- وعن أمِّ عطية رضي الله عنها قالت: "نُهينا عن اتِّباع الجنائز, ولم يُعزم علينا". متَّفقٌ عليه.
- وعن أبي سعيدٍ: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتُم الجنازة فقوموا, فمَن تبعها فلا يجلس حتى تُوضَع. متفق عليه.
- وعن أبي إسحاق: أنَّ عبدالله بن يزيد أدخل الميتَ من قِبَل رجلي القبر، وقال: "هذا من السنة". أخرجه أبو داود.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما, عن النبي ﷺ قال: إذا وضعتُم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله, وعلى مِلَّة رسول الله.
أخرجه أحمد, وأبو داود, والنَّسائي, وصحَّحه ابنُ حبان, وأعلَّه الدَّارقطني بالوقف.
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق باتِّباع الجنائز:
تقول أمُّ عطية رضي الله عنها: "نُهينا عن اتِّباع الجنائز، ولم يُعزم علينا"، وأم عطية صحابية معروفة، يُقال لها: نسيبة الأنصارية، وحديثها يدل على أنَّه لا ينبغي للنِّساء أن يتبعن الجنائز، وأنهن نُهين عن ذلك؛ لأنَّهن فتنةٌ، فقد يكون اتِّباعهنَّ الجنائز إلى المقابر مفضٍ إلى شرٍّ؛ فلهذا جاء النَّهي عن اتِّباعهن الجنائز، وعن زيارتهن القبور، أمَّا الصلاة على الميت في المسجد أو المصلَّى فلا بأس أن يُصلين عليه، فقد كان النساءُ يُصلين على الجنائز مع النبي ﷺ، لكن اتباع الجنائز إلى المدفن -إلى القبور- أو الذهاب إلى زيارة مَن في القبور هو محلّ النَّهي.
"ولم يُعزم علينا" هذه الصيغة معناها أنه ليس للتَّحريم، وأنه نهيٌ مُؤكَّدٌ، لكن الأصل في النَّهي هو المنع، هذا هو الأصل، فما دام أن النَّهي قد جاء فيكفي في المنع من ذلك؛ لأنَّ الرسول يقول: ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتُم، ويقول الله جلَّ وعلا في كتابه العزيز: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
الحديث الثاني: يدل على شرعية اتِّباع الجنائز، وأن المتبع لا يجلس حتى تُوضع، هذه هي السنة، فالسنة اتِّباع الجنائز؛ لما فيها من العظة والذِّكْرى وجبر مُصاب أهل الميت ومُشاركتهم في مُصيبتهم، وفي ذلك ما لا يخفى من التَّذكير بالموت وبالآخرة، وهذا لا شكَّ يُؤثِّر على قلوب المتبعين.
المقصود أنَّ اتِّباع الجنائز سنة وقُربة وطاعة، وقد أمر بذلك النبيُّ ﷺ، أمر باتباع الجنائز؛ لما في اتِّباعها من الأجر والعظة والذِّكْرى والجبر لأهل الميت، فمَن تبعها فالسنة له ألا يجلس حتى تُوضع، يعني: حتى تُوضع في القبر ويُفرغ من دفنها، كما في روايات أخرى: "حتى يُفرغ من دفنها" كما تقدم.
والمقصود أن يتبعها حتى تُدفن، لكن لا يجلس حتى تُوضع في الأرض، فإذا وُضعت من رؤوس الرجال جلس، وأما الفراق فالسنة ألا يُفارقها حتى يُفرغ من دفنها كما تقدَّم: "حتى يُصلَّى عليها ويُفرغ من دفنها".
أما الجلوس: فالمتبع يجلس إذا وُضعت في الأرض، وهذا كله على سبيل الاستحباب، ولهذا صحَّ من حديث عليٍّ عند مسلم: أن النبي ﷺ قام وقعد، فدلَّ على عدم الوجوب، وأنه "لا يجلس حتى تُوضع" هذا مُستحبٌّ وليس بلازمٍ، وليس بنسخٍ؛ لأن النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذُّر الجمع، والجمع غير متعذّر، فيُجمع بين الأحاديث بأن الأمر للاستحباب لا للوجوب، فمَن جلس فلا حرج، ولكن إذا صبر حتى تُوضع يكون أفضل.
وأما الانصراف: فالسنة ألا ينصرف حتى يُفرغ من دفنها؛ حتى يستكمل الأجرين: أجر الصلاة، وأجر الاتِّباع.
وفي حديث عبدالله بن يزيد الدّلالة على أنَّ الميت يُوضَع من جهة رجلي القبر، يعني: يسلّ سلًّا في القبر من جهة رأسه، أولًا من جهة الرِّجْلَين، يسله .......... حتى يُوضع في القبر على جنبه الأيمن، سلًّا من عند رجليه، حتى يمد في قبره إلى جهة رأسه على جنبه الأيمن، مُستقبلًا القبلة، هذا هو الأفضل والسنة.
والسنة عند وضعه في اللَّحد ودفنه أن يقول: بسم الله، وعلى مِلَّة رسول الله.
أما تعليل الدَّارقطني له بالوقف فلا يضرُّه؛ لأنَّ الوقف -المتصل الموقوف- يُعضد المرفوع، والقاعدة: أنَّ مَن رفع وما وصل يُقدَّم على مَن قطع وأوقف الحديث أو أرسله، وزيادة الثقة مقبولة في رفع الحديث وعدم وقفه أو عدم إرساله.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: هل حديث عليٍّ صحيح؟
ج: نعم، رواه مسلمٌ في الصَّحيح.
س: رواه الإمام أحمد وأبو داود؟
ج: رواه مسلم ........ ما تتبعته.
س: الذي لفظه: "أمرنا رسولُ الله ﷺ .."؟
ج: لا، القائم والقاعد.
س: في حديثٍ رواه الإمامُ أحمد وأبو داود عن عليٍّ قال: "أمرنا رسولُ الله ﷺ بالقيام للجنازة، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس"؟
ج: ما أدري عن سند هذا، لكن الذي في مسلم: "القائم والقاعد".
س: هل يُشرع القيام لجنازة الكافر؟
ج: أليست نفسًا، لما مرَّت عليهم قالوا: يا رسول الله، إنه يهودي! قال: أليست نفسًا، وفي لفظٍ: إنا قمنا للملائكة، وفي اللفظ الآخر قال: إنَّ للموت فزعًا، فالسنة إذا رأيتم الجنازة أن تقوموا، فمَن تبعها فلا يجلس حتى تُوضَع.
س: حديث عليٍّ عند الإمام أحمد على فرض صحَّته كيف يُخرَّج؛ لأنه قال: فقوموا، وقال: فاجلسوا، فهو أمر.
ج: إن صحَّ الأمرُ فهو يقتضي النَّسخ، لكن كونه قعد وقام ثم قعد يدل على الجواز، لكن هنا أمر بالقيام، ثم أمر بالجلوس؛ فيدل على نسخ الأول لو صحَّ، لكن يُنظر فيه: فقد يكون صحيحًا، وقد يكون شاذًّا؛ لأنَّ أحاديث الأمر بالقيام للجنازة كثيرة في "الصحيحين": من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي سعيدٍ، .. عدة أحاديث.
س: حديث أبي إسحاق صحيح؟
ج: لا بأس به، ما أعلم بإسناده بأسًا.
س: إذا كان جالسًا في المسجد ثم أتت الجنازة هل يقوم أول ما يراها؟
ج: ظاهر الحديث العموم، مُستحبٌّ.
س: حديث أم عطية ألا يُقال أنه للتنزيه؛ لقرينةٍ فهمتها أو سمعتها؟
ج: لا، ما يكفي، الأصل في النَّهي التَّحريم، هذا هو الأصل، أمَّا الحِكَم فظاهرة.
س: حديث عائشة في "صحيح مسلم" قالت: يا رسول الله، كيف أقول إذا ذهبتُ إلى ..؟
ج: هذا منسوخٌ، فكان أذن للجميع بالزيارة: للرجال والنساء، ثم نُسخ الأمر للنساء، ونهين عن زيارة القبور، فكان أولًا النَّهي للجميع، ثم الإذن للجميع، ثم أذن للرجال دون النِّساء في الزيارة.
س: في بعض البلدان يسمحون بزيارة النساء للقبور، هل يُعتبرن ملعونات؟
ج: هذا حجَّة عملهم، وليس هو بحُجَّة، قد يكون أفتاهم أحدٌ وتأوَّل حديث عائشة.
س: هل يكنَّ ملعونات؟
ج: هذا هو الأصل في الحديث؛ لأنَّ الرسول لعن زائرات القبور.
س: هل يُشرع أو يُستحبّ تجريد القبر عند وضع الميت؟
ج: إذا كانت امرأةً.
س: خاصٌّ بالمرأة فقط؟
ج: خاصٌّ بالمرأة.
س: .......... زائرات أو زوَّارات؟
ج: جاء "زائرات"، وجاء "زوَّارات"، وبعض أهل العلم قال: إنه يدل على أنَّه لا بأس بالشيء القليل، لكن "زائرات" يعمّ القليل والكثير، والعلَّة معروفة.
س: زيارة النِّساء لقبر النبي ﷺ؟
ج: يعمّ، الأحاديث عامَّة، لا يشرع لهن الزيارة، يُصلين عليه في أي مكانٍ، والصلاة تبلغه عليه الصلاة والسلام من غير حاجةٍ إلى الزيارة.
س: كيف يُدفن الميت؟
ج: يُدفن من الجهة التي ......... يُبدأ برأسه من جهة الرِّجْلين، ثم يمد إلى أن يصل إلى محلّ الرأس، يمدونه حتى يضعونه ........
س: .............؟
ج: يُمدّ إلى نهاية القبر.
س: حديث عبدالله بن يزيد أليس فيه تدليس أبي إسحاق؟
ج: لا، هذا ظاهر أنه شاهده.