143 باب الخوف

 
50 - باب الخوف
قَالَ الله تَعَالَى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وَقالَ تَعَالَى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، وَقالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ۝ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ۝ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود:102-106]، وَقالَ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وَقالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيه ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه [عبس:34-37]، وَقالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2]، وَقالَ تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وَقالَ تَعَالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ۝ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ۝ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ۝ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:25-28].
وَالآيات في الباب كثيرة جدًّا، والغرض الإشارة إِلَى بعضها، وقد حصل.

وأما الأحاديث فكثيرة جدًّا، فنذكر مِنْهَا طرفًا، وبالله التوفيق:
1/396- عن ابنِ مسعودٍ قَالَ: حدَّثنا رسولُ اللَّه ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المصدوقُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجلِهِ، وَعمَلِهِ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ، فَوَالَّذِي لا إِله غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بعَمَل أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلَّا ذِراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ؛ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ فَيَدْخُلهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ؛ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلهَا متفقٌ عَلَيهِ.
2/397-وعنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا رواه مسلم.
3/398- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ بين أَخْمصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، مَا يَرى أَنَّ أَحدًا أَشَدّ مِنْه عَذَابًا، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَابًا مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث كلها تدل على وجوب الخوف من الله، وخشيته، ومراقبته، والحذر من أسباب غضبه وعقابه، هذا الواجب على جميع المُكلَّفين من الجنِّ والإنس، من الرجال والنساء، فالواجب الحذر من بطش الله، وعقابه قال الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وقال تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، وقال تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]،وقال تعالى: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44].
فالواجب على كل عبدٍ، وعلى كل امرأةٍ؛ الحذر من الله؛ وذلك بالاستقامة على دين الله، والثبات على الحق، والتوبة من سالف الذنوب؛ لأنه سبحانه هو التواب الرحيم، يتوب على مَن تاب إليه، يقول جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، ويقول سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
فالواجب على المؤمن أن يُحاسِب نفسه، وأن يُطيع ربَّه، وأن يحذر يوم القيامة: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس:34- 37]، ويقول جلَّ وعلا: فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ۝ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات:37- 41].
فالواجب أن يُحاسب الإنسانُ نفسَه، ويحذر شرَّها، وأن يستقيم على الحقِّ، ويسأل ربَّه التثبيت والتَّوفيق.
الحديث الأول
وفي حديث ابن مسعودٍ: أنَّ العبد قد يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، يعني: حتى يكون في آخر حياته، فيُختم له بعمل أهل السَّعادة، مثل الذين أسلموا في آخر حياتهم، عاشوا في الكفر، ثم أسلموا وماتوا في الحال، أراد الله بهم خيرًا، ماتوا في الحال أو قُتلوا في سبيل الله بعدما أسلموا، كل ذلك لمن أراد الله بهم خيرًا، سبقت لهم السعادة، وهُيِّئ لهم الإسلام والاستقامة عليه حتى قُتلوا أو ماتوا.
وكذلك العبد قد يعمل بعمل أهل السعادة، ثم - نعوذ بالله - يرتد عن دينه، ويُزَيَّن له الكفر، ويميل إلى أهل الكفر، فيُختم له بخاتمة أهل النار - نسأل الله العافية.
فالواجب على العبد أن يسأل ربَّه، ويتضرع إليه دائمًا أن يُثبته على الحقِّ، والإيمان، والهدى، وأن يحذر أعمال الكافرين، وأعمال الضَّالين؛ حتى لا تزل قدمُه.
الحديث الثاتي
ويقول ﷺ: إنَّ جهنم لها سبعون ألف زمامٍ، كل زمامٍ بيد سبعين ألف ملكٍ، يجرُّونها يوم القيامة، كما قال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] سوف تُبَرَّز هذه النار، تُقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام - كل خِطام - بيد سبعين ألف ملك، هذا يدل على سعتها وعظمتها، وكثرة مَن يجرّها ويتَّصل بها من الملائكة، وكثرة الملائكة أيضًا، فالواجب الحذر من شرِّها وعذابها، والحذر من أعمال أهلها - نسأل الله العافية.
الحديث الثالث
وحديث النعمان: إنَّ أهون الناس عذابًا يوم القيامة مَن يُوضَع في أخمصقدميه جمرتان من نارٍ يغلي منهما دماغُه وهو يرى أنه أشد الناس عذابًا، وهو أهونهم عذابًا - نسأل الله العافية.
فالحاصل أنَّ الواجب على كلِّ مُكلَّفٍ أن يحذر عقابَ الله، وأن يستقيم على الحقِّ، ويسأل ربَّه التوفيق، يَضْرَعُ إلى الله أن يُثبته، ويُحسِن له الختام، حتى يسلم من حال أهل النار - نسأل الله العافية، والخوف الصادق يُوجب ذلك، مَن خاف الله خوفًا صادقًا أوجب له الجدّ في طاعة الله، والثّبات على الحقِّ، والاستقامة على الحقِّ، وسؤال الله الثبات والهدى حتى يموت.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

الأسئلة:

س: الرجل الوارد في حديث النعمان هو أبوطالب؟
ج: جاء في حديثٍ آخر: أنَّ أبا طالب أهون أهل النار عذابًا، وأنه يُوضَع في أخمص قدميه نارٌ يغلي منهما دماغه - نسأل الله العافية.
س: الذي يعمل بعمل أهل النار خاصّ بالمنافق؟
ج: هذا عاملٌ بما قدَّر الله له ذلك.
س: ورد في بعض ألفاظ الحديث: فيما يظهر للناس؟
ج: وفي بعضها: فيما يبدو للناس فقد يكون هذا وهذا، قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وقد يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة، يُحسن اللهُ له الخاتمة، كما أسلم كثيرٌ من الناس في عهد النبي ﷺ وبعده، ثم قُتِلوا في الحال، وماتوا على الإسلام في الحال بعد دقائق قليلة.
س: المقصود بقوله: فيكون من أهل النار يعني: أهل الخلود فيها؟
ج: نعم - نسأل الله العافية - يعني: سبقت لهم الشَّقاوة.
س: مثلًا الكفار الذين يُسْلِمُون الآن؟
ج: هذا مثله، عاش في عمل أهل النار، ثم هداه الله، وصار إلى الجنة إذا أسلم، ولو مات بعد الإسلام بدقائق.
س: حتى ولو بعد الشَّهادة؟
ج: الإسلام يَجُبُّ ما قبله، فإذا أسلم محا الله عنه كُفْرَه.
س: قصة الرجل الذي تاب ثم مات، وقالت أمُّه: صلُّوا على قتيل النار؟
ج: ما أعرفها.
س: قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] هل يدخل فيه الشرك الأصغر؟
ج: الظاهر - والله أعلم - أنه يدخل فيه الشرك الأصغر، لكن صاحبه لا يُخَلَّد في النار، إن دخلها لا يُخَلَّد، مثل الكبائر.