30 من حديث (أن النبي ﷺ أعطاه دينارا يشتري به أضحية..)

 

824- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

825- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ.

826- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلَا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلَا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ"، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي "الْمَرَاسِيلِ" لِعِكْرِمَةَ، وَهُوَ الرَّاجِحُ.

وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

828- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

827- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة: في الأربعة الأول منها ما يتعلق بأنواع من بيع الغرر، وقد تقدم في الحديث الصحيح: أنَّ النبي ﷺ نهى عن بيع الغرر، ونهى عن بيع ما ليس عندك. وهذه الأشياء التي ذُكرت هنا تلتحق بذلك: من غررٍ، وبيع ما ليس عند الإنسان.

الحديث الأول حديث أبي سعيدٍ: أن النبي ﷺ نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها. الكلام واضح في أنَّ الغرر في شراء ما في بطون الأنعام، فقد يتحين، وقد يُولد ميتًا، وقد يُولد تامًّا، وقد يُولد ناقصًا، فالغرر ظاهر؛ ولهذا لا يصحّ بالإجماع.

وكذلك بيع ما في ضروعها: قد يكثر، وقد يقلّ، فلا يجوز بيعه.

وعن بيع العبد وهو آبق كذلك؛ لأنه لا يُقدر على تسليمه، فالغرر ظاهر.

وعن بيع المغانم حتى تُقسم كذلك؛ لأنها قبل قسمها لا يدري عن نصيبه، ولا يدري ماذا يحصل له، فالغرر حاصل.

وعن بيع الصَّدقات حتى تُقبض كذلك ..... الصَّدقات عند فلانٍ، أو عند فلانٍ، أو في بيت المال ليس عنده، فبيعها داخل في قوله: لا تبع ما ليس عندك.

وعن ضربة الغائص كذلك؛ ما يُدركه الغائص في البحر، وأبيعك غيصتك هذه بكذا وكذا. قد يحصل على شيءٍ، وقد لا يحصل على شيءٍ، قد يحصل على شيءٍ ضئيلٍ: لؤلؤة صغيرة أو ضعيفة، فالغرر والمخاطرة موجودة في هذا.

وهذا الحديث وإن كان في سنده ضعف، فجميع المسائل السّت كلها تشهد لها الأحاديث الصَّحيحة والقواعد المعتبرة في الشرع في المنع، وأنَّ هذه كلها غير صحيحةٍ، والشارح ذكر أنَّ سبب الضَّعف أنه من رواية شهر بن حوشب، وشهر روى له مسلم رحمه الله، وهو صدوق، لكنه كثير الأوهام والنسيان كما قال الحافظ في "التقريب".

وبكل حالٍ، فهي مسائل معلومة من الشرع أنها لا تصحّ؛ لما فيها من الغرر، ولما في بعضها من بيع ما ليس عنده، فهي مشتملة على علتين: بيع ما ليس عنده مع الغرر، وبيع ما ليس عند الإنسان مشتمل على الغرر.

وحديث ابن مسعودٍ في بيع السَّمك في الماء الصواب وقفه، والمعنى ظاهر، فإنَّ بيع السمك في الماء غرر ظاهر، كونه يبيع سمكةً أو سمكتين أو كذا أصيدها لك من البحر هذا غرر، ولا يصلح، قد تكون صغيرةً، وقد تكون كبيرةً، وقد يحصلها، وقد لا يحصلها، فلا يصح؛ ولهذا فإنه غرر، والمعنى ظاهر، لكن لو كانت في الماء مضبوطة، ليس فيه غرر، فلا بأس، لو كانت في بركةٍ، قد صادها وجعلها في بركةٍ أو شبه ذلك مما ليس فيه غرر ولا مُخاطرة فلا بأس، لكن المقصود هنا صيد السَّمك في البحر أو في الأنهار، هذا هو الممنوع؛ لأنه غرر.

كذا حديث ابن عباسٍ في بيع الثَّمرة حتى تطعم، يجوز ضبطه: "تطعم" اسم فاعل من أطعم، يعني: حتى يبدو صلاحها، حتى تُطعم: حتى يُؤكل منها، يعني: حتى يحصل بها الينع والأكل منها، والمعنى بدو صلاحها، وجاء هذا المعنى في عدة أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ: من حديث أنسٍ، ومن حديث جابرٍ وغيرها.

وقد روى أحمد رحمه الله الجزء الأول من حديث ابن عباسٍ: "حتى تطعم" بسندٍ جيدٍ عن ابن عباسٍ، والأحاديث الكثيرة في هذا واضحة في النَّهي عن بيع الثِّمار حتى يبدو صلاحها؛ وذلك لأنَّ بيعها قبل ذلك فيه غرر، وقد تُبتلى بآفةٍ فيخسر المشتري.

أما بيع الصوف على الظهر واللَّبن في الضَّرع فعلة ذلك أنه فيه بعض الغرر، وقد يُفضي إلى إيذاء الحيوان؛ ولهذا صحَّ عن ابن عباسٍ المنع من ذلك، فإنَّ بيع الصوف على الظهر قد يُفضي إلى النزاع: هذا يُريد أن يستأصل الصوف فيُؤذي الحيوان ولا يبقى عليه شيء، وهذا يريد أن يرفع شيئًا حتى يبقى على الحيوان بعض الشيء.

فالمقصود أنه يُفضي إلى نزاعٍ وخصومةٍ وغررٍ، واللبن في الضَّرع كذلك فيه غرر: قد يقل، وقد يكثر، قد يتأذَّى الحيوانُ الأذى من شدة حرص المشتري على أصل اللبن وأخذ ما في الضَّرع.

فالحاصل أنَّ هذا فيه من الغرر ما يكفي في المنع، وقول ابن عباس في هذا جيد، سواء كان مرفوعًا أو موقوفًا، فالموقوف صحيح، والمرفوع يتأيد بالموقوف، والعلة ظاهرة في المنع.

أما حديث المضامين والملاقيح: فقد فُسر المضامين بما في بطون النُّوق، والملاقيح بما في ظهر الجمال، والعكس، وكلاهما غرر، فبيع ما في بطون الإبل غلط، وبيع ما ينسل هذا الجمل غرر، كله ممنوع بالإجماع؛ لأنَّ الغرر ظاهر، وهو بيع معدوم أيضًا، بيع ما في ظهور الجمال ما له قيمة، وأيضًا نسله معدوم، وكذلك ما في بطون الإبل غرر: لا يُدرى هل يتم أو ما يتم؟ وهل يسقط حيًّا أو ميتًا أو تامًّا أو ناقصًا؟ ومتى تلد؟

فهو على كل حالٍ من جنس حبل الحبلة فيه غرر، كل هذه البيوعات كلها ممنوعة، وكلها غرر، ومن محاسن الشريعة مجيئها بالنَّهي عن هذا؛ لقطع النزاع، والقضاء على أسباب الغرر والمخاطرة، والإبقاء على المودة والمحبة والصفاء بين المسلمين.

أما الحديث الخامس: فهو حديث أبي هريرة في الإقالة، هذا يدل على فضل الإقالة: مَن أقال مسلمًا بيعةً أقال اللهُ عثرتَه، فالإقالة إحسانٌ ومعروفٌ جاء به الشرع، والإنسان قد يندم إذا باع، قد يندم إذا اشترى، فالإقالة مطلوبة ومشروعة، سواء كانت من البائع، أو من المشتري، فقد يندم البائعُ على بيع السلعة ويود بقاءها، فإذا أقاله المشتري فقد أحسن، وقد يندم المشتري في السلعة ويود أنه يُقال، فإذا أقاله البائعُ فقد أحسن.

والمسلمون شيء واحد، وإخوان: المسلم أخو المسلم، فإذا تسامحا وتقاليا -سواء كان الراغبُ البائع، أو الراغب المشتري- فهذا من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الأعمال، وله هذه الدَّعوة المباركة: أنَّ الله يقيل عثراته في الدنيا وفي الآخرة، من أحسن أحسن إليه: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، والجزاء من جنس العمل: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60].

فمَن أقال مسلمًا بيعته أقال الله عثرته، فقد يعثر في الدنيا، وقد يعثر في الآخرة، والعثرات كثيرة، قد تضرّه في الدنيا، وقد تضره في الآخرة، والله أعلم.

وهذا كله بعد انقضاء الخيار، أما في وقت الخيار فلا بأس، ما يحتاج إذنًا؛ لأنَّ له الرجوع في وقت الخيار، مدة الخيار، لكن هذا بعد مدة الخيار، أو في حال إذا تساقط الخيار.

س: ..............؟

ج: نعم، نعم، ما وقفتُ على سنده، والمؤلف بين أنه فيه ضعف، وبكل حالٍ معناه واضح بالإجماع، ما دلَّ عليه معنى الحديث واضح بالإجماع.

س: ..............؟

ج: هذا يُسمَّى: السلم، إذا كان في الذمة ما في بأس إلى أجلٍ معلومٍ، سنّ معلوم، وأجل معلوم، هذا سلم، أما إذا قال: أبيعك ما في بطن هذه النَّاقة أو ..... أو ما في بطنها للعام الآتي، في حمل العام الآتي، هذا لا يجوز، أما ما في ذمته يجيبها من أي جهةٍ، هذا سلم، مثل: لو قال: أبيعك من ذمتي مئة صاعٍ، أو مئة ردٍّ، أو كذا، أو كذا، هذا لا بأس، لكن لو قال: أبيعك ثمرة النخل، ما صحَّ.

س: ..............؟

ج: ولو، ما هو بزرعٍ.

س: ...............؟

ج: لا، ما يجوز، هذا غرر، حتى يحوزها ويعرفها ويتم ملكه عليها.

س: ...............؟

ج: إذا كان في ذمَّته إلى أجلٍ معلومٍ ما في بأس، إلى أجلٍ معلومٍ يصيد ويُعطي ما في بأس، أما سمك معين في الماء وما بعد [عرف] حاله ولا هو في الذِّمة ما يصلح، غرر.

بَابُ الْخِيَارِ

829- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَد وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

830- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا.

831- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خلَابَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذا الباب في الخيار، والخيار اسم مصدر من: اختار يختار اختيارًا وخيارًا، معناه: الإذن في أمرين أو أكثر أن يختار أحدهما أو أحدها، يقال: الخيار إذا جعل له أن يأخذ أحد الشيئين، أو أحد الأشياء، يُسمى: خيارًا، وهنا هو إذن الشارع له في أحد أمرين: إمضاء البيع، أو عدم إمضاء البيع، فالخيار بينهما.

فهذا الباب فيما يتعلق بإذن الشارع له باختيار الإمضاء أو عدمه في خيار المجلس، أو خيار الشرط ..... من أنواع الخيار، وهو من سماحة الإسلام، ومن المصالح للمُتعاملين، وفيه فوائد؛ لأنه يستدرك به الظلامة والغبن، وربما بدا للبائع ألا يبيع، وللمشتري ألا يشتري، فجعل الشارع له فرصة الخيار رفقًا بالعباد، وتيسيًرا عليهم، وهذا من رحمة الله وإحسانه جلَّ وعلا، ومن محاسن هذا الدين، ومن محاسن الشريعة الإسلامية في المعاملات، فالبائع قد يعجل فيندم، والمشتري قد يعجل فيندم، فجعلت له الخيرة؛ ليستدرك هذا الشيء.

والخيار أنواع، ذكرها بعضهم سبعة، وبعضهم ذكرها ثمانية، وبعضهم ينقص عن ذلك، على حسب خلاف بعض الأنواع.

المقصود أن الخيار أنواع: منها خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار الغبن، وخيار العيب، إلى غير ذلك مما ذكره الفقهاء، وقد ذكر المؤلف هنا ثلاثة أنواع ..... الأحاديث: خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار الغبن.

الحديث الأول: حديث ابن عمر في خيار المجلس: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يُخير أحدُهما الآخر، فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيعُ، وإن تفرَّقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحدٌ منهما البيع فقد وجب البيع.

هذا يبين لنا أن البيعين بالخيار كما هنا، وكما في حديث حكيم بن حزام: البيعان بالخيار حتى يتفرَّقا، وفي أحاديث أخرى، فإذا رجع أحدُهما من البيع أو من الشراء فلا بأس ما داما في المجلس ولم يُخير أحدُهما الآخر، فأما إن تخايرا ودخلا على أنه لا خيارَ بينهما فقد وجب البيعُ؛ ولهذا قال: ما لم يُخير أحدهما الآخر، فإذا سكتا فلهما الخيار، وإذا خيَّر أحدُهما الآخر وقال: لي الخيار، فإنه يلغو فيما بينهما؛ ولهذا قال: فإن خير أحدُهما وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وهكذا إذا تفرَّقا بعد التَّبايع وجب البيع، فالبيع يُوجب بأحد أمرين: بالتَّخاير إن خيَّر أحدهما الآخر وأسقط الخيار، وبالتفرق من المكان التفرق العرفي، ويلحق بذلك بيع ..... وعقد الإيجار فإنه بيع، فلهما الخيار في المجلس ما لم يُخير أحدهما الآخر، وما لم يتفرقا، فهو بيع ومعاوضة، فيكون له الخيار.

وهكذا في المساقاة والمزارعة على القول باللزوم، كما هو قول الجمهور، لا مانع من إلحاقهما بهذا؛ لأنَّ فيه من المعاوضة، وقد يندم هذا، وقد يندم هذا، أما على القول بأنهما عقد جائز -كما يقوله الحنابلة وجماعة- فلا حاجةَ إلى الخيار؛ لأنه عقد جائز.

والحديث الثاني: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: البيعان بالخيار حتى يتفرَّقا، إلا أن تكون صفقة خيارٍ.

هذا يدل على أنهما بالخيار ما داما في المجلس، فإذا تفرَّقا وجب البيع، إلا أن تكون بيعة خيارٍ، صفقة خيارٍ، فإذا كانت صفقة خيارٍ فلا خيارَ إن حملناه على إلغاء الخيار، وإن حملناه على الشرط فالمعنى: إلا صفقة خيارٍ، أي: صفقة شرط فيها الخيار في المدة المعلومة، وهو محتمل.

ولعلَّ الأقرب أنَّ مراده هنا بالصفقة يعني: تخيير أحدهما الآخر، وإلغاء البيع بينهما؛ حتى يُوافق حديث ابن عمر في المعنى، ولكن مسألة الشرط تُؤخذ من أحاديث أخرى: المسلمون على شروطهم .....، فإذا تشارطا فلهما شرطهما يومين أو ثلاثة، أو شهر أو شهرين على حسب ما يتَّفقان عليه، ولا يحلّ له أن يُفارقه خشية أن يستقيله، أي: ليس له أن يُبادر بالنُّهوض والمفارقة خشية الاستقالة، بل ينبغي له التَّريث وعدم العجلة، فإنَّ أخاه قد يندم، وهو قد يندم أيضًا، فلا حاجةَ إلى العجلة من غير الإلزام في البيع، وما جاء في حديث عمر أنه كان إذا أراد إمضاء البيع قام، محمول على أنه لم تبلغه السنة هذه؛ فلهذا فعل ما [فعل] رضي الله عنه وأرضاه، فيقوم حسب العادة من غير قصد إلزام بالبيع، يتفرقان حسبما تدعو الحاجةُ إليه، لا من أجل إلزام بالبيع.

والحكمة في ذلك: أنَّ المسلم أخو المسلم، فلا وجهَ إلى أن يعجل بشيءٍ قد يحرم أخاه من مصلحته، بل يتريث ولا يعجل، حتى يقوم القيام المعتاد الذي يقومه لولا البيع.

والحديث لا بأس بإسناده؛ فهو رواه أهلُ السنن من طريق قتيبة بن الليث، عن ابن عجلان .....، فالمقصود أن سنده لا بأسَ به.

والحديث الثالث: حديث ابن عمر في قصة حبان بن منقذ، كان قد أصابه شيءٌ في رأسه، فكان يُخدع ولا يتميز له العقد المناسب، قد يغلط، وذكر للنبي ﷺ أنه يُخدع، فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابةَ يعني: لا خديعةَ ولا غدرَ.

في روايةٍ أنه جعل له الخيار ثلاثة أيام؛ لأجل النَّقص الذي في رأسه، في عقله بسبب المرض الذي أصاب رأسه، وكان يُحب البيع والشِّراء والدخول في المعاملات مع الناس، فجعل له النبي ﷺ الخيار ثلاثة أيام لينظر ويتأمل؛ حتى لا يخدعه غيره.

وهذا يدل على جواز مثل هذا، وأنَّ مَن غُبن فله الخيار إذا كان مثله يُغبن، ولا بأس أن يجعل ثلاثة أيام إذا عرف أنه يُخدع؛ حتى لا يضرّه الناس، وحتى لا يُظلم، والغبن عذر شرعي في الخيار فيمَن لا يتقن البيع، مَن يفوته بعض الشيء، فإذا ثبت مغبون من قول أهل الخبرة فله الخيار بما يُعدّ غبنًا عرفيًّا، أما الغبن اليسير فيُعفا عنه؛ لأنَّ الناس يقع لهم ذلك ولو كانوا حُذَّاقًا، لكن الغبن الذي يضرُّه ويراه أهلُ المعرفة غبنًا يكون من الخيار، وهذا يختلف باختلاف السلع والأثمان، فالغبن في الريال في العشرة وأشباهه ليس بالغبن، ومئة ألف في المليون غبن كبير.

المقصود أنه يختلف بحسب أحوال السلع وأثمانها، فما يُعدّ غبنًا عرفًا عند أهل الخبرة وأهل البصيرة في البيوع يحكم به القاضي عند النِّزاع.

س: ..............؟

ج: اختلفوا في هذا: فقال بعضهم: الثلث، وقال بعضهم: أقلّ من ذلك، ولكن أحسن ما قيل في هذا أنه ما يعدّه الناس غبنًا في العُرف، ما يعدّه أهلُ البيع والشراء غبنًا، بحيث ..... والمشتري.

س: ..............؟

ج: نعم، إلغاؤه يعني: ألغى الخيار، نعم.

س: ..............؟

ج: مَن شابهه حكمه حكمه.

س: ..............؟

ج: إذا قام هذا، وقام هذا، وقاما جميعًا .....، أو خرج من الحجرة، أو خرج من البيت، أو خرج من محل البيع: سوق خاص بالبيع، فقام خرج منه، يعني ما يُعدّ عرفًا عند الناس أنه فراق .....

س: ..............؟

ج: يُستعمل في إثبات الخيار وفي إلغائه، خيَّر أحدهما الآخر يعني قال له: اختر وأنجز الخيار، معناه: اختر الآن، هو على بابه، لكن معناه إلغاء الحكم الثابت، إلغاء خيار المجلس، هو خيار يلغي خيارًا.

بَابُ الرِّبَا

832- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

833- وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ.

834- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا، وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَصَحَّحَهُ.

835- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

836- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

837- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: باب الربا، الربا في اللغة: الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو، زاد ونما، ومنه: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحج:5] يعني: ظهر منها ما يسر الناظرين من نباتات، وارتفاع ما فيها من أنواع الخضر.

أما في الشرع: فهو زيادة مخصوصة في أموالٍ مخصوصةٍ. وهي ربا الفضل، في أموالٍ مخصوصةٍ: من الذهب والفضة، والتمر والشعير والحنطة والملح، هذا أمرٌ مجمعٌ عليه في هذه الأمور الستة، قد أجمع العلماءُ قاطبةً على أنَّ هذه الأمور الستة فيها الربا، ويُقال لها: الأجناس الستة، واختلفوا فيما زاد على ذلك.

والجمهور ألحقوا بها ما يُشبهها من المطعومات، جعلوها مثلها: من البر والذرة والدخن والعدس، وغير هذا مما يُكال ويُدخر.

وألحق بعضُهم بالذهب والفضة كلَّ الموزونات، ولكن في هذا نظر، في إلحاق غير الذهب والفضة فيها نظر.

والمقصود من هذا كله أنَّ الربا زيادة مخصوصة في أموال معينةٍ، لا في كل مالٍ، هذا أمر مجمع عليه، ليس الربا في كل مالٍ، بل في أموالٍ مخصوصةٍ، وهذه الأموال المخصوصة أجمع العلماءُ على الستة منها، وهي الذهب الفضة، وهذه الأربعة التي هي: البر والشَّعير والتَّمر والملح، هذه الستة كلها مجمع على تحريم الربا فيها: ربا الفضل، وربا النَّسيئة، واختلف العلماءُ فيما سوى ذلك، مع إجماعهم على أنه ليس في كل شيءٍ الربا، بل في بعضٍ دون بعضٍ؛ ولهذا لو باع أرضًا طولها كذا بأرضٍ طولها أكثر أو عرضها أكثر جاز ذلك، ولو باع سيارةً بسيارتين، أو مكينةً بمكينتين، جاز ذلك، وليس من الربا في شيءٍ.

وهكذا لو باع ثيابًا بثيابٍ أكثر، أو أواني بأوانٍ أكثر، أو أثقل، أو أخفّ، كل هذا ليس من الربا في شيءٍ، ويأتي تفصيل ما في هذا إن شاء الله.

الحديث الأول: حديث جابرٍ ، عن النبي ﷺ: أنه لعن آكل الربا ومُوكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.

هذا يدل على تحريم المعاونة في الربا بالشَّهادة أو بالكتابة؛ لأنَّ هذا يدخل في قوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، والله جلَّ وعلا نهى عن المعاصي، ونهى عن الإعانة عليها، فلا يجوز للمؤمن أن يُعين على الباطل، بل يُعين على الحقِّ، لا على الباطل؛ ولهذا قال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

وكتابة الربا نوعٌ من المعاونة، وهكذا الشَّهادة؛ فلهذا لعن الرسولُ ﷺ الكاتبَ والشاهدَ في الربا، كما لعن الآكل والموكل، آكله: المتعاطي لأكله، والموكل: مُدخله على غيره، الذي يجرّ غيره إلى الربا ببيعه عليه بيع الربا، أو إذنه له في ذلك، أو تشجيعه له على ذلك.

ويظهر من هذا أيضًا أنَّ جميع أنواع المساعدات في الربا داخلة في ذلك: سواء كان كاتبًا، أو شاهدًا، أو حاسبًا، أو خازنًا، أو ما أشبه ذلك مما يُعين على أموال الربا.

وبهذا يظهر أنَّ الوظيفة في البنوك داخلة في هذا؛ لأنَّ في الوظيفة في البنوك نوعًا من المعاونة لأهلها على أموالهم الربوية، فيدخل في ذلك حتى الحارس، حتى القهوجي والفراش وأشباه ذلك؛ لأنَّ عمله نوعٌ من المعاونة، ونوع من تسهيل أمورهم وتيسيرها.

وللبخاري عن أبي جُحيفة نحوه، رواية البخاري عن أبي جحيفة: أن الرسول لعن آكل الربا ومُوكله، والواشمة والمستوشمة، ولعن المصور. وليس فيه ذكر الكاتب والشاهدين، إنما هذا في رواية جابر، وجاء معناه من حديث ابن مسعودٍ.

وهذا يدل على تحريم هذه الأعمال، وأن المعين على المعاملات الربوية داخل في المنع واللَّعن، وأن الواشمة والمستوشمة كذلك عملهما محرم؛ لما فيه من تغيير خلق الله .

والوشم: غرز الخدّ أو اليد بالإبر، أو بأنواعٍ من الحديد حتى يخرج الدم، ثم يجعل عليه شيئًا مما يجعله وشمًا فيمَن كحل، أو غير ذلك مما يُميز هذه النّقط عن البشرة.

وكان بعضُ الناس يتّخذها زينةً وجمالًا بالخدين، وفي الكفِّ، وفي ظاهر الكفِّ، وفي مواضع أخرى، بيَّن النبيُّﷺ أنَّ هذا منكر، وأنه لا يجوز.

وهكذا المصورون؛ لأنَّ التصوير مضاهاة لخلق الله، ووسيلة إلى شرٍّ كثيرٍ من الشرك والمعاصي، فتصوير الملوك والرؤساء والأعيان وسيلة للشرك، وتصوير المردان والنساء وسيلة للمعاصي والزنا والفواحش؛ فلذلك حرَّم الله التصويرَ؛ لما فيه من الشرِّ الكثير والفساد العظيم، وهذا كله للحيوان.

أما تصوير الشجر والجبل فلا حرج فيه عند أهل العلم، وإنما هذا في ذوات الأرواح، وقد قال ﷺ: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون أخرجه الشيخان، وقال: إنَّ أصحاب هذه الصور يُعذَّبون يوم القيامة ويُقال: أحيوا ما خلقتُم، وأمر بطمس الصور قال: لا تدع صورةً إلا طمستها.

فلا يجوز التَّصوير، ويجب الطّمس، إذا وجد صورةً معلقةً في الجدار أو في الباب أو كذا تُطمس، أو الحيوانات المصورة تُكسر؛ لأنَّ الرسول أمر بطمسها وعدم بقائها؛ لما فيها من الفتنة والوسيلة إلى الشرك؛ ولما فيها من مضاهاة لخلق الله: أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضاهئون بخلق الله كما في حديث عائشة.

والحديث الثاني: حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه، يقول ﷺ: الربا ثلاث وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجلُ أمَّه، وإن أربى الربا الاستطالة في عِرض المسلم: وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم.

هذا الحديث رواه ابن ماجه مختصرًا كما قال المؤلفُ، ولفظه عند ابن ماجه: الربا ثلاث وسبعون بابًا فقط، ولم يزد على هذا شيئًا، ولم يذكر فيه: أيسرها مثل أن ينكح الرجلُ أمَّه، ولم يذكر فيه: إنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم، ولو أوضحه المؤلفُ لكان أولى، وسنده جيد عند ابن ماجه، سنده لا بأس به من رواية زبيد اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروقٍ، عن عبدالله بن مسعودٍ.

ورواه ابن ماجه أيضًا من طريق أبي هريرة، من رواية أبي هريرة، وذكر فيه: أيسرها أن ينكح الرجلُ أمَّه، ولم يذكر ما بعده: إنَّ أربى الربا .. إلى آخره، بل زاد فيه: أيسرها أن ينكح الرجلُ أمَّه .....، ولكن في إسناده أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي، وقد ضعَّفه الأكثرون واختلط، فهو ضعيف بهذا السند.

وهذه الزيادة في النفس منها شيء: أيسرها أن ينكح الرجلُ أمَّه، إلا إذا حُمل كما هو ظاهر من ألفاظٍ أخرى ولفظ أبي هريرة ..... الربا سبعون حوبًا .....، بدل: بابًا، حوبًا، يعني: ذنبًا.

وأما الحاكم فرواه كما قال المؤلفُ، رواه بتمامه كما ذكر المؤلف هنا، وقال: إنه على شرط الشيخين. وأقره الذهبي على ذلك، والمؤلف أقره هنا ولم يعترضه، فظاهر ما رواه الحاكم أنه لا بأس بإسناده بهذه الزيادة.

وهذا يُفيدنا الحذر من الربا بأنواعه كلها، وأنه يدخل في الربا ما ليس من المعاملات الربوية المالية، فيكون الربا أعمَّ من كونه تصرف في المال، فيلحق به ما هو محرم؛ لكونه معصيةً لله ؛ ولأنه تعاطاها من غير وجهٍ شرعي، فأشبه الربا الذي يُؤخذ فيه المال بغير وجهٍ شرعي، فتعاطي المعاصي لا وجهَ له، ولا مُبرر له، وهو يُشبه صاحب الربا المتوعد بالنار على رباه، وهو أخذ المال بغير حقِّه، أو جعله نسيئةً، منعه الشارع من ذلك.

والتمثيل بنكاح الأم يدل على شدة الوعيد، وشدة الخطر، وعظم الذنب، والتنفير من العرض يدل على أنه لا يختص بالمال كما تقدم، بل يدخل في ذلك المحرمات الأخرى: كالغيبة والنَّميمة وتعاطي ما حرَّم الله من الفواحش الأخرى.

وروى أحمد وأبو داود بإسنادٍ جيدٍ عن سعيد بن زيد -أحد العشرة - أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ من أربى الربا الاستطالة في عِرض المسلم بغير حقٍّ، هذا يدل على أنَّ الغيبة -ولا سيما مع التَّوسع فيها- أنها من أربا الربى، يعني: من أقبح المحرمات أن يستطيل في عِرض أخيه.

وقد زعم بعضُهم أنَّ هذا معناه: السبتان في السبة، كما ذكر الشارحُ، شارحها في "السبل" هنا ما اعتنى في الموضوع، وإنما تكلم كلامًا قليلًا، وليس هذا بجيدٍ، فإنَّ السبتين في السبة ليس هذا هو الاستطالة في العِرض، هذا ظلم، السبتان في السبة هذا ظلم.

فإذا قال زيد لعمرو: أخزاك الله. فقال له جوابًا له: بل أخزاك الله ولعنك. فقد زاده سبةً ثانيةً، فيكون ظالمًا، يكون ظالمًا بالسبة الثانية، أو قال: أخزاك الله وأخزاك. وكررها، هذا ظلم، إنما القصاص أن يقول: أخزاك الله أنت. هذا قصاص، ما يزيد على هذا، أو لعنك الله أنت. لا يزيد عليها قصاصًا، فإذا زاد فهذا من الظلم، والربا تشبيه له بدرهمين بدرهم، ولكن كون الاستطالة فيما يظهر أوسع من هذا؛ لأن هذا ظلم وربا، بمعنى أنه زاد عليه، لكن الاستطالة ظاهرها أنه توسع في ذلك، والاستمرار في ذلك، فإن جنس الغيبة محرمة وكبيرة، لكن إذا توسع في ذلك واستطال في ذلك صار آثمًا وأشدّ، نسأل الله العافية.

والحديث الثالث: حديث أبي سعيدٍ في النَّهي عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، إلا سواء بسواء، قال: ولا تشفوا بعضها على بعضٍ أي: لا تضبطوا بعضها من بعضٍ، بل يجب أن يكونوا سواءً: ذهب بذهبٍ، سواء بسواءٍ، مثلًا بمثلٍ، وزنًا بوزنٍ، وهكذا الفضة بالفضة، فيجب أن يكون العِوضان سواءً إذا كانا من جنسٍ واحدٍ.

والغالب أنه لا يُباع الجنس بالجنس إلا لحاجةٍ: إما نوع رديء وطيب، أو لعلةٍ أخرى ..... في حاجة المتعاوضين، فلا بدَّ أن يكونا سواء، لا زيادة ..... سواء بسواءٍ، يدًا بيدٍ، ولو كان هذا مصنوعًا، وهذا تبرًا لا بدَّ أن يكونا سواءً.

فإذا اشترى خاتمًا من الذهب بقطعةٍ من الذهب فلا بدَّ أن يكونا سواءً، أو قلادةً من الذهب بتبرٍ من الذهب، أو بنقدٍ من الذهب -دنانير- لا بدَّ أن يكونا سواءً، وإلا فيشتري بشيءٍ آخر غير الذهب.

وهكذا الفضة سواء بسواءٍ، لا يُباع منها شيء بأكثر، بل لا بدَّ أن يكونا سواءً.

ولا يُباع منها غائب بناجزٍ، أي: لا يُباع شيء حاضر بمُؤجلٍ، سواء أجلًا مسمًّى أو غير مسمًّى، فإذا تفرَّقا فقد باع غائبًا بناجزٍ، فلا بدَّ أن يكون يدًا بيدٍ، لا يتفرقان إلا وقد تسلم كل واحدٍ حقَّه، فإذا قال: خذ هذه الجنيهات بكذا إلى أجلٍ، أو إلى غدٍ، أو بعد حينٍ، ما يصلح، بل لا بدَّ من التَّقابض في المجلس يدًا بيدٍ، سواءً بسواءٍ.

وهكذا حديث عُبادة الذي ذكر فيه: البرّ والشَّعير والتَّمر والملح، مثل: الذهب والفضة، وجاء هذا المعنى من حديث أبي سعيدٍ أيضًا، ومن حديث أبي هريرة أيضًا، فيه: مَن زاد أو استزاد فقد أربى .....، وفيه: الآخذ والمعطي سواء.

هذا كله يبين لنا شدة تحريم هذه الأشياء، وأن الواجب فيها سواء كانت ذهبًا أو فضةً أو برًّا أو شعيرًا أو تمرًا أو ملحًا أو ما في معنى ذلك: كالدخن والذرة والأرز وأشباه ذلك، لا بدَّ أن تكون سواء بسواءٍ، يدًا بيدٍ، ولا يُباع غائب بناجزٍ، ولو كان النَّاجز رديئًا، والغائب نفيسًا، أو العكس، لا بدَّ من التَّساوي مطلقًا، سواء كانا نفيسين، أو رديئين، أو أحدهما نفيسًا، والآخر رديئًا، كل ذلك سواء، لا بدَّ من التَّساوي؛ ولهذا لما اشترى بلالٌ للنبي ﷺ تمرًا من خيبر جنيبًا -يعني: طيِّبًا- بالتمر الرديء بأكثر: صاعًا بصاعين، قال: أوه، عين الربا، فنهى عن ذلك، قال: ردَّه.

المقصود أنه لا بدَّ من التَّساوي مطلقًا، ولو كان أحدهما جيدًا، والآخر رديئًا، فإنه يبيع الرديء ثم يشتري من الطيب بالنقود، يبيع بالنقود ثم يشتري، ولا يبيع هذا بهذا متفاضلًا، وهكذا الذَّهب الرديء بالذهب الطيب، لا يُباع مُتفاضلًا، بل يبيع الذهب الرديء بالنقد أو بغيره من الفضة أو غيرها، ثم يشتري الذهبَ الجيد بمالٍ آخر غير الذهب.

فالحمد لله أبواب المعاملات واسعة، والله ما سدَّ على الناس باب شرٍّ إلا فتح لهم أبوابًا أخرى يحصل بها المقصود.

وقد اختلف الناسُ في الأوراق: هل تقوم مقام الذهب والفضة التي بُلي الناسُ بها وصارت هي محلَّ الأثمان، وهي قيم المبيعات؟

والأكثر والأرجح على أنها تقوم مقام الذهب والفضة: أن الربا يجري فيها كما يجري في الذهب والفضة.

وقد درس هذا الموضوعَ إخواننا في هيئة كبار العلماء، واتَّضح لهم أنها حكمها حكم الذهب والفضة في الأكثرية، رأينا على أنها حكمها حكم الذهب والفضة، وهذا هو الأظهر، فلا يُباع مثلًا دينار أردني بدينارٍ أردني وزيادة؛ لأنها سكة واحدة، عملة واحدة، مثل: الذهب أو الفضة، ولا يُباع جنيه استرليني بجنيه استرليني بزيادة، ولا ريال سعودي بريال سعودي بزيادة، ولا عشرة بإحدى عشرة؛ لأنها عملة واحدة.

ولا يُباع غائب بناجزٍ، لا يُباع مئة بمئتين غائبة، ولا دينار بدينارين غائبة، ولا جنيه استرليني بجنيه استرليني غائبة.

الصواب أنها حكمها حكمها؛ لأنَّ الله جعل هذه قيمًا للمبيعات وأثمانًا للسلع، وجعل فيها مصلحة الناس، فإذا جاءت سلع تُباع بزيادةٍ فسد أمر المعاملة هذه، وانضر الفقير، وأصابه ما أصابه في الذهب والفضة، سواءً بسواءٍ.

وليس المقصود نفس الذهب والفضة، المقصود ما يترتب على ذلك من تساهل الناس في هذه البيعات، وتراكم الديون في الذمم، وحفظها في البنوك أو غير البنوك حتى يقلَّ العملُ بين أيدي الناس، وتقل المشاريع الخيرية، وتفسد أمور الناس بجعل هذه النقود سلعًا تُباع وتُشترى بالربح.

فالأقرب والأظهر أنَّ حكمها حكم الذهب والفضة، سواء بسواءٍ، فلا يُباع جنسٌ منها بجنسه مُتفاضلًا، ولا نسيئة، ولا يُباع جنس بجنسٍ آخر نسيئة، فلا يُباع مثلًا: دولار بجنيه سعودي نسيئة، ولا دولار بدينار أردني أو عراقي نسيئة، أو جنيه استرليني بغيره نسيئة، بل لا بدَّ من: يدًا بيدٍ، كما لا يُباع الذهب والفضة نسيئة، فهكذا لا يُباع عملة بعملةٍ نسيئة، بل لا بدَّ من التَّقابض؛ لأنها نزلت منزلتها، وجعلت مكانها، واختفى الذهب والفضة الآن، وصارت ترصد ولا تُستعمل.

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة كذلك مثل حديث أبي سعيدٍ، ومثل حديث عبادة سواءً بسواءٍ.

وقوله: فإذا اختلفت هذه الأصنافُ عرفت معناه، وأنه متى اختلفت الأصنافُ جاز التَّفاضل، ولم يجز النَّسء، حرم النَّسء، وبقي التَّفاضل، فتبيع مثلًا تمرًا: صاع تمرٍ بصاعين من الشَّعير، وتبيع صاعًا من الحنطة بصاعين من الملح، إذا اختلف الجنس، لكن يدًا بيدٍ، وتبيع الذهب بالفضة: مثقالان من الذهب بعشرين مثقالًا من الفضة؛ لأنها أدنى من الذهب، لكن يدًا بيدٍ، والله أعلم.

س: قوله: مَن زاد أو استزاد؟

ج: ما زاد في النَّقد، في الثمن، أو طلب الزيادة فقد أربى.

س: .............؟

ج: الصواب لا ينظر، وذهب بعضُ الفقهاء إلى أنه ينظر، والصواب أنه لا ينظر؛ لأنَّ الرصيد ليس بأيدينا ولا نعرفه، وقد يكذبون فيه، فلا يُعول على كلامهم فيه؛ ولأنَّ الرصيد لا يلتفت إليه عند المعاملة ..... يلتفت إلى هذه النقود التي في أيدي الناس، ولا يجعل رصيدها، ولا يهمه رصيدها، يهمه هذا الموجود في أيدي الناس، وهو محل البيع والشراء، فليس هناك ..... للرصيد، ولا يعرف الناس الرصيد، إنما يعرفه أشخاص خواصّ من أهل البصيرة في الدُّول.

س: ............؟

ج: نعم، مستقلة، جنس من العمل مستقلة.

س: ..............؟

ج: الذهب والفضَّة جميعًا نزلت منزلة هؤلاء ولا هؤلاء، فلا يُباع شيء منها بشيءٍ منها متفاضلًا لو كان الجميع عملةً واحدةً، فالعملة الواحدة منزلة منزلة الذهب والفضة؛ لا يُباع بعضُها ببعضٍ متفاضلًا، والعملتان في منزلة الذهب والفضة لا يُباع شيء بشيءٍ نساءةً، فالعملتان منزلة الذهب والفضة، والعملة الواحدة منزلة الذهب والفضَّة.

س: ..............؟

ج: وجهه والله أعلم أنه فعل هذا الشيء بغير وجهه، وبغير حقٍّ، كالذي أخذ الزيادة من غير حقٍّ، حقه أن يكون مثلًا بمثلٍ، فالاستطالة في عِرض المسلم فعله بغير حقٍّ، ومقابلته بسبةٍ ثانيةٍ ربا؛ لأنه زاده على ما له من حقِّه، ما له إلا سبة واحدة يُقابل بها سبَّته.

س: .............؟

ج: والربا كذلك بغير حقٍّ.

س: .............؟

ج: محتمل؛ لأنَّ الرسول أطلق ..... هذا يُشعر بأنَّ جنس المعاصي قد يُطلق عليها: ربا؛ لكونها في غير محلِّها، عدوان من فاعلها، وتعدٍّ للحدود، وظلم لنفسه، فأشبه المرابي الذي تعدَّى الحدود وظلم نفسه بزيادةٍ لا وجهَ لها، أو بالنَّسيئة التي لا وجهَ لها.

س: ..............؟

ج: لكن بهم قام الربا، بهم قام البنك، لولا أن توظفوا لما قام البنك، فهم أعانوا على إقامة البنك ووجوده وتعاطيه الربا.

س: ............؟

ج: لا ينبغي، لا يجوز إلا عند الضَّرورة؛ لأنَّ فيه نوعًا من إعانتهم على أعمالهم، لكن إذا اضطر الإنسانُ إلى ذلك نرجو ألا يكون عليه شيء؛ من باب الحفظ، لا لقصد إعانتهم، بل من باب الحفظ فقط، ولو تيسر أن يكون في صناديق، صندوق يحفظه عنده، في البنك لا يستعملونها، يكون هذا أسلم وأبعد عن المعاونة، يكون في صندوقٍ، يكون له مفتاح عندهم، أو مفتاح عنده فقط؛ حتى لا يتوصَّلوا إلى شيءٍ، يكون هذا أبعد عن ..... يضع عندهم، ويكون فيه نقوده؛ حتى يحتاج إليها إذا تيسر ذلك.

س: .............؟

ج: هذا ما كل بلدٍ فيها هذا الشيء، وإلا إذا تيسر.

س: ..............؟

ج: ما في شك، لا نعلم عنهم إلا خيرًا: السبيعي والراجحي لا نعلم عنهم إلا خيرًا.

س: .............؟

ج: كل الحيل محرَّمة، الحيل التي يُتوصل بها إلى التَّحريم محرَّمة، أما إذا كان يدًا بيدٍ لا بأس، إذا صار هذا محتاجًا لدولارات ويريد أن يشتريها بأكثر يدًا بيدٍ ما في بأس؛ لأنه محتاج له، مثل: الذهب الآن، عندك ذهب يصرف في السوق الجنيه بخمسين ريالًا، أو بمئة ريالٍ، وأنت ما أنت بحريصٍ على صرف الذهب، وجدت إنسانًا محتاجًا للذهب، يريده مثلًا: صياغة لزوجته، أو مهرًا لزوجته، أو كذا، فقال أخوه ..... في السوق خمسين، أنا آخذه منك بستين؛ لأني محتاج لهذا الذهب؛ لا بأس.

س: ..............؟

ج: الحوالة غير، الحوالة الصَّحيح لا بأس أن يُحول بشيءٍ، لكن المهم أن يُعطيه المئة ويُعطونه كل سنة زيادة ..... يُعطيهم عشرة آلاف يُعطونه مئتين ..... كل سنة ربا مضمون، هذه فوائد.

س: ..............؟

ج: على حسب ما اتَّفقا عليه؛ لأنَّ ..... هذا جنس وهذا جنس.

س: ..............؟

ج: ما فيها ربا، ما فيها ربا.

س: ..............؟

ج: ما يجوز، لا بدَّ يدًا بيدٍ.

س: ...............؟

ج: هذا منكر ولو جرى .....

س: ..............؟

ج: هذا فيه نظر، وينبغي في هذا أن يأخذ الذهبَ ثم يحوله، يأخذ الذهب منه ثم يحوله؛ حتى لا يقع مشابهة للدين ..........

838- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَر، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا. وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ.

839- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

840- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِير. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

841- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

842- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْجَارُودِ.

844- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُم الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.

وَلِأَحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.

الشيخ: الحديث الأول: حديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، في قصة شراء عامل النبي ﷺ التَّمر بالجنيب .....، بيَّن له النبيُّ ﷺ لما سأله قال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، ولكن الصاع بالصَّاعين، والصاعين بالثلاثة، قال: لا تفعل، في حديث بلالٍ: أوه! عين الربا، لا تفعل، بعِ الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا.

تقدم أنَّ هذا يدل على أنَّ الجنس من أنواع الربا: لا يُباع مُتفاضلًا مطلقًا، ولو تفاضلت أنواعه، وأنه شيء واحد، فلا يُباع إلا متماثلًا، يدًا بيدٍ، سواء كان ذهبًا أو فضةً أو تمرًا أو حبوبًا أو غير ذلك، مثلما تقدم في حديث عبادة: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، مثلًا بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، مطلقًا وإن تنوعت، وإن اختلفت أنواعه في الجودة، فلا .....، فلا بدَّ من التَّماثل.

والظاهر والله أعلم أنَّ هذا المراد منه سدّ الباب وحسم مادة الربا؛ لأنه لو فتح البابَ واختلاف التنوع لأفضى إلى الربا في كل شيءٍ؛ ولأنَّ ضبط الجودة يختلف.

فالحاصل أنَّ الرسول ﷺ ألغى هذا الاختلاف، وجعل الجنس حكمه واحدًا مطلقًا؛ لاختلاف أنواعه، لا بدَّ فيه من التَّماثل، ولا بدَّ فيه من التَّقابض يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت الأصنافُ -كما تقدم في حديث عبادة وما جاء في معناه- فلا بأس بالبيع يدًا بيدٍ مع اختلاف الكمية، مثل: الشعير مع التمر، والشعير مع الحنطة، الملح مع التمر؛ لأنها أجناس مختلفة، فإذا باع صاعًا من التمر بصاعين من الشعير، أو صاعًا من الحنطة بصاعين من الشعير يدًا بيدٍ فلا بأس؛ لأنَّ الشعير غير الحنطة وغير التمر، فهما أجناس، أو مثقالًا من الذهب بعشرة مثاقيل من الفضة فلا بأس؛ لأنهما جنسان.

وفيه بيان الطريق الذي يحصل به المطلوب، وهو أن يبيع التَّمر الرديء أو الحنطة الرديئة أو الذهب الرديء، فإذا باعه بشيءٍ آخر: بالفضة أو بغير ذلك، فيشتري حاجته بالثمن من النوع الآخر، وهذا هو الطريق؛ للسَّلامة من الربا.

والحديث الثاني: حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما في النَّهي عن بيع الصبرة من التَّمر وغيره الذي لا يُعلم مكيلها بالكيل المسمَّى، فإذا كان هذا في التَّمر فهكذا بقية الأنواع، فلا يُباع صبرة حنطةٍ لا يُعلم مكيلها بصبرةٍ معلومة مكيلها، ولا من الشعير، ولا من الملح، ولا نحو ذلك؛ لأنَّ الربا حاصل بهذا؛ لأنه لما قال: لا يُعلم مكيلها، التَّساوي غير معلوم، فالمطلوب التَّساوي: مثلًا بمثلٍ.

والأحوال ثلاثة: التساوي، والتفاضل، والجهل.

فالتساوي هو الجائز، وهو المشروط، والتَّفاضل ممنوع وربا، والجهل حكمه حكم التفاضل؛ ولهذا يقول العلماءُ: الجهل بالتَّساوي كالعلم بالتَّفاضل. فيُمنع لأنَّ المجهولَ قد يكون فيه تفاضل فمنع؛ ولهذا جاء الحديثُ بهذا المعنى: لا يُعلم مكيلها .....، وجاء النَّهي عن بيع المزابنة والمحاقلة وأشباهها، كلها من أجل سدِّ باب التَّفاضل.

والحديث الثالث: حديث معمر بن عبدالله العدوي، ابن عمّ عمر رضي الله عنه وأرضاه، في أنَّ النبي قال: الطعام مثلًا بمثلٍ، وقال: كان طعامنا يومئذٍ الشَّعير.

هذا يُفيد أنَّ الطعام يُقصد في مسألة الربا؛ ولهذا الطعام بالطعام ربا، الطعام بالطعام مثلًا بمثلٍ، فهذا يدل على أنَّ الطعام يدخله الربا، والمراد بالطعام هنا المدَّخر الذي يُكال ويُدَّخر، أو يُوزن ويُدخر؛ ولهذا قال: وكذلك الميزان.

جنس الطعام: البر والشعير والحنطة والتمر والذرة والدخن، يعمّ الجميع، فلا بدَّ فيه من التَّساوي: مثلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ.

وقوله: "الطعام" هذا مُطلق يُفسره حديث عبادة وما جاء في معناه، فإن قوله: الطعام مثلًا بمثلٍ يعني: الطعام الذي من جنسٍ واحدٍ: كالبر مع البر، والتمر مع التمر، ليس المراد جنس الطعام، بل المراد الطعام الذي هو من جنسٍ واحدٍ، فالمطلق والمبهم والمجمل يُفسره الأحاديث الواضحة المفصلة.

والحديث الرابع: حديث فضالة بن عبيدٍ في قصة القلادة: اشترى قلادةً فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارًا، قال: ففصلتُها فوجدتُها أكثر من اثني عشر دينارًا، قال النبي: لا تُباع حتى تُفصل، وفي لفظٍ قال له: ردَّها، وأمر برد البيع حتى تُفصل، وحتى يشتري الذهب بوزنه، مثلًا بمثلٍ، والبقية بثمنٍ آخر.

هذا يدل على أنَّ الذهب إذا كان معه غيره لا بدَّ من التفصيل، وهكذا الفضة إذا ..... إذا كان قلادةً فيها ذهب بِيع بذهبٍ، أو فيها فضة بِيع بفضةٍ، هذا محل التفصيل.

أما لو باع الذهبَ والخرز بفضةٍ فلا بأس، يدًا بيدٍ، أو باع الفضة بذهبٍ ..... لا بأس يدًا بيدٍ، وإنما محل الرد ومحل التَّفصيل إذا بيع بجنسه: بيع القلادة الذهب بالذهب، وبيعت القلادة من الفضة بالفضة، هذا محل التَّفصيل على القاعدة المتقدمة في حديث عبادة: سواء بسواءٍ.

الحديث الخامس حديث سمرة بن جندب: الحيوان بالحيوان نسيئة، هذا صحَّحه قومٌ بناءً على سماع الحسن من سمرة، وصحَّحه الترمذي أيضًا، وجزم بسماعه منه.

وقال آخرون: لم يسمع منه. وجزم البخاري وجماعة أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، والخلاف مشهور في كتب الرجال.

والحديث دلَّ على تحريم بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، إذا كان كلٌّ منهما نسيئةً هذا هو محل المنع، وهذا محل إجماعٍ، هو بيع الكالئ بالكالئ كما يأتي في آخر الباب؛ لأنَّ الحيوان المبيع نسيئة، والثاني نسيئة، كأن يقول له: أنا أبيعك بقرة سنّها كذا، أُسلمها لك بعد شهرين، أو بعد أربعة أشهر، بخمسٍ من الغنم سنّها كذا، وسنها كذا، تُسلمها لي بعد أربعة أشهر، أو خمسة أشهر. فيكون هذا نسيئةً، وهذا نسيئة، فلا يجوز بيع الدَّين بالدَّين، وعليه حملوا حديث سمرة هذا: الحيوان بالحيوان نسيئة في كلٍّ منهما نسيئة.

أما إذا كان أحدُهما موجودًا والآخر نسيئةً فهذا لا حرجَ فيه على الصحيح، كأن يشتري بعيرًا حاضرًا بأربعٍ من الغنم أو ببعيرين لا بأس، ويأتي حديث عبدالله بن عمرو: أن النبي اشترى البعير بالبعيرين من الصَّدقة، كما يأتي إن شاء الله، هذا هو الصواب.

وجاء في حديثٍ آخر: أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، اثنين بواحدٍ، ولكنه ضعيف، والصواب أنه لا حرج في ذلك، وأنه يُباع الحيوان بالحيوان نقدًا لا نسيئةً، أو أحدهما نسيئة والآخر نقدًا لا بأس، إنما الممنوع أن يكونا جميعًا نسيئةً، هذا هو الممنوع، ويأتي إن شاء الله حديث ابن عمر في قصة ..... وما بعده.

س: ..............؟

ج: فيه خلاف مشهور، نعم، لكن ثبت سماعه من حديث العقيقة، سمع من سمرة.

س: .............؟

ج: بيع الكالئ بالكالئ، بيع الدَّين بالدَّين.

................