بَاب قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ [البقرة:235]- الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ - غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:225] أَوْ أَكْنَنْتُمْ [البقرة:235]: أَضْمَرْتُمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْتَهُ وَأَضْمَرْتَهُ فَهُوَ مَكْنُونٌ.
5124 - وَقَالَ لِي طَلْقٌ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235] يَقُولُ: "إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ" وَقَالَ القَاسِمُ: "يَقُولُ إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا" وَقَالَ عَطَاءٌ: "يُعَرِّضُ وَلاَ يَبُوحُ، يَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً، وَأَبْشِرِي، وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ نَافِقَةٌ، وَتَقُولُ هِيَ: قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَلاَ تَعِدُ شَيْئًا، وَلاَ يُوَاعِدُ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا، وَإِنْ وَاعَدَتْ رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا" وَقَالَ الحَسَنُ، لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235] "الزِّنَا" وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]: "تَنْقَضِيَ العِدَّةُ".
وقال لي طلق: حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس: فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ. يقول إني أريد التزويج ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة.
وقال القاسم يقول: إنك علي كريمة وإني فيك لراغب وأن الله لسائق إليك خيرًا، أو نحو هذا.
وقال عطاء: يعرّض ولا يبوح يقول أن لي حاجة وأبشري وأنت بحمد الله نافقة، وتقول هي: قد أسمع ما تقول، ولا تعد شيئًا، ولا يواعد وليها بغير علمها وأن واعدت رجلًا في عدتها ثم نكحها بعد أن يفرِّق بينهما.
وقال الحسن: لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا الزنا.
ويذكر عن ابن عباس: حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ تنقضي العدة
بَاب النَّظَرِ إِلَى المَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ
5125 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رَأَيْتُكِ فِي المَنَامِ يَجِيءُ بِكِ المَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.
5126 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّدَهَا - قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ.
الشيخ: وهذا فيه فوائد، منها: جواز النظر إلى المخطوبة، وأنه لا بأس، وكان هذا قبل أن يفرض عليهم، وقفت عليهم ونظر إليها النبي ﷺ وصوّب فيها النظر وصعّده، وكان هذا قبل فرض الحجاب، حين كانت المرأة لا تحجب عن الرجل، بل يراه وتراه، ثم فرض الحجاب، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل وقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة.. الحديث المذكور، وهو دليل على جواز النظر إلى المخطوبة، وأنه لا بأس أن ينظر إليها بأي وسيلة سواء بإذنها وإذن أهلها أو من طريق أخرى لا تعلمها؛ لكن من دون خلوة، ينظرها بحضرة أبيها أو أمها أو أخيها أو غيرهم؛ لقوله ﷺ في حديث المغيرة: إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل وفي حديث جابر: اذهب فانظر إليها؛ لأن ذلك أقرب إلى حصول المطلوب، وفي هذا من الفوائد: بيان حاجة المسلمين في أول الإسلام وما جرى لهم من الحاجة والفقر، وأن هذا الرجل لم يستطع غير إزاره؛ فهذا يدل على أنه أصابهم في المدينة شدة عظيمة وحاجة.
وفيه: جواز التزويج بالقرآن لمن فقد المال، أنه لا بأس أن يزوّج وأن يعلّمها ما تيسّر من القرآن، كما في الرواية الأخرى: فعلّمها من القرآن فزوّجه على أن يعلّمها سورة أو سورتين أو جزءًا أو جزئين أو ما أشبه ذلك، فلا بأس عند عدم المال.
س: إذا كانت المرأة مطلقة طلاقًا بائنًا فهل يعرّض بخطبتها أم يصرّح في العدة؟
الشيخ: إذا كان الطلاق بائنًا لا مانع أن يصرّح لها، لكن الأوْلى أن يكون تعريضًا؛ لأنه ما هو وقت نكاح، هي ما زالت في العدة، ظاهر الأدلة العموم؛ لأنها لا تزال في وقت يحرم بها النكاح.
س: هل يقال بجواز النظر أو استحبابه؟
الشيخ: مستحب، مستحب النظر إلى المخطوبة؛ لأن الرسول أمر به.
س: لو وجد المال ولكن المرأة رضيت أن يتزوجها بالقرآن؟
الشيخ: لا، الواجب عند عدم المال؛ لأن الرسول ﷺ أمر بالمال أولًا ، قال: ولو خاتمًا من حديد، لا بدّ بشيء من المال ولو قليل؛ لأن الرسول ﷺ قال: التمس ولو خاتمًا من حديد.
س: النظر قبل الخطبة أم بعدها؟
الشيخ: قبل الخطبة ينظر أولًا فإن ناسبته خطب، وإلا ترك.
س: قول القاسم عفا الله عنك: إنك علي لكريمة وإني فيك راغب، أليس هذا تصريحًا؟
الشيخ: هذا من التعريض، ما قال أريد الزواج، مثلك يُرغب فيه، مثلك ينبغي أن يُرغب فيه، مثلك ينبغي أن يُخطب، ما هو يقول أخطب الآن.
س: هل يجوز النظر إلى الشعر؟
الشيخ: المشهور عند العلماء أن ينظر الوجه واليدين، وقال بعضهم: إلى ما يظهر منها غالبًا، ولا حرج لو رأى الشعر؛ لأن هذا يظهر منها غالبًا في بيتها ويرغِّب فيها أيضًا، الشعر الجيد يرغِّب فيها أيضًا، لا حرج على الصواب أن ينظر وجهها ويديها وقدميها وشعرها؛ لأن الشعر يظهر.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُن [البقرة:232] فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ، وَكَذَلِكَ البِكْرُ، وَقَالَ: وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221] وَقَالَ: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32].
الشيخ: وهذا كله خطاب للأولياء؛ فدل على أنه لابدّ من الولي؛ ولهذا في الحديث الصحيح: لا نكاح إلا بولي.
الشيخ: والحمد لله الذي شرع لعباده ما فيه صيانة أنسابهم وصيانة نسائهم، فحرَّم الله هذه الأنكحة إلا ما كان من طريق الشرع من طريق الولي والإذن والشهود؛ حتى لا تقع الفواحش والمنكرات واشتباه الأنساب، وهذا من رحمة الله جل وعلا وإحسانه إلى عباده.
س:.......
الشيخ: عند الحاجة تزوِّج نفسها، إذا ما تيسر لها ولي تزوِّج نفسها، هذا هو الصواب أو إذا كان عندهم مركز إسلامي أو رئيس جماعة إسلامية فمن الأحسن أن يتولى ذلك كما يتولاه القاضي، إذا تيسّر مركز إسلامي أو جماعة لهم رئيس كونه يتولى ذلك أوْلى وأثبت وأسلم.
س: إذا تزوج المرأة بدون ولي هل يبطل النكاح؟
الشيخ: إذا كان يوجد ولي فنعم، ولم يستأذن ولم يوكل يبطل النكاح لا نكاح إلا بولي.
س:.......
الشيخ: الكافر ما له ولاية، ولكن إن كان ولا بدّ وهي ما لها ولاية كونها يتولاه حتى لا تقع فتنة أنسب، يتولاه وهي تزوِّج نفسها في الحقيقة، لكن كونها تشاوره حتى لا يقع فتنة بينه وبين الزوج وحتى لا يقع شر بينهم للضرورة، وإلا ليس وليًّا شرعيًّا.
س:.......
الشيخ: ولو الصواب يزوِّجها ولو كان غير عدل، لا تزوِّج نفسها لكن إذا وجد الولي العدل فهو أوْلى من غيره، والصواب أنها لا تشترط العدالة في الولي؛ لأن الغيرة موجودة، يزوّجها وليها أبوها أو الأقرب فالأقرب وإن كان فيه نقص في العدالة ولا تزوّج نفسها.
س: وإن كانت بدعته شركية؟
الشيخ: لا الكافر ما له ولاية.
س: رضا المرأة شرط لصحة العقد؟
الشيخ: لا بدّ منه نعم، إذا كنت بنت تسع فأكثر، أما دون التسع فلأبيها أن يزوجها، إذا كان دون التسع كما زوج أبو بكر عائشة على النبي ﷺ وهي دون التسع ولم يستأذنها؛ لأنها لا رأي لها ما دام دون التسع لأبيها خاصة أن يزوّجها دون التسع، أما غير الأب فلا يزوج إلا بإذن بعدما تكون بنت تسع فأكثر، وإذن الصغيرة سكوتها، البكر إذنها سكوتها.
س:..........
الشيخ: ليس بصواب، لا يجبر الابن ولا البنت على الزواج، أما إذا كان صغيرًا دون التسع له أن يزوّجه وله أن يزوّجها إن كانت صغيرة وهو صغير دون التسع، الأب خاصة، أما إذا بلغت التسع أو بلغ الولد العشر واضربوهم عليها لعشر.
س: إذا كان الولي يرى أن في هذا الزواج مفسدة شرعية هل له أن يمنعها من هذا الزوج؟
الشيخ: يجتهد في هذا ولا يزوّجها إلا على وجه فيه خير لها ومصلحة لها، وإذا تنازعوا يرجعوا إلى المحكمة، لكن هو عليه أن يجتهد، لا يزوجها إلا بالرجل الصالح الذي يراه أهلًا لها.
الشيخ: وهذا هو الواجب على المؤمن؛ أن يتقي الله في اليتيمة، ويختار لها الزوج الصالح ولا يعضلها رجاء أن تموت ويرثها، هذا من المنكرات، ولكن متى جاء الزوج الصالح زوَّجها، هذا الواجب على ولي اليتيم كعمها وأخيها وجدها.
5130 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: «زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ.
الشيخ: وهذا يدل على أنه لا بأس أن يعرض الرجل موليته على الرجل الصالح أن يزوجها إياه، كما فعل عمر في قصة حفصة؛ لأن وليها يحب لها الخير فإذا عرضها على بعض الطيبين فلا بأس بذلك إذا رضيت بذلك؛ لأن الرجل قد يعلم لها من المصلحة ما لا تعلم هي، فإذا علم أن هذا الشخص مناسب وشاورها فرضيت فلا بأس أن يخطبه لها.
وفي قصة معقل الدلالة على أنه ما يجوز للولي أن يعضلها ولو في زوجها الأول إذا طلقها ثم أراد الرجوع إليها، والطلاق رجعي بعد العدة فلا بأس يزوجه إياها ولا يمنعها، ولهذا أنكر الله ذلك قال: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] والمقصود من هذا أنها إذا خُطبت وجب على الولي أن يزوجها إذا كان الخاطب كفؤا ولو كان قد طلقها، ما دام الطلاق لا يحرمها، طلاق واحدة أو اثنتين.
س: عرض المرأة خاص بالأب؟
الشيخ: لا، ما هو خاص بالأب حتى الأخ والعم، لا بأس.
وَخَطَبَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: "أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "قَدْ زَوَّجْتُكِ" وَقَالَ عَطَاءٌ: "لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا" وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.
5131 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي قَوْلِهِ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ: «هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ الرَّجُلِ، قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ».
5132 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ جُلُوسًا، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ وَرَفَعَهُ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: وَلاَ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: وَلاَ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وَآخُذُ النِّصْفَ، قَالَ: لاَ، هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ.
الشيخ: المؤلف رحمه الله في هذا يشير إلى الخلاف في الولي، والصواب الذي عليه الجمهور أنه لا بدّ من الولي ولا تزوِّج نفسها إلا عند الضرورة وعدم وجود الولي وعدم وجود السلطان، ولهذا قال ﷺ: لا نكاح إلا بولي وفي حديث عائشة: أيما امرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل وفي الحديث الآخر: لا تزوِّج امرأة نفسها ولا تزوِّج غيرها، والصواب: أنه لا بدّ من الولي وهو أقرب الناس إليها أبوها ثم جدها ثم ابنها ثم ابن ابنها ثم أخوها الشقيق وهكذا على ترتيب الميراث، إلا إذا لم يتيسر أحد فالسلطان ولي من لا ولي له، وإن لم يكن هناك سلطان فلها حينئذ تزويج نفسها، وأما قصة الواهبة فالنبي ﷺ الله أباح لها الموهوبة خاصة به عليه الصلاة والسلام، وكونه زَوَّجها لعله لا ولي لها وهو السلطان وهو ولي الأمر فزوَّجها؛ لأنها لا ولي لها، هو محمول على هذا أنه لا ولي لها؛ فلهذا زوجها عليه الصلاة والسلام.
وفيه من الفوائد: أنه لا بدّ من مال عند القدرة؛ لأن الله قال: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] ولهذا قال: ولو خاتمًا من حديد فلما لم يجد زوجه إياها بشيء من القرآن يعلمها إياه، وفي اللفظ الآخر: معي سورة كذا وسورة كذا وعددها قال: أتقرأهن عن ظهر قلب؟ قال: نعم، قال: فعلمها من القرآن، فزوّجها على أن يعلّمها سورًا من القرآن، وهذا يدل على أنه لا بأس عند العجز عن المال يُزوَّج بتعليمها شيئًا من القرآن أو من العلم النافع.
وفيه من الفوائد: لبس الخاتم من الحديد، وأنه لا بأس بالخاتم من الحديد للمرأة والرجل، وأما الأحاديث التي فيها النهي عن الخاتم من الحديد وأنه حلية أهل النار فهذه أحاديث ضعيفة شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة.
س: إذا كان الولي هو الخاطب يتولى طرفي العقد؟
الشيخ: نعم. وفيه النهي عن ظلم اليتامى وأنه لا يجوز ظلم اليتيمات، بل يجب على وليهن تزويجهن، بعض الناس قد يظلمها لأجل مالها لعلها تموت فيرثها فيتأخر عن تزويجها، وهذا من الظلم، بل يجب أن يزوِّجها متى خطبها الكفء، وليس له أن يحبسها، فإن رغب فيها ورغبت فيه فلا بأس أن يتزوجها ويتولى طرفي العقد.
س: إذا لم يكن لها ولي أصلا ولا حاكم؟
الشيخ: تزوِّج نفسها، وإن تيسر يزوِّجها مثل رئيس المركز الإسلامي أو شبهه أنسب؛ لأنه يقوم مقام السلطان، مثل ما يقع في أمريكا وأشباهه، رؤساء المراكز الإسلامية مناسبون إذا قالت له والتمس لها الكفء؛ فإذا لم يتيسر تزوِّج نفسها للضرورة بحضرة شاهدين.
س:.......
الشيخ: زوجتك نفسي أو قد تزوجتك بكذا بحضرة شاهدين وبمهر، يزوج نفسه، يتولى طرفي العقد: زوجتك نفسي وقبلتُ.
س: لو وجد مسلم ولو لم يكن سلطان هل لها أن توكله؟
الشيخ: لا يجب عليها، لأنه ليس وليًّا لها، لكن إن وكلته فلا بأس.
س: ما اشتهر أن أم سليم جعلت إسلام أبي طلحة هو مهرها؟
الشيخ: هذا يرى بعض أهل العلم جعل إسلام الرجل أو تعليم القرآن مهرًا لا بأس به، ولكن نزول الآية بعد ذلك آية النساء وهي مدنية أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] يدل على أنه لا بدّ من المال، ولعل قصة أم سليم قبل نزول الآية، الواجب فرض المال ولو قليل أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24].
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ البُلُوغِ.
5133 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا».
الشيخ: وهذا يدل على أن الأب خاصة له أن يزوج البنت الصغيرة التي دون التسع إذا رأى المصلحة في ذلك؛ لأن الرسول تزوج عائشة، زوجه إياها أبو بكر وهي بنت ست أو سبع سنين، فدل ذلك على أن الأب إذا كان يرى المصلحة في ذلك فلا بأس دون التسع، أما إذا بلغت تسعًا فأكثر فلا بدّ من إذنها؛ لقوله ﷺ: والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صُماتُها فلا بدّ من إذنها بعد التسع فأكثر ولو بالصُّمات، والثيب لا بدّ من إذنها صريحًا بالكلام، يقول ﷺ: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت وفي اللفظ الآخر: والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صُماتها رواه مسلم، فلا بدّ من إذن ولو كان الأب.
س: حديث التزويج قبل التسع هل عليه دليل صريح؟
الشيخ: قصة عائشة، زواج عائشة من النبي ﷺ هذا هو الأصل في هذا.
س: إذا توفي الأب ورأى الجد مصلحة في تزويجها وهي أقل من تسع؟
الشيخ: لا، لا يزوجها إلا بإذنها بعدما تبلغ تسعًا فأكثر، هذا خاص بالأب، وقوفًا مع النص؛ لأصل العموم والبكر يستأذنها أبوها هذا هو الأصل، يُستثنى منه قصة عائشة فقط.
وَقَالَ عُمَرُ: «خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيَّ حَفْصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ».
5134 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» قَالَ هِشَامٌ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ.
الشيخ: نعم، توفي عنها وهي ابنة ثمانية عشر رضي الله عنها، ومع هذا حفظت من العلم الشيء الكثير رضي الله عنها، سمعت من النبي الشيء الكثير ومن الصحابة .
س: الذي يقول أن هذا خاص بالنبي ﷺ؟
الشيخ: ما عليه دليل، الأصل عدم الخصوصية.
لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ.
5135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي، فَقَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ.
الشيخ: وهذا مثل ما قال المؤلف: السلطان ولي من لا ولي له، يزوِّج من لا ولي لها، والمسألة فيها أحاديث عن عائشة، ولكن ليس على شرط المؤلف، ولهذا ما ذكره وهو حديث عائشة أن النبي ﷺ قال: أيما امرأة نكحت بغير إذنها وليها فنكاحها باطل باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وهو حديث لا بأس به، جيد؛ فيكون السلطان وهو أمير البلدة يقوم مقام الولي من الأقارب والحاكم الذي هو نائب السلطان يقوم مقامه.
س:......
الشيخ: تستحقه بما استحل من فرجها، لها مهر المثل.
5136 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ.
5137 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحِي؟ قَالَ: رِضَاهَا صَمْتُهَا.
بَاب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ
5138 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ، ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَدَّ نِكَاحَها».
5139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، أَنَّ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، وَمُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ، حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى خِذَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ، نَحْوَهُ.
الشيخ: وهذا مثل ما قال المؤلف: إذا زوجها بغير إذنها فنكاحها مردود ولو أنه أبوها؛ لأن الرسول قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: أن تسكت إذا أجبرها أبوها أو أخوها أو عمها فالنكاح باطل، ليس لهم ذلك؛ لأنها أعلم بمصالح نفسها، فلا تجبر على من لا تريده ولهذا جاءت خنساء بنت خذام تشتكي إلى النبي ﷺ فأمر برد النكاح.
س: وإذا أخبرها وسكتت؟
الشيخ: لا يكفي، لا بدّ من إذنها الصريح، إلا البكر، البكر تستحي فيكفي سكوتها، أما الثيب فلا بدّ من أمرها.
س: إذا رضيت بعد العقد هل يجدد؟
الشيخ: يجدد نعم.
س: إذا دخل بها وهي كارهة..؟
الشيخ: يفسخ النكاح، وإذا رضيت بعدين يجدد، إذا رضيت بعد ذلك.
س: ويكون صداق آخر أو يُكتفى بالصداق الأول؟
الشيخ: الصداق الأول بما استحل من فرجها، لكن لا بدّ من صداقٍ ثان ولو قليل.
س: ما جاء في بعض الألفاظ قد أجزت ما فعل أبي؟
الشيخ: جاء في بعض الروايات: خيَّرها النبي، لكن الأصح الرد؛ لأن النكاح وقع باطلًا.
لِقَوْلِهِ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا [النساء:3] وَإِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ، فَمَكُثَ سَاعَةً، أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا - أَوْ لَبِثَا - ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا، فَهُوَ جَائِزٌ، فِيهِ سَهْلٌ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
5140 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى [النساء:3]- إِلَى قَوْلِهِ - مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127]- إِلَى قَوْلِهِ - وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء:127] فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ: أَنَّ اليَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ»،
الشيخ: يعني الصداق الذي يناسبها، لأنهم راغبون في نكاحها.
س: في قلة الصداق يعني؟
الشيخ: لا، الصداق الذي يناسبها؛ لأنهم راغبون فيها، أما إذا كانت ما تناسبهم ظلموها.
س: الصداق يرغب فيه؟
الشيخ: يعني الصداق المناسب، ما يمتنعون من الصداق المناسب.
بَاب إِذَا قَالَ الخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا جَازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْجِ: أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ
5141 - حَدَّثَنَا أَبُو اليمان، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَ: مَا لِي اليَوْمَ فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: فَمَا عِنْدَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
الشيخ: لأن الجواب تقدم؛ زوجنيها، هذا جوابه، الجواب وهو القبول تقدم، إذا قال زوجنيها فقال: زوجتك صار الأول جوابًا يغني عن التكرار، فإن قبلت لزيادة التأكد فهذا أحسن وطيب، هذا كله إذا كانت راضية وكان وليًّا شرعيًا.
5142 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، يُحَدِّثُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ يَقُولُ: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ».
الشيخ: وهذا هو الواجب: لا يخطب على خطبة أخيه، إذا علم لا يخطب حتى يأذن له الخاطب أو يُرَدّ الخاطب أو يهوِّن، فإذا علم أن زيدًا خطب فلانة فليس له أن يخطب على خطبته؛ لما في هذا من العدوان؛ ولأن هذا قد يُكسب الشحناء والعداوة، فالسابق أحق إلا إذا هَوَّن أو أذِن أو رُدّ.
س: هذا خاص بالمسلمين... «على خطبة أخيه»؟
ج: الكافر يتزوج مسلمة؟!
س: أو البيع «على بيع أخيه»؟
ج: هذا هو الأقرب، والله أعلم، ولكن التورع من غيره أحوط؛ لأن التعبير بالأخوة هو الغالب على لسان النبي ﷺ، لكن التورع عن غيره إذا سبق غيرُه أوْلى؛ لأن هذا من محاسن الإسلام.
س: الإيجاب والقبول يكون في مجلس واحد أو يتراخى؟
الشيخ: في مجلس واحد.
س: لو تراخى صح؟
الشيخ: قريب في مجلس واحد، قريب شيء يسير، مثل ما جرى مع صاحب الخاتم تراخى قليلًا .
س: لو خطب على خطبة أخيه فُزُوِّج فما حال العقد؟
الشيخ: الظاهر أنه يصح العقد، لكن يأثم الخاطب؛ لأن النهي عن الخطبة ما هو عن النكاح.
س: لو لم يبيّن المهر؟
الشيخ: المهر بعدين، ولو ما سمي المهر يكون لها مهر المثل.
الشيخ: هذا كله من محاسن الإسلام، نهي عن بيعٍ على بيع أخيه، ونكاحٍ على نكاح أخيه، وخطبة على خطبة أخيه، والتناجش، وبيع الحاضر للباد؛ كل هذه من محاسن الإسلام؛ لأن هذه المسائل مما تجمع القلوب، وتدل على أخوة الإيمان والمحبة والتعاون، فإذا خالفها الإنسان حصل بها من الشحناء والعداوة ما يخالف مقاصد الإسلام من التعاون بين المسلمين والأخوة بين المسلمين، ولهذا نهى عن هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام بأمر الله؛ لما فيها من جمع القلوب على الخير. أما إذا وقع النهي تفرقت القلوب وصارت الشحناء، إذا خطب على خطبته، باع على بيعه، شرى على شرائه، نجش عليه؛ كل هذا مما يسبّب الشحناء والعداوة.
5145 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ، قَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. تَابَعَهُ يُونُسُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
الشيخ: تقدم أن هذا يدل على جواز عرض الولي موليته على من يرى من أهل الخير، وأنه لا حرج في ذلك، ولا نقص في ذلك أن يقول لمن يرى فيه الخير: إن شئت زوَّجتك بنتي أو أختي، فهذا من محاسن الإسلام، ومن النصح للمرأة أن يطلب لها الرجل الصالح كما فعل عمر وعرضها على عثمان ثم على الصديق، ثم خطبها النبي ﷺ وتزوجها، فليس في هذا نقص وليس في هذا مخالفة، وليس في هذا ما يخالف الحياء، بل هذا من النصح للمولية، لكن لا بدّ من إذنها.
س:.......
الشيخ: إذا رأى أن البيان فيه مصلحة فلا بأس، مثل ما بيّن الصديق، إذا ما أجابه إذا عرض عليه وسكت ثم بيّن قال له: إني ما سكتّ إلا لأجل كذا؛ ما في بأس، من باب تطييب النفس؛ لقصة عمر مع عثمان ومع الصديق.
5146 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلاَنِ مِنَ المَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا.
الشيخ: الخطبة الموعظة هنا، والبيان الفصاحة والإيضاح فهذا محمول على المدح إذا كانت طيبة، وعلى الذم إذا كانت غير طيبة؛ فالأصل أنه ينبغي للخطيب الإيضاح والبيان حتى ينتفع الناس لكن من غير مبالغة وتكلف، وأما إذا كانت الخطبة في دعوة إلى باطل فهذا على سبيل الذم، والأصل أن الخطيب والواعظ والمعلم يجب عليه الإيضاح والبيان ويُثنى عليه في ذلك، لكن من دون تكلف.
س: مناسبة الباب في كتاب النكاح؟
الشيخ: لعله لأن بعض الخُطّاب قد يُكثِر الكلام ويسحر الولي بكلامه فيغتر الولي بوضعه.. أنا كذا وأنا كذا وأنا أفعل كذا وأنا عندي أموال وأنا لي جاه وأنا كبير في قومي، قد يسحر الولي بأشياء؛ فينبغي للولي التثبت، قد يسحره بالبيان فينبغي التثبت؛ حتى لا يغتر بالخاطب الذي يمدح نفسه كثيرًا.
س: هل يقال للخطيب إذا أخطأ في خطبته؟ هل يرد عليه ويقال: إنك قد أخطأت، أمام الناس؟
الشيخ: إذا كان خطؤه واضحًا وخالف الشرع، بالكلام الطيب، أما إن كان خطأً سهلًا ما يضر، خطأ نحوي أو كذا سهل، أما إذا كان أحل حرامًا أو أوجب ما لا يجب يبين له بالأدلة الشرعية، لا بأس.
س: الكلام الحسن الجميل الذي يأخذ بالقلوب بعض الناس يطلق عليه سحرًا؟
الشيخ: يسمى سحرًا هذا؛ لأنه يسحر السامعين، مثل ما قال النبي ﷺ: إن من البيان لسحرًا.
س:.......
الشيخ: مستحبة، المعروف عند العلماء أنها مستحبة، ولهذا زوّج النبي الواهبة ولم يخطب.
س: ما يحتمل المناسبة أن الخطبة قبل العقد؟
الشيخ: لا ما هو بظاهر، الظاهر أن المراد أن الزوج قد يسحر الناس، الخاطب قد يسحر الولي بكلامه؛ فينبغي التثبت والحذر، أما خطبة الموعظة فهذه أمرها بسيط تقع بعد تمام الخطبة، وبعد الموافقة، ولا هي بلازمة.