192 من حديث: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُكي فيُكى عليك..)

 
16/559- وعن أَسماءَ بنتِ أَبي بكرٍ الصّديق رضي اللَّه عنهما قالت: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: لا تُوكِي فيُوكَى عليكِ.
وفي روايةٍ: أَنْفِقِي، أَو انْفَحِي، أَو انْضِحِي، وَلا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ متفقٌ عليه.
17/560- وعن أَبي هريرة : أَنه سَمِع رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِن حَديدٍ مِنْ ثُدِيِّهِما إِلى تَرَاقِيهمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ فَلا يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُو يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ متفقٌ عليه.
18/561- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ- فَإِنَّ اللَّه يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصَاحِبِها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبلِ متفقٌ عَلَيْهِ.
19/562- وعنه ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: بيْنَما رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرض، فَسَمِعَ صَوتًا في سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ، فإِذا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإِذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، ما اسْمُكَ؟ قال: فُلانٌ، للاسْمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ، فقال له: يَا عَبْدَاللَّهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَال: إنِّي سَمِعْتُ صَوتًا في السَّحَابِ الَّذِي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيها؟ فَقَالَ: أَمَا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإنِّي أَنْظُرُ إِلى مَا يَخْرُجُ مِنها، فَأَتَصَدَّقُ بثُلُثِه، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فِيها ثُلثَهُ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كالتي قبلها في الحثِّ على الصدقة والإنفاق في وجوه الخير وعدم الشُّحِّ؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا يقول: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ويقول : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
الحديث الأول
وفي الحديث الأول: أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعن أبيها- جاءتها أمُّها تشكو الحاجةَ، فأمرها النبي ﷺ أن تصل أمَّها، وقال: أنفقي يُنْفِق الله عليكِ، ولا تُوعِي فيُوعي الله عليك، فأمرها بالإنفاق والإحسان، قال: ولا تُحصي فيُحْصِي الله عليكِ، أمرها بالجود والكرم حتى على أمِّها الكافرة، وقد جاءت في وقت الصلح الذي كان بين النبي ﷺ وأهل مكة.
فالمشروع للإنسان الإنفاق والإحسان، حتى ولو على أقاربه الكفّار إذا لم يكونوا حربًا لنا، في حال الصلح والأمان؛ لأنَّ في هذا صلةَ رحم، وفيه دعوة لهم إلى الإسلام، وتأليفًا لقلوبهم، فيُشرع للمؤمن أن يُنفق عليهم ويُحْسِن لهم، فالإنفاق يأتي بالخير، ويأتي برضا من الله .
الحديث  الثاني
ثم ضرب النبيُّ ﷺ مثلًا للمُنفق والبخيل فقال: مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديدٍ، كلما أراد المنفقُ أن يُنفق سبغت الجبة وارتخت حتى تُعفي أثره، وتُعفي أنامله، وأمَّا البخيل فكلما أراد أن يتصدَّق لصقت كلُّ حلقةٍ من حلقات الجبَّة في مكانها، ولصقت في صدره، وضاقت عليه، فهذا مثلٌ للشُّحِّ، فالبخيل في صدره شُحٌّ، كلما أراد النَّفقة منعه شحُّه وبخله وسُوء ظنّه، أما الجواد الكريم فإنه كلما أراد أن يُنفق اتَّسع صدره وانشرح وأنفق بطيب نفسٍ.
الحديث الثالث
وفي الحديث الثالث يقول ﷺ: ما من رجلٍ يتصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا تقبّلها الله منه، فيُرَبِّيها لصاحبِها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيلَه، حتى تكون مثل الجبل، التمرة تكون مثل الجبل، إذا تصدق بتمرةٍ أو بدرهمٍ أو بغير ذلك، من كسبٍ طيبٍ؛ تقبَّلها الله وربَّى هذه الصَّدقة لصاحبها حتى تكون مثل الجبل، وهذا فيه الحثُّ على الصدقة ولو بالقليل.
وتقدَّم قوله ﷺ: اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ، وتقدم لكم غير مرَّةٍ حديث عائشة في المرأة التي جاءت بابنتين لها تشحَذُ، فأعطتها عائشةُ رضي الله عنها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدةٍ من ابنتيها تمرةً، ثم رفعت التمرةَ الثالثةَ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها؛ فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا، قالت عائشة: فأعجبني شأنُها، فلمَّا جاء النبيُّ ﷺ أخبرته، فقال: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة، بهذه الرحمة والإحسان إلى بناتها.
الحديث الرابع
وفي الحديث الرابع: أنَّ إنسانًا سمع صوتًا في سحابٍ يقول: اسْقِ حديقةَ فلانٍ، اسْقِ حديقةَ فلانٍ، فأمطر السَّحابُ، وانساب الماء إلى شرجةٍ بين الجبال، فجاء الرجلُ إلى صاحب الشَّرجة، فإذا هو يُعدِّل الماءَ بمسحاته، فقال له: ما اسمك؟ فأعلمه اسمه، ثم قال: لماذا تسألني عن اسمي؟ قال: لأني سمعتُ في السَّحاب الذي هذا ماؤه صوتًا يقول: اسْقِ حديقةَ فلانٍ، اسْقِ حديقةَ فلانٍ، فما كنتَ تصنع في هذه المزرعة؟ قال: كنتُ أجعلها ثلاثًا: ثلث آكله أنا وعيالي، وثلث أردّه في المزرعة وفي حاجاتها، والثلث الثالث أتصدَّق به، فبسبب صدقته بالثلث سقى الله حديقته وأمر السَّحاب أن يصُبَّ الماء في حديقته: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت:17].
وهذا فيه دلالة على معنى قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول النبيُّ ﷺ: يقول الله جلَّ وعلا: يا ابن آدم، أَنْفِقْ يُنْفَق عليك، وفي كل صباحٍ ينزل ملكان، يقول أحدُهما: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقول الثاني: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، ويقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، ويقول سبحانه: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
فجديرٌ بالمؤمن أن يأخذ بهذه الآيات والأحاديث، وأن يُنفق في وجوه البرِّ ولو بالقليل، ولا يحقر القليل، فيتصدق على السَّائلين والفقراء، ويعطي جاره المحتاج: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: الجُبَّة هذه تُعبِّر عن النَّفس؟
ج: نعم عن النفس، فالبخيل مثل الجبَّة الضَّيقة، كلما أراد أن يُوسّعها لم تَتَّسع، فهي ماسكة يديه، والمنفق السَّخي كلما أراد أن يُنفق اتَّسعت الجبة وانشرحت حتى يُنفق.
س: اعتمرتُ في رمضان الماضي، .......... في سبعة أنفار، ولكن نحن ما قصَّرنا، لا هو بنسيانٍ، ولا هو بعمدٍ؟
ج: يعني: جهل.
س: لا، ما هو بجهل، يوم طلعنا من المسعى ما رأيتُ المُقَصِّرين الذين يأتون في الحج، ............ ما علينا تقصير، وطلعنا؟
ج: وأنت قصَّرت؟
س: ما قصّرنا.
ج: متى هذا؟
س: في رمضان الماضي.
ج: ما قصَّرْتَ إلى هذا الحين؟
س: نعم.
ج: قصِّرْ، اذهب إلى البيت وقصِّرْ.
س: علام يكون التَّقصير؟
ج: إذا كنتَ تعلم أن التقصير واجبٌ عليك قبل اللبس.
س: ما أنا بناسٍ ولا مُتعمِّد، لكن ما رأيتُ ..
ج: عليك أن تُطعم ستة فقراء ثلاثة أصواع عن اللبس، كل فقير نصف صاع، وثلاثة أصواع عن غطاء الرأس، ...........، أمَّا إذا كنتَ جاهلًا فلا شيء عليك، فإذا كنتَ تركتَ هذا جاهلًا فلا شيء عليك.
س: .................؟
ج: لا، هذا ليس عذرًا، كان عليك أن تسأل وتبحث.
س: ما سألتُ.
ج: الأحوط أن تُكَفِّر، فتُطعم ستة مساكين ستة أصواع، ثلاثة عن الرأس، وثلاثة عن الملابس، مع التوبة والاستغفار.
س: عني أنا وزوجتي؟
ج: كل واحدٍ منكم يُنفق ستة أصواع، ثلاثة عن غطاء الرأس، وثلاثة عن اللباس الذي لبسه، والآن ............ في البيت وتُقَصِّر.
س: أُقَصِّر في البيت؟
ج: في البيت، أو عند المقصر.
س: نُفَدِّي عن كل واحدٍ بستة أصواع؟
ج: ستة أصواع: ثلاثة عن الرأس، وثلاثة عن البدن، لستة مساكين.
س: ............ الصدقة جارية؟
ج: تتصدق على الأموات؟
س: نعم.
ج: الأموات ماتوا، ولكن تصدَّق عنهم.
س: أقصد الذين يتركون مثلًا بئرًا أو سقايةً؟
ج: هذه تُسمى: وَقْفًا، سبالة، وقفًا طيبًا، صدقةً، إذا ترك مزرعةً للفقراء، أو بيتًا يُؤَجَّر ويُسكن؛ فهذه صدقة تبقى وتستمر.