86 من حديث: (ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر أو سئل عن الكبائر..)

بَاب صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِكِ
5978 - حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: آصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة:8]

الشيخ: وهذا يدل على أنه لا مانع من صلة الوالد المشرك والوالدة والأقارب؛ إذا كانوا ليسوا حربًا لنا في صلح وأمان وعهد ومستأمنين فلا مانع من صلتهم، ولهذا لما قدمت أم أسماء بنت أبي بكر في المدينة في الصلح الذي بين النبي ﷺ وبين أهل مكة تسأل -تطلب- المال قبل أن تسلم، قالت أسماء: يا رسول الله، إن أمي وفدت عليّ تريد المال فهل أصلها؟ قال النبي: صليها، يعني أحسني إليها، وهذا من أسباب دخولها في الإسلام، كون الوالد يوصل ويحسن إليه أو الأقارب هذا من أسباب دخولهم في الإسلام، ولهذا جعل الله للمؤلفة قلوبهم حقًا في الزكاة وفي بيت المال، فكون الإنسان يصل أباه أو أمه أو أخاه في حال الهدنة بينه وبين المشركين في حال الأمان والعهد، لا في حال الحرب، لا بأس؛ لأن هذا قد يكون سببًا لإسلامهم، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: وأنزل الله في ذلك قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] فالذين ما قاتلونا بل بيننا وبينهم صلح أو عهد أو أمان لا مانع أن نصلهم ونحسن إليهم، ولاسيما عند الرغبة في إسلامهم وعند رجاء إسلامهم فهذا يكون آكد.
 
بَاب صِلَةِ المَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ
5979 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ ﷺ، مَعَ ابْنِهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ؟ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ

الشيخ: وفيه من الفائدة أنه لا يلزم المرأة أن تستأذن زوجها في الصلة ولا فيما تراه مصلحة، فهذا مالها إن كانت رشيدة تتصرف فيه ولا يلزم أن تستأذن زوجها؛ لكن إذا شاورته من باب العشرة من باب المجاملة فلا بأس، لكن لا يلزمها، ولهذا قال النبي: صليها، ولم يقل استأذني الزبير، ما قال: استأذني زوجك الزبير، قال: صليها، وسكت، فدل على أنه ليس لزوجها الحق في منعها من الصلة أو في منعها من العتق أو في منعها من أعمال الخير ما دامت رشيدة وتنفق من مالها لا من ماله، فليس له حق في ذلك، ومن هذا الباب ما جاء في الصحيح أيضًا في حديث ميمونة قالت: يا رسول الله، أشعرت أني أعتقت فلانة؟ جارية لها أعتقتها، قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك، ولم يقل لها: لمَ أعتقتها ولم تشاوريني؟، فدل ذلك على أن المرأة لها التصرف ولا تشاور زوجها ولو كان زوجها عالمًا ولو كان نبيًّا؛ فهي تتصرف في مالها، إذا كانت رشيدة تحسن التصرف فلها التصرف في مالها في البيع والشراء والعتق والعطاء ونحو ذلك من التصرفات الجائزة.
س:........
الشيخ: يصلهم وينصحهم إذا أمكن هذا.
 
5980 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: - يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ - يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالعَفَافِ، وَالصِّلَةِ

الشيخ: هذا في الهدنة بين النبي ﷺ وبين قريش، كان أبو سفيان وجماعة قد سافروا إلى الأردن -إلى القدس- للتجارة، وصادف مجيء هرقل ملك الروم إلى بيت المقدس للتعبّد وشكر الله على أنه نصره على الفرس، فقيل له: إن هنا وفدًا من البلاد التي فيها دعوة النبوة من مكة، فكانوا قد سمعوا ذلك جاءت الأخبار بوجود نبي في مكة يدعو إلى الله ويقول: إنه نبي ويدعو إلى ما دعا الأنبياء قبله، فقال: أعطونيهم، فجاؤوا بهم إليه وعلى رأسهم أبو سفيان بن حرب شيخ قريش ذاك الوقت وهو رئيسهم يوم أحد ويوم الأحزاب، فسألهم: من أقربكم للنبي ﷺ؟ فأشاروا إلى أبي سفيان، فقربه وقال لحرسه: اجعلوا أصحابه خلفه وقولوا لهم: إني سائله عن هذا النبي فإن كذب فليكذبوه، فسأله عن أسئلة عديدة، منها: ماذا يأمركم به؟ يسأله: هذا النبي الذي عندكم ماذا يأمركم؟ قال له أبو سفيان: يأمرنا أن نعبد الله وحده وأن نترك ما عليه آباؤنا، يعني: من الشرك، قال: ويأمرنا بالصلاة والصلة والصدقة والعفاف، يأمرنا بالصلاة بعدما فرض الله الصلاة، وكان هذا في وقت الهدنة، يأمرنا بالصلاة والصدقة والصلة صلة الرحم والعفاف عن الفواحش، كل هذه الأشياء من مكارم الأخلاق، يعرفونها يعرفها هرقل وأشباهه، فهذا يدل على أنه كان يأمرهم بهذه الأمور عليه الصلاة والسلام، فلما استكمل الأسئلة قال: لئن كان كما قلت ليملك موضع قدمي هاتين ولو قدرت لأصل إليه لغسلت عن قدميه، فأمر بأن يقرأ الكتاب الذي بعث به النبي ﷺ إلى هرقل فقرئ الكتاب ودعاهم -دعا هرقل قومه إلى أن يسلموا ويقبلوا هذا الدين وأنه يثبت ملكه لهم ويدخلوا في هذا الدين- فحاصوا حيصة الحمر الوحش، واستنكروا ذلك ونفروا، فلما رأى نفرتهم أمر بالأبواب أن تغلق، وأمر بإخراج الوفد، ثم قال: إنما فعلت هذا لأعرف صلابتكم في دينكم وثباتكم في دينكم، وتراجع عن عزمه في الدخول في هذا الدين خوفًا على نفسه من أن يعزلوه، فالمقصود أنه شهد أبو سفيان مع أنه كافر ذاك الوقت -ما بعد أسلم أبو سفيان- شهد بهذه الشهادة التي من عدو، شهد بأن الرسول ﷺ يدعو الناس إلى توحيد الله والإخلاص له كما في الرواية الأخرى من حديث أبي سفيان، وترك الإِشراك به جل وعلا، وأن هذا هو ما يأمر به الأنبياء السابقون، واعتراف هرقل بهذا الحق، وأنه حق وبيّن لهم أنه يأمر أيضًا بالصلاة التي هي عمود الإسلام، ويأمر بالصدقة على المحاويج، ويأمر بصلة الرحم للأقارب، ويأمر بالعفاف عن الفواحش، وكل هذه من الدلائل على أنه نبي، وأنه ليس بكذّاب، وأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا اعترف بهذا هرقل وخضع لذلك واعترف أنه نبي ما دام يأمر بهذه الأمور، وسأله عن عدة أسئلة: أيزيدون أم ينقصون؟ فقال أبو سفيان: يزيدون، قال: أيرتد أحدهم سخطة لدينه؟ قال: لا يرتد، إذا دخل أحدهم فيه لا يرتد، وسأله: هل في قومه من ادعى الملك من ملك، قال: لا، إلى آخر الأسئلة المعروفة، نعم.
 
بَاب صِلَةِ الأَخِ المُشْرِكِ
5981 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ وَالبَسْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الوُفُودُ. قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.

الشيخ: وفيه من الفوائد أنه لا يلزم من الهدية أن يلبس المؤمن ما حرم الله عليه، فإن الهدية شيء، والإباحة شيء آخر من جهة اللبس؛ فإن لباس الحرير ينتفع به في بيعه على الكفرة في كسوته النساء فهو حِلٌّ للنساء، فلهذا قال: ما أعطكيتها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها.
س:..............
الشيخ: هذا يختلف إذا كنت تعلم أنهن يلبسن ذلك على صفة تخالف الشرع لا تبع عليهن، وإذا كنت لا تعلم واللباس يصلح لهذا وهذا، قد يكون تحت الثياب، ما يلزم يكون فوق الثياب، قد يكون تحت الثياب أو عند الزوج، فالأمر فيه تفصيل.
 
بَاب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ
5982 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ».
5983 - وحَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، فَقَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَبٌ مَا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.

الشيخ: وهذا يدل على أن صلة الرحم من جملة الأعمال التي وعد الله عليها الجنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لا يدخل الجنة قاطع رحم، فقطعية الرحم من أسباب دخول النار، وصلة الرحم من أسباب دخول الجنة، والرحم هي: القرابة، وصلتها: الإحسان إليها بالكلام والمال والتوجيه والإرشاد وسائر وجوه الخير.
أيش قال على.......؟
الطالب: قال: محمد بن عثمان.
الشيخ: العيني؟
الطالب: نعم.
الطالب: قوله: عن أبي الوليد هشام بن عبدالملك عن شعبة عن ابن عثمان وهو محمد بن عثمان، ثم قال في السند الآخر: عن محمد بن عثمان بن عبدالله بن موهب بفتح الميم والهاء وسكون الواو.
الشيخ: نعم.
 
بَاب إِثْمِ القَاطِعِ
5984 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: إِنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ.
 
بَاب مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ
5985 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

الطالب: ذكر أن ابن عثمان قيل: اسمه عمرو، ذكر هذا عن الكلباذي قال: هو عمرو بن عثمان، ووهم شعبة في اسمه فقال: محمد، وقال البخاري بعد روايته لهذا الحديث في أول الزكاة: أخشى أن يكون محمد غير محفوظ، إنما هو عمرو، والحديث مر في الزكاة.
 
5986 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

الشيخ: وهذا دليل ظاهر على فضل صلة الرحم، وأنه من أعظم الأسباب في بسط الرزق والفسح في الأجل، فينبغي للمؤمن أن يجاهد نفسه في ذلك، فإن العوائق كثيرة؛ ولكن متى جاهد نفسه أعانه عليه، ولهذا في الحديث الآخر: ليس الواصل بالمكافي، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها فالمكافي ليس واصلاً في الحقيقة؛ لأنه قد يكافي الأجنبي، لكن الواصل في الحقيقة وعلى الكمال هو الذي يصلهم وإن قطعوه ويحسن إليهم وإن أساؤوا، شُف كلامه على حديث جبير: لا يدخل الجنة قاطع في رواية مسلم لا يدخل الجنة قاطع رحم.
الطالب: (قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ الْقَاطِعِ) أَيْ: قَاطِعُ الرَّحِمِ
[5984] قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ، كَذَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ كُلِّهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ وَقَالَ فِيهِ: (قَاطِعُ رَحِمٍ)، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ، قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي: قَاطع رحم، وَذكر ابن بَطَّالٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْهُ كَرِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ صَالِحٍ فَأَدْرَجَ التَّفْسِيرَ، وَقَدْ وَرَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حَرِيزٍ بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَاسْمُهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ قَاضِي سِجِسْتَانَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا مُصَدِّقٌ بِسِحْرٍ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ أخرجه ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ عَشِيَّةِ خَمِيسٍ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث ابن مَسْعُودٍ: إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ مُغْلَقَةٌ دُونَ قَاطِعِ الرَّحِمِ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي أَوْفَى رَفَعَهُ: إِنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ الرَّحِمِ، وَذَكَرَ الطِّيبِيُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ.
الشيخ: يعني إنْ صح الخبر.
الطالب: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّحْمَةِ: الْمَطَرُ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ عَنِ النَّاس عُمُوما بشؤم التقاطع.
الشيخ: نعم. أعد قبل كلام الطيبي مِن رواية مَن؟ الطبراني وإلا من؟
الطالب: للمصنف في الأدب المفرد من حديث ابن أبي أوفى رفعه: إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم
الشيخ: كان ينبغي على المؤلف أن ينبّه على حال سنده. يُراجع في الأدب المفرد.
س:.....
الشيخ: نعم، القضاء قضاءان: قضاء معلق على أسباب يقع عند أسبابه ويرتفع عند أسبابه، وقضاء..... لا بد من وقوعه.
 
بَاب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللَّهُ
5987 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22].

الشيخ: هذا وعيد عظيم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23] هذا وعيد عظيم على الفساد في الأرض وعلى قطيعة الرحم، نسأل الله العافية.
 
5988 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ.
5989 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ.

الشيخ: كأنه من باب الاشتقاق، يعني: مشتقة من الرحمة، تعرض لها الشارح؟
الطالب: نعم، قَوْلُهُ: الرَّحِمُ شِجْنَةٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ وَجَاءَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفَتْحِهِ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَأَصْلُ الشِّجْنَةِ: عُرُوقُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكَةُ، وَالشَّجَنُ بِالتَّحْرِيكِ وَاحِدُ الشُّجُونِ، وَهِيَ طُرُقُ الْأَوْدِيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْحَدِيثُ ذُو شُجُونٍ أَيْ: يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، وَقَوْلُهُ: مِنَ الرَّحْمَنِ أَيْ: أُخِذَ اسْمُهَا مِنْ هَذَا الِاسْمِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ أَثَارِ الرَّحْمَةِ مُشْتَبِكَةٌ بِهَا، فَالْقَاطِعُ لَهَا مُنْقَطِعٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الرَّحِمَ اشْتُقَّ اسْمُهَا مِنَ اسْمِ الرَّحْمَنِ فَلَهَا بِهِ عَلَقَةٌ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ: رَحِمُ الدِّينِ، وَتَجِبُ مُوَاصَلَتُهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُحِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّةُ: فَتَزِيدُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ، وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ: الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِمِ: بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَبِالدُّعَاءِ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إِذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللَّهِ هِيَ صِلَتُهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي وَعْظِهِمْ ثُمَّ إِعْلَامِهِمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُثْلَى.
الشيخ:... وأيضًا صلتهم بالمال ونحو ذلك مما يكون سببًا لتأليف قلوبهم وهدايتهم أيضًا فيهجرهم في الله ويقاطعهم في الله... البغضاء في الله؛ ولكن مع ذلك لا يدخر وسعًا في هدايتهم والنصيحة والتوجيه والدعاء وإيصال الخير إليهم إذا كانوا فقراء ومحاويج، مثل ما قال الله جل وعلا: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] ومثل ما أمر أسماء أن تصل أمها وهي مشركة، ومثل ما وصل عمر أخاه في مكة وكان مشركًا؛ فالمقصود أن الكافر والفاجر المعلن وإن قاطعه المسلم في الله وعاداه في الله لا يمنع ذلك من الدعاء من باب الهداية والتوفيق والصلاح والرجوع إلى الحق، ولا يمنع ذلك أيضًا من صلته إن كان فقيرًا أو صلته بالمال إذا طلب الصلة؛ رجاء هدايته ورجاء قبوله للحق وتأليفًا لقلبه، هذا يختلف بحسب حال الموصول وحال الواصل ورجائه أن يهتدي وأن ينتفع، بخلاف المسلم الذي لم يصل للفجور فهذا صلته واجبة، أما الكافر فيختلف بحسب الأحوال؛ فإذا رُجي إسلامه ورُجي هدايته فلا مانع -مع الدعاء- من صلته بالمال وتأليفه بالمال لعله يرجع إلى الصواب، ولهذا جعل الله في الزكاة وفي بيت المال حقًا للمؤلفة قلوبهم وهم كفار.
س:........
الشيخ: قد يستعمله في الشرك، قد يستعمله فيما هو أكبر، لكن أنت عليك الاجتهاد والتحري لأسباب الخير، أسماء أمرها النبي ﷺ أن تصل أمها وهي مشركة، وقد تستعين بهذا المال على ما لا يرضاه الله، الله يقول: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، دون النظر إلى أعمالهم.
س:.......
الشيخ: لا، إن كانوا ليسوا حربًا لنا فلا بأس، ذاك الحربي لا يُعطى شيئًا، لا قليل ولا كثير، الحربي لا يُعطى ولو قرش واحد، لا يُعطى شيئًا؛ لأن هذا مظاهرة على... فيكون ردة عن الإسلام: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فالمحاربون لنا لا يعطون شيئًا، ولا يساعدون على شيء بالكلية.
س:.......
الشيخ: الصلة بالمال والكلام الطيب والدعاء والنصيحة والتذكير بالله ونحو ذلك.
س: كلام أبي جمرة يفيد أنهم إذا كانوا فُجارًا لا يصلهم بل يقاطعهم؟
الشيخ:....... الدعاء، لكن فاته بعض الشيء، كلامه طيب، لكن فاته أنه لا مانع أن يُوصلوا بالمال أيضًا إذا رُجي إسلامهم أو يُكَف شرهم، لا بأس.
س: الزيارة لا يُزارون؟
الشيخ: إلا إذا كان لمصلحة وطلب الهداية مثل ما زار النبي ﷺ أبا طالب عمه ودعاه إلى الله، ومثل ما زار الغلام اليهودي الذي كان يخدمه هداه الله بأسبابه لما كان مريضًا، يعني يتحرّى الخير يتحرّى إسلامهم، ما هو لأجل مجرد القرابة، بل لأجل مقاصد إسلامية، إما لطلب هدايته، لعله يهتدي في هذه الحال، مثل ما زار النبي أبا طالب، وزار خادمه المريض، وإما لأمر آخر، وهو كف الشر ودفع الشر عن المسلمين، فالمؤلَّف قد يكون شريرًا، قد يكون خبيثًا، قد يكون يسعى في مضرة المسلمين، فإذا رأى قريبه أو غير قريبه أن في إعطائه مالاً دفعًا لشره مثل ما أعطى الكفار أموالاً لدفع شرهم.
س: يعني ينظر ما هو الأصلح؟
الشيخ: ينظر ما هو الأصلح، أما الدعاء مطلقًا.. لكن بذل المال أو الزيارة أو العيادة للمريض فهذه محل النظر: إن رأى فيه الخير أو دفع الشر؛ فعل وإلا ترك.
س: إذا كان في زيارتهم آلة لهو...؟
الشيخ: على حسب القصد: إن كان قصده محبتهم أو الأنس بهم؛ لا يرزوهم، أما إن زارهم ليدعوهم إلى الله ويرشدهم، فلو كانوا على عبادة الوثن، ولو كانوا على الصنم؛ يدعوهم إلى الله، ويقول هذا منكر، وهذا شرك، وهذا لا يجوز لكم، ونحو ذلك. ويبدأ بالشرك قبل الملاهي، إذا كانوا مشركين يبدأ بنهيهم عن الشرك، والملاهي بعدين إذا أسلموا.
 
بَاب تُبَلُّ الرَّحِمُ بِبَلاَلِهَا
5990 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ - لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ.

الشيخ: وهذا منه ﷺ إيضاح للحق، وبيان أن القرابة لا توجب الولاية، إنما الأولياء هم أهل الإيمان والتقوى، ولهذا قال: إن آل أبي فلان -يعني: آل مثلاً بني مخزوم أو آل بني كذا أو آل بني كذا- ليسوا لي بأولياء، من أجل النسب، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، فهذا يدل على أن المؤمن وإن كان من أبعد الناس نسبًا ودارًا فهو وليك وقريبك، الكافر وإن كان أبًا أو أمًّا أو أخا أو عمًّا ليس بولي وإن قَرُبت داره وقرب نسبه، فالأولياء هم أهل الاستقامة؛ ولهذا قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] سواء كانوا عربًا أو عجما بيضًا أو سودًا من الشرق أو من المغرب أو الجنوب أو الشمال؛ يجمعهم الإيمان: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] من أي جنس كانوا. وأيش قال على: إن آل أبي؟
الطالب: قَوْلُهُ: إِنَّ آلَ أَبِي، كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ مَا يُضَافُ إِلَى أَدَاةِ الْكُنْيَةِ وَأَثْبَتَهُ الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَتِهِ؛ لَكِنْ كَنَّى عَنْهُ فَقَالَ: آلَ أَبِي فُلَانٍ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْلِ مُسْلِمٍ مَوْضِعَ فُلَانٍ بَيَاضٌ ثُمَّ كَتَبَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ فُلَانٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ، وَفُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ عَلَمٍ، وَلِهَذَا وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاتِهِ إِنَّ آلَ أبي يَعْنِي فلَان، ولبعضهم إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ بِالْجَزْمِ، قَوْلُهُ: قَالَ عَمْرو، هُوَ ابن عَبَّاسٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، قَوْلُهُ: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَيْ غُنْدَرٌ شَيْخُ عَمْرٍو فِيهِ.
الشيخ: كأنه من باب الستر، كأنه وقع من الرواة من باب الستر عليهم؛ لأنهم....... فأحبوا أن يستروا عليهم وألا يذكروهم؛ لأنهم أسلموا ودخلوا في دين الله، أو لأسباب أخرى.
الطالب: قَوْلُهُ: بَيَاضٌ، قَالَ عَبْدُالْحَقِّ فِي كِتَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: إِنَّ الصَّوَابَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِالرَّفْعِ أَيْ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مَوْضِعٌ أَبْيَضُ يَعْنِي بِغَيْرِ كِتَابَةٍ وَفَهِمَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الِاسْمُ الْمُكَنَّى عَنْهُ فِي الرِّوَايَةِ فَقَرَأَهُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ إِنَّ آل أبي بَيَاض، وَهُوَ فهم سيئ مِمَّنْ فَهِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ يُقَالُ لَهَا آلُ أَبِي بَيَاضٍ، فَضْلاً عَنْ قُرَيْشٍ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ مِنْ قَبِيلَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ قُرَيْشٌ؛ بَلْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: إِنَّ لَهُمْ رَحِمًا، وَأَبْعَدَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى بَنِي بَيَاضَةَ وَهُمْ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْيِيرِ أَوِ التَّرْخِيمِ عَلَى رَأْيٍ،  وَلَا يُنَاسِبُ السِّيَاقَ أَيْضًا، وَقَالَ ابن التِّينِ: حُذِفَتِ التَّسْمِيَةُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الْكِنَايَةُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ خَشِيَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالِاسْمِ فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ إِمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِمَّا مَعًا، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنَّ الْمَكْنِيَّ عَنْهُ هُنَا هُوَ الْحَكَمُ بْنُ أبي الْعَاصِ، وَقَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: كَذَا وَقَعَ مُبْهَمًا فِي السِّيَاقِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَ قَوْلِهِ: آلَ أَبِي، فَلَوْ كَانَ آلَ بَنِي؛ لَأَمْكَنَ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ آلِ أَبِي الْعَاصِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالْعَامُّ لَا يُفَسَّرُ بِالْخَاصِّ.
الشيخ: يعني مفهوم ما فيه لزوم، المهم أنهم ليسوا بأوليائي إذا انحرفوا عن الطريق، وإنما الأولياء هم أهل الطريق المستقيم، هم المؤمنون، ومن انحرف سواء كان من بني هاشم أو من بني مخزوم أو من بني أمية أو من بني العباس أو من أي جنس كانوا ليسوا بأولياء، إنما وليي الرسول، وأولياء المؤمنين هم الذين استقاموا على الطريق، هم أهل الإيمان والتقوى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55].
س: بعض الناس يطعن في هذا الحديث يقول أنه من رواية قيس بن أبي حازم وهو...؟
الشيخ: قيس بن أبي حازم تابعي جليل عظيم.
 
أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ - لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ.
 زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِالوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ: وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَهَا يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا.

الشيخ: يعني وإن كانوا ليسوا لي بأولياء فلهم رحم، وهذا يبيّن ما تقدم أن الكفر والمعصية لا تمنع من الصلة التي يُرجى فيها الخير، ولهذا قال: وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ سَأَبُلُّهَا بِبَلاَهَا يعني سأصلها بصلتها، وأحسن إليهم بهذه الرحم، ولا شك أن هذا الإحسان مما يجرهم إلى الإسلام، مما يدفعهم إلى الإسلام، ويقولون: مع كوننا لسنا على دينه رَحِمَنا ووَصَلنا وأحسن إلينا؛ فهذا من باب التأليف من باب المؤلفة قلوبهم، ولهذا قال: وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَهَا يعني سأصلها بصلتها ولا أنساهم وإن كانوا عادوا وكفروا.
 
بَاب لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ
5991 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَالحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: - قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا.

الشيخ: إذا قطعت. الشكل هذا غلط فاسد.
الطالب: ذكر الضبط، قَوْلُهُ: الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا، أَي الَّذِي إِذا منع أعْطى، وَقطعت ضُبِطَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي أَكْثَرِهَا بِفَتْحَتَيْنِ.
الشيخ: هذا الصواب، الصواب قَطَعَت يعني: قطعوه.
الطالب: قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَعْنَى: لَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْوَاصِلِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِصِلَتِهِ مَنْ يُكَافِئُ صَاحِبَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمُرَادُ بِالْوَاصِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْكَامِلِ؛ فَإِنَّ فِي الْمُكَافَأَةِ نَوْعَ صِلَةٍ.
الشيخ: يعني الواصل المكافي مثل ما قال العراقي ومثل: ليس المسكين بهذا الطواف ليس الشديد بالصرعة وأشباه ذلك، فالذي يقابلهم على الإحسان بالإحسان واصل، لكن أحسن منه وأكمل منه الذي يقابلهم على الإساءة بالإحسان، مثل ما في حديث الرجل الذي قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ قال: إن كنت كما قلت فلكأنما تسفهم المال ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك.
الطالب: بِخِلَافِ مَنْ إِذَا وَصَلَهُ قَرِيبُهُ لَمْ يُكَافِئْهُ فَإِنَّ فِيهِ قَطْعًا بِإِعْرَاضِهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ وَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْي الْوَصْلِ ثُبُوتُ الْقطع، فهم ثَلَاث دَرَجَات: مواصل ومكافئ وَقَاطِعٌ، فَالْوَاصِلُ مَنْ يَتَفَضَّلُ وَلَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمُكَافِئُ الَّذِي لَا يَزِيدُ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا يَأْخُذُ، وَالْقَاطِعُ الَّذِي يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ، وَكَمَا تَقَعُ الْمُكَافَأَةُ بِالصِّلَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَذَلِك تقع بِالْمُقَاطَعَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ؛ فَمَنْ بَدَأَ حِينَئِذٍ فَهُوَ الْوَاصِلُ، فَإِنْ جُوزِيَ سُمِّيَ مَنْ جَازَاهُ مُكَافِئًا، وَالله أعلم.
س: معنى قوله: ليسوا بأوليائي؟
الشيخ: ليسوا بأحبابي ولا أنصاري حقيقة، الولي هو المحب الناصح، الولي المحب والناصح يُقال له ولي؛ فالمؤمنون بعضهم أحبّاء بعض وأنصار بعض.
 
بَاب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
5992 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صِلَةٍ، وَعَتَاقَةٍ، وَصَدَقَةٍ، هَلْ كانَ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ وَيُقَالُ أَيْضًا: عَنْ أَبِي اليَمَانِ: أَتَحَنَّثُ وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ المُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ التَّبَرُّرُ وَتَابَعَهُمْ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ.

الشيخ: هذا من فضل الله وجوده وكرمه؛ أن حفظ للمكلَّف ما عمل من خير قبل إسلامه إذا أسلم، هذا من جزاء الله ومن المُعينات ومن الحافزات على دخوله في الإسلام، وأن تفرغاته وتحنثاته التي فعلها لله من صلة أو صدقة أو عتاقة تنفعه وتبقى له، فإن حكيم بن حزام رحمه الله ورضي عنه سأل رسول الله ﷺ بعدما أسلم عما كان يفعله في الجاهلية من الصلة صلة الرحم والصدقة والعتق هل تنفعه؟ فقال: أسلمت على ما سلف من خير، وفي الرواية الأخرى: على ما أسلفت من خير، فهذه مِنْ نِعَمه ومِنْ كرمه وجوده؛ أن جمع لمن أسلم الخير السابق والخير اللاحق، وتاب عليه مما سلف من سيئاته وشركه، فلله الحمد.
 
بَاب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا
5993 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَنَهْ سَنَهْ قَالَ عَبْدُاللَّهِ: وَهِيَ بِالحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دَعْهَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي قَالَ عَبْدُاللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ -يَعْنِي- مِنْ بَقَائِهَا.

الشيخ: وهذا من حُسن خلقه ﷺ ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام، كانت أم خالد جويرية صغيرة، وفي الرواية الأخرى أنه أهدي إليه ألبسة عليه الصلاة والسلام ومنها لباس صغير فقال: من نعطيه؟ ثم رأى أن يعطيه أم خالد، قال لها: أبلي وأخلقي، أبلي وأخلقي، أبلي وأخلقي، قال لها: سنه سنه، يخاطبها يعني هذا حسن حسن، يعني جميل جميل، يقول لها: وقد استدارت على ظهره تعبث بخاتم النبوة الذي كان بين كتفيه عليه الصلاة والسلام لتلمسه فزبرها أبوها، يعني زجرها، فقال: دعها هذا يدل على التسامح مع الصغار وأن الصغار يُتسامح معهم في العبث واللعب القليل الذي لا يضر، وكان يحمل الحسن والحسين بيده ويجعلهما على عاتقه ويحمل أمامة بنت زينب وهي صغيرة وربما صلى وهي على عاتقه عليه الصلاة والسلام، فإذا قدم من سفر تلقاه الصبيان فحملهم بعضهم أمامه وبعضهم خلفه كما تقدم، كل هذا من حُسن خلقه عليه الصلاة والسلام وتواضعه؛ فينبغي للمؤمن ألا يتكبر على الصغار وألا يتعاظم على الصغار، بل يعطف عليهم ويحسن إليهم ويداعبهم بعض المداعبة؛ لما في هذا من إيناسهم وإيناس أهلهم وتجرئتهم على أن يحضروا المجالس ويستمعوا ويستفيدوا شيئًا بعد شيء؛ فإن الصغير يتربّى على ما رأى عليه أهله.
س:.........
الشيخ: يعني يلبس لباسًا طويلًا حتى يَخْلَق.
 
بَاب رَحْمَةِ الوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ
وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ: «أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ».

الشيخ: إبراهيم ولده، كان صغيرًا، كان في الرضاع كان من الجارية المصرية المدعوة مارية، ولم يكمل رضاعة بل مات في الرضاع عليه السلام.
 
5994 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: يعني هذا من التكلف؛ لأن دم البعوض لا يجب التحرُّز منه، فهو من باب العفو مما يُعفى عنه، وهذا عراقي فيقول: يسأل عن دم البعوض وهم يقتلون ولد النبي ﷺ، يعني الحسين حين ثار عليه العراقيون وقتلوه لما جاء إليهم وكانوا قد دعوه، فالمقصود أن هذا من التكلُّف.
 
 وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا.

الشيخ: يعني الحسن والحسين ابني بنته، ريحانتاي: البقلة المعروفة طيبة الرائحة يقال لها ريحانة.. وغيرها من البقول حسنة الريح.
 
5995 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ.

الشيخ: وهذه من آيات الله، بيت عظيم، بيت النبوة، ليس فيه إلا تمرة واحدة كما في قصة المنذر أو عبدالله لما طلبوا تمرة فلم يجدوا، تعبوا وما وجدوا التمرة، هذا يدل على أنه أصابهم من الشدة والحاجة الشيء الكبير، فهذه سائلة عندها ابنتان تسأل عائشة فلم تجد في البيت إلا تمرة واحدة فأعطتها إياها شقتها بين البنتين نصفين ولم تأكل شيئًا هي، فلما جاء الرسول ﷺ أخبرته بهذا الأمر قال: من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار وفي اللفظ الآخر أنها وجدت ثلاث تمرات فأعطتها الثلاث تمرات فأعطت كل واحدة تمرة وأخذت الثالثة لتأكلها فنظرتا إليها ابنتاها فشقتها بينهما نصفين ولم تأكل شيئًا فأعجبها أمرها، أمر هذه المرأة فلما جاء النبي ﷺ أخبرته، فقال: إن الله أوجب لها بها الجنة يعني بهذه الرحمة وهذا العطف، أيش قال الشارح عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا بِنْتَانِ، لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِنَّ، وَسَقَطَتِ الْوَاوُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَعَهَا، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة ابن الْمُبَارَكِ، قَوْلُهُ: فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، زَادَ مَعْمَرٌ: وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، قَوْلُهُ: ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَحَدَّثْتُهُ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَمْرَةً وَرَفَعَتْ تَمْرَةً إِلَى فِيهَا لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مرادها بقولِهَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ: فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ أَخُصُّهَا بِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ سِوَى وَاحِدَةٍ فَأَعْطَتْهَا ثُمَّ وَجَدَتْ اثِنْتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ، قَوْلُهُ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِتَحْتَانِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ أَوَّلَهُ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ مِنَ الْبَلَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَيْضًا: بِشَيْءٍ، وَقَوَّاهُ عِيَاضٌ وَأَيَّدَهُ بِرِوَايَةِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: مَنِ ابْتُلِيَ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ وُجُودِهِنَّ أَوِ ابْتُلِيَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ، وَكَذَلِكَ هَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْبَنَاتِ أَوِ الْمُرَادُ مَنِ اتَّصَفَ مِنْهُنَّ بِالْحَاجَةِ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِهِ.
الشيخ: يكفي.
س:........
الشيخ: يكون على ظاهره؛ لأن كونه يرزق بنات هذا ابتلاء وامتحان؛ لأن من عادة الناس الرغبة في الذكور فإذا ابتُلي بهن فهو من باب الاختبار هل يشكر الله على هذه النعمة وهل يحسن إليهن، فكم من بنت أصلح من ذكر وأنفع، فمن ابتلي بهن فأحسن إليهن وشكر الله على ذلك؛ كان هذا من أسباب دخوله الجنة ونجاته من النار، ومَن كَفَر النعمة وساءت أخلاقه معهن ورأى أنه منكوس الحظ أو مظلوم أو كذا فساءت حاله -نعوذ بالله- وصار من أشباه من قال الله فيهم وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58] يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:59]، نسأل الله العافية.
س:......
الشيخ: لفظ الحديث كل كبد رطبة فيها أجر يعني حتى من غير بني آدم، مثل الكلب يعطيه، مثل الهر، مثل أشباهه، نعم. ولكن بني آدم أعظم، الصدقة فيهم أعظم وأكمل.
 
5996 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي العَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا».
5997 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ.
5998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ.
5999 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا.

الشيخ: وهو الرحمن الرحيم جل وعلا لمن أخذ بالأسباب، فهو الرحمن الرحيم لمن أخذ بأسباب الرحمة، ومن حاد عن السبيل وبارز الله في المحارم؛ هان على الله وسَهُل عليه عذابه، نسأل الله العافية.
[أسئلة غير واضحة]
 
بَاب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ
6000 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ البَهْرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ

الشيخ: وفي اللفظ الآخر: حتى ترفع الدابة..
[أسئلة غير واضحة].
وهذه رحمة مخلوقة خلقها الله وجعلها عنده، في رواية: عنده سبحانه وتعالى، وأنزل رحمة واحدة يتراحم بها الخلق غير الرحمة التي هي وصفه سبحانه؛ فإنه الرحمن الرحيم وصف لائق قائم به جل وعلا، وهناك أنواع من الرحمة خلقها كما يشاء وأنزل منها رحمة واحدة، وفي حديث سلمان عند مسلم: كل واحدة طباق ما بين السماء والأرض فإذا كان يوم القيامة جُمعت هذه الأنواع كلها فرحم الله بها عباده يوم القيامة إلا من لا حيلة في رحمته من أصحاب النار، نسأل الله العافية.
أيش قال على هذا الحديث الأخير؟
الطالب: قَوْلُهُ: بَابٌ –بِالتَّنْوِينِ- جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي مِائَةِ جُزْءٍ
هَكَذَا تُرْجِمَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: بَابٌ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: بَابٌ، بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ.
 
[6000] قَوْلُهُ: الْبَهْرَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى بَهْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ نَزَلَ أَكْثَرُهُمْ حِمْصَ فِي الْإِسْلَامِ، قَوْلُهُ: جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي مِائَةِ جُزْءٍ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: كَانَ الْمَعْنَى يَتِمُّ بِدُونِ الظَّرْفِ فَلَعَلَّ فِي زَائِدَةٌ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وَفِيهِ نَوْعُ مُبَالَغَةٍ إِذْ جَعَلَهَا مَظْرُوفًا لَهَا مَعْنَى بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا مَنَّ عَلَى خَلْقِهِ بِالرَّحْمَةِ جَعَلَهَا فِي مِائَةِ وِعَاءٍ فَأَهْبَطَ مِنْهَا وَاحِدًا لِلْأَرْضِ، قُلْتُ: خَلَتْ أَكْثَرُ الطُّرُقِ عَنِ الظَّرْفِ، كَرِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ فِي الرِّقَاقِ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَلَقَ: اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَدَّرَ، وَقَدْ وَرَدَ خَلَقَ بِمَعْنَى قَدَّرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ تَقْدِيرَهُ لِذَلِكَ يَوْمَ أَظْهَرَ تَقْدِيرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: كُلُّ رَحْمَةٍ تَسَعُ طِبَاقَ الْأَرْضِ الْمُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ وَالتَّكْثِيرُ، وَقَدْ وَرَدَ التَّعْظِيمُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ كَثِيرًا، قَوْلُهُ: فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: وَأَخَّرَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَخَبَّأَ عِنْدَهُ مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً، قَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ: وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدَةً، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الرَّحْمَةَ يُرَادُ بِهَا مُتَعَلِّقُ الْإِرَادَةِ لَا نَفْسُ الْإِرَادَةِ وَأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَنَافِعِ وَالنِّعَمِ، قَوْلُهُ: فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَن تصيبه، فِي رِوَايَة عَطاء: فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدهَا، وَفِي حَدِيث سلمَان: فبها تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا على بعض، قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: خُصَّ الْفَرَسُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ الْحَيَوَانِ الْمَأْلُوفِ الَّذِي يُعَايِنُ الْمُخَاطَبُونَ حَرَكَتَهُ مَعَ وَلَدِهِ، وَلِمَا فِي الْفَرَسِ مِنَ الْخِفَّةِ وَالسُّرْعَةِ فِي التَّنَقُّلِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَتَجَنَّبُ أَنْ يَصِلَ الضَّرَرُ مِنْهَا إِلَى وَلَدِهَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي آخِرِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ مِائَةً، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي فِي الدُّنْيَا بَيْنَ الْخَلْقِ تَكُونُ فِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَرَاحَمُونَ بِهَا أَيْضًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُهَلَّبُ فَقَالَ: الرَّحْمَةُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَجَعَلَهَا فِي نُفُوسِهِمْ فِي الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي يَتَغَافَرُونَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ التَّبَعَاتِ بَيْنَهُمْ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ اللَّهُ تِلْكَ الرَّحْمَةَ فِيهِمْ فَيَرْحَمَهُمْ بِهَا سِوَى رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَهِيَ الَّتِي مِنْ صِفَةِ ذَاتِهِ وَلَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فَهِيَ الَّتِي يَرْحَمُهُمْ بِهَا زَائِدًا عَلَى الرَّحْمَةِ الَّتِي خَلَقَهَا لَهُمْ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ الَّتِي أَمْسَكَهَا عِنْدَ نَفْسِهِ هِيَ الَّتِي عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ الْمُسْتَغْفِرِينَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لَهُمْ دَالٌّ عَلَى أَنَّ فِي نُفُوسِهِمُ الرَّحْمَةَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، قُلْتُ: وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ رَحْمَتَانِ: رَحْمَةٌ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ وَهِيَ لَا تَتَعَدَّدُ، وَرَحْمَةٌ مِنْ صِفَةِ الْفِعْلِ وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا هُنَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ بَلِ اتَّفَقَتْ جَمِيعُ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَزَادَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ يُكْمِلُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِائَةً بِالرَّحْمَةِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا فَتَعَدُّدُ الرَّحْمَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْقِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ أَنْوَاعَ النِّعَمِ الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا عَلَى خَلْقِهِ مِائَةُ نَوْعٍ فَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِنَوْعٍ وَاحِدٍ انْتَظَمَتْ بِهِ مَصَالِحُهُمْ وَحَصَلَتْ بِهِ مَرَافِقُهُمْ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَّلَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَقِيَ فَبَلَغَتْ مِائَةً وَكُلُّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بقوله تَعَالَى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فَإِن رحِيما مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ الَّتِي لَا شَيْءَ فَوْقَهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَبْقَى لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الرَّحْمَةِ لَا مِنْ جِنْسِ رَحَمَاتِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا إِذَا كَمَّلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الرَّحَمَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَأَكْتُبُهَا للَّذين يَتَّقُونَ الْآيَةَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الرَّحْمَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ وَالْقُدْرَةُ فِي نَفْسِهَا غير متناهية والتعلق غَيْرُ مُتَنَاهٍ؛ لَكِنْ حَصْرُهُ فِي مِائَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ تَسْهِيلاً لِلْفَهْمِ وَتَقْلِيلاً لِمَا عِنْدَ الْخَلْقِ وَتَكْثِيرًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ هَذَا الْعَدَدِ الْخَاصِّ فَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ الْخَاصَّ أُطْلِقَ لِإِرَادَةِ التَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ فِي الْمِائَةِ وَإِنَّمَا جَرَى فِي السَّبْعِينَ كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: ثَبَتَ أَنَّ نَارَ الْآخِرَةِ تَفْضُلُ نَارَ الدُّنْيَا بِتِسْعٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا فَإِذَا قُوبِلَ كُلُّ جُزْءٍ بِرَحْمَةٍ زَادَتِ الرَّحَمَاتُ ثَلَاثِينَ جُزْءًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرَّحْمَةَ فِي الْآخِرَةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّقْمَةِ فِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: غَلَبَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، قُلْتُ: لَكِنْ تَبْقَى مُنَاسَبَةُ خُصُوصِ هَذَا الْعَدَدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْعَدَدِ الْخَاصِّ لِكَوْنِهِ مِثْلُ عَدَدِ دَرَجِ الْجَنَّةِ، وَالْجَنَّةُ هِيَ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ فَكَأَنَّ كُلَّ رَحْمَةٍ بِإِزَاءِ دَرَجَةٍ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ نَالَتْهُ مِنْهَا رَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً مَنْ حَصَلَتْ لَهُ جَمِيعُ الْأَنْوَاع من الرَّحْمَة، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: فِي الْحَدِيثِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ النَّفْسَ يَكْمُلُ فَرَحُهَا بِمَا وُهِبَ لَهَا إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِمَّا يَكُونُ مَوْعُودًا، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَاتِّسَاعُ الرَّجَاءِ فِي رَحَمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُدَّخَرَةُ، قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فِي الرِّقَاقِ: فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَفْرَدَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشيخ: شف كلامه على باب..؟
الطالب: وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقِ قُرَيْشِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ثَابِتٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ ابن النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَارِيَةَ الْقبْطِيَّة، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ.
الشيخ: يكفي. شف في التقريب قريش بن حيان.
س:.....
الشيخ: هذا مستقيم؛ لأن رحمته صفة ذاته ما هي مخلوقة، وصف له، مثل: العلم والقدرة والحكمة، هذه أوصاف ذاتية، الرحمن الرحيم، ورحمةٌ نوع ثان خلقها جل وعلا وجعلها من عموم مخلوقاته يرحم بها عباده، أنزل منها رحمة واحدة، منها ما حصل لهم من التعاطف والتراحم والتعاون وما حصل من المآكل والمشارب والمساكن والهواء والماء، كل هذا من رحمته سبحانه وتعالى، هذه مخلوقة، ومن آثار رحمته التي هي وصفه .
س:......
الشيخ: الرحمة المخلوقة من صفة الفعل كالخلق.
س: يعني ما يريد الوصف؟
الشيخ: وصف نشأ عن فعله، عن إيجاده سبحانه وتعالى، كما أوجد الخلق، الخلق والعطاء من الأوصاف الفعلية، والرحمة القائمة به وصف ذاتي وقائم به، كالعلم وصف ذاتي، والقدرة وصف ذاتي.
س: مستقيم هذا التقسيم؟
الشيخ: نعم لا بأس، وبعضهم يقول أن الضابط ما كان بالاختيار والمشيئة فهذه وصف فعل، وما كان لا يتعلق بالمشيئة فهذا يقال له وصف الذات، وصف ذاتي، فالرحمة المخلوقة نشأت عن المشيئة، فالوصف الذاتي الذي هو قائم به سبحانه وصف ذاتي كالعلم ولا يتعلق بالمشيئة كالعلم والقدرة والوجه واليد وأشباه ذلك مما هي أوصاف ذاتية ملازمة.
الطالب: قريش بن حيان العجلي أبو بكر البصري ثقة من السابعة البخاري والنسائي وأبو داود.
الشيخ: طيب نعم.
س: قول الكرماني أن الرحمة هي القدرة المتعلقة بإيصال الخير؟
الشيخ: يعني قدرة خاصة غير القدرة العامة، يعني وصف يقدر به على الإحسان غير قدرة الوصف التي يحصل بها الانتقام، والقدرة تعم هذا وهذا، فالقدرة الخاصة التي يحصل بها الإحسان غير القدرة التي بها الانتقام، فالقدرة التي بها الانتقام ناشئة عن غضبه وسخطه عليهم وفعلهم القبيح، والقدرة التي بها إحسانه ورحمته ناشئة عن فعلهم الطيب وأعمالهم الطيبة، أو عن مجرد جوده وكرمه كما يرحم الكفار في الدنيا فيعطيهم ما يعطيهم من الدنيا والمآكل والمشارب والمتع الدنيوية والدول وغير ذلك يعني ناشئة........
س:.....
الشيخ: هذا منها، هذه من الرحمة المخلوقة، بصرك هذا من الرحمة المخلوقة، يدك التي تحركها من الرحمة المخلوقة، وهكذا أكلك وشربك هكذا أولادك...
 
بَاب قَتْلِ الوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ
6001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] الآيَةَ.

الشيخ: وهذا يبيّن عظم خطر هذه الثلاث وأنها أقبح القبائح وأكبر الكبائر، والنبي ﷺ يذكر في كل مكان وفي كل موطن وفي كل مناسبة ما يليق بها، فهنا قال عليه الصلاة والسلام لما سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك؛ لأن هذا هو الشرك، وهذا دلت عليه النصوص كلها من القرآن والسنة وأجمع على ذلك أهل العلم أن أعظم الذنوب وأكبرها وأشدها إثمًا هو الشرك بالله عز وجل، فهو أعظم الذنوب، وأعظم الجرائم، ومن مات عليه فلا مغفرة له ولا سعادة بل هو مخلد في النار وحابط الأعمال وميئوس من المغفرة له، كما قال : ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وقال سبحانه: إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فعُلم أن جميع الذنوب كلها دون الشرك، وأن أعظم الذنوب وأخطرها هو الشرك بالله ، وهو صرف العبادة لغير الله كالأصنام والكواكب والأنبياء والصالحين والملائكة والجن وأشباه ذلك، أو صرف بعض العبادة لشيء من هؤلاء كالذي يدعو الكواكب أو يدعو الأنبياء ويستغيث بهم أو ينذر لهم أو يدعو الملائكة أو الجن أو الصنم أو الشجر والحجر أو أصحاب القبور، كل هذا داخل في هذا المعنى، وفي حديث أبي بكرة الثقفي ما يدل على هذا المعنى، فإنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر كررها ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، فبدأ به، ثم قال هنا لما سئل: أي الذنب أعظم بعد الشرك، قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك؛ لأن الجاهلية كانت تقتل أولادها خشية الفقر والحاجة وربما قتلت البنات خشية العار، قال: ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك الزنا في نفس الأمر من أكبر الجرائم ومن أكبر الكبائر ولكن إذا كان بزوجة الجار أو بالمحارم صار أقبح وصار أشد إثمًا، وفي حديث أبي بكرة جعل مع الشرك العقوق وشهادة الزور، وما ذاك إلا لأن العقوق جريمة عظمى ونفس قتل الولد جريمة عظمى أيضًا، من قطيعة الرحم؛ فدل على أن العقوق وقتل النفس بغير حق ولاسيما الأقارب من الذنوب العظيمة التي تلى الشرك -نعوذ بالله-، وجعل هناك شهادة الزور؛ لأنها من أقبح القبائح، وجعل هنا الزنا بزوجة الجار وكلتاهما من أقبح القبائح، فكأنه قال من أكبر الكبائر العقوق والزنا وقتل النفس بغير حق وشهادة الزور، وفي أحاديث أخرى ذكر اليمين الغموس، وما ذاك إلا لأنها خبيثة تقطع بها الأموال بغير حق فجعلها مع قتل النفس وجعلها مع العقوق وجعلها مع شهادة الزور؛ لعظم جريمتها، فإن صاحب الحق قد يكون أحسن الظن ولم يشهد على الحق ولم يكتب عليه بل أحسن الظن بصاحبه ثم جحده فلم يبق له إلا هذه اليمين الغموس، ولهذا صارت من أقبح الجرائم أيضًا، فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة وعلى كل من يخاف الله أن يحذر هذه الجرائم، وألا يتساهل بشيء منها، ولهذا عظّم شأنها الرسول ﷺ وحذر منها؛ ليبتعد عنها المكلفون وليحذرها المسلمون؛ لمضرتها في الدنيا وسوء عاقبتها في الآخرة، نسأل الله العافية.
 
بَاب وَضْعِ الصَّبِيِّ فِي الحِجْرِ
6002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَضَعَ صَبِيًّا فِي حَجْرِهِ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ.

الشيخ: وهذا أيضًا يدل على تواضعه عليه الصلاة والسلام وكرم أخلاقه؛ فإنه كان يأخذ أولاد الصحابة من الأنصار وغيرهم ويحنّكهم، ويضعهم على رجليه عليه الصلاة والسلام، هذا من التواضع العظيم وتأليف القلوب؛ فإن رحمة الأولاد والإحسان إليهم فيه أيضًا تأليف للأعداء وإكرام لهم، وفيه أن البول -بول الصبي الصغير الذي لم يأكل الطعام يعني لم يتغذ بالطعام- خفيف النجاسة، نجاسته مخففة يكفي فيها الرش النضح وإسالة الماء من دون حاجة إلى عصر ولا دلك، بل متى نضحه بالماء ما أصاب الثوب أو البدن منه؛ كفى.