145 من حديث: (تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل)

 
7/402- وعن المِقْدَاد قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل، قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عَن المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْني بِالمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ الميل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ؟ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجامًا، قال: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّه ﷺ إِلى فِيه. رواه مسلم.
8/403- وعن أَبي هريرة : أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ متفقٌ عَلَيهِ.
9/404- وعنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفًا، فَهُوَ يَهْوِي في النَّارِ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا رواه مسلم.
10/405- وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرى إلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في التَّحذير من أهوال يوم القيامة، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يعدَّ العُدَّة لهذا اليوم العظيم: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34- 37]، وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ۝ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37- 41]، هذا يوم عظيم: الْقَارِعَةُ ۝ مَا الْقَارِعَةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ۝ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ۝ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:1- 5]، فالأمر عظيم.
فينبغي للمؤمن أن يتوقَّى هذا اليوم، ويتّخذ العدة الصالحة بالأعمال الصالحة، فالتقوى هي الجُنَّة، جُنَّة أحدكم من النار كجُنَّته من القتال التَّقوى، تقوى الله جلَّ وعلا، فالواجب أن يتَّقي الله جلَّ وعلا.
ومن أهوال يوم القيامة أنَّ الشمس تدنو منهم حتى تكون قدر ميل، يعني: قريبة منهم، حتى يشتدَّ العرقُ ويُلجم بعضَ الناس، فيأخذهم العرقُ على قدر أعمالهم، فالمتقون لهم العافية والسلامة، والناس على أقسام: منهم مَن يأخذه العرقُ إلى كعبيه، ومنهم مَن يأخذه العرقُ إلى ركبتيه، ومنهم مَن يأخذه العرقُ إلى حُجْزَتِه، إلى نصفه، ومنهم مَن يأخذه إلى فمه، فالأمر عظيم، ويذهب العرقُ في الأرض سبعين ذراعًا.
فالواجب على المؤمن أن يحذر هذا اليوم، وأن يجتهد لعله ينجو من أهوال يوم القيامة.
ومن العجائب والغرائب الدَّالة على عِظم شأن النار: أنَّهم سمعوا ذات يومٍ وجبةً، فسألهم النبيُّ ﷺ عن هذه الوجبة، قال: أتدرون ما هي؟ قالوا: لا، قال: إنَّه حجرٌ رُمِيَ به منذ سبعين عامًا فالآن يصل قعر جهنم، قعرها سبعون خريفًا، فهذا يدل على بُعد قعرها، مع سعتها -نسأل الله العافية- ومع هذا تمتلئ: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، فيضع الربُّ فيها قدمَه فينزوي بعضُها إلى بعضٍ وتقول: قَط، قَط.
فالواجب على المؤمن أن يعدَّ العُدَّة الصالحة: من تقوى الله، وطاعته، والاستقامة على دينه، والحذر من معاصيه؛ ولهذا قال ﷺ في حديث عدي بن حاتم: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكَلِّمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدَّم –من خيرٍ أو شرٍّ- وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النارَ، فاتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ.
وفي "الصحيح" أنَّ عائشة رضي الله عنها جاءتها امرأةٌ ومعها ابنتان تشحَذ، قالت: فلم أجد في البيت إلا ثلاث تمراتٍ، فدفعتُها إليها، فأعطت كلَّ واحدةٍ تمرةً، ورفعت الثالثةَ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها الثالثة، فشقَّتْها بينهما، ولم تأكل شيئًا، فلما جاء النبيُّ ﷺ أخبرته بشأنها، فقال: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة يعني: بهذه الرحمة.
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في الخير ولو بالقليل، ولا يحتقر العملَ الصالح، يجتهد في الخيرات ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو يُعطي الفقير ريـالًا أو نصف ريـالٍ، قرشًا أو قرشين، تمرةً أو تمرتين، كلّ شيءٍ الفقير محتاجه.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هذا العرقُ في الموقف؟
ج: يوم القيامة، قبل دخول أهل الجنةِ الجنةَ، وأهلِ النارِ النارَ، والحساب، والجزاء.
س: النَّبيون والشُّهداء يسلمون من هذا الموقف أم هو عامّ؟
ج: المؤمنون يسلمون كلهم مثلما قال ﷺ: على قدر أعمالهم، فمَن اتَّقى الله سَلِمَ من كلِّ بلاءٍ.
س: حديث النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنه يخرج ملكان كلما طلعت الشمسُ: اللهم أعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وأعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، كيف يمكن العمل به وقد يشق على بعض الناس أن يتصدق كل يوم؟
ج: هذا دعاء من الملكين: اللهم أعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وأعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، فالإنسان يتصدق ولو بالقليل والحمد لله.
س: هل يكون يوميًّا؟
ج: يوميًّا.
س: كيف تكون الطريقةُ يوميًّا؛ لأنَّه قد لا يجد فقراء يوميًّا؟
ج: إذا ما وجد فهو على نيته، جزاه الله خيرًا.
س: هل حديث الصَّدقةُ تُطْفِئُ غضبَ الربِّ حديث صحيح؟
ج: فيه بعض الضَّعف، الحديث الصحيح: تُطْفِئ الخطيئةَ كما يُطْفِئ الماءُ النَّارَ.