526 من: (باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل)

 
303- باب النَّهي عن إتيان الكُهَّان والمُنَجِّمين والعُرَّاف وأصحاب الرَّمْل
والطَّوارق بالحصى وبالعشير ونحو ذلك

1/1668- عنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلَ رسُولَ اللَّه ﷺ أُنَاسٌ عنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيءٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أحْيَانًا بشَيْءٍ فيكُونُ حَقًّا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: تِلْكَ الْكَلمةُ مِنَ الْحَقِّ يخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أذُنِ ولِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مُتَّفَقٌ عليْهِ.
وفي روايةٍ للبُخَارِيِّ: عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنْهَا: أنَّهَا سَمِعَت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إنَّ الملائكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنانِ -وَهُوَ السَّحابُ- فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْعَ، فَيَسْمعُهُ، فَيُوحِيهِ إلى الْكُهَّانِ، فيَكْذِبُونَ معَهَا مئَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنفُسِهِمْ.
2/1669- وعَنْ صفيَّةَ بنْتِ أبي عُبيدٍ، عَنْ بَعْضِ أزْواجِ النبيِّ ﷺ ورَضِيَ اللَّه عنْهَا، عَنِ النبيِّ ﷺ قَال: مَنْ أتَى عَرَّافًا فَسأَلَهُ عنْ شيءٍ فَصدَّقَهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أرْبَعِينَ يوْمًا رواهُ مسلم.
3/1670- وعنْ قَبِيصَةَ بنِ المُخَارِق قَالَ: سمِعْتُ رسُول اللَّه ﷺ يقُولُ: الْعِيَافَةُ والطِّيَرَةُ والطَّرْقُ مِنَ الجِبْتِ. رواهُ أبو داود بإسنادٍ حسنٍ، وقال: الطَّرْقُ: هُوَ الزَّجْرُ، أيْ: زجْرُ الطَّيْرِ، وهُوَ أنْ يَتَيمَّنَ أوْ يتَشاءَمَ بِطَيرانِهِ، فَإنْ طَار إلَى جهةِ الْيمِين تَيَمَّنَ، وَإنْ طَارَ إلَى جهةِ الْيَسَارِ تَشَاءَم. قال أبو داود: وَالْعِيافَةُ: الخَطُّ.
قالَ الجَوْهَريُّ في "الصِّحاح": "الجِبْتُ" كَلِمةٌ تَقَع عَلَى الصَّنَم والكَاهِن والسَّاحِرِ ونَحْوِ ذلكَ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث تتعلق بالسحر والكهانة والطيرة وما يتعاطاه مُدَّعو علم الغيب من الملحدين والخُرافيين، والأحاديث المذكورة كلها تدل على تحريم الكهانة والطيرة وسائر ما يتعاطاه مُدَّعو الغيب من الكذب والزور والحِيَل، كلها باطلة؛ لأنَّ الله جل وعلا هو الذي يعلم الغيبَ، لا يعلمه سواه، كما قال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وقال: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام:59].
فالمقصود أنَّ علم الغيب إلى الله جل وعلا، فهؤلاء الكهنة الذين يدَّعون علم الغيب إنما يتوسَّلون إلى هذا بما قد يسمعون من الشياطين، فيكذبون مع ذلك كذبات كثيرة، فيُصدقهم الجُهَّال بأسباب بعض ما صدقوا فيه، وبيَّن الرسول ﷺ أنهم ليسوا بشيءٍ، يعني: أنَّ الكُهَّان أمرهم باطل، ولا يُعول عليهم، ولا يُصدَّقون، ولهذا في الحديث الصحيح: مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ ﷺ، قيل: يا رسول الله، إنهم قد يصدقون في الشيء؟ فقال: تلك الكلمة يسمعها الجنِّيُّ من الملائكة فيَقُرُّها في أذن أوليائه من السحرة والكهنة.
والملائكة قد تتحدث بالكلام في السماء، أو في العنان في السَّحاب، فيسمعها مُسْتَرِقُ السمع، فمُسْتَرِق السمع تارةً يسمع من الملائكة في العنان، وتارةً من السماء الدنيا، قال جل وعلا: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ۝ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [الجن:8، 9] يعني: الجن كانت تقعد من السماء مقاعد للسمع، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9].
وبيَّن النبيُّ ﷺ أنَّ مُسترقي السمع يركب بعضُهم بعضًا، يعني: يقع بعضُهم فوق بعضٍ من غير تماسٍّ، فالله أعاطهم قدرةً على الصعود في الهواء، وأن يكون بعضُهم فوق بعضٍ، فالذي فوق حول السماء أو حول العنان يقر ما يسمع للذي يليه وهكذا حتى يصل إلى الأخير فيقره في أذن أصحابه من الكهنة والمنجمين، وقد تُدركهم الشُّهُب قبل أن يفعلوا شيئًا فتُهلكهم، وقد يتأخَّر الشِّهابُ عنه لحكمةٍ بالغةٍ، فيُؤديها إلى مَن يستمع لذلك من السحرة والكهنة، كما جاء في "صحيح البخاري" معنى ذلك.
والمقصود من هذا أنه لا يجوز سُؤالهم، ولا تصديقهم، ولو قُدِّر أنهم قد يصدقون في كلمةٍ، لكن يكذبون معها الشيء الكثير، مئة كذبة في الرواية، ويقذفون ويزيدون أكثر من مئة كذبة.
ثم إن مُدَّعي علم الغيب كفار؛ لأنَّ علم الغيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فمَن يدَّعي أنه يعلم الغيبَ فهو كافرٌ ضالٌّ مُضلٌّ.
وفي الحديث الصحيح أنَّه ﷺ قال: مَن أتى كاهنًا فسأله عن شيءٍ لم تُقْبَل له صلاة أربعين ليلة، كما في مسلم: أربعين ليلة، وكأنَّ المؤلف رواه بالمعنى فقال: يومًا.
والعَرَّاف والكاهن والمنجم والرَّمَّال كلها معناها واحد، وهم الذين يدَّعون علم الغيب بأسبابٍ يدَّعونها، من ضرب الرمل، من ضرب الحصى، من حسب النجوم، من غير هذا من خُرافاتهم، فالواجب الحذر منهم، وعدم سؤالهم، وعدم تصديقهم.
وهكذا حديث قبيصة في البخاري: إنَّ العِيَافة والطّرق والطِّيرة من الجبت، فالجبت شيءٌ لا خيرَ فيه، يُطلق على الصنم والساحر، وكلّ شيءٍ لا خيرَ فيه يُقال له: جبت، ويُطلق على الشيطان، كما قال عمر: "الجبت: الشيطان"، وقال: "الجبت: السحر".
فالحاصل أنَّ الجبت يُطلق على السحر، وعلى الشيطان، وعلى الصنم، وعلى كل شيءٍ لا خير فيه، ولهذا قال في الحديث: إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت يعني: من الشيء الذي لا خيرَ فيه، والعِيَافة: زجر الطير، إذا تيامَن تيامنوا، وإذا تياسر تشاءموا، والطّرق: الخطوط تُخَطُّ في الأرض، يدَّعون أنهم يعلمون بها علمَ الغيب، وهي لا أصلَ لها، ولهذا قال ﷺ: كان نبيٌّ يخُطّ، فمَن وافق خطّه، ولا يُعْلَم خطّ الأنبياء، ما يعلمها إلا الله، فهو الذي أعطاهم إيَّاها، لكن الخطوط التي يدَّعيها السحرةُ والكهنةُ كلها رجمٌ بالغيب، كلها دعوى بالغيب.
و"الجبت" قيل: السحر، وقال بعضُهم -كالحسن: رنة الشيطان، وبكل حالٍ فالجبت شيءٌ عامٌّ، اسم جنس يُطلق على كل شيءٍ لا خيرَ فيه، أما الطّيرة فهي التَّشاؤم بالمرئيات والمسموعات، فإذا أجلستك ومنعتك من حاجتك يُقال لها: الطّيرة.

الأسئلة:

س: بعض العامة إذا قابل أحدًا يقول: "خير يا طير" ما رأيكم في هذه الكلمة؟
ج: ما لها أصل، يُروى عن بعض الناس أنه كان مع الحسن أو مع طاووس، فمرَّ طائرٌ يصيح فقال: "خير يا طير"، فقال: "ابعد عني، وأيُّ خيرٍ عند هذا؟!"، أو كما قال رحمه الله.
س: حديث قبيصة صحيح؟
ج: لا بأس به، السند جيد، رواه الإمام أحمد بإسنادٍ جيدٍ.
س: يقول: فيه حيان بن العلاء مجهول؟
ج: لا بأس به، لا، ما هو مجهول، مقبول وله شواهد.
س: تفسير أبي داود للطرق والعيافة فيه قلب، قال: العيافة: الخط، والطرق: الزجر؟
ج: لا، الطرق: الخطّ، والعيافة: زجر الطير، هذا غلطٌ في النقل، والطيرة: التشاؤم بالمرئيات والمسموعات.
س: الساحر لما يُقام عليه الحدّ يُدفَن مع المسلمين؟
ج: لا، الساحر يُدفن مع الكفار، ما هو من المسلمين، السحرة كفرة.
س: ما رأيك فيما يفعله بعضُ القُرَّاء إذا نطق جنيٌّ على لسان شخصٍ، فيستدرجه في بعض الأسئلة ويُسْمِع الحاضرين؟ ما رأيكم في هذه؟
ج: المقصود أنه يُحذره ويقول له: إنك ظالم، وأن هذا ما يجوز لك، والواجب عليك الخروج، ويقرأ الآيات التي تُضايقه وتجعله يحرص على الخروج؛ لأنَّه ضدّ القرآن، فهم يغضبون من القرآن، وتُؤذيهم قراءة القرآن، وإذا سأله عن الأسباب فلا بأس: ما الذي أدخلك؟ ما الذي جاء بك؟ لا بأس بذلك.
س: امرأة اشترت (دخون) عودٍ من امرأةٍ، وقالت لها: تدخَّني به عندما تأتيك ضيقة، أو عندما يبكي أحدُ أطفالك؟
ج: العود المعتاد والدّخون المعتاد؟
س: عود معتاد، والله أعلم هل فيه شيء أو لا، لكن استخدامه غريب، قالت: تدخني به إذا شعرت بضيقةٍ أو إذا بكى أحدُ الأطفال؟
ج: أقول: ما أعلم لهذا أصلًا، الطيب لا شكَّ أنه يشرح الصدر وينفع ويُطيب النفس، سواء كان عودًا أو وردًا أو عنبرًا أو مسكًا، فهو طيب إن كان المقصود هكذا، وإن كان المقصود شيئًا آخر -اعتقاد آخر- فهذا باطلٌ، تُسأل: وأيش مقصودها؟
س: المرأة هذه تُعالج؟
ج: تُسأل: وأيش مقصودها من هذا الكلام؟ إن كان قصدها أنَّ الطيب طيب، وأنه يُوسِّع الخاطر، ويشرح الصدر، وهو أحسن من الخياس والشيء الذي ما هو طيب؛ فلا بأس.
طالب: هذا تخريج حديثٍ في الترمذي: يقول: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا محمد بن عمار قال: حدثني أسيد بن أسيد، عن موسى بن أبي موسى الأشعري، أخبره، عن أبيه: أن رسول الله ﷺ قال: ما من ميتٍ يموت فيقوم باكيهم فيقول: وا جبلاه! وا سيداه! ونحو ذلك، إلا وُكِّل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنتَ؟ قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وسكت عنه في "رياض الصالحين".
الشيخ: ما تكلم عليه الشارح؟
الطالب: لا، الشارح لم يتكلم، أنا أتيتُ بهذا من الترمذي فقط.
الشيخ: فيه نظر.
الطالب: وفي "شرح السنة" كذلك، وذكر بعده كلامًا.
الشيخ: أي صفحةٍ؟
الطالب: 236، ورقم الحديث 1300.
الشيخ: المجلد الرابع؟
الطالب: المجلد الثاني، ذكره.
الشيخ: .................... المقصود -إن صح- أنَّ هذا من نوع العذاب.
س: قال عليه الصلاة والسلام: مَن أتى عرَّافًا مُعتقدًا أنه يُصور الحقيقة فهو كافر، فمَن يأتي مثلًا بعَرَّافٍ يُغير له الحقيقة فهل هو فعلًا كافر؟
ج: إذا صدَّقه في دعوى علم الغيب يكون مثله، إذا صدَّقه بدعوى علم الغيب وأنه يعلم الغيبَ يكون مُكذِّبًا لله.
س: حكم كشف وجه الميت في القبر؟
ج: ما له أصل، يُستر الميت كله، الرجل والمرأة جميعًا.