196 من: (باب فضل الغني الشاكر وهو مَن أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بها..)

 
64- باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو مَن أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بِهَا
قَالَ الله تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5- 7].
وقال تَعَالَى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ۝ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ۝ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ۝ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ۝ وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17- 21].
وقال تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271].
وقال تَعَالَى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92].
والآيات في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة.
1/571- وعن عبدِاللَّهِ بنِ مسعودٍ قال: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا حَسَدَ إِلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، ورَجُلٌ آتَاه اللَّهُ حِكْمَةً فُهو يَقْضِي بِها وَيُعَلِّمُهَا متفقٌ عَلَيْهِ.
2/572- وعن ابْنِ عمر رضي اللَّه عنهما، عن النَّبي ﷺ قَالَ: لا حَسَد إِلَّا في اثنَتَين: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيل وآنَاءَ النَّهارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالًا، فهوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهارِ متفقٌ عليه.
3/573- وعَن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه: أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسولَ اللَّه ﷺ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى، والنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقَال: ومَا ذَاكَ؟ فَقَالُوا: يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، ويَعْتِقُونَ وَلا نَعتقُ، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئًا تُدرِكُونَ بِهِ مَنْ سبَقَكُمْ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثلَمَا صَنَعْتُم؟ قالوا: بَلَى يَا رسولَ اللَّه، قَالَ: تُسَبِّحُونَ، وتحمَدُونَ، وتُكَبِّرُونَ دُبُر كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ مَرَّةً، فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رسولِ اللَّه ﷺ فَقَالُوا: سمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَموَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلوا مِثْلَهُ! فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يشَاءُ متفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذا لفظ روايةِ مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث تدل على فضل الغني الشاكر، وهو مَن أعطاه الله المال فأنفقه في وجوه الخير، واكتسبه من وجوه الخير، فهو على خيرٍ عظيمٍ، ودرجةٍ عظيمةٍ.
فينبغي للمؤمن أن يتحرى هذا الخير، وأن يُنفق ويُحسن، حتى يكون من الأغنياء الشَّاكرين، كما قال الله جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، وقال جلَّ وعلا: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]، ويقول جلَّ وعلا: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، فالنَّفقة في سبيل الله فيها الخير العظيم، وصاحبها في منزلةٍ عظيمةٍ، فينبغي للمؤمن أن يحرص على الإنفاق والجود مما أعطاه الله من الرزق، وأن يُواسي الفقير والمحتاج، ويصل الرحم، ويُنفق في وجوه الخير.
يقول ﷺ: لا حسدَ إلا في اثنتين، هذا حسد غبطةٍ، يعني: لا شيء ينبغي أن يُغْبَط صاحبُه، ويُحْرَص على أن يُعْمَل مثل عمله إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلَّطه على هلكته في الحقِّ، ورجل آتاه الله الحكمة –يعني: العلم- فهو يقضي بها ويُعلِّمها، وفي اللفظ الآخر: آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل والنّهار، والقرآن أعظم الحكمة، وهو رأس الحكمة، وأصل الحكمة.
فهذه خصلتان عظيمتان: العلم مع العمل، والثانية: الإنفاق في وجوه الخير، فهاتان الخصلتان يُغبط أهلُهما ويُحْسَدون على ذلك، يعني: حسد الغبطة، فكل مؤمنٍ يتمنَّى أن يكون عنده العلم، وعنده القرآن، وعنده البصيرة، فيُعلِّم الناس ويُرشدهم، وعنده المال الذي ينفع الناس، فلو جمع الله للرجل المالَ والعلمَ فأنفقه في وجوه الخير، وعمل بعلمه، وأرشد الناس إلى الخير؛ فله هذا الخير العظيم.
فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا على هذا؛ على طلب العلم، والتَّفقه في الدين، ونفع الناس، وعلى الأمر الثاني؛ وهو المال من وجوهه الطيبة، حتى يُنفقه في وجوهه.

والحديث الثاني: أنَّ فقراء المهاجرين أتوا النبيَّ ﷺ فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهلُ الدّثور –يعني: أهل الأموال- بالأجور -يعني: غلبونا- يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويعتقون ولا نعتق، ويتصدَّقون ولا نتصدَّق، يعني: ما عندنا أموال، فقال لهم النبيُّ ﷺ: ألا أدلكم على شيءٍ تُدركون به مَن سبقكم، وتسبقون به مَن بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلَّا مَن صنع مثلما صنعتُم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تُسبِّحون، وتحمدون، وتُكبِّرون دُبُر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين مرةً، وفي رواية مسلم: يقول تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، وأنَّ مَن قالها غُفِرَتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر.
هذا فضلٌ عظيمٌ مع عملٍ خفيفٍ، فينبغي للمؤمن أن يُحافظ على هذا، كما علَّمه النبيُّ ﷺ للفقراء.
ثم جاء الفقراء إليه فقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهلُ الأموال ما قلتَ لنا فعملوا بذلك! يعني: جمعوا بين الصدقات وهذه الأذكار، فقال النبيُّ ﷺ: ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، مَن رزقه الله العمل الصالح والإنفاق فهذا فضله وجوده جلَّ وعلا، يُعطي فضلَه مَن يشاء ، والفقير الذي عنده نيَّة صادقة أن لو كان له مال مثل فلانٍ لأنفقه؛ فإنهما يكونان في الأجر سواء كما تقدم، فيكون له أجره إذا كانت عنده النية الصالحة: أن لو كان له من المال مثل فلان لعمل مثل عمله؛ فيكون شريكًا له في الأجر، أي: له مثل أجره، وهذا من فضل الله ورحمته وإحسانه.
فالواجب عليك يا عبدالله والمشروع لك أن تجتهد في النية الصالحة، والعمل الصالح، القاصر والمتعدِّي، القاصر على نفسك، والمتعدِّي إلى غيرك، من العلم، ومن التعليم والتوجيه والصّدقات، وغير هذا من وجوه الخير المتعدي.
رزق الله الجميع التَّوفيق والهداية.

الأسئلة:
س: إتيان القرآن المقصود به حفظ القرآن أم معرفة الأحكام والتَّفسير؟
ج: المقصود: حفظ القرآن، والقيام به، والعمل به ولو ما حفظه، فإذا عمل به فهو من أهله.
س: إذا حسد الشخصُ في غير هاتين الخصلتين، فما حكمه؟
ج: حسد الغبطة لا بأس به، كأن يحسده في اتِّباع الجنائز، أو في كثرة الحج، فلا يضرّ، والحسد الممنوع هو أن يتمنى زوال النّعمة عنه، هذا هو الحسد المذموم الذي قال فيه جلَّ وعلا: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]، فيتمنى أن تزول النّعمةُ عن أخيه، أمَّا كونه يتمنى أن يكون مثله، ويحرص على أن يكون مثله؛ فكله خير، سواء في القرآن، أو في الحج، أو في الصيام، أو في الصّدقات، أو في المشاريع الأخرى الخيرية.
س: هل الحسد معصية؟
ج: الحسد من أقبح السيئات، ومن خصال اليهود –نعوذ بالله.
س: ................... رسول الله ﷺ، الأول: لما أديم النظر قبل أيام أنَّ مَن لم يكن له مال ويتمنى لو أنَّ عنده مالًا لأنفقه في الشرّ كُتبت عليه سيئات، وفي الحديث الآخر إذا همَّ بالسيئة ولم يعملها لم تُكتب عليه؟
ج: إذا همَّ بها ولم يعملها ما تُكتب عليه، وإن تركها من أجل الله صارت حسنة، وإذا همَّ بالصدقة ولم يعملها صارت حسنةً واحدةً، فإن عمل صارت عشر حسناتٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
س: الذي في هذا: رجل ما عنده مال ويتمنى أن لو كان عنده مال لفسق وعصى؟
ج: على نيته الخبيثة –نسأل الله العافية.