584 من حديث: (قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق..)

 
58/1865- وَعَنْ أبي هُريْرَةَ أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَال: قَال رَجُلٌ لأتَصدقَنَّ بِصَدقَةٍ، فَخَرجَ بِصَدقَته، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبحُوا يتَحدَّثُونَ: تُصَدِّقَ الليلة علَى سارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يدِ زانيةٍ، فَأصْبَحُوا يتَحدَّثُونَ تُصُدِّق اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زانِيَةٍ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصدقة، فَخَرَجَ بِصَدقَتِهِ، فَوَضَعهَا في يَدِ غَنِي، فأصْبَحُوا يتَحدَّثونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ علَى سارِقٍ، وعَلَى زَانِيةٍ، وعلَى غَنِي، فَأتِي فَقِيل لَهُ: أمَّا صدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتِعفَّ عنْ سرِقَتِهِ، وأمَّا الزَّانِيةُ فَلَعلَّهَا تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وأمَّا الْغنِيُّ فَلَعلَّهُ أنْ يعْتَبِر، فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ رَواهُ البخاري بلفظِهِ، وَمُسْلِمٌ بمعنَاهُ.
59/1866- وعنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ في دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُّعجبه فَنَهسَ مِنْهَا نَهَسةً وقال: أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمعُ اللَّه الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صعِيدٍ وَاحِد، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسمِعُهُمُ الدَّاعِي، وتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ والْكَرْبِ مَا لاَ يُطيقُونَ وَلاَ يحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَروْنَ إِلى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يشْفَعُ لَكُمْ إِلى رَبَّكُمْ؟ فيَقُولُ بعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أبُوكُمْ آدَمُ، ويأتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آدمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشرِ، خَلَقَك اللَّه بيَدِهِ، ونَفخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلا تَشْفعُ لَنَا إِلَى ربِّكَ؟ أَلاَ تَرى مَا نَحْنُ فِيهِ، ومَا بَلَغَنَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ غضَبًا لَمْ يغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ. وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَاني عنِ الشَّجَرةِ، فَعَصَيْتُ. نَفْسِي نَفْسِي نَفْسي. اذهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُل إِلى أَهْلِ الأرْضِ، وَقَدْ سَمَّاك اللَّه عَبْدًا شَكُورًا، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ ربِّي غَضِبَ الْيوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَأَنَّهُ قدْ كانَتْ لِي دَعْوةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَيْأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ ربِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذْبَاتٍ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيأْتُونَ مُوسَى، فَيقُولُون: يَا مُوسَى أَنْت رسُولُ اللَّه، فَضَّلَكَ اللَّه بِرِسالاَتِهِ وبكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقول إِنَّ ربِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومرْ بِقْتلِهَا. نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسى. فَيَأْتُونَ عِيسَى. فَيقُولُونَ: يَا عِيسى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكلمتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَريم ورُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فيَقولُ: إِنَّ ربِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلمْ يَذْكُرْ ذنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحمَّد ﷺ.
وفي روايةٍ: فَيَأْتُوني فيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رسُولُ اللَّهِ، وَخاتَمُ الأَنْبِياءَ، وقَدْ غَفَرَ اللَّه لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخَّر، اشْفَعْ لَنَا إِلَى ربِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ، فَآتي تَحْتَ الْعَرْشِ، فأَقَعُ سَاجِدًا لِربِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّه عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وحُسْن الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لِمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارفَع رأْسكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يا مُحمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتك مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْباب الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وهُمْ شُركَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِويَ ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ المصراعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْن مَكَّةَ وَهَجَر، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى متفقٌ عليه.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان: في الأول منهما عظة وذكرى وحث على الصدقة وترغيب فيها وإن وقعت في غير أهلها، المؤمن يتحرى ويجتهد في إخراج الصدقة -وهو مأجور حتى ولو وقعت في يد غير أهلها- فهذا رجل فيمن كان قبلنا اجتهد وتصدق فصادفت صدقته أنها وقعت في يد إنسان معروف بالسرقة يسرق، فتحدث الناس تصدق اليوم على سارق، فقال له لما بلغه ذلك: الحمد لله على سارق، ثم قال: لأتصدقن، فخرج بصدقته فوقع في يد زانية، فتحدث الناس أنه تصدق على زانية وبلغه ذلك، فقال: الحمد لله على زانية، ثم تصدق صدقة أخرى فوقعت في يد غني، فتحدث الناس أنه تصدق على غني وبلغه ذلك، فقال: الحمد لله على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فجيء إليه، كأنه جيء إليه في المنام -رأى رؤيا صالحة في المنام- فقيل له: أما صدقتك على السارق فلعله يتعظ ويدع السرقة ويستغن بما أعطيته، وأما الصدقة على الزانية فلعلها أن تستعف وتستغني بما أعطيتها عن الزنا، قد يكون حمله على السرقة الفقر وهي حملها على الزنا الحاجة، فلعل الصدقة التي فعلتها تمنع السارق من العودة، وتمنع الزانية من العودة، وأما الغني فلعله يعتبر ويتصدق ويقتدي بك وينتفع بماله، المقصود من هذا أن الرجل أو المرأة كل منهما يجتهد في الصدقة والإنفاق في وجوه الخير، وإذا صادف أنها وقعت صدقة في إنسان لا يستحق فهو مأجور، ولعل الذي أعطي لعله ينتفع بها ويتعظ بها ويتذكر بها، والمؤمن يتحرى المتصدق بزكاته، وبصدقة التطوع يتحرى أهل الحاجة الضعف، فإذا صادف أنه أعطاها من ليس كذلك فهو على نيته وله أجره.
والحديث الثاني: حديث الشفاعة وهو حديث عظيم، حديث طويل صحيح من أصح الأحاديث، يبين الرسول ﷺ أمر الشفاعة يوم القيامة، وكان ذلك وهو جالس مع أصحابه على الطعام، فأخذ الذراع وكان يحب أن ينهش من الذراع فنهش منه شيئًا، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة وفي اللفظ الآخر: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ثم قال: ألا تسألوا؟ يعني لم قلت هذا الكلام؟ فقال: إن الناس يوم القيامة يحشرون حفاة عراة غرلًا ويشتد بهم الكرب وتدنو الشمس ويلجمهم العرق فيشتد كربهم فيفزعون إلى آدم وفي اللفظ الآخر أن هؤلاء هم المؤمنون يفزعون إلى آدم ويقولون له: يا آدم أنت أبو البشر وخلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ يعني من شدة الكرب والهم والغم بسبب الموقف العظيم فيقول: أنا نهيت عن الشجرة وأكلت منها -ويذكر ذنبه- ويقول اذهبوا إلى غيري، إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ويعتذر مع أنه قد تاب، لكن شدة الأمر في نفسه وعظم ما جرى منه اعتذر، ومعلوم أن التائب قد محا الله عنه ذنبه، ولكن لشدة ما في نفسه من الحياء واستعظام ما وقع منه اعتذر، قال: ائتوا نوحًا أرشدهم إلى نوح، وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بعدما وقع الشرك فيها، فيأتون نوحًا ويقولون له: يا نوح أنت أول رسول أرسل الله إلى أهل الأرض يعني بعد وقوع الشرك وقد سماك الله عبدًا شكورًا ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا يعني من الهم والغم والشدة فيقول لهم نوح عليه الصلاة والسلام: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني دعوت على قومي دعوة حين قال لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26] وإني لا أشفع اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ويقولون له مثلما قالوا لآدم ولنوح ويقولون: أنت خليل الله اشفع لنا، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيجيبهم مثل ما أجابهم آدم ونوح إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وقد كذبت ثلاث كذبات استعظمها، وهي في ذات الله، لا حرج عليه، لكن استعظمها حين قال في الأصنام: بل فعله كبيرهم، وحين قال لما مروا عليه وهم ذاهبون إلى أصنامهم وعيدهم: إني سقيم، وحين قال للملك الجبار في سارة إنها أختي -يعني أخته في الله- اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام ويقولون: أنت كليم الله، أنزل الله عليك التوراة اشفع لنا إلى ربك فيجيبهم مثل ما أجابهم آدم ونوح وإبراهيم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وقد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى عليه الصلاة والسلام فيقول لهم مثلما قال الأولون إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا ما ذكر أني فعلت كذا وكذا اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون محمدًا عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها كما في الرواية الأخرى أنا لها، فيذهب ويسجد بين يدي ربه تحت العرش، ويحمد الله بمحامد يفتحها عليه سبحانه وتعالى، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيرفع رأسه ويشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم وفي أمته حتى يدخلوا الجنة وهذه الشفاعة العظمى، الشفاعة لأهل الموقف هذه الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي قال فيه جل وعلا عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] ويشفع في أهل الجنة في دخولهم الجنة، وله شفاعات أخرى عليه الصلاة والسلام.
وهذا المقام مقام عظيم يوجب للمؤمن أن يتذكر هذا المقام، وأن يحرص على فعل ما أوجب الله عليه وما شرع الله له، وأن يحذر ما حرم الله عليه، فإنه يوم عظيم إنما ينجي الله فيه عباده بعباداتهم وأعمالهم الصالحة كل يؤخذ بعبئه، وهذا اليوم يوم عظيم وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8] يوم عظيم الأهوال، فالواجب على أصحاب العقول السليمة على المكلف من الجن والإنس من الرجال والنساء الواجب إعداد العدة التي تسبب النجاة، وهي طاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله والحذر من أسباب غضبه لعلك تنجو في هذا اليوم العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصل الله وسلم على محمد.

الأسئلة:
س: هل ورد في مدة الموقف شيء؟
الشيخ: اليوم مقداره خمسين ألف سنة، ولكن مثل ما قال جل وعلا، لا يأت وسط النهار إلا وقد قضى الله بين الناس: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24] استنبط العلماء من مقيلا أنه يأتي نصف النهار وقد انتهى الأمر، والله المستعان.
س:...؟
الشيخ: هذا ترك القصد المتعلق بالموقف كما في الرواية الأخرى، صريح في أنه يشفع في أهل الموقف ثم في أمته.
س: كذبات إبراهيم؟
الشيخ: قوله في الأصنام بل فعله كبيرهم هذا لما كسرها، قالوا من فعل هذا؟ قال: كبيرهم، لعلهم يعتبرون لعلهم ينتبهون، كبيرهم جماد ما عنده خبر ولهذا انتبهوا وأعدوا له النار فأنجاه الله من شرهم، والثانية: قوله إني سقيم، لما تخلف إلى أصنامهم مروا عليه ... قال: إني سقيم، يوهم أنه مريض وهو ليس بمريض ولكنه أسقمه كفرهم وشرهم، والثالثة: أنه ذهب ومعه زوجته سارة إلى مصر فذكرت للملك فجيء بها إليه وسأل إبراهيم عنها، فقال: إنها أختي، ما قال إنها زوجتي، خاف أن يغار ويأخذها، وقال: إنها أختي، فمد يده إليها فأصابه الله بشلل في يده، لم يستطع أن يمد يده إليها، فقال: ادع الله لي فلا أضرك، فدعت الله له ثم مد يده فأخذ أيضًا، فدعت له وأطلق، ثم قال: اذهبوا بها عني فما أتيتموني بإنسانة وإنما أتيتموني بشيطانة، ورد الله كيده وسلمت من شره سارة رضي الله عنها ورحمها زوجة الخليل.
س: هذه الثلاث تسمى كذبات أليست من معاريض الكلام؟
الشيخ: من ورعه عليه الصلاة والسلام سماها كذبًا وهو أراد بذلك التعريض، لكن سماها كذبًا بالنسبة إلى ما يظهر للناس يعتبرونها كذبًا، وهو أراد بذلك أن يلفت أنظارهم إلى أن الأصنام ما عندها حل ولا عقد، بل فعله كبيرهم، ما يفعل شيء، وفي سقيم يعذروه لأنه مريض على ما يعرفون في عرفهم وهو سقيم من أعمالهم الخبيثة.
س:...؟
الشيخ: الظاهر العموم الشيء الخفيف، هذا يعم الجمع لكن الشدة على الكفار فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ۝ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ۝ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:8-10] أما المؤمن خفيف ما يصيبه من ذلك إلا الشيء اليسير.
س: من تصدق على شخص واكتشف أنه غني هل يسترد صدقته؟
الشيخ: إذا كان ظاهره الفقر ما يضره، إذا كان ظاهره الفقر وتشبه بالفقراء وظن أنه فقير وأعطاه تجزئه عند العلماء والإثم على ذلك.
س: الذي لا يتصدق هل يأثم؟
الشيخ: في الزكاة يأثم، أما في غير الزكاة ما يأثم إلا إذا اضطر، الفقير عرف أنه مضطر يلزمه أنه ينقذه لكن الواجب الزكاة، أما البقية على حسب الأسباب، الصدقات الأخرى على حسب الأسباب.