24 من حديث (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما..)

كِتَابُ الْحَجِّ

بَابُ فَضْلِهِ وَبَيَانِ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ

708- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

709- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ.

710- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ.

711- عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ.

712- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالرَّاجِحُ إِرْسَالُهُ.

713- وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

714- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذا الكتاب كتاب الحج، والحج هو آخر الأركان الخمسة، أما الشهادتان فقد اصطلح كثيرٌ من أهل العلم في الكلام عليهما في مؤلفات مستقلة تتعلق بالعقيدة، واصطلح الفقهاء غالبًا على أنهم يبدؤون بالطَّهارة والصلاة، وأما العقائد فهي في كتبٍ مستقلةٍ، وكان من المناسب أن تكون في أول كل كتابٍ؛ حتى يكون الإفهامُ لها والفقه فيها أكثر، فيبدأ بالعقائد، ثم الطهارة والصلاة، كان هذا هو الأنسب، كما فعله جمعٌ من المتقدمين.

ومن هذا السبب والله أعلم تجد كثيرًا من الناس فقيهًا في الصلاة والطهارة والأحكام، ضعيفًا في العقائد، غير مُتبصر؛ لأنه يقرأ بهذه الكتب، ولا يعتني بكتب العقائد كما ينبغي؛ فلهذا يفوته في العقائد أشياء كثيرة، ويغلطون فيها لقلة الدرس فيها؛ ولأنَّ غالب الدروس تكون في الأحكام التي من الطَّهارة وبعدها.

وكان الشيخ محمد رحمه الله كثيرًا ما يقول لمن يُناظره: إني أطلب منكم أن تدرسوا العقيدةَ كما تدرسون كتابَ الأوقاف وكتاب الإجارة وما أشبه ذلك؛ حتى تعلموا ما جاء فيها من النصوص والأدلة، وتعريف كلام أهل العلم بما يتعلق بالشرك والتوحيد والعقائد التي غلط فيها الكثير من أهل البدع.

والمقصود أنَّ الكلام في العقيدة من أهم الأمور، ومن أعظم الأمور، كان النبيُّ ﷺ يُلقن الناس الشَّهادتين قبل كل شيءٍ، ولا يدخل في الإسلام إلا بذلك، لكن لما كان أمر العقيدة عظيمًا ومهمًّا، ويحتاج إلى بعض الوصف؛ صار الكثيرُ من الناس يخصّها بالمؤلفات المستقلة، ورسائل مستقلة، ويبدأ كتب الأحكام من الطَّهارة وما بعدها، من أجل هذا وقع كثيرٌ من الناس والله أعلم في الجهل الكثير في كثيرٍ من أحكام العقيدة؛ لأنهم يبدؤون هذه الكتب بالطَّهارة ويُشغلون بها، ولا يكون عندهم عناية بالكتب الأُخَر المؤلفة في العقيدة إلا على طرفٍ ليس بكافٍ.

والمقصود أنَّ هذا الركن هو الركن الخامس، تقدم بحث الطَّهارة والصَّلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، وهذا هو الحج، هو الرابع من الأركان بعد الشَّهادتين، والأركان خمسة كما جاء في حديث عمر في "الصحيحين" من حديث عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي قال: بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.

وهذه الروايات كلها فيها أنَّ الحج هو المتأخر، وجاء في بعض روايات ابن عمر تقديم الحج على الصيام، ولكن الصواب كما في الروايات الأخرى الكثيرة: أنَّ الحجَّ هو المتأخر في اللفظ وفي الوقوع أيضًا، فإنه فُرض أخيرًا بعد الصوم بمدةٍ طويلةٍ، فهو المتأخر بالفرضية وبالذكر أيضًا على الصواب، وهكذا جاء في حديث عمر في قصة سؤال جبرائيل ذكر الحج هو الآخر، وجاء في نصوصٍ أخرى كلها تدل على أنه هو الركن الخامس.

وجاء في رواية ابن عمر عند مسلم: بُني الإسلامُ على خمسٍ: على أن يُعبد الله وحده، ويُكفر بما دونه، وفي روايةٍ أخرى: على أن يُوحد الله، وعلى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وفي رواية أبي هريرة في سؤال جبرائيل لما سأله عن الإسلام قال: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة.

ففسر "لا إله إلا الله" بقوله: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وهذا يُبين لنا معنى "لا إله إلا الله" كما هو معلوم، وكثير من الناس لا يفقه هذه الكلمة، ويظن أنَّ مَن قالها أسلم ودخل في الإسلام مطلقًا، ولو عبد الأوثان، ولو عبد الأولياء والصَّالحين، يكفيه القول.

وهذا من الجهل العظيم والبلاء الكبير؛ لأنَّ هذه الكلمة المقصود معناها، ما هو لفظها، المقصود معناها، وهي إفراد الله بالعبادة، تخصّه بالعبادة دون كلِّ ما سواه؛ ولهذا جاء في رواية جبرائيل في "الصحيحين" في سؤال جبرائيل فسَّر الركن الأول: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، بدل من قول "لا إله إلا الله"، يُبين المعنى، في رواية مسلم عند حديث ابن عمر: على أن يُوحد الله، وفي اللفظ الآخر: على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه، وجاء هذا المعنى في عدة أحاديث كلها تُبين معنى "لا إله إلا الله"؛ من حديث أبي مالك: مَن وحَّد الله وكفر بما يُعبد من دونه حرم ماله ودمه الحديث.

فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو يُفتح ويُكسر، يقال: حَجّ وحِجّ، والمصدر: حجّ يحجّ حَجًّا وحِجًّا: إذا قصد شيئًا مُعظَّمًا، ولما كان قصدُ الكعبة أمرًا عظيمًا سُمي: حجّ؛ لأنَّ قاصدها يُريد عبادةَ الله والطَّواف بها والتَّحنث هناك، فهو قصد عظيم.

والمراد بالحجِّ هنا: أفعال مخصوصة تُفعل في أوقات مخصوصةٍ في مكانٍ مخصوصٍ من شخصٍ مخصوصٍ.

فالأفعال المخصوصة هي: الإحرام والطَّواف والسَّعي والوقوف بعرفات وما يلحق بذلك.

في وقتٍ مخصوصٍ: في أوقات الحجّ: في يوم عرفة وما بعده.

في مكانٍ مخصوصٍ: في مكة: حول الكعبة، في المشاعر.

من شخصٍ مخصوصٍ: مَن يقصد الحجَّ، وهو المسلم العاقل، أو مَن هو بحكم العاقل كالصغير.

هذا هو الحج، وهو فرض العمر، فقط مرة في العمر، وما زاد فهو تطوع، كما جاء في الحديث الصحيح: الحج مرة، وما زاد فهو تطوع.

وهو من أفضل الأعمال بعد الفريضة، من أفضل الأعمال والقُربات، حتى قال النبيُّ ﷺ: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة كما في الحديث الأول هنا، وفي اللفظ الآخر: مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، وهذا يدل على فضلٍ عظيمٍ في الحجِّ، وأنه من أسباب المغفرة، من أسباب العتق من النار، من أسباب دخول الجنة.

وهو فرضٌ بشرط الاستطاعة، كما قال جلَّ وعلا: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].

وهو فرض على الرجال والنساء جميعًا، الأحرار، أما العبيد فليس بشرطٍ عليهم إلا بعد العتق، لكنه فرضٌ على الذكر والأنثى من الأحرار بعد البلوغ إذا استطاع السَّبيل إليه.

الباب الأول: في فضل الحج، وبيان مَن فُرض عليه.

فصَّل الترجمة لأمرين: فضله، وبيان مَن فُرض عليه.

أما فضله: فقد سمعت بعضه، وفي الحديث الأول يقول ﷺ: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، هذا فضل عظيم في الحجِّ والعمرة جميعًا.

وجاء في هذا الباب أحاديث أخرى أيضًا تدل على فضل الحجِّ والعمرة: حديث ابن مسعود: تابعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد والذهب والفضَّة، والحج المبرور ليس له ثوابٌ إلا الجنة رواه الخمسة وجماعة.

والحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، على النساء جهادٌ؟ قال: جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة أخرجه أحمد وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأصله في البخاري.

هذا الحديث رواه البخاري في "الصحيح" بغير هذا اللَّفظ: قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، فقال: لكن أفضل الأعمال حجٌّ مبرور، وهو يدل على أنَّ الجهاد له شأن عظيم وفضل عظيم، وأنه أفضل الأعمال التي يتطوع بها الناسُ؛ لما فيه من إعزاز الإسلام وإعلاء كلمته، وفسح الطريق للدَّعوة إلى الله وإخراج الناس من الظُّلمات إلى النور، فالجهاد له شأن عظيم، والحج من الجهاد؛ ولهذا قال: لكن أفضل الجهاد حجٌّ مبرور.

فدلَّ ذلك على أن النساء لسنَ من أهل الجهاد الذي هو القتال، وليس بفرضٍ في حقِّهن، ولكن عليهن الحج والعمرة، يقومان مقام الجهاد.

وهذا يدل على وجوب العمرة، وأنها فرض، كما أنَّ الحجَّ فرض، وهذا أظهر ما جاء في فضل العمرة، وأوضح ما جاء في فضل العمرة، أو من أوضح ما جاء في بعض العمرة، ويُؤيد ذلك ما رواه الدَّارقطني بإسنادٍ جيدٍ، وصححه ابن خزيمة من حديث عمر في سؤال جبرائيل قال فيه: تُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ، وتعتمر، فذكر العمرة في تفسير الإسلام، فدلَّ ذلك على فرضها، كما دلَّ عليه حديث عائشة هذا.

وهذان الحديثان فيما أعلم أصحّ ما ورد في فضل العمرة، وهما دليلان ظاهران في فضل العمرة، وأنها فرض، مع فعل النبي ﷺ، وقوله: ..... فقد اعتمر، وقال: خذوا عني مناسككم عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على فرضها فعلًا وقولًا.

أما حديث جابر المذكور هنا فهو ضعيف، وهو موقوف على جابر، والرواية المرفوعة ضعيفة جدًّا، ووقع في بعض النسخ، وأخرجه ابن عدي ..... من وجهٍ آخر ضعيفٍ، ثم قال: وعن جابر ..... ولم يعزه، والظاهر أنه غلط، وإنما قوله: "وأخرجه" وأخرج ابن عدي بدون ضميرٍ، هذا هو الأظهر والله أعلم.

وأخرج ابن عدي من وجهٍ ضعيفٍ عن جابرٍ، أو بدون واو عن جابرٍ، وأخرجه ابن عدي من وجهٍ ضعيفٍ عن جابر بدون ..... عن جابر، أما في الرواية هنا فليس بظاهرٍ؛ لأنَّ المؤلف ليس من عادته ترك الآثار غير معزوه .....، ولا يليق به ذلك، فالأقرب والله أعلم أنَّ الواو غلط، وأن الصواب: وأخرج ابن عدي من وجهٍ آخر ضعيفٍ عن جابرٍ مرفوعًا.

ذكر الشارحُ أنه أخرجه ابن عدي والبيهقي بسندٍ ضعيفٍ ..... ابن لهيعة، وأخرجه الترمذي أيضًا بطرقٍ فيها انقطاع وضعف.

المقصود أنَّ حديث جابر في رواياته ما بين موقوفٍ لا تقوم به الحجَّة، وما بين ضعيف السند، وحديث عائشة وحديث عمر في قصة سؤال جبرائيل أظهر في وجوب العمرة، وحديث جابر لا يُعارض ذلك:

أولًا: الموقوف لا يُعارض المرفوع لو صحَّ.

ثانيًا: المرفوع ضعيف.

فسلمت رواية عائشة، وسلمت رواية عمر، وما جاء في معناهما؛ ولهذا الصواب أنَّ العمرة واجبة وفريضة مرة في العمر كالحجِّ.

حديث ابن عمر في بيان السَّبيل ضعيف أيضًا كما قال المؤلف.

وحديث أنس وحديث ابن عمر كلاهما ضعيف في بيان السَّبيل، وقد جاء هذا المعنى من عدة روايات عن عدة من الصحابة، كلها لا تخلو عن مقالٍ، لكن حسَّن الترمذي حديث ابن عمر، ولعلَّ ذلك من أجل كثرة الطرق، وقال: إنَّ العلم عليه عند أهل العلم؛ أنَّ السبيل هو الزاد والراحلة، وهذا محل وفاقٍ وإجماعٍ: أن الاستطاعة تشمل الزاد والراحلة، لا بدَّ أن يكون يستطيع الزاد، ويستطيع الراحلة، سواء كانت الراحلةُ من الإبل كما تقدم في الزمن الأول قبل حدوث السيارات، أو الراحلة من السيارات والطائرات إذا استطاع الأجرة بالسيارة أو الطائرة، والزاد الذي يُعينه في مكة حتى ينتهي من الحج بعد مؤنة أهله ومَن يخلف في بلده، وجب عليه الحج، وإلا فلا؛ لأنَّ الله قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وأطلق ولم يُخصص ، فكلٌّ لا شكَّ يختلف في هذا، فكل إنسانٍ وجد السَّبيلَ إلى مكة على رجليه، أو على دابة، أو على سيارة، أو طائرة، ووجد ما يُعينه على ذلك من المال حتى يرجع إلى أهله، ولديه ما يُعين أهله ويُنفقه على أهله حتى يرجع؛ فقد وجد السَّبيل، وإلا فلا حجَّ عليه حتى يجد السَّبيل، وهذا يختلف: فالحضري له حال، وضعيف البدن له حال، والبدوي وصاحب القوة له حال، فكل مَن استطاع السَّبيل بحسب حاله وجب عليه الحجّ، وإلا فلا.

والحديث الآخر حديث ابن عباسٍ في اجتماع النبي ﷺ بركبٍ في الرَّوحاء، الروحاء موضع معروف في طريق المدينة، لقي النبيُّ جماعةً فقال: مَن القوم؟ قالوا: المسلمون، أي: نحن المسلمون، قالوا: مَن أنت؟ قال: رسول الله عليه الصلاة والسلام، فرفعت إليه امرأةٌ صبيًّا كان صغيرًا، رفعته قالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولكِ أجر.

احتجَّ به العلماء على أنه لا بأس بحجِّ الصبي وإن كان صغيرًا؛ لأنَّ عقله في حكم الموجود؛ لأنه ينمو وهو في حكم العقلاء، ينمو ويزيد وإن كان صغيرًا، خلاف المجنون؛ فليس من أهل الحجِّ، أما الصغير فحجُّه تبعٌ لغيره، كما أن إسلامه تبع لغيره.

المقصود أنَّ الصبي الصغير دون السبع له حجٌّ تبعًا لمن حجَّ به؛ لهذا الحديث الصحيح، ولما رواه البخاري في "الصحيح" عن السَّائب بن يزيد الكندي قال: حجَّ بي مع النبي ﷺ وأنا ابن سبع سنين. هذا يدل على أن الصغير له حجّ؛ وللحديث الذي يأتيكم ..... فليحجّ حجةً أخرى، في آخر الباب، يأتي إن شاء الله.

هذا يدل على أنَّ الصبي وإن كان دون التَّمييز له حجّ تبعًا لمن حجَّ به، ولكنه لا يجزيه عن حجِّ الإسلام، بل متى بلغ واستطاع حجَّ الفريضة كما يأتي إن شاء الله.

وفي هذا أيضًا أنَّ مَن يحج بالصبي الصغير يكون له أجر؛ لما فيه من إدخاله في العبادة، وتسهيل العبادة له، وإن كان صغيرًا يكتب له أجره، فهو له أجر، والصبي له أجر.

وفي هذا ردٌّ على مَن قال من العامَّة، ولا أعلمه عن غير العامة: أنَّ حجَّ الصبي والصبية يكون لوالديهم. هذا لا أصلَ له .....، كل هذا لا أصلَ له، فحج الصبي له، وليس لأبيه أو أمه أن يجعل حجّه لغيره، فإنَّ مَن لم يحج لا يحجّ عن غيره، حجّ الصبي له، وحج الصبية لها، لا لغيرهما، لكن لمن حججهما الأجر كما قال النبيُّ: ولك أجر، فإذا حججهما أبوهما أو أمهما أو مَن هما معه فله أجره، وحجهما لهما تطوع، والله أعلم.

س: الصبي مَن ينوي عنه؟

ج: مَن يتولاه في الحجِّ، مَن معه في الحجِّ يكفي، الذي يقوم على شؤونه في الحجِّ وإن كان غير أمٍّ ولا أبٍ، لو حجَّ به عمه، أو حجَّ به أخوه يكفي؛ لأنَّ النبي ﷺ ما قال في هذا شيئًا، قال: لك أجر، ولم يقل: لا يحججه إلا أبوه، ولا يحججه إلا أمه؛ لأنَّ هذه مسألة خيرٍ، ما هي مسألة أموال تُرهق الصبي، أموال شيء خفيف.

س: الحديث الأول: العمرة إلى العمرة ..... وعدم وقت محدد لها؟

ج: يحتج به على هذا، يحتج على أنها ما لها وقت محدود، النبي ﷺ أطلق: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، وقد اعتمر عليه الصلاة والسلام مرات، واعتمر الصَّحابة مرات، واعتمرت عائشة مرتين في شهرٍ واحدٍ، بل في أقلّ من شهرٍ، بل في ..... يومًا اعتمرت في آخر ذي القعدة، ثم اعتمرت في ليلة أربعة عشر من ذي الحجة.

س: .............؟

ج: جاء في بعض الروايات: حجّ البيت، وصوم رمضان، كأنه وهم من بعض الرواة، والصواب أنَّ الحجَّ هو الأخير، هو الآخر فرضية، والآخر في الرواية أيضًا.

س: حديث جابر عن العمرة قال: ضعيف، وكذلك حديث في كون العمرة واجبة، فريضتان، ضعيف، كل منهما ضعيف؟

ج: نعم، كلها ضعيفة.

س: .............؟

ج: المشهور أنه كان سنة عشر، وقيل: سنة تسع، هذا هو المشهور، وهذا هو الأصح، وقيل: سنة خمس، أو ست، لكنه لا دليلَ عليه.

س: ..............؟

ج: التمام غير التَّمام غير الأصل، يجب تمامًا، ولا يجب أصلًا، لكن يجب الشُّروع.

س: هل يُشترط الراحلة؟

ج: ما هو بشرطٍ، لكنه وصف أغلبي، وإلا لو كان في مكة وجب عليه الحج ولو ما عنده راحلة، أو نازل في حول المشاعر.

س: ..............؟

ج: هذا من عمل الجاهلية، ما أحد يكرهها إلا في الجاهلية، كانوا يرونها من أفجر الفجور، أما المسلمون فيرونها قربةً في أشهر الحجِّ، إنما كان عمر والصديق وعثمان يُلبون بالحجِّ حتى يُلبى بالعمرة وحدها، يعني: حتى يكون لها سفرة، وللحج سفرة؛ ليكثر العُمَّار والحجَّاج، وليس قصدهم في غير أشهر الحجِّ، حتى لو جاء بعمرةٍ في أشهر الحجِّ، ثم جاء بحجٍّ لا بأس.

س: ............؟

ج: فيه خلافٌ بين أهل العلم: هل يجزي أو ما يجزي؟ بعض أهل العلم يرى أنه لا بدَّ من طوافٍ مستقلٍّ، الولي يطوف طوافًا مستقلًّا، ثم يطوف بالصبي، وهكذا السعي. وقال آخرون: يجزي إذا طاف به. وهذا الصواب إن شاء الله، إذا طاف به يجزي على الصحيح، إذا طاف به وسعى به أجزأ عنهما جميعًا.

س: .............؟

ج: هذا قول بعض العلماء، لكن الصواب أنه يجزي إن شاء الله، لو طاف به وسعى به أجزأ عنهما جميعًا بالنية، إذا نوى عنهما جميعًا.

س: المعروف أنَّ الواجبات كلها معلَّقة بالاستطاعة، فما الفائدة من ذكرها مع الحجِّ بالذات؟

ج: لعلَّ السرَّ والله أعلم لأنَّ الحجَّ مظنة العجز؛ لأنه واجب على المسلمين جميعًا، وقد يكونون في بلادٍ بعيدةٍ، وقد يتوهم أنه يلزمه أن يقترض، يلزمه أن يستدين، يلزمه أن يمشي على قدميه، فبين الربُّ أنه لا بدَّ من استطاعةٍ؛ لأن هذا شيء يعمّ الناس كلهم، القريب والبعيد من مكة فعلها والله أعلم، لعلَّ هذا هو سر الحكمة في هذا الشيء.

ثم أيضًا بعض العبادات تجب وجوبًا فيه مشقة، ولا تسقط بالعجز النسبي؛ لأنَّ الصلاة تجب عليه حتى ولو كان مريضًا، حتى ولو كان على جنبه الصلاة واجبة عليه، والزكاة واجبة عليه إذا كان من أهل النِّصاب، الزكاة واجبة عليه، يزكي النِّصاب الذي عنده، ولو كان يُعدّ من الفقراء، والصيام يجب عليه وإن كان مريضًا، لكن يقضي، لا يجب فعله وقت الفرض، لكنه يبقى الوجوب، فالعبادات فيها تفصيل، أما الحجّ ما فيه تفصيل، فالعاجز ما عليه حجّ حتى يستطيع.

س: الفقير الذي عنده النِّصاب يُعطي الزكاة ويأخذ الزكاة؟

ج: يأخذ الزكاة نعم، هذا يُعطي ويأخذ، هذا قول الجمهور.

س: ............؟

ج: ينظر، هذا يُسمونه: معتوهًا، إذا كان ما يضبط ماله هذا حكمه حكم المجنون، إذا كان عقله ما هو بضابط.

س: ............؟

ج: مثل المجنون ما عليه حجّ إذا كان عقله ضائعًا، ما يسقطه الجنّ -يعني- ما يصرع، لكنه ضائع العقل، لا يحفظ ماله، ولا يحفظ نفسه، ولا يحفظ شيئًا.

س: .............؟

ج: إن حجَّ به فلا بأس، وإلا ما يجب عليه الحجّ.

س: .............؟

ج: لعله ما يحجّ به؛ لأنه مثل المجنون، حكمه حكم المجانين، الظاهر أنَّ حكمه حكم المجانين؛ لأنَّ الصبي في طريق النمو وطريق العقل، بخلاف هؤلاء.

س: إذا كان الإنسانُ مستطيعًا .....؟

ج: ما يلزمه، لا، ما دام مدينًا ما يلزمه، الدَّين أولى، يُسمَّى: فقيرًا، ما يُسمَّى: مُستطيعًا، وعليه ديون.

س: ما حلّت؟

ج: ولو ما حلّت.

س: إذا كان مستطيعًا من حيث الراحلة، لكن العمل لا يسمح؟

ج: إن عجز استأذن ومنع من الإذن، ومنع من الاستقالة .....، أما إذا كان يستطيع يستقيل، ويستطيع يستأذن، وتساهل، فهو آثمٌ .....

س: ..............؟

ج: ما عليها حجّ، ما تستطيع، الصواب أنَّ ما عليها حجًّا؛ لأنها ما تستطيع، النبي قال: لا تُسافر المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ.

س: .............؟

ج: ما عليها حج، الحمد لله انتهينا، ما عليها حج حتى تتزوج، إذا تزوجت يحججها زوجُها.

س: .............؟

ج: لا تُسافر أبدًا حتى تتزوج، أو يتيسر لها محرم من طريقٍ آخر، من طريق رضاعٍ قد يوجد محرم، مثل: أختها تُرضع أحد .....

715 – وَعَنِ ابن عباسٍ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مَنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

716- وَعَنْهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

717- وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.

718- وَعَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

719- وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ: قَرِيبٌ لِي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقْفُهُ.

720- وَعَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ.

721- وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .

الشيخ: هذه الأحاديث الستة كلها تتعلق بالحجِّ:

حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه كان رديف النبي ﷺ في حجَّة الوداع ..... من مُزدلفة إلى منى، كان رديفه ﷺ من عرفات إلى مُزدلفة أسامة بن زيد، ثم أردف الفضلَ من مُزدلفة إلى منى، فتعرضت له امرأةٌ من خثعم فقالت: يا رسول الله، إنَّ فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: حُجِّي عنه.

فيه أنَّ الفضل جعل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبيُّ يصرف وجهَ الفضل إلى الشقِّ الآخر.

هذا يدل على أنَّ مَن عجز عن الحجِّ لكبر سنِّه فإنه يُحجّ عنه، تحج عنه ابنته أو ولده أو غير ذلك، وأنَّ كبر السن لا يمنع فريضةَ الحجِّ؛ ولهذا أقرَّها النبيُّ ﷺ على قولها: فريضة الله على عباده. دلَّ على أنَّ الشيخ الكبير إذا عجز يُحج عنه، سواء نافلة من الحاج، أو بمالٍ يُدفع إليه ليؤدي هذا الواجب، النبي ﷺ قال: حُجي عنه، ولم يفصل في ذلك، فدلَّ ذلك على أنَّ الشيخ الكبير يُحجّ عنه، والعجوز الكبيرة كذلك.

ومن هذا حديث أبي رزين الذي سأل النبيَّ ﷺ قال: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا الظَّعن، أفأحج عنه؟ قال: حج عن أبيك واعتمر، فالمعنى في هذا واحد، وهو أنَّ الحجَّ عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، وأنَّ مَن حجهما من أولادهما أو غير أولادهما فقد أصاب؛ لأن الرسول شبَّه الحجَّ بالدَّين عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنه يحج عنه قريبه وغير قريبه، وإن كان قريبه أولى من غيره، كما في الصيام؛ مَن مات وعليه صيام صام عنه وليه، ولكنه كالدَّين، لو أدَّى عنه البعيدُ أجزأه.

وفي قصة الفضل دليل على أنه ينبغي لأهل الحسبة ولكل مسلمٍ أن يحرص على العناية بالرجال والشباب؛ حتى لا تزل بهم القدم، وأن يُوجَّهوا للخير بالفعل والقول، وألا يُتركوا إذا وُجد منهم ما يُوجب الإنكار عليهم، والنبي ﷺ خاف على الفضل: شابٌّ وشابة؛ ولهذا صرف وجهَه عن النَّظر إليها عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي الأخذ على يد الشباب، وتوجيههم إلى الخير، وإرشادهم إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك قولًا وفعلًا، كما فعل النبيُّ ﷺ هنا فعلًا، فإنه إنكار فعلي.

والإنكار يكون بالفعل، ويكون بالقول؛ بالفعل: إتلاف ما يجب إتلافه، مثل: إتلاف الخمر، وإتلاف آلات اللهو، والقول: أن يُبين حكم الله في ذلك ويقول: هذا لا يجوز، وهذا محرم، دع هذا، إلى غير ذلك. وقد يجمع المؤمنُ بينهما: بين القول والفعل؛ فيُنكر بالقول، ويُتلف بالفعل ما يجب إتلافه.

وليس في هذا حُجَّة لمن قال بعدم وجوب الحجاب وجواز السُّفور! لأنَّه ليس في الحديث تصريح بأنها كانت سافرةً -كانت كاشفةً لوجهها أو رأسها أو شبه ذلك- وإنما فيه النَّظر، والنظر يمكن حتى ولو مع الحجاب؛ لأنَّ تصويب وجهها إليه يدل على أنها تنظر إليه، وهي ممنوعة من الانتقاب في الحجِّ؛ لأنَّ الرسول نهى أن تنتقب المرأةُ في الحجِّ، وأن تلبس القفازين، وقد تكون وضعت على وجهها خمارًا أو غير خمارٍ ما يستر الوجه، وانصرفت بوجهها إليه، تنظر إليه، فصرف النبيُّ وجهَ الفضل عنها؛ لئلا يقع شيء من الفتنة.

وفيه من الفوائد: أن المرأة تحجّ عن الرجل، والعكس من باب أولى؛ أنه لا حرج في ذلك، وليس من شرط الحج عن الرجل أن يتولاه الرجل، بل إذا حجَّت عنه المرأةُ فلا بأس.

وفيه أيضًا من الفوائد: شرعية الاستفتاء، وأن المؤمن يستفتي أهل العلم ويسألهم عمَّا قد يُشكل عليه، ولا يسكت، بل يستفتي ويسأل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43]؛ ولهذا استفتت واستفتى غيرها، وأقرَّهم النبي ﷺ على الاستفتاء وأجابهم، فدلَّ على أنه من سنة المؤمنين ومن سنة المسلمين أن يستفتوا، ودلَّت الأدلة الأخرى على وجوب ذلك، وأنَّ الواجب على مَن جهل أن يستفتي ويسأل حتى لا يبقى على جهلٍ.

وحديث الجُهنية في المعنى مثل حديث ابن عباسٍ في قصة الخثعمية: أنه سألته امرأةٌ أنَّ أمها نذرت أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، فأمرها النبيُّ أن تحجَّ عنها، وشبَّهه بالدَّين.

فدلَّ ذلك على أنَّ الحجَّ المنذور يُقضى كالحج المفترض؛ لأنَّ العبادة المنذورة واجبة؛ في الحديث الصحيح: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، فأفتاها النبيُّ ﷺ وأمرها أن تحجَّ عن أمها حجَّ النذر، فدلَّ ذلك على أنه يُستناب في حج النذر كما يُستناب في حجِّ الفريضة، إذا مات من نذرٍ، أو عجز العجز الكلي الذي لا يستطيع معه الحج؛ فإنه يُؤدَّى عنه، كالفريضة في الأصل.

وأنَّ الصبي والعبد الرقيق إذا حجَّ صحَّ حجُّهما، ويكون نافلةً، فإذا بلغ الحنث -الصبيُّ إذا بلغ الحلم الذي معه التأثيم- وجب عليه الحجُّ مع الاستطاعة، وهكذا العبد إذا عتق وجب عليه الحجُّ مع الاستطاعة، وإن ماتا قبل ذلك فلا شيء عليهما، وهذا محل إجماعٍ بين أهل العلم، كما حكاه المنذري وغيره.

وفي حديث ابن عباسٍ المتقدم أنَّ امرأةً رفعت صبيًّا فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجرٌ، وحديث سهل بن يزيد عند البخاري قال: حجَّ بي مع النبي ﷺ وأنا ابن سبع سنين.

هذا يدل على صحة حجّ الصغار تبعًا لأوليائهم، ولكنه لا يُجزئ عن حجِّ الفريضة إذا بلغوا واستطاعوا، وهذا اختُلف في رفعه ووقفه، والصواب عند جماعةٍ وقفه، ولكن قاعدة معروفة عند أهل مصطلح الحديث: أنَّ مَن زاد تُقبل منه الزيادة في الرفع وغيره. هذا هو الصواب، وإن كان الأكثرُ على خلاف ذلك، الأكثرون يرون تقديم الحفاظ والأكثرون في الرفع وفي الوصل وفي الوقف وفي القطع، ولكن الصواب الحكم بقول صاحب الزيادة إن كان ثقةً، ولو خالف الأكثرين كما تقدم لكم في المصطلح .....

فإذا كان الأمرُ هكذا فقول مَن قال بالرفع أولى ممن قال بالوقف وهو ثقة، وهذا الحديث هنا هو كذلك، فإنَّ الرافع ثقة.

والحديث الرابع حديث ابن عباسٍ أيضًا.

ثم أيضًا على القول بأنه موقوف، مثل هذا لا يُقال من جهة الرأي، فهو في حكم المرفوع، فالموقوف يُؤيد المرفوع ولا يُخالفه.

والحديث الرابع: حديث ابن عباسٍ أيضًا في قصة الذي خرج غازيًا، ثم أخبر النبيُّ ﷺ أنَّ زوجته خرجت حاجةً، وأنه اكتُتِب في غزوة كذا وكذا، فقال له النبيُّ: انطلق فحجَّ مع امرأتك.

وفيه النَّهي عن الخلوة بالمرأة إلا بمحرمٍ، وعن سفرها بدون محرمٍ، هذا يدل على أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأةٍ إلا مع ذي محرمٍ، وليس له أن يُسافر بها، لا تُسافر بدون محرمٍ، ولا تخلو بالرجل، بل يجب عليها أن تبتعد عن ذلك؛ لأنه وسيلة إلى الشرِّ، الخلوة بالمرأة الأجنبية والسَّفر بها من دون محرمٍ وسيلة إلى وقوعها فيما حرَّم الله ، ومن محاسن الشريعة ومن عظمتها ومن كمالها: النَّهي عن هذا الأمر، النَّهي عن أن يخلو الرجلُ بالمرأة التي ليست محرمًا له، والنهي عن سفره بها وليست ذات محرمٍ.

وهذا هو الصواب في المسألتين، قال بعضُهم: يجوز السفر بها إذا كانت مع نساء ثقات؛ لأنَّ المقصود الأمن، فإذا كان معها نساء ثقات فلا بأس.

والأقرب المنع، لا يجوز ولو كان معها نساء، ليس لها أن تُسافر إلا مع ذي محرمٍ؛ لأنها قد تتساهل، إذا كان ما معها محرم قد تتساهل في بعض الأمور، قد تقع فيما لا ينبغي، فالشارع حسم المادة وسدَّ الباب، فلا يجوز تخصيص قوله إلا بدليلٍ.

أما الخلوة فتجوز بوجود الثالث؛ إذا كان معه ثالث -كأمِّها أو أجنبي- في محلِّ أمانٍ، ليس محلَّ تهمةٍ؛ زال الحكم، فإنَّ الحديث: فإنَّ الشيطان ثالثهما، فإذا زيد ثالث زال تثليث الشيطان، وحصل الأمن في الأغلب، اللهم إلا أن يكون الثالثُ متَّهمًا فلا ينفع.

والحديث الخامس حديث شبرمة: فيه الدلالة على أنَّ مَن لم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره؛ ولهذا قال النبي: حجَّ عن نفسك، ثم حجَّ عن شبرمة.

والصحيح أيضًا رفعه، الصحيح أنه مرفوع، والرافع ثقة، فيكون الحديثُ دليلًا على المنع من حجّ الإنسان عن غيره قبل أن يحجَّ عن نفسه، وهذا إذا باشر الحجَّ، أما إذا استناب مَن يحجَّ عن أبيه أو أمه فلا حرجَ في ذلك، إنما الممنوع أن يحجَّ هو عن غيره.

وفيه الحج عن الغير ولو كان غير أبٍ، ولو كان غير أمٍّ، فإنه قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي. فدلَّ ذلك على أنَّ الحج عن الغير لا يتقيد بالأم ولا بالأب، فإذا حجَّ عن غير أمه أو عن غير أبيه فلا بأس.

الحديث السادس: حديث ابن عباس أيضًا في فرض الحجِّ، وأنَّ الله كتب على الناس الحجَّ، قال بعضُ الناس: يا رسول الله، أفي كل عامٍ؟ قال: لو قلتُ لوجبت، الحجُّ مرة، فما زاد فهو تطوع. أخرجه الخمسة، ورواه مسلم من حديث أبي هريرة، فيه أنَّ النبي ﷺ خطب فقال: إنَّ الله فرض عليكم الحجَّ فحجُّوا، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أفي كل عامٍ؟ فسكت النبيُّ ﷺ، فكررها ثلاثًا، ثم قال: لو قلتُها لوجبت، ولو وجبت لما استطعتُم، ذروني ما تركتُكم؛ فإنما أهلك مَن كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، هذا يدل على أنَّ الأصل عدم التَّكرار إلا بدليلٍ يدل على التَّكرار، فما أوجبه الله يكون مرةً كالحجِّ، إلا إذا وُجد ما يدل على التَّكرار: كالصَّلوات الخمس ورمضان والزكاة ونحو ذلك.

س: ..............؟

ج: الأصل شرعية الحجّ وتكراره، الأصل تكرار الحج والعمرة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، هذا يعمّ النَّفل والفرض جميعًا.

والحديث الآخر: تابعوا بين الحجِّ والعمرة، رواه الخمسة وجماعة، وهو جيد من حديث ابن مسعودٍ: تابعوا بين الحجِّ والعمرة، هذا يدل على شرعية التَّكرار، كان السلفُ هكذا -من الصحابة وغيرهم- يُكررون الحجَّ والعمرة ويفرحون بذلك، لكن لو أنَّ إنسانًا نوى بتأخُّره التَّوسعة على المسلمين وعدم المضايقة لهم نرجو له خيرًا، أما كونه أفضل محلّ نظرٍ، لكن يُرجى له على نيته الخير.

س: .............؟

ج: الله أعلم.

س: ..............؟

ج: ظاهر إطلاقها أنه يستطيع فريضةَ الله على عباده، قالت: أدركته فريضة الله ..... يحتمل أنه الأمر بالحجِّ، ويحتمل أنها أرادت أنَّ عنده قُدرة من المال، والنبي أطلق ولم يستفصلها عليه الصلاة والسلام؛ لأنها سألته: هل تحجّ عنه؟ فقط، فقال: حُجِّي عنه، ولم يحصل استفصال، فهذا يدل على أنه يحجّ عنه مطلقًا، ولو ما عنده مال .....، وليس بواجبٍ، بل مستحب الحجّ عن أبيها، ليس بواجبٍ عليها.

س: ............؟

ج: ما هو بواجبٍ عليه، يمكن أن يحجَّ غيرها، المهم أنَّه وصَّاها بالحجِّ عنه مطلقًا، فدلَّ ذلك على أنها تحجّ عنه مطلقًا، سواء كان فقيرًا أو غير فقيرٍ، أما كونه يجب عليها أو ما يجب عليها فمن أدلةٍ أخرى تدل على وجوب الحجِّ على مَن استطاع.

س: .............؟

ج: لا يتعين عليها، لا، يستطيع أن يحجَّ عنه غيرها من بني آدم.

س: .............؟

ج: ما يتعين عليها، ما يتعين؛ لأنها استفت فأفتاها النبيُّ بأنها تحجّ فقط، ولم يقل: يجب عليك، والقاعدة مثلما قال الله: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

س: ..............؟

ج: إلا إذا وجد مَن ينوب، وإلا ما يجب عليه.

س: ..............؟

ج: من رأس المال، إن كان قادرًا من رأس المال كالدَّين.

س: ..............؟

ج: من جملة الدَّين، إذا كان الدَّين كثيرًا يُحاصص الغُرماء، هذا هو الأصل.

وقال بعضُهم: دَين الله أحقُّ بالقضاء مثلما قال النبيُّ؛ فيُقدم لقول الرسول: فدَين الله أحقُّ بالقضاء في بعض الروايات، بعضهم استنبط من هذا أنه يُقدم دَين الله على دَين الناس، وآخرون قالوا: لا، إنَّ هذا من باب التَّشجيع والحثِّ، وليس من باب أنه يُقدم؛ لأنَّ دَين الله مبني على التَّسامح والعفو، بخلاف دَين المخلوقين؛ فإنه مبني على التَّشاح والبخل، فينبغي أن يُلاحظ دينهم: إما أن يُساوى بدَين الله، وإما أن يُقدم؛ لأنه مبني على التَّشاح والبخل وعدم التَّسامح، بخلاف دَين الله، فإنه العفو الكريم، وغلبت رحمته غضبه، وعفوه انتقامه .

فالأقرب والله أعلم .....، وأنَّ قوله: فدَين الله أحقُّ بالقضاء، من باب الحثِّ والتَّحريض، لا أنه يُقدم على دَين الناس؛ ولهذا الذي عنده مال ولم يحجّ وعليه ديون نصَّ العلماء على أنه غير مستطيعٍ، وأنه داخلٌ في آية: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وأنَّ مَن عليه دَينٌ ليس بمستطيعٍ، فلو كان دَين الله أحقَّ لقالوا: يُحاصهم ويأخذ قسطه للحجِّ، بل ذكروا أنه يُقدم قضاء ديونهم على الحجِّ، ولا يكون مستطيعًا إلا بوجود فضلٍ يستطيع معه الحج.

س: عموم النَّهي: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ هل يدخل فيه الهجرة .....؟

ج: استثنى العلماءُ مسائل، منها الهجرة، وأنها إذا كانت تخشى على نفسها وتيسرت لها الهجرة فلا بأس أن تُهاجر من دون محرمٍ؛ خوفًا من الفتنة. وهذا قول قوي، ولعله محل إجماعٍ، إذا تيسرت لها الهجرة ولو بدون محرمٍ، إذا خافت على نفسها فإنها تُبادر بالهجرة؛ لئلا تقع في الشرك والفتنة؛ لأنَّ الشرك أعظم الذنوب، فلو قُدر أنها على خطر الشرك وخطر الزنا، فخطر الشرك أعظم .....، والغالب أنَّ مثل هذه ..... الله صحبتها، ويُيسر أمرها، ويُعينها على بلوغ أهدافها بسبب صلاح النية.

س: أمر الرسول ﷺ للرجل أن يحجَّ مع امرأته؛ للاستحباب أم للوجوب؟

ج: الأصل للوجوب، لكن الذين صرفوه عن ذلك أنَّ الأصل لا يجب ..... إلا باختياره؛ لأنَّ الله أوجب التَّكليف على كل أحدٍ باستقلاله، ولا يلزمه أن يقوم بشيءٍ عن غيره إلا بحجَّةٍ واضحةٍ، مثل: الإنفاق على الغير، وأشباه ذلك، ولا يتحمل ذنبَ غيره.

ولكن القول بهذا قول قوي، يجب عليه إذا خاف عليها؛ بأن خرجت ما معها أحد، يكون وجوبًا عارضًا بسبب الخوف عليها، كما يجب على المؤمن: إنكار المنكر والأمر بالمعروف، ومواساة الفقير المضطر إذا كان قادرًا، وما أشبه ذلك، قد يجب ..... على الإنسان وعن غيره ..... قد يُقال هذا مثله.

فالأصل في الأوامر الوجوب، هذا هو الأصل، فعلى الزوج إذا خاف على زوجته وسافرت، فرطت منها، يجب عليه أن يلحقها، وأن يكون معها؛ حتى لا يقع منها ما لا يُرتضى، فإنها قد خرجت، والنبي قال: الحق بامرأتك، بخلاف لو كانت في البلد تُريده أن يحجَّ بها، فقد ذكر العلماء أنه لا يلزمه أن يحجَّ بها، لكن يُستحب له ويُشرع له الحجّ بها؛ حتى يُعينها على أداء الفرض.

وبكل حالٍ، ينبغي أن يُساعدها على الخير، وأن يحجَّ معها؛ لئلا .....، أما الوجوب فهو محل نظر.

س: هل يجوز لزوجٍ منع زوجته من الحجِّ .....؟

ج: الفريضة لا، ليس له منعها، أما النافلة فله منعها.

س: ............؟

ج: الحكم واحد، الحكم واحد.

س: رجلٌ ليس عنده استطاعة من النُّقود، ولم يحجّ فرضه، لكن عنده استطاعة أن يأخذ نقودًا ويحجّ عن غيره؟

ج: لا، ما يحجّ عن غيره حتى يحجَّ عن نفسه.

س: ..............؟

ج: جاءت عدة روايات، لكن المدار عند أهل العلم على السفر، في الرواية الأخرى: لا تُسافر مطلقًا إلا مع ذي محرمٍ، أما التَّحديدات لأسبابٍ.

س: ..............؟

ج: كأنه الموقوف عنه ليس بجيدٍ، لكن جاءت رواية عن أحمد رحمه الله رجَّح المرفوع أيضًا، وجاء عن غيره ترجيح المرفوع أيضًا، ووافق ابن المنذر وجماعة على قول أحمد .....، ولكن الأقرب والأظهر من حيث القاعدة حكم الرفع.

س: ..............؟

ج: نعم، الصواب فيها الرفع.

س: ............؟

ج: تواصل، إذا كان الباقي أقلّ أو الرجوع فيه صعوبة تواصل، تُواصل الحجَّ والحمد لله؛ لأنَّ رجوعها سفر، ووصلها سفر، ففي مُواصلتها أداء الفريضة، تُواصل مع رُفقتها والحمد لله.

س: .............؟

ج: كل ما يُسمَّى: سفرًا، والأقرب يومان كما قال الجمهور، سواء كان بالسيارات أو بالقطارات أو بالطيارات.

بَابُ الْمَوَاقِيتِ

722- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

723- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

724- وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، إِلَّا أَنَّ رَاوِيَهُ شَكَّ فِي رَفْعِهِ.

725- وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ.

726- وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ.

بَابُ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ

727- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذا الباب في مواقيت الإحرام، المواقيت قسمان: مواقيت زمانية كمواقيت الصلاة، ومواقيت مكانية كمواقيت الحج، وهي المرادة هنا -المكانية-.

والله جعل للحجِّ أوقاتًا زمانيةً ومكانيةً، وهذا الباب في المواقيت المكانية، ويُشرع للحجاج والعُمَّار، بل يجب عليهم الإحرام من هذه المواقيت التي وقَّتها النبيُّ ﷺ؛ لأنَّ التوقيت يدل على الفرضية، وأنه لا بدَّ من العمل بما قاله النبيُّ ﷺ، وعدم تجاوز هذه المواقيت، ويدل على هذا ألفاظ متعددة في الحديث، من هنا قوله: يُهلّ أهلُ المدينة من ذي الحُليفة، وأهل الشام من الجُحْفَة .. إلى آخره. وفي بعضها: "ليهلّ" بالأمر، وصيغة "يهلّ" خبر معناه الأمر، ورواية "ليهلّ" كذلك تدل على المقصود.

فالأحاديث الواردة في هذا الباب تدل على فرضية المواقيت، وأنه ليس لمن أراد حجًّا أو عمرةً أن يتجاوزها بدون إحرامٍ.

والحديث الأول: حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما، وهو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب، ومتى أُطلق فهو عبدالله، كما أنَّ ابن الزبير متى أُطلق فهو عبدالله، وابن عمر متى أُطلق فهو عبدالله، وابن عمرو متى أُطلق فهو عبدالله؛ لأنهم اشتهروا بهذا، كما عرفهم أئمة الحديث، فإذا أُطلقوا فهم معروفون، ولعمرو أولاد آخرون، وللزبير أولاد آخرون، وللعباس أولاد آخرون، لكن هؤلاء عُرفوا بالرواية، فإذا أُطلقوا انصرف الأمرُ إليهم.

قال: "وقَّت النبيُّ ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة" موضع معروف في أطراف المدينة من ناحية الجنوب، من ناحية مكة، ويقال لها الآن: أبيار عليّ، ويقال لها: وادي العقيق، فليس للمُتوجه من المدينة تجاوز هذا إذا أراد حجًّا أو عمرةً إلا بالإحرام.

"ولأهل الشام الجُحفة" قرية معروفة قرب رابغ، معروف، اجتاحها السيلُ وقضى عليها، وصار الناسُ يُحرمون من رابغٍ الآن، وهو قبلها بقليلٍ، الذي يُحرم من رابغ محرم من الجُحفة .....

"ولأهل نجدٍ قرن المنازل" معروف، ويقال له: وادي قرن، ويقال له: السيل.

"ولأهل اليمن يلملم" معروف أيضًا.

قال النبيُّ: هن لهن هن أي: هذه المواقيت، لهن أي: لأهل هذه المدن، لأهل هذه الجهات، ولمن أتى عليهن يعني: على هذه المواقيت، من غيرهن من غير المدن المذكورة، في روايةٍ: من غير أهلهن أي: من سكانهن، ممن أراد الحج والعمرة بالواو، هذا المشهور بالرواية بالواو، وهي بمعنى "أو".

هذا يدل على أن الفرضية لمن أراد، أما مَن مرَّ بهن ولم يُرد فليس عليه فرضية الإحرام منها، هذا هو الصواب.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن من خصائص مكة الإحرام، مَن أراد دخولها مطلقًا قال: ..... يلزمه أن يُحرم إما بحجٍّ، وإما بعمرةٍ.

قاله جماعةٌ من أهل العلم، والصواب أنه ليس بلازمٍ، وليس بشرطٍ لأمرين:

أحدهما: أنَّ النبي ﷺ قال: ممن أراد، وتعليقه بالإرادة يدل على أنَّ مَن لم يُرد فلا شيء عليه.

والأمر الثاني: أنه ﷺ قدم مكةَ عام الفتح غير محرمٍ؛ لأنه ما أراد العمرةَ، ولا أراد الحجَّ، إنما أراد فتحها وتخليصها من أهل الشِّرك.

ومَن كان دون ذلك، وإذا قلنا أنَّ الصواب أنه لا يلزمه الإحرام، لكن الأفضل الإحرام إذا تيسر، الأفضل له أن يُحرم بالعمرة؛ لما فيها من الخير والفضل؛ وللخروج من الخلاف، لكن ليس بلازمٍ.

ومَن كان دون ذلك دون هذه المواقيت فمهله من حيث أنشأ يعني: ميقاته من حيث أنشأ لقصد الإحرام، فإذا كان في جدة أحرم من جدة، وإذا كان في أم السلم أحرم من أم السلم، مثلًا، وإذا كان في بحرة أحرم من بحرة، إذا أنشأ الإحرام، وإذا كان في ..... فمهله من حيث أراد الحجَّ أو العمرة، حتى أهل مكة من مكة.

قال العلماء: هذا في الحجِّ خاصةً، أما العمرة فيُهلّ من الحلِّ؛ لحديث عائشة الثابت في "الصحيحين"، وحديث عائشة بعد هذا، بعد حديث ابن عباس؛ لأنَّ هذا قاله النبيُّ في المدينة قبل الحجِّ، وحديث عائشة بعد الحجِّ، لما أرادت العمرة أمرها أن تخرج وتُحرم من الحلِّ الذي هو التَّنعيم، فدلَّ على أن مَن كان في مكة ليس له الإحرام منها، بل يخرج؛ لأنَّ الرسول أمر عائشةَ بالخروج، ولو كان إحرامُها من مكة جائزًا لما كلَّفها الخروج، فلما أمرها بالخروج وأمر عبدالرحمن أن يخرج معها دلَّ على أنَّ أهل مكة ليس لهم الإحرام بالعمرة من مكة. وهذا هو قول عامَّة أهل العلم، والمشهور عند أهل العلم، وهو كالإجماع منهم.

وذهب بعضُ المتأخرين بجوازه من مكة لهذا الحديث، ولكن ليس بجيدٍ، والصواب ما قاله أهلُ العلم وأن ليس لأحدٍ الإحرام من مكة بالعمرة، بل يخرج إلى الحلِّ؛ لحديث عائشة، وهو حديث صحيح صريح متأخر، فوجب الأخذُ به، وأن يكون مخصصًا لحديث ابن عباسٍ، ودالًّا على أنَّ المراد بقوله: "حتى أهل مكة" يعني: في الحجِّ، أو أنه في الحجِّ والعمرة، ثم نسخ ذلك، واستثني أمر العمرة بحديث عائشة.

والحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي وقَّت لأهل العراق ذات عرقٍ.

وهذا ثابت من حديث جابرٍ عند مسلم، لكن الراوي شكَّ في رفعه، قال: عن جابرٍ، قال: سمعتُ، أحسبه عن رسول الله ﷺ. شكَّ في ذلك، ولكن رواه جماعةٌ آخرون غير مسلم بالجزم عن جابرٍ: أن النبي ﷺ وقَّت لأهل العراق ذات عرقٍ، والطريق الأخرى الجُحفة، وقَّت النبيُّ ﷺ لأهل الشام الجُحفة، ولأهل العراق ذات عرق .. إلى آخره.

هذا الحديث -حديث جابر هذا- الرواية المشكوك فيها، والرواية الصريحة تُوافق حديث عائشة، وكذلك حديث ابن عباس: أنَّ النبي وقَّت لهم العقيق، والعقيق وادٍ هناك ..... السيل يلي ذات عرقٍ، وهو ملحق به.

فالأحاديث الثلاثة: حديث عائشة، وحديث جابر، وحديث ابن عباس، كلها في معنى واحدٍ، وهي دالَّة على أنه وقَّت لأهل العراق ميقاتًا خاصًّا غير ميقات أهل نجدٍ.

وفي "صحيح البخاري" عن عمر : أنَّ أهل العراق اشتكوا إليه فقالوا: إن قرنًا جور عن طريقنا؛ لأنَّ قرنًا ميقات أهل نجدٍ. جور عن طريقنا، يعني: شاقّ منحرف عن طريقنا. فوقَّت لهم ذات عرقٍ باجتهاده.

فعلى هذا وافق اجتهاده ما جاءت به السنة، ولا يُستغرب؛ فإنه كان مُوفَّقًا رضي الله عنه وأرضاه في مُوافقة السنة، ولعله لم يطلع على حديث عائشة وحديث جابر وابن عباس؛ فلهذا اجتهد ووقَّت لهم ذات عرقٍ، فاتَّفق المرفوعُ مع الاجتهاد الذي رآه عمر، واستقرَّ لأهل العراق ذات عرق ميقاتًا لهم.

ومَن جاوزها وجب الرجوعُ إليها، مَن جاوزها وهو يريد الحجَّ أو العمرة لزمه الرجوعُ حتى يُحرم منها، فإن أحرم من دونها فعليه دمٌ، يكون ترك نسكًا عند جمهور أهل العلم، والأصل في هذا ما رواه ابن عباسٍ مرفوعًا وموقوفًا: مَن ترك نسكًا أو نسيه فليهرق دمًا، والصواب وقفه على ابن عباسٍ كما ذكره أئمةُ الحديث، وهو موقوف في حكم الرفع، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن تجاوز الميقات من غير إحرامٍ، وأحرم من دونه، أو ترك نسكًا من المناسك الواجبة، فعليه دمٌ؛ جبرًا لحجِّه، كما لو ترك الإحرامَ من الميقات، أو ترك الرمي، أو ترك المبيت في مُزدلفة، أو ترك طواف الوداع؛ لأنها كلها أنساك، فعليه دم.

وذكر بعد هذا وجوه الإحرام وصفته، وجوه يعني: أنواعه وأصنافه، وهي أنواع ثلاثة، وصفته: كيف يُحرم بالحجِّ؟ كيف يُحرم بالعُمرة؟

فالأنساك ثلاثة: حج مفرد، وعمرة مفردة، وحجّ وعمرة جميعًا. هذه أصناف الحجِّ ووجوهه وصفته أن يقول: "اللهم لبيك عمرة، اللهم لبيك حجًّا، اللهم لبيك عمرةً وحجًّا"، أو يقول: "لبيك" بدون "اللهم"، "لبيك عمرةً وحجًّا"، أو "لبيك حجًّا"، أو "لبيك عمرةً"، أو "اللهم قد نويتُ عمرةً"، أو نحو هذه الصيغ.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه لبَّى بالحجِّ، ولبَّى بالعمرة، ولبَّى بهما جميعًا.

وقاصد مكة وقت الحج مُخيَّر بين الحجِّ مُفردًا، وبين العمرة ثم يأتي بالحجِّ، وبين الإحرام بهما جميعًا، ولكن استقرت الشريعةُ على أنَّ الإحرام بالعمرة أولًا في وقت الحجِّ، ثم يأتي بالحجِّ؛ أنَّ هذا هو الأفضل، وقد أمر به أصحابه في حجَّة الوداع عليه الصلاة والسلام، وتمنى أن يكون فعل ذلك، لكن منعه كونه ساق الهدي؛ ولهذا لبَّى بالقران عليه الصلاة والسلام.

فدلَّ ذلك على أنَّ مَن ساق الهدي يُستحب له القران، ومَن لم يسق هديًا فالسنة له أن يُلبي بالعمرة، فإن لبى بالحجِّ وحده أجزأ على الصحيح الذي عليه عامَّة أهل العلم، وقد دلَّت عليه الأحاديث الصَّحيحة، وقد فعله الصديقُ وعمر وعثمان؛ أحرموا بالحجِّ مفردًا، ولبَّى به غيرهم: كعائشة رضي الله عنها وجماعة.

وأما قولها هنا: "وأما الذين أفردوا بالحجِّ، أو جمعوا بين الحجِّ والعمرة، فلم يُحلوا حتى كان يوم النَّحر"، هذا اختصار لبعض الروايات من بعض الرواة.

وقد ثبت عنها في "الصحيحين"، في "صحيح مسلم" أيضًا التَّفصيل بذكر الهدي، وأنَّ الذين ساقوا الهديَ لم يُحلوا حتى كان يوم النَّحر، أما الذين لم يسوقوا هديًا فإنهم أحلوا عند قدومهم، الذين أحرموا بالعمرة أحلوا عند قدومهم، والذين أحلوا بالحجِّ مُفردًا، أو بالحج والعمرة ليس معهم الهدي أمرهم النبي بالإحلال فحلوا، وجعلوها عمرةً. هذا هو الصواب، وهو الثابت.

والعجب من المؤلف؛ كيف ذكر هذه الرواية التي فيها النَّقص، وترك الروايات الواضحة الكاملة؟! فهذا لعله أراد بذلك التَّنبيه، أو امتحان الطالب؛ لأنَّ الواجب في مثل هذا أن يُؤتى بالروايات الواضحة الكاملة، لا النَّاقصة، فهذه الروايات كلها ناقصة، فالثابت في "الصحيحين" وفي حديث مسلم أيضًا من طرقٍ: أنها ذكرت أنَّ الذين أحرموا بالحجِّ والعمرة، وكان معهم الهدي؛ أجَّلوا ولم يُحلوا، وأما مَن كان ليس معه هديٌ فقد أمرهم النبيُّ بالتَّحلل، ويجعلوها عمرةً، هكذا جاء عنها وعن غيرها رضي الله عنها وأرضاها.

س: ..............؟

ج: لأهل المدن، يعني: هن المواقيت لهن، للمدن المذكورة، أو المناطق المذكورة، أو الجهات المذكورة: من جهة نجد، جهة العراق، جهة الشام.

س: ..............؟

ج: العمرة نعم من التَّنعيم، وغيره من الحلِّ يعني، أما الحجُّ من حيث أنشأ: من مكة أو خارجها.

س: ..............؟

ج: يأتي الحديثُ، يأتي إن شاء الله.

س: ..............؟

ج: يُحرم من مكة أو خارجها لا بأس.

..............

س: ..............؟

ج: كل مَن كان في مكة، سواء كان من أهلها، أو نازلًا فيها مُقيمًا يخرج للحلِّ للعمرة.

..............