68 من حديث: (قام النبي صلى الله عليه و سلم يبني بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته..)

5387- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: «قَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ».

الشيخ: الأنطاع هذه هي السّفر، سواء كان من خوصٍ أو من جلدٍ، يُوضع عليها الطعام، ويُوضع فيها الطعام عند الحمل من الخبز ونحوه.

وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ أَنَسٍ: «بَنَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ».

5388- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: «يَا بُنَيَّ، إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ». قَالَ: فَكَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: «إِيهًا وَالإِلَهِ، تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا».

5389- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ -خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ- أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ، فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ.

الشيخ: يعني: الأضب، بيَّن في الرواية الأخرى: لم تكن بأرض قومي، فأجدني أعافه يعني: الضب، كان يُؤكل على مائدته عليه الصلاة والسلام.

بَاب السَّوِيقِ

5390- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالصَّهْبَاءِ -وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ- فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَلَمْ يَجِدْهُ إِلَّا سَوِيقًا، فَلاكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ، فَيَعْلَمُ مَا هُوَ

5391- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ -الَّذِي يُقَالُ لَهُ: سَيْفُ اللَّهِ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَيْمُونَةَ -وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ- فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَززتُهُ فَأَكَلْتُهُ.

الشيخ: فاجتررته، المعروف بالراء، جبذته يعني: جررته، يعني: جذبه إليه، هذا المعروف في الرواية، وهكذا حفظناه.

فاجتررته فأكلته، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ إِلَيَّ.

الشيخ: وهكذا رواه العمدة: "فاجتررته فأكلته"، أيش قال عندك العيني؟

الطالب: في المتن أحسن الله إليك: "فاحتززته".

الشيخ: فقط؟ ضبط شيئًا وإلا ما ضبط؟

الطالب: ما ضبط.

الطالب: هنا عندي قال: فاجتزرته.

الشيخ: نعم.

بَاب طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ

5392- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاثَة، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَة.

 

الشيخ: والمعنى أنه ينبغي للمؤمن ألا يحفز أو يشقّ عليه إذا كان طعامُ اثنين إذا جاء الضيفُ، فإن طعام الاثنين يكفي الثلاثة، ويكفي الأربعة، وهكذا ضعف، عن عشرة مُعدّ يكفي العشرين؛ لأنَّ الطعام إذا سُمي الله عليه حلَّت به البركة، ثم أيضًا ليس من المشروع وليس من المطلوب أن يشبع كل واحدٍ، إذا أكل ما تحصل به القوة والنشاط وإقامة هذا البدن كفى. تكلم عنه بشيء؟

الطالب: نعم، قَوْلُهُ: (بَابُ طَعَامِ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَاسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ قَضِيَّةَ التَّرْجَمَةِ مَرْجِعُهَا النِّصْفُ، وَقَضِيَّةَ الْحَدِيثِ مَرْجِعُهَا الثُّلُثُ ثُمَّ الرُّبْعُ؟

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى لَفْظِ حَدِيثٍ آخَرَ وَرَدَ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ، وَبِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مُطْلَقَ طَعَامِ الْقَلِيلِ يَكْفِي الْكَثِيرَ، لَكِنَّ أَقْصَاهُ الضَّعْفُ، وَكَوْنُهُ يَكْفِي مِثْلَهُ لَا يَنْفِي أَنْ يَكْفِيَ دُونَهُ، نَعَمْ، كَوْنُ طَعَامِ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بِخِلَافِ عَكْسِهِ.

وَنُقِلَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهويْهِ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يُشْبِعُ الْوَاحِدَ يَكْفِي قُوتَ الِاثْنَيْنِ، وَيُشْبِعُ الِاثْنَيْنِ قُوت الْأَرْبَعَةِ.

وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْمَكَارِمِ، وَالتَّقَنُّعُ بِالْكِفَايَةِ، يَعْنِي: وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِي مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُوَاسَاةُ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلِاثْنَيْنِ إِدْخَالُ ثَالِثٍ لِطَعَامِهِمَا، وَإِدْخَالُ رَابِعٍ أَيْضًا بِحَسَبِ مَنْ يَحْضُرُ، وَقَدْ وَقع فِي حَدِيث عمر عِنْد ابن مَاجَهْ بِلَفْظِ: طَعَام الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَأَنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، وَأَنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِصَّةِ أَضْيَافِ أَبِي بَكْرٍ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ.

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث ابن عُمَرَ مَا يُرْشِدُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُهُ: كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا؛ فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ الْحَدِيث، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكِفَايَةَ تَنْشَأُ عَنْ بَرَكَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ ازْدَادَتِ الْبَرَكَةُ.

وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى حَدِيث ابن عُمَرَ، وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ نَحْوُ حَدِيث عمر، وَزَاد فِي آخِره: وَيَد الله على الْجَمَاعَة.

وَقَالَ ابن الْمُنْذِرِ: يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْتِحْبَابُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْمَرْءُ وَحْدَهُ. انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَاسَاةَ إِذَا حَصَلَتْ حَصَلَتْ مَعَهَا الْبَرَكَةُ، فَتَعُمُّ الْحَاضِرِينَ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَسْتَحْقِرَ مَا عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعَ مِنْ تَقْدِيمِهِ، فَإِنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَحْصُلُ بِهِ الِاكْتِفَاءُ، بِمَعْنَى حُصُولِ سَدِّ الرَّمَقِ، وَقِيَامِ الْبِنْيَةِ، لَا حَقِيقَة الشِّبَع.

وَقَالَ ابن الْمُنِيرِ: وَرَدَ حَدِيثٌ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ شَرْطَ الْبُخَارِيِّ، فَاسْتَقْرَأَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ تَرْكُ الثُّلُثِ أَمْكَنَهُ تَرْكُ النِّصْفِ لِتَقَارُبِهِمَا. انْتَهَى.

وَتَعَقَّبَهُ مُغلطَايْ بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. انْتَهَى.

وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ لِأَبِي سُفْيَانَ، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ مَقْرُونًا بِأَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ فَقَطْ، فَلَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ، ثُمَّ لَا أَدْرِي لِمَ خَصَّهُ بِتَخْرِيجِ التِّرْمِذِيِّ، مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَن أبي سُفْيَان أَيْضًا؟ وَلَعَلَّ ابن الْمُنِير اعْتَمد على مَا ذكره ابن بطال أَنَّ ابن وهبٍ روى الحَدِيث بِلَفْظ التَّرْجَمَة عَن ابن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وابن لَهِيعَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَطْعًا.

الشيخ: الخلاصة: أنَّ في هذا حثًّا على التوسعة وطيب النفس من الاشتراك في الطعام، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يكون شحيحًا وسيئ الظنّ فيبخل ويضعف عن مشاركة الضيف فيما هو مُعدّ له وحده؛ فإنه إذا شاركه فيه ضيفه أو صاحبه فذلك مما ينزل اللهُ فيه البركة، ومما يدل على طيب الأخلاق، وسخاوة النفس، والرغبة في التعاون، وطيب النفس بالطعام، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وهكذا.

وفيه أيضًا حثٌّ على التعاون والجود والكرم، والرغبة في الاشتراك في الطعام، وعدم الشح، وعدم ضعف النفس عن هذا الشيء، وهذا مُجرَّب؛ فإن الطعام كلما كثرت عليه الأيدي أنزل الله فيه البركة، ولا سيما مع العناية بالتسمية، ومع طيب النفس، فإذا أكلوا جميعًا كان أكمل، وإن تفرَّقوا فلا بأس كما في الآية الكريمة: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]، المقصود أن جمع الأيدي يحصل به خيرٌ كثير: من بركة الطعام، والتَّحدث، والتَّآنس، ورفع الحرج في صلة المؤمن بأخيه وزيارته له.

بَاب المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

5393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ، لا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.

5394- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الكَافِرَ أَوِ المُنَافِقَ -فَلا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُاللَّهِ- يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.

الشيخ: وكأنَّ ابن عمر اتَّهم هذا المسكين لما رأى كثرة أكله، اتَّهمه بأنه ليس على الإسلام، فما أحبَّ أن يكون شريكًا له في الطعام، ولعلَّ أسباب ذلك أنه لا يُسمي، وليس عنده أيضًا من الاعتقاد ببركة الطعام وتقليل الطعام وعدم الأكل الكثير، ليس عنده من الاعتقاد في ذلك ما يجعله يقتصد ويُراعي عواقب الأكل الكثير، فإنه بسبب ضعف إيمانه أو عدم إيمانه يهمه الأكل كثيرًا، ويحرص على الأكل كثيرًا من غير النظر في العواقب، المؤمن ينظر في العواقب: يُسمي الله، وينظر في العواقب، والكافر ليس الأمر كذلك في الغالب؛ فإن غلبة الشهوة، والحرص على تعاطي ما يُلائمه من غير نظرٍ في العواقب، ومن غير عنايةٍ بالتسمية، يُشاركه الشيطان، ولا ينظر في العواقب، فيأكل كثيرًا.

والأصل أنَّ خلقة بني آدم واحدة معلومة، ولكن بسبب شره الكافر وقلَّة عنايته بالآداب الشرعية يأكل كثيرًا، ولا يشبعه، ولا يكفيه ما يكفي المؤمن المطمئن المقتصد الذي يُسمي الله، الذي ينظر في العواقب، ويعرف ما في القناعة من الخير والاقتصاد، وما في كثرة الأكل من الخطر.

وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.

5395- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ الكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، فَقَالَ: فَأَنَا أُومِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.

الشيخ: يعني على الأقل لا يتشبَّه، إن كان يُؤمن بالله ورسوله، وإن كان ليس على العقيدة الفاسدة فلا يتشبه بأهلها بالنّهم والأكل الكثير، بل يقتصد، الله يقول جلَّ وعلا: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]، ويقول في الحديث: ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالةَ فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه، ثم النظر في العواقب، فكم من أكلةٍ أوردت صاحبها القبور، وسبَّبت المآسي والشرور.

س: مسألة السبعة أمعاء: الآن بعض السُّفَر فيها عدة أشكال؟

ج: يأكل من هذا ما تيسر، ومن هذا ما تيسر، والحمد لله.

5396- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَأْكُلُ المُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.

5397- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.

س: الأمعاء ما هي كثرة الصحون؟

ج: الأمعاء: المصاري التي في الجوف، يعني: الكافر لكثرة نهمه يملأ جميع الأمعاء التي في بطنه، جميع ..... التي يسير فيها الطعام كبيرها وصغيرها يشحنها.

س: الأمعاء واحدة؟

ج: الخلقة واحدة، لكن هذا يأكل حتى يملأ الأمعاء كلها، وهذا يقتصد ويكفيه معًى واحد، والمشهور عند العلماء أنها كناية عن النّهم والحرص والشَّره في حقِّ الكافر، والقصد في حقِّ المؤمن، ففي قصد المؤمن يكفيه معًى واحد، ويكفيه القليل، ويُشبعه القليل، ويطمئن إلى ما يسَّر الله، ويعلم أن كثرة الأكل فيها من الخطر والكسل والضعف ما فيها، فقد تُؤدي به إلى الأمراض، قد تُؤدي به إلى الكسل والضعف عن القيام بأمر الله، والنشاط في العبادة. تم الباب؟

الطالب: نعم.

الشيخ: اقرأ شرحه.

الطالب: في الترجمة السابقة؟

الشيخ: نعم.

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمَ مَا هُوَ) يستقيم هذا النَّفي؛ نفيان الآن؟

الشيخ: عندك "لا يأكل"؟

الطالب: نعم، نفيان.

الشيخ: الله أعلم، أحد النَّفيين غلط، إما "ما" أو "لا" زائدة، أحد الحرفين زائد.

الطالب: أثبت في الشرح ذلك: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا بِالْإِضَافَةِ، وَشَرَحَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى أَنه "بَابٌ" بِالتَّنْوِينِ.

الشيخ: الظاهر أن "ما" أو "لا" زائدة، والمعنى واضح، وأحد الحرفين واضح أنه وهم من بعض الخطاطين أو النُّساخ.

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُؤْمِنِ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) الْمِعَى بِكَسْرِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ -وَفِي لُغَةٍ حَكَاهَا فِي "الْمُحْكَمِ" بِسُكُونِ الْعَيْنِ- بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ: أَمْعَاءٌ، مَمْدُودٌ، وَهِيَ الْمَصَارِينُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي شِعْرِ الْقُطَامِيِّ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ فِي الْجَمْعِ، فَقَالَ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ حَكَاهَا أَبُو حَاتِمٍ: "حَوَالِبَ غُزْرًا وَمِعًى جِيَاعًا"، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر:67]، وَإِنَّمَا عَدَّى يَأْكُلُ بِفِي لِأَنَّهُ بِمَعْنَى: يُوقِعُ الْأَكْل فِيهَا، وَيَجْعَلُهَا ظَرْفًا لِلْمَأْكُولِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ [النساء:10] أَيْ: مِلْء بُطُونِهِمْ.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السَّجِسْتَانِيُّ: الْمِعَى مُذَكَّرٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مَنْ أَثِقُ بِهِ يُؤَنِّثُهُ فَيَقُولُ: مِعًى وَاحِدَةٌ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ.

[5393] قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمد) هُوَ ابن عَبْدِالْوَارِثِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ" مَنْسُوبًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّد) هُوَ ابْن زَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا) لَعَلَّهُ أَبُو نَهِيكٍ الْمَذْكُورُ بَعْدَ قَلِيلٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسلم: فَجعل ابن عُمَرَ يَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا.

قَوْلُهُ: (لَا تُدْخِل هَذَا عَليَّ) وَذكر الحَدِيث، هَكَذَا حمل ابن عُمَرَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَعَلَّهُ كَرِهَ دُخُولَهُ عَلَيْهِ لمَّا رَآهُ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ وُصِفَ بِهَا الْكَافِرُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُؤْمِنِ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِد، فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ) كَذَا ثَبَتَ هَذَا الْكَلَامُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ، عَنِ السَّرَخْسِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ ضَمُّ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ إِلَى تَرْجَمَةِ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ"، وَإِيرَادُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ ابن عُمَرَ بِطُرُقِهِ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِطَرِيقَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا التَّعْلِيقَ، وَهَذَا أَوْجَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِإِعَادَةِ التَّرْجَمَةِ بِلَفْظِهَا مَعْنًى، وَكَذَا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّرْجَمَةِ، ثُمَّ إِيرَادهُ فِيهَا مَوْصُولًا من وَجْهَيْن.

[5394] قَوْله: (عَبدة) هُوَ ابن سُلَيْمَان، وَ(عبيدالله) هُوَ ابن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ.

الشيخ: ذاك موثق، المصغَّر هو الثقة، والمكبَّر هو الضعيف، عبدالله هو الضعيف، وعبيدالله هو الثقة، من رجال الشيخين.

الطالب: قَوْلُهُ: (وَإِنَّ الْكَافِرَ -أَوِ الْمُنَافِقَ فَلَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ عُبَيْدُاللَّهِ) هَذَا الشَّكُّ مِنْ عَبْدَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: "الْكَافِرِ" بِغَيْرِ شَكٍّ، وَكَذَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة غير ابن عُمَرَ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِلَّا أَنَّهُ وَرَدَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ: "الْمُنَافِقِ" بَدَلَ "الْكَافِرِ".

قَوْله: (وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ) هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ" مِنْ طَرِيقِهِ، وَوَقَعَ لَنَا فِي "الْمُوَطَّأ" مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَفْظُهُ: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.

وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيُّ من طَرِيق ابن وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ. فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ "الْمُسْلِمِ".

فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: "مِثْلُهُ" أَيْ: مِثْلُ أَصْلِ الْحَدِيثِ، لَا خُصُوص الشَّكِّ الْوَاقِعِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ نَافِعٍ.

[5395] قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ ابن عُيَيْنَة.

قَوْله: (عَن عَمْرو) هُوَ ابن دِينَارٍ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِتَحْدِيثِهِ لِسُفْيَانَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ".

قَوْلُهُ: (كَانَ أَبُو نَهِيكٍ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْهَاءِ، (رَجُلًا أَكُولًا) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا نَهِيكٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا.

قَوْله: (فَقَالَ: فَأَنا أُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنا أُؤْمِن بِاللَّهِ .. إِلَخْ، وَمِنْ ثَمَّ أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ.

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: [5396] يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْمُؤْمِنُ يشرب فِي معًي وَاحِدٍ الحَدِيث.

قَوْله فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى: [5397] (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) هُوَ سَلْمَانُ -بِسُكُونِ اللَّامِ- الْأَشْجَعِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ سَلَمَةَ بْنَ دِينَارٍ الزَّاهِدَ، فَإِنَّهُ أَصْغَرُ مِنَ الْأَشْجَعِيِّ، وَلَمْ يُدْرِكْ أَبَا هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (إنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكَلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَافَهُ ضَيْفٌ وَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ أُخْرَى، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا. الْحَدِيثَ، وَهَذَا الرَّجُلُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَهْجَاه الْغِفَارِيّ؛ فَأخْرج ابن أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ: أَنَّهُ قَدِمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ، فَحَضَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، فَكُنْتُ رَجُلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، لَا يُقْدِمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَحَلَبَ لِي عَنْزًا، فَأَتَيْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَلَبَ لِي آخَرَ، حَتَّى حلب لي سَبْعَةَ أَعْنُزٍ، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيتُ بِصَنِيعِ بُرْمَةٍ، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: "أَجَاعَ اللَّهُ مَنْ أَجَاعَ رَسُولَ اللَّهِ"، فَقَالَ: مَهْ يَا أُمَّ أَيْمَنَ! أَكَلَ رِزْقَهُ، وَرِزْقُنَا عَلَى اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ وَصَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ صَنَعَ مَا صَنَعَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَحَلَبَ لِي عَنْزًا وَرُوِيتُ وَشَبِعْتُ، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَلَيْسَ هَذَا ضَيْفَنَا؟ قَالَ: إِنَّهُ أَكَلَ فِي مِعًى وَاحِدٍ اللَّيْلَةَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَأَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ.

وَفِي إِسْنَادِ الْجَمِيعِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبْعَةُ رِجَالٍ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَجُلًا، وَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أَبُو غَزْوَانَ، قَالَ: فَحَلَبَ لَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ، فَشَرِبَ لَبَنَهَا كُلَّهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا غَزْوَانَ أَنْ تُسْلِمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَسْلَمَ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَلَبَ لَهُ شَاةً وَاحِدَةً فَلم يُتمَّ لَبنهَا، فَقَالَ: مَا لك يَا أَبَا غَزْوَانَ؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ نَبِيًّا لَقَدْ رُوِيتُ، قَالَ: إِنَّكَ أَمْس كَانَ لَكَ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ، وَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ إِلَّا مِعًى وَاحِدٌ.

وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَقْوَى مِنْ طَرِيقِ جَهْجَاهَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ كُنْيَتَهُ، لَكِنْ يُقَوِّي التَّعَدُّدَ أَنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا هَاجَرْتُ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَحَلَبَ لِي شُوَيْهَةً كَانَ يَحْلُبُهَا لِأَهْلِهِ، فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَسْلَمْتُ، حَلَبَ لِي فَشَرِبْتُ مِنْهَا فَرُوِيتُ، فَقَالَ: أَرُوِيتَ؟ قُلْتُ: قَدْ رُوِيتُ مَا لَا رُوِيتُ قَبْلَ الْيَوْمِ. الْحَدِيثَ.

وَهَذَا لَا يُفَسَّرُ بِهِ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، لَكِنْ لَيْسَ فِي قِصَّتِهِ خُصُوصُ الْعَدَدِ.

وَلِأَحْمَدَ أَيْضًا، وَلِأَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ، وَقَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ فِي "الدَّلَائِلِ"، وَالْبَغَوِيِّ فِي "الصَّحَابَةِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ الْغِفَارِيِّ: حَدَّثَنِي جَدِّي نَضْلَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي لِقَاحٍ لِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَسْلَمْتُ، ثمَّ أخذتُ علبةً فحلبتُ فِيهَا فشربتُها، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَشْرَبُهَا مِرَارًا لَا أَمْتَلِئُ؟! وَفِي لَفْظٍ: إِنْ كُنْتُ لَأَشْرَبُ السَّبْعَةَ فَمَا أَمْتَلِئُ؟! فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ مُبْهَمُ حَدِيثِ الْبَابِ؛ لِاخْتِلَافِ السِّيَاقِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ: أَنَّهُ نَضْرَةُ بْنُ نَضْرَةَ الْغِفَارِيّ.

وَذكر ابن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ بْنِ أثَالٍ: أَنَّهُ لَمَّا أُسِرَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَقَعَتْ لَهُ قِصَّةٌ تُشْبِهُ قِصَّةَ جَهْجَاهَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ، وَبِهِ صَدَّرَ الْمَازِرِيُّ كَلَامَهُ.

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: فَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا، فَكَانَ الْمُؤْمِنُ لِتَقَلُّلِهِ مِنَ الدُّنْيَا يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاسْتِكْثَارِهِ مِنْهَا يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَمْعَاءِ، وَلَا خُصُوصَ الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّقَلُّلُ مِنَ الدُّنْيَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهَا، فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ تَنَاوُلِ الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ، وَعَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ بِالْأَمْعَاءِ، وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ ظَاهِرٌ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ الْحَلَالَ، وَالْكَافِر يَأْكُلُ الْحَرَامَ، وَالْحَلَالُ أَقَلُّ مِنَ الْحَرَامِ فِي الْوُجُودِ. نَقله ابن التِّينِ.

وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ: حَمَلَ قَوْمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يَأْكُلُ الدُّنْيَا أَكْلًا، أَيْ: يَرْغَبُ فِيهَا وَيَحْرِصُ عَلَيْهَا، فَمَعْنَى الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ أَيْ: يَزْهَدُ فِيهَا فَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهَا إِلَّا قَلِيلًا، وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةٍ أَيْ: يَرْغَبُ فِيهَا فَيَسْتَكْثِرُ مِنْهَا.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ حَضُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ، إِذَا عُلِمَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ صِفَةُ الْكَافِرِ فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْفِرُ مِن الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْكَافِرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ [محمد:12].

وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ، لَا جِنْسِيَّة، جزم بذلك ابن عَبْدِالْبَرِّ فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ، فَكَمْ مِنْ كَافِرٍ يَكُونُ أَقَلَّ أَكْلًا مِنْ مُؤْمِنٍ، وَعَكْسُهُ، وَكَمْ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِقْدَارُ أَكْلِهِ.

قَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِهِ مَالِكٌ الْحَدِيثَ الْمُطْلَقَ، وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا إِذَا كَانَ كَافِرًا كَانَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُوفِيَ وَبُورِكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَكَفَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِمَّا كَانَ يَكْفِيهِ وَهُوَ كَافِرٌ. اهـ.

وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِ الْآثَارِ" فَقَالَ: قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ فِي كَافِرٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الَّذِي شَرِبَ حِلَابَ السَّبْعِ شِيَاهٍ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ عِنْدَنَا مَحْمَلٌ غَيْرُ هَذَا الْوَجْهِ، وَالسَّابِقُ إِلَى ذَلِكَ أَوَّلًا أَبُو عُبَيْدَةَ.

وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْحَمْلُ بِأَنَّ ابن عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْهُ الْعُمُومَ؛ فَلِذَلِكَ مَنَعَ الَّذِي رَآهُ يَأْكُلُ كَثِيرًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ.

ثُمَّ كَيْفَ يَتَأَتَّى حَمْلُهُ عَلَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيح تعدد الْوَاقِعَةِ، وَيُورِدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَقِبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي حَقِّ الَّذِي وَقَعَ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ؟!

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ مُرَادَةً، قَالُوا: تَخْصِيصُ السَّبْعَة للْمُبَالَغَة فِي التَّكثير، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [لقمان:27]، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلَ مِنَ الْأَكْلِ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ، وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَكْلِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ، وَيُمْسِكُ الرَّمَقَ، وَيُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَلِخَشْيَتِهِ أَيْضًا مِنْ حِسَابِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ مَعَ مَقْصُودِ الشَّرْعِ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ، مُسْتَرْسِلٌ فِيهَا، غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ تَبعَاتِ الْحَرَامِ؛ فَصَارَ أَكْلُ الْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرْتُهُ إِذَا نُسِبَ إِلَى أَكْلِ الْكَافِرِ كَأَنَّهُ بِقَدْرِ السُّبْعِ مِنْهُ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُلُ كَثِيرًا: إِمَّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ بَاطِنٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ فِي الْكُفَّارِ مَنْ يَأْكُلُ قَلِيلًا: إِمَّا لِمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ عَلَى رَأْي الْأَطِبَّاءِ، وَإِمَّا لِلرِّيَاضَةِ عَلَى رَأْيِ الرُّهْبَانِ، وَإِمَّا لِعَارِضٍ: كَضَعْفِ الْمَعِدَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمُحَصَّلُ الْقَوْلِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْحِرْصَ عَلَى الزَّهَادَةِ وَالِاقْتِنَاعِ بِالْبُلْغَةِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِذَا وُجِدَ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحَدِيثِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الْآيَةَ [النور:3]، وَقَدْ يُوجَدُ مِنَ الزَّانِي نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَمِنَ الزَّانِيَةِ نِكَاحُ الْحُرِّ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّامُّ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَمُلَ إِيمَانُهُ اشْتَغَلَ فِكْرُهُ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ شِدَّةُ الْخَوْفِ وَكَثْرَةُ الْفِكْرِ وَالْإِشْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنِ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتِهِ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ –رَفَعَهُ: مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَلَّ طُعْمُهُ، وَمَنْ قَلَّ تَفَكُّرُهُ كَثُرَ طُعْمُهُ، وَقَسَا قَلْبُهُ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّحِيحُ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ يَقْتَصِدُ فِي مَطْعَمِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَمِنْ شَأْنِهِ الشَّرَهُ، فَيَأْكُلُ بِالنَّهَمِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ، وَلَا يَأْكُلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِقِيَامِ الْبِنْيَةِ.

وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ: قَدْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَفَاضِلِ السَّلَفِ الْأَكْلُ الْكَثِيرُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِمْ.

الرَّابِعُ: أَنَّ المُرَاد أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ، فَيَكْفِيهِ الْقَلِيلُ، وَالْكَافِرُ لَا يُسَمِّي، فَيُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَبْلُ، وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَقِلُّ حِرْصُهُ عَلَى الطَّعَامِ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ وَفِي مَأْكَلِهِ، فَيَشْبَعُ مِنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَافِرُ طَامِحُ الْبَصَرِ إِلَى الْمَأْكَلِ كَالْأَنْعَامِ، فَلَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ.

وَهَذَا يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَيُجْعَلَانِ جَوَابًا وَاحِدًا مُرَكَّبًا.

السَّادِسُ: قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَأَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَأْكُلُونَ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ مِثْلَ مِعَى الْمُؤْمِنِ. اهـ.

وَيَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ: أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ: الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا: الْبَوَّابُ، ثُمَّ الصَّائِمُ، ثُمَّ الرَّقِيقُ، وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ، ثُمَّ الْأَعْوَرُ، وَالْقَوْلُونُ، وَالْمُسْتَقِيمُ، وَكُلُّهَا غِلَاظٌ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْكَافِرَ لِكَوْنِهِ يَأْكُلُ بِشَرَاهَةٍ لَا يُشْبِعُهُ إِلَّا مِلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ، وَالْمُؤْمِنُ يُشْبِعُهُ مِلْءُ مِعًى وَاحِدٍ.

وَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْأَطِبَّاءِ فِي تَسْمِيَةِ الْأَمْعَاءِ السَّبْعَةِ أَنَّهَا: الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهَا رِقَاقٌ، وَهِيَ: الِاثْنَا عَشْرِيُّ، وَالصَّائِمُ، وَالْقَوْلُونُ، ثُمَّ ثَلَاثَةٌ غِلَاظٌ وَهِيَ: الْفَانَفِيُّ -بِنُونٍ وَفَاءَيْنِ أَوْ قَافَيْنِ- وَالْمُسْتَقِيمُ، وَالْأَعْوَرُ.

السَّابِعُ: قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّبْعَةِ فِي الْكَافِرِ صِفَاتٍ هِيَ: الْحِرْصُ، وَالشَّرَهُ، وَطُولُ الْأَمَلِ، وَالطَّمَعُ، وَسُوءُ الطَّبْعِ، وَالْحَسَدُ، وَحُبُّ السِّمَنِ، وَبِالْوَاحِدِ فِي الْمُؤْمِنِ سَدَّ خَلَّتِهِ.

الثَّامِنُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: شَهَوَاتُ الطَّعَامِ سَبْعٌ: شَهْوَةُ الطَّبْعِ، وَشَهْوَةُ النَّفْسِ، وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ، وَشَهْوَةُ الْفَمِ، وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ، وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ، وَشَهْوَةُ الْجُوعِ، وَهِيَ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي يَأْكُلُ بِهَا الْمُؤْمِنُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْكُلُ بِالْجَمِيعِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ أَصْلَ مَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مُلَخَّصًا، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْعَاءَ السَّبْعَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَالشَّهْوَةِ وَالْحَاجَةِ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا، وَالْحَثُّ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا، وَالْقَنَاعَةُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ الْعُقَلَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يَتَمَدَّحُونَ بِقِلَّةِ الْأَكْلِ، وَيَذُمُّونَ كَثْرَةَ الْأَكْلِ.

الشيخ: الخلاصة من هذا: أن الحديث ليس على ظاهره بكل الوجوه؛ فإن الخلقة واحدة، خلقة بني آدم واحدة، كافرهم ومسلمهم، هذا مسلم ويكفر، وهذا كافر ويُسلم، فخلقتُهم واحدة معروفة، ولكن الكافر لشرهه، وعدم إيمانه، وعدم تسميته لله، وعدم مُراعاته لأخطار الأكل، وغير هذا مما ذكره المؤلفُ يأكل بسبعة أيام، يعني: كنَّى عن شرهه وقلَّة مُبالاته وكونه يُشبه الأنعام في أنه يرعى مجرد الشهوة فقط، ولا ينظر إلى الأمور الأخرى في الغالب، كأنه يأكل في سبعة أمعاء، بخلاف المؤمن في اقتصاده، وتسميته، وخوفه من معرة الأكل الكثير، وتحريه الحلال، وغير هذا من هذه الوجوه السبعة.

هذه الوجوه السبعة كلها يشدُّ بعضها بعضًا، ويُؤيد بعضها بعضًا، وخلاصتها أنه ليس على ظاهره، وإنما هو إشارة إلى ذمِّ حالة الكافر، ومدح حالة المؤمن، وأن المؤمن ينبغي أن يكون محل الاقتصاد، ومحل العناية، ومحل التفكر والنظر، وعدم الشره في الأكل، وأن الكافر بخلاف ذلك.

الطالب: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ: الْحَضُّ عَلَى التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا، وَالْحَثُّ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا، وَالْقَنَاعَةُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ الْعُقَلَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يَتَمَدَّحُونَ بِقِلَّةِ الْأَكْلِ، وَيَذُمُّونَ كَثْرَةَ الْأَكْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ أَنَّهَا قَالَتْ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ لِابْنِ أَبِي زَرْعٍ: "وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ"، وَقَالَ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ:

فَإِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا

الشيخ: يعني: مَن أعطى بطنه مُراده، وأعطى فرجه مراده انتهى إلى غاية الذمِّ -نسأل الله العافية- ووقع في الحرام والفواحش والشرور الكثيرة، هذا البيت ينبغي أن يُكتب، جيد.

الطالب: وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

وَقَالَ ابنُ التِّينِ: قِيلَ: إِنَّ النَّاسَ فِي الْأَكْلِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: طَائِفَةٌ تَأْكُلُ كُلَّ مَطْعُومٍ مِنْ حَاجَةٍ وَغَيْرِ حَاجَةٍ، وَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْجَهْلِ. وَطَائِفَةٌ تَأْكُلُ عِنْدَ الْجُوعِ بِقَدْرِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ حَسْبُ. وَطَائِفَةٌ يُجَوِّعُونَ أَنْفُسَهُمْ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ قَمْعَ شَهْوَةِ النَّفْسِ، وَإِذَا أَكَلُوا أَكَلُوا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ. اهـ مُلَخَّصًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَنْزِيلِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَائِقٌ بالْقَوْل الثَّانِي.

بَاب الأَكْلِ مُتَّكِئًا

5398- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا آكُلُ مُتَّكِئًا.

5399- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: لا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ.

الشيخ: الكلام على الاتِّكاء؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا) أَيْ: مَا حُكْمُهُ؟ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ صَرِيحٌ.

[5398] قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ) كَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ الثَّوْرِيُّ، فَكَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِيهِ شَيْخَانِ.

قَوْلُهُ: (عَن علي بن الْأَقْمَر) أَي: ابن عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْهَمْدَانِيِّ -بِسُكُونِ الْمِيمِ- الْوَادِعِيِّ، الْكُوفِيِّ، ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ رِوَايَةَ رُقَيَّةَ ..

الشيخ: لعله رقبة.

الطالب: وَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ رِوَايَةَ رقبة لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ؛ لِتَصْرِيحِ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ فِي رِوَايَةِ مِسْعَرٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَبِي جُحَيْفَة بِدُونِ وَاسِطَة، ويحتمل أن يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ عَوْن أَوَّلًا عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ لَقِيَ أَبَاهُ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَثَبَّتَهُ فِيهِ عَوْنٌ.

قَوْلُهُ: إِنِّي لَا آكُلُ مُتَّكِئًا ذَكَرَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَهَا لَهُ سَبَبًا مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: اللَّفْظُ الثَّانِي أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا فِي النَّفْيِ فَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ. اهـ.

وَكَانَ سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةَ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عِنْدَ ابن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، قَالَ: أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ شَاةً، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا، وَلم يَجْعَلنِي جبارًا عنيدًا.

قَالَ ابن بَطَّالٍ: إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أتى النَّبِيَّ ﷺ مَلَكٌ لَمْ يَأْتِهِ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يُخَيِّرُكُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: أَنْ تَوَاضَع، فَقَالَ: بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا، قَالَ: فَمَا أَكَلَ مُتَّكِئًا. اهـ.

وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بن عَبَّاس قَالَ: كَانَ ابن عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَا رُؤِيَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قطّ.

وَأخرج ابن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مُتَّكِئًا إِلَّا مَرَّةً، ثُمَّ نَزَعَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ.

وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَرَّةَ الَّتِي فِي أَثَرَ مُجَاهِدٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ شَاهِينَ فِي "نَاسِخِهِ" مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ.

وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا نَهَاهُ جِبْرِيلُ عَنِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا لَمْ يَأْكُلْ مُتَّكِئًا بَعْدَ ذَلِكَ.

وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ:

فَقِيلَ: أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ.

وَقِيلَ: أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ.

وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنَ الْأَرْضِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَحْسَبُ الْعَامَّةُ أَنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ الْآكِلُ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِي تَحْتَهُ.

قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: إِنِّي لَا أَقْعُدُ مُتَّكِئًا عَلَى الْوِطَاءِ عِنْدَ الْأَكْلِ فِعْلَ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الطَّعَامِ، فَإِنِّي لَا آكُلُ إِلَّا الْبُلْغَةَ مِنَ الزَّادِ؛ فَلِذَلِكَ أَقْعُدُ مُسْتَوْفِزًا.

وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ ﷺ أَكَلَ تَمْرًا وَهُوَ مُقْعٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَهُوَ مُحْتَفِز. وَالْمُرَادُ: الْجُلُوسُ عَلَى وَرِكَيْهِ غير مُتَمَكن.

وَأخرج ابن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ. قَالَ مَالِكٌ: هُوَ نَوْعٌ مِن الِاتِّكَاءِ.

قُلْتُ: وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنْ مَالِكٍ إِلَى كَرَاهَةِ كُلِّ مَا يُعَدُّ الْآكِلُ فِيهِ مُتَّكِئًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا.

وَجَزَمَ ابنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِير الاتِّكاء بِأَنَّهُ الْمَيل عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِإِنْكَارِ الْخَطَّابِيِّ ذَلِك.

الشيخ: وهذا هو الأظهر، وقول الخطابي ليس بشيءٍ، الأظهر أنه الميل على أحد الشقين، يعني: كأنه غير مبالٍ بالطعام، وغير مبالٍ بالأكل، ولهذا جاء في الأحاديث ما يدل على هذا: منها حديث: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، وهذا جاء في عدة أحاديث؛ يُخبر بأشياء ثم يجلس بعدما كان غير مُنتصبٍ.

فالمتكئ هو الذي قد مال على أحد شقيه، يعني: لم يعتدل في جلسته، فإذا اعتدل في الجلسة فهو غير متكئ، وهذا الذي ذكره الخطابي أنَّ مَن اعتمد في الجلوس يُسمَّى: متَّكئًا، مَن جلس مُتربعًا أو ناصبًا إحدى رجليه يُسمَّى: متكئًا، وليس الأمر كذلك، إنما المتكئ: المائل، تكون أمعاؤه مائلة، وهو مائل، غير مبالٍ بالأكل، وغير مُكترثٍ، فإذا انتصب واعتدل فهذا غير متَّكئ.

الطالب: وَحكى ابن الْأَثِيرِ فِي "النِّهَايَةِ" أنَّ مَنْ فَسَّرَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيلِ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَذْهَبِ الطِّبِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْحَدِرُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ سَهْلًا، وَلَا يُسِيغُهُ هَنِيئًا، وَرُبَّمَا تَأَذَّى بِهِ.

وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا: فَزَعَمَ ابن الْقَاصِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ، وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: قَدْ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمُتَعَظِّمِينَ، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِالْمَرْءِ مَانِعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنَ الْأَكْلِ إِلَّا مُتَّكِئًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَةٌ. ثُمَّ سَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَكَلُوا كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إِلَى حَمْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى الضَّرُورَة، وَفِي الْحَمْل نظر.

وَقد أَخْرَجَ ابنُ أبي شيبَة: عَن ابن عَبَّاسٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ: جَوَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا.

وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلْآكِلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُور قَدَمَيْهِ، أَوْ يَنْصِبُ الرِّجْلَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسُ عَلَى الْيُسْرَى.

وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مُضْطَجِعًا: أَكْلَ الْبَقْلِ.

وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ، وَأَقْوَى مَا ورد فِي ذَلِك مَا أخرجه ابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا اتِّكَاءَةً؛ مَخَافَةَ أَنْ تعظم بطونهم. وَإِلَى ذَلِك يُشِير بَقِيَّةُ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابنُ الْأَثِير من جِهَة الطِّبِّ، وَالله أعلم.

الشيخ: المقصود أنه ليس فيه نهي، وإنما فيه إخبار: لا آكل مُتَّكِئًا، ويدل على الكراهة أو ترك الأولى فقط، يعني: ليس فيه نهي، دلَّ على أن الأفضل ألا يأكل متَّكئًا: إما للطب واستقامة الحال في انحدار الطعام، أو لأنه قد يُؤثر في عظم البطون.

فالحاصل أنه ليس أمرًا مُحرمًا، وإنما هو من باب ترك الأوْلى، أو من باب الكراهة؛ لما في الجلوس مُعتدلًا من الفائدة، ولما في الاتِّكاء من عدم الاعتدال.

س: والمُتربع؟

ج: المتربع ليس متَّكئًا، خلافًا للخطابي، لكن لا يتَّكئ على اليد، تركه أوْلى، لكنه ليس بمحرمٍ، إنما تركه أفضل، ترك الاتِّكاء أفضل.

س: ..........؟

ج: الله أعلم، لكن كلها لا تُسمَّى: اتِّكاء، كلها ليست اتِّكاء.

س: ............؟

ج: الجاثي هكذا، جثا على ركبتيه وجعل يأكل، وهذه الرواية التي تُروى عن النبي ﷺ في إسنادها نظر.

س: ............؟

ج: المستوفز: نصب رجليه وساقيه، يُسمونها: جلسة الاحتباء، وإن رفع مقعدته صار أكثر استفازًا.

بَاب الشِّوَاءِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فـَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود:69]: أَيْ مَشْوِيّ.

5400- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنَّهُ لا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ. قَالَ مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ.

الشيخ: وهذا يدل على حلِّ الضبِّ، وأن الضبَّ لا بأس به، ومَن كرهه فلا وجهَ لكراهته، النبي ﷺ أخبر أنه ليس بحرامٍ، وأُكل على مائدته.

ومن الفوائد: أنه لا بأس أن يقدم الإنسانُ للضيف مما أحلَّ الله وإن كان هو لا يأكله، قد يكون هو لا يشتهيه، أو ممنوعًا منه لحميةٍ أو ما أشبه ذلك، كونه يُقدّم للضيف ما يُناسبه وما يرى أنه من إكرامه ولو أنه لا يأكله هو لأسبابٍ متنوعةٍ.

وفيه من الفوائد: رواية الصحابي عن الصحابي: ابن عباس، عن خالد بن الوليد.

وفيه جواز أكل الشِّواء، وأنه لا بأس أن يشوى اللحم بغير طبخٍ، قد يُشوى على النار ويُؤكل لا بأس.

س: ...............؟

ج: ما يُتصور إجماعٌ يخالف السنة، ما هناك إجماع يُخالف السنة الصحيحة.

بَاب الخَزِيرَةِ

قَالَ النَّضْرُ: "الخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ".

5401- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ- أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَقَالَ: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَكَبَّرَ فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي البَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا تَقُلْ، أَلا تَرَاهُ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قُلْنَا: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى المُنَافِقِينَ، فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ.

الشيخ: "من سراتهم" يعني: من أشرافهم، وهذا فيه فضل التوحيد، والدلالة على أن التوحيد هو أفضل الأعمال، وأن مَن مات عليه حرَّم الله عليه النار، مَن قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله يعني: مخلصًا في ذلك، قالها عن إخلاصٍ وصدقٍ؛ فإنَّ الله يُحرمه على النار، وإنما يكون هكذا إذا أدى حقَّها، واستقام على حقِّها، فإن فرَّط صار هذا الإخلاص مدخولًا وناقصًا، فإن المعاصي تُضعف هذا الإخلاص، فإذا مات على المعاصي مات على توحيدٍ ضعيفٍ، وقد يدخل النار بسبب المعاصي تطهيرًا له، وقد يُعفى عنه بأسباب توحيده وإخلاصه وما عنده من أعمالٍ صالحات، ولهذا أخبر الله سبحانه المشركَ: لا يُغفر له، وأنَّ ما دون ذلك تحت المشيئة، وقال : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

فمَن مات على التوحيد والإيمان، قد أدَّى الحقوقَ، وتباعد عن المعاصي، فله الجنة، وله الكرامة والسلامة من النار من جميع الوجوه، أما مَن مات على التوحيد الذي قد وهن وضعف بالمعاصي، فإنه تحت مشيئة الله.

فالذي قالها يبتغي بها وجهَ الله قال: حرَّمه الله على النار إما تحريمًا تامًّا إذا كان قد أدَّى الحقَّ، أو تحريمًا من الخلود فيها والبقاء فيها -نسأل الله السلامة- لأنَّ العاصي لا يخلد في النار عند أهل السنة والجماعة، ولو دخلها، قد جاءت النصوصُ المتواترة المستفيضة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: أنَّ الله يُخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ، حبَّة خردلٍ من إيمانٍ، شعيرة من إيمانٍ، إلى آخر ما جاء في الأحاديث.

وقد جاءت الأحاديثُ أن الرسول يشفع لأناسٍ في العُصاة في النار، دخلوها بمعاصيهم، أربع مرات يشفع فيهم، فيحدّ له حدّ فيخرجون من النار، ثم يشفع فيحد له حد، ثم يشفع فيحد له حد، ثم يشفع فيحد له حد، فدلَّ ذلك على أن العُصاة مُعرَّضون للوعيد، وما ذاك إلا لأنَّ التوحيد ضعف بمعاصيهم.

وفيه إكرام الضيف بالخزيرة والحريرة ونحو ذلك، وأنهم كانوا ما يتكلَّفون ، وهم أفضل الخلق، ما جعلوا الذبائح، وتكلفوا خزيرةً –عصيدة- قد يكون فيها شيء من قطع اللحم، وقد لا يكون فيها شيء إلا الدهن، المقصود أنهم ما كان من عادتهم التَّكلف، بل كانوا يتسامحون فيما بينهم في صنع الطعام المتيسر، فالخميرة والخزيرة والعصيدة كلها متقاربة، يكون بينها شيء من الفرق: إما بزيادة قطعة من اللحم في بعضها، أو نحو ذلك.

وفيه من الفوائد: أنه ما ينبغي لمن أظهر التوحيد والإيمان أن يُقال: إنه منافق، ما يقال له هذا، من كان ظاهره التوحيد والإيمان ومحبَّة الكتاب والسنة وحبّ الله ورسوله هذا لا يُقال له أنه منافق، النبي أنكر عليهم لما قالوا: مالك بن الدخشن إنه منافق، لا يُحب الله ورسوله. قال: لا، فإنَّ الله حرَّم على النار مَن قال: لا إله إلا الله، المقصود أنه أنكر عليهم أن يرموه بالنفاق إلا عن بصيرةٍ، فينبغي التَّبصر في الأمور، وعدم العجلة في الأمور، ولا ترم أخاك بأنه كافر أو منافق إلا عن بصيرةٍ، فإن قال لأخيه: يا كافر، أو: يا عدو الله، فهو أوْلى بها، إلا أن يكون أخوه كذلك، قد تقول له: يا عدو الله، وأنت أوْلى بهذه الكلمة، قد تقول: يا كافر، وأنت أوْلى بها؛ لأن أخاك سالم، ولهذا قال في الحديث الصحيح: مَن قال لأخيه: يا كافر، فقد باء أحدُهما، وفي اللفظ الآخر: رجعت إليه، إلا أن يكون أخوه كما قال، فينبغي التَّحرز والحذر.

أيش قال عن الحديث؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْخَزِيرَةِ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ زَايٍ مَكْسُورَةٍ، وَبَعْدَ التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ رَاءٌ، هِيَ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الدَّقِيقِ عَلَى هَيْئَةِ الْعَصِيدَةِ، لكنه أرقَّ مِنْهَا. قَالَه الطَّبَرِيُّ.

وَقَالَ ابنُ فَارِسٍ: دَقِيقٌ يُخْلَطُ بِشَحْمٍ.

وَقَالَ الْقُتَبِيُّ وَتَبِعَهُ الْجَوْهَرِيُّ: الْخَزِيرَةُ أَنْ يُؤْخَذَ اللَّحْمُ فَيُقَطَّعَ صِغَارًا، وَيصبّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، فَإِذَا نَضِجَ ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ فَهِيَ عَصِيدَةٌ.

وَقِيلَ: مَرَقٌ يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ ثُمَّ يُطْبَخُ.

وَقِيلَ: حِسَاءٌ مِنْ دَقِيقٍ وَدَسَمٍ.

الشيخ: الخلاصة أنها العصيدة، هذه يُقال لها: خزيرة، وقد يكون فيها شحم، وقد تكون فيها قطع من اللحم الصِّغار.

الطالب: قَوْلُهُ: (قَالَ النَّضْرُ) هُوَ ابن شُمَيْلٍ النَّحْوِيُّ اللُّغَوِيُّ الْمُحَدِّثُ الْمَشْهُورُ.

قَوْلُهُ: (الْخَزِيرَةُ) يَعْنِي بِالْإِعْجَامِ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالْحَرِيرَة يَعْنِي بِالْإِهْمَالِ مِنَ اللَّبَنِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ النَّضْرُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْهَيْثَمِ، لَكِنْ قَالَ: مِنَ الدَّقِيقِ، بَدَلَ اللَّبَنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ.

الشيخ: وقد يكون قول النضر: "اللبن" يعني مع الدقيق، يعني تُعصد على لبنٍ مثلما يفعل الناسُ في الجريش الآن مع اللبن، تكون عصيدةً فيها دقيق، وهي معصودة على اللبن، وإن كانت الحنطة غير منعمةٍ تُسمَّى: جشيشة؛ لأنَّ الطحين ما هو منعم كالجريش، فالجشيشة هي الجريشة؛ لأنَّ الحنطة لم تُنعم، لم يُنعم طحنها، طحنها خفيف.

الطالب: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اللَّبَنِ أَنَّهَا تُشْبِهُ اللَّبَنَ فِي الْبَيَاضِ لِشِدَّةِ تَصْفِيَتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

س: ..............؟

ج: لا، اتخاذه مصلى ليقصده النبيُّ لا بأس؛ لأن الله جعله مباركًا، ولأن هذا أثبت في القبلة، إذا صلى كان أثبت في القبلة، مع ما في عمله من البركة عليه الصلاة والسلام، ولهذا لما قصد قباء وصلَّى فيه قصده الناسُ وصار مشروعًا، كذلك لما صلَّى خلف المقام صلينا خلف المقام، لما دخل الكعبة وصلَّى صلينا، لما جعل الله فيه من البركة عليه الصلاة والسلام.

وفيه أيضًا من الفوائد: تواضع النبي، كونه يقصد أحد رعيته، يذهب على رجليه إلى أحد رعيته، ويُجيب دعوته، عليه الصلاة والسلام.

س: الجمع بينه وبين قصة ابن أم مكتوم الذي لا يجد قائدًا يُلائمه؟

ج: ما فيها تعارض، هذا يقول أنه يجيئه السيل بعض المرات، بعض الأحيان، ولا أستطيع الذهاب إلى مسجد قومي، فأريد مسجدًا أُصلي فيه وقت العذر يعني، وابن أم مكتوم ما له عذر إلا مجرد العمى، والعمى ما هو بعذر، يمكن أن يتجسس في الطريق حتى يعرف الطريق، أو يتَّخذ قائدًا من جيرانه، وبعض العميان قد يكون أبصر من بعض المبصرين في الطريق، أنا أعرف ناسًا من العميان يذهبون إلى البرِّ ويأتون بالحجِّ وحدهم، ما هو كل أعمى مغفل، يعرف الطريق.

س: الاحتفال بافتتاح المسجد والصلاة فيه؟

ج: ما أعرف في هذا شيئًا، ما أذكر في هذا شيئًا، ما أذكر شيئًا عن السلف.

س: حديث عتبان هذا ما يُفيد هذا؟

ج: لا، ما فيه احتفال هذا، صلَّى فيه ليتّخذه مصلًّى فقط.

بَاب الأَقِطِ

وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا: بَنَى النَّبِيُّ ﷺ بِصَفِيَّةَ، فَأَلْقَى التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ حَيْسًا.

5402- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ضِبَابًا وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ، وَأَكَلَ الأَقِطَ.

الشيخ: وهذا فيه من الفوائد مثلما تقدم: عدم التَّكلف، وأنه لا ينبغي التَّكلف بين الإخوان وبين الأحبة، لا في الولائم، ولا في الأعراس، ينبغي التَّسامح؛ لأنَّ هذا مما يسهل مؤنة النكاح، ويكثر حصول النكاح، فالتكلف قد يعوّق الناس الكثيرين من النكاح، والتسامح من أسباب وجود النكاح، فالنبي ﷺ أولم على صفية بالحيس، ودعا بالأنطاع، ووُضع فيها التمر والأقط والسمن، فكانت هذه وليمته على صفية رضي الله تعالى عنها.

وفي هذا أنه أُهدي إليه ﷺ؛ أهدت إليه أختُ ميمونة سمنًا وأقطًا وضبًّا، فقدم على مائدته ﷺ، فأكل من الأقط، وترك الضبَّ، قال: لأنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه، فأكله خالد ومَن معه من الناس على مائدته عليه الصلاة والسلام.

بَاب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ

5403- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلا نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلا وَدَكٌ.

الشيخ: وهذا يدل على الحاجة الشديدة، فإنَّ المدينة أصابتها حاجةٌ شديدة؛ لكثرة الناس، وقلة موارد المال وموارد الطعام، ولهذا أصابتهم حاجة، كانوا مشغولين بالجهاد، وهذا فيه دلالة على أنه ينبغي لأهل الإسلام الصبر عندما تعرض العوارض، ينبغي أن لا يمنعهم هذا من الجهاد، والصبر، والدعوة إلى الله عز وجل، وقد صبر المهاجرون والأنصار، وقاموا بالجهاد خير قيامٍ على ما بهم من حاجةٍ وشدةٍ جميعًا.

س: ...............؟

ج: مثلما قال: "ما كنا نقيل إلا بعد الجمعة" يعني: كانوا يُبكِّرون بالجمعة، يُصلونها في أول الوقت، يُبَكِّرون: الذي يقرأ، والذي يُسبِّح، والذي يُهلل، والسنة التبكير للجمعة، ولهذا كانت القيلولةُ بعد الجمعة مثلما قال سهل: "ما كنا نقيل ولا نتغدَّى إلا بعد الجمعة"، لكن ما يلزم من هذا أنهم صلُّوها قبل الزوال؛ ولهذا قال سلمة في "الصحيحين": "كان النبي يُصليها إذا زالت الشمسُ"، هذا هو الأفضل الذي عليه جمهور أهل العلم؛ أنه يكون بعد الزوال.

س: والقيلولة تكون بعد الظهر؟

ج: تكون بعد الظهر، نعم، تكون في وسط النهار عند الظهر، وتكون بعد الظهر، كلها قيلولة.

بَاب النَّهْسِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ

5404- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَعَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَتِفًا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

5405- وَعَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَشَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ، فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

الشيخ: وهذا فيه جواز نهش العظم وأكل العظم، وأنه لا بأس بذلك؛ أن يأكله عند الناس، وينهش ما فيه من اللحم؛ لأن ما في العظم يُشتهى، فالنبي كان يتعرَّق العظم عليه الصلاة والسلام والناس ينظرون، فلا بأس بهذا.

وفيه: أنه لا وضوءَ مما مسَّت النار من الغنم والبقر ونحو ذلك؛ لأنَّ الرسول ﷺ أكل الكتفَ ثم صلَّى ولم يتوضأ، فدلَّ ذلك على أنَّ ما جاء في أحاديث الوضوء مما مسَّت النار منسوخ، أو على سبيل الاستحباب، أما لحم الإبل فقد ثبتت الأحاديثُ بأنه يُتوضأ منه نيِّئًا أو مطبوخًا.

س: شواء الإبل داخلٌ في مسألة اللَّحم؟

ج: نعم، المطبوخ والمشوي والنّيء والطري، كل واحدٍ، كله ينقض الوضوء.

س: نهس وإلا نهش؟

ج: هو يُقال: نهش، ويقال: نهس، وبعضهم يُفرِّق بين النَّهس: الأخذ القليل يُسمَّى: نهسًا، والقوي يُسمَّى: نهشًا، المقصود كلها، أخذ اللحم الذي ..... نهسه ونهشه.

بَاب تَعَرُّقِ العَضُدِ

5406- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَ مَكَّةَ.

5407- حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي لَهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ لا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ رَكِبْتُ، فَشَدَدْتُ عَلَى الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا، وَخَبَأْتُ العَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، مِثْلَهُ.

الشيخ: وهذا فيه فوائد:

منها: أنَّ المحرم لا يُعين الحلال على قتل الصيد ولو بمُناولته الرمح أو السوط أو غير ذلك مما يُعينه.

وفيه من الفوائد: أن الصيد حلال للمُحرم إذا كان ما صاده، ولو يُصد لأجله، وإنما صاده غيرُه، ولهذا أكله النبيُّ ﷺ، وأكل من الصحابة، وإنما أكل منه النبيُّ ﷺ ليعلموا حِلَّه، ويطيب نفوسهم حتى يعلموا حِلَّه، بخلاف ما لو صاده محرمٌ؛ فإنه لا يجوز، أو صِيد لأجله.

هذا هو الجمع بين النصوص في هذا الباب، كما تقدم في الحجِّ في حديث الصَّعب بن جثامة الليثي: أنه أهدى للنبي ﷺ حمارًا وحشيًّا فردَّه وقال: إنا حُرُمٌ، فأجاب العلماء عن هذا أنه ردَّه لأنه حيٌّ، فلهذا ردَّه عليه، وأما رواية أنه أهداه عجز حمار أو شقّ حمارٍ فهو محمولٌ على وهمٍ من بعض الرواة، أو أنه صاده لأجله، ولهذا في حديث جابر في "السنن": صيد البَرِّ لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم.

تكلم على النَّهش؟

الطالب: نعم، قَوْلُهُ: (بَابُ النَّهْشِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ) النَّهْشُ بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ، بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، أَوْ مُهْمَلَةٌ، وَهُمَا بِمَعْنًى عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ.

الشيخ: يعني: النهس والنهش بمعنًى واحدٍ عند الأصمعي.

الطالب: وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ، وَهُوَ الْقَبْضُ عَلَى اللَّحْمِ بِالْفَمِ، وَإِزَالَتُهُ عَنِ الْعَظْمِ وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا، وَبِالْمُهْمَلَةِ تنَاوله بِمقدم الْفَم.

وَقيل: النَّهش بِالْمُهْمَلَةِ لِلْقَبْضِ عَلَى اللَّحْمِ وَنَتْرِهِ عِنْدَ الْأَكْلِ.

قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ أَهْنَأَ وأمرأ، أَي: أَشد هناءً ومراءةً، وَيُقَال: هنيء، صَار هَنِيئًا، ومريء، صَارَ مَرِيئًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَى الْمَعِدَةِ وَيَنْهَضِمَ عَنْهَا.

الشيخ: المقصود أنَّ المقدم عنها أنَّ النهس والنهش بمعنى واحدٍ، وهو أخذ اللحم بمقدم الفم، بالأضراس يعني من اللحم، وقال بعضُهم: النهس: أخذه بالفم كله، والنهش بالشين: أخذه بالمقدم -مقدم الأضراس- والأول هو المقدم عندهم، كما قال الجوهري والأصمعي أنَّ نهس العظم ونهشه يعني: تعرُّقه.

بَاب قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ

5408- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

بَاب مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا

5409- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ".

الشيخ: وهذا من كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام.

بَاب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ

5410- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ النَّقِيَّ؟ قَالَ: "لا"، فَقُلْتُ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: "لا، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ".

بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ

5411- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا، شَدَّتْ فِي مَضَاغِي".

الشيخ: وهذا مثلما تقدم مرَّت بهم شدةٌ عظيمة، ولكنَّ الله فرَّج بعد ذلك، وصبروا، وجاهدوا، ثم جاء الفرج رضي الله عنهم وأرضاهم.

5412- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: "رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ -أَوِ الحَبَلَةِ- حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلامِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي".

الشيخ: وهو سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه وأرضاه، يعني: قد صحبت النبيَّ هذه المدة الطويلة، وتعلَّمْتُ ديني، ثم يقول هؤلاء من بني أسدٍ أنه كذا وأنه كذا: أنه لا يُحسن أن يُصلي! يتعجَّب من جرأتهم وضلالهم في هذا الشيء، والله المستعان.

5413- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: "مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّقِيَّ مِنْ حِين ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ"، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَنَاخِلُ؟ قَالَ: "مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنْخُلًا مِنْ حِين ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟! قَالَ: "كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ".

5414- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ".

5415- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "مَا أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةَ، وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ". قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلامَ يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: "عَلَى السُّفَرِ".

الشيخ: أيش قال الشارحُ على الحديث الأول -حديث أبي هريرة: دُعي إلى شاةٍ مصليَّةٍ؟

الطالب: الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ؛ أَيْ: مَشْوِيَّةٌ، وَالصِّلَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الشَّيُّ.

[5414] قَوْلُهُ: "فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ" لَيْسَ هَذَا مِنْ تَرْكِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَلِيمَةِ، لَا فِي كُلِّ الطَّعَامِ، وَكَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اسْتَحْضَرَ حِينَئِذٍ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ؛ فَزَهِدَ فِي أَكْلِ الشَّاةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: "خَرَجَ وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ"، وَقَدْ مَضَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَطْعِمَةِ، وَيَأْتِي مَزِيدٌ لَهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ.

الْخَامِسُ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْخِوَانِ وَالسُّكُرُّجَةِ، تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.

5416- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ البُرِّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ".

الشيخ: ينبغي أن يُعلم: كلُّ صحابي يُخبر عمَّا علم؛ هذا يُخبر عن البُرِّ، وهذا يُخبر عن الشعير، وهذا يُخبر عن كذا، كل واحدٍ يُخبر بما علم من حاله عليه الصلاة والسلام، فقد يعلم هذا ما لا يعلم هذا في بعض الوقائع التي تقع لهم في بعض الأطعمة وغيرها، والقاعدة: أنَّ مَن حفظ حُجَّة على مَن لم يحفظ، فمَن أثبت شيئًا زائدًا قُدِّم على غيره.

س: ما ثبت أنَّ النبي فعله من باب العادات يُعتبر سنةً أو عادةً؟ يعني: ما أكل على خوانٍ قط، سنة ألا يأكل الإنسانُ على خوانٍ؟

ج: هو جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه أكل على خوانٍ في بعض الأحيان، وهذه الأمور هي أشبه بالعادات، مثل: الملابس، والمآكل، والأواني، وأشباه ذلك، إلا الشيء الذي ثبت النَّهي عنه مثل: الذهب والفضة، وإلا فالأصل أنَّ هذه من الأمور العادية التي يتفاوت الناسُ فيها، ويختلفون، لا يُنكر فيها شيء.

س: الخوان هو السُّفْرة؟

ج: الخوان: شيء مُرتفع له قوائم، والسفرة أعمّ: الشيء الذي على قوائم، والشيء المبسوط في الأرض، مثل: الأنطاع يُقال لها: سفرة، والسُّفْرة التي على قوائم كذلك مثل: الخوان.