582 من حديث: (واللَّه لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها..)

 
52/1859- وَعَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ الطُّفَيْلِ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا حُدِّثَتْ أنَّ عَبْدَاللَّه بنَ الزَّبَيْر رضي اللَّه عَنْهُمَا قَالَ في بيْعٍ أوْ عَطَاءٍ أعْطَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعالَى عَنْها: وَاللَّه لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أوْ لأحْجُرَنَّ علَيْهَا، قَالتْ: أهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعمْ، قَالَتْ: هُو للَّهِ علَيَ نَذْرٌ أنْ لا أُكَلِّم ابْنَ الزُّبيْرِ أبَدًا، فَاسْتَشْفَع ابْنُ الزُّبيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طالَتِ الْهجْرَةُ. فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أُشَفَّعُ فِيهِ أبَدًا، وَلاَ أتَحَنَّثُ إلَى نَذْري. فلَمَّا طَال ذَلِكَ علَى ابْنِ الزُّبيْرِ كَلَّم المِسْورَ بنَ مخْرَمَةَ، وعبْدَالرَّحْمنِ بْنَ الأسْوَدِ بنِ عبْدِ يغُوثَ وقَال لهُما: أنْشُدُكُما اللَّه لمَا أدْخَلْتُمَاني علَى عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، فَإنَّهَا لاَ يَحِلُّ لَهَا أنْ تَنْذِر قَطِيعَتي، فَأَقْبَل بهِ المِسْورُ، وعَبْدُالرَّحْمن حَتَّى اسْتَأذَنَا علَى عائِشَةَ، فَقَالاَ: السَّلاَمُ علَيْكِ ورَحمةُ اللَّه وبرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا. قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعمْ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، ولاَ تَعْلَمُ أنَّ معَهُما ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلمَّا دخَلُوا، دخَلَ ابْنُ الزُّبيْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَا، وطَفِقَ يُنَاشِدُهَا ويبْكِي، وَطَفِقَ المِسْورُ، وعبْدُالرَّحْمنِ يُنَاشِدَانِهَا إلاَّ كَلَّمَتْهُ وقبَلَتْ مِنْهُ، ويقُولانِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَمَّا قَدْ علِمْتِ مِنَ الْهِجْرةِ. وَلاَ يَحلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يهْجُر أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ. فَلَمَّا أكْثَرُوا علَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرةِ والتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُما وتَبْكِي، وتَقُولُ: إنِّي نَذَرْتُ والنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالا بَهَا حتَّى كَلَّمتِ ابْنِ الزُّبيْرِ، وَأعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أرْبعِينَ رقَبةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمارَهَا. رواهُ البخاري.
53/1860- وعَنْ عُقْبَةَ بنِ عامِر أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ خَرجَ إلَى قَتْلَى أُحُدٍ. فَصلَّى علَيْهِمْ بعْد ثَمان سِنِين كالمودِّع للأحْياءِ والأمْواتِ، ثُمَّ طَلَعَ إِلَى المِنْبر، فَقَالَ: إنِّي بيْنَ أيْدِيكُمْ فَرَطٌ وأنَا شَهِيدٌ علَيْكُمْ وإنَّ موْعِدَكُمُ الْحوْضُ، وَإنِّي لأنْظُرُ إليه مِنْ مَقامِي هَذَا، وإنِّي لَسْتُ أخْشَى عَلَيْكُمْ أنْ تُشْركُوا، ولَكِنْ أخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنيا أنْ تَنَافَسُوهَا قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّه ﷺ، متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: وَلَكِنِّي أخْشَى علَيْكُمْ الدُّنيَا أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَما هَلَكَ منْ كَان قَبْلكُمْ قَالَ عُقبةُ: فَكانَ آخِر مَا رَأيْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ عَلَى المِنْبرِ.
وفي روَايةٍ قَالَ: إنِّي فَرطٌ لَكُمْ وأنَا شَهِيدٌ علَيْكُمْ، وَإنِّي واللَّه لأنْظُرُ إلَى حَوْضِي الآنَ، وإنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِن الأرضِ، أوْ مَفَاتِيحَ الأرْضِ، وَإنَّي واللَّهِ مَا أَخَافُ علَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا بعْدِي ولَكِنْ أخَافُ علَيْكُمْ أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان فيهما أحكام كثيرة:
الحديث الأول
في الحديث الأول: قصة عائشة مع ابن أختها عبدالله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر -أخت عائشة رضي الله عنها من أبيها- وكان فقيهًا، وكان ذا علم وفضل، وتولى الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية مدة من السنين في مكة، واستقر في مكة، ولم يزل في الخلافة حتى قتل في عهد عبدالملك على يد الحجاج بن يوسف سنة ثلاث وسبعين، بلغه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تعطي عطاء كثيرًا جزلًا، فقال مجتهدا: إنه سيحجر عليها لكثرة عطائها وجودها وكرمها، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فسألت هل قال هذا الكلام؟ فقيل لها: إنه قد قاله، فنذرت ألا تكلمه، وأن تهجره لسوء ما صنع، من كونه يحجر عليها أن تعمل الخير وأن تجود وتحسن، ليست سفيهة بل هي من أعقل النساء، ومن أفقه النساء، ومن أعلم النساء، كانت ذلك الوقت قد تقدم بها السن رضي الله عنها، فالحاصل أنه لما قال هذا الكلام تكدرت ونذرت ألا تكلمه أبدًا، فلما طال الهجر عليه ولم تسمح بمقابلته لها، استشفع بالمسورة بن مخرمة وعبدالرحمن بن الأسود، وشفعا له فدخل معهما عليها -وهي لم تعلم أنه معهما- حتى دخل عليها واعتنقها واستسمحها، ولم يزل يستسمحها وهما يشيران عليها بأن تسمح وأنه رحمها وابن أختها ولا تهجره، فسمحت وكفرت عن نذرها في أربعين رقبة، يعني أعتقت أربعين رقبة، وهذا النذر نذر حكمه حكم اليمين لأنها نذرت ألا تكلمه، وهو نذر حكمه حكم اليمين، لها أن تتركه ولها أن تكفر عن يمينها كما هو معلوم، ولكنها من شدة محبتها للخير ورغبتها في الخير وتعظيمها لأحكام الله أعتقت هذه الرقاب، ويكفيها رقبة واحدة ولكن أعتقت هذه الرقاب رغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى، مثل ما أن النبي أهدى يوم حجة الوداع مائة بدنة، والواجب عليه سبع بدنة، شاة واحدة عن قرانه للحج، ولكن البقية كلها تطوع والرغبة فيما عند الله ، والإنسان إذا قال: والله لا يكلم فلانًا، أو والله لا يعطي فلانًا، كذا من الأيمان التي يمتنع بها، أو يعزم بها على شيء فحكمها حكم اليمين، وهكذا النذر، لو قال: نذر لله عليّ ألا أكلم فلانًا، حكمه حكم اليمين، أو نذر لله عليّ أن أضرب فلانا، هذا حكمه حكم اليمين، فيه كفارة اليمين.
الحديث الثاني
والحديث الثاني: حديثه ﷺ في صلاته على أهل أحد في آخر حياته، صلاة على الميت المشهور، عند العلماء معناه أنه دعا لهم دعاؤه للميت، لأن الشهيد لا يصلى عليه كما تقدم، فدعا لهم -يعني دعا لهم بالمغفرة والرحمة- كما يدعو للميت عند فراقه الدنيا في آخر حياته عليه الصلاة والسلام.
وقال ﷺ: وهو على المنبر: والله ما أخشى عليكم أن تشركوا بعدي لأن الصحابة قد فقهوا وعرفوا، فليس يخاف عليهم الشرك، ولكن قال: أخشى أن تبسط عليكم الدنيا وأن تنافسوها كما تنافسها من قبلكم، وأن تفتنوا بها كما فتن بها من قبلكم خاف عليهم شر الفتنة في الدنيا والتنافس والقتال والشحناء، وقد وقع بعض ذلك، وقع بعض ذلك مما جرى من الذين خرجوا على عثمان من البغاة والجهلة، ثم عظمت الفتنة فجرى القتال والفتنة بين الجميع، ثم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كلها بأسباب الشبه، وأسباب الجهال، وأسباب من يدخل في الأمور بغير علم، أو بمقاصد خبيثة كابن سبأ ومن معه من الجهلة، فحصل بهذا فتنة كبيرة وشر عظيم خافه النبي ﷺ على أمته قد وقع، ثم وقع بعد ذلك من الشرور والفتن ما هو معلوم إلى يومنا هذا.
وقال بعض أهل العلم: أنه ما خاف عليهم أن يشركوا بعده، يعني أن يجمعوا على الشرك ما خاف عليهم ذلك، وإلا قد يقع فليسوا بمعصومين، والحاصل أن قوله ﷺ في الحديث الآخر: إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينكم لا ينافي ما أخبر به النبي ﷺ من وقوع الشرك في هذه الأمة وأنه يقع فيها، وأنها لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من المشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وأن الإسلام يكون غريبًا، كل هذا ثابت، ولكن الصحابة لكمال علمهم وفقههم وفضلهم لم يخاف عليهم هذا، ولكن خشي عليهم من أن يحرش الشيطان بينهم، كما قد وقع في فتنة عثمان وفتنة علي ومعاوية، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: قرابة المسور بن مخرمة...؟
الشيخ: من الصحابة، ما فيها خلوة، الصحابة يدخلون عليها ويسألونها عن الأحاديث يستفتونها، لا حرج في ذلك، المحرم الخلوة فقط.
س: ورد في رواية عند البخاري ومسلم أنه صلى على قتلى أحد صلاته على الميت؟
الشيخ: لا، هذا كلامهم، صلاته يعني دعاؤه للميت، هذا المعروف عند أهل العلم معناه دعاؤه للميت؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن القتلى الشهداء في سبيل الله لا يصلى عليهم.
س: قوله: أنا فرط لكم؟
الشيخ: يعني أمامكم، سابق لكم، أمامهم في الجنة، وأمامهم في الحوض عليه الصلاة والسلام، الفرط السابق قبل القوم الذي يسبقهم حتى يهيئ لهم المنزل والماء ونحو ذلك، يعني أنا أمامكم وأنا قدامكم، وسوف يردون عليه الحوض عليه الصلاة والسلام .
س: يسبقهم بالموت؟
الشيخ: لا، يعني أمامهم يوم البعث والنشور.
س: هل ينقل كلام يسوء عزيز ...؟
الشيخ: هذا من النميمة، لكن قد يبلغ الإنسان -ولو من غير الخاصة- الكلام، قد يبلغه لأن الشر ينتشر ينقل.
س: الصحابة الذين غاروا من كلام المنافقين فأبلغوا الرسول؟
الشيخ: المنافقين لا بأس أن يبلغ عنهم لأنهم كفار وظلمة وشر يخشى من شرهم، ولهذا ما أنكر عليهم النبي ﷺ التبليغ.
س: ...؟
الشيخ: لا يتزوجن، الله حرم عليهن أن يتزوجن بعده، ولهن الفضل والرضا والمغفرة، يترضى عنهن ولهن الفضل العظيم، لكن ليس لهن الزواج بغيره عليه الصلاة والسلام.
س: ...؟
الشيخ: كفارة يمين النذر المباح والنذر المكروه كله كفارة يمين، أما نذر الطاعة يجب وفاؤه لقوله ﷺ: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ونذر عائشة يدور بين الكراهة والمعصية لأنه نذر قطيعة رحم وهجره، ولكن من شدة غضبها -هي غير معصومة- من شدة غضبها نذرت هذا النذر، ويكفيها كفارة اليمين.
س: لو نذر عدة مرات هل يكتفى بواحدة؟
الشيخ: إذا كان بفعل واحد كفارة يمين واحدة، مثل: لله علي ألا أكلم فلانًا، وكلما رآه قال هذا الكلام مرات كثيرة كفارة واحدة، أما إذا تكرر قال: لله علي ألا أكلم فلانًا، وعليه ألا يكلم فلانًا الثانية، وعليه ألا يكلم فلانًا الثالث، كل واحد له حكمه كفارة اليمين.
س: المحرمية لأمهات المؤمنين على الصحابة؟
الشيخ: حرمة حرمة، ما هي بمحرمية أجنبيات، حرام عليهم وليسوا بمحارم لهن، إنما هي حرمة من جهة الفضل ... الحق وأمهات المؤمنين من جهة الفضل والاحترام لا من جهة الحرمة.
س: ...؟
الشيخ: لا يخلو، لكن الصحابة يدخلون الاثنين والثلاثة يسألونها، على عائشة وعلى غيرها مثل ما يدخلون ... مع أخيها أو مع ...
س: ...؟
الشيخ: الغريق يصلى عليه، كل الشهداء يصلى عليهم إلا شهيد المعركة في القتل، والشهداء كلهم يصلى عليهم إلا شهيد المعركة.