17 من حديث (أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر قال: فحسر ثوبه..)

فإن حسر ثوبه بسبب المطر فهذا مستحب، كما فعل النبيُّ ﷺ، ولا يتقيد بشيءٍ، لو حسر الثوبَ عن الرأس، أو ثوبه عن ذراعه أو عن ساقه أو عن قدمه كله داخلٌ في هذا، ما تيسر من ذلك.

وقال: إنه حديث عهدٍ بربه يحتمل أنَّ المراد بإجابته وإنزاله، أو المعنى: لكونه من العلو، فما كان من العلو فهو أقرب من الله .

فالحاصل أنه ماء مبارك، وماء طيب، فاستحبّ أن يُصيبه منه، كماء زمزم، فإنه ماء مبارك يشرب منه الإنسان، ولما جعل الله فيه من البركة، فهكذا ما أنزل من المطر فهو ماء مبارك، وإذا حسر ثوبَه حتى يُصيبه منه بعض الشيء فهو سنة كما فعل النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

س: .............؟

ج: لا، عام، ماء مبارك دائمًا، وطهور دائمًا، هو طهور يُطهر غيره، ومبارك في نفسه، وقد تُنزع البركةُ منه، إذا عصى العبادُ ربهم قد تُنزع البركةُ فلا ينتفعون به، ينزل ولا يحصل به النبات، كما في الحديث الصحيح: ليس القحطُ ألا تُمطروا -أو قال: ليس الجدبُ ألا تُمطروا- إنما الجدبُ أن تُمطروا ثم تُمطروا ثم لا تُنبت الأرض شيئًا خرَّجه مسلم في "صحيحه"، نسأل الله العافية، قد تُنزع البركة من الماء المبارك لأجل معاصي العباد والمنكرات بينهم، نسأل الله السلامة والعافية.

 

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: خرج سليمان -أي: ابن داود النبي عليه الصلاة والسلام- يستسقي، فرأى نملةً مُستلقيةً على ظهرها، رافعةً قوائمها إلى السَّماء تقول: اللهم إنَّا خلقٌ من خلقك، ليس بنا غنًى عن سُقياك، قال: ارجعوا؛ فقد سُقيتُم بدعوة غيركم خرَّجه أحمد، وصححه الحاكم.

هذا يدل على أنَّ الاستسقاء موجود في عهد الأنبياء الماضين: في عهد سليمان، في كونهم يستسقون عند الجدب.

وفي هذا دلالة أنَّ الحيوان يحسّ بهذا الشيء، ويسأل ربه المطر؛ لما في نزول المطر من إنعاش الحيوان من الطيور والدَّواب، فالمطر رحمة للجميع، ومصلحة للجميع.

وفي هذا أنَّ الله جعل في الدَّواب إحساسًا وشعورًا بربها ومالكها وخالقها ، كما قال : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ يعمّ النَّمل وغيره، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، هذا عام، يعني: ما من شيءٍ، شيء أعم ما يكون من النَّكرات، فدلَّ ذلك على أنَّ هذه الحيوانات وهذه المخلوقات لها شعور بخالقها وربها، وأنها تُسبحه وتُقدسه ، ومن ذلك عمل هذه النَّملة.

فقد راجعتُ في "الفتح الرباني" في باب الاستسقاء فلم يذكر هذا الحديث عن أبي هريرة، ولعله فاته .....

 

والحديث السادس حديث أنسٍ: أنه ﷺ.

أو كون سليمان رجع إن صحَّ الخبر لا يدل على أنَّ هذا هو المشروع؛ لأنَّ شرع مَن قبلنا شرع لنا إذا لم يأتِ شرعُنا بخلافه، وشرعنا جاء بالاستغاثة وعدم النَّظر إلى ما يقع من الدَّواب؛ النبي ﷺ اشتغل لما سُئل، وصلَّى صلاة الاستسقاء، فدلَّ ذلك على أنه يستسقي ولو قدر أنَّ بعض النمل أو غيره استسقى، السنة أن يستسقي ويدعو ربَّه؛ لما فيه من الخير العظيم: من الضراعة إلى الله ودعائه، والصلاة والخطبة، كلها خير كيفما فعل المسلمون.

فينبغي لولي الأمر في وجود الجدب والقحط أن يُبادر بالاستسقاء، وأن يأمر الناس بذلك؛ لما فيه من الضَّراعة إلى الله والافتقار إليه، وإظهار الفاقة والحاجة؛ ولما في الدعاء والضَّراعة إلى الله من الخير العظيم، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]؛ ولما في ذلك من إشعار الناس أنهم في حاجةٍ إلى الله، وأن الذنوب والمعاصي من أسباب منع القطر، فلعلهم يتوبون، ولعلهم يُنيبون.

وينبغي أيضًا حثُّ الناس على التَّوبة عند الاستسقاء، ووعظهم وتذكيرهم وترهيبهم بالتوبة إلى الله والصدقة على الفقراء والمحاويج ورحمتهم؛ فإنَّ مَن رحم الناس رحمه الله: الراحمون يرحمهم الرحمن، مَن لا يَرحم لا يُرحم.

 

الحديث الأخير حديث أنسٍ: أن النبي ﷺ دعا بالاستسقاء، وأشار بظهر كفَّيه إلى السَّماء. جاء في الرواية الأخرى: أنه بالغ فرفع يديه حتى رأى الناسُ بياضَ إبطيه. وبالغ في الرفع عليه الصلاة والسلام، ما بالغ في رفعٍ مثلما بالغ في الاستسقاء.

فهذا يدل على شرعية الرفع في الاستسقاء، وأن يُبالغ، وأن يقول هكذا.

أما كونه قلبها فهو محل نظرٍ، النصوص المجتمعة إذا جُمعت تدل على أنَّ الدعاء بالبطون لا بالظهور، لكن عند المبالغة قد يصور أنه دعا بظهر كفَّيه، ولكنه دعا ببطونها، ولكن عند الرفع يكون ظهرها إلى وجهه، ثم الطالب يريد الخير، فهو يمد يديه كأنه يستجدي ويريد الخير يقع في يديه.

فالدعاء ببطون الأكفِّ هو الأظهر، وهو المعروف من الأدلة والأحاديث الكثيرة، أما حديث: إذا دعوتُم الله فسألوه ببطون أيديكم لا بظهورها، فلم أعلم صحَّته إلى يومي هذا، فيحتاج إلى نظرٍ في أسانيده.

وأما قول أنس هنا: "وأشار بظاهر كفَّيه" فهو ليس صريحًا في هذا، فالأولى والأظهر أنه بالغ في ذلك.

والخلاصة: أن السنة أن رفع اليدين من الإمام والمأمومين أيضًا، يدعو الإمام سواء كان في الخطبة -خطبة الجمعة- أو في صلاة الاستسقاء المستقلة، يدعو ويرفع يديه، ويرفع الناسُ أيديهم، هكذا السنة.

وقد ثبت في البخاري أن النبي ﷺ لما رفع يديه رفع الناسُ أيديهم، من حديث أنسٍ، فهكذا السنة في خطبة الاستسقاء يرفع ويرفعون، ويدعو ويُؤمِّنون.

وأحاديث رفع اليدين تحتاج إلى جمع .....

كذلك تقدم لنا أني قلتُ لكم: أني لم أقف على أحاديث الاستسقاء عند .....، وقلتُ لبعضكم لعله يلتمسها، وقد راجعتُ ذلك في "المسند" فوجدتُ ..... قد أخرج هذا الحديثَ المتعلق بالاستسقاء عند ..... عن عمير، ولا بأس بإسناده في الجملة، وذكر الحاشي عن "التنقيح": رواه أبو داود والنَّسائي. ذكر في الحاشية أنه رواه أبو داود والنَّسائي، وذكره عن صاحب "التنقيح" ابن عبد الهادي، وأنَّ رجاله موثقون، وذكر أنه جاء من طريقٍ آخر لا بأس به.

فعلى هذا تكون رواية الاستسقاء عند ..... البيت لا بأس بها؛ ولهذا جزم بها ابنُ القيم في "الهدي".

وسبق أيضًا أن قلتُ لكم: أن كون أهل الجنة، النِّساء هنَّ أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار، ليس بظاهرٍ، وأنهن إذا كُنَّ أكثر أهل النار فيكنَّ أكثر أهل الجنة بإضافة الحور العين، وأما أهل الدنيا فلا يظهر أنهن يكنَّ أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار من غير إضافة الحور العين.

ثم ظهر لي بعد التأمل أنه لا مانع من هذا الشيء، لا مانع أن يكنَّ النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة جميعًا من أهل الدنيا، وأيش السبب؟

لأنَّ الظاهر أنَّ النساء أكثر من الرجال في الجملة، وذلك في آخر الزمان يكثر النساء، ويقلّ الرجال، فلا مانع أن يكن أكثر أهل النار بالنسبة إلى الرجال، ولا مانع أن يكن أكثر أهل الجنة بالنسبة إلى الرجال، ولا من غير إضافة الحور العين، فإذا أُضيف الحور العين صاروا أكثر بكثيرٍ؛ لأنَّ النساء كثيرات، فلا مانع أن يدخل النار منهن كثيرٌ، فيكون الداخلُ النار أكثر من الرجال، ولا مانع من أن يكون منهن جمٌّ غفيرٌ يدخل الجنة بأعمالهن الصَّالحة، ويكن أكثر أهل الجنة أيضًا، لا مانع بالتأمل، ما بقي فيه إشكال، والمقطوع قطعًا أنهن أكثر أهل الجنة بلا شكٍّ، كما أنهن أكثر أهل النار بلا شكٍّ، لكن كنتُ أولًا ظننتُ أنه لا يمكن إلا بإضافة الحور العين، وظهر أخيرًا أنه ليس بشرطٍ، بل قد يكن أكثر أهل الجنة من دون إضافة الحور العين، فيكن مع الحور العين هم أكثر أهل الجنة بلا شكٍّ؛ لأنَّ كل شخصٍ من الذكور له زوجتان من الحور العين غير ما يُعطى من الزيادة، وغير ما يكون عنده من نسائه من أهل الدنيا؛ فاتَّضح بهذا أنهن أكثر أهل الجنة بلا شكٍّ.

إنما الإشكال: هل نساء أهل الجنة من أهل الدنيا يكن أكثر أهل الجنة أم لا؟ هذا محل إشكالٍ، ولا مانع من ذلك: أن يكن أكثر أهل الجنة مع الحور العين أيضًا، ولا مانع أن يكن أكثر أهل النار أيضًا مع ذلك، وقد صرَّح به النبيُّ ﷺ، فإنه رآهنَّ أكثر أهل النار، هذا لا إشكالَ فيه، إنما الإشكال في كونهنَّ أكثر أهل الجنة، هذا محل الإشكال، وهو ممكن، لا نقول: إنه .....، ولكن يمكن أن ..... من باب الإمكان.

س: ...............؟

ج: لها أسباب؛ لأنَّ الله قال: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44]، قد يكون ذلك من باب إقامة الحجَّة عليهم، قد يكون عذابهم أكبر، فإنَّ الله خلقهم ورحمهم ، ولولا رحمته إياهم لهلكوا، خلقهم وتكفَّل بأرزاقهم وهم كفار: بالإنفاق عليهم، عندهم الأنهار ..... عليها عندهم الأمطار، هذه أشياء خلقها جلَّ وعلا لرحمة سكان الأرض، فمَن شكرها أفلح، ومَن كفرها صار أشدَّ لعذابه، نعوذ بالله.

...........

يقول المؤلفُ رحمه الله: باب اللباس. يعني: باب أحكام اللباس.

اللباس مصدر: لبس يلبس لباسًا، من غير قياسٍ، سماعي، بمعنى: اللبس، لبس يلبس لبسًا ولباسًا .....، لا قياس له.

واللباس: هو ما يكون على جسد الإنسان من عمامةٍ أو قميصٍ أو إزارٍ أو غير ذلك، فالباب في أحكام ذلك، واللباس له أحكام: من الحلال، ومن الحرام، ومن المكروه؛ ولهذا عقد المؤلفُ في ذلك بابًا وذكره هنا؛ لأنه يتعلق بالصلاة وبالسترة؛ فلهذا ذكره في أواخر أبواب الصلاة ..... الصلاة، فيكون المصلِّي ساترًا عورته باللباس.

الحديث الأول: حديث أبي عامر الأشعري، عن النبي ﷺ أنه قال: ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير، تمامه في البخاري: والخمر والمعازف، هكذا أيضًا عند أبي داود وغيره.

والبخاري رحمه الله ذكره مُعلَّقًا مجزومًا فقال: وقال هشام بن عمار: حدثنا. ثم ساق بسنده إلى أبي عامر، أو أبي مالك بالشكِّ: أنه سمع النبيَّ يقول: ليكونن أقوامٌ .. إلى آخره.

فقوله: "وقال هشام بن عمار" علَّقه عنه جازمًا به، وقد اعتبره الأئمةُ صحيحًا؛ لأنه علّق على شيخٍ من شيوخه وجزم به، ولم يقل: يُروى ويُذكر، فجزم؛ فلهذا اعتبر مما خرَّجه البخاري رحمه الله.

وقد جاء من طرقٍ كثيرةٍ: قد وصله الإسماعيلي كما قال الحافظ المؤلف، وأبو نعيم في "المستخرج"، والطبراني في "المعجم"، وفي "مسند الشاميين" بأسانيد صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ووصله ابن حبان أيضًا.

فهو حديث صحيح الإسناد، محفوظ عن النبي ﷺ، ووصله أيضًا أبو داود رحمه الله.

وفيه الدلالة على تحريم الحرير -وهو الشاهد- لأنَّ "يستحلون" معناها: يستحلون ما حرَّم الله عليهم؛ لعدم إيمانهم، وقلة مُبالاتهم في آخر الزمان، بسبب قلة العلم، وغلبة الجهل والإعراض عن دين الله، فيستحلون ما حرَّم الله، كما قد وقع: يستحل الحرير، يستحل الخمور، يستحل الزنا، يستحل القمار، وغير ذلك مما حرَّم الله؛ لجهلهم وضلالهم وإعراضهم عن دين الله .

أما الحر: فقد اختُلف في ضبطه: فجاء عند الأكثر بالحاء والراء المهملتين: الحر، وهو الفرج الحرام، أي: يستحلون الفرج، يستحلون الزنا.

ورُوي بمعجمتين: الخز، وهو نوع من الحرير يُسمَّى: خزًّا، وهو شيء ناعم من النُّعومة البالغة، ويُطلق الخزّ على أنواع أخرى، لكن المراد هنا النوع من الحرير، وهو من عطف العام على الخاصِّ: الحرير أعم، والخزّ أخص.

ولكن الرواية المشهورة بالإهمال، وهو المراد به الفرج، يعني: في آخر الزمان يكثر مَن يستحل الزنا، ويستحل الحرير، ويستحل المحرمات الأخرى، من أجل عدم الإيمان، أو غلبة الجهل، أو كليهما؛ فدلَّ ذلك على تحريم الحرير، وأنه لا يجوز لبسه، وهذا يختص به الرجال، أما النساء فلا حرج عليهن من لبس الحرير -كما يأتي بيانه إن شاء الله- المراد هنا الرجال يحرم عليهم لبس الحرير دون النساء؛ لأنه زينة للنساء، ويحرم عليهم استحلال ما حرَّم الله من الزنا.

هكذا الخمر والمعازف، وهذا يعمّ الرجال والنِّساء، اتِّخاذ الزنا والخمر والمعازف هذا يعمّ الجميع، أما الحرير فهذا يختص بالرجال تحريمه، وقد كثر في آخر الزمان تعاطي هذه المنكرات: من الحرير والزنا وشرب الخمور وتعاطي المعازف، ولا سيما في عصرنا هذا، فقد كثر هذا الأمر وانتشر بين الناس، واستحلُّوه وغلب عليهم تعاطيه؛ لغلبة الجهل، وكثرة من يتعاطاه من الناس، وضعف الإيمان، وقلة الوازع.

وهذا من أصدق دلائل النبوة، من علامة نبوة محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وأنَّ الناس في آخر الزمان يتغير حالهم، ويكثر انحرافهم عن الهدى، ويغلب عليهم الشر والفساد؛ لبُعد عهدهم بآثار النبوة، وقلة علمهم، وقلة الوازع السلطاني والإيماني في القلوب، إلى غير ذلك؛ فلهذه تقع هذه المنكرات: من استحلال الزنا والحرير والخمر والمعازف.

والخمر هو المسكر، كل ما أسكر يُسمَّى: خمرًا، والمعازف: آلات الملاهي من الغناء، يقال: عزف إذا غنى، ويقال: عزف إذا ضرب بآلة اللَّهو: من العود أو الكمان أو ما أشبه ذلك مما يلهو به، وهي مما يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ومما يُسبب الشَّحناء والعداوة كالخمر.

ويُعلم بهذا تحريم الحرير، وأنه لا يجوز أن يُصلَّى فيه، ولا أن يُلبس، وهو الشاهد، وأما مَن أعلَّه بأنه لم يصله البخاري -كابن حزم- فقد غلط غلطًا فاحشًا، وردَّ عليه العلماء، فإنَّ أهل العلم تلقوا الصحيحَ: ما أسنده المؤلف وما قد ..... به، فعلَّقه جازمًا به، ولا سيما عن مشايخه، فإن حكمه عند أهل العلم الصحة.

ثم لو فرضنا أنه علَّقه بصيغة التَّمريض لا بصيغة الجزم، ثم جاء بطرقٍ أخرى كفى، إذا جاء بطرقٍ أخرى صحيحة كفى بذلك، ولكن مَن في قلبه شيء من الزيغ يتعلق بالمشتبهات ويدع المحكمات، كما بيَّنه الله ، هذا قول العراقي:

عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ لا تُصْغِ لاِبْنِ حَزْمٍ المُخَالِفِ

المقصود أنَّ ابن حزم تعلَّق بهذا وقال: إن خبر المعازف ليس بصحيحٍ، وأن البخاري ..... الإسناد، هذا باطل؛ ولهذا تساهل في المعازف واستحلَّها، وهذا من الغلط الذي انتُقد عليه، مع جلالته وسعة علمه، لكنه غلط في هذا غلطًا كبيرًا، كما غلط في مسائل أخرى.

...............

وجاء في هذا الحديث عند البخاري: ولينزلنَّ قومٌ إلى جنب جبلٍ يروح بسارحةٍ عليهم؛ لما فيهم الحاجة، ويقولون: ائتنا غدًا، فيُبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسح آخرين قردةً وخنازير إلى يوم القيامة، نسأل السلامة والعافية، هذا يقع في آخر الزمان: مَن يُمسخ من القردة والخنازير بسبب عمله الخبيث، وإعراضه عن أمر الله، وركوبه محارم الله .

 

والحديث الثاني: حديث حذيفة عند الشيخين، لكن: "وأن نجلس عليه"، هذه من أفراد البخاري؛ فلهذا عزاه للبخاري، فالنهي عن الذهب والفضة والأكل في صحافها، وعن لبس الحرير والدِّيباج. هذا متَّفق عليه من حديث حذيفة، لكن في رواية البخاري: "وأن نجلس عليه"، فجعل الجلوسَ من جنس اللباس، فالجالس على الشيء كلابسه، فكما حرَّم الله لبس الحرير على الرجال يحرم أيضًا أن يتَّخذوه بُسُطًا يُجلس عليها؛ ولهذا في هذا الحديث نهى أن ..... الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، ونهى عن لبس الحرير والدِّيباج، وأن نجلس عليه، فالجلوس ملحق باللبس.

ومن هذا حديث أنسٍ في الحصير الذي غسله بالماء: أنه من طول ما لبس، يُسمَّى الجلوس عليه: لبسًا.

الحديث الآخر لابن الزبير: لا تلبسوا الحريرَ، فمَن لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة يعني: للرجال، ويأتي بقية الكلام في هذا إن شاء الله.

الحديث الثالث: حديث عمر في النَّهي عن لبس الحرير للرجال إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة. أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم بذكر الأربع، أما عند البخاري فذكر الأصبعين هنا، ومسلم الأصابع الأربعة.

فدلَّ ذلك على أنَّ لبس الحرير محرَّم على الرجال إلا الشيء القليل: كموضع أصبع وأصبعين وثلاثة وأربعة فهذا يُغتفر، كما قد يقع في الثَّوب رقعةً، أو زرًّا يزر به الثوب، أو علامةً في الثوب، أو ما أشبه ذلك إذا كانت قليلةً، التي لا يكون لها سمة الكثرة: كموضع إصبع وإصبعين، أو موضع ثلاثة وأربعة، كله يُعتبر صغيرًا وقليلًا لا يُعول عليه، ولا يُلتفت إليه، ولا يُعدّ صاحبه لابسًا للحرير.

وهذا من سماحة الشريعة وسعتها؛ لأنه قد يُحتاج إلى الشيء القليل، يحتاجه الرجلُ ويُرقع به خرقًا في ثوبه، أو يجعله رباطًا أو زرًّا أو علامةً أو ما أشبه ذلك.

والحديث الرابع: حديث ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف في لباس الحرير، يدل على حديث عبد الرحمن وعن أنسٍ في الإذن للزبير وابن عوف في لبس الحرير، هذا احتجَّ به العلماء على جواز لبسه للمرض للتَّداوي، فهو محرم لما فيه من الرفاهية، فإذا احتاج إليه للتَّداوي جاز؛ لأنَّ تحريمه تحريم خاصّ، ليس عامًّا، بخلاف العام فإنه لا يُباح التَّداوي بالحرام: عباد الله تداووا، ولا تداووا بحرامٍ، ولكن هذا تحريم خاصّ بالرجال لعلةٍ خاصَّةٍ؛ لما فيه من التَّنعم والتَّرفه، فجاز استعماله للتَّداوي من الحكَّة، إذا كان في الجلد حكَّة فهو لنعومته و..... فيه يكون دواء للحكة.

وجاء في الحديث الآخر: أنَّ الحكَّة هذه سببها القمل، فإنهما ابتُليا بالقمل، وكثر فيهما، وأصابتهما حكَّة، فاستأذنا النبيَّ ﷺ في ذلك فأذن لهما، فدلَّ ذلك على جواز لبسه إذا كان دواءً لعلةٍ أصابت الإنسان مثل: الحكة، أما لبسه للتَّرفه أو للبس العادي فيحرم على الرجال بالنص كما تقدم. أما لبسه على وجه التَّداوي فهذا هو ما جاء في عبد الرحمن بن عوف وابن الزبير.

 

والحديث الخامس حديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه: أن النبي ﷺ أهدى له حُلَّة سيراء. والسيراء هي التي فيها خطوط من الحرير .....، وقيل فيه ..... من الحرير، فلبسها عليٌّ وظنَّ أن النبي أجاز له هذا لما بعثها إليه، فلما رآه النبيُّ تغير وجهه، فنزعها عليٌّ وشقَّها لنسائه.

وجاء في الرواية الأخرى أنه قال: لم أبعثها إليك لتلبسها، ولكن لتُوزعها بين الفواطم لتشقّها بين الفواطم، مثل: أمه وزوجته وعمته.

فالحاصل أنه لم يبعثها إليه للبس، ولكن لأمرٍ آخر، وهو أن يكسو بها نساءه.

فيُؤخذ من هذا أنَّ إرسال النبي ﷺ إلى الشَّخص لباسًا لا يدل على حله إذا كان الشرعُ قد حرَّمه، فليس يكون فيه معارضة؛ ولهذا جاء في قصة عمر أيضًا أنه أهداه حُلة من الحرير، فجاء عمر وقال: يا رسول الله، إنَّك قلتَ في حُلة عُطارد ما قلتَ بأنه يلبسها مَن لا خلاقَ له؟! فقال: إني لم أبعثها إليك لتلبسها، ولكن بعثتها إليك لتنتفع بها ببيعها على النساء، تشتريها النساء، يشتريها أزواجهن فينتفع بثمنها، ولا يلزم من إهداء الشيء الذي حرم على الرجال لبسه، لا يلزم من ذلك أن يلبسه، فإنه يُباع، وهكذا الذهب إهداؤه للرجل لا ليلبسه، ولكن ليبيعه أو يُعطي نساءه ما أباح الله لهن.

والأصل فيما يُهدى للإنسان -هذا هو الأصل- الأصل أنه حِلٌّ له، ما أُهدي إليه الأصل أنه حلٌّ له، ولكن إذا وُجد دليل يدل على أنه محرَّم عليه فإنَّ الإهداء لا يكون دليلًا على الحلِّ، ولكن يكون يدل على أنه يجوز أن ينتفع به في شيءٍ آخر غير ما حُرِّم عليه، وهذا من جنس الحرير للرجال، والذهب من الرجال، وأشباه ذلك مما يحلّ لقومٍ دون قومٍ، وجنسٍ دون جنسٍ، والله أعلم.

س: ..............؟

ج: لأنَّ تحريمه ليس تحريمًا عامًّا، وليس لخبثه، وليس لنجاسته، ولكن حرم لمعنى خاصٍّ؛ ولما فيه من النُّعومة التي لا تليق بالرجال.

س: ..............؟

ج نعم، ما يُتداوى بالحرام؛ لأنَّ الرسول قال: تداووا، ولا تداووا بحرامٍ، لا يُتداوى بالخمر، أو يُتداوى بالنَّجاسات، والله أعلم.

س: ...............؟

ج: الظاهر أنه تساهل من المؤلف، قد يكون لأنَّ الأصل متن ..... الصحابي؛ لأنه لا يضرّ الصحابي ..... اسمه أو هو فلان أو فلان ما يضرّ؛ لأنَّ الصحابة كلهم عدول، ولا ..... يعني: كأنه تساهل في هذا، قال: أصله في البخاري؛ لأنَّ المتن في البخاري مع قطع النَّظر.

................

س: تصح الصلاة على الفرش الحرير؟

ج: الصواب تصحّ مع الإثم؛ لأنَّ التحريم ليس من جنس الصلاة، إنما هو عام، فما حرم من أجل الصلاة أفسدها، وما كان عامًّا لا يُفسدها على الصَّحيح.

.............

حديث عبدالله بن قيس : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أُحِلَّ الذهبُ والحريرُ لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورهم أخرجه أحمد -الإمام أحمد رحمه الله- والنَّسائي والترمذي وصححه، وأعلَّه بعضُهم بالانقطاع، ولكن له شواهد يشدّ بعضُها بعضًا، وتدل على أنَّ الحديث له أصل، وهو حُجَّة على أن الذهب والحرير مما أُحلَّ لإناث الأمة، وحرم على ذكورهم.

وهكذا جاء هذا المعنى من حديث عليٍّ: أن النبي عليه الصلاة والسلام حمل حريرةً وذهبًا وقال: هذان حلان لإناث أمتي، وحرامان على ذكورهم.

ومجموع الأحاديث في هذا ما بين صحيحٍ، وما بين حسنٍ لغيره، فهي حُجَّة قائمة على حلِّ الذهب للنساء، وحلِّ الحرير للنساء دون الرجال.

وهكذا ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو عند النَّسائي وأبي داود كما يأتي ..... إن شاء الله، فإنَّ فيه أنَّ امرأةً دخلت عليه -على النبي ﷺ- وعليها مُسكتان من ذهبٍ، فقال: أتُؤدين زكاةَ هذا؟ قالت: لا، .. الحديث.

وحديث أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهبٍ.

فهذه كلها تدل على حلِّ الذهب لإناث الأمة، وتحريمه على ذكورهم.

وقد حكى البيهقي رحمه الله ..... الشافعي والجصاص في "أحكام القرآن" الحنفي إجماع أهل العلم على حلِّ الذهب لإناث الأمة، وأنَّ ما جاء في هذا الباب منسوخ مما يدل على التَّحريم على النساء، وقُصارى ما ورد في هذا بين ضعيفٍ وبين شاذٍّ لا يُعول عليه؛ لأنه خالف الأحاديث الصَّحيحة.

فالصحيح الذي عليه أهلُ العلم وحكى غير واحدٍ إجماعهم: حلّ الذهب للإناث، وتحريمه على الذكور، وهكذا الحرير.

وقد تكلم أخونا العلامة الشيخ ناصر الألباني في كتابه "آداب الزفاف" بهذا المعنى، بكلامٍ غير مُستقيمٍ، والصواب أنَّ الذهب حلٌّ للإناث، حرام على ذكورهم.

وقد ردَّ عليه أخونا العلامة الشيخ إسماعيل الأنصاري في رسالةٍ جيدةٍ بيَّن فيها الأحاديث ومراتبها وكلام أهل العلم فيها، وقد طُبعت ووُزعت.

والحاصل والخلاصة أنَّ الذهب والحرير حلٌّ للإناث، حرام على الذكور؛ لأنَّ الإناث في حاجةٍ للزينة، فالله من رحمته وإحسانه جعل ذلك لهن زينةً.

وأما ما ذكره بعضُ أهل العلم من إباحة المقطع دون غير المقطع من الحلقات، فهو تفصيل ليس بجيدٍ، والأحاديث الصحيحة تدل على ضعفه، وثبت عنه ﷺ أنه أعطى أم خالد بنت سعيد بن العاص خاتمًا من الذهب وهو محلَّق، والمسكتان من الذهب محلَّقة، ومع هذا أباح للمرأة لبسها، وأمرها بإخراج الزكاة.

الحاصل أنَّ هذا هو الصَّواب، والقول بخلاف ذلك خطأ وغلط وخلاف إجماع أهل العلم رحمة الله عليهم.

والحديث الثاني حديث عليٍّ: أن الرسول نهى عن ..... القسي والمعصفر.

القسي -بفتح القاف- هو ثياب تأتي من الشام أو من مصر، مُقززة بالذهب، وفي بعضها أنَّ فيها ..... من الذهب، فنهى النبيُّ عن لبسها لما تقدم من النَّهي عن لبس الحرير للرجال، وهو من زينة النساء، لا من زينة الرجال؛ فلهذا نهى النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وجاءت السنن الصَّحيحة في النَّهي عن ذلك، كما تقدم في حديث حذيفة، وفي حديث عليٍّ رضي الله عنهما، وجاء هذا المعنى في أحاديث كثيرةٍ.

والمعصفر: المصنوع من العصفر.

وهكذا من حديث عبدالله بن عمرو قال: أمك أمرتك بهذا؟، وفي لفظٍ: إنه من لباس الكفار، وفي بعضها: من لباس النساء.

الحاصل أنَّ المعصفر يحرم أو يُكره لبسه؛ لما جاء في حديث عليٍّ وحديث عبدالله بن عمرو، وما جاء في معناهما، ولم يرد في غير المعصفر من الأصباغ الأخرى، فهذا يدل على أنه شيء خاصّ لما يُصبغ من العصفر فقط، ولا يلحق غيره به؛ لأنه ثبت عنه ﷺ أنه لبس الحلَّة الحمراء، وأخذ أهلُ العلم من ذلك حلّ جميع الألوان: من أسود وأخضر وأحمر وغير ذلك، كما يحلّ الأبيض، فهذا الذي ورد في العصفر شيء خاصٌّ يُحمل على ذلك، سواء كان تحريمًا أو كراهةً، وظاهر النصوص تحريمه؛ لأنه قرنه مع القسي، قال: أمرتك بهذا؟، قال: إنه من لباس الكفار، وفي بعضها قال: أحرقهما، هذا كله من باب التَّعزير، ومن باب الترهيب عن لبس المعصفر، هذا ظاهر النصوص، أما قياس غيره عليه من اللون الأحمر مطلقًا فهو محل نظرٍ.

كذلك حديث عمران: إذا أنعم الله على عبدٍ نعمةً أحبَّ أن يرى أثر نعمته عليه.

هذا الحديث جاء من عدة أوجه عن النبي ﷺ: في بعضها أنه إذا أنعم على عبدٍ نعمةً أحبَّ أن يرى أثر نعمته عليه. وفي بعضها: أن تُرى، أن يرى .....، وذلك يدل على شرعية إظهار آثار النِّعم: في ملبسه ومأكله ومسكنه، فإن إظهار الفاقة شكاية ودعوى للفقر بالفعل، ولسان الحال يُشبه لسان المقال.

فمن ..... الله عليه النِّعَم فالمشروع له أن يُظهر ذلك في ملبسه ومأكله ومشربه، وألا يتشبه بالفقراء والمعدمين؛ فإنَّ هذا نوع جحدٍ لنعمة الله، ونوع شكوى، ودعوى للفقر، فلا يليق بالمؤمن ذلك، لكن إذا ترك بعض التَّجمل في بعض الأحيان، أو تواضع في بعض الأحيان وأظهر البذاذةَ؛ فهذا لا بأس به، من باب كسر النفس، ومن باب التواضع، لكن لا يكون عادةً ولا سنةً دائمةً، بل يكون في بعض الأحيان.

وعلى هذا يُحمل ما جاء في بعض الأحاديث: البذاذة من الإيمان يعني: التواضع وإظهار عدم التَّكلف في الملبس ونحوه؛ للتواضع لله، ولكسر النفس عن كبرها وعُجبها وترفُّعها على غيرها، فإذا فعله من هذا الباب كان حسنًا، وكان علاجًا لأدواء النفس، لكن السنة في الجملة أنه يُظهر آثار نعمة الله عليه، ولا يجحد ذلك بفعله السيئ الذي هو كتمان النعم وعدم إظهارها بلسان حاله وأفعاله.

والحديث الخامس: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها: أنها أخرجت جبةً من ديباج وقالت: إنها كانت عند عائشة حتى قُبضت وأخذتها أسماء بعد ذلك، وقالت: إنها كانت ..... المرضى يُستشفى بها.

المؤلف ساقها هنا وذكرها هنا من أجل .....، فدلَّ ذلك على أنَّ ..... الجيب والقميص ..... لا يضرّ ذلك؛ لفعل النبي ﷺ، وهذا عند أهل العلم بشرط أن يكون ذلك لا يزيد على أربعة أصابع كما تقدم، النبي ما أباح إلا أربعة أصابع، فإذا خاط جيبها أو فرجيها -فرجي الجبَّة- أو ما أشبه ذلك منها لما يُعادل أربعة أصابع فأقلّ فلا حرجَ في ذلك؛ جمعًا بين النصوص، وحملًا للمُطلق والمجمل على المقيد المفصل، كما هو القاعدة في النصوص: أن يُحمل مجملها وعامّها على خاصِّها ومقيدها.

وكان يلبس هذه في الجمعة، كما في رواية البخاري في "الأدب"، فهذا يدل على شرعية التَّزين للجمعة وللقاء الوفود، وأنَّ الأولى والأفضل أن تكون له ملابس خاصة لهذا المعنى، فإن الجمعة يجمع الناس، والأعياد كذلك، فينبغي للمؤمن أن تكون له ملابس حسنة في هذه المجتمعات، وقد نصَّت السنةُ على ذلك.

وفي هذا جواز الاستشفاء بما مسَّ جسده ﷺ، تقدم هذا في صلح الحُديبية، فإنَّ الصحابة كانوا يأخذون بصاقه ونخامته ويدلكون بها أبدانهم؛ لما جعل الله فيه من البركة عليه الصلاة والسلام، وهكذا وضوؤه.

والحاصل أنَّ ما مسَّ جسده وما كان من جسده فإنه مُبارك، وكانت أم سليم تأخذ عرقه وتضعه في قواريرها وتقول: إنه أطيب الطيب. ولما حلق رأسَه في حجة الوداع وزَّع شعره بين الناس عليه الصلاة والسلام؛ لما جعل الله فيه من البركة.

ولا يُقاس عليه غيره، كما نصَّ على ذلك المحققون من أهل العلم، بل هذا خاصٌّ به ﷺ، فلا يُقال: إنَّ شعر الصَّالحين أو عرق الصَّالحين يُتبرك به كالنبي ﷺ، وكما فعله جماعةٌ من الشُّراح -كالنووي وجماعة- هذا غلط، والصواب أنه خاصٌّ به ﷺ، لا يُقاس عليه غيره لأمرين:

أحدهما: أنَّ الصحابة -وهم أعلم الناس - ما فعلوه مع غيره عليه الصلاة والسلام، فما فعلوه مع أبي بكر، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع عليٍّ، ولا مع الزبير، ولا مع طلحة، ولا مع غيرهم من العشرة أو غيرهم، فلو كان هذا مشروعًا أو جائزًا لفعلوه مع هؤلاء الأخيار، هم أصلح الناس وأفضل الناس وأعلم الناس بعد الأنبياء.

الأمر الثاني: أنه وسيلة للغلو في الناس، ووقوع الشرك الأكبر والأصغر بسبب هذا؛ فلهذا لم يفعله الصحابةُ مع غير نبيهم عليه الصلاة والسلام، أما مع النبي فلِمَ جعل اللهُ فيه من البركة، ولولا أنه جائز لما أقرَّهم عليه عليه الصلاة والسلام.