500 من: (باب تحريم الغَدر)

 
277 - باب تحريم الغَدر
قَالَ الله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وقال تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا [الإسراء:34].
1/1584- وعَنْ عبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العاص رضي اللَّه عَنْهُمَا: أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤتُمِنَ خانَ، وَإِذَا حدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غَدَر، وَإِذَا خَاصَم فَجر متفقٌ عليه.
2/1585- وعن ابن مسْعُودٍ، وابنِ عُمرَ، وأنسٍ قَالُوا: قَالَ النبيُّ ﷺ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يوْمَ القِيامةِ، يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ متفقٌ عَلَيْهِ.
3/1586- وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِي : أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَال: لِكُلِّ غَادِرٍ لِواءٌ عِندَ اسْتِه يَوْمَ القِيامةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، ألَا وَلا غَادر أعْظمُ غَدْرًا مِنْ أمِيرِ عامَّةٍ رواه مسلم.
4/1587- وعنْ أَبي هُرَيرةَ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعطَى بي ثُمْ غَدَرَ، وَرجُلٌ بَاعَ حُرًّا فأَكل ثمنَهُ، ورجُلٌ استَأجرَ أجِيرًا فَاسْتَوْفى مِنهُ ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ رواه البخاري.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث فيما يتعلق بالغدر، والغدر هو نقض العهود، كونه يُعطي العهدَ ثم يغدر ولا يفي بالعهد، يُعطي العهد للمشركين أو لغيرهم ثم ينقض العهد، هذا هو الغدر، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]؛ لأن المعاهدة عقدٌ، وقال جل وعلا: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34].
فالواجب على الأمراء والسلاطين وغيرهم أن يوفوا بالعهود، وألا يغدروا، وإذا دعت الحاجة إلى غدرٍ ينبذوا العهد، بأن يقولوا: العهد الذي بيننا وبينكم انتهى، كما قال جل وعلا: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنفال:58]، يُعلمهم حتى يكونوا جميعًا على بينةٍ، أما أن يخدعهم ويُعطيهم عهدًا ثم يهجم عليهم؛ فهذا منكرٌ، وظلمٌ، وخيانةٌ.
ولهذا قال ﷺ: أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا يعني: نفاقًا عمليًّا، ومَن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، وفي حديث أبي هريرة: آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان.
هذه خمس خصالٍ من خصال النفاق العملية الظاهرة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، كذب في الخصومة، وإذا عاهد غدر، ومَن تجتمع عليه هذه الخصال في الغالب أنه -والعياذ بالله- ينتقل إلى النفاق العقدي -نسأل الله العافية.
والنفاق نفاقان: عقدي، وهو نفاق المنافقين في عهد النبي ﷺ، وهو كفرٌ أكبر: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، وهو الذي يُظهر الإسلام، وفي الباطن هو كافر، لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، هذا هو النفاق الأكبر.
والنفاق العملي: ما ذُكر في حديث عبدالله بن عمرو وغيره: كونه يتعاطى الكذبَ والغدرَ والخيانةَ، هذا نفاق عملي، يُخشى عليه منه أن يجرُّه إلى النفاق الاعتقادي، وهذا يُسمَّى النفاق الأصغر -نسأل الله العافية.
وفي الحديث يقول ﷺ: يُرْفَعُ لكلِّ غادرٍ لواء يوم القيامة عند اسْتِهِ، كما في حديث أبي سعيد، يعني: عند مقعدته، عند المقعدة لواء يُعرف به أنَّ هذا غادر –بَيْرَق، نسأل الله العافية- مكتوبٌ عليه غدرته: هذه غدرة فلان ابن فلان، وهذه فضيحة على رؤوس الأشهاد -نسأل الله العافية.
قال في حديث أبي سعيدٍ: ولا أعظم من غدرة أمير عامَّةٍ، كون السلطان يُعطي الخصوم عُهودًا ثم يغدر، هذه أكبر غدرة، أكبر من غدر الأفراد، غدر السلطان والأمراء أعظم من غدر الأفراد.
فالواجب على السلطان وأمير البلد ونحوهم إذا أعطى عهدًا أن يَفِي بعهده، فإذا دعت الحاجةُ إلى نبذه نبذ إليهم على سواء، قال: ترى العهد الذي بيننا وبينكم مفسوخ، حتى يكونوا على حذرٍ، يستعدُّوا.
وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: يقول الله عز وجل: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، يعني: رجلٌ أعطى العهودَ ثم غدر، الله خصمه يوم القيامة، ومَن كان الله خصمه خُصِمَ -نسأل الله العافية.
رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه خدعه، ولد من أولاد الناس باعه وقال: هذا عبدٌ لي، مملوك، وكذب.
الثالث: استأجر أجيرًا أو أُجراء، فاستوفى منهم ولم يُعطهم أجورهم، ظلمهم، استوفى منه وأدَّى الأجيرُ العملَ ولكن ما أعطاه الحقَّ، فهذا أيضًا من خصوم الله يوم القيامة، ومَن كان الله خصمه فهو مخصومٌ مَفْلُوجٌ، وعلى خطرٍ عظيمٍ -نسأل الله العافية.
فالواجب على مَن استأجر أحدًا أن يُعطيه أجره، وأن يتَّقي الله فيه، ولا يظلمه، وهكذا يجب على مَن أعطى العهود ألا يغدر، وألا يبيع حرًّا، بل يحذر ألا يبيع إلا مَن كان مملوكًا له ملكًا شرعيًّا.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: قوله سبحانه وتعالى: وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] يدخل فيه الإعتاق؟
ج: يعني: الصدقة، يعني: الزكاة، في عتق الرقاب.
س: ويدخل فيه معاونة المُكاتَب؟
ج: نعم، يدخل فيه.
س: ما حكم التهاون بالصلاة؟
ج: من خصال المنافقين، حكمه التحريم، من خصال أهل النفاق: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، هذه من صفاتهم الخبيثة، فالواجب على المؤمن أن يكون نشيطًا في الصلاة، حريصًا عليها، مسارعًا إليها، حتى لا يتشبَّه بأعداء الله.
س: هل لتارك الصلاة توبة؟ وكيف تكون؟
ج: كل عاصٍ له توبة، وكل كافر له توبة، ولا يوجد مَن لا توبةَ له، فعليه أن يتوب إلى الله، ويندم، ويحافظ على الصلوات، يندم على ما مضى، ويعزم ألا يعود، ويستغفر ربَّه، ويسأل ربَّه العفو، ويُصلي، والحمد لله.
س: بالنسبة لمسألة العبودية: أغلب المسلمين فهمهم أنَّ مَن كان لونه أسود يعتبر عبدًا؟ فماذا يكون هذا الفهم؟
ج: هذا جهل، الناس قسمان: فيهم الأسود، والأبيض، والأحمر، من أولاد آدم.
س: ولكن أغلب المسلمين هذا فهمهم؟!
ج: لا، فقط رأوا كثيرًا من العبيد سابقًا يكونون سودًا فظنُّوا أنَّه هكذا.
س: ألم يكن في عهد النبيِّ أناسٌ لونهم أبيض وكانوا عبيدًا؟
ج: بلى، زيد بن حارثة أبيض، وأسامة ولده أسود.
س: ما الضابط من الناحية الشرعية في مسألة العبودية؟
ج: العبودية بالملك: ملك الشراء، أو ملك السَّبي.
س: إن كان أبيض أو أسود؟
ج: سواء أسود أو أبيض، ولو أحسن من يوسف.
س: حديث الرسول ﷺ: ولو تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ هنا الرسول ﷺ ذكر أنَّ العبد حبشيٌّ على أنه أسود؟
ج: ما قال: أسود، عبدٌ حبشيٌّ ولو ما هو بأسود، يعني: ولو تأمَّر عليكم أناسٌ عندكم أنَّهم مُحتَقَرون، اسمعوا وأطيعوا.
س: تكبيرات العيد واجبة؟
ج: مستحبة: ستّ في الأولى، وخمسٌ في الثانية.
س: أو تكون سبعًا مع تكبيرة الإحرام؟
ج: نعم، سبعٌ مع تكبيرة الإحرام، لا بدَّ منها.