170 من حديث: (يقول ابن آدم: مالي! مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت،..)

 
27/483- وعَنْ عبْدِاللَّه بنِ الشِّخِّيرِ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! رواه مسلم.
28/484- وعن عبدِاللَّه بن مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رجُلٌ للنَّبِيِّ ﷺ: يا رسولَ اللَّه، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ: «انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ؟» قَالَ: وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّني فَأَعِدَّ للفَقْر تِجْفافًا، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ» رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
29/485- وعن كَعبِ بنِ مالكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «مَا ذِئْبَان جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المالِ وَالشَّرفِ لِدِينهِ» رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على الإعداد للآخرة وعدم التَّشاغل بالدنيا التي تصدّ عن الآخرة، فالمؤمن خُلِقَ ليعبد ربَّه ويعدَّ العُدَّة لآخرته، لم يُخلق للدنيا، بل خُلِقَ للآخرة، خُلِقَ ليعمل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، فالواجب عليه أن يعدَّ العدة لآخرته، وأن يحذر أسباب التَّفريط، وأسباب النَّقص.
وفي هذا الحديث أنه سمع النبيَّ ﷺ يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، ويقول: يقول العبدُ: مالي، مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقْتَ فأمضيتَ؟! يعني: وما سواه تاركٌ للورثة.
فالمؤمن يعمل لآخرته ويجتهد، أمَّا كونه يتكسَّب ليستر عورته، وليأكل حاجته، وليتصدق ويُحْسِن إلى الناس؛ فلا بأس أن يحرص على ما ينفعه، لكن لا يشغله عن الآخرة، تجارة وعمل لا يشغله عن الآخرة، كما قال ﷺ: المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن الله، وقال ﷺ لما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، فلا مانع أن يتَّجر، ولا مانع أن يزرع، ولا مانع أن يعمل الأعمال الأخرى من: نجارةٍ، أو حدادةٍ، أو غير ذلك، لكن يستعين بها على طاعة ربه، ولا تشغله عن الآخرة.
وهكذا مَن أحبَّ الله ورسوله، وشُغل بطاعة الله، فليعد للفقر تجفافًا؛ لأنَّه يُشغل بمحبَّة الله وطاعته عن الدنيا وطلبها، فيُبْتَلى بالفقر، لكن مَن جمع بينهما فلا حرج عليه، كما جمع الصَّحابةُ: كعبدالرحمن بن عوف، والصديق، وعمر، وغيرهم، جمعوا بين الدين والدنيا، فهم من أهل الأموال، ومن أهل الاستقامة والصلاح، بل من العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم.
والمقصود من هذا أن المؤمن يعدّ للآخرة، ولا يُشغل بما يصدّه عن الآخرة، بل يكون عنده الجدّ في طاعة الله، والعمل بطاعة الله، والحذر مما يشغله عن الآخرة، ولا بأس أن يعمل: يتَّجر، أو يضع شركةً في كذا وكذا، ويكون حدَّادًا، أو خبَّازًا، أو نجَّارًا، أو خيَّاطًا، لا بأس، لكن يتحرَّى الحقَّ والصدقَ وعدم الغش، فإذا فعل ذلك فقد جمع بين الأمرين: جمع بين خيري الدنيا والآخرة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: سائِلٌ يُريد مزيدًا من التَّوضيح في مسألة المسياد، يقول: إنَّ المسياد للنساء أصلًا، فهل يجوز استخدامه للرجال؟
ج: إذا كان للنظافة: كنظافة الوجه وإزالة الأوساخ؛ فلا بأس به، وليس هو خاصًّا بالنساء، فالصابون والأشنان والمكياج وكل شيء يُنَظِّف فهو للجميع، هذا ليس كالتَّشَبُّه باللباس أو الزي أو الكلام أو المشي، أمَّا ما تحصل به النظافة فلا بأس به.
س: هل اللام هنا لام التوكيد: والله إني لأحبُّك؟
ج: لام الابتداء، مثل: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:192]، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40].
س: قوله: الفقر؟
ج: يعني: يشتغل؛ لأنَّه إذا شُغِلَ بالآخرة والعمل لها قد يُبتلى بالفقر؛ لعدم شغله بالدنيا والتِّجارة، هذا هو السبب.
س: استخدامه يجعل حُمْرَةً في الوجه؟
ج: إذا كان يُزَيِّن الوجهَ فلا بأس، بحمرةٍ أو بياضٍ.