241 من حديث: (كنا قعودا حَوْل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما في نفر..)

 
3/710- وعَنْ أَبي هريرة قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رسولِ اللَّه ﷺ وَمعَنَا أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ بينِ أَظْهُرِنا، فَأَبْطَأَ علَيْنَا، وخَشِينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنا، وَفَزِعْنَا فقُمْنا، فَكُنْتُ أَوَّل مَنْ فَزِع، فَخَرَجْتُ أَبْتَغي رسُول اللَّهِ ﷺ، حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا للأَنْصَارِ لِبني النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ: هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا؟ فلَمْ أَجِدْ، فإذَا ربيعٌ يَدْخُلُ في جَوْف حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَه، والرَّبيعُ: الجَدْوَلُ الصَّغِيرُ، فاحْتَفَزْتُ، فدَخَلْتُ عَلى رسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَبو هُريرة؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا شَأْنُك؟ قلتُ: كُنْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا فقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ علَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنا، ففَزعنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ، فأَتَيْتُ هذَا الحائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهؤلاءِ النَّاسُ وَرَائي، فَقَالَ: يَا أَبا هُرَيرَةَ، وأَعْطَاني نَعْلَيْهِ، فَقَال: اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هاتَيْنِ، فَمَنْ لقيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذا الحائِط يَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ؛ فَبَشِّرْهُ بالجنَّةِ .. وذَكَرَ الحدِيثَ بطُولِهِ. رواه مسلم.
4/711- وعن ابنِ شُمامةَ قالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العاصِ وَهُوَ في سِيَاقَةِ المَوْتِ، فَبَكى طَويلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى الجدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بكَذَا؟ أَما بشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بكَذَا؟ فَأَقْبَلَ بوَجْههِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّه، وأَنَّ مُحمَّدًا رسُول اللَّه، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنِّي، وَلا أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلى تِلْكَ الحالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّار، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ في قَلْبِي أَتيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمينَكَ فَلأُبَايعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: ما لك يَا عَمْرُو؟ قلتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرطُ ماذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الهجرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قبلَها، وأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كانَ قبلَهُ؟.
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ، وَلا أَجَلَّ في عَيني مِنْه، ومَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَمْلَأَ عَيني مِنه؛ إِجلالًا لَهُ، ولو سُئِلْتُ أَن أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أَكن أَملأ عَيني مِنه، ولو مُتُّ عَلَى تِلكَ الحَال لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ وُلِّينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْري مَا حَالي فِيهَا؟ فَإِذا أَنا مُتُّ فلا تَصْحَبَنِّي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإذا دَفَنْتُموني فشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حولَ قَبري قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا؛ حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بكُمْ، وأنظُرَ مَا أُراجِعُ بِهِ رسُلَ رَبِّي. رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان كالأحاديث التي مرَّت سابقًا، فيها الدلالة على شرعية تبشير المسلم بما يسرُّه، وأن المؤمن يفرح لأخيه بالخير، ويُبَشِّره بالخير، ويرجو له الخير إذا صدق في ذلك، إذا كان بشَّره بشيءٍ قد وقع: كما يُبَشِّره بسلامةٍ من المرض ويقول: أبشر بكذا وكذا، وأن المرض كفَّارة للسيئات، وحطّ للخطايا، ويُبَشِّره بالزواج، ويُهَنِّئه بالولد، ويُهنئه بأداء الحج، وبأداء العمرة، وما أشبه ذلك مما يُحبُّ له من الخير.
ومن ذلك قصة أبي هريرة لما فزع الناسُ، لما قام النبيُّ ﷺ من بين أظهرهم وأبطأ أن يرجع إليهم، وخافوا أن يكون قد اقتُطِعَ دونهم، فخرجوا في أثره، حتى وصل أبو هريرة إلى بستانٍ ظنَّ أنه فيه، أو بلغه أنه فيه، فلم يجد بابًا، فدخل مع مجرى الماء، واحتَفَزَ كما يحتفز الثعلبُ؛ لأجل ضيق المكان، يعني: جمع نفسَه كما يجمع الثعلبُ نفسَه إذا أراد أن يدخل، فلمَّا وقف عليه ﷺ قال له: ما شأنُك؟ قال: إنَّك كذا وكذا، فخشينا أن تُقتطع دوننا، والناس من ورائي، فأعطاه النبيُّ ﷺ نعلَيْهِ وقال: اذهب بهذين النَّعلين فمَن لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله مُستَيْقِنًا بها قلبُه فبَشِّرْه بالجنة، فهذا فيه بشارة أنَّ أهل التوحيد على خيرٍ، وأنَّ مَن مات على التوحيد والإيمان صدقًا من قلبه ولم يَشُبْهُ بالكبائر فهو على خيرٍ عظيمٍ، أمَّا مَن اقترف الكبائر والمعاصي فإنَّ هذا ينقص إيمانه، وينقص يقينه، وهو على خطرٍ؛ ولهذا قال الله جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]؛ لأنَّ المعاصي تنقص الإيمان، وتنقص التوحيد.
وهكذا قصة عمرو بن العاص حين قال له ابنُه: إن الرسول ﷺ بشَّرك بكذا، وبشَّرك بكذا، وكان عمرو في مرضه قد خاف على نفسه، وتذكَّر أحواله الثلاث فقال: كنا على أحوالٍ ثلاثٍ: لم يكن أحدٌ أبغضَ إليَّ من رسول الله ﷺ – لما كان في حال الكفر- ولو تمكنتُ من قتله لقتلتُه، فلو متُّ على هذه الحالة لكنتُ من أهل النار، ثم أوقع الله في قلبه المحبة للإسلام وللنبي ﷺ، حتى أتى إليه وبايعه، فصار أحبَّ الناس إليه، وكان لا يطيق النظر إليه من تعظيمه له عليه الصلاة والسلام، قال: ولو متُّ على هذا لرجوتُ أني من أهل الجنة، ثم وُلِّينا ما وُلِّينا من الإمارات والحرب التي جرت بين معاوية وعليٍّ، وكان عمرو بن العاص من أعيان أصحاب معاوية، فخاف على نفسه من هذه الحوادث الجديدة، فجعل ابنُه يُبَشِّره ويقول: قد بشَّرك النبيُّ ﷺ بكذا، وبشَّرك النبي ﷺ بكذا.
فهذا فيه بشارة المسلم بما يسُرُّه، وأن النبيَّ ﷺ قال له: أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، والهجرة تهدم ما كان قبلها، والحج يهدم ما كان قبله؟، هذا فيه أن التوبة والإسلام تهدم ما كان قبلها، يعني: يمحو الله بها ما كان قبلها، وهكذا الهجرة من أسباب المغفرة، وهكذا الحج، كما قال ﷺ: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنَّة، كل هذا قاله النبيُّ ﷺ، يعني: بشرط اجتناب الكبائر؛ لأنَّ الله قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31].
نسأل الله أن يُوفِّق الجميع.

الأسئلة:
س: ما المقصود بالهجرة؟
ج: الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.
س: إذا كان الإنسانُ يذكر ماضي الشَّخص؟
ج: إذا هاجر من بلاد الشرك هجرة التَّائبين المُنيبين إلى الله صارت الهجرةُ كفَّارةً له، إذا هاجر صادقًا تائبًا.
س: سائلة تقول: جاء وقتُ صلاة المغرب وهي في البلد، ولا يوجد مسجدٌ؟
ج: تُصلِّي في أحد المساجد، أو تصبر حتى تصل بيتَها.
س: ولو غربت الشمسُ؟
ج: الوقت الذي تغيب فيه الشمسُ وقتٌ طويلٌ؛ ساعة ونصف تقريبًا.
س: يكفيها؟
ج: يكفيها إلى أن تصل بيتها وتُصلي: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
س: لا تُصلي خارج بيتها؟
ج: إذا وجدتْ مكانًا خارج بيتها فطيبٌ: كمسجدٍ أو محلٍّ تُصلِّي فيه.
س: رجلٌ يأمر ولدين له أن يذهبا إلى المَبَرَّة ليأتيا بشيءٍ من الصَّدقات، يقول هذان الولدان: هل يجوز لنا أن نمتنع من أمر والدنا لنا؛ لأننا مُقتدرين، ولا نريد الذهابَ إلى هذه المَبَرَّة؟
ج: إذا كانوا أغنياء لا يجوز لهم، فالمبرة للفقراء، فيُعَلِّما والدهما ويقولا: ما تجوز لنا، ما تصحّ لنا، وإنما الطاعة في المعروف، أمَّا إذا كانوا فقراء فلا بأس.
س: الله يكفيهم، لكن عظيم حياءٍ منهم لا يُريدون أصلًا الذهابَ إلى هذه المَبَرَّة؟
ج: المقصود أنهم إذا كانوا فقراء يُلزمون بطاعة والدهم، وإن لم يكونوا فقراء فلا تلزمهم طاعةُ والدهم، أما الحياء فليس له محلٌّ في هذا.