"فينصرف أحدنا وإنه ليُبْصِر مواقع نبله" متفق عليه.
هذا يدل على أنه كان يُبَكِّر بالمغرب عليه الصلاة والسلام فيُصليها والنهار باقٍ نوره، حتى إذا الإنسانُ رمى بنبله يُبْصِر مواقع نبله: أين يقع النبل إذا رمى به؟ لأنها بقية ضوء الشمس، صفرة الشمس، نورها باقٍ. فهذا يدل على أن السنة التَّبكير بالمغرب.
وثبت في الصحيح أنه ﷺ كان يُقيم بعد أذان المغرب، وليس بينهما شيء. وفي روايةٍ: "إلا شيء قليل"، كان الصحابةُ يُصلون بعد أذان المغرب ركعتين، هذا يدل على أنه كان يُبَكِّر بها ولا يُؤخِّر الإقامة إلا الشيء اليسير عليه الصلاة والسلام.
فالسنة اتِّباعه في ذلك، ولكن ليس معنى ذلك أنها ليس لها إلا وقت واحد، وأنه مضيق، لا، كما يقول بعضُ الفقهاء، لا، بل وقتها مُوسَّع إلى أن يغيب الشَّفقُ، هذا هو الصواب كما تقدم في حديث عبدالله بن عمرو، وكما جاء في أحاديث أخرى، فوقتها مُوسَّع إلى مغيب الشَّفق، ولكن التَّبكير بها هو السنة المستقرة، هو الأفضل.
والحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، حيث قالت: "أعتم النبي ﷺ بصلاة العشاء".
أعتم يعني: أخَّر، أظلم بها حتى ذهب عامَّةُ الليل، أعتم بالشيء: أخَّره ليلًا، أعتم بالإبل يعني: يُؤخرونها حتى يمضي وقت كثير من الليل، حتى ذهب عامَّة الليل، عامته يعني: أكثره، يعني: أكثر الليل الذي هو وقت العشاء من قبل نصف الليل، لا بدَّ من تأويله على هذا المعنى؛ لأنَّ الرسول وقَّت العشاء إلى نصف الليل ..... بمعنى أن تكون كثير الليل، أو أراد الأكثر، لكن من وقت المغرب ما قبل النصف حتى يتأخَّر نصف الليل الذي هو محلّ وقت المغرب.
ثم خرج وصلَّى بالناس وقال: إنه لوقتها لولا أن أشقَّ على أمتي. جاء في أحاديث أخرى ما يدل على أنه: "ثم صلَّاها في ثلث الليل"، فدلَّ ذلك على أنَّ السنة فيها التأخير إذا لم يكن هناك مشقة؛ فلهذا كان النبيُّ يُحافظ على التَّبكير بها إذا اجتمعوا، وإذا أخَّروا أخَّرها، كان يُراعيهم كما تقدم في حديث جابرٍ، فوقتها يُؤخر عن المغرب بعض الشيء، لا بأس، ويتسع الوقتُ للناس: الذي يريد حاجاته بين مغربٍ وعشاء يتمكن من قضاء حاجته، من حاجات دينية أو دنيوية.
فالتوسيع فيما بين المغرب والعشاء قد تدعو له الحاجة والمصالح، فإذا رأى الجماعة تعجيلها عجَّلوا ولا بأس، وإن أخَّروا فلا بأس، والتأخير أفضل إذا لم يشقّ على أحدٍ، فإذا كان في قريةٍ أو جماعةٍ في السفر أو في باديةٍ رأوا التَّأخير فتأخيرها أفضل إلى ثلث الليل، الثلث الأول، لا إلى نصف الليل، وكان النبي يُراعي الناس عليه الصلاة والسلام في المدينة، يُراعيهم، فإذا رآهم اجتمعوا بكَّر ولم يحبسهم عليه الصلاة والسلام، وإن رآهم لم يجتمعوا أخَّرها حتى يجتمعوا، هذا في العشاء خاصة كما جاء به النص.
وفي هذا أنه ينبغي لإمام المسجد أن يُراعي دفع المشقة عن الناس، ولا يشقّ عليهم: لا في الصلاة، ولا في غيرها، فإذا اجتمعوا عجَّل لهم ولم يشقّ عليهم، وإذا كانت هناك حاجة للتأخير أخَّر رفقًا بهم، ومُراعاةً لهم، وقد تعرض هذه العوارض في صلاةٍ أخرى غير العشاء، عوارض الناس العارضة، فإذا راعاهم في هذا دفعًا للمشقة فلا بأس، وإن كان ليس هو المستقر فيُراعي الوقت المستقر والمعروف عن النبي ﷺ، فإذا عرض عارضٌ يقتضي التأخير بعض الشيء أخَّر: كجنازةٍ لم تحضر يُصلَّى عليها، أو كعارضٍ من العوارض التي تدعو الناس إلى أن يتأخَّروا قليلًا فلا بأس، الوقت واسع.
والحديث الثالث: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصلاة؛ فإنَّ شدة الحرِّ من فيح جهنم متفق عليه.
هذا يدل على أنَّ الأفضل التأخير في شدة الحرِّ، أما في الأوقات العادية فالأفضل التَّبكير ..... الظهر بعد الراتبة، تأخيرها بعض الشيء، يُصلي فلا يؤخر كثيرًا، ولكن ليس كالمغرب يُعجل، لا، بل أفسح من المغرب، الظهر والعصر والعشاء والفجر أفسح من المغرب. وإذا اشتدَّ الحرُّ زاد في التأخير، وأخَّرها على الناس حتى يتيسر لهم الظلُّ في الأسواق، وحتى ..... بعض الشيء، حتى ولو كان في السَّفر، النبي أخَّرها كما في حديث ابن عمر وغيره في السَّفر .....: أبرد، أبرد، أبرد حتى رأوا ......
والحاصل أنَّ السنة التأخير في الحرِّ في صلاة الظهر، سفرًا وحضرًا، حتى ينكسر الحرُّ، وحتى يضعف سلطانُ الشمس بعض الشيء، ثم يخرج الناسُ لصلاة الظهر، فهذا هو الأفضل، وهذا هو السنة.
لكن لو اعتاد الناسُ التَّبكير لمصالح وحاجات، واعتادوا ذلك، فلا بأس؛ لأنه يكون الرفق بهم أن يُصلَّى بهم في وقتٍ يجتمعون فيه من باب الرفق بهم؛ أخذًا بالعمومات والأدلة العامَّة ..... كما تقدم في حديث عائشة: إنه لوقتها لولا أن أشقَّ على أمتي، لكن اليوم صار التَّبكير ..... الصلاة في وقتها، في أول وقتها، الظهر مطلقًا، فإذا كان في بلدٍ اعتادوا هذا فإنه لا يشقّ عليهم ..... يُصلِّي بهم؛ لأنه حينئذٍ التأخير هو المشقة عليهم، ليس التبكير، أما إن كانوا يعتادون فعل السنة ويسرهم التأخير ولا يشقّ عليهم التأخير أبرد بهم؛ مُراعاةً للمصلحة العامَّة وتحري السنة.
الحديث الرابع: حديث رافع بن خديج: أن النبي ﷺ قال: أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم خرَّجه الخمسة -أحمد وأهل السنن الأربعة- وصحَّحه الترمذي وابن حبان.
وفي روايةٍ: أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم في الأجر.
قال الجمهور عن هذا الحديث: إنه يدل على شرعية التأكد من الصبح وعدم العجلة حتى يتَّضح الصبحُ ويُسفر ويبين للناس، كما تقدم في حديث أبي موسى: "فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا"، وحديث أبي برزة: "كان ينصرف من الغداة ويعرف الرجلُ جليسه"، وفي روايةٍ: "ينشق الصبح" يعني: ارتفع.
فهذا مراده: أسفروا بالصبح، أي: لا تعجلوا حتى يتَّضح الصبحُ ويبين وينشقّ؛ حتى لا يُخاطر بالصلاة.
وتأوله أصحابُ الرأي -أهل الكوفة- على أنَّ المراد به التأخير حتى يزول الغلس، وحتى لا تبقى بقية من الليل، يتضح النهار.
وهذا مرجوح عند أكثر أهل العلم، والصواب القول الأول، وأنَّ المراد به التأكد من الصبح وعدم العجلة، فإذا انشقَّ الصبحُ وظهر وتبين صلَّى الناسُ بغلسٍ؛ جمعًا بين الأخبار الصَّحيحة في ذلك، والأحاديث التي فيها صلاته بغلسٍ أصح وأكثر وأثبت، في "الصحيحين" وغيرهما، هي أصح من حديث رافع وأثبت منه، وإن كان حديثُ رافع لا بأس به، لكن هي أصح منه وأثبت وأكثر.
فالواجب الجمع بينهما بهذا المعنى، وهو عدم العجلة حتى يتَّضح الفجرُ، وحتى يزول الإشكال، وحتى ينشقّ الصبح ويكون واضحًا لا شبهةَ فيه.
ويدل على هذا أيضًا أنه ﷺ في مُزدلفة لم يعجل ولم يُؤخر، بل بادر بصلاة الفجر، قال ابن مسعودٍ: "صلَّاها قبل ميقاتها"، والمقصود طلع الفجر، فدلَّ ذلك على أنه في غير مُزدلفة يُؤخر بعض الشيء حتى يتَّضح الفجر اتِّضاحًا أكثر، ويزول اللبس على وجهٍ أكثر.
هذا هو الصواب، وهو الذي عليه عامَّة أهل العلم وأكثرهم، والله أعلم.
................. كلها تتعلق بأوقات الصلاة.
الحديث الأول: حديث أبي هريرة : أنَّ النبي ﷺ قال: مَن أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشمسُ فقد أدرك الصبحَ، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمسُ فقد أدرك العصر متفق عليه. وفي مسلم من حديث عائشة نحوه، وقالت: "سجد" بدل "ركع".
وحديث أبي هريرة وحديث عائشة رضي الله عنهما يدلان على أنَّ الصبح تُدرك بركعةٍ من وقتها، وهكذا العصر تُدرك بركعةٍ من وقتها قبل غروب الشمس.
وتقدم أنَّ العصر تنتهي إلى اصفرار الشمس، أو إلى أن يصير ظلُّ كل شيءٍ مثليه على القول الثاني، ويكون ما بعد اصفرار الشمس وقت الضَّرورة، بدليل هذا الحديث: أنَّ مَن أدرك ركعةً من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر، ومَن أدرك ركعةً من الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح. هذا يدل على أنَّ الصبح ينتهي بطلوع الشمس كما تقدم في حديث عبدالله بن عمرو: وقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس. وهذا يُؤيد ذلك: حديث أبي هريرة هذا وأنَّ مَن أدرك ركعةً من ذلك: كأن كبَّر وركع قبل أن تطلع الشمس؛ أدرك الفجر في وقتها، وإن كان لا يجوز له ذلك، لا يجوز له التأخير، بل يجب عليه أن يفعلها في الوقت؛ لأنَّ الرسول وقَّت الأوقات عليه الصلاة والسلام، فوجب على المسلمين أداء الصلاة في أوقاتها، لكن يدل هذا الحديث: مَن أدرك ركعةً منها قبل طلوع الشمس فقد أدركها في الوقت مع قطع النظر عن إثمه أو عدم إثمه، ولا تكون قضاءً، بل تكون في الوقت .....، بل أدركها في الوقت.
وهكذا مَن نام عنها أو نسيها فأدركها في هذا الوقت فيكون أدَّاها في الوقت، وإن كان النَّاسي والنائم لا يُؤاخذ حتى ولو صلَّاها بعد الوقت، إذا كان لم يُفرط فصلاته في حكم الوقت، إذا كان لم يُفرط بنومه أو نسيانه فإنَّ حكمه حكم مَن صلَّى في الوقت وإن كان بعد الوقت، لكن إذا أدركها قبل طلوع الشمس فقد أدرك الوقتَ، وهكذا في العصر قبل غروب الشمس.
ولفظ عائشة: "سجدة" وهي ركعة، قال: والسجدة إنما هي الركعة، تُستعمل السجدة بمعنى الركعة في الأحاديث، كما في أحاديث "الصحيحين": "كان ﷺ لا يُصلي إلا سجدتين" يعني: وركعتين قبل الفجر، وفي أحاديث أخرى.
والحديث الثالث: حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا صلاةَ بعد الصبح حتى ترتفع الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تغيب الشمس أي: لا صلاةَ نافلة، المعنى: لا صلاةَ زائدة أو صحيحة في هذين الوقتين، وهذان الوقتان وقتا نهيٍ عن الصلاة، وهما وقتان طويلان.
وفي حديث عُقبة بن عامر الذي بعده الدلالة على أنَّ الأوقات ثلاثة، فالأوقات خمسة بالنسبة إلى الطول والقصر، دلَّ حديث أبي سعيدٍ وما جاء في معناه عن عمر وابن عباس وعمرو بن عبسة وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهم، جاء في هذا الباب أحاديث متواترة مستفيضة عن النبي ﷺ، كلها دالة على النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات: بعد العصر، وبعد الصبح، ومن جُملتها حديث أبي سعيدٍ هذا وحديث عقبة بن عامر وما جاء في معناه.
وجاء في بعض الروايات تعليل ذلك بأنَّ الكفار يسجدون للشمس عند غروبها وعند طلوعها، فنهي عن الصلاة في هذين الوقتين سدًّا لذريعة التَّشبه بأعداء الله، والتَّشبه بالكفرة قد يجرّ إلى عملهم وإلى شركهم بالله ، وجاءت الشريعةُ سادةً لهذه الذريعة، وحامية لجانب التوحيد من وقوع الشرك وما يُفضي إليه.
فتكون الأوقات خمسةً باعتبار موسع ومضيق: فالموسع من بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، والمضيق بعد طلوعها إلى أن ترتفع. والموسع الثاني: بعد صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، والمضيق حتى سقوطها وغروبها، هذا المضيق، هذه الأربعة. والخامس: عند قيامها وسط النهار قبل أن تزول، عند استوائها في النهار، فهذا الوقت جاء الحديثُ أنها تُسجر فيه جهنم. وفي حديث عمرو بن عبسة: فنهي عن الصلاة في هذه الحال. هذا هو الوقت الخامس، هذه الأوقات الخمسة يُنهى فيها عن صلاة النافلة، وهكذا منها الأوقات الضيقة كما في حديث عقبة: "يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ" عند طلوعها حتى تطلع، وعند تضيفها للغروب، أي: قرب سقوطها، وعند قيامها.
أما يوم الجمعة في حديث أبي هريرة، وإن كان في سنده ضعف كما ذكر المؤلف، وفي حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وإن كان في سنده ضعف أيضًا؛ لأنه من رواية ليث بن أبي سليم، وهو مضعف عندهم؛ فالحديثان ضعيفان: حديث أبي هريرة وأبي قتادة، استثنوا يوم الجمعة، لكن ذكر العلماء أنَّ هذا هو الصواب، لا للحديثين الضَّعيفين هذين، ولكن لما جاء في الأحاديث الصَّحيحة من أخبار النبي ﷺ: أنَّ مَن تقدم يوم الجمعة فإنه يُصلي ما قُدِّر له، ولم يستثنِ وقتًا دون وقتٍ، ومن عمل الصحابة: كان الكثيرُ منهم يُصلي إلى أن يحضر الإمامُ، فدلَّ على أن وقت الجمعة يوم الجمعة ليس فيه وقت نهيٍ بالنسبة إلى وسط النهار، بدليل أنَّ الرسول ﷺ حين رغَّب الناس في التبكير والصلاة يوم الجمعة لم يستثنِ وقتًا من أوقاتها، بل حثَّهم على التقدم إلى الجمعة، ويُصلي ما قدر له، ويصلي حتى يخرج الإمامُ، وفعل الصحابة كذلك هذا يدل على أنه ليس بوقت نهيٍ، وإلا لقال: حتى تقف الشمس. ولم يقل: حتى يخرج الإمامُ.
ووقت النَّهي يبدأ في الفجر من طلوع الفجر، ولا يُستثنى من ذلك إلا سنة الفجر كما يأتيكم في آخر الباب، لا صلاةَ بعد طلوع الفجر ..... لا صلاةَ بعد الصبح أنَّ المراد طلوع الفجر، فلا يُستثنى من ذلك إلا سنة الفجر، وهكذا يُستثنى على الصحيح في هذه الأوقات يُستثنى الصَّلوات التي لها أسباب، فاختلف العلماءُ فيها على قولين، والأرجح أنها تجوز ذوات الأسباب، وهي التي لها سبب لم يفعله الإنسانُ ابتداءً، بل لها أسباب دعت إليها، مثل: صلاة الكسوف، ومثل: تحية المسجد، ومثل: إعادة الجماعة، إذا جاء والناسُ يُصلون فأعاد معهم: يصلون الفجر أو العصر، فأعاد معهم هذه الصَّلوات لها أسباب؛ فجاز فعلها في الأوقات المذكورة للأدلة الخاصة، فتكون أحاديث النَّهي عامَّة مخصوصة بذوات الأسباب، وصلاة الجنازة كذلك ......
ومن ذلك أيضًا: صلاة الطواف، وهذا حديث جبير بن مطعم ، وهو جبير بن مطعم بن عدي النَّوفلي، أحد الصحابة المشهورين، وكان نسابةً، من أعلم الناس بأنساب قريش، ويقال: إنه أخذ ذلك عن الصديق .
المقصود أن حديث جبير هذا يدل على استثناء صلاة الطواف؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا تمنعوا يا بني عبد مناف عبد مناف هو أحد أجداد النبي ﷺ، وهو أبو بطن من قريش فيه بنو هاشم، بنو هاشم من عبد مناف، وهو جدّ النبي ﷺ الثالث: محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فهو الجد الثالث للنبي عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت فصلَّى أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ.
وهو حديث جيد، ويدل على استثناء صلاة الطواف، وأنه لا حرجَ في فعلها في أوقات النَّهي لمن طاف بعد العصر، أو طاف بعد الصبح.
وقال بعضُ أهل العلم: ويدل على أنَّ الصلاة في مكة مُستثناة مطلقًا؛ لأنه قال: وصلَّى، ولم يقل: صلاة الطواف، دلَّ على العموم.
وقال الجمهور: الأولى تقديم أحاديث النَّهي، وتكون هذه الصلاة صلاة الطواف فقط، يعني التي تتعلق بالطواف، ولا الصلاة مطلقًا. وهذا قول الأكثرين: الصلاة التي هي سنة الطواف فقط.
والقول بأنه عامّ له وجاهة وله قوة، وهو قول الشافعي رحمه الله وجماعة، ولكن الاحتياط ترك ذلك إلى صلاة الطواف فقط؛ لأنَّ أحاديث النَّهي عامَّة وصحيحة وصريحة وعظيمة ومتواترة، فما يُستثنى منها إلا ما اتَّضح دليله، مثل: صلاة الطواف، ومثل: صلاة الكسوف، وتحية المسجد، هذه صلوات لها أسباب ظاهرة، فالذي يقوم ويُصلي في المسجد الحرام من غير أسباب هذا ظاهر أحاديث النَّهي تعمّه، والله أعلم.
..............
يقول المؤلفُ رحمه الله -وهو الحافظ ابن حجر رحمه الله- وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي ﷺ قال: .....
وجاء موقوفًا مرفوعًا عن النبي ﷺ أنه قال: الشَّفق الحمرة، كما رواه الدَّارقطني، وصححه ابن خزيمة ..... يبقى له حمرة في الأفق، فإذا زالت هذه الحُمرة دخل وقتُ العشاء، وخرج وقت المغرب.
وهكذا قال أئمةُ اللغة: أن الشَّفق: الحمرة التي تكون في الغروب، في المغرب، حين الغروب إلى مجيء وقت العشاء، يقال لها: شفق، فإذا ذهب الشَّفقُ دخل وقتُ العشاء، وما دام الشفقُ موجودًا فإنَّ وقت المغرب موجود، وهذا دليل على ما قاله الجمهور بأنَّ وقت المغرب يمتد إلى ذهاب الشَّفق، وهو متَّسع، وليس بضيقٍ، ولكن الأفضل أن تُصلى في أول الوقت كما حافظ على ذلك النبيُّ ﷺ، هذا هو الأفضل: أن تُؤدَّى في أول وقتها؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فوقتها يمتد إلى غروب الشَّفق، وحديث عبدالله بن عمرو تقدم في أول المواقيت، رواه مسلم، في الصحيح أنَّ النبي عليه السلام قال: وقت المغرب ما لم يغب الشَّفق.
والحديث الثاني: حديث ابن عباسٍ، وهو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي عليه السلام قال: الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحلّ فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة -أي: صلاة الصبح- ويحلّ فيه الطعام أخرجه ابن خزيمة والحاكم وصحَّحاه.
وللحاكم عن جابرٍ نحوه، وزاد الذي يحرم الطعام قال: إنه مثل المستطيل في الأفق، وفي الآخر أنه كذنب السّرحان.
هذا الحديث عن ابن عباسٍ وما جاء في معناه، وما جاء عن جابرٍ جاء في معناه عدة أحاديث تدل على أنَّ الفجر فجران: فجر صادق، وكاذب. فجر صادق: وهو الذي يحرم الطعام على الصائم، وتحلّ فيه الصلاة -صلاة الفجر- هذا يُقال له: الصادق، وهو يستطيل في الأفق -باللام- وجاء يستطير -بالراء- يعني: ينتشر، يمتد.
في روايةٍ: أن النبي ﷺ أشار بيديه، قال هكذا يمينًا وشمالًا، يعني: ينتشر ويستطيل ويعترض في الأفق، فهذا هو الصَّادق، ويزداد نوره، ولا يزال يزداد إلى أن تطلع الشمس، فهذا هو الصَّادق الذي يحرم الطعام على الصائم، وتحل فيه الصلاة، وهو الذي أراده النبيُّ ﷺ حين قال: إنَّ بلالًا يُؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يُؤذن ابن أم مكتوم.
قال الراوي -عائشة وغيرها- فكان ابن أم مكتوم أعمى لا يُنادي حتى يُقال: أصبحت، أصبحت. يعني: حتى يطلع الصبح الصَّادق، أما الفجر الآخر ...... يعترض، يذهب علوًّا صعودًا في السَّماء مُستدقًّا كذنب السّرحان، ثم يزول وتأتي بعده الظلمة، فهذا هو الفجر الكاذب، ولا يُعول عليه، ولا يتعلق به تحريم الطعام، بل للصائم أن يأكل، وليس له أن يُصلي الفجر حتى يذهب هذا الكاذب، ويأتي الفجر الصَّادق.
والحديث الرابع: حديث ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه: أن النبي قال: أفضل الأعمال الصَّلاة في أول وقتها خرجه الترمذي والحاكم، وصححه.
وأصله في "الصحيحين"، أصله من حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": أنَّ النبي عليه السلام قال: أفضل الأعمال الصَّلاة على وقتها، سُئل: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: برّ الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، سأله ابنُ مسعودٍ عن هذا، وهذا يدل على أنَّ الأفضل أن تُصلَّى الصلاة في وقتها؛ لأنَّ الصلاة عمود الإسلام، فأفضل الأعمال أن تُصلَّى هذه الصلاة في وقتها، لا تُقدم عنه، ولا تُؤخَّر عنه، وإذا كانت في أوله فهو أفضل، من باب البدار والمسارعة إلى ما شرع الله ، وإلى أداء هذه الفريضة قبل العوارض، وجاء بذلك هذا الحديث؛ رواية ابن مسعودٍ هنا عند الترمذي والحاكم: في أول وقتها.
أما رواية فالصلاة على وقتها فهي ظاهرة في الأولية، ولكن ليست بصريحةٍ، فإنها إن صليت في وسطه أو في آخره فقد صليت على وقتها، ولكن هذا أصرح في الدلالة على أفضلية الأولية، وأنَّ الأفضل أن تُصلَّى في أول وقتها، وإن صليت في أثنائه أو في آخره فلا حرجَ، ولكنَّ أوله أفضل للمُبادرة والمسارعة إلى ما شرع الله ؛ وللتأسِّي بالنبي ﷺ، فإنه كان يُسارع ويُؤدي الصَّلوات في أول وقتها عليه الصلاة والسلام، أي بعد الأذان، وبعد وقتٍ يتوضأ فيه المتوضئ، ويتهيأ فيه المتهيئ، ولا يُنافي ذلك أنه في أول الوقت؛ فإنَّ التهيؤ للصلاة والاستعداد لها مما يدخل في أول الوقت، والمعنى: أنه يُصليها في أول الوقت، أي: في الثلث الأول، أو في الربع الأول من الوقت، ولا يُؤخرها، هذا هو الأفضل.
وكان ﷺ يُحافظ على هذا إلا في حالين:
- إحداهما: في العشاء، إذا تأخَّر الناسُ أخَّر حتى يجتمعوا.
- والثانية: في الظهر، إذا اشتدَّ الحرُّ يأمر بالإبراد بها.
وما عدا ذلك كان يُبَكِّر؛ يُصليها في أول الوقت، وكان في المغرب أكثر تبكيرًا، كان يُصليها وينصرفون والرجل يُبصر مواقع نبله، كما تقدم في حديث رافع بن خديج، ولكن ليس معنى هذا أنه يُصليها من حين يفرغ الأذان، لا، بل كان يتأخَّر قليلًا، كان الصحابةُ يُصلون ركعتين بعد الأذان، فالأفضل للإمام ألا يعجل حتى يُصلي الناس، لمن أراد الصلاةَ يُصلي ركعتين، حتى يحضر مَن هو يتهيأ للصلاة، لا يعجل.
وبعض الناس من حين يُؤذن فهو يُقيم، هذا خلاف السنة، بل يتأخر بعض الشيء ولا يعجل؛ حتى يتمكن مَن في المسجد أن يُصلي ركعتين، ومَن دخل حتى يُصلي تحية المسجد، ومَن كان يتهيأ للصلاة يصل إلى المسجد.
فالمقصود أنه لا يعجل العجلة التي يفعلها بعضُ الناس، بل يتأخر قليلًا، لكنها في الجملة هي أسرع الأوقات، هي أولى الأوقات بالتبكير بالنسبة إلى العصر، وبالنسبة إلى الظهر والعشاء والفجر.
والظهر مثلما تقدم كان في شدة الحرِّ الأفضل الإبراد بها، وما سوى ذلك فالأفضل التَّبكير، لكن ليس كالمغرب، بل أوسع من المغرب، وهكذا الفجر لا يعجل، بل يتأخَّر حتى يتَّضح الصبحُ، وحتى يُصبح الصبح ويتَّضح؛ ولهذا تقدم في حديث أبي برزة أنه كان ينفتل من الصبح حين يعرف الرجلُ جليسه، وكان يُقيمها إذا انشقَّ الفجر، وكان يقول: أصبحوا بالصبح، ولما كان في مُزدلفة بكَّر بها قبل ميقاتها، يعني: صلَّاها في أول الصبح، فدلَّ على أنه في غير مزدلفة يتأخر قليلًا حتى يتَّضح الصبح، وحتى يتلاحق الناسُ؛ لأنَّ الناس قد يتأخر قيامهم من الأذان فيحتاج إلى الوضوء والتَّهيؤ، فينبغي للإمام أن يُراعي هذه الأمور وألا يعجل، والله أعلم.
س: نهاية وقت العشاء؟
ج: نصف الليل كما تقدم في حديث عبدالله بن عمرو.
قال المؤلفُ رحمه الله -هو الحافظ ابن حجر- وعن أبي محذورة، وهو المؤذن المعروف : أن النبي ﷺ قال: أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله رواه الدَّارقطني بإسنادٍ ضعيفٍ جدًّا.
وللترمذي رحمه الله نحوه من حديث ابن عمر، وهو ضعيف أيضًا.
هذان الحديثان يدلان على فضل أول الوقت، وأن أول الوقت مُقدم على وسطه وعلى آخره لو صحَّا، ولكن قد أغنى عنهما غيرهما، قد أغنى عنهما الأحاديث الصَّحيحة الدالة على أنه ﷺ كان يُصلي الصلاة في أول وقتها، وجاء في الحديث الصحيح المتقدم: أفضل الأعمال الصلاة في وقتها، وفي لفظٍ: على وقتها، وفي لفظٍ: في أول وقتها.
فالأحاديث الصحيحة دالة على ما دلَّ عليه هذان الحديثان الضَّعيفان، وهو أنَّ الصلاة في أول الوقت مطلوبة، وهي أفضل، وكان النبيُّ ﷺ يُحافظ على ذلك، إلا أن يعرض له عارضٌ، قد يعرض له عارضٌ فيُؤخِّر عليه الصلاة والسلام، ولكن الغالب عليه الصلاة والسلام هو تقديم الصلاة في أول وقتها: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، إلا إذا عرض له عارضٌ، ومن ذلك الظهر إذا اشتدَّ الحرُّ؛ فإنه كان يندب إلى تأخير الظهر حتى الإبراد، كذلك العشاء إذا تأخَّرت الجماعةُ أخَّر عليه الصلاة والسلام، وإلا فالأصل أنه كان يُصلي الصلاة في أول وقتها، لكن بعد الأذان بشيءٍ؛ حتى يتيسر للمُتوضئ أن يتوضأ، ولقاضي الحاجة أن يقضي حاجته ثم يحضر، فما كان يُبادر بعد الأذان بسرعةٍ، بل كان يُؤخر وقتًا حتى يحضر الناسُ ويتلاحق الناسُ، ويتوضأ المتوضئ، ويقضي صاحبُ الحاجة حاجته.
وكانت المغرب أكثر سرعة من غيرها كما تقدم، كان يُصلي المغرب ثم ينصرف الناسُ وإنَّ أحدهم ليُبصر مواقع نبله، كان يُبَكِّر بها، لكن بعد وقتٍ قليلٍ من الأذان، كان الصحابةُ يُصلون بعدها ركعتين، وكان يقول: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء، فدلَّ ذلك على أنه حتى في المغرب مع كونه يُبكر بها ما كان يُقيمها حال الأذان، بل كان يفصل بين الأذان والإقامة ببعض الوقت كما تقدم.
لكن هذا الحديث ضعيف كما قال المؤلف، ضعيف جدًّا، وهكذا حديث ابن عمر ضعيف جدًّا، فالحديثان ضعيفان، وفيه تفصيل: فأول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله. فهو يفصل الوقت، وأنه إن فعله في أول الوقت استحقَّ رضوان الله، ومع فعلها في وسطه استحقَّ رحمة الله، ومَن فعلها في آخره استحقَّ عفو الله، يعني: أنه فعل ما لا ينبغي فعله، لكن الله عفا عن هذا ، والأحاديث الصَّحيحة كلها دالة على أنَّ آخر الوقت جائز، وليس فيه ذمّ، فإنَّ قوله: عفو الله قد يُوهم أنه ذنب، ولكن عفا الله عنه، وليس في تأخيرها بأس، ولكن فعلها في أول الوقت أفضل وأولى، إلا إذا دعت الحاجةُ إلى التأخير لعلةٍ من العلل: كتأخير جماعة العشاء، وتأخير الظهر في الحرِّ للإبراد أو لأسبابٍ أخرى تقتضي ذلك.
والعلة في الحديثين أنَّ في إسنادهما يعقوب بن الوليد المدني، قال فيه أحمد رحمه الله: إنه كذاب؛ ولهذا ضعف الحديثان المذكوران.
والحديث الثالث: حديث ابن عمر، والرابع: حديث عمرو بن العاص: أن النبي ﷺ قال: لا صلاةَ بعد الفجر إلا سجدتين، وفي لفظٍ: لا صلاةَ بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.
فهذان الحديثان دالان على أنه لا ينبغي للمسلم أن يُصلي بعد الفجر إلا سنة الفجر، وأنه وقت نهيٍ، وهذا هو ظاهر الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة التي فيها: لا صلاةَ بعد الصبح حتى تطلع الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تغيب الشمسُ، وقد جاءت هذه الأخبار متواترةً مستفيضةً عن النبي ﷺ، عن جماعةٍ كثيرين من الصحابة، فوق العشرين، كلهم روى عن النبي ﷺ أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وهذان الحديثان منها.
ويدل أيضًا على ذلك أنه ﷺ ما كان يُصلي بعد الفجر إلا سنة الفجر، كما أخبر بذلك ابن عمر وحفصة وغيرهما رضي الله عنهما، كان يُصلي بعد الفجر سنة الفجر فقط، ثم يُصلي الفريضة بعد ذلك، هذا هو المشروع للمؤمن والمؤمنة بعد الفجر، إنما يُشرع لهما سنة الفجر فقط ركعتان، وكان يُحافظ عليهما في السَّفر والحضر عليه الصلاة والسلام، سنة الفجر كان لا يدعها سفرًا ولا حضرًا، وهكذا الوتر، التهجد من الليل، أما سنة الظهر والمغرب والعشاء فكان يدعها في السفر عليه الصلاة والسلام، ويقتصر على الفريضة.
لكن لو أنَّ إنسانًا صلَّى في بيته سنة الفجر -كما هو الأفضل- ثم جاء المسجد ولم تُقام الصلاة، فالمشروع له أن يُصلي تحية المسجد على أصح القولين؛ لأنها من ذوات الأسباب، فالسنة والأفضل أن يُصليهما قبل أن يجلس، وإن جلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يُصليهما في أرجح قولي العلماء؛ لأنهما من ذوات الأسباب: كصلاة الطواف في مكة، وصلاة الكسوف؛ إذا كسفت الشمسُ بعد العصر، فإنَّ السنة أن تُصلَّى ذوات الأسباب عند وجود أسبابها.
والحديث الخامس: حديث أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، توفيت سنة 62 من الهجرة، وهي آخر أمهات المؤمنين موتًا رضي الله عن الجميع.
تقول: أنَّ النبي ﷺ صلَّى العصر ثم دخل بيتها فصلَّى ركعتين، فسألته فقال: شُغلت عن الركعتين بعد الظهر فصليتُهما الآن، فقالت: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا.
وأصله في الصحيح: أنه ﷺ دخل وقام يُصلي بعد العصر، فاستنكرت أمُّ سلمة ذلك؛ لأنه بعد العصر ليس محلَّ صلاةٍ، فقالت للجارية: اذهبي إليه وقولي له: إنَّك نهيتَ عن الصلاة بعد العصر! فإن أشار إليك فتأخَّري عنه، فأشار إليها وتأخَّرت عنه، فلما صلى أخبرها عليه الصلاة والسلام أنه شُغل عن سنة الظهر بسبب وفدٍ قدم عليه فصلاهما بعد العصر.
وفي حديث أم سلمة هذا الذي رواه أحمد لما سألته: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا، هذا يدل على أنه من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه قضى سنة الظهر بعد العصر من خصائصه، ولا يُشرع للأمة إذا فاتتهم سنةُ الظهر أن يقضوها بعد العصر؛ لهذا الحديث.
وهذا الحديث سنده جيد؛ فإنه رواه أحمد رحمه الله عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن عروة بن قيس، عن ذكوان، عن أبي صالح السمان، عن أم سلمة. وهو سند لا بأس به، ويدل على أنه من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ولأبي داود عن عائشة بمعناه.
لعله يريد ما رواه أبو داود وغيره: أن النبي ﷺ كان صلَّى ركعتين بعد العصر بدء سنة الظهر، ثم أثبتها، والعلماء يقولون: إنَّ إثباتها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أما كونها تُقضى فقد ثبت بعضُ أهل العلم أنها تُقضى، ولكن هذا الحديث -حديث أم سلمة- يدل على أن القضاء والإثبات كلاهما من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا تُقضى سنة الظهر بعد العصر، ولا يُشرع أن يُصلَّى بعد العصر إلا له ﷺ، فإنه كان إذا عمل شيئًا أثبته، هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
وقد روت عائشةُ رضي الله عنها بأسانيد صحيحةٍ أنه كان يُصلي بعد العصر ركعتين، وقال أهلُ العلم: أنَّ هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه نهى الأمةَ عن ذلك، وكان إذا عمل شيئًا أثبته، فلما صلَّى هاتين الركعتين بعد العصر أثبتهما بعد ذلك واستقرتا، والله جلَّ وعلا يخصّ نبيَّه بما يشاء .
س: يعني: يكون القضاءُ في وقتٍ آخر؟
ج: ذهب وقتُها.
س: ما تُقضى؟
ج: ذهب وقتُها، ظاهر السنة أنها لا تُقضى، بخلاف سنة الفجر فإنها تُقضى بعد طلوع الشمس وبعد الفجر أيضًا، أما بقية السنن فإنها لا تُقضى، ذهب وقتها.
س: ولا في وقتٍ آخر غير وقت النَّهي؟
ج: ظاهر النصوص لا تُقضى، وهذا من تخفيف الله ورحمته .
س: ...............؟
ج: إذا كان يُصلي مع جماعةٍ ويتم مع الجماعة ما في بأس، إذا أتمَّ مع الجماعة لا بأس.
س: .............؟
ج: أقول: إذا صلَّى مع الإمام الحاضر يُصلي أربعًا.
س: ..............؟
ج: ما في بأس، يُصلي تحية المسجد، أو يُصلي ركعتين سنة الوضوء، لكن ما هي براتبةٍ، ما هي براتبةٍ، يُصلي ركعتين سنة الوضوء، وحديث: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لا بأس غير الرَّاتبة.
س: صلاة الليل؟
ج: سنة، كان النبي يتهجد بالليل عليه الصلاة والسلام، وهذه تبع الوتر، في مقدمة الوتر.
س: الذي يفوته الوترُ بالليل؟
ج: يقضيه مشفوعًا، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: كان النبيُّ ﷺ إذا فاته وترُه من الليل لمرضٍ أو نومٍ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة. وكان الغالب يُصلي إحدى عشرة في الليل ﷺ، فإذا فاته شفعه بواحدةٍ وصلَّى ثنتي عشرة ركعة.
س: لكن هل يقضيه قبل صلاة الفجر أو بعد الصلاة؟
ج: ظاهره بعد ارتفاع الشمس، وهو وقت التطوع.
س: وقبل صلاة الفجر؟
ج: ما نعرف لهم حُجَّة ..... دخول وقت الصلاة، ثم هو ذكر عظيم ينفع العبد، وفيه أجر عظيم، ولا يسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة، ففضله عظيم.
ويُستحب لمن سمعه أن يُجيبه ويقول مثل قوله، وهو من أسباب دخول الجنة، الإجابة بصدقٍ وإخلاصٍ من أسباب دخول الجنة كما يأتي إن شاء الله في أحاديث الإجابة. والإقامة كذلك فرض كفايةٍ كما يأتي.
عن عبدالله بن زيد بن عبد ربه، الأنصاري، الخزرجي، أبو محمد، صحابي مشهور، مشهور بأنه صاحب الأذان، وهناك صحابي آخر يقال له: عبدالله بن زيد بن عاصم المازني، راوي حديث الوضوء المشهور.
قال: "أتاني وأنا نائمٌ رجلٌ فقال .." إلى آخره.
أسباب هذا الحديث أنهم تذاكروا ما يعلمون به وقت الصلاة، جاء أنَّ النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة صاروا يتحينون وقت الصلاة ويحضرون في وقتٍ يُصلَّى فيه، فتذاكروا يومًا ماذا يفعلون حتى يعلم الوقت؟ فقيل: لو أوقدت نار حتى يعلم بها الوقت. فقال للصحابة: هذا من عمل المجوس. فقيل: لو ضربنا ناقوسًا. قال: هذا من عمل النصارى. فقيل: بوق مثل أبواق اليهود يُصاح فيه بالناس للحضور. فقال: هذا من عمل اليهود.
ثم نام عبدالله بن زيد، ومرَّ به شخصٌ وبيده ناقوس، فقلت له: ألا تبعني الناقوس يا عبدالله؟ فقال: ما تصنع به؟ قال: أُنادي بالصلاة. قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ تقول: الله أكبر، الله أكبر، ثم ذكر الأذان، ذكر الأذان مربعًا: أربع تكبيرات في أوله، والشهادتين مثنى، والحيعلة مثنى، والتكبيرة في آخره مثنى، والتهليل واحدة، ثم أقام، ثم تنحَّى قليلًا، ثم قال: تقول بعد ذلك: الله أكبر، وذكر الإقامة والتَّثنية في التكبير في أولها وفي آخرها وفي "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة".
ولو أقام فُرادى -يعني: ما عدا التكبير- فإنَّ في رواية عبدالله بن زيد التَّثنية، وهو فرد نسبي؛ لأنَّ الاثنين بالنسبة إلى الأربعة كالفرد، كالواحد من الاثنين، فالتكبير فرد نسبي؛ لأنَّ التكبير في الأذان أربع، فيكون جعله ثنتين فردًا نسبيًّا؛ ولهذا ذكر عبدالله بن زيد أنه كبَّر في أول الإقامة وفي آخرها مرتين، أخبر النبي بذلك، لما أصبح أخبره بالواقع، قال النبي ﷺ: إنها لرؤيا حقّ، ثم أمره أن يُلقيها على بلال، وأمر بلالًا أن يُنادي بها.
وجاء في الصحيح أنَّ عمر جاء بعد ذلك وقال: إنه رأى مثلما رأى عبدالله بن زيد رضي الله عن الجميع.
فهذا يدل على شرعية هذا الأذان، وأنَّ أسبابه الرؤيا الصَّالحة، وأسبابه أيضًا نظرهم وتشاورهم فيما يُنادى به للصلاة، حتى هداهم الله وأرشدهم بهذه الرؤيا الصَّالحة التي أقرَّها النبيُّ ﷺ إلى الأذان، وصار الأذان مشروعًا بإقرار النبي له، وأمره به عليه الصلاة والسلام، وإن كانت الرؤيا سببًا، لكن إنما كان مشروعًا ومُستقرًّا في الإسلام بسبب أمر النبي به، وفعله له عليه الصلاة والسلام.
وجاء في آخره قصة قول بلال: "الصلاة خيرٌ من النوم"، وروى أحمد القصة بعد حديث عبدالله بن زيد، وذكره المؤلف هنا يُوهم أنه من حديث عبدالله بن زيد، وليس كذلك، وإنما هذه القصة بعد ذلك: أنَّ رجلين دخلا على بيت النبي ﷺ فسألا عن النبي ﷺ، فقيل: إنه نائم. بعد الأذان، فقال: الصلاة خير من النوم، فقال النبيُّ ﷺ: اجعلها في أذانك، لكن الحديث في سنده ضعف وانقطاع؛ لأنه من رواية عبدالرحمن بن أبي ليلى عن بلال، ولم يسمع من بلال، وجاءت ثابتةً من حديث أبي محذورة: "الصلاة خير من النوم" من حديث أنسٍ، وعند ابن خزيمة.
فهي مشروعة في الأذان -أذان الفجر- وهل تُشرع في الأذان الأول الذي يُنبه به الناس أو في الأذان الأخير الذي بعد طلوع الفجر؟
على قولين: ذكر ابن رسلان وجماعة أنها في الأول الذي يُنبه به الناس؛ أخذًا من رواية الأول -الأذان الأول- في رواية أبي محذورة.
والصواب أنها تُقال في الأذان الأخير؛ لأنه هو الأذان الشرعي الواجب والمعتمد لتعريف الفجر والدعاء إليها، وتنبه دخول وقتها؛ ولأنه الأذان المطلق؛ أذان الفجر المطلق هو أذان الفجر بعد طلوع الفجر، هذه الكلمة تكون في إعلام الناس أنَّ الصلاة التي فرضها اللهُ على عباده خير من نومهم في هذا الوقت، والواجب عليهم البدار والمسارعة إليها، بدلًا من النوم.
ويدل على هذا أمور منها: أنه لم يُعرف أنَّ أبا محذورة كان يُؤذن أولًا، وإنما كان في مكة يُؤذن الفجر بعد طلوع الفجر، كما علَّمه النبيُّ ﷺ: إذا طلع الفجرُ فقل كذا وكذا، فعلَّمه النبيُّ أن يقول هذا إذا طلع الفجر، وسمَّاه أولًا لأنه بالنسبة إلى الإقامة أول، والإقامة هي الأذان الثاني، فهو أول بالنسبة إلى الإقامة، والإقامة هي الأذان الثاني، كما في الحديث: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة.
ومنها ما جاء في الصحيح من حديث عائشة: أنه كان في الدَّعوة الأولى، إذا سمع الدَّعوة الأولى صلَّى ركعتي الفجر، ثم خرج، والدَّعوة الأولى هي الأذان الأول بالنسبة إلى الإقامة. هذا هو الأظهر في الروايات عند تتبعها والنظر فيها، والله أعلم.
وحديث ابن خُزيمة يؤيد ما تقدم من شرعية هذه الكلمة: "الصلاة خير من النوم" في أذان الفجر، وأنها تُقال بعد الحيعلتين وقبل التكبير الأخير.
وحديث أبي محذورة يدل على شرعية التَّرجيع في الأذان؛ لأنَّ الرسول علَّمه الأذان، وعلمه الترجيع فيه، والترجيع أن يأتي بالشَّهادتين مرةً بعد مرةٍ، سُمي: ترجيعًا؛ لأنه يرجع إليها بعد مجيئه بها، رجعت إلى كذا يعني: عدت إليه، ويأتي بها أيضًا بصوتٍ منخفضٍ: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، بصوتٍ يسمعه مَن حوله، ثم يرفع صوته كسائر الأذان، صوتًا مرتفعًا كبقية الأذان؛ حتى يسمعه البعيدُ.
وقال بعضُهم: ولعلَّ السر في ذلك تثبيت التوحيد في قلوب الناس وحثّهم على التَّدبر والتأمل؛ لأنَّ هاتين الكلمتين هن أعظم الكلام وأفضل الكلام؛ ولهذا قال بعضُهم: ولعله أيضًا ليتحقق أبو محذورة هاتين الكلمتين، ويستفيد من دوام التَّكرار؛ لأنه حديث عهدٍ بشركٍ.
ولكن ليس الأمر بظاهرٍ في هذا في حديث أبي محذورة، بل الأمر عام، فإنَّ تكرارهما فائدة للجميع -لجميع السَّامعين- لينتبهوا لهاتين الكلمتين، ويتدبروهما بالتَّكرار؛ لأنَّ التَّكرار يلفت النظر، لماذا كررت؟ فلعظم شأنهما كررتا للتأمل والنظر في معناهما؛ لأنَّ هذا من أسباب الخلوص من الشرك، والعناية باتباع الرسول ﷺ.
وكان بلال لا يرجع في أذانه، اختلف الناسُ: أيّهما أفضل؟ هل أذان بلال؛ لأنه بين يدي النبي ﷺ وليس فيه ترجيع، أو أذان أبي محذورة؛ لأنَّ الرسول أمره بذلك؟
على قولين: من أهل العلم مَن فضَّل هذا، ومنهم مَن فضَّل هذا، وهذا من باب اختلاف التَّنوع، فكلاهما جائز: الترجيع وعدمه؛ لأنه فعله أبو محذورة بأمر النبي ﷺ، وتركه بلالٌ بأمر النبي لا شكَّ؛ لأنَّه لو أمره النبي لفعله، فهذا يدل على أنَّ الأمر واسع، وأنه من اختلاف التنوع، مثل: أنواع التَّحيات، وأنواع الصَّلوات على النبي ﷺ، وأنواع الاستفتاحات، كلها جائزة، مَن فعل هذا فلا بأس، ومَن فعل هذا فلا بأس.
ولا شكَّ أنَّ ما كان بين يدي النبي ﷺ هو الأفضل، والله لا يختار لنبيه إلا الأفضل عليه الصلاة والسلام، ولعله أمره أن يُنادي بهذا في أهل مكة لأسبابٍ اقتضت ذلك، ثم استمر الأمرُ عليه إلى أن تُوفي النبيُّ ﷺ، فاستقرت سنة وشريعة بوفاته عليه الصلاة والسلام.
وإذا فعله المؤذنُ بعض الأحيان -رجع تارةً، ولم يُرجع تارةً- فلا بأس، يكون لإحياء السنة، والإعلان بأنَّ هذا جائز، وهذا جائز.
هذا هو أصح ما قيل فيه، وهو ما ذكره ابنُ القيم رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية والمحققون، من باب التنوع، ولا خلاف في الحقيقة، ولا ينبغي إثارة الخلاف في هذا، لا ينبغي إثارة الكلام في هذا، والأمر فيه واسع، فالتحيات جاءت على أنواع، والصلاة على النبي جاءت على أنواع، والاستفتاحات جاءت على أنواع، فهكذا الأذان على أنواع: منه الترجيع، فلا بأس بهذا وهذا، كله سنة.
وفي حديث أبي محذورة ذكر في رواية مسلم التكبير في أوله مرتين: الله أكبر، الله أكبر.
والآخر رواه أحمد والأربعة بتربيع التكبير، وهذا هو المحفوظ من حديث عبدالله بن زيد، ومن أذان بلالٍ، كان يُربع في أول الأذان، ورواه مسلم في بعض النُّسخ مربعًا كما قال صاحب "المنتقى"، وذكره القاضي عياض، وفي إحدى روايات مسلم تربيع التكبير؛ لحديث أبي محذورة.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: إنَّ التربيع ثابت من طريق الثِّقات من حديث عبدالله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، ومن حديث أبي محذورة، فلا إشكالَ في ذلك؛ ولأنها زيادة من الثِّقات فتُقبل.
والحديث الرابع: حديث أنسٍ ، وهو أنس بن مالك الأنصاري، خادم النبي ﷺ.
عن أنسٍ قال: "أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذانَ، ويُوتر الإقامة".
هذا هو السنة، معنى "أُمِرَ" يعني: أمره النبي ﷺ؛ لأنَّ الآمر هو النبي ﷺ، إذا قال: "أُمِرْنَا، أو نُهِينَا، أو أُمِرَ فلان" يعني: النبي ﷺ، أو أمر الصَّحابة، يعني: أمر النبي ﷺ عند أهل الأصول.
وذكر المؤلف رواية النسائي لتأكيد هذا المعنى؛ ففي النَّسائي: "أمر النبيُّ بلالًا"؛ لتأكيد أنَّ الآمر هو النبي ﷺ.
يشفع الأذان يعني: يأتي به شفعًا، ثنتين ثنتين. وفي أوله أربع تكبيرات؛ لأنها شفع أيضًا، ويُوتر الإقامة يعني: يُفردها: واحدة، واحدة، إلا الإقامة "قد قامت الصلاة" فإنه يُكررها مرتين، وإلا التكبير -كما سمعت من حديث عبدالله بن زيد- يُكرره، هذا هو المحفوظ، وهذا هو الأفضل: إفراد الإقامة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فالإفراد في الشهادتين وفي الحيعلة، أما التكبير فيُثنى كما في رواية عبدالله بن زيد، وهو إيتار نسبي بالنسبة إلى التكبير أربعًا.
وقال بعضُهم: بل يُفرد التكبير أيضًا؛ أخذًا بظاهر حديث أنسٍ.
ولكن حديث أنسٍ مجمل محتمل، ويُفسره حديث عبدالله بن زيد وما جاء في معناه، وهو تثنية التكبير في أول الإقامة وفي آخرها، وجاء في رواية أبي محذورة ما يدل على أنَّ الإقامة كالأذان؛ يُؤتى بها كالأذان مع زيادة "قد قامت الصلاة"، وهذا قاله جماعةٌ من أهل العلم، قالوا: إنه يشفع الإقامةَ كما يشفع الأذان.
وإن صحَّت الروايات من حديث أبي محذورة في شفع الإقامة؛ فهو من باب التنوع، وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنها لم تصح من حديث أبي محذورة، يعني: تربيع الإقامة في أولها كالأذان، فإن صحَّ تربيعُ الإقامة فهو من باب اختلاف التنوع كما تقدم، وإن لم يصح ..... ما جاء في حديث أنسٍ من إيتارها، وإيتارها يكون بالتكبير أوله مرتين فقط، ويكون التكبير أربعًا مختصًّا بالأذان فقط.
ولا بد أن يُراجع، تُراجع الروايات في هذا إن شاء الله، تُراجع روايات أبي محذورة في الكتب، خرجتها في بعض الروايات أنه ربَّع، فإن ثبت أنه ربَّع في الإقامة في أولها فهذا من باب التَّنوع.
وأما التثنية فيها فقد جاء في حديث أبي محذورة، فهو من باب التَّنوعأما.
س: التَّرجيع في الشَّهادتين فقط؟
ج: فقط، في الشهادتين فقط، أما بقية الأذان ما في ترجيع.
س: صفته؟
ج: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، بصوتٍ منخفضٍ، ثم يعود يأتي بها بصوتٍ مرتفعٍ.
س: لكن إن قال الشَّهادة مرتفعة ثم رجَّع؟
ج: السنة أن يبدأ بالخفض ثم الرفع، هكذا جاءت السنة.
س: الترجيع خفض الصَّوت؟
ج: لا، ترداده، رجَّع: ردد.
س: هنا يقول: إيتار الإقامة، تُوتر الإقامة؟
ج: أفردها: فرد، فرد، هذا الثابت، هذا أثبت ما جاء، إيتارها: إفرادها يعني، مثلما قال في حديث عبدالله بن زيد، والإقامة فرادى إلا التكبير فإنه يُثنى، وإلا "قد قامت الصلاة" فإنها تُثنى: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة".
س: لو استمروا على ترك الأذان؟
ج: ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنَّ مَن ترك الأذان عمدًا يُقاتل أهل البلد إذا تركوها، يجب قتالهم حتى يلتزموا بهذه الشَّعيرة، إذا قلنا: هذا فرض كفايةٍ، وامتنعوا؛ جاز لولي الأمر أن يُقاتلهم حتى يُقيموا هذه الشَّعيرة العظيمة، ولكن الصلاة صحيحة، لو تركوه الصلاة صحيحة، لكن يأثمون بالتَّعمد.
س: إجابة المؤذن من الراديو؟
ج: الظاهر لا مانع، ما نعلم مانعًا في ذلك.
س: التَّمطيط في الأذان؟
ج: لا، ما ينبغي هذا، التَّلحين هذا ما هو بطيبٍ، مكره، أقلّ شيءٍ كراهته، ينبغي أن يكون سمحًا الأذان، والإقامة سمحة، يعربها ويُطيلها بعض الشيء، يفصل الأذان حتى يبلغ الناس، لكن كونه يُغني ويطول هذا ما ينبغي، هذا أقلّ أحواله الكراهة الشَّديدة.
................
س: الذي تفوته الصلاةُ هل يُشرع في حقِّه إعادة الأذان؟
ج: الظاهر تكفي الإقامة؛ لأنَّ الأذان قد نُودي به للصلاة، وعلم الناس، فتكفي الإقامة.
س: هل في دليل على كراهة التَّلحين بالأذان؟
ج: لأنه كالتَّلاعب، كالغناء، هذا هو، ما له داعٍ، والواجب أن تأتي بالألفاظ على الوجه العربي الذي كان يأتي به المؤذنون في عهد النبي وما بعده، أما كونه: أشهد أن لااااااااا، ثم ينتهي نفسه وزاد نفسًا آخر، ما له حاجة، تكلُّف ما له حاجة، الشريعة جاءت بعدم التَّكلف، يُروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: "أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا".
س: التَّسبيح عند الأذان؟
س: ما يبدأ بالتَّسبيح، يبدأ بالأذان، لكن إذا جاء وقتُ الأذان يُجيب المؤذن، لا يُسبح، خيرٌ له أن يُجيب المؤذن، وله أن يُسبح ويُهلل بعد الأذان إذا شاء، لكن الأولى أن يُجيب المؤذن، إذا سمع المؤذن يُجيبه كما أمر النبيُّ ﷺ، ثم بعد ذلك يتفرغ للتَّسبيح والعبادة.
س: في بعض البلدان بدل ما يُؤذن الأذان الأول يُسبح؟
ج: علمتهم أنَّ الأذان هو المعتمد، لا يسبح بعد الأذان؛ بدعة، التسبيح بعد الأذان بدعة.
س: حديث: إذا تغوَّلت الغيلان فبادر بالأذان؟
ج: يرفع صوته بالأذان حتى يهربهم؛ لأنَّ الأذان إذا سمعه الشيطانُ أدبر وله ضراط، كما في الحديث الصحيح في "الصحيحين".
س: الترجيع أربعًا سرًّا في الشَّهادتين، أو يسرد الشَّهادة الأولى مرتين ثم يرفع صوته؟
ج: لا، يأتي بها أولًا -الجميع- خفضًا، ثم يعود كلها رفعًا.
س: فتكون ثمانيةً؟
ج: تصير ثمانيةً.
س: أربعًا سرًّا، وأربعًا جهرًا؟
ج: أربعًا سرًّا، وأربعًا جهرًا، يصير تسعة عشر الأذان.
س: حديث قول الرسول ﷺ لبلال: إذا أذَّنْتَ فقل: الصلاة خير من النوم في أذانك، سبب ضعف الحديث؟
ج: الانقطاع المشهور: أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى ما أدرك بلالًا ولا سمع منه ولا لقيه، في علةٍ أخرى غلط بعض الرواة من جهة بلال يعني، لكنه ثابت من جهة أبي محذورة ومن جهة أنسٍ.
س: ...............؟
ج: السنة أن يُقيم، ولو صلَّى بدون إقامةٍ صحَّت الصلاة.
س: يحتج المصلون يقولون: لأيش ما أذَّنْتَ؟
ج: المسجد أذَّن، حصل الأذان.
س: إذا أذَّنت المساجدُ الأخرى وتأخَّر المؤذن، هل يُؤذن ولو بعد نصف ساعةٍ على الأذان؟
ج: محل نظرٍ، الأقرب عندي والله أعلم أنه لا يُؤذن؛ لأنَّ المؤذنين كفوا؛ لأنَّ الأذان المتأخر قد يُوهم الناس، يعني: يحصل به لبس على الناس، فإن فرط وكسل وتأخَّر تكفي الإقامة، الناس سمعوا الأذانَ، جماعة المسجد يسمعون الأذان الذي حولهم، كفى عنه إذا تأخَّر.
لكن هذه المسألة قد يترتب عليها شيء، وينبغي أن يُلاحظ هو إذا كان المؤذنون بعيدين بعض الشيء، وقد ينتظره جماعة المسجد، أو قد يأكلون في الفجر يحسبون أنه ليل، فهذا مُشكل، هذا يعني يترتب عليه لو أذَّن وقد تأخَّر عنهم بعض الشيء، فليُؤذن أولى؛ لتنبيه مَن حول المسجد حتى يحضروا، حتى لا يتأخَّروا عن الصلاة، وحتى لا يستمروا في مثل رمضان في الأكل، يتنبَّهوا أنَّ الصبح دخل.
الحاصل أنه إذا كان ما هناك حاجة لأذانه لأنَّ المؤذنين حوله كثير- حول المسجد- هذا مثلما يقع في بعض الحارات: المساجد كثيرة، والمكبرات موجودة، فيسمعون في الوقت مؤذنين، ثلاثة، أربعة، غير مسجدهم، من كثرة المؤذنين، فهذا إذا تأخَّر ما الفائدة من الأذان إلا إيهام وكسل؟
س: إذا سمع المقيم ماذا يقول؟
ج: مثل الأذان، يُجيب مثلما يُجيب المؤذن؛ لأنه أذان.
س: لو سمع الأذانَ الملحون هل يجب إجابته؟
ج: نعم؛ لأنَّ اللحن قد يُؤثر، قد لا يُغير المعنى.
س: ..............؟
ج: لا يضرّ، الملحون هذا ما يضرّ، مثل: أشهد أنَّ محمد رسول الله، ما يُؤثر في المعنى شيئًا، فيُجاب المؤذن ولو لحن.
س: ..............؟
ج: ما يضرّ، ما يضرّ.
حديث أبي جُحيفة: وهو وهب بن عبدالله السوائي، صحابي جليل، من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كان من أصحاب عليٍّ، وكان على شرطته.
أنه قال: رأيتُ بلالًا يُؤذن، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعيه في أذنيه. أخرجه أحمد والترمذي وصححه.
ولابن ماجه: وجعل أصبعيه في أذنيه.
ولأبي داود: .....، فلما بلغ "حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح" .....
وأصله في "الصحيحين"، أصل هذا الحديث في "الصحيحين" من حديث أبي جُحيفة: أنه رأى بلالًا يُؤذن، وجعل يتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يقول يمينًا وشمالًا: "حي على الصلاة، حي على الفلاح". هكذا روى الشيخان عن أبي جحيفة.
وفي هذه الروايات زيادة "أصبعيه في أذنيه"، "جعل أصبعيه في أذنيه"؛ لأنها أندى لصوته، فجعل أُصبعيه في أذنيه، خفي عليه بعض صوته، فليزداد نشاطًا في رفع الصوت، والمبالغة في رفع الصوت؛ لأنه يُبلغ البعيدين، فالسنة أن يرفع صوته حسب إمكانه، وجعل الأُصبعين في الأذنين يُعين على ذلك، وهذا من آداب الأذان، مما يُشرع في الأذان: العناية وبذل الوسع في رفع الصوت؛ حتى يبلغ ما أمكن من البعيدين عن المسجد.
وفيه أيضًا من الفوائد: أن السنة أن يميل رأسه يمينًا وشمالًا عند الحيعلة، فيلتفت يمينًا عند "حي على الصلاة"، وشمالًا عند "حي على الفلاح"؛ ليُبلغ مَن عن يمين المسجد وعن شماله؛ وليعرف مَن يراه من بعيدٍ أو مَن هو لا يسمع أنه مؤذن؛ لأنه التفات يمينًا وشمالًا وهو واقف على محلٍّ مرتفعٍ يُشعر مَن رآه من بعدٍ ولا يسمع الصَّوت أنه يُؤذن.
"ولم يستدر" يدل على أنه لا حاجةَ للاستدارة، ولا تُشرع الاستدارة، إنما يكفي أن يلتفت عن يمينه وشماله، هذا هو السنة، ولا أعلم في الاستدارة شيئًا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، إنما المحفوظ هو أن يلتفت عن يمينه وشماله حال الحيعلة.
والحديث الثاني: حديث أبي محذورة : أنَّ النبي ﷺ أعجبه صوته فعلَّمه الأذان، تقدم أنه سمع صوت مُؤذنين يوم حنين، لما سمعوا أذان المسلمين قاموا يُؤذنون بأذانهم كالمستهزئين، فسمع صوتَ أحدهم فأعجبه صوته، وكان هو أبو محذورة، فدعاهم وأذَّنوا عنده رجلًا رجلًا، فسمع صوتَ الذي سمع، وهو أبو محذورة، فدعاه ومسح على ناصيته ودعا له، ووقع في قلبه الإسلام وأسلم، وأمره النبيُّ ﷺ أن يُؤذن في أهل مكة، وعلَّمه الترجيع كما تقدم.
فالحاصل من هذا الدلالة على أنه ينبغي التماس حُسن الصوت في الأذان ما أمكن؛ أن يكون المؤذنُ حسن الصوت، فإنه أبلغ في دعوة الناس إلى الصلاة، وإصغائهم إلى صوته إذا سمعوه، رفع الصوت يدعو إلى الإصغاء، وإلى الإجابة، وإلى التأثر بالأذان، وإلى حضور السامع إلى المسجد، خلاف الصوت الذي بخلاف ذلك؛ فإنه قد يُنفر من سماعه، وقد يُنفر من إجابته، وقد يُنفر من الإصغاء إليه، بعض أصوات المؤذنين ليس بذاك، فينبغي للمسؤولين عن الأذان أن يختاروا ما أمكن، ما تيسر، أن يختاروا مَن هو أندى صوتًا، ومَن هو أحسن صوتًا؛ حتى يكون ذلك أقربَ إلى الإصغاء إليه والاستماع له وإجابته والتَّأثر به.
والحديث الثالث: حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما، هو صحابي، وأبوه صحابي.
أنه قال: "صليتُ مع النبي ﷺ العيدين غير مرةٍ ولا مرتين بغير أذانٍ ولا إقامةٍ". رواه مسلم في "الصحيح"، ونحوه متفق عليه عن ابن عباسٍ وغيره.
في "الصحيحين" عن ابن عباسٍ أيضًا، وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلَّى العيد بلا أذانٍ ولا إقامةٍ.
هكذا جاءت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: حديث جابر، وحديث ابن عباس، وجابر بن سمرة، وغيرهم أنَّه صلى العيدَ بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، وهذا السنة، ليس للعيد لا أذان ولا إقامة، ولا يُنادى بها: "الصلاة جامعة"، إنما "الصلاة جامعة" تُقال في صلاة الكسوف، وأما العيد والاستسقاء فليس لهما نداء: لا بصلاة جامعة، ولا بغيرها، كما أخبر الصحابةُ أنهم صلوا مع النبي ﷺ فلم يُناد لصلاة العيدين: لا بأذان، ولا بإقامة، ولا بغير ذلك، وما يفعله بعضُ الناس وما قاله بعضُ الفقهاء من أنه يُستحب لصلاة الجنازة أن يُدعا لها "الصلاة جامعة" لا وجهَ له، ولا ينبغي ذلك؛ لأنه خلاف السنة.
س: المؤذن يضع السبابتين في صماخ الأذنين؟
ج: نعم؛ لأنه يسدّ الأذن، حتى يُضعف سماعه للصوت فيزيد في رفع الصَّوت.
س: ..............؟
ج: الترتيل غير، الترتيل كونه -يعني- يأتي بصوتٍ ليس بعجلٍ، بل يقطع، والأذان .....: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، إلى آخره، يعني: يقطع، هذا هو السنة.
وصلى الله وسلم على رسول الله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث متعلقة بالصلاة، جمع الصلاتين المغرب والعشاء في مُزدلفة، وفيما إذا نام الإنسانُ عن الصلاة -صلاة الفجر- وغيرها، ماذا يفعل؟
في حديث أبي قتادة الأنصاري -الحديث الأول- وهو الحارث بن ربعي الأنصاري، الفارس المعروف ، في الحديث الطويل ..... منصرفهم من خيبر، وقد وقعت هذه الحادثةُ للنبي مرات عليه الصلاة والسلام في أسفاره، وفيها كلها أنه يُصلي كما كان يُصلي عليه الصلاة والسلام بالوقت، وفي بعضها أنهم لم يستيقظوا إلا بحرِّ الشمس، وفي بعضها أنه قال لبلالٍ: ..... لنا الفجر، فاستند إلى راحلته ..... الفجر، وجعل وجهه إلى الشَّرق فأخذته عيناه ونام، فلم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فقال له النبيُّ ﷺ: يا بلال! قال: يا رسول الله، أخذ في نفسي الذي أخذ في نفسك.
المقصود أنه وقع مرات، وكان عليه الصلاة والسلام يُصلي كما كان يُصلي؛ يأمر الناس بالوضوء، ثم يأمر بلالًا فيُؤذن ثم يُقيم، فيُصلي كما كان يُصلي في الوقت.
وفي بعضها أنه ..... الحال من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، وقال: هذا موضع حضر فيه الشيطان، فدلَّ هذا على استحباب انتقالهم إذا تيسر ذلك عن المكان الذي طلعت عليهم الشمس وهم نيام فيه.
ويدل الحديثُ على أنَّ مَن نام عن الصلاة ومَن نسيها أيضًا فإنه يُصليها كما كان يُصليها في الوقت؛ يُصليها بأذانها وإقامتها وراتبتها كما فعل النبيُّ ﷺ، فإنه صلى بأذانٍ وإقامةٍ، وصلَّى سنة الفجر، ثم صلى الفجر عليه الصلاة والسلام، وهكذا مَن وقع له ذلك يفعل كفعله ﷺ.
ثم قال: إذا كان من الغد فصلوها لميقاتها يعني: الوقت على حاله ما تغير، وفي الوقت الآخر الصلاة في ميقاتها بعد طلوع الفجر.
وفيه من الفوائد: أن الفائتة كالحاضرة، تُصلَّى كالحاضرة: الجهرية جهرية، والسرية سرية، وأنها بالأذان والإقامة، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وقال: مَن نام عن الصلاة أو نسيها فليُصلها إذا ذكرها، لا كفَّارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14].
والحديث الثاني والثالث: حديث جابر، وحديث ابن عمر رضي الله عنهم جميعًا في صلاة النبي ﷺ في مُزدلفة، أوضح جابر أنه صلَّاها بأذانٍ وإقامتين: المغرب والعشاء.
فجابر من أحفظ الناس لأعمال حجِّ النبي ﷺ، فإنه اعتنى بحجِّ النبي ﷺ من أوله إلى آخره: من إحرامه من ذي الحليفة، إلى رجوعه إلى المدينة، كان يعتني بذلك، وساق أعمالَ النبي ﷺ سياقة عظيمة.
فحديثه في هذا الباب منسك عظيم مستقلّ، وقد حفظ أنه صلَّى المغرب والعشاء في مُزدلفة بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، كل واحدٍ له إقامة، رواه مسلم في الصحيح.
أما أسامة وابن عمر فلم يذكرا الأذانَ، قال أسامة: "صلَّاهما بإقامتين" رواه البخاري. وهكذا قال ابن عمر كما هنا في رواية أبي داود: "صلاهما بإقامتين". وفي روايةٍ أخرى: "بإقامةٍ واحدةٍ".
وهذه التي فيها إقامة واحدة وهم من بعض الرواة، أو نسيان من ابن عمر في بعض أوقاته؛ لأنه عاش طويلًا، وحجَّ حجَّات كثيرة، فلم يتوفَّ إلا بعد حجّ عام 73 في آخر السنة، أو في أول محرم في سنة 74 بعد مقتل ابن الزبير، فلعله نسي بعض ذلك في بعض مَن حدَّث به بعض أصحابه؛ ولهذا روى البخاري في "الصحيح" عنه : أنه صلَّاهما بإقامةٍ لكل واحدةٍ، فينبغي أن يُعلق هنا، فإنَّ المؤلف هنا كأنه نسي فعزى الإقامةَ بإقامتين لأبي داود فقط، وهو في البخاري، ثابت في البخاري عن ابن عمر أنه أقام لكل واحدةٍ، ينبغي أن يعلق ..... في البخاري نفسه في "الصحيح"، وقد ذُكر في "العمدة" أيضًا.
الحاصل أنَّ ابن عمر وأسامة وجابر اتَّفقوا كلهم على أنه أقام لكل واحدةٍ، ما عدا الرواية الشَّاذة التي عن ابن عمر: أنه صلَّاهما بإقامةٍ واحدةٍ فقط، هذه رواية شاذة وضعيفة، مخالفة للأحاديث الصَّحيحة.
بقي الكلامُ في الأذان: فجابر ذكر أذانًا واحدًا، وفي رواية ابن عمر: أنه لم يُنادَ لواحدةٍ منهما، وفي الصحيح عن ابن مسعودٍ أنه أذن لكل واحدةٍ: أذَّن المغرب ثم صلَّاها، ثم صلَّى ركعتين -كما في البخاري- ثم تعشى، ثم أمر بالأذان للعشاء، ثم بالإقامة، ثم صلَّاها بعد ذلك.
والمحفوظ عن النبي ﷺ أنه لم يُصلِّ بينهما شيئًا، ولم يتعشّ بينهما، فصلاهما جميعًا كما قال أسامة وجابر، صلاهما جميعًا ولم يفصل بينهما بصلاةٍ ولا بغيرها، سوى حطّ الرحال كما في حديث أسامة، قال: فأناخ كل واحدٍ بعيره، ثم قام وصلَّى العشاء.
ولعلَّ ابن مسعودٍ اجتهد في هذا أو نسي السنة في آخر حياته؛ لأنه عاش إلى عام 33 إلى آخر خلافة عثمان أو 32 رحمه الله، ولم يُصرح بأنَّ الأذانين من فعل النبي ﷺ، بل أمر بالأذان ولم يُصرح .....، فهو عمل موقوف عليه، والموقوف إذا خالف المرفوع فالحجَّة في المرفوع، والمرفوع من حديث جابرٍ صريح بأنه أذَّن أذانًا واحدًا فقط، وهو المعتمد في هذا الباب: صلَّى بأذانٍ واحدٍ وإقامتين. وهكذا فعل بين الظهر والعصر عند الجميع، صلَّاهما بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، صلاة الظهر والعصر في عرفات، فهذه مثلها.
وأما قول ابن عمر: "ولم يُنادَ بواحدةٍ منهما" هذه الرواية هي وهم، لعله نسي ذلك؛ ولهذا قال ما قال، وخالفه جابر، والقاعدة: أن المثبت والحافظ مُقدم على مَن لم يحفظ.
والخلاصة أنَّ السنة في صلاة الجمع بعرفات ومُزدلفة، وهكذا في الأسفار إذا جمع الإنسانُ السنة في ذلك أن يُؤذن أذانًا واحدًا، ويُقيم لكل واحدةٍ كما في حديث جابر، هذا هو المحفوظ، وهذا هو المعتمد.
وعن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ بلالًا يُؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أم مكتوم، هذا يدل على أن المؤذن إذا أذن قبل الفجر، فإنَّ أذانه لا يمنع الصائم، ولا يجوز دخول الوقت؛ لأنَّ المؤذن قد يغلط، قد يقصد التَّنبيه، ما قصد أذان الفجر، فيُؤذن الفجر؛ فلا تحلّ الصلاة، ولا يحرم الطعام إلا بطلوع الفجر المتحقق الصادق، ولو كانت المدة قليلةً، فقد سمَّى النبيُّ ﷺ أذان بلالٍ بليلٍ، ومعلوم أنه ليس بينهما إلا قليل، كما في الرواية الأخرى: "ليس بينهما إلا أن ينزل ذا، ويصعد ذا" يعني: ليس بينهما إلا مدة قليلة.
وفيه جواز اتّخاذ مُؤذنين، وأنه لا بأس هذا قبل الفجر للتَّنبيه؛ حتى يُعلم أنَّ الفجر قريب، كما في رواية "الصحيحين"، كما في حديث ابن مسعودٍ: إنَّ بلالًا يُؤذن بليلٍ ليُوقِظ نائمكم ويرجع قائمكم للتَّنبيه، والأذان الثاني يكون لدعوة الناس إلى الصلاة، وإعلامهم بدخول الوقت؛ حتى يمتنع الصائم عن الفطر، وحتى يُصلي صلاة الفجر: كالنساء والمريض الذي في بيته ونحو ذلك.
وقول المؤلف: وفي ..... الإدراج، يعني قوله: كان رجلًا أعمى. هذا المدرج يدل على أنه من كلام ابن عمر، أو من كلام الزهري: أنَّ الراوي قال: وكان رجلًا أعمى لا يُنادي حتى يُقال: أصبحتَ، أصبحتَ. وهذا هو المدرج، فالمدرج في الحديث هو ما يكون من كلام بعض الرواة، هذا مدرج يلحق بالمتن، وهو من كلام بعض الرواة، هذا يُسمَّى: مدرجًا، كما قال البيقوني رحمه الله:
والمُدْرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ | مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ |
فالمدرج هو الذي يأتي به الراوي تابعًا لكلام النبي ﷺ، فيتوهم بعض الناس أنه من كلامه، ومن هذا ما في حديث ابن عمر، قال: "نهى رسولُ الله عن الشِّغار"، قال: "والشِّغار أن يُزوج الرجلُ ابنته على أن يُزوج الآخر ابنته وليس بينهما صداق" هذا من الإدراج، وهو من كلام نافع، وقيل: من كلام مالك. والمحفوظ أنه من كلام نافع، من باب التفسير، وهو كثير في الرواية، ونبَّه عليه الحفاظُ كما تقدم لكم في .....
وفيه من الفوائد: أنه لا بأس أن يكون في المسجد مُؤذنان أو مؤذن واحد يُؤذن أذانين: أحدهما قبل الفجر، والثاني بعد الفجر. فالأول للتَّنبيه على قرب الفجر؛ ليرجع القائم عن الاستمرار في الصلاة؛ لأنَّ الوقت قصر، حتى يوتر ويُوقظ النائم حتى ينتبه ويستعد للفجر، حتى لا يخلط على الناس.
أما أن يُؤذن قبل الفجر، وليس هناك مَن يُؤذن الفجر، فلا، قد تنازع الناسُ في هذا على أقوالٍ، وأصحها وأرجحها أنه لا حرجَ بالأذان قبل الفجر إذا كان هناك مَن يُؤذن بعد الفجر، سواء كان المؤذن نفسه، أو مؤذنًا آخر؛ حتى لا يلتبس على الناس الأمر، مثلما فعل النبيُّ ﷺ؛ فإنَّ بلالًا أذَّن قبل الفجر، وابن أم مكتوم أذَّن بعد الفجر، فزال اللبس، ولم يبقَ إشكال.
وابن أم مكتوم اسمه عمرو -كما تقدم- على الراجح، اسمه عمرو.
والأفضل -كما يدل على هذا الخبر- أن يكون الأذانُ الأول لبس بالبعيد من أذان الفجر؛ حتى إذا قام الإنسانُ لا ينام مرةً ثانيةً، ينشط ويستعد، فإنه إذا كان مُبكرًا قد يضعف الناسُ عن القيام، فلا يحصل به الفائدة، لكن إذا كان قريبًا وسمعه الناسُ قاموا واستعدُّوا للفجر، وكان ذلك مما يُعينهم على القيام، أما ما يفعله بعضُ الناس من التقديم والتَّبكير به فهو غير موافقٍ لهذه الرواية، وغير موافقٍ للمعنى أيضًا؛ الفائدة.
والحديث الرابع والحديث الخامس: حديث ابن عمر أيضًا: أنَّ بلالًا أذَّن قبل الفجر، فأمره أن يرجع فيُنادي .....
هذا الحديث ضعَّفه أبو داود وغيره، قال: إنه شاذّ يُخالف الأحاديث الصَّحيحة التي فيها أنه أذَّن بلال وهو ..... حماد بن سلمة في هذه الرواية؛ ولهذا ضعَّفه الأئمةُ، ولعله دخل عليه من حديث عمر الموقوف الذي ذكره أبو داود، فهذا وقع في عمر، كان له غلام يقال له: مسروق، فأذن قبل الفجر غلطًا، فأمر عمر أن يُنادي حتى ينتبه الناسُ أنَّ الأذان الأول لم يقع في الوقت بعد ذلك؛ حتى يُعيد مَن صلَّى بأذانه وينتبه، ولعله دخل عليه هذا في هذا رحمه الله.
س: ............؟
ج: المشهور عند العلماء أنه يتمّها نافلةً، ثم .....، ثم الحاضرة. وقال قومٌ: ..... في هذه الحالة يتمّها، ثم يأتي بالفائدة؛ لأنه معذور بالنسيان.
والأقرب والأحوط أنه يتمها نافلةً، وهذا المحفوظ عن ابن عمر، من فعل ابن عمر؛ لأنَّ هذا لما تذكر فعليه واجبة، فيتم هذه نافلة .....
س: ..............؟
ج: لا، ما يصلح، دخلها بنية العصر، والأعمال بالنيات.
س: .............؟
ج: يقطعها ويُصلي، لكن القطع ما له حاجة، الوقت واسع.
..............
س: كلمة "الصلاة خير من النوم" الصحيح أنها في الأذان الأول أو الأخير؟
ج: الصحيح أنها في الأذان الأخير، في أذان الفجر، النبي سمَّاه: أذان الفجر؛ لأنَّه الأول، والثاني هو الإقامة، أما ذاك فهو للتَّنبيه فقط، ما هو بأذانٍ، أذان تنبيه؛ ليُوقظ النائم، ويرجع القائم.
وقوله في حديث أبي محذورة: بأنه الأذان الأول، فسَّره ..... بأنه أذان الفجر، والإقامة هي الأذان الثاني ..... حديث أبي محذورة، وكذلك حديث عائشة: كان يقوم في الدعوة الأولى، إذا فرغ المؤذنُ من الدعوة الأولى صلَّى ركعتين، ثم خرج إلى الناس. فالدعوة الأولى والأذان الأول هو الأذان الحقيقي .....، والأذان الثاني هو الإقامة؛ لقوله : بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة.
س: لو تيمم وصلَّى ولكن وجد الماء بعد انتهاء الصَّلاة؟
ج: ما عليه الإعادة، وقعت موقعها، انتهى، بعد الفراغ منها انتهت.
س: ..............؟
ج: ظاهر، فعل النبي ﷺ في صلاته لما نام عن الصلاة هو هذا، الحكم واحد.
س: .............؟
ج: ولو غير، الحكم واحد.
س: يُؤذن ويُقيم بعد الوقت؟
ج: نعم.
س: الذي في البخاري من فعل ابن عمر، أو حكاية عن فعل الرسول؟
ج: عن النبي ﷺ أنه أقام لكل واحدةٍ، لكن ابن مسعود هو الذي ما صرح ..... يعني: توهم بعض الناس أنه مرفوع، منهم الشارح صاحب "السبل"، قال: إذا كان الأخذُ بقول المثبت فينبغي أن نأخذ بقول ابن مسعودٍ؛ لأنه مُثبت أذانين. وليس الأمر كذلك؛ لأنَّ ابن مسعودٍ ما صرح بالسماع عن النبي ﷺ، وإنما حكاه الراوي عنه قال: من فعله فقط. وصرح بالسماع أنَّ الصلاة حولت عن وقتها -صلاة المغرب- فرض العشاء وقت العشاء في مُزدلفة، وصلاة الفجر يُبكر بها من حين يبزغ الفجر، هذا الذي ..... عن النبي ﷺ، ولم يقل: إنَّ الأذانين من فعل النبي ﷺ، أو من فعل بلالٍ، الذي يظهر من كلامه ومن سياق القصة أنها من اجتهاده؛ ولهذا فيه أنه صلى المغرب ثم صلى ركعتين، ثم دعا بالعشاء، ثم بعد ذلك أمر المؤذن أن يُؤذن.
...............
س: قول الفقهاء أنه يجوز للمُؤذن أن يُؤذن الفجر قبل دخول الوقت؟
ج: هذا ليس على إطلاقه، الصواب أنَّ العلماء لهم ثلاثة أقوال: قول: يجوز مطلقًا. والثاني: لا يجوز مطلقًا. والثالث التفصيل، وهو موافق لحديث بلالٍ التفصيل؛ كان إذا أذَّن قبل الفجر أعاده بعد الفجر، أو هناك مؤذن آخر يؤذن بعد الفجر فلا بأس، وهذا مُطابق لفعل بلال وابن أم مكتوم، أما أنه يُؤذن قبل الفجر وليس هناك مَن يُؤذن للفجر فهذا فيه إيهام وتلبيس فلا يُشرع.
س: .............؟
ج: إذا كانوا يسمعونه سماعًا كاملًا، ويعرفونه، ما عندهم فيه لبس، فيقوم مقامه لو كانت المساجدُ متقاربةً، ويعمّ الجميع، أما إذا كان بعيدًا لا يسمعه هؤلاء لا يكفي.