباح، إذا دعت الحاجةُ إليه يأكل، لكن لا يحضر الجماعة.
س: هل يكون حرامًا؟
ج: لا، ما هو بحرام، لكن لا يجوز له حضور الجماعة حتى يذهب الريح.
س: ليش ما يحضر الجماعة، وليش محرم؟
ج: لأجل رائحته الكريهة.
س:...
الشيخ: أنت مسلم ولا كافر؟!
ج: ...مسلم
الشيخ: رسول الله إذا قال شيئًا سمعًا وطاعة، الذي يأكل الثوم والبصل لا يحضر الجماعة
س: قول عمر رضي الله عنه: "مَن أرادهما فليُمتهما طبخًا"؟
ج: يعني: إذا احتاج إليهما يطبخهما.
س: النار تُزيل الرائحة؟
ج: تُخفف الرائحة، أما البصل تزول الرائحة، والثوم قد يبقى بعض الشيء، لكن إذا اجتهد في طبخه قد يزول، أو يتعاطى شيئًا من الأدوية التي تُزيل الرائحة.
س: ماء الشرب، إذا سقى القوم يكون آخرهم؟
ج: نعم.