وقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] أجمع العلماء من السلف، والخلف على أن الدين مقدم على الوصية، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة.
وقد روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وأصحاب التفاسير من حديث أبي إسحاق عن الحارث بن عبد الله الأعور، عن علي بن أبي طالب، قال: إنكم تقرؤون مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وإن رسول الله ﷺ قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. (قلت) لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب، والله أعلم.الشيخ: هذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد لكن معناه صحيح، فإن الله جل وعلا قال: مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أو دَيْنٍ، والمعنى أن الورثة إنما يأخذون الورث بعد الديون التي عليهم، يقضى الدين أولاً، فإذا قضي الدين أخذت الوصية بالثلث، أو بأقل من الثلث، ثم الباقي يقسم بين الورثة، أولاً الدين، يبدأ بالدين قبل كل شيء، فإذا قضي دينه الثابت المعروف بعد هذا ينظر في الوصية التي أوصى بها، فإذا كانت الثلث أو أقل نفذت قبل المواريث، ثم بعد هذا يقسم للورثة.
وقوله: "أعيان بني أم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه" معناه أن الأشقاء يتوارثون دون الإخوة لأب؛ لأنهم أقوى، فإذا مات الرجل عن أخيه الشقيق وعن أخيه لأب صار ورثه لأخيه الشقيق من أمه وأبيه، وقدم على أخيه لأبيه؛ لأنه أقوى منه، وأقرب منه، ولهذا قال عليه الصلاة، والسلام: ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر يعني فلأقرب رجل ذكر.وهكذا بنو الأخ، وهكذا الأعمام، ابن الأخ الشقيق يقدم، والعم الشقيق يقدم، وابن العم الشقيق يقدم، فإذا مات إنسان عن ابن أخيه الشقيق، وعن ابن أخيه لأب، فالإرث لابن أخيه الشقيق من أمه وأبيه، أو مات عن عم شقيق، وعن عم لأب، فإرثه لعمه الشقيق كالأخ سواء.
وقوله: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء :11] أي إنما فرضنا للآباء والأبناء، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد، وللأبوين الوصية، كما تقدم عن ابن عباس، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم؛ لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي، أو الأخروي، أو هما من أبيه ما لا يأتيه من ابنه، وقد يكون بالعكس، ولذا قال: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا أي أن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر، فلهذا فرضنا لهذا وهذا، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث، والله أعلم.
وقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حكم به وقضاه، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الذي يضع الأشياء في محالها، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.الشيخ: والمعنى أنه عليم بأحوال عباده، حكيم بشرعه وقدره، ولهذا جعل المواريث على هذه القسمة، جعل الآباء لهم شيء، والأبناء لهم شيء، والزوجين لهم شيء، والأم لها ميراث، وقد يختلف، فهذا كله عن حكمة، عن علم من الله وحكمة، لا عن جهل، ولا عن عبث، ولكنه عن حكمة من الله، يضع الأشياء في مواضعها .
والحكيم هو العالم بالأشياء وحقائقها، الذي يضع الأمور في مواضعها موزونة على محض المصلحة، بخلاف السفيه فإنه يخبط خبط عشواء، وليس له ضابط، وأما الحكيم فإنه يضع الأمور في مواضعها، ولهذا وصف نفسه بأنه حكيم ، الحكيم العليم جل وعلا.
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:112].
يقول تعالى: وَلَكُمْ أيها الرجال نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إذا متن من غير ولد، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية، ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب.الشيخ: والمراد بالأولاد: الذكر والأنثى، المراد بالولد في الشرع، وفي اللغة العربية: الذكر، والأنثى، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ، أزواجكم: زوجاتكم، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ الزوجات، ولد لا ذكر، ولا أنثى، لا بنت، ولا ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، فالزوج يعطى النصف، فإن كان للزوجات ولد، يعطى الزوج الربع، سواء كان الولد واحدا، ابن واحد، أو ابنين، أو أكثر، أو بنت واحدة، أو أكثر، أو ابن ابن، أو بنت ابن، أو أنزل يعطى معهم الربع، فإن كان ما في ولد ليس لها أولاد الزوجة أخذ النصف.
س: من بعد وصية أو دين يعني هل الوصية مقدمة؟
الشيخ: مقدمة في اللفظ لا في المعنى، في المعنى يقدم الدين، ثم الوصية عند جميع أهل العلم، لكن لما كانت الوصية تبرع قدمت للاهتمام بها، أما الدين فهو مقابل على شيء أخذه المدين، أما الوصية فتبرع من الميت أوصى بأشياء، إما صدقة، وإما هدي، وإما أضحية، وإما غير ذلك.
ثم قال تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إلى آخره، وسواء في الربع، أو الثمن للزوجة، والزوجتان الاثنتان، والثلاث، والأربع يشتركن فيه.الشيخ: وهذا معنى قوله: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ يعني الزوجات، ثم الثمن إن لم يكن لكم ولد، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ، إذا مات الزوج عن غير ولد وله ذرية تعطى الزوجة الربع، وهكذا الزوجتان، والثلاث، والأربع يشتركن فيه، ليس له ذرية أو ولد ابن تعطى الثمن، سواء كانت واحدة، أو ثنتين، أو ثلاثة، أو أربعة، يشتركن من بعد وصية يوصى بها أو دين.
وقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلخ الكلام عليه كما تقدم.
وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً الكلالة مشتقة من الإكليل، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله، ولا فروعه، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن الكلالة، فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد، فلما ولي عمر قال: إني لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه، رواه ابن جرير، وغيره.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت آخر الناس عهدا بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت، وما قلت، وما قلت، قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وهكذا قال علي، وابن مسعود، وصح عن غير وجه عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، وبه يقول الشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة، وجابر بن زيد، والحكم، وبه يقول أهل المدينة، وأهل الكوفة، والبصرة، وهو قول الفقهاء السبعة، والأئمة الأربعة، وجمهور السلف، والخلف، بل جميعهم، وقد حكى الإجماع عليه غير واحد، وورد فيه حديث مرفوع.
الشيخ: ومعنى ذلك أن الكلالة التي ليس فيها ولد لا ذكر، ولا أنثى، لا ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، وليس فيها والد لا أب، ولا جد، وهي التي يرث فيها الإخوة والأعمام، فإن الأخ وابن العم يقال له كلالة بخلاف ما إذا كان فيها ولد أو أب أو جد فليست كلالة، ولهذا قال سبحانه: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، يعني من أم فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فإن كانوا ما هو كلالة فالإخوة لا يرثون من الأم يسقطون إذا كان فيها ولد، أو ابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن سقط الإخوة لأم، أو كان فيها أب أو جد سقط الإخوة لأم، فإنهم لا يرثون إذا كان فيها أب، أو جد وإن علا، أو ابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فهذه لا تكون كلالة فلا يرث الإخوة بالأم بالكلية، ويسقطون، أما العصبة الإخوة الأشقاء، والأخوة لأب فيرثون ما بقي بعد أخذ الفروض.
قال أبو الحسين بن اللبان، وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك، وهو أنه من لا ولد له، والصحيح عنه الأول، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد.
وقوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أي من أم، كما هو في قراءة بعض السلف، منهم سعد بن أبي وقاص، وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه قتادة عنه، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه:
[أحدها]: أنهم يرثون مع من أدلوا به، وهي الأم.
و[الثاني]: أن ذكورهم، وإناثهم في الميراث سواء.
[الثالث]: أنهم لا يرثون إلا إن كان ميتهم يورث كلالة، فلا يرثون مع أب، ولا جد، ولا ولد، ولا ولد ابن.
[الرابع]: أنهم لا يزادون على الثلث، وإن كثر ذكورهم وإناثهم.
الشيخ: وهذا لا يختصون به، فإن البنات وبنات الابن والأخوات الشقائق لا يزدن على الثلث ولو كثرن، هذا ليس من خصائصهن في الحقيقة.
وهكذا الجدات ولو كثرن لا يزدن على السدس، يشتركن في السدس، فليس هذا خاصًا بأولاد الأم.
مع أن الأول يشاركون في أم الأب، وأم أب الأب على الصحيح فإنها ترث مع الأب، الجدة تعطى السدس مع الأب، وهكذا الجدة مع أب الأب تعطى السدس....... كونهم يستوي ذكرهم وأنثاهم في الفرض، وكونهم لا يرثون إلا كلالة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: قضى عمر أن ميراث الإخوة من الأم بينهم للذكر مثل الأنثى، قال الزهري: ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم بذلك من رسول الله ﷺ، ولهذه الآية هي التي قال الله تعالى فيها: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
واختلف العلماء في المسألة المشركة: وهي زوج، وأم، أو جدة، واثنان من ولد الأم، وواحد أو أكثر من ولد الأبوين، فعلى قول الجمهور للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، ولولد الأم الثلث، ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك، وهو إخوة الأم، وقد وقعت هذه المسألة في زمن أمير المؤمنين عمر، فأعطى الزوج النصف، والأم السدس، وجعل الثلث لأولاد الأم، فقال له أولاد الأبوين: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا، ألسنا من أم واحدة؟ فشرك بينهم، وصح التشريك عن عثمان، وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس ، وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريح القاضي، ومسروق، وطاوس، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وشريك، وهو مذهب مالك، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم، بل يجعل الثلث لأولاد الأم، ولا شيء لأولاد الأبوين، والحالة هذه لأنهم عصبة.
وقال وكيع بن الجراح: لم يختلف عنه في ذلك، وهذا قول أبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وهو المشهور عن ابن عباس، وهو مذهب الشعبي، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد، وزفر بن الهذيل، والإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن آدم، ونعيم بن حماد، وأبي ثور، وداود بن علي الظاهري، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي رحمه الله في كتابه الإيجاز.
الشيخ: وهذا القول هو الصواب، وهو إحدى الروايتين عن عمر أيضا فإن عمر قضى قضيتين: قضية أولاً بإسقاط الإخوة الأشقاء، ثم بعد ذلك بتشريكهم، وقال: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي، والصواب ما قضي به علي، وأخذ به أبي بن كعب، وابن عباس، ومن وافقهم من إسقاط الإخوة الأشقاء؛ لأن الرسول ﷺ قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر يعني ألحقنا الفرائض بأهلها: أعطينا الزوج النصف، والأم والجدة السدس، والإخوة لأم الثلث، ما بقي شيء، فهذه من ستة، للزوج النصف ثلاثة، والأم أو الجدة السدس واحد، والإخوة لأم لهم الثلثان، كملت ما بقي شيء، فيسقطون لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر يعني أقرب، وهؤلاء ما بقي لهم شيء كالإخوة لأم فيسقطون، وأمهم كما تنفعهم تضرهم، لو كان ما عندهم إلا أخ لأم، واحد، وأخ شقيق، ما أعطيت إلا السدس،....... وكما أن الأم تضرهم وقتًا، تنفعهم وقتًا آخر.
ويضره من جهة الأب، زاد عليه في الأب، فكونه الأب جعله عصبة، وكما ينتفع به عند قلة الفرائض، ويأخذ مالاً كثيراً، يضره عند ضيق الفرائض، عند كثرة الفرائض.
وقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أي لتكون وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما فرض الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك، كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه، ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي، حدثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ، قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا، وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة، قال أبو القاسم بن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين، وروى عنه غير واحد من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ، وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه، لكن رواه النسائي في سننه عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا، وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس غير مضار، قال ابن جرير: والصحيح الموقوف.
.........
الشيخ: والمقصود من هذا أن الواجب على المسلم أن لا يحيف، وألا يوصي بشيء فيه حيف، وألا يضر الورثة بل يدعهم على قسمة الله، إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، ولهذا قال: غَيْرَ مُضَارٍّ، ليس لأحد أن يضار في وصيته، أو يحابي بعض الورثة بل يدعهم على قسمة الله.
ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي، حدثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ، قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا، وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة، قال أبو القاسم بن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين، وروى عنه غير، واحد من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ، وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه، لكن رواه النسائي في سننه، عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا، وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس غير مضار. قال ابن جرير: والصحيح الموقوف.
الشيخ: وهذا يبين لنا أنه يجب على المسلم ألا يضار في الوصية، وأن من ضار فيها فقد تعرض لغضب الله، ولهذا قال ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر، والله يقول: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أو إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، فدل ذلك على أن الوصية قد يكون فيها جنف، قد يكون فيها إثم، فمن علم ذلك أو خاف ذلك فليصلح ولينصح الموصي وليحذره حتى لا يقع فيما حرم الله، ومن ذلك أن يوصي لبعض الورثة دون بعض، فإن هذا لا يجوز، الله جل وعلا قسم المواريث فليس لأحد أن يزيد وينقص في ذلك، ولهذا في الحديث: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث فلا يحتال ويعطي بعض أولاده كذا، أو يوصي بعض أولاده بكذا، أو لزوجته يوصي لها بكذا، أو لبعض البنات كذا، أو لبعض أخواته كذا، إذا كان له أخوات وارثات لا بل يدعهم على قسمة الله التي قسم ، ولا يحيف، ولا ينقص، ولا يحابي، بل يجعلهم على قسمة الله، أما في الحياة والصحة والسلامة يتصرف في ماله بما شرع الله له من العطية، والصدقة، والأوقاف، وغير ذلك، لكن في الوصية لا يحيف، ويوصي بما جعل الله من الثلث، أو أقل من ذلك في وجوه البر، وأعمال الخير، لا يخصص بعض الورثة ويحرم بعضهم، فإن هذا لا يجوز له، ولأن هذا قد يخفى على بعض الناس، وقد يفسدونه فيضر بعض الورثة، والواجب على ولاة الأمور، وعلى المحاكم، وعلى من له القدرة على أن لا ينفذ من الوصايا إلا ما وافق الشرع، وكل وصية لا توافق الشرع لا يجوز تنفيذها، ولهذا قال سبحانه: مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أو دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أما المضار لا تمضى وصيته، بل يقر منها وينفذ منها ما وافق الشرع، وما خالف الشرع لا يقر ولا ينفذ، فلو أوصى بوصية بالخمور بالمعاصي الأخرى بطلت هذه الوصية؛ لكن الوصية التي شرع الله وأباح الله.
أيضاً لو قال: فلان لا يعطى، بينه وبينه عدم محبة، أو شحناء، أو كذا، أو ولد اعتدى على قسمة الله، أو بنت فلان لا تعطى، أو تعطى أكثر، لا ليس له ذلك، ليس له تدخل في شرع الله .
ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث، هل هو صحيح أم لا؟ على قولين: [أحدهما] لا يصح؛ لأنه مظنة التهمة، أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، وهذا مذهب مالك، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة، والقول القديم للشافعي رحمهم الله. وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار، وهو مذهب طاوس، وعطاء، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه، واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها، قال: وقال بعض الناس: لا يجوز إقراره لسوء الظن بالورثة، وقد قال النبي ﷺ: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فلم يخص وارثا، ولا غيره، انتهى ما ذكره.
فمتى كان الإقرار صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر، جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلة، ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة، ونقصان بعضهم، فهو حرام بالإجماع، وبنص هذه الآية الكريمة غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:12-14].
أي: هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه هي حدود الله فلا تعتدوها، ولا تجاوزوها؛ ولهذا قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: فيها، فلم يزد بعض الورثة، ولم ينقص بعضا بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله، وفريضته، وقسمته، يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ أي، لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه. وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله، وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة قال: ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله: عَذَابٌ مُهِينٌ.
.........
س: ما حال هذا الحديث؟
الشيخ: فيه بعض الشيء، فيه بعض الكلام، لكن من باب الوعيد والترهيب، وأشعث بن عبد الله فيه نظر. التقريب حاضر شف أشعث بن عبد الله.
الطالب: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني بمهملتين مضمومة، ثم مشددة، الأزدي بصري يكنى أبا عبد الله، وقد ينسب إلى جده، وهو الحملي بضم المهملة، وسكون الميم، صدوق من الخامسة البخاري تعليق، والأربعة.
الشيخ: في أشعث بن عبد الله ثاني؟
الطالب: نعم، أشعث بن عبد الله، ويقال ابن عبد الرحمن الخراساني نزيل البصرة ثقة من التاسعة، أبو داود.
الشيخ: التاسعة؟
الطالب: نعم.
........
قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه: حدثنا عبدة بن عبد الله، أخبرنا عبد الصمد، حدثنا نصر بن علي الحداني، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله ﷺ قال: إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار، وقال قرأ علي أبو هريرة من هاهنا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] - حتى بلغ- وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:12]، وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث أشعث، وأكمل به، وقال الترمذي: حسن غريب، وسياق الإمام أحمد أتم، وأكمل.الطالب: عبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي أبو سهل البصري كوفي الأصل ثقة من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين، وقيل في التي قبلها، البخاري، والأربعة.
الشيخ: في حديث غيره.
الطالب: لا.
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:15، 16].
كان الحكم في ابداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت، فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ يعني الزنا من نسائكم فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد، أو الرجم، وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك، أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله ﷺ إذا نزل عليه الوحي، أثر عليه، وكرب لذلك، وتربد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم، فلما سري عنه، قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة.
وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن حطان، عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ، ولفظه: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة، أن رسول الله ﷺ كان إذا نزل عليه الوحي، عرف ذلك في وجهه، فلما أنزلت، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فلما ارتفع الوحي قال رسول الله ﷺ: خذوا قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، ورجم بالحجارة.
الشيخ: وهذا الذي استقر عليه الأمر؛ فإن الله جل وعلا أولاً شرع حبسهن إذا زنين، حبسهن في البيوت حتى يأتي الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً، ثم إن الله جعل لهن سبيلاً، فإذا زنت البكر وثبت زناها بالإقرار أو البينة جلدت مائة جلد، البكر مائة للرجال والنساء مع نفي سنة مع تغريب عام، أما إذا كان الزاني ثيبًا قد تزوج، وأحصن، رجلًا كان أو أنثى فإنه يجلد مائة، ويرجم بالحجارة حتى يموت، يجمع له بين الرجم والجلد جميعًا، ثم استقر الأمر بعد ذلك على الاكتفاء بالرجم فيرجم، ويكفي، ولهذا رجم النبي ﷺ ماعزًا، ولم يجلده، ورجم الغامدية، ولم يجلدها، ورجم اليهوديين، ولم يجلدهما، فاستقر الأمر على أنه يرجم؛ لأن القتل ليس معه شيء على ذلك، القتل كاف، وهو قتل شديد عظيم، وذلك بالرجم بالحجارة حتى يموت، ذلك الذي أتى الفاحشة، وهي الزنا من رجل أو امرأة، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولما كانت الفاحشة لها دواع كثيرة من جهة الشهوة من جملة الأسباب الكثيرة من الخلوة، وغيرها جعل الله العقوبة عظيمة حتى تردع عن هذا الأمر القبيح، نسأل الله العافية.
س: الدليل على قصة ماعز؟
الشيخ: بين النبي ﷺ السبيل، ثم رجم، ولم يجلد عليه الصلاة، والسلام.
وقد روى الإمام أحمد أيضًا هذا الحديث عن وكيع بن الجراح، حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، قال: قال رسول الله ﷺ: خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم. وكذا رواه أبو داود مطولًا من حديث الفضل بن دلهم، ثم قال: وليس هو بالحافظ، كان قصابا بواسط.
حديث آخر قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا عباس بن حمدان، حدثنا أحمد بن داود، حدثنا عمرو بن عبد الغفار، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن أبي كعب.
الشيخ: وهو منكر، الشعبي ما ذكر أن فيه نكارة، نعم منقطع، ومنكر.
الطالب: الشعبي ما أدرك أحدًا من الصحابة؟
الشيخ: لا، ذاك علي، من طبقته، علي وزيد بن ثابت، نعم أدرك من الصحابة، لكن ما أدرك أبا بكر، ولا عمرًا، ومن كان في زمانهما، ولا أدرك عثمان أيضًا.
الشيخ: في هذا السند الرواة قبل إسماعيل ينظر في أمرهم الرواة قبل إسماعيل بن أبي خالد محل نظر.
قال: قال رسول الله ﷺ: البكران يجلدان، وينفيان، والثيبان يجلدان، ويرجمان، والشيخان يرجمان هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت سورة النساء، قال رسول الله ﷺ: لا حبس بعد سورة النساء.الشيخ: الصواب سورة النور، لأن سورة النور هي التي أوضحت السبيل. وهذا وهم، فابن لهيعة ضعيف الحفظ لما احترقت كتبه ضعف حفظه، وساءت حاله، وعظم غلطه، فهذا من الغلط، والصواب لما نزلت سورة النور.
وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد، قالوا: لأن النبي ﷺ رجم ماعزا، والغامدية، واليهوديين، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدل على أن الجلد ليس بحتم، بل هو منسوخ على قولهم، والله أعلم.
الشيخ: وجاء عن علي أنه جمع بينهما في قصة شراحة الهمدانية، وقال: جلدتها بالكتاب، ورجمتها بالسنة، ولكن جمهور أهل العلم على أن الجلد قد نسخ؛ لأن الرسول ﷺ تركه، ولولا أنه منسوخ لم يترك، فثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين في قصة ماعز واليهوديين أنه أمر برجمهم فقط، وقصة الغامدية في مسلم أمر برجمها، وهكذا الجهنية، ولم يجلد. وأنه يؤخذ بالآخر فالآخر في أعماله وأحكامه عليه الصلاة والسلام.
.........
وقوله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا أي واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير، وغيرهما: أي بالشتم، والتعيير، والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك، حتى نسخه الله بالجلد، أو الرجم، وقال عكرمة، وعطاء، والحسن، وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا. وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا- لا يكني، وكأنه يريد اللواط-، والله أعلم.
الشيخ: وهو ظاهر السياق قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ يعني الفاحشة؛ لأنه ذكر النساء أولًا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هذا في النساء، ثم جعل لهن السبيل بجلد البكر، ونفيها، وبرجم المحصنة، ثم قال بعدها: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ يعني يأتيان الفاحشة: الزاني، واللائط، الزاني يأتي الزنا، واللائط يأتي الدبر، كان في أول الإسلام يؤذى بالضرب، وبالتعيير، وبالشتم، وبالتوبيخ، ثم شرع الله بعد ذلك قتل الزاني إذا كان محصنًا، وجلده إذا كان بكرًا، وتغريبه عامًا، وقتل اللائط أيضًا، من ثبت عليه عمل قوم لوط يقتل، نسأل الله السلامة.
س: ولو كان أيمًا، ولو كان محصنًا؟
الشيخ: محصن أو غير محصن مطلقًا، ولو كان بكرًا، نسأل الله العافية، أجمع أصحاب النبي ﷺ على قتل اللائط مطلقًا سواء كان محصنًا أو بكرًا، لكن اختلفوا كيف يقتل؟ فقال جماعة: يحرق بالنار كما يروى عن الصديق وأرضاه، وعمر، وقال آخرون: يلقى من شاهق كما فعل بقوم لوط حين قلبت عليهم مدائنهم، وقال آخرون: بل يقتل بالسيف.
س: يقتل اللائط، والملوط؟
الشيخ: نعم إذا كانا مكلفين قد بلغا الحلم.
س: وإذا لم يبلغ الحلم؟
الشيخ: يؤدب بالضرب، والسجن، ونحوه.
س: هل يكتفى بشاهدين؟
الشيخ: أربعة لا بدّ من أربعة، أو إقرار.
وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل، والمفعول به. وقوله: فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا أي أقلعا ونزعا عما كانا عليه، وصلحت أعمالهما وحسنت، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا وقد ثبت في الصحيحين إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها أي، ثم لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت.
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:17، 18].
يقول : إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة، ثم يتوب، ولو قبل معاينة الملك روحه قبل الغرغرة. قال مجاهد، وغير واحد: كل من عصى الله خطأ أو عمدًا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب، وقال قتادة عن أبي العالية: أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة، رواه ابن جرير. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة، قال: اجتمع أصحاب رسول الله ﷺ فرؤوا أن كل شيء عصي الله به، فهو جهالة عمدا كان أو غيره. وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد، قال: كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها، قال ابن جريج: وقال لي عطاء بن أبي رباح، نحوه. وقال أبو صالح عن ابن عباس: من جهالته عمل السوء، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ قال: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب. وقال قتادة والسدي: ما دام في صحته، وهو مروي عن ابن عباس. وقال الحسن البصري: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، ما لم يغرغر. وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب.
الشيخ: والمعنى في ذلك أن الله جل وعلا جعل التوبة لمن عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب، قال الصحابة وأرضاهم: كل من عصى الله فهو جاهل حين فعل الذنب، كل معصية فهي عن جهالة؛ لأن العبد إذا تأمل آثار المعصية وعواقبها وما ينتج عنها حين فعلها لما فعلها، لكن غلبته الهوى، والشهوة، وجعلته يقع في المعصية، فصار كل من عصى الله فقد عصاه عن جهالة، فإذا تاب إلى الله وندم وأقلع قبل الله توبته سبحانه ما لم يغرغر، مالم تبلغ الروح الحلقوم إذا غرغر أو مات انتهت التوبة، ما دام قبل ذلك فإن الله يتوب عليه في صحته وفي مرضه، إذا تاب توبة صادقة مضمونها الندم على ما مضى من سيئاته صادقًا، والإقلاع منها، وتركها، والعزم ألا يعود فيها تعظيمًا لله، وإخلاصًا له، ومحبة له، وحذرًا من عقابه، ورغبة في ثوابه فالله يتوب عليه .
لكن من مات ولم يتب انتهى الأمر فيه، نسأل الله السلامة، وهكذا من غرغر وبلغت الروح الحلقوم؛ لأنه في هذه الحال لا تتوافر فيه الشروط، متى غرغر لم يحصل حينئذ من الندم الصادق، والعزم الصادق، والإقلاع الصادق؛ لأنه قد اختل أمره، وشعوره في الغرغرة في بلوغ الروح الحلقوم، والله المستعان.
س: يا شيخ {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}، قبل أن يموتوا، أم قبل أن يغرغروا؟
الشيخ: قبل أن يموتوا، وقبل أن يغرغروا، كل من تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب.
س: شخص حكم عليه بالإعدام، هل تقبل توبته؟
الشيخ: إذا تاب تاب الله [عليه]، هذا بينه وبين الله، لكن لا يسقط الحد، الحد يقام، والتوبة بينه وبين الله، إن كان صادقًا تقبل، ولكن يقام عليه الحد.
س: إذا كانت الأمة ثيبًا وزنت، فهل يقام عليها الحد؟
الشيخ: المملوكة يقام عليها نصف ما على المحصنات من العذاب.
س: حديث: التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؟
الشيخ: نعم صحيح، قال لعائشة: فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
س: والتائب حبيب الرحمن؟
الشيخ: ما أعرف اللفظ هذا.
ذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عياش، وعصام بن خالد، قالا: حدثنا ابن ثوبان عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به، وقال الترمذي: حسن غريب. ووقع في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، وهو وهم، إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
حديث آخر: قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا عبد الله بن الحسن الخراساني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي، سمعت عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت عبد الله بن عمر، سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه أدنى من ذلك، وقبل موته بيوم وساعة، يعلم الله منه التوبة، والإخلاص إليه إلا قبل منه.
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميمونة، وأخبرني رجل من ملحان يقال له: أيوب قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: من تاب قبل موته بعام تبت عليه، ومن تاب قبل موته بشهر تبت عليه، ومن تاب قبل موته بجمعة تبت عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تبت عليه، ومن تاب قبل موته بساعة تبت عليه، فقلت له: إنما قال الله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فقال: إنما أحدثك ما سمعته من رسول الله ﷺ. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي، وأبو عمر الحوضي، وأبو عامر العقدي عن شعبة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، قال: اجتمع أربعة من أصحاب النبي ﷺ، فقال أحدهم سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم، فقال الآخر:
أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم، فقال الثالث: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟
قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة، قال الرابع: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، فذكر قريبًا منه.
الشيخ: عبد الرحمن بن البيلماني تابعي، وهو ضعيف الرواية، ومرسل هذا الخبر، مرسل لكن معناه يدور على أن التوبة مقبولة ما لم يختل الشعور، ما دام العبد في إدراك العقل والفهم للتوبة فإن الله يتوب عليه ؛ إذا صدق في ذلك، وخبر ابن البيلماني هذا من حيث السند ضعيف، ومعناه صحيح، فمن تاب قبل أن يموت بيوم، أو بنصف يوم، أو بلحظة، أو بساعة ما لم يغرغر فتوبته صحيحة، فالمهم أن يتوب توبة صادقة يندم فيها على الماضي، ويقلع من الذنوب، ويعزم على ألا يعود، ولو عند الموت ما دام عقله معه.
حديث آخر: قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا عمران بن عبد الرحيم، حدثنا عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله! العبد في أشد الحاجة إلى التوبة دائمًا، فالتوبة طيبة مستمرة، والعبد في أشد الحاجة إليها، بل هي أشد الضرورة؛ لأنه ما يدري متى يهجم الأجل، قد يهجم عليه الأجل على غرة، وهو مقيم على المعاصي، فيندم غاية الندامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب البدار بالتوبة، ولهذا قال سبحانه: وتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] فالتوبة لها شأن عظيم، وقال ﷺ: أيها الناس، توبوا إلى ربكم، واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، وقال عليه الصلاة والسلام: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة هذا هو رسول الله ﷺ مغفور له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر ومع هذا يكرر الاستغفار، والتوبة في اليوم مائة مرة، وأكثر، فكيف بحال غيره؟!
فينبغي للعاقل أن يكون على حذر، وأن يلزم التوبة دائمًا فإنه خطاء، كما في الحديث: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون فلا تستبطئ الأجل، ولا تسوف العمل، ولا تغتر بالعافية، وكم من مريض شفي، وكم من صحيح توفي؟! فينبغي للعاقل أن يحذر، ولا تغره الصحة والنعمة، وطول الآمال، فقد يأتيه الموت على غرة صباحًا، أو مساء، أو في أي حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
أحاديث في ذلك مرسلة:
قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، هذا مرسل حسن عن الحسن البصري رحمه الله، وقد قال ابن جرير أيضا رحمه الله: حدثنا ابن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بُشير بن كعب أن نبي الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وحدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال، فذكر مثله.
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران عن قتادة، قال: كنا عند أنس بن مالك، وثم أبو قلابة، فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فقال: وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو، وأبي الهيثم العتواري، كلاهما عن أبي سعيد عن النبي ﷺ، قال: قال إبليس: وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله ، وهو يرجو الحياة، فإن توبته مقبولة.
الشيخ: يعني ما دام عقله معه، وشعوره معه، فإن توبته مقبولة، وهذه آثار بعضها منقطع، وبعضها ضعيف، لكن مجموع هذا حديث ابن عمر المعروف المشهور أن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر هذه الأحاديث، والآثار يشد بعضها بعضًا مع ظاهر الآية الكريمة، فما دام عقله في جسده ما دام يعقل ويفهم، فالتوبة مقبولة، إذا تغير الشعور، وغرغر بروحه، وخروج الروح فحينئذ لا تقبل التوبة.
..........
ولهذا قال تعالى: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، وأما متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحشرجت الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم، فلا توبة مقبولة حينئذ، ولات حين مناص، ولهذا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18]، وهذا كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [غافر:84] الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].
الشيخ: والمعنى أنه إذا حال الأجل بالناس ما هناك حيلة في رفعه عنهم فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر:84-85]، وهكذا إذا طلعت الشمس من مغربها لا تقبل التوبة، وهكذا إذا غرغر بالروح عند خروجها لا تقبل التوبة، نسأل الله السلامة!.
س: يتوب من ذنبه ثم يعود إلى الذنب من جديد، ثم يتوب، هل تقبل توبته؟
الشيخ: لا يضره إذا تاب توبة صادقة، تاب الله عليه، فإذا عاد من جديد، فإن تاب تاب الله عليه، وإلا بقي مؤاخذًا بالذنب الأخير، الذنب الذي تاب منه لا يؤخذ به، الله أكرم من أن يؤاخذه بذنب تاب منه.
وقوله تعالى: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه، ولا توبته، ولا يقبل منه فدية، ولو بملء الأرض.
قال ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ قالوا: نزلت في أهل الشرك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني أبي عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله ﷺ، قال: «إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب».
قيل: وما وقوع الحجاب؟ قال: أن تخرج النفس وهي مشركة، ولهذا قال الله تعالى: أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:18] أي موجعًا شديدًا مقيمًا.
[سورة النساء (4): الآيات 19 الى 22]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:19-22].
الشيخ: وفيه قوله: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ دلالة على أن الميت لا حيلة في توبته قد انتهى الأمر، فإذا مات على الكفر بالله ما ينفعه الندم في قبره، ولا يوم القيامة، بل قد حاق به عذاب الله، ونزل به أمره، فلا حيلة بعد ذلك، ولهذا استدل العلماء بأن ما يروى في هذا الباب في أن الله أحيا للنبي أبويه فتابا هذا أمر باطل وموضوع، وهو من المكذوبات التي كذبها بعض الناس بأن الله أحيا أبويه حتى تابا، ولو كان هذا واقعًا لكان من أعظم المعجزات، ومن أعظم الكرامات، ولنقله أهل العلم، والإيمان.
فالحاصل أن الآية الكريمة، واضحة في أنه لا توبة بعد الموت.
س: التوبة حال المرض هل تقبل؟
الشيخ: التوبة في المرض تقبل، المرض قبل أن يعاين لا بأس.
قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الشيباني عن عكرمة، عن ابن عباس، قال الشيباني: وذكره أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا هكذا ذكره البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه، وابن أبي حاتم من حديث أبي إسحاق الشيباني، واسمه سليمان بن أبي سليمان، عن عكرمة، وعن أبي الحسن السوائي، واسمه عطاء، كوفي أعمى، كلاهما عن ابن عباس بما تقدم.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت المروزي، حدثني علي بن حسين عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله تعالى عن ذلك، أي نهى عن ذلك، تفرد به أبو داود.
وقد رواه غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك. فقال وكيع عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن مقسم، عن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، فجاء رجل فألقى عليها ثوبًا كان أحق بها، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا قال: كان الرجل إذا مات وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من النس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها. وروى العوفي عنه: كان الرجل من أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم، ألقى ثوبه على امرأته، فورث نكاحها، ولم ينكحها أحد غيره، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا. وقال زيد بن أسلم في الآية: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله، وكان يعضلها حتى يرثها، أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، رواه ابن أبي حاتم.
الشيخ: وهذا من خرافات الجاهلية التي خلص الله عباده منها، أهل الجاهلية لهم خرافات، ولهم ضلالات تقدم الكثير منها، وهذا منها، وهو أنه إذا مات الرجل صار أولياؤه وورثته أولى بالمرأة إن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا عطلوها، وإن شاء تزوجها أحدهم، وإلا عطلوها حتى تفتدي منهم، وحتى تعطيهم مالاً، وهذا مما خلص الله منه العباد بما شرعه الله من دين الإسلام، إذا مات الرجل اعتدت منه، وهي أولى بنفسها.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضل، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان لهم ذلك في الجاهلية، فأنزل الله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل به. ثم روي من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة، حبسها أهله على الصبي يكون فيهم، فنزلت: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، الآية.
وقال ابن جريج: قال مجاهد: كان الرجل إذا توفي كان ابنه أحق بامرأته، ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها، أو ينكحها من شاء أخاه، أو ابن أخيه. وقال ابن جريج: قال عكرمة: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم من الأوس، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت، فجنح عليها ابنه، فجاءت رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل الله هذه الآية.
وقال السدي عن أبي مالك: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبًا، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يشب، أو تموت فيرثها، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ولم يلق عليها ثوبًا نجت، فأنزل الله: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
وقال مجاهد في هذه الآية: كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها، فيحسبها رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها، أو يزوجها ابنه، رواه ابن أبي حاتم. ثم قال: وروي عن الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبي مجلز، والضحاك، والزهري، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك. قلت: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية، وما ذكره مجاهد، ومن وافقه، وكل ما كان فيه نوع من ذلك، والله أعلم.
الشيخ: والمعنى أنها عامة؛ لأنه قال: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا كَرهًا، وكُرهًا، هذا يعم الزوجة، ويعم اليتيمة التي تحت يده، ويعم إرث ولده، أو أخيه، أو ابن أخيه فكونه يتزوجها، أو يزوجها غيره كله داخل في أعمال الجاهلية، فالله أبطل هذا كله، وجعل المرأة إذا توفي زوجها بعد العدة تتزوج من شاءت، وليس له أن يشرطهم عليها لا أولادها، ولا غير أولادها.
وقوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ أي لا تضاروهن في العشرة، لتترك لك ما أصدقتها، أو بعضه، أو حقا من حقوقها عليك، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها، والاضطهاد.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ يقول: ولا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، يعني الرجل تكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي، وكذا قال الضحاك، وقتادة، واختاره ابن جرير.
وقال ابن المبارك، وعبد الرزاق: أخبرنا معمر، قال أخبرني سماك بن الفضل عن ابن البيلماني، قال: نزلت هاتان الآيتان، إحداهما في أمر الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام قال عبد الله بن المبارك: يعني قوله: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا في الجاهلية، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ في الإسلام.
وقد روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وأصحاب التفاسير من حديث أبي إسحاق عن الحارث بن عبد الله الأعور، عن علي بن أبي طالب، قال: إنكم تقرؤون مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وإن رسول الله ﷺ قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. (قلت) لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب، والله أعلم.الشيخ: هذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد لكن معناه صحيح، فإن الله جل وعلا قال: مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أو دَيْنٍ، والمعنى أن الورثة إنما يأخذون الورث بعد الديون التي عليهم، يقضى الدين أولاً، فإذا قضي الدين أخذت الوصية بالثلث، أو بأقل من الثلث، ثم الباقي يقسم بين الورثة، أولاً الدين، يبدأ بالدين قبل كل شيء، فإذا قضي دينه الثابت المعروف بعد هذا ينظر في الوصية التي أوصى بها، فإذا كانت الثلث أو أقل نفذت قبل المواريث، ثم بعد هذا يقسم للورثة.
وقوله: "أعيان بني أم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه" معناه أن الأشقاء يتوارثون دون الإخوة لأب؛ لأنهم أقوى، فإذا مات الرجل عن أخيه الشقيق وعن أخيه لأب صار ورثه لأخيه الشقيق من أمه وأبيه، وقدم على أخيه لأبيه؛ لأنه أقوى منه، وأقرب منه، ولهذا قال عليه الصلاة، والسلام: ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر يعني فلأقرب رجل ذكر.وهكذا بنو الأخ، وهكذا الأعمام، ابن الأخ الشقيق يقدم، والعم الشقيق يقدم، وابن العم الشقيق يقدم، فإذا مات إنسان عن ابن أخيه الشقيق، وعن ابن أخيه لأب، فالإرث لابن أخيه الشقيق من أمه وأبيه، أو مات عن عم شقيق، وعن عم لأب، فإرثه لعمه الشقيق كالأخ سواء.
وقوله: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء :11] أي إنما فرضنا للآباء والأبناء، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد، وللأبوين الوصية، كما تقدم عن ابن عباس، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم؛ لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي، أو الأخروي، أو هما من أبيه ما لا يأتيه من ابنه، وقد يكون بالعكس، ولذا قال: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا أي أن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر، فلهذا فرضنا لهذا وهذا، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث، والله أعلم.
وقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حكم به وقضاه، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الذي يضع الأشياء في محالها، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.الشيخ: والمعنى أنه عليم بأحوال عباده، حكيم بشرعه وقدره، ولهذا جعل المواريث على هذه القسمة، جعل الآباء لهم شيء، والأبناء لهم شيء، والزوجين لهم شيء، والأم لها ميراث، وقد يختلف، فهذا كله عن حكمة، عن علم من الله وحكمة، لا عن جهل، ولا عن عبث، ولكنه عن حكمة من الله، يضع الأشياء في مواضعها .
والحكيم هو العالم بالأشياء وحقائقها، الذي يضع الأمور في مواضعها موزونة على محض المصلحة، بخلاف السفيه فإنه يخبط خبط عشواء، وليس له ضابط، وأما الحكيم فإنه يضع الأمور في مواضعها، ولهذا وصف نفسه بأنه حكيم ، الحكيم العليم جل وعلا.
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:112].
يقول تعالى: وَلَكُمْ أيها الرجال نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إذا متن من غير ولد، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية، ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب.الشيخ: والمراد بالأولاد: الذكر والأنثى، المراد بالولد في الشرع، وفي اللغة العربية: الذكر، والأنثى، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ، أزواجكم: زوجاتكم، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ الزوجات، ولد لا ذكر، ولا أنثى، لا بنت، ولا ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، فالزوج يعطى النصف، فإن كان للزوجات ولد، يعطى الزوج الربع، سواء كان الولد واحدا، ابن واحد، أو ابنين، أو أكثر، أو بنت واحدة، أو أكثر، أو ابن ابن، أو بنت ابن، أو أنزل يعطى معهم الربع، فإن كان ما في ولد ليس لها أولاد الزوجة أخذ النصف.
س: من بعد وصية أو دين يعني هل الوصية مقدمة؟
الشيخ: مقدمة في اللفظ لا في المعنى، في المعنى يقدم الدين، ثم الوصية عند جميع أهل العلم، لكن لما كانت الوصية تبرع قدمت للاهتمام بها، أما الدين فهو مقابل على شيء أخذه المدين، أما الوصية فتبرع من الميت أوصى بأشياء، إما صدقة، وإما هدي، وإما أضحية، وإما غير ذلك.
ثم قال تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إلى آخره، وسواء في الربع، أو الثمن للزوجة، والزوجتان الاثنتان، والثلاث، والأربع يشتركن فيه.الشيخ: وهذا معنى قوله: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ يعني الزوجات، ثم الثمن إن لم يكن لكم ولد، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ، إذا مات الزوج عن غير ولد وله ذرية تعطى الزوجة الربع، وهكذا الزوجتان، والثلاث، والأربع يشتركن فيه، ليس له ذرية أو ولد ابن تعطى الثمن، سواء كانت واحدة، أو ثنتين، أو ثلاثة، أو أربعة، يشتركن من بعد وصية يوصى بها أو دين.
وقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلخ الكلام عليه كما تقدم.
وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً الكلالة مشتقة من الإكليل، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله، ولا فروعه، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن الكلالة، فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد، فلما ولي عمر قال: إني لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه، رواه ابن جرير، وغيره.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت آخر الناس عهدا بعمر، فسمعته يقول: القول ما قلت، وما قلت، وما قلت، قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وهكذا قال علي، وابن مسعود، وصح عن غير وجه عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، وبه يقول الشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة، وجابر بن زيد، والحكم، وبه يقول أهل المدينة، وأهل الكوفة، والبصرة، وهو قول الفقهاء السبعة، والأئمة الأربعة، وجمهور السلف، والخلف، بل جميعهم، وقد حكى الإجماع عليه غير واحد، وورد فيه حديث مرفوع.
الشيخ: ومعنى ذلك أن الكلالة التي ليس فيها ولد لا ذكر، ولا أنثى، لا ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، وليس فيها والد لا أب، ولا جد، وهي التي يرث فيها الإخوة والأعمام، فإن الأخ وابن العم يقال له كلالة بخلاف ما إذا كان فيها ولد أو أب أو جد فليست كلالة، ولهذا قال سبحانه: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، يعني من أم فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فإن كانوا ما هو كلالة فالإخوة لا يرثون من الأم يسقطون إذا كان فيها ولد، أو ابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن سقط الإخوة لأم، أو كان فيها أب أو جد سقط الإخوة لأم، فإنهم لا يرثون إذا كان فيها أب، أو جد وإن علا، أو ابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فهذه لا تكون كلالة فلا يرث الإخوة بالأم بالكلية، ويسقطون، أما العصبة الإخوة الأشقاء، والأخوة لأب فيرثون ما بقي بعد أخذ الفروض.
قال أبو الحسين بن اللبان، وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك، وهو أنه من لا ولد له، والصحيح عنه الأول، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد.
وقوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أي من أم، كما هو في قراءة بعض السلف، منهم سعد بن أبي وقاص، وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه قتادة عنه، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه:
[أحدها]: أنهم يرثون مع من أدلوا به، وهي الأم.
و[الثاني]: أن ذكورهم، وإناثهم في الميراث سواء.
[الثالث]: أنهم لا يرثون إلا إن كان ميتهم يورث كلالة، فلا يرثون مع أب، ولا جد، ولا ولد، ولا ولد ابن.
[الرابع]: أنهم لا يزادون على الثلث، وإن كثر ذكورهم وإناثهم.
الشيخ: وهذا لا يختصون به، فإن البنات وبنات الابن والأخوات الشقائق لا يزدن على الثلث ولو كثرن، هذا ليس من خصائصهن في الحقيقة.
وهكذا الجدات ولو كثرن لا يزدن على السدس، يشتركن في السدس، فليس هذا خاصًا بأولاد الأم.
مع أن الأول يشاركون في أم الأب، وأم أب الأب على الصحيح فإنها ترث مع الأب، الجدة تعطى السدس مع الأب، وهكذا الجدة مع أب الأب تعطى السدس....... كونهم يستوي ذكرهم وأنثاهم في الفرض، وكونهم لا يرثون إلا كلالة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: قضى عمر أن ميراث الإخوة من الأم بينهم للذكر مثل الأنثى، قال الزهري: ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم بذلك من رسول الله ﷺ، ولهذه الآية هي التي قال الله تعالى فيها: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
واختلف العلماء في المسألة المشركة: وهي زوج، وأم، أو جدة، واثنان من ولد الأم، وواحد أو أكثر من ولد الأبوين، فعلى قول الجمهور للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، ولولد الأم الثلث، ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك، وهو إخوة الأم، وقد وقعت هذه المسألة في زمن أمير المؤمنين عمر، فأعطى الزوج النصف، والأم السدس، وجعل الثلث لأولاد الأم، فقال له أولاد الأبوين: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا، ألسنا من أم واحدة؟ فشرك بينهم، وصح التشريك عن عثمان، وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس ، وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريح القاضي، ومسروق، وطاوس، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وشريك، وهو مذهب مالك، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم، بل يجعل الثلث لأولاد الأم، ولا شيء لأولاد الأبوين، والحالة هذه لأنهم عصبة.
وقال وكيع بن الجراح: لم يختلف عنه في ذلك، وهذا قول أبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وهو المشهور عن ابن عباس، وهو مذهب الشعبي، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد، وزفر بن الهذيل، والإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن آدم، ونعيم بن حماد، وأبي ثور، وداود بن علي الظاهري، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي رحمه الله في كتابه الإيجاز.
الشيخ: وهذا القول هو الصواب، وهو إحدى الروايتين عن عمر أيضا فإن عمر قضى قضيتين: قضية أولاً بإسقاط الإخوة الأشقاء، ثم بعد ذلك بتشريكهم، وقال: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي، والصواب ما قضي به علي، وأخذ به أبي بن كعب، وابن عباس، ومن وافقهم من إسقاط الإخوة الأشقاء؛ لأن الرسول ﷺ قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر يعني ألحقنا الفرائض بأهلها: أعطينا الزوج النصف، والأم والجدة السدس، والإخوة لأم الثلث، ما بقي شيء، فهذه من ستة، للزوج النصف ثلاثة، والأم أو الجدة السدس واحد، والإخوة لأم لهم الثلثان، كملت ما بقي شيء، فيسقطون لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر يعني أقرب، وهؤلاء ما بقي لهم شيء كالإخوة لأم فيسقطون، وأمهم كما تنفعهم تضرهم، لو كان ما عندهم إلا أخ لأم، واحد، وأخ شقيق، ما أعطيت إلا السدس،....... وكما أن الأم تضرهم وقتًا، تنفعهم وقتًا آخر.
ويضره من جهة الأب، زاد عليه في الأب، فكونه الأب جعله عصبة، وكما ينتفع به عند قلة الفرائض، ويأخذ مالاً كثيراً، يضره عند ضيق الفرائض، عند كثرة الفرائض.
وقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أي لتكون وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما فرض الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك، كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه، ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي، حدثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ، قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا، وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة، قال أبو القاسم بن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين، وروى عنه غير واحد من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ، وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه، لكن رواه النسائي في سننه عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا، وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس غير مضار، قال ابن جرير: والصحيح الموقوف.
.........
الشيخ: والمقصود من هذا أن الواجب على المسلم أن لا يحيف، وألا يوصي بشيء فيه حيف، وألا يضر الورثة بل يدعهم على قسمة الله، إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، ولهذا قال: غَيْرَ مُضَارٍّ، ليس لأحد أن يضار في وصيته، أو يحابي بعض الورثة بل يدعهم على قسمة الله.
ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي، حدثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ، قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا، وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة، قال أبو القاسم بن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين، وروى عنه غير، واحد من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ، وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه، لكن رواه النسائي في سننه، عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا الإضرار في الوصية من الكبائر، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا، وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس غير مضار. قال ابن جرير: والصحيح الموقوف.
الشيخ: وهذا يبين لنا أنه يجب على المسلم ألا يضار في الوصية، وأن من ضار فيها فقد تعرض لغضب الله، ولهذا قال ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر، والله يقول: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أو إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، فدل ذلك على أن الوصية قد يكون فيها جنف، قد يكون فيها إثم، فمن علم ذلك أو خاف ذلك فليصلح ولينصح الموصي وليحذره حتى لا يقع فيما حرم الله، ومن ذلك أن يوصي لبعض الورثة دون بعض، فإن هذا لا يجوز، الله جل وعلا قسم المواريث فليس لأحد أن يزيد وينقص في ذلك، ولهذا في الحديث: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث فلا يحتال ويعطي بعض أولاده كذا، أو يوصي بعض أولاده بكذا، أو لزوجته يوصي لها بكذا، أو لبعض البنات كذا، أو لبعض أخواته كذا، إذا كان له أخوات وارثات لا بل يدعهم على قسمة الله التي قسم ، ولا يحيف، ولا ينقص، ولا يحابي، بل يجعلهم على قسمة الله، أما في الحياة والصحة والسلامة يتصرف في ماله بما شرع الله له من العطية، والصدقة، والأوقاف، وغير ذلك، لكن في الوصية لا يحيف، ويوصي بما جعل الله من الثلث، أو أقل من ذلك في وجوه البر، وأعمال الخير، لا يخصص بعض الورثة ويحرم بعضهم، فإن هذا لا يجوز له، ولأن هذا قد يخفى على بعض الناس، وقد يفسدونه فيضر بعض الورثة، والواجب على ولاة الأمور، وعلى المحاكم، وعلى من له القدرة على أن لا ينفذ من الوصايا إلا ما وافق الشرع، وكل وصية لا توافق الشرع لا يجوز تنفيذها، ولهذا قال سبحانه: مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أو دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أما المضار لا تمضى وصيته، بل يقر منها وينفذ منها ما وافق الشرع، وما خالف الشرع لا يقر ولا ينفذ، فلو أوصى بوصية بالخمور بالمعاصي الأخرى بطلت هذه الوصية؛ لكن الوصية التي شرع الله وأباح الله.
أيضاً لو قال: فلان لا يعطى، بينه وبينه عدم محبة، أو شحناء، أو كذا، أو ولد اعتدى على قسمة الله، أو بنت فلان لا تعطى، أو تعطى أكثر، لا ليس له ذلك، ليس له تدخل في شرع الله .
ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث، هل هو صحيح أم لا؟ على قولين: [أحدهما] لا يصح؛ لأنه مظنة التهمة، أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، وهذا مذهب مالك، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة، والقول القديم للشافعي رحمهم الله. وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار، وهو مذهب طاوس، وعطاء، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه، واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها، قال: وقال بعض الناس: لا يجوز إقراره لسوء الظن بالورثة، وقد قال النبي ﷺ: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فلم يخص وارثا، ولا غيره، انتهى ما ذكره.
فمتى كان الإقرار صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر، جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلة، ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة، ونقصان بعضهم، فهو حرام بالإجماع، وبنص هذه الآية الكريمة غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:12-14].
أي: هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه هي حدود الله فلا تعتدوها، ولا تجاوزوها؛ ولهذا قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: فيها، فلم يزد بعض الورثة، ولم ينقص بعضا بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله، وفريضته، وقسمته، يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ أي، لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه. وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله، وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة قال: ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله: عَذَابٌ مُهِينٌ.
.........
س: ما حال هذا الحديث؟
الشيخ: فيه بعض الشيء، فيه بعض الكلام، لكن من باب الوعيد والترهيب، وأشعث بن عبد الله فيه نظر. التقريب حاضر شف أشعث بن عبد الله.
الطالب: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني بمهملتين مضمومة، ثم مشددة، الأزدي بصري يكنى أبا عبد الله، وقد ينسب إلى جده، وهو الحملي بضم المهملة، وسكون الميم، صدوق من الخامسة البخاري تعليق، والأربعة.
الشيخ: في أشعث بن عبد الله ثاني؟
الطالب: نعم، أشعث بن عبد الله، ويقال ابن عبد الرحمن الخراساني نزيل البصرة ثقة من التاسعة، أبو داود.
الشيخ: التاسعة؟
الطالب: نعم.
........
قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه: حدثنا عبدة بن عبد الله، أخبرنا عبد الصمد، حدثنا نصر بن علي الحداني، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله ﷺ قال: إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار، وقال قرأ علي أبو هريرة من هاهنا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] - حتى بلغ- وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:12]، وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث أشعث، وأكمل به، وقال الترمذي: حسن غريب، وسياق الإمام أحمد أتم، وأكمل.الطالب: عبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي أبو سهل البصري كوفي الأصل ثقة من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين، وقيل في التي قبلها، البخاري، والأربعة.
الشيخ: في حديث غيره.
الطالب: لا.
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:15، 16].
كان الحكم في ابداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت، فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ يعني الزنا من نسائكم فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد، أو الرجم، وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك، أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله ﷺ إذا نزل عليه الوحي، أثر عليه، وكرب لذلك، وتربد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم، فلما سري عنه، قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة.
وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن حطان، عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ، ولفظه: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة، أن رسول الله ﷺ كان إذا نزل عليه الوحي، عرف ذلك في وجهه، فلما أنزلت، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فلما ارتفع الوحي قال رسول الله ﷺ: خذوا قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، ورجم بالحجارة.
الشيخ: وهذا الذي استقر عليه الأمر؛ فإن الله جل وعلا أولاً شرع حبسهن إذا زنين، حبسهن في البيوت حتى يأتي الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً، ثم إن الله جعل لهن سبيلاً، فإذا زنت البكر وثبت زناها بالإقرار أو البينة جلدت مائة جلد، البكر مائة للرجال والنساء مع نفي سنة مع تغريب عام، أما إذا كان الزاني ثيبًا قد تزوج، وأحصن، رجلًا كان أو أنثى فإنه يجلد مائة، ويرجم بالحجارة حتى يموت، يجمع له بين الرجم والجلد جميعًا، ثم استقر الأمر بعد ذلك على الاكتفاء بالرجم فيرجم، ويكفي، ولهذا رجم النبي ﷺ ماعزًا، ولم يجلده، ورجم الغامدية، ولم يجلدها، ورجم اليهوديين، ولم يجلدهما، فاستقر الأمر على أنه يرجم؛ لأن القتل ليس معه شيء على ذلك، القتل كاف، وهو قتل شديد عظيم، وذلك بالرجم بالحجارة حتى يموت، ذلك الذي أتى الفاحشة، وهي الزنا من رجل أو امرأة، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولما كانت الفاحشة لها دواع كثيرة من جهة الشهوة من جملة الأسباب الكثيرة من الخلوة، وغيرها جعل الله العقوبة عظيمة حتى تردع عن هذا الأمر القبيح، نسأل الله العافية.
س: الدليل على قصة ماعز؟
الشيخ: بين النبي ﷺ السبيل، ثم رجم، ولم يجلد عليه الصلاة، والسلام.
وقد روى الإمام أحمد أيضًا هذا الحديث عن وكيع بن الجراح، حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، قال: قال رسول الله ﷺ: خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم. وكذا رواه أبو داود مطولًا من حديث الفضل بن دلهم، ثم قال: وليس هو بالحافظ، كان قصابا بواسط.
حديث آخر قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا عباس بن حمدان، حدثنا أحمد بن داود، حدثنا عمرو بن عبد الغفار، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن أبي كعب.
الشيخ: وهو منكر، الشعبي ما ذكر أن فيه نكارة، نعم منقطع، ومنكر.
الطالب: الشعبي ما أدرك أحدًا من الصحابة؟
الشيخ: لا، ذاك علي، من طبقته، علي وزيد بن ثابت، نعم أدرك من الصحابة، لكن ما أدرك أبا بكر، ولا عمرًا، ومن كان في زمانهما، ولا أدرك عثمان أيضًا.
الشيخ: في هذا السند الرواة قبل إسماعيل ينظر في أمرهم الرواة قبل إسماعيل بن أبي خالد محل نظر.
قال: قال رسول الله ﷺ: البكران يجلدان، وينفيان، والثيبان يجلدان، ويرجمان، والشيخان يرجمان هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت سورة النساء، قال رسول الله ﷺ: لا حبس بعد سورة النساء.الشيخ: الصواب سورة النور، لأن سورة النور هي التي أوضحت السبيل. وهذا وهم، فابن لهيعة ضعيف الحفظ لما احترقت كتبه ضعف حفظه، وساءت حاله، وعظم غلطه، فهذا من الغلط، والصواب لما نزلت سورة النور.
وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد، قالوا: لأن النبي ﷺ رجم ماعزا، والغامدية، واليهوديين، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدل على أن الجلد ليس بحتم، بل هو منسوخ على قولهم، والله أعلم.
الشيخ: وجاء عن علي أنه جمع بينهما في قصة شراحة الهمدانية، وقال: جلدتها بالكتاب، ورجمتها بالسنة، ولكن جمهور أهل العلم على أن الجلد قد نسخ؛ لأن الرسول ﷺ تركه، ولولا أنه منسوخ لم يترك، فثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين في قصة ماعز واليهوديين أنه أمر برجمهم فقط، وقصة الغامدية في مسلم أمر برجمها، وهكذا الجهنية، ولم يجلد. وأنه يؤخذ بالآخر فالآخر في أعماله وأحكامه عليه الصلاة والسلام.
.........
وقوله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا أي واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير، وغيرهما: أي بالشتم، والتعيير، والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك، حتى نسخه الله بالجلد، أو الرجم، وقال عكرمة، وعطاء، والحسن، وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا. وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا- لا يكني، وكأنه يريد اللواط-، والله أعلم.
الشيخ: وهو ظاهر السياق قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ يعني الفاحشة؛ لأنه ذكر النساء أولًا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هذا في النساء، ثم جعل لهن السبيل بجلد البكر، ونفيها، وبرجم المحصنة، ثم قال بعدها: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ يعني يأتيان الفاحشة: الزاني، واللائط، الزاني يأتي الزنا، واللائط يأتي الدبر، كان في أول الإسلام يؤذى بالضرب، وبالتعيير، وبالشتم، وبالتوبيخ، ثم شرع الله بعد ذلك قتل الزاني إذا كان محصنًا، وجلده إذا كان بكرًا، وتغريبه عامًا، وقتل اللائط أيضًا، من ثبت عليه عمل قوم لوط يقتل، نسأل الله السلامة.
س: ولو كان أيمًا، ولو كان محصنًا؟
الشيخ: محصن أو غير محصن مطلقًا، ولو كان بكرًا، نسأل الله العافية، أجمع أصحاب النبي ﷺ على قتل اللائط مطلقًا سواء كان محصنًا أو بكرًا، لكن اختلفوا كيف يقتل؟ فقال جماعة: يحرق بالنار كما يروى عن الصديق وأرضاه، وعمر، وقال آخرون: يلقى من شاهق كما فعل بقوم لوط حين قلبت عليهم مدائنهم، وقال آخرون: بل يقتل بالسيف.
س: يقتل اللائط، والملوط؟
الشيخ: نعم إذا كانا مكلفين قد بلغا الحلم.
س: وإذا لم يبلغ الحلم؟
الشيخ: يؤدب بالضرب، والسجن، ونحوه.
س: هل يكتفى بشاهدين؟
الشيخ: أربعة لا بدّ من أربعة، أو إقرار.
وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل، والمفعول به. وقوله: فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا أي أقلعا ونزعا عما كانا عليه، وصلحت أعمالهما وحسنت، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا وقد ثبت في الصحيحين إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها أي، ثم لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت.
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:17، 18].
يقول : إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة، ثم يتوب، ولو قبل معاينة الملك روحه قبل الغرغرة. قال مجاهد، وغير واحد: كل من عصى الله خطأ أو عمدًا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب، وقال قتادة عن أبي العالية: أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة، رواه ابن جرير. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة، قال: اجتمع أصحاب رسول الله ﷺ فرؤوا أن كل شيء عصي الله به، فهو جهالة عمدا كان أو غيره. وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد، قال: كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها، قال ابن جريج: وقال لي عطاء بن أبي رباح، نحوه. وقال أبو صالح عن ابن عباس: من جهالته عمل السوء، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ قال: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب. وقال قتادة والسدي: ما دام في صحته، وهو مروي عن ابن عباس. وقال الحسن البصري: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، ما لم يغرغر. وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب.
الشيخ: والمعنى في ذلك أن الله جل وعلا جعل التوبة لمن عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب، قال الصحابة وأرضاهم: كل من عصى الله فهو جاهل حين فعل الذنب، كل معصية فهي عن جهالة؛ لأن العبد إذا تأمل آثار المعصية وعواقبها وما ينتج عنها حين فعلها لما فعلها، لكن غلبته الهوى، والشهوة، وجعلته يقع في المعصية، فصار كل من عصى الله فقد عصاه عن جهالة، فإذا تاب إلى الله وندم وأقلع قبل الله توبته سبحانه ما لم يغرغر، مالم تبلغ الروح الحلقوم إذا غرغر أو مات انتهت التوبة، ما دام قبل ذلك فإن الله يتوب عليه في صحته وفي مرضه، إذا تاب توبة صادقة مضمونها الندم على ما مضى من سيئاته صادقًا، والإقلاع منها، وتركها، والعزم ألا يعود فيها تعظيمًا لله، وإخلاصًا له، ومحبة له، وحذرًا من عقابه، ورغبة في ثوابه فالله يتوب عليه .
لكن من مات ولم يتب انتهى الأمر فيه، نسأل الله السلامة، وهكذا من غرغر وبلغت الروح الحلقوم؛ لأنه في هذه الحال لا تتوافر فيه الشروط، متى غرغر لم يحصل حينئذ من الندم الصادق، والعزم الصادق، والإقلاع الصادق؛ لأنه قد اختل أمره، وشعوره في الغرغرة في بلوغ الروح الحلقوم، والله المستعان.
س: يا شيخ {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}، قبل أن يموتوا، أم قبل أن يغرغروا؟
الشيخ: قبل أن يموتوا، وقبل أن يغرغروا، كل من تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب.
س: شخص حكم عليه بالإعدام، هل تقبل توبته؟
الشيخ: إذا تاب تاب الله [عليه]، هذا بينه وبين الله، لكن لا يسقط الحد، الحد يقام، والتوبة بينه وبين الله، إن كان صادقًا تقبل، ولكن يقام عليه الحد.
س: إذا كانت الأمة ثيبًا وزنت، فهل يقام عليها الحد؟
الشيخ: المملوكة يقام عليها نصف ما على المحصنات من العذاب.
س: حديث: التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؟
الشيخ: نعم صحيح، قال لعائشة: فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
س: والتائب حبيب الرحمن؟
الشيخ: ما أعرف اللفظ هذا.
ذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عياش، وعصام بن خالد، قالا: حدثنا ابن ثوبان عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به، وقال الترمذي: حسن غريب. ووقع في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، وهو وهم، إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
حديث آخر: قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا عبد الله بن الحسن الخراساني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي، سمعت عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت عبد الله بن عمر، سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه أدنى من ذلك، وقبل موته بيوم وساعة، يعلم الله منه التوبة، والإخلاص إليه إلا قبل منه.
حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميمونة، وأخبرني رجل من ملحان يقال له: أيوب قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: من تاب قبل موته بعام تبت عليه، ومن تاب قبل موته بشهر تبت عليه، ومن تاب قبل موته بجمعة تبت عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تبت عليه، ومن تاب قبل موته بساعة تبت عليه، فقلت له: إنما قال الله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فقال: إنما أحدثك ما سمعته من رسول الله ﷺ. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي، وأبو عمر الحوضي، وأبو عامر العقدي عن شعبة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، قال: اجتمع أربعة من أصحاب النبي ﷺ، فقال أحدهم سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم، فقال الآخر:
أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم، فقال الثالث: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟
قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة، قال الرابع: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، فذكر قريبًا منه.
الشيخ: عبد الرحمن بن البيلماني تابعي، وهو ضعيف الرواية، ومرسل هذا الخبر، مرسل لكن معناه يدور على أن التوبة مقبولة ما لم يختل الشعور، ما دام العبد في إدراك العقل والفهم للتوبة فإن الله يتوب عليه ؛ إذا صدق في ذلك، وخبر ابن البيلماني هذا من حيث السند ضعيف، ومعناه صحيح، فمن تاب قبل أن يموت بيوم، أو بنصف يوم، أو بلحظة، أو بساعة ما لم يغرغر فتوبته صحيحة، فالمهم أن يتوب توبة صادقة يندم فيها على الماضي، ويقلع من الذنوب، ويعزم على ألا يعود، ولو عند الموت ما دام عقله معه.
حديث آخر: قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا عمران بن عبد الرحيم، حدثنا عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله! العبد في أشد الحاجة إلى التوبة دائمًا، فالتوبة طيبة مستمرة، والعبد في أشد الحاجة إليها، بل هي أشد الضرورة؛ لأنه ما يدري متى يهجم الأجل، قد يهجم عليه الأجل على غرة، وهو مقيم على المعاصي، فيندم غاية الندامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب البدار بالتوبة، ولهذا قال سبحانه: وتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] فالتوبة لها شأن عظيم، وقال ﷺ: أيها الناس، توبوا إلى ربكم، واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، وقال عليه الصلاة والسلام: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة هذا هو رسول الله ﷺ مغفور له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر ومع هذا يكرر الاستغفار، والتوبة في اليوم مائة مرة، وأكثر، فكيف بحال غيره؟!
فينبغي للعاقل أن يكون على حذر، وأن يلزم التوبة دائمًا فإنه خطاء، كما في الحديث: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون فلا تستبطئ الأجل، ولا تسوف العمل، ولا تغتر بالعافية، وكم من مريض شفي، وكم من صحيح توفي؟! فينبغي للعاقل أن يحذر، ولا تغره الصحة والنعمة، وطول الآمال، فقد يأتيه الموت على غرة صباحًا، أو مساء، أو في أي حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
أحاديث في ذلك مرسلة:
قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، هذا مرسل حسن عن الحسن البصري رحمه الله، وقد قال ابن جرير أيضا رحمه الله: حدثنا ابن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بُشير بن كعب أن نبي الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وحدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال، فذكر مثله.
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران عن قتادة، قال: كنا عند أنس بن مالك، وثم أبو قلابة، فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فقال: وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو، وأبي الهيثم العتواري، كلاهما عن أبي سعيد عن النبي ﷺ، قال: قال إبليس: وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله ، وهو يرجو الحياة، فإن توبته مقبولة.
الشيخ: يعني ما دام عقله معه، وشعوره معه، فإن توبته مقبولة، وهذه آثار بعضها منقطع، وبعضها ضعيف، لكن مجموع هذا حديث ابن عمر المعروف المشهور أن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر هذه الأحاديث، والآثار يشد بعضها بعضًا مع ظاهر الآية الكريمة، فما دام عقله في جسده ما دام يعقل ويفهم، فالتوبة مقبولة، إذا تغير الشعور، وغرغر بروحه، وخروج الروح فحينئذ لا تقبل التوبة.
..........
ولهذا قال تعالى: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، وأما متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحشرجت الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم، فلا توبة مقبولة حينئذ، ولات حين مناص، ولهذا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18]، وهذا كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [غافر:84] الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].
الشيخ: والمعنى أنه إذا حال الأجل بالناس ما هناك حيلة في رفعه عنهم فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر:84-85]، وهكذا إذا طلعت الشمس من مغربها لا تقبل التوبة، وهكذا إذا غرغر بالروح عند خروجها لا تقبل التوبة، نسأل الله السلامة!.
س: يتوب من ذنبه ثم يعود إلى الذنب من جديد، ثم يتوب، هل تقبل توبته؟
الشيخ: لا يضره إذا تاب توبة صادقة، تاب الله عليه، فإذا عاد من جديد، فإن تاب تاب الله عليه، وإلا بقي مؤاخذًا بالذنب الأخير، الذنب الذي تاب منه لا يؤخذ به، الله أكرم من أن يؤاخذه بذنب تاب منه.
وقوله تعالى: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه، ولا توبته، ولا يقبل منه فدية، ولو بملء الأرض.
قال ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ قالوا: نزلت في أهل الشرك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني أبي عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله ﷺ، قال: «إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب».
قيل: وما وقوع الحجاب؟ قال: أن تخرج النفس وهي مشركة، ولهذا قال الله تعالى: أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:18] أي موجعًا شديدًا مقيمًا.
[سورة النساء (4): الآيات 19 الى 22]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:19-22].
الشيخ: وفيه قوله: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ دلالة على أن الميت لا حيلة في توبته قد انتهى الأمر، فإذا مات على الكفر بالله ما ينفعه الندم في قبره، ولا يوم القيامة، بل قد حاق به عذاب الله، ونزل به أمره، فلا حيلة بعد ذلك، ولهذا استدل العلماء بأن ما يروى في هذا الباب في أن الله أحيا للنبي أبويه فتابا هذا أمر باطل وموضوع، وهو من المكذوبات التي كذبها بعض الناس بأن الله أحيا أبويه حتى تابا، ولو كان هذا واقعًا لكان من أعظم المعجزات، ومن أعظم الكرامات، ولنقله أهل العلم، والإيمان.
فالحاصل أن الآية الكريمة، واضحة في أنه لا توبة بعد الموت.
س: التوبة حال المرض هل تقبل؟
الشيخ: التوبة في المرض تقبل، المرض قبل أن يعاين لا بأس.
قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الشيباني عن عكرمة، عن ابن عباس، قال الشيباني: وذكره أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا هكذا ذكره البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه، وابن أبي حاتم من حديث أبي إسحاق الشيباني، واسمه سليمان بن أبي سليمان، عن عكرمة، وعن أبي الحسن السوائي، واسمه عطاء، كوفي أعمى، كلاهما عن ابن عباس بما تقدم.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت المروزي، حدثني علي بن حسين عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله تعالى عن ذلك، أي نهى عن ذلك، تفرد به أبو داود.
وقد رواه غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك. فقال وكيع عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن مقسم، عن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، فجاء رجل فألقى عليها ثوبًا كان أحق بها، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا قال: كان الرجل إذا مات وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من النس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها. وروى العوفي عنه: كان الرجل من أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم، ألقى ثوبه على امرأته، فورث نكاحها، ولم ينكحها أحد غيره، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا. وقال زيد بن أسلم في الآية: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله، وكان يعضلها حتى يرثها، أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، رواه ابن أبي حاتم.
الشيخ: وهذا من خرافات الجاهلية التي خلص الله عباده منها، أهل الجاهلية لهم خرافات، ولهم ضلالات تقدم الكثير منها، وهذا منها، وهو أنه إذا مات الرجل صار أولياؤه وورثته أولى بالمرأة إن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا عطلوها، وإن شاء تزوجها أحدهم، وإلا عطلوها حتى تفتدي منهم، وحتى تعطيهم مالاً، وهذا مما خلص الله منه العباد بما شرعه الله من دين الإسلام، إذا مات الرجل اعتدت منه، وهي أولى بنفسها.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضل، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان لهم ذلك في الجاهلية، فأنزل الله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل به. ثم روي من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة، حبسها أهله على الصبي يكون فيهم، فنزلت: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، الآية.
وقال ابن جريج: قال مجاهد: كان الرجل إذا توفي كان ابنه أحق بامرأته، ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها، أو ينكحها من شاء أخاه، أو ابن أخيه. وقال ابن جريج: قال عكرمة: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم من الأوس، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت، فجنح عليها ابنه، فجاءت رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل الله هذه الآية.
وقال السدي عن أبي مالك: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبًا، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يشب، أو تموت فيرثها، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ولم يلق عليها ثوبًا نجت، فأنزل الله: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا.
وقال مجاهد في هذه الآية: كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها، فيحسبها رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها، أو يزوجها ابنه، رواه ابن أبي حاتم. ثم قال: وروي عن الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبي مجلز، والضحاك، والزهري، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك. قلت: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية، وما ذكره مجاهد، ومن وافقه، وكل ما كان فيه نوع من ذلك، والله أعلم.
الشيخ: والمعنى أنها عامة؛ لأنه قال: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا كَرهًا، وكُرهًا، هذا يعم الزوجة، ويعم اليتيمة التي تحت يده، ويعم إرث ولده، أو أخيه، أو ابن أخيه فكونه يتزوجها، أو يزوجها غيره كله داخل في أعمال الجاهلية، فالله أبطل هذا كله، وجعل المرأة إذا توفي زوجها بعد العدة تتزوج من شاءت، وليس له أن يشرطهم عليها لا أولادها، ولا غير أولادها.
وقوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ أي لا تضاروهن في العشرة، لتترك لك ما أصدقتها، أو بعضه، أو حقا من حقوقها عليك، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها، والاضطهاد.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ يقول: ولا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، يعني الرجل تكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي، وكذا قال الضحاك، وقتادة، واختاره ابن جرير.
وقال ابن المبارك، وعبد الرزاق: أخبرنا معمر، قال أخبرني سماك بن الفضل عن ابن البيلماني، قال: نزلت هاتان الآيتان، إحداهما في أمر الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام قال عبد الله بن المبارك: يعني قوله: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا في الجاهلية، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ في الإسلام.