476 من: (كتاب الأمور المنهي عنها)

 
(17) - كتَاب الأمُور المَنهي عَنْهَا
254 - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

قَالَ الله تَعَالَى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12]، وقال تَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36]، وقال تَعَالَى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
اعْلَمْ أنَّهُ ينبغي لكل مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ.
1/1511- وَعنْ أَبي هُريْرَةَ عَنِ النَّبيّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَليقُلْ خَيْرًا، أوْ ليَصْمُتْ متفقٌ عَلَيهِ.
وَهذا الحَديثُ صَرِيحٌ في أَنَّهُ يَنْبغي أنْ لا يتَكَلَّم إلاَّ إِذَا كَان الكَلامُ خَيْرًا، وَهُو الَّذي ظَهَرَتْ مصْلحَتُهُ، وَمَتى شَكَّ في ظُهُورِ المَصْلَحةِ، فَلا يَتَكَلَّمُ.
2/1512- وعَنْ أَبي مُوسَى قَال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أيُّ المُسْلِمِينَ أفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ. متفق عَلَيْهِ.
3/1513- وَعَنْ سَهْلِ بنِ سعْدٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمنْ لهُ الجَنَّة. متفقٌ عليهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث فيما يتعلق بحفظ اللسان وصيانته لأن هذا اللسان سريع الحركة، والغالب أنه على العبد لا له، فالواجب الحذر، ولهذا يقول : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ويقول جل وعلا: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، ويقول جل وعلا: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، ويقول جل وعلا: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]، ويقول: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ۝ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10، 11] فالمؤمن يحذر لسانه، فقد تكون غيبة وقد تكون نميمة، وقد تكون كلماته إفساد لا إصلاح، قد يكون فيها إثم من جهة أن تضر ولا تنفع، فالواجب على المؤمن أن يصون لسانه وأن يحذره إلا في خير، إذا عرف أن الكلام خير ومصلحة تكلم، ولهذا يقول ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت متفق على صحته، وهذا كلام عظيم، كلام جامع من جوامع الكلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت إما يتكلم بخير وإلا فليمسك لسانه حتى يسلم، وفي حديث أم سلمة: كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو إصلاحا بين الناس فأنت يا عبد الله على خطر من هذا اللسان إلا إذا صنته وأمسكته إلا في خير تعلمه، وفي حديث أبي موسى يقول ﷺ لما سئل أي الإسلام أفضل؟ وفي اللفظ الآخر: أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده هذا له شأن عظيم، لا يظلم في نفس، ولا في مال، ولا في عرض، المسلمون سالمون من لسانه ومن يده، فلا يغتب ولا يسب ولا ينم ولا يكذب إلى غير ذلك، ولا يتعدى بيده بأي ظلم.
وفي حديث عبدالله بن عمرو قال يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، كذلك حديث سهل بن سعد يقول ﷺ: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة يعني من يضمن سلامة لسانه وسلامة فرجه، بين لحييه هذا اللسان رجليه الفرج، المعنى أن من حفظ الله عليه فرجه ولسانه فهو على خير وله الجنة لأن كثيرا من الشرور بسبب الشهوة أو اللسان، بل كل الشرور في الحقيقة بابها اللسان ثم العمل فالواجب حفظ اللسان وحفظ الجوارح عن كل ما حرم الله ما دمت في قيد الحياة لعلك تنجو، لعلك تسلم، وفق الله الجميع.
س: حديث أنس الذي في الصحيحين أنهم مروا بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال الرسول ﷺ وجبت؟
الشيخ: المعنى صحيح، المعنى من أظهر الفسوق لا غيبة له، من أظهر الشر لا غيبة له، ولهذا قال: وجبت وجبت يعني وجبت له النار، الذي أظهر شره قالوا لما مر بجنازة قالوا: إنه ما فيه خير، وأنه كذا وكذا وكذا، فقال: وجبت ما له غيبة من أظهر الفسق، نسأل الله العافية.

الأسئلة:
س: قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]؟
الشيخ: يعني من الملائكة.
س: معنى هذا أن الملك يكتب كل شيء؟
الشيخ: نعم يكتب كل شيء لكن يؤاخذ عليه ما فيه الخير والشر، إما حسنة يؤجر وإما سيئة يأثم، وما سوى ذلك يلقى.
س: خطرات القلب؟
الشيخ: الخطرات معفو عنها، والإنسان إذا حصل له بعض الوساوس مثل ما قال ﷺ قال له الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه ما لا أن يخر من السماء أهون من أن يتكلم به -يعني من الوسوسة-؟ قال ﷺ: تلك الوسوسة، قال: فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله وبما أنزل، ويتعوذ بالله من الشيطان ولينته هذه خطرات القلب.
س: المقصود أعمال القلب تسجلها الملائكة؟
الشيخ: الخطرات التي ما تستقر الظاهر ما تسجل، ما يسجل إلا العمل الذي يستقر إما فعل وإلا قول.
س: المواضع التي تجوز فيها الغيبة عددها وما هي؟
الشيخ: ضبطها بعضهم ستة مواضع.
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر

س: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت يقال المقصود هل هو مثلا إذا صار في مجلس فيه غيبة يسكت عنهم وإلا يشاركهم؟
الشيخ: فليقل خيرا ينكر، ينكر إذا سمعهم ينبههم يقول: اتقوا الله، دعوا الغيبة، وإذا كان في مجلس فيه نميمة كذلك، وإذا كان فيه خمر نهاهم عنه، وإذا كان فيه زنا نهاهم عنه، وهكذا إذا رأى المنكر أنكره وإلا فليفارق المحل، يبتعد لا يجلس معهم على منكر.
س: أو يغير الموضوع؟
الشيخ: لا بدّ من إنكار المنكر مع تغيير الموضوع، إنكار المنكر لا بدّ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، ويقول سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] قدم الأمر والنهي قبل الإيمان لعظم الأمر.
س: حديث: إن أربى الربا؟
الشيخ: لا بأس به.
س: لما يكون في المجلس رجال كبار صعب لو قال لهم؟
الشيخ: الحق أكبر منهم، الحق أكبر، ولهذا لما استحيا عبدالله بن عمر كما تقدم أن يتكلم في النخلة قال أبوه عمر: لئن كنت تكلمت أحب إلي من كذا وكذا، الإنسان ما يحقر نفسه عن الخير، يتكلم بالخير وينكر المنكر ولو كان أصغر القوم.
س: ابن القيم يقول: يستحب للإنسان أن يبدأ بمدافعة الخطرات السيئة لئلا تتحول إلى همم؟
الشيخ: هذا واجب، مدافعتها واجبة، والتعوذ بالله من الشيطان حتى لا تستحكم عليه.