242 من: (باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفرٍ وغيره..)

 
96- باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفرٍ وغيره والدّعاء لَهُ وطلب الدّعاء مِنْهُ
قَالَ الله تَعَالَى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۝ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:132، 133].
وأمَّا الأحاديث فمنها:
1/712- حَديثُ زيدِ بنِ أَرْقَمَ الَّذِي سبق في بَابِ إِكرامِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُول اللَّه ﷺ، قَالَ: قامَ رَسُولُ اللَّه ﷺ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّه، وَأَثْنَى عَلَيهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَلا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنا بشرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِي رَسُولُ رَبِّي فأُجِيب، وأَنَا تَاركٌ فيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فيهِ الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكتابِ اللَّه، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلى كِتَابِ اللَّه، ورَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّه في أَهْلِ بَيْتي رواه مسلم.
2/713- وعن أَبي سُليْمَانَ مَالك بن الحُوَيْرثِ قَالَ: أَتَيْنَا رسولَ اللَّه ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَاربُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرينَ لَيْلَةً، وكانَ رسولُ اللَّه ﷺ رَحِيمًا رفِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا؛ فسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلى أَهْلِيكم فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُم، وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا صَلاةَ كَذا فِي حِين كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا في حِين كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُم أَكْبَرُكُمَ متفقٌ عَلَيْهِ.
زاد البخاريُّ في روايةٍ لَهُ: وَصَلُّوا كمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي.
3/714- وعن عُمَرَ بنِ الخطابِ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبيَّ ﷺ في الْعُمْرَةِ، فَأَذِنَ، وَقالَ: لا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِك، فقالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّني أَنَّ لِي بهَا الدُّنْيَا.
وفي روايةٍ قَالَ: أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ.
رواه أَبُو داود والترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات مع الأحاديث كلها تدل على شرعية الوصية بالخير والتقوى والاستقامة وما ينفع، عند الموت، وعند السفر، وعند اللِّقاء.
قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، فمدح اللهُ المؤمنين بالتَّواصي بالحقِّ، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]، فالمؤمنون بينهم التواصي بالحق، والتناصح في السفر والحضر، أينما كانوا.
ومن هذا أنه ﷺ خطب الناسَ لما رجع من حجة الوداع في طريقه إلى المدينة في محلٍّ يُقال له: "خم"، فوعظهم وذكَّرهم بالله، ثم قال: إني تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتابِ الله، وتمسَّكوا به، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي.
وقبل ذلك في حجَّة الوداع قال لهم وهو يخطبهم في عرفات: إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلوا: كتاب الله، وفي لفظٍ آخر: كتاب الله وسُنَّتي، وقال: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ولما قدم عليه مالكُ بن الحُويرث وأصحابُه أوصاهم فقال: صلُّوا صلاة كذا في كذا، وصلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي، وليُؤَذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم، فهكذا ينبغي لولاة الأمور والإخوان فيما بينهم: التواصي بالحقِّ والتَّناصح.
وهكذا ما يُروى عن عمر: أن الرسول ﷺ قال له لما أراد السفر للعمرة: لا تنسنا يا أُخَيَّ من دُعائك، أو: أشركنا في دعائك، وفي الحديث الآخر أنه ﷺ قال: إنه يقدُم عليكم أويس القرني، كان بارًّا بأمه، فمَن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له، فهذا من خصال المسلمين، ومن صفات المتقين: التواصي بالحقِّ، والتناصح، والتواصي بالخير.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: ما صحة حديث عمر: لا تنسنا يا أُخَيَّ من دُعائك؟
ج: فيه بعض اللِّين، ففي سنده: عاصم بن عبيدالله، وهو فيه لين.
س: إذا كان الإنسان بارًّا بوالديه، هل يكون مُستجابَ الدعوة؟
ج: يُرجى له.
س: سائلة تسأل عن صفة الحجاب؟
ج: تُغطي بدنَها ووجهَها وغيره بالجلباب أو الخمار أو غيره من الثياب.
س: هل يجوز تجميع الصَّلوات في العمل في بلاد الكفار؟
ج: لا، يجب أن تُصلَّى كلُّ صلاةٍ في وقتها، إلا المريض أو المسافر.
س: قول الرسول ﷺ هنا: وليؤمّكم أكبرُكم؟
ج: يعني: سنًّا؛ لأنَّهم كانوا شَبَبَةً مُتقاربين في العلم، قال: "كنا شَبَبَة متقاربين"، فلهذا قال: يؤمّكم أكبرُكم؛ لأنَّهم إذا تساووا في القراءة والعلم يؤمّهم أكبرهم.
س: حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: "كان عليَّ الصومُ من رمضان، فلا أقضيه إلا في شعبان"، ما العِلَّة من تأخيرها؟
ج: تقول: "لمكان رسول الله ﷺ"؛ لأجل اتِّصالها بالرسول وحاجته منها.
س: لو أخَّره لغير حاجةٍ إلى شعبان؟
ج: ما فيه بأس، ما بين رمضان إلى رمضان لا بأس.
س: لو أخَّره بعد رمضان؟
ج: ما يجوز، أفتى جماعةٌ من الصَّحابة أنَّ عليه مع القضاء إطعامَ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ.
س: حكم طلب الدّعاء من الغير؟
ج: لا بأس به.