530 من حديث: (من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة..)

3/1681- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافخٍ متفقٌ عليه.
5/1682- وعَن ابن مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ متفقٌ عليه.
6/1683- وَعَنْ أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّه تَعَالى: ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذهَب يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً متفقٌ عليه.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث المتعلقة بالصور من جنس التي قبلها في بيان شدة الوعيد في التصوير، وأنه من الكبائر العظيمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: مَن صوَّر صورةً في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخٍ يعني: هو أعجز من أن ينفخ، وقال ﷺ: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله : ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يعني: لا أحدَ أظلم منه، وهذا يُفيد الوعيد الشديد.
فالواجب على المؤمن أن يحذر هذه الجريمة، وأن يُحذِّر منها إخوانه، وأن يُتْلِفَ ما وجد من ذلك؛ لقوله ﷺ: لا تدع صورةً إلا طمستها، ولا قبرًا مُشرفًا إلا سوَّيته، ولعموم قوله ﷺ: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وهذا يعمّ الصور التي لها ظِلٌّ –المجسَّدة- وهكذا الصور التي لا ظلَّ لها، بل تكون في الثوب، والعمامة، وفي الكتاب، وفي الختم، وفي غير ذلك مما تكون فيه تابعةً، فالأحاديث عامَّة.
ومن ذلك ما تقدَّم في الصور التي في القِرام، وهي من جنس الصور التي تكون في القراطيس؛ لأن القرام الصورة فيه تابعة، كالصبغ، وهكذا ما يكون في البُسُط، وما يكون في الوسائد، كله محرم، على أي وجهٍ كان: في وسادةٍ، أو بساطٍ، أو عمامةٍ، أو سراويل، أو فانلَّةٍ، أو عمامةٍ، أو غير ذلك مما يتعاطاه الناس، كله لا يجوز، لكن متى وُجِدَتْ فإن كانت في شيءٍ مُمتَهَنٍ سُمِحَ بامتهانها، والتصوير لا يجوز مطلقًا، لكن متى وُجِدَتْ في بساطٍ أو وسادةٍ أو أرضٍ فلا بأس أن تُوطأ، ولا يضرّ وجودها، إنما يضرّ كونها مُعلَّقةً، أو مرفوعةً في شيءٍ، أو منصوبةً في جدارٍ، أو في ثوبٍ يلبسه، أو ما أشبه ذلك، أما ما يُمْتَهن فلا بأس، وهكذا ............ التي تكون فيها الفواكه أو الأدوية وتُطرح، هذه من جنس الممتهنات، من جنس الوسائد وأشباهها.
وإذا طُمِسَت الصورةُ بقطع رأسها زال حكمها؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ أمر بقطع رأس التمثال، وقال: إنه يكون كهيئة الشجرة يعني: بعد قطع رأسه، وأمر بالقرام الذي فيه تصاوير أن تُتَّخذ منه وسادتان ممتهنتان تُوطآن، فدلَّ على أن الشيء الذي يكون في بساطٍ ونحوه مما يُوطأ لا يضرّ، وإن كان صاحبُه قد فعل محرَّمًا بالتصوير، لكن وجودها في البساط ونحوه لا يُمْنَع؛ لأنها مُمتهنة تُوطأ ويُجلس عليها، بخلاف الصورة؛ لأنَّ أصلها التعظيم، فقد صوَّرها المشركون لتعظيمها وعبادتها، هذا أصلها، كما فعل قومُ نوحٍ لما مات جماعةٌ من صالحيهم يُدعون: ودًّا، وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا، فقد زيَّن لهم الشيطانُ أن يُصوِّروا صورهم، وينصبوها في مجالسهم، ففعلوا، فلما طال الأمدُ عُبِدَتْ من دون الله، وبعث الله نوحًا ليُنذرهم من هذا الشرك، ومكث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يُنذرهم من الشرك، فلم يستجيبوا ولم يقبلوا إلا قليل منهم، فعذَّبهم الله بالغرق، إلا مَن كان مع نوح في السفينة.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ الصورة في الثوب ونحوه لا تدخل في الوعيد، واحتجوا بحديث: لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه صورة، ولا كلب، إلا رَقْمًا في ثوبٍ، قالوا: قوله إلا رقمًا في ثوبٍ يقتضي أنه يجوز التصوير في الثوب، وهذا خلاف ما عليه الجمهور والأئمة، فإن قوله إلا رقمًا في ثوبٍ يعني: إلا النقوش، فهي ما تُسمَّى صورةً، فالرقوم والنقوش ليس لها حكم الصور، والأحاديث عامَّة، وقد أنكر النبيُّ ﷺ الصورة التي في القِرام؛ فدلَّ على أنَّ الحكم عام يعمّ ما يكون في مجسَّدٍ أو ما يكون في ثوبٍ ونحوه.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: مَن دُعِي إلى منزلٍ ووجد فيه صورةً أو كلبًا، هل يجوز له أن يمتنع من الدخول؟
ج: لا، ينصحهم أولًا.
س: وإذا رفضوا؟
ج: إذا رفضوا يمتنع، من باب الهجر.
س: الصور التي تُجعل للأطفال: بعض الناس يتوسَّع في هذا، وأصبح الآن ..............؟
ج: الأحوط إتلافها، بعض أهل العلم يُجيزها؛ لأنها ممتهنة عند الأطفال، ويحتجون بقصة عائشة أنها قالت للنبي ﷺ لما ذكر لعبها وبناتها: "إنَّ عندي لعبةً في صورة خيلٍ لها أجنحة"، فضحك النبيُّ ﷺ وقال: خيلٌ لها أجنحة؟! احتجوا به، لكن هذا محمولٌ على أنه كان قبل النَّهي والمنع، أو الصور التي يفعلها الناسُ بأيديهم فليست هي حقيقية، فيعبث بعضُ الناس ويُصلح خِرَقًا ويُصوِّرها ويُصوِّر القطن، ولكن هذه ليست صورةً.
س: الآن القصص الخاصة بالتاريخ الإسلامي ونحوه: تكون هناك شخصية تاريخية يُصوّرونها، ثم يُصوّرونها على نحو فيلم، وهي صور يدوية؟
ج: المقصود أن الصور ممنوعة إلا ما كان للضرورة؛ لأن الله قال: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، ما اضطررنا إليه من صورة تابعية، أو شهادة علمية ما حصلت إلا بذلك؛ فيُعفى عن ذلك لأجل الضرورة.
س: البضائع التي عليها صور مثل الملابس وغيرها؟
ج: تُمسح وتُزال، فتُقطع الرأس وتُستعمل، فتُمسح الرأس بشيءٍ حتى لا يبين منها شيء ولو بصبغٍ.
س: قد يستوردون عشرة آلاف مثلًا، فيكون من الصعب طمس الصور؟
ج: يجتهد، فالمطلوب هو طمس الرؤوس فقط، ما هو بالصورة كلها، فالرأس إذا طمسها يكفي.
س: إذا طمسها فالزبائن لا يشتروه؟
ج: حتى ما يُورِّده بعد ذلك، فلعله يتوب ولا يُورِّده.