579 من حديث: (شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان..)

 
43/1850- وَعَنْ أَبي الفَضْل العبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِب قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رسُولِ اللَّه ﷺ يَوْمَ حُنَين فَلَزمْتُ أنَا وَأبُو سُفْيَانَ بنُ الحارِثِ بنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ رَسُولِ اللَّه ﷺ فلَمْ نفَارِقْهُ، ورَسُولُ اللَّه ﷺ علَى بغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ. فَلَمَّا الْتَقَى المُسْلِمُونَ وَالمُشْركُونَ وَلَّى المُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رسُولُ اللَّه ﷺ، يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبل الْكُفَّارِ، وأنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّه ﷺ أَكُفُّهَا إرادَةَ أنْ لاَ تُسْرِعَ، وأبُو سُفْيانَ آخِذٌ بِركَابِ رَسُولِ اللَّه ﷺ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أيْ عبَّاسُ نادِ أصْحَابَ السَّمُرةِ قَالَ العبَّاسُ، وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا: فَقُلْتُ بِأعْلَى صَوْتِي: أيْن أصْحابُ السَّمُرَةِ، فَواللَّه لَكَأنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبقَرِ عَلَى أوْلادِهَا، فَقَالُوا: يا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، فَاقْتَتَلُوا هُمْ والْكُفَارُ، والدَّعْوةُ في الأنْصَارِ يقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأنْصارِ، يَا مَعْشَر الأنْصَار، ثُمَّ قَصُرَتِ الدَّعْوةُ عَلَى بنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخزْرَج. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّه ﷺ وَهُوَ علَى بَغْلَتِهِ كَالمُتَطَاوِل علَيْهَا إلَى قِتَالِهمْ فَقَال هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، ثُمَّ أخَذَ رَسُولُ اللَّه ﷺ حصياتٍ، فَرَمَى بِهِنَّ وَجُوه الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَال: انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ فَذَهَبْتُ أنْظُرُ فَإذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيما أرَى، فَواللَّه مَا هُو إلاَّ أنْ رمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَازِلْتُ أرَى حدَّهُمْ كَليلًا، وأمْرَهُمْ مُدْبِرًا. رواه مسلم.
44/1851- وعَنْ أبي هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: أيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّه طيِّبٌ لاَ يقْبلُ إلاَّ طيِّبًا، وَإنَّ اللَّه أمَر المُؤمِنِينَ بِمَا أمَر بِهِ المُرْسلِينَ، فَقَال تَعَالى: يَا أيُّها الرُّسْلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالحًا [المؤمنون:51]، وَقَال تَعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا كُلُوا مِنَ طَيِّبَات مَا رزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَر أشْعَثَ أغْبر يمُدُّ يدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا ربِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُه حرَامٌ، ومَلْبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بِالْحَرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ رواه مسلم.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان الصحيحان من أعظم الأحاديث في الدلالة على صدق رسالة محمد ﷺ وأنه رسول الله حقًا، وعلى المسلم قد يبتلى ثم تكون له العاقبة، وتدل على وجوب الاستقامة على طاعة الله ورسوله والحذر مما نهى الله عنه ورسوله، وأن هذا هو سبيل السعادة والنجاة.
في قصة حنين أصاب الناس انكشاف كما قال الله جل وعلا وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ۝ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ۝ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:25-27] المقصود أن الله جل وعلا يبتلي عباده بالسراء والضراء والشدة والرخاء، ويوم حنين بعد فتح مكة، بعدما فتح الله عليه مكة سنة ثمان تجمعت هوازن ومن معهم من الطائف والتقوا مع النبي ﷺ في حنين، في واد يقال له حنين وهم معهم أنعامهم ونساءهم وذراريهم، قد جعلوها خلفهم حتى يكون ذلك أشجع لهم في القتال، جعلوا نساءهم وذرياتهم ونعمهم كلها وراءهم حتى يحاموا عنهم لئلا يفروا، ولكن لا يغني عن ذلك شيئًا إذا أراد الله الهزيمة لم يعن شيئًا وكانوا أهل رمي، فلما اشتد رميهم حصل انكشاف على المسلمين وهزيمة في أول الأمر، ثم صاح فيهم العباس بأمر النبي ﷺ: يا أهل الشجرة، يا أهل السمرة، يعني التي حصل عندها البيعة يوم الحديبية، فتوافدوا بسرعة إلى جهة القتال، وقالوا: لبيك لبيك، فتقدموا للقتال والنبي ﷺ على بغلته يركضها إلى جهة العدو أمام الجيش، أمام القوم عليه الصلاة والسلام والعباس آخذ بلجامها يكفها بعض الشيء وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب آخذ بركاب النبي ﷺ وهو يقول ﷺ -وهو يركض البغلة أمامه إلى جهة العدو ويقول-: انهزموا ورب الكعبة ثم رماهم بحصيات، فما زال حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا، ثم تلاحق المسلمون وهزم الله العدو وصارت الدائرة عليهم، فاستولى المسلمون على نسائهم وذرياتهم وأنعامهم كلها وانهزم القوم، فاستولى المسلمون على النساء والذرية وعلى إبلهم وغنهم وصارت كلها غنيمة للمسلمين يوم حنين، ثم بعد ذلك جاءوا مسلمين جاءوا إلى النبي ﷺ مسلمين بعد الواقعة، فقال لهم ﷺ: أنتم ترون ما أنا الآن والجيش والناس معي، وأحب الكلام إليَّ أصدقه، اختاروا أحد الأمرين: إما نساؤكم، وإما أموالكم أما أن أرد عليكم النساء والأموال، لا بعدما أسلموا قالوا: إذا كان ولا بدّ نختار نساءنا وأولادنا بدلا من أن يسبوا تردهم علينا، فخطب الناس واستسمحهم في رد السبي، وقال: من طابت نفسه بذلك فالحمد لله، ومن لم تطب نفسه نعوضه من أول ما يفيء الله علينا فطابت نفوس الصحابة كلهم وسمحوا برد نسائهم وذرياتهم إليهم لما أسلموا فردهم إليهم، أما الإبل والغنم فقسمها بين المسلمين غنيمة، ونفل ناسًا من رؤساء العرب نفلا كبيرًا، فأعطى جماعة من رؤساء العرب على مائة من الإبل تأليفًا لقلوبهم كعيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس وجماعة أعطاهم على مائة من الإبل تأليفًا من الخمس، وقسم الأربعة الأخماس بين الغانمين، ونصر الله دينه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده سبحانه وتعالى، فهذه من الآيات العظيمة ومن الدلائل على صدق رسالته وأنه رسول الله حقًا عليه الصلاة والسلام، ويدل هذا على شجاعته العظيمة كونه يتقدم إلى جهة العدو والناس قد انهزموا فيتقدم ويقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب ويطلب من الجيش التقدم، ويقول: شاهت الوجوه، أدبروا هذا كله يدل على الشجاعة العظيمة والثبات العظيم منه عليه الصلاة والسلام.
وفي الحديث الثاني يقول ﷺ: إن الله تعالى طيب طيب في ذاته، طيب في أسمائه وصفاته جل وعلا لا مثيل له لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] هو الكامل في كل شيء جل وعلا، ومن طيبه لا يقبل إلا طيبًا لا يقبل الأعمال التي فيها شرك، ولا يقبل الصدقات التي من مال خبيث، ولا يقبل الأعمال التي تخالف شرعه، فهو لا يقبل إلا طيبًا، والطيب من الأعمال ما وافق الشرع، ما وافق الشرع وكان لله خالصًا، فهذا طيب، ومن الصدقات ما كان لله وكان من كسب طيب، ثم قال: إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172]، وقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51] هذا الواجب على الجميع، الله أباح لهم الطيبات فيستعينوا بها، يأكل من الطيبات، ويلبس من الطيبات، ويستقيم على طاعة الله ويشكره الله على نعمه كل من الطيبات، واعمل ما شرع الله لك ولهذا قال: وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال للمؤمنين: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172]، فالواجب على المؤمن أن يستعين بنعم الله على طاعة الله وأن يشكر الله على نعمه، فالله أباح له الطيبات هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] فالله أباح لهم الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناكح كلها من الطيبات، فعليهم أن يستعملوا الطيبات وأن يشكروا لله ويعملوا صالحًا شكرًا لله جل وعلا، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب يسأل، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك يعني بعيد أن يستجاب لمن هذا شأنه، من هذا شأنه بعيد أن يستجاب له، ملبسه حرام ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام قد تعاطى أسباب المنع -أسباب عدم الإجابة- نسأل الله العافية، فهذا يوجب الحذر من أكل الحرام وأن المؤمن يتحرى في مكسبه الكسب الطيب ويحذر من المكاسب الخبيثة بالخيانة أو بالغش أو بالربا أو بالسرقة أو ما أشبه ذلك، يحذر، عليه أن يتقي الله وأن يعتني بالمكاسب الطيبة من الزراعة والبيع الطيب وما أشبه ذلك التجارة السليمة، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: الرواية في قول: وغذي أو وغذي؟
الشيخ: تشدد وتخفف، غذي وغذي يقال غذاه غذاء وغذاه تغذية.
س: ...؟
الشيخ: يعني قد ضعفوا الحد الكليل ... ما تساوي شيء، حدهم كليل يعني قد ضعفوا وأدبر شأنهم.
س: ...؟
الشيخ: قد يقع كرامات الأولياء حق، وقد أثبتها المؤمنون إذا كان صاحبها مستقيمًا على طاعة الله ورسوله، قد يعطيها الله كرامة في القتال وفي غير القتال.
س: ...؟
الشيخ: لا يكذب، مصدر رزقه ما أباحه الله، الله أحل البيع وحرم الربا، عليه يدور المصدر المباح ما هو المصدر المحرم، الله ما جعل رزقهم فيما حرم الله عليهم بل جعل رزقهم فيما أحل لهم، فعليه أن يلتمس الطيبات والكسب الحلال، وهو يكذب الله ما ضيق عليه.
س: ...؟
الشيخ: لا ما هو بصحيح، كان يدافع ويهاجم عليه الصلاة والسلام، كان أشجع الناس على الإطلاق عليه الصلاة والسلام، قاتل يوم بدر وقاتل يوم أحد وقاتل يوم حنين وعليه درعان يوم أحد.
س: ...؟
الشيخ: رأس المنافقين ما قتله توفي مات.
س: أبي بن خلف؟
الشيخ: قتله في أحد طعنه فقتله، لكن هو يقاتل مع الناس في أحد وفي غيرها.