482 من: (باب ما يباح من الغيبة)

 
256 - باب مَا يُباح من الغيبة
اعْلَمْ أنَّ الغِيبَةَ تُبَاحُ لِغَرَضٍ صَحيحٍ شَرْعِيٍّ لا يُمْكِنُ الوُصُولُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِهَا، وَهُوَ سِتَّةُ أسْبَابٍ:
الأَوَّلُ: التَّظَلُّمُ، فَيَجُوزُ لِلمَظْلُومِ أنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ والقَاضِي وغَيرِهِما مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ، أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ، فيقول: ظَلَمَنِي فُلاَنٌ بكذا.
الثَّاني: الاسْتِعانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ المُنْكَرِ، وَرَدِّ العَاصِي إِلَى الصَّوابِ، فيقولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتهُ عَلَى إزالَةِ المُنْكَرِ: فُلانٌ يَعْمَلُ كَذا، فازْجُرْهُ عَنْهُ ونحو ذَلِكَ، ويكونُ مَقْصُودُهُ التَّوَصُّلُ إِلَى إزالَةِ المُنْكَرِ، فَإنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا.
الثَّالِثُ: الاسْتِفْتَاءُ، فيقُولُ لِلمُفْتِي: ظَلَمَنِي أَبي، أَوْ أخي، أَوْ زوجي، أَوْ فُلانٌ بكَذَا، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَمَا طَريقي في الخلاصِ مِنْهُ، وتَحْصيلِ حَقِّي، وَدَفْعِ الظُّلْمِ؟ وَنَحْو ذَلِكَ، فهذا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، ولكِنَّ الأحْوطَ والأفضَلَ أنْ يقول: مَا تقولُ في رَجُلٍ أَوْ شَخْصٍ، أَوْ زَوْجٍ، كَانَ مِنْ أمْرِهِ كذا، فَإنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الغَرَضُ مِنْ غَيرِ تَعْيينٍ وَمَعَ ذَلِكَ فالتَّعْيينُ جَائِزٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ في حَدِيثِ هِنْدٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
الرَّابعُ: تحذير المسلمين مِنَ الشَّرِّ وَنَصِيحَتُهُمْ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: جَرْحُ المَجْرُوحينَ مِنَ الرُّواةِ والشُّهُودِ، وذلكَ جَائِزٌ بإجْمَاعِ المُسْلِمينَ، بَلْ وَاجِبٌ للْحَاجَةِ.
ومنها: المُشَاوَرَةُ في مُصاهَرَةِ إنْسانٍ، أو مُشاركتِهِ، أَوْ إيداعِهِ، أو معاملته، أوغير ذَلِكَ، أَوْ مُجَاوَرَتِهِ، ويجبُ عَلَى المشاوَر أنْ لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء التي فيه بنية النصيحة.
ومنها: إِذَا رأى مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى مُبْتَدِعٍ، أَوْ فَاسِقٍ يَأَخُذُ عَنْهُ العِلْمَ، وخَافَ أنْ يَتَضَرَّرَ المُتَفَقِّهُ بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ نَصِيحَتُهُ بِبَيانِ حَالِهِ، بِشَرْطِ أنْ يَقْصِدَ النَّصِيحَةَ، وَهَذا مِمَّا يُغلَطُ فِيهِ. وَقَدْ يَحمِلُ المُتَكَلِّمَ بِذلِكَ الحَسَدُ، وَيُلَبِّسُ الشيطان عَلَيْهِ ذَلِكَ، ويُخَيْلُ إِلَيْهِ أنَّهُ نَصِيحَةٌ فَليُتَفَطَّنْ لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لايقوم بها على وجهها، إما بأن لايكون صَالِحًا لَهَا، وإما بِأنْ يكونَ فَاسِقًا، أَوْ مُغَفَّلًا، وَنَحوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ ولايةٌ عامَّةٌ لِيُزيلَهُ، وَيُوَلِّيَ مَنْ يُصْلحُ، أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِيُعَامِلَهُ بِمُقْتَضَى حالِهِ، وَلاَ يَغْتَرَّ بِهِ، وأنْ يَسْعَى في أنْ يَحُثَّهُ عَلَى الاسْتِقَامَةِ أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ.
الخامِسُ: أنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كالمُجَاهِرِ بِشُرْبِ الخَمْرِ، ومُصَادَرَةِ النَّاسِ، وأَخْذِ المَكْسِ؛ وجِبَايَةِ الأمْوَالِ ظُلْمًا وَتَوَلِّي الأمُورِ الباطِلَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ؛ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ العُيُوبِ، إِلاَّ أنْ يكونَ لِجَوازِهِ سَبَبٌ آخر مما ذكرناه.
السَّادِسُ: التعرِيفُ، فإذا كَانَ الإنْسانُ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ، كالأعْمَشِ، والأعرَجِ، والأَصَمِّ، والأعْمى، والأحْوَلِ، وغَيْرِهِمْ جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفهم بِغَيرِ ذَلِكَ كَانَ أوْلَى.
فهذه ستَّةُ أسبابٍ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ وأكثَرُها مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَدَلائِلُهَا مِنَ الأحادِيثِ الصَّحيحَةِ مشهورَةٌ.
فمن ذَلِكَ:
1/1531- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أنَّ رَجُلًا استأْذَن عَلى النبيّ ﷺ فقَالَ: ائذَنُوا لهُ، بِئسَ أخُو العشِيرَةِ؟ متفقٌ عَلَيْهِ.
احْتَجَّ بهِ البخاري في جَوازِ غيبةِ أهلِ الفسادِ وأهلِ الرِّيبِ.
2/1532- وعنْهَا قَالَتْ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: مَا أَظُن فُلانًا وفُلانًا يعرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا رواه البخاريُّ. قَالَ الليثُ بنُ سعْدٍ أحدُ رُواةِ هَذَا الحَدِيثِ: هذَانِ الرَّجُلانِ كَانَا مِنَ المُنَافِقِينَ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الكلمات وضح بها المؤلف صفات الغيبة المباحة وتعريفها وأقسامها، الغيبة محرمة كما تقدم، وهي ذكرك أخاك بما يكره هذه الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قال تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] لأنها تسبب الفساد والشحناء والعداوة والبغضاء فلهذا حرمها الله سبحانه وتعالى، لكن تجوز في حالات ومواضع ستة بينها المؤلف لحاجة إليها جمعها بعضهم في بيتين فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر

هذه الستة شرحها المؤلف هنا
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
 
متظلم يقول: ظلمني فلان، أخذ مالي، فعل بي كذا وكذا، يشكوه إلى الحاكم أو إلى الأمير بما جرى منه لأنه مضطر لهذا الشيء.
أو معرف يقول: فلان الأعمش، أو فلان الأعرج، أو فلان الأبرص، أو ما أشبه ذلك، الأعمى أو الأعور ما هو بالقصد الذم، مثل ما جاء في الرواة عن الأعمش عن الأعرج لأنهم عرفوا بهذا الشيء.
أو محذر من شر إنسان لا خير فيه قد يخفى على بعض الناس، إذا جلس مع بعض الناس يحذر منه يقول: ترى هذا ما يصلح، ينصح أخاه مثل ما قال النبي ﷺ لفاطمة بنت قيس لما استشارته في الزواج من جماعة خطبوها منهم أبي جهم ومعاوية وأسامة بن زيد وجماعة نصحها قال: معاوية صلعوك لا مال له، وأبو جهم لا يضع العصا عن عاتقه، انكحي أسامة، وهكذا المستفتي جاءت هند قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني من النفقة فهل آخذ من ماله بغير علمه ما يكفيني وأولادي قال النبي ﷺ: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك، مستفتية تقول للقاضي أو المفتي زوجي يقصر في حقي، زوجي فعل كذا، يفتيها بما يلزم.
وهكذا من أظهر الفسق، إنسان أظهر المعاصي: الخمر الربا وغير هذا من المعاصي الظاهرة هذا لا غيبة له فيما أظهر، ومن هذا قول النبي ﷺ لما استأذن عليه رجل قال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة هذه غيبة لكن هذا مظهر لشهر، لكن قال: بئس أخو العشيرة يحذر الناس منه، ومثل قوله فلان وفلان لا يعرفان من ديننا شيئا لأنهما قد أظهرا الشر المنافقين، وكذلك قول الصحابة لما مر عليهم بجنازة فأثنوا عليها شرا، فقال النبي ﷺ: وجبت أثنوا عليها شرا بسبب ما أظهر لأن صاحبها قد أظهر الشر، فلهذا أثنوا عليها شرا.
وهكذا من طلب الإعانة في إزالة المنكر، إنسان عنده منكر فطلب الإعانة، إنسان مثلا يعرف أنه سيقتل فلانا أو سيزني بفلانة عنده قد أمسكها فيرفع الأمر إلى الهيئة إلى القاضي إلى الأمير حتى يخلص هذا المظلوم، يستعين به في إزالة المنكر الذي عرفه، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: بعض الناس إذا ظلم ينشر ظلم الظالم في غير محله يذكر مثلا أن الرجل ذاك ظلمه..؟
الشيخ: لا لا، لمن ينفعه يذكره، لمن يفيده من القاضي أو الأمير أو رئيس الهيئة، الناس اللي يفيدونه في مظلمته.
س: وجرح الرواة؟
الشيخ: وجرح الرواة من التعريف ومن النصيحة يدخل في الأمرين، يدخل في النصيحة ويدخل في التعريف، جرح الرواة: هذا ضعيف، هذا وضاع، هذا مبتدع، هذا كثير الغلط، هذا من النصيحة لله ولعباده، ومن التعريف أيضا يدخل في التعريف وهو من النصيحة.
س: هل تذكر حسناتهم؟
الشيخ: لا ما لزوم، المقصود بيان العيب الذي يحذر منه ما هو المقصود بيان الحسنات، المقصود بيان العيوب التي يحذر منها.
س: عندما النبي ﷺ عرف بالصحابة قال: وأما هذا ما يضع عصاه ما معنى ما يضع عصاه؟
الشيخ: يقول أنه ضراب للنساء، يطق النساء، يعني أنه سيئ السيرة مع النساء ضراب، وبعضهم قال: أنه كثير الأسفار، يخلي امرأته في البيت، أسفاره كثيرة، ولكن الأول هو الأظهر أنه ضراب للنساء.
س: وكلمة صعلوك؟
الشيخ: صعلوك فقير ما عنده شيء، يقول دوري واحد عنده مال ينفق عليك.
س: لو شخص قال لآخر: فلان هذا ما فيه خير، أو كذا لأنه ما نفعه في هذا، هل تعتبر من الغيبة؟
الشيخ: إذا كانت دعت الحاجة وحوله عليه وقال رح له يعطيك كذا وكذا وراح له .. يعني له فائدة أو .. يتصل به أو أوصاه به وإلا من غير حاجة لا.
س: يعني قصده أنه يغتابه؟
الشيخ: لا، ما يصلح ما دام الشيء خفي لا، أما إن كان الشيء ظاهرا فلا بأس. القاعدة الخفي ما يبينه إلا عند الحاجة بس.
س: بعض الناس يعرف بما يكره مثل ابن علية؟
الشيخ: ولو ولو، إذا عرف ابن علية مثل عبدالله ابن أم مكتوم صحابي، ابن أم مكتوم يعرف بأمه، وعبدالله بن أبي بن سلول المنافق ينسب لأمه.
س: يؤخذ من حديث فاطمة بنت قيس أن الرجل لا يتزوج حتى يتمكن؟
الشيخ: نعم.
س: في واحد عمل له قبرا ومن الطوب هذا .. حديد وإسمنت؟
الشيخ: ما يصلح هذا ما يصلح مثل الناس.
س: هل في فرق بين الرياء والسمعة؟
الشيخ: الرياء ما يشاهد والسمعة ما يسمع.