179 من حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء)

 
24/514- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: "كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ يَبِيتُ اللَّيَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلُهُ، لا يَجِدُونَ عَشاءً، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْز الشَّعِيرِ" رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
515- وعن فضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ : أَن رسولَ اللَّه ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ، حَتَّى يَقُولَ الأَعْرَابُ: هؤُلاءِ مَجَانِينُ، فَإِذَا صلَّى رسولُ اللَّه ﷺ انْصَرف إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً رواه الترمذي وقال: حديثٌ صحيحٌ.
26/516- وعن أَبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن مَعْدِيكَرِب قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقولُ: مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على الصبر على ما يُصيب الإنسانَ من الفاقة والحاجة، وأن الله جلَّ وعلا يَأجُره على ذلك خيرًا كثيرًا، وأنَّ له سلفًا صالحًا، فقد أصاب ذلك سيدَ الخلق عليه الصلاة والسلام، وأصاب الصحابةَ من المهاجرين والأنصار ما أصابهم من الفاقة والحاجة، فله فيهم أسوة، فينبغي للمؤمن إذا أصابته الفاقةُ ألا يجزع، وأن يتصبَّر ويتحمَّل.
ولهذا جاء في هذا الحديث أنه ربما مرَّت على النبي ﷺ عدَّةُ ليالٍ لا يجد شيئًا، وأهله كذلك لا يجدون شيئًا، لا شعير، ولا غيره، فهذا يدل على أنهم قد تُصيبهم الخصاصةُ والمجاعةُ فيصبرون.
وقد سبق قول عائشة رضي الله عنها: "لقد هلَّ هلالٌ، ثم هلالٌ، ثم هلالٌ ما أُوقد في أبيات النبي نارٌ"، قيل لها: ما كان يُعيشكم؟ قالت: "الأسودان: التمر والماء".
وفي هذا أنَّ بعض الصحابة من أهل الصُّفَّة كانوا إذا قاموا في الصلاة يسقطون من شدة الجوع والحاجة، فيقول لهم النبيُّ ﷺ: اصبروا، فلو تعلمون ما لكم عند الله من الأجر لأحببتُم أن تزدادوا فاقةً، فالله جلَّ وعلا يأجُر الصابرين على ما يُصيبهم من المحن والفاقة والمشقة، لكن ليس معنى هذا أن يُعطِّل الإنسانُ الأسباب، لا، عليه أن يأخذ بالأسباب: فيعمل ويطلب الرزق، لكن إذا أصابته فاقةٌ يصبر ولا يجزع، ويتحمّل كما تحمّل الصحابة.
ويقول ﷺ في حديث المقدام: ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنٍ، مِلْءُ البطون فيه خطرٌ كبيرٌ، فهو يُسبّب التّخمة وأمراضًا كثيرةً.
بحسب ابن آدم: يكفي ابن آدم، لُقَيْمَات -وفي لفظٍ: أكلات- يُقِمْنَ صلبه، فإن كان لا محالة فثلثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه يعني: إذا رتَّب ونظَّم أكله، فيأكل ولا يشبع، ويشرب ولا يروى كثيرًا، ويُبْقِي شيئًا للتنفس والراحة، فهذا أحسن له؛ لأنه إذا أكل في الثلث، وشرب في الثلث، بقي ثلثٌ للتنفس والراحة.
والشِّبَع لا بأس به، والرِّيُّ لا بأس به، لكن إذا ترك بعضَ الشِّبَع وبعضَ الري ليتنفَّس وليُعطي بطنَه الراحة، فهذا لا بأس به.
وقد سبق أن النبي ﷺ دعا أهل الصفة، وأعطى أبا هريرة قدحًا فيه لبن ليسقيهم، فسقاهم جميعًا، ثم بقي أبو هريرة والنبي ﷺ، فقال له النبيُّ ﷺ: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب، فقال: والذي بعثك بالحقِّ، لا أجد له مسلكًا، يعني: قد رويتُ جدًّا، فلا بأس أن يروى الإنسان ويشبع، لكن كونه يُعالج نفسه، ويُبقي شيئًا للنَّفَس في أكله وشربه، ولا يشبع كثيرًا، ولا يروى كثيرًا؛ يكون أصلح لحاله، وأصلح لجسمه، وأسلم من العواقب.
والمقصود من هذا كله: الصبر على ما يُصيب الإنسان من الحاجة، ولكن -مثلما تقدَّم- ليس معناه أن يخلد إلى الراحة ويترك الأسباب، لا، بل يأخذ بالأسباب؛ حتى يستغني هو ومَن تحت يده، وحتى يجد ما يسدّ حاجته؛ لقوله ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، وقوله ﷺ: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وقوله ﷺ لما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقوله ﷺ: لأن يأخذ أحدُكم حبله فيأتي بحزمةٍ من الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكفّ بها وجهه؛ خيرٌ له من سؤال الناس: أعطوه، أو منعوه، فالأسباب مطلوبة: بيع، أو شراء، أو غِراسة، أو غير ذلك من أسباب الرزق.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: السفر بنية الزواج بالطلاق ما حكمه؟
ج: لا حرج عند الجمهور، لكن تركه أحوط وأفضل؛ خروجًا من خلاف مَن حرَّمه.
س: إنسان ابتلي بشدة الشهوة، ولا يريد أن يُعلم زوجته؟
ج: يتزوج ويُعلن في المحل الذي فيه الزواج، فإذا صار في محلٍّ آخر يُعلنه، ما يصير كالزنا، يكون هناك إعلام عند الجيران وعند ..
س: المقصود شدة الشهوة؟
ج: له أن يتزوج لكن لا يُخفيه، يُعْلِنه؛ حتى لا يكون شبيه الزنا.
س: هل يُعلم زوجته؟
ج: إن أعلمها لا بأس، وإن لم يُعلمها لا بأس.
س: لماذا سُمُّوا بأصحاب الصُّفة؟
ج: لأنَّ النبي ﷺ أنزلهم فيها، فالصُّفة معناها: الحجرة في المسجد.
س: مَن اكتفى باتِّخاذ الدعاء سببًا في التَّداوي؟
ج: الدعاء سبب، لكن إذا تداوى بشيءٍ آخر من: المأكولات، أو المشروبات، أو الكي، أو الدهون، أو المروخ، أو غير هذا؛ فلا بأس، فالأسباب لا بأس بها.
س: بعض المُتصوفة في بعض البلدان يتَّخذون من هذا الحديث كلمة "أهل الصُّفَّة"، فيقولون: نحن الصُّوفية، وهي مأخوذة من "أهل الصُّفَّة"؟
ج: لا، هذا خطأ، الصُّفَّة: الحجرة، يعني: حجرة في المسجد ينزلها الفقراء.
س: يقولون: نحن أخذناها من هذا الحديث؟
ج: لا، هذا جهل منهم، فإنَّهم كانوا يسكنون الصُّفَّة لأجل حاجتهم إليها، فينزلونها حتى يعرفهم الناس، فيأتي مَن يأتي بصدقته أو مساعدته لهم؛ لأنَّهم يعرفون أنهم في الصُّفَّة، فيُساعدونهم بما تيسَّر.
س: ما حكم الزواج بين الرجال؟
ج: اللّواط! أعوذ بالله.
س: هل يدخل في الكفر؟
ج: إذا استحلّه يكفر.
س: هو يسمح به؟
ج: السماح به منكر، إذا أحله وقال أنه لا بأس به؛ فهذا منكر.