وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد: ما ينبغي لنبي أن يخون.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح، حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان بن خصيف عن عكرمة، عن ابن عباس قال: فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا: لعل رسول الله ﷺ أخذها، فأنزل الله: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي يخون.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب حدثنا عبدالرحمن بن زياد، حدثنا خصيف، حدثنا مقسم، حدثني ابن عباس أن هذه الآية وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله أخذها، فأكثروا في ذلك، فأنزل الله وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وكذا رواه أبو داود والترمذي جميعا عن قتيبة، عن عبدالواحد بن زياد به. وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه بعضهم، عن خصيف، عن مقسم يعني مرسلا.
وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: اتهم المنافقون رسول الله ﷺ بشيء فقد، فأنزل الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم، وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضا. وكذا قال الضحاك.
وقال محمد بن إسحاق وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته.
وقرأ الحسن البصري وطاوس ومجاهد والضحاك وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ بضم الياء أي يخان.
وقال قتادة والربيع بن أنس: نزلت هذه الآية يوم بدر، وقد غل بعض أصحابه. رواه ابن جرير عنهما، ثم حكى عن بعضهم أنه فسر هذه القراءة بمعنى يتهم بالخيانة.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد.
الشيخ: والمعنى على قراءة يغل وهي في السورة معروفة؛ أنه ما كان ينبغي له ولا يصح منه أن يغل شيئًا، أمر بعدم أخذه أو نهي عن أخذه، وإنما يأخذ ما شرع الله له أخذه من الغنائم ومن غير الغنائم ما شرع الله له أن يأخذه ويتصرف فيه فإنه يأخذه وما لا فلا، فهو أبعد الناس عن كل طريق ذميم، فهو أسبق الناس إلى كل خير، وأفضلهم بكل حق، وأبعدهم عن كل خلق ذميم فهو بريء من الأخلاق الذميمة ومن الأخذ من الغنائم أو من الزكوات أو من بيت المال بغير حق على سبيل الاختلاس والخيانة، فالله نزه نبيه ﷺ أن يتولى شيئًا من ذلك، وأن يفعل شيئًا من ذلك، وإنما يأخذ ما أباح الله له وما شرع له ويدع ما سوى ذلك، ولهذا كان يحذر من الغلول ويقول: من تولى شيئًا من المسلمين فليأت بكل شيء بقليله وبكثيره ولا يأخذ منه شيئًا.
وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالملك، حدثنا زهير يعني ابن محمد عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي مالك الأشجعي، عن النبي ﷺ قال أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض - أو في الدار- فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة والحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد بن شداد يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال هكذا رواه الإمام أحمد. وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر، فقال: حدثنا موسى بن مروان الرقي، حدثنا المعافي، حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد، عن جبير بن نفير، عن المستورد بن شداد، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي ﷺ، قال من اتخذ غير ذلك فهو غال- أو سارق .
قال شيخنا الحافظ المزي رحمه الله: رواه جعفر بن محمد الفريابي عن موسى بن مروان: فقال: عن عبدالرحمن بن جبير بدل جبير بن نفير، وهو أشبه بالصواب.
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا حفص بن بشر، حدثنا يعقوب القمي، حدثنا حفص بن حميد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، فينادي: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رغاء، فيقول: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي: يا محمد، يا محمد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد بلغتك. ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من أدم ينادي: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.
الشيخ: لكن أصله في الصحيحين من غير .... بلفظ: "لا ألفين أحدًا منكم يحمل يوم القيامة شاة ثغاء، ورقاع تخفق، وشيء صامت، ويقول: يا محمد يا محمد فأقول قد بلغتك لا أملك لك من الله شيئا". والمقصود التحذير من الغلول وأن الغال يأتي بما غل يوم القيامة ولو كان حيوانًا نسأل الله السلامة.
وتقدم في الأرضين في الصحيحين من حديث عائشة وسعيد بن زيد وغيرهما: من ظلم شبرًا من الأرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين ...... العاقبة وخيمة نسأل الله العافية.حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري سمع عروة يقول: حدثنا أبو حميد الساعدي: قال: استعمل رسول الله ﷺ رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول الله ﷺ على المنبر فقال ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه: ثم قال اللهم هل بلغت ثلاثا، وزاد هشام بن عروة فقال أبو حميد: بصرته بعيني وسمعته بأذني واسألوا زيد بن ثابت، أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة، وعند البخاري: واسألوا زيد بن ثابت، ومن غير وجه عن الزهري، ومن طريق عن هشام بن عروة، كلاهما عن عروة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد أن رسول الله ﷺ قال هدايا العمال غلول وهذا الحديث من أفراد أحمد، وهو ضعيف الإسناد، وكأنه مختصر من الذي قبله، والله أعلم.
حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة عن داود بن يزيد الأودي، عن المغيرة بن شبل، عن قيس بن أبي حازم، عن معاذ بن جبل، قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت، فقال أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة لهذا دعوتك فامض لعملك هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن عدي بن عميرة وبريدة والمستورد بن شداد وأبي حميد وابن عمر.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول الله ﷺ يوماً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير لهه رغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة،، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك أخرجاه من حديث أبي حيان به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، حدثني قيس عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله ﷺ يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه، فهو غل يأتي به يوم القيامة قال: فقام رجل من الأنصار أسود -قال مجالد: هو سعيد بن عبادة كأني أنظر إليه- فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال وأنا أقول ذاك الآن، من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نهي عنه انتهى وكذا رواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به.
الشيخ: وهذا يدل على عظم شأن الغلول وأن من ولي على أمر على غنيمة أو بيت المال أو زكاة أو غير ذلك فالواجب عليه أن يأتي بقليله وكثيره وأن يصون ذلك ويحفظه فلو أعطي من ذلك عن عمله أخذه وما نهي عنه انتهى ولهذا قال: فليجئ بقليله وكثيره وفي اللفظ الآخر: مخيطًا فما فوقه، المخيط الإبرة المعروفة. هذا يدل على عظم الأمر وخطورته وأن الواجب على الأمين أن يؤدي الأمانة وأن يحذر الخيانة مهما قلت لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] وقوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] وقوله : وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] يرعونها حتى يؤدوها وحتى يصونها وقوله سبحانه: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا [الأحزاب:72] الآية، فالغلول من هذا الباب إذا غل شيئًا من هذه الأمانات التي تحت يديه منها الغنيمة ومنها الفيء ومنها غير ذلك فإنه يجيء يوم القيامة بما غل، سواء كان حيوانًا يحمله، أو نقدًا من الذهب والفضة يحمله، أو عروضًا يحملها يفتضح بها ويخزى بها يوم القيامة وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] يعني يحمله على رؤوس الأشهاد يراه الناس يُعرف به، وهناك علامة أخرى يوم القيامة للغال والغادر في الحديث الصحيح: يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه يعني عند مقعدته يراه الناس.
س: الحديث عام في الولاة الذين يبعثون؟
الشيخ: نعم عام، كل من ولاه ولي الأمر على شيء وائتمنه على شيء فعليه أن يأتي بقليله وكثيره، وليس له أن يغل منه شيئًا، فلو أعطي من الأجرة والمساعدة أخذ، وما نهي عنه انتهى.
......
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الفزاري، عن ابن جريج، حدثني منبوذ رجل من آل أبي رافع عن الفضل بن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي رافع، قال: كان رسول الله ﷺ إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبدالأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب، قال أبو رافع: فبينما رسول الله ﷺ مسرعا إلى المغرب، إذ مر بالبقيع، فقال: أف لك، أف لك مرتين، فلزق في ذرعي وتأخرت وظننت أنه يريدني، فقال: مالك! امش. قال: قلت: أحدثتُ حدثا يا رسول الله، قال: وما ذاك؟ قلت: أففت بي، قال لا، ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيا على آل فلان فغل نمرة فدرع الآن مثلها من نار.
حديث آخر: قال عبدالله بن الإمام أحمد: حدثنا عبدالله بن سالم الكوفي المفلوج -وكان ثقة- حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله ﷺ يأخذ الوبرة من ظهر البعير من المغنم ثم يقول مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم، إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله به من الهم والغم، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم وقد روى ابن ماجه بعضه عن المفلوج به.
.....
حديث آخر: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ﷺ ردوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة
حديث آخر: قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: بعثني رسول الله ﷺ ساعيا، ثم قال انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك ببعير من إبل الصدقة له رغاء، قد غللته» قال: إذا لا أنطلق، قال «إذا لا أكرهك، تفرد به أبو داود.
حديث آخر: قال أبو بكر بن مردويه: أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا عبدالحميد بن صالح، أنبأنا أحمد بن أبان عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة عن أبيه، عن النبي ﷺ، قال إن الحجر ليرمى به في جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ قعرها، ويؤتى بالغلول فيقذف معه ثم يقال لمن غل ائت به، فذلك قوله ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي أبو زميل، حدثني عبدالله بن عباس، حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى أتوا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله ﷺ كلا إني رأيته في النار في بردة غلها - أو عباءة- ثم قال رسول الله ﷺ يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وكذا رواه مسلم والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
................
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ بعث سعد بن عبادة مصدقا، فقال: يا سعد إياك أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء. قال: لا آخذه ولا أجيء به، فأعفاه، ثم رواه من طريق عبيدالله عن نافع به نحوه.
حديث آخر: قال أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا عبدالعزيز بن محمد، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبدالله أنه كان مع مسلمة بن عبدالملك في أرض الروم، فوجد في متاع رجل غلولاً، قال: فسأل سالم بن عبدالله، فقال: حدثني أبي عبدالله عن عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ قال: من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه قال: وأحسبه قال: واضربوه قال: فأخرج متاعه في السوق فوجد فيه مصحفا، فسأل سالما فقال: بعه وتصدق بثمنه، وكذا رواه علي بن المديني وأبو داود والترمذي من حديث عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، زاد أبو داود وأبو إسحاق الفزاري، كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة به. وقد قال علي بن المديني والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا، وقال الدارقطني: الصحيح أنه من فتوى سالم فقط.
وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومن تابعه من أصحابه، وقد رواه الأموي عن معاوية عن أبي إسحاق، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق على ما فيه. ثم روي عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن علي، قال: الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد المملوك ويحرم نصيبه، وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا: لا يحرق متاع الغال بل يعزر تعزير مثله.
الشيخ: الحديث هذا ضعيف، ولهذا قال الجمهور لا يحرق ولكن يؤدب بما يراه ولي الأمر ..
وقال البخاري: وقد امتنع رسول الله ﷺ من الصلاة على الغال، ولم يحرق متاعه، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن جبير بن مالك، قال: أمر بالمصاحف أن تغير، قال: فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغله، فإنه من غل شيئا جاء به يوم القيامة، ثم قال: قرأت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة.
الشيخ: سبعين سورة، يعني أن ابن مسعود ..... قبل زيد بن ثابت قبل الهجرة هذا لما أمر عثمان بإحراق المصاحف، والمصحف الذي كتبه الجماعة بأمره، أمر أن تحرق المصاحف الأخرى حتى لا يقع اختلاف بين الناس، وأن يقرأ القراءة على حرف واحد، وقول ..... رحمه الله... تأول قوله: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] قال: أنا آتي بمصحفي يوم القيامة ... قبل زيد.
فكان عثمان استشار الصحابة في هذا فاجتمع رأيهم على إحراق ما سوى المصحف الإمام حتى لا تقع حروف مخالفة فيختلف فيها الناس فصار رأيًا رشيدًا.. وهو الذي عليه قراءة الناس. وجاء أن النبي ﷺ ... على حرف أو حرفين أو ثلاثة إلى سبعة تخفيفًا على الناس فجمعهم عثمان على الحرف الواحد حتى لا يقع الاختلاف.
شكى إليه حذيفة وجماعة قالوا أدرك الأمة فإنهم قد اختلفوا في القراءة فرأى رحمه الله وجمعهم على مصحف واحد وأحرق ما سوى ذلك ... إلى يومنا هذا.
ثم قال: قرأت من فم رسول الله ﷺ سبعين سورة، أفأترك ما أخذت من في رسول الله ﷺ- وروى وكيع في تفسيره عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم، قال: لما أمر بتحريق المصاحف قال عبدالله بن مسعود : أيها الناس غلوا المصاحف، فإنه من غل يأت بما غل يوم القيامة، ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة.
الشيخ: وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه والصواب مع جمهور الصحابة، وليس هناك تغيير، هي أحرف يسيرة في السور قد تتغير، إنما أحرف يسيرة لا تغير المعنى وإنما الغال .....
وقال أبو داود، عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله ﷺ إذا غنم غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال: يا رسول الله، هذا كان مما أصبنا من الغنيمة، فقال أسمعت بلالا ينادي ثلاثا؟ قال: نعم. قال فما منعك أن تجيء؟ فاعتذر إليه فقال كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك.
وقوله تعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه، وأجير من وبيل عقابه، ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير، وهذه الآية لها نظائر كثيرة في القرآن، كقوله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد:19]، وكقوله: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [القصص:61] .
الشيخ: والمعنى في هذا التحريض على الاستقامة والأخذ بأسباب السعادة والتحذير من أسباب الخزي والندامة، وأنه لا يستوي هؤلاء وهؤلاء عند ذوي العقل واللب والبصيرة، أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ بالاستقامة على طاعته واتباع شريعته كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وكالذي ركب المحارم واتبع الهوى فباء بسخط من الله نعوذ بالله، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء كما قال : لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] فينبغي للعاقل أن يتحرى أسباب السعادة دائمًا، دائمًا أينما كان في بيته في الطريق في المسجد في السفر في الإقامة في الصحة في المرض في الشدة والرخاء في جميع الأحوال يتحرى أسباب السعادة، يتحرى القيام بأمر الله، يتحرى البعد عن أسباب سخط الله حتى يلقى ربه وهو في جهاد وفي عناية تامة، لا يتساهل أو يسوف بالأعمال الصالحة أو يتساهل بأسباب سخط الله، فإن هذا من أعظم الأسباب لمرض القلوب وانتكاسها، ثم الطبع عليها والختم عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:61] في جهنم نسأل الله العافية لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.
ثم قال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: يعني أهل الخير وأهل الشر درجات، وقال أبو عبيدة والكسائي: منازل، يعني متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار، كقوله تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132]، ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ أي وسيوفيهم إياها، لا يظلمهم خيرا ولا يزيدهم شرا، بل يجازي كل عامل بعمله.
الشيخ: والمعنى أن هؤلاء المغضوب عليهم وهؤلاء المرضي عنهم درجات ليسوا على حد سواء فالمرضي عنهم منهم من هو في أعلى عليين، ومنهم من هو تحت ذلك ودون ذلك، وهكذا منازل كما قال النبي ﷺ: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء في الأفق الشرقي أو الغربي لتباعد ما بينهما من المنازل وتفاوت ما بينهما من المنازل، فمنهم من هو في أعلى الدرجات لمسابقته إلى الطاعات واستقامته على الخيرات وابتعاده عن كل ما حرم الله، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم من هو ظالم لنفسه عنده سيئات ومعاصي فتكون درجته دون ذلك، فهكذا أهل النار دركات دركاتهم متفاوتة، فأهل الجنة درجات، وهو علو وهي ارتفاع في المنزلة وأهل النار دركات إلى سفل، ومن كان أشد عذابًا صار إلى أسفل ولهذا قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145] صاروا في أسفل الدركات نعوذ بالله لخبثهم ولإظهارهم الإسلام وإبطانهم خلافه وإيذائهم المؤمنون وتعديهم عليهم وتربصهم بهم الدوائر وإظهار أسرارهم لأعدائهم إلى غير هذا من أسباب عذابهم الأليم وجعلهم في الدركات نعوذ بالله.
وقوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به، كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] أي من جنسكم، وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110] . وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:20] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109] وقال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُم [الأنعام:130] فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسول إليهم منهم بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه.
الشيخ: وهذا من لطف الله ورحمته بعباده أن جعل الرسل منهم من بني آدم حتى يتمكنوا من المخاطبة لهم والمجالسة لهم وسؤالهم عما يشكل، والأنس بهم وعدم الوحشة منهم فمن هذا الآية الكريمة لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] وتلك الآية: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164] فهو منهم ليس جنيًا ولا ملكًا ولا نوعا آخر، بل هو منهم من جنسهم، يستطيعون الاتصال به بين وقت وآخر وسؤاله عما يهمهم والأنس به والاستماع لما يقول والتأسي بأفعاله.
س:....؟
الشيخ: هذا ظاهر الآية رسول منكم يعني من جنسكم، والإنس بلغوا الجن، والجن بينهم تقارب مع الإنس من بعض الوجوه، وفيهم النذر المشهور عند العلماء أن رسلهم هم نذر، يعرضون لهم الرسالات التي جاءت بها البشر من بني آدم، فهم رسل منهم ينقلون لهم الرسالة المحمدية وما قبلها من الرسالات، والمشهور عند الجمهور أن الجن ليس فيهم رسول مباشر يوحى إليه، وإنما رسول ينقل إليهم مثل ما بعث النبي الرسل إلى الأقاليم والبلدان لينقلوا عنه ما جاء من الوحي، فالرسل من الجن ينقلون عن النبي ﷺ ويحضرون مجالسه وينقلون إلى قومهم البلاغ والدعوة.
وقال بعض أهل العلم: أن فيهم رسول منهم كما قال ابن حزم وجماعة، ولكن الذي عليه أهل العلم جمهور أهل العلم وأكثرهم أن قوله منكم ليس على إطلاقه وأن المراد الرسل الذين ينقلون إليهم ما قاله الأنبياء من الإنس لأنه قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109] فعلى الإطلاق يظهر منه أن المراد به الإنس ليس الجن، ومحتمل أن يكون على ظاهر الآية وأن فيهم رسل منهم يوحى إليهم لا نعلم مانعًا يحيل ذلك كما قال ابن حزم وجماعة.
وفيهم رجال وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 6] فالذكور يسمون رجالاً ذكور الإنس والجن كلهم سواء رجال، لكن الأغلب أن رجال الجن يقيدون ورجال الإنس يطلقون ولكن لا مانع من الإطلاق.
ولهذا قال تعالى: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ يعني القرآن وَيُزَكِّيهِمْ أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ يعني القرآن والسنة، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ أي من قبل هذا الرسول لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد.
الشيخ: وهذا حال الناس قبل بعث النبي ﷺ في ضلال عظيم وبعد عن الهدى وشرك عظيم وعادات سيئة وظلم للعباد ونهب لأموالهم واحتقار لفقرائهم، فكانوا في ضلال بعيد حتى رحمهم الله بهذا النبي العظيم بالشرع المبين فأنقذهم الله من الظلم والشر والفساد والشرك والكفر وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، وجعلهم على صراط مستقيم في أعمالهم وأخلاقهم، وزكاهم الله بهذا النبي العظيم وبالكتاب الكريم وعلمهم الكتاب وعلمهم الحكمة وهداهم إلى خير الطرق وأزاح عنهم الكفر والضلال والعادات السيئة، هذا من فضله ورحمته وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فهذا من فضله وإحسانه جل وعلا.
وقال هنا: مبين وفي آيات كثير مبين ولم يقل بين ضلال مبين، يعني يبين لمن تأمله وما فيه من الباطل، من تأمل ما فيه من الضلال أبان له ذلك ما هو شر وما هو فساد وما هو شقاء عند التأمل، وهو يبين لمن تأمل ويبين لمن تعقل عظم الشر وقبح الخصال الذميمة التي فيه، ولهذا تجده يقول: مبين، ضلال مبين، كتاب مبين، رسول مبين، كله اسم فاعل من أبان، والمعنى أن هذا الكتاب وهذا الرسول وما جاء به يبين من تأمل وتعقل ما في الطريق المنكر والعادات المنكرة والأخلاق الفاسدة من الفساد العظيم والعواقب الوخيمة، ويبين لمن تأمل الأوامر الصراط المستقيم وما فيه من الخير والهدى والسعادة.
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
يقول تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يعني يوم بدر، فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلا، وأسروا سبعين أسيرا، قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا أي من أين جرى علينا هذا، قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا قراد بن نوح، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله ﷺعنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بأخذكم الفداء. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن غزوان وهو قراد بن نوح بإسناده ولكن بأطول منه، وهكذا قال الحسن البصري.
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون، ح، قال سنيد وهو حسين: وحدثني حجاج عن جريج، عن محمد عن عبيدة، عن علي ، قال: جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال: يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، قال: فدعا رسول الله ﷺ الناس، فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا، ويستشهد منا عدتهم، فليس في ذلك ما نكره؟ قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا، عدة أسارى أهل بدر، وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن سفيان بن سعيد، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين به، ثم قال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة، وروى أبو أسامة عن هشام نحوه، وروى عن ابن سيرين عن عبيدة، عن النبي ﷺ مرسلا.
وقال محمد بن إسحاق وابن جريج والربيع بن أنس والسدي قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أي بسبب عصيانكم لرسول الله ﷺ حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم، يعني بذلك الرماة إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه.
الشيخ: والمعنى أن الله جل وعلا قضى قدر أن يصاب منهم هذا العدد بسبب إخلال الرماة لموقفهم، والواجب على الجيش الامتثال والطاعة والحذر من المعصية، فلما حصل ما حصل من الخلل بالموقف والفشل والتنازع أصابهم ما أصابهم بدخول جيش الكفار عليهم من ورائهم وصار الجيش من ورائهم ومن أمامهم واضطراب الناس واختلط الناس وحصل ما حصل من الهزيمة وقتل السبعين، وهذا يبين أن الواجب على المؤمنين وإن كانوا أتقى أهل الأرض أن يأخذوا بالأسباب التي شرعها الله وأن يحتاطوا ويحذروا النزاع والفشل والمعصية، فإن ذلك من أسباب تسليط الأعداء ولهذا قال : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] المعنى سلطوا عليكم وجرى ما جرى وهنا قال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا يعني كيف أصابنا هذا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] يعني أصابكم بأسباب أعمالكم التي فعلتم فعلها منكم العصاة الذين لم يثبتوا في مكانهم الذي أمروا به وتنازعوا حصل ما حصل بأسبابهم وتخلفهم عن موقفهم.
ثم قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين، كان بقضاء الله وقدره، وله الحكمة في ذلك وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ يعني بذلك أصحاب عبدالله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق، فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة، ولهذا قال أَوِ ادْفَعُوا قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي: يعني كثروا سواد المسلمين، وقال الحسن بن صالح: ادفعوا بالدعاء، وقال غيره: رابطوا، فتعللوا قائلين لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ قال مجاهد: يعنون لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم، ولكن لا تلقون قتالا.
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدث، قال: خرج علينا رسول الله ﷺ يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة، انحاز عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله ﷺ.
قال الله : هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ استدلوا به علة أن الشخص قد تتقلب به الأحوال، فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان، لقوله: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ. ثم قال تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته، ومنه قولهم هذا: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ فإنهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر. وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتال لا محالة.
الشيخ: وقولهم: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ كلام فاسد باطل، وهم يعرفون أن هناك قتالًا وهؤلاء ما جاؤوا ليأكلوا ويشربوا، ما جاؤوا معزومين الغداء والعشاء، جاؤوا للقتال، ولكن حملهم النفاق والشك والريب والحقد نسأل الله العافية، لأن عبدالله بن أبي رئيسهم منافق معروف فحملهم نفاقه وخبث طويته على أن دعا قومه إلى الخذلان والتخلف حتى افتضحوا وظهر نفاقهم ولهذا قال : وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا [آل عمران:166، 167] يعني هذه المصيبة وهذه المحنة لها أسباب ولها حكم وأسرار من جملتها الدلالة على أن المعاصي من أسباب الخذلان ومن أسباب تسليط الأعداء، ومن الحكم فيها تمييز المؤمنين وإظهار شرفهم وفضلهم وثباتهم عند القتال وصبرهم، وأن إيمانهم يحملهم على الصبر والثبات عند الزعازع والمحن، وتخلف الكثير عن الأمر العظيم الحاضر، ومنها إظهار نفاق المنافقين وتمييزهم وبيان جزعهم وخورهم وضعفهم وعدم صبرهم عند المحن، فله فيها حكم وله جل وعلا الحجة البالغة، فصار في هذه المصيبة وهذا القتال فوائد وحكم وأسرار متعددة؛ منها: أن يعرف أن الناس أن المعاصي عواقبها وخيمة وأن شرها عظيم ولهذا قال جل وعلا في الآية الأخرى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] وقال هنا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] ثم بين بعد هذا أن هذا عن قضاء وقدر يعني قال: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:166] يعني قد سبق في علم الله وقدره الله لحكم وأسرار واقعة معلومة له ظهرت وبانت بوجود هذه المحنة وهذه المصيبة، والعقوبات والمصائب قد تتنوع أسبابها وتتعدد أسرارها وحكمها يعرفها أهل الإيمان والبصائر ويأخذون منها العبرة والعظة والذكرى.
ومن فوائدها أيضاً أن يعلم المؤمنون أن النصر ليس بالكثرة ولا بالسلاح ولا بمجرد الإيمان بغير عمل بل لا بدّ من الأخذ بالأسباب لأن الله قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقال: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فلا بدّ من الأخذ بالأسباب ولا يكفي أن يكون مؤمنًا وخصمه كافرًا لا يكفي بل لا بدّ من أخذ الأهبة والحيطة والعدة وأخذ الحذر عند مقابلة الأعداء، ولو كان أحد ينصر بمجرد إيمانه وبمجرد تقواه لله من غير أخذ بالأسباب وبغير ترك لما يوجب الهزائم لكان رسول الله أولى الناس بهذا عليه الصلاة والسلام، ولكان أصحابه أولى الناس في هذا، فهو ﷺ أفضل الخلق وأفضل الأنبياء، وأصحابه أفضل الناس بعد الأنبياء وهم أولياء الله ومع هذا أصابهم ما أصابهم ليعلم الناس أنه لا بدّ من أخذ الحيطة ومن العمل بالأسباب التي شرعها الله من إعداد القوة ومن ترك النزاع والفشل ومن جمع الكلمة واتحاد الصف ضد العدو والله المستعان.
ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ثم قال تعالى: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل، قال الله تعالى: قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت، فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.
قال مجاهد عن جابر بن عبدالله: نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي بن سلول وأصحابه.
الشيخ: والمعنى أن الخور والضعف والجبن والخوف من الأعداء لا يدفع الموت، الموت مقدر لا بدّ آت، ولن يدفعه عنك خورك وضعفك وخذلانك أصحابك في مواقف القتال، فالقتل في سبيل الله أشرف وأفضل، والموت لا بدّ منه، ومن تخلف عن القتال لئلا يموت فسوف يموت حتف أنفه بالقدر الذي قدره الله ولن يفوت الله هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص الذين تخلفوا ولهذا قال: قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:168] إن كان الجبن والخور والضعف يدفع الموت فينبغي ألا تموتوا والأمر ليس كذلك بل كل نفس ذائقة الموت ومهما كان للإنسان من قوة ومن تحصن في بروج مشيدة أو بحرس شديد أو بغير هذا، فالموت آت عليه ولن يرده راد، فينبغي للعاقل أن يموت موتًا شريفًا وليأخذ بأسباب النصر وأسباب القوة ويحقق إيمانه وتقواه لله بالقتال في سبيله، وبالأخذ بالأسباب التي شرعها سبحانه وبالحزم والقوة والشجاعة والإقدام في مواطنها، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن أينما كان والمؤمن آت إن كان مقدرًا لك في هذه الغزوة أو في هذه السرية أو في هذا اليوم وقع وإلا تأخر إلى وقته وموعده، وصار لك الشرف والفضل والأجر بما حضرت من قتال وبما فعلت من أسباب لإرضاء المولى .