413 من حديث: (ما اغبرت قدما عبد في سبيل اللَّه فتمسه النار)

 
19/1303- وعن أبي عَبْسٍ عبدِالرَّحمنِ بْنِ جُبَرٍ، قال: قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما اغْبَرَّتْ قدَما عَبْدٍ في سبيلِ اللَّه فتَمسَّه النَّارُ. رواهُ البخاري.
20/1304- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ، ، قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا يلجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ اللَّهِ حتَّى يعُودَ اللَّبَن في الضَّرعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ في سَبيلِ اللَّهِ ودخَان جهَنَّم. رواه الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
21/1305- وعن ابن عبَّاسٍ، رضي اللَّه عَنْهُمَا، قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقُولُ: عيْنَانِ لاَ تَمسُّهُمَا النَّارُ: عيْنٌ بكَت مِنْ خَشْيةِ اللَّهِ، وعيْنٌ باتَت تحْرُسُ في سبِيلِ اللَّهِ. رواه الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في فضل الجهاد، وأن أجره عظيم، وأن الشهداء المخلصين موعدون بالجنة والنجاة من النار، من ذلك حديث أبي عبس، حديث أبي عبس بن جبر عن النبي ﷺ قال: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار يعني أن جهاده في سبيل الله من أسباب سلامته من النار، وهكذا قوله ﷺ: عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت في سبيل الله فهو من هذا الباب، وكذلك الحديث الآخر: لا يلج النار عين بكت من خشية الله، ولا عين باتت تحرس في سبيل الله كل هذا من باب الوعد للمجاهدين بالجنة والنجاة من النار، وهكذا الباكون من خشية الله لهم خير عظيم وأجر عظيم، ومن هذا حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله أولهم: إمام عادل، والسابع: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه رواه الشيخان في الصحيحين، فالبكاء من خشية الله من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، والجهاد في سبيل الله والحرس في سبيل الله والرباط في سبيل الله كله من أسباب الجنة والنجاة من النار، لكن مع الاستقامة على طاعة الله ورسوله، هذه الأحاديث وأشباهها من أحاديث الفضائل المراد بها يعني مع الاستقامة على أداء فرائض وترك محارم الله وعدم الانحراف، أما إذا تعاطى شيئا من الكبائر فهذا تحت مشيئة الله لقول الله جل وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، وقوله ﷺ: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهم ما لم تغش الكبائر، وقوله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ثم قال سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] يعني ما دون الشرك من المعاصي، فالجهاد والبكاء من خشية الله، وصوم التطوع وصوم رمضان والتهجد بالليل والصدقات وسائر أنواع الخير كلها من أسباب السلامة من النار، وكلها من أسباب دخول الجنة لكن مع الحذر من الإصرار على كبائر الذنوب، ومع الاجتهاد في أداء فرائض الله، فالنصوص يضم بعضها إلى بعض، فنصوص الرجاء تضم إلى نصوص الوعيد، ونصوص الوعيد تضم إلى نصوص الرجاء حتى يفسر بعضها ببعض، فلا يغلب الوعيد كما تقول الوعيدية من المعتزلة وغيرهم الخوارج، ولا يغلب جانب الرجاء كما تقول المرجئة، ولكن المؤمن يخاف ويرجو، يخاف الله ويرجو رحمته، فلا يقنط وييأس ولا يأمن مكر الله جل وعلا، لكنه يرجو رحمته بما فعله من الخير ويخشى عذابه مما عنده من الشر، ويكون دائما على حذر وعلى توبة وندم وإقلاع من الذنوب؛ لأن الله قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135، 136]، فأخبر أن هذا هو جزاؤهم إن لم يصروا، والإصرار معناه الإقامة على المعاصي وعدم التوبة، فالإقامة على المعاصي وعدم التوبة من أسباب حرمان المغفرة، فالواجب على المؤمن أن يكون أبدا على حذر على خوف وعلى رجاء لا ييأس ويقنط ولا يأمن ويتساهل، قال جل وعلا في حق الأنبياء والصالحين إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا يعني رجاء وخوفا  وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال فيهم أيضًا: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57]، فهكذا المؤمن دائما بين الرجاء والخوف يرجو رحمة الله فيعمل، ويخشى نقمة الله وعذابه فيحذر حتى يلقى ربه هو بين الخوف والرجاء، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة:
س: الحراسة في غير وقت الحرب يكون لها هذا الفضل؟
الشيخ: نعم هذا رباط، الحراسة هو الرباط، الرباط في سبيل الله في الثغور في أطراف البلد يسمى رباط.
س: حنا من قبل سنتين نخرج جماعات وحصلنا شايب عمره خمس وسبعين سنة قال: تفضلوا أنا حبيت تدخلون عندي بالبيت، جلسنا عنده، ويوم شافنا نتكلم بالدين قال: أنا والله لله الحمد والشكر حجيت سبع حجات. قلنا له: اقرأ الفاتحة، فقرأ الفاتحة فأخطاء في ثلاث آيات وقفز آية، فقلنا له: حجيت سبع حجات وعمرك خمس وسبعين سنة وصلاتك ما هي مضبوطة؟ وعنده ولد جالس فقلنا له اقرأ الفاتحة؟ فقرأ الفاتحة صح، ففضلنا له حلقة التعليم في البيت لأنهم يتقنون الفاتحة والسور القصار، حصل شيء بعد رمضان متجمعين علشان نفطر مع بعض الجماعة، فقلت أنا: إخواننا محتاجيننا، فيا أخوان من فضلكم تطلعون وتعلمونهم هذه الأشياء، تفضلون حلقة التعليم في البيوت، فقام أحد الأخوان قال: أنت مخطئ في هذا العمل لأنك غير مؤهل؟ ما يجب أن تروح، يجب أن تتعلم ثم تخرج؟ وأنا مدرس؟
الشيخ: لا غلط، كل يعلم حسب طاقته، يعلم الفاتحة ويعلم سور من القرآن.
س: بس قال هذا خطأ، وهذه جماعة تقوم بهذا العمل اسمها جماعة التبليغ هل عملي هذا خطـأ ...؟
الشيخ: كل إنسان يعلم حسب طاقته، الذي يحسن الفاتحة يعلم الذي ما يحسنها، والذي يعلم بعض السور يعلم الذي ما يحسنها، وهكذا الله يقول وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] الإنسان لا يتكلم إلا بعلم، الشيء الذي لا يعلمه لا يتكلم فيه، الإنسان يعلم بما يعلم بس.
س: إذن ما في شيء؟
الشيخ: مأجور يعلم بعض السور، هذا من التعاون على البر والتقوى.