بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا الآن في قراءة إمامنا الآن سورة الحجرات، وفيها توجيهات عظيمة من ربنا إلى الأمة، أوامر، ونواهي، وهكذا كتاب الله فيه التوجيه إلى كل خير، والدعوة إلى كل خير، والهداية إلى أسباب النجاة والسعادة، فجدير بكل مؤمن وكل مكلف أن يتعقل هذا الكتاب العظيم، وهو كتاب الله الذي هو أشرف الكتب، وأصدقها، وأعظمها، وأنفعها، وخاتمتها، ففيه الدعوة إلى كل خير، والترهيب من كل شر، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والترهيب من سيئ الأخلاق وسييء الأعمال، وفيه القصص العظيم، القصص لما مضى من خير وشر، قص علينا أخبار الأمم، وأخبار الرسل، وأخبار الناجين، وأخبار الهالكين، وأخبار أهل الجنة، وأخبار أهل النار، فجدير بك يا عبد الله، وجدير بكل مكلف أن يستفيد من هذه الأخبار، والقصص، والتوجيهات، والإرشادات، والدعوة من رب كريم.
وفي سورة الحجرات في أولها يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ [الحجرات:1]، هذا الواجب على الجميع أن يكونوا تابعين لحكم الله، ورسوله، وأن لا يتقدموا على حكم الله، ورسوله، بل يجب أن يكونوا تابعين لأحكام الله، منقادين لشرع الله، ثم ينبه على عظم شأن رسوله ﷺ، وما يجب حوله من الأدب الشرعي الطيب، وأن الواجب على الأمة أن لا يرفعوا صوتهم فوق صوته، وأن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غض الصوت عنده عليه الصلاة والسلام، وهكذا عند سنته، عند قراءة الأحاديث، وعند سماع السنة يجب العناية بهذا الأمر، والخضوع، والانتباه، واليقظة، والاستفادة، وعدم رفع الأصوات، والخوض الذي يشغل عنها.
ثم يوجه بعد ذلك إلى أمر عظيم فيقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، هذا أمره عظيم، والتبين التثبت، والفساق قد يأتون بأخبار مهلكة لمن أخذها، ويأتون بأخبار تفرق الأمة، وتسبب الاختلاف والنزاع، فالواجب التثبت في أخبار الفسقة، هذا أصل عظيم اعتمد عليه أئمة الحديث، وأئمة الجرح والتعديل، واعتمد عليه في الشهادات، وفي جميع الأخبار، لا بدّ من التيقن، والتثبت في أمر المخبر، والشاهد أن يكون ثقة صدوقًا، فالمجهول قد يكون فاسقًا، فلا تقبل شهادة المجهول، ولا خبر المجهول، ولا الفاسق، وإنما تقبل أخبار العدول، وشهادات العدول.
ثم بين ما يتعلق باختلاف الأمة، ووجوب الصلح بين الأمة إذا اختلفت، وأن الواجب الصلح إذا اختلف طائفتان، أو أهل بلدين، أو جماعتين، أو قبيلتين، أو ما أشبه ذلك، إذا اختلف جماعة طائفتان قبيلتان أهل قريتين أهل بلدين إلى غير ذلك الواجب الصلح بينهم، الصلح بالحق، وإذا امتنعت إحداهما، وبغت، وجب قتال الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، وأن هذا هو الواجب على الأمة أن يأخذوا على يد الظالم، والفاسق، وأن يأطروه على الحق أطرًا.
ثم قال بعد ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ولَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ولَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ومَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] أخلاق ذميمة حذر منها جل وعلا؛ لأنها تضر المجتمع، وتجره إلى شر عظيم، وفساد كبير، واختلاف، ونزاع، وبغضاء، وعداوة، فالسخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب كلها شر، كلها تجر إلى الفساد، فلا يجوز السخرية بأخيك، الرجل لا يسخر بأخيه، ولا بأخته في الله، وهكذا المرأة لا تسخر، وهكذا الجماعة لا يسخرون بالجماعة، الواجب تحري الحق، تحري الإنصاف، تحري الكلام الطيب، وعدم السخرية.
كذلك اللمز والعيب، كون الإنسان يلمز أخاه يعيبه هذه الغيبة التي حرمها الله، وقد يحصل بها شر كبير، قد يكون بالمواجهة، فيكون يسبب البغضاء، والعداوة، وهكذا التنابز بالألقاب يا حمار يا كلب يا كذا يا كذا بالألقاب المكروهة، بل يدعى الإنسان باللقب الطيب الذي يحبه، ويبتعد عن الألقاب الذميمة التي تسبب البغضاء والعداوة، ثم بين أن من لم يتب فهو ظالم، من لم يتب من هذه الأخلاق الذميمة فإنه يكون ظالمًا وعاصيًا، فوجب الحذر من هذه الأخلاق الذميمة التي ذمها وعابها سبحانه.
ثم يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولَا تَجَسَّسُوا ولَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] كذلك أخلاق ذميمة، الظن شره عظيم، قد يسبب البغضاء، والعداوة، والفتنة، ولا أصل له، ولا أساس له، فالواجب اجتناب كثير من الظن، ولا يقبل من الظن إلا ما قامت عليه الشواهد، والدلائل، ولهذا يقول ﷺ: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث متفق على صحته، إياكم والظن يعني: احذروه، إنما يأخذ بالظن الذي تقوم عليه شواهد، وقرائن يعمل به في محله، ثم يقول: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] التجسس: التفتيش عن عيوب الناس، وتطلع عيوب الناس، وهذا شره عظيم أيضًا، وهكذا الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره، فالتفتيش عن عيوب الناس، وذكر عيوب الناس فيه فساد كبير، وغيبتهم والقول في أعراضهم فيه فساد كبير.
ثم يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] ما هو لتفاخروا، أو تكبروا، الناس خلقهم الله من آدم، وحواء، ذكر وهو آدم، وأنثى وهي حواء، بيت واحد، لماذا التفاخر، والتقاطع، والحسد، والبغي؟ الواجب الإنصاف، وتحري الحق، وعدم التكبر، والبغضاء، والعداوة، والشحناء، فالفخر، والخيلاء يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى جدير بهم أن يحذروا البغضاء، والعداوة، والشحناء فهم أولاد شخص واحد، وأولاد امرأة واحدة، فالواجب التراحم، والتعاطف، والتعاون على البر، والتقوى، والتواصي بالحق، ذرية واحدة، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا للتعارف ما هو للتفاخر، والظلم لا، للتعارف، هذا مطيري، هذا من بني هاشم، هذا كذا، هذا كذا، يتعارف الناس، ما هو للتفاخر، والتكبر، ولو كنت من بني هاشم أفضل القبائل ليس لك التكبر، احمد الله على ما أعطاك من النعم، ولا تفخر، ولا تكبر، ولهذا قال: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا لعظيم هذه الفائدة العظيمة لتعارفوا لا للتكبر، ولا للتفاخر، ولا للظلم، ولا للبغي، لكن ليعرف هذا مطيري هذا هاشمي هذا قرشي هذا عتيبي هذا كذا هذا كذا يتعارف الناس.
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] أكرم الناس أتقاهم، وإن كان من أي جهة، وإن كان عبدًا مملوكًا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ من جهينة، من بني هاشم، من عتيبة، من مطير، من كذا، من كذا، رقيق، عتيق، كله واحد إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ فاحذروا يعني: التفاخر، والبغي.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] هو الذي يعلم أحوال الناس، وهو يخبر أخبار الناس يخبر الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح، لا أحد أعلم منه، ولا أكبر منه ، فالواجب علينا جميعًا أن نتقي الله، وأن نستفيد من توجيه ربنا وتعليمه، هذا الواجب على جميع المسلمين في أي مكان، يجب على جميع المسلمين، بل على جميع الخلق من ذكر وأنثى، يجب على جميع الجن والإنس، يجب عليهم الأخذ بتعليم الله وتوجيه الله، وإرشاده، هذا هو الواجب على الجميع، خلقوا ليعبدوا الله، وعبادته هي الأخذ بتعاليمه جل وعلا، فالعبادة هي تقواه، والأخذ بتعاليمه، وتوجيهات سبحانه، والعمل بذلك، هذا هو الدين، هذا هو الإسلام، هذا هو الإيمان، والتقوى، هذه هو العبادة التي أنت مخلوق لها، أنت مخلوق لتعمل بتوجيه ربك، وأمره، وترك ما نهى عنه، هذا هو دينك، هذا هو الإسلام الذي قال فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذا هو التقوى، وهذا هو البر، وهذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، أن تأخذ بأوامر الله، وأن تنتهي عن نواهي الله، وأن تقف عند حدود الله، وأن تستجيب لأمر الله، وأن تحذر محارم الله، هذا هو الدين، هذا هو التقوى، هذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، هذا هو الهدى، فالله جعل الناس شعوبًا وقبائل، وفرق بينهم، هذا غني، وهذا فقير، وهذا ذميم، وهذا جميل، وهذا طويل، وهذا قصير، وهذا من كذا؛ ليتعارفوا، وليعرفوا قدر نعمة الله عليهم، ويشكروا الله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالواجب على كل إنسان أن يشكر نعمة الله على ما أعطاه، وأن يحمد الله، وأن يثني عليه، لولا فضل الله لكنت أسوأ من حالك التي أنت عليها، إن كنت فقير لولا فضل الله لكنت أسوأ، وإن كنت قصيرًا لولا فضل الله لكنت أسوأ، وإن كنت ذميمًا لولا فضل الله لكنت أسوأ، وهكذا فكل إنسان يحمد الله على ما أعطاه من النعم العظيمة، والخير الكثير، وليستقم على طاعة ربه، وليحافظ على أوامر الله، ولينتهي عن نواهي الله، وليسأل ربه الاستقامة على الحق، والثبات على الحق، وليسأل ربه حسن الختام، فهذه الدار دار العمل، أنت فيها مؤقت مدة يسيرة، والدار أمامك، والحياة أمامك، فاعمل للحياة الدائمة، والنعيم المقيم، أما هذه دار زائلة نعيمها زائل، وشرها زائل، وخيرها زائل، وفقرها زائل، وغناها زائل كله زائل، أمامك دار نعيمها دائم، وعذابها دائم، اعمل للدار التي نعيمها دائم، واحذر الدار التي شرها، وعذابها دائم.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والتواصي بحقه، والتناصح والتعاون على البر والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا الآن في قراءة إمامنا الآن سورة الحجرات، وفيها توجيهات عظيمة من ربنا إلى الأمة، أوامر، ونواهي، وهكذا كتاب الله فيه التوجيه إلى كل خير، والدعوة إلى كل خير، والهداية إلى أسباب النجاة والسعادة، فجدير بكل مؤمن وكل مكلف أن يتعقل هذا الكتاب العظيم، وهو كتاب الله الذي هو أشرف الكتب، وأصدقها، وأعظمها، وأنفعها، وخاتمتها، ففيه الدعوة إلى كل خير، والترهيب من كل شر، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والترهيب من سيئ الأخلاق وسييء الأعمال، وفيه القصص العظيم، القصص لما مضى من خير وشر، قص علينا أخبار الأمم، وأخبار الرسل، وأخبار الناجين، وأخبار الهالكين، وأخبار أهل الجنة، وأخبار أهل النار، فجدير بك يا عبد الله، وجدير بكل مكلف أن يستفيد من هذه الأخبار، والقصص، والتوجيهات، والإرشادات، والدعوة من رب كريم.
وفي سورة الحجرات في أولها يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ [الحجرات:1]، هذا الواجب على الجميع أن يكونوا تابعين لحكم الله، ورسوله، وأن لا يتقدموا على حكم الله، ورسوله، بل يجب أن يكونوا تابعين لأحكام الله، منقادين لشرع الله، ثم ينبه على عظم شأن رسوله ﷺ، وما يجب حوله من الأدب الشرعي الطيب، وأن الواجب على الأمة أن لا يرفعوا صوتهم فوق صوته، وأن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غض الصوت عنده عليه الصلاة والسلام، وهكذا عند سنته، عند قراءة الأحاديث، وعند سماع السنة يجب العناية بهذا الأمر، والخضوع، والانتباه، واليقظة، والاستفادة، وعدم رفع الأصوات، والخوض الذي يشغل عنها.
ثم يوجه بعد ذلك إلى أمر عظيم فيقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، هذا أمره عظيم، والتبين التثبت، والفساق قد يأتون بأخبار مهلكة لمن أخذها، ويأتون بأخبار تفرق الأمة، وتسبب الاختلاف والنزاع، فالواجب التثبت في أخبار الفسقة، هذا أصل عظيم اعتمد عليه أئمة الحديث، وأئمة الجرح والتعديل، واعتمد عليه في الشهادات، وفي جميع الأخبار، لا بدّ من التيقن، والتثبت في أمر المخبر، والشاهد أن يكون ثقة صدوقًا، فالمجهول قد يكون فاسقًا، فلا تقبل شهادة المجهول، ولا خبر المجهول، ولا الفاسق، وإنما تقبل أخبار العدول، وشهادات العدول.
ثم بين ما يتعلق باختلاف الأمة، ووجوب الصلح بين الأمة إذا اختلفت، وأن الواجب الصلح إذا اختلف طائفتان، أو أهل بلدين، أو جماعتين، أو قبيلتين، أو ما أشبه ذلك، إذا اختلف جماعة طائفتان قبيلتان أهل قريتين أهل بلدين إلى غير ذلك الواجب الصلح بينهم، الصلح بالحق، وإذا امتنعت إحداهما، وبغت، وجب قتال الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، وأن هذا هو الواجب على الأمة أن يأخذوا على يد الظالم، والفاسق، وأن يأطروه على الحق أطرًا.
ثم قال بعد ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ولَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ولَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ومَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] أخلاق ذميمة حذر منها جل وعلا؛ لأنها تضر المجتمع، وتجره إلى شر عظيم، وفساد كبير، واختلاف، ونزاع، وبغضاء، وعداوة، فالسخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب كلها شر، كلها تجر إلى الفساد، فلا يجوز السخرية بأخيك، الرجل لا يسخر بأخيه، ولا بأخته في الله، وهكذا المرأة لا تسخر، وهكذا الجماعة لا يسخرون بالجماعة، الواجب تحري الحق، تحري الإنصاف، تحري الكلام الطيب، وعدم السخرية.
كذلك اللمز والعيب، كون الإنسان يلمز أخاه يعيبه هذه الغيبة التي حرمها الله، وقد يحصل بها شر كبير، قد يكون بالمواجهة، فيكون يسبب البغضاء، والعداوة، وهكذا التنابز بالألقاب يا حمار يا كلب يا كذا يا كذا بالألقاب المكروهة، بل يدعى الإنسان باللقب الطيب الذي يحبه، ويبتعد عن الألقاب الذميمة التي تسبب البغضاء والعداوة، ثم بين أن من لم يتب فهو ظالم، من لم يتب من هذه الأخلاق الذميمة فإنه يكون ظالمًا وعاصيًا، فوجب الحذر من هذه الأخلاق الذميمة التي ذمها وعابها سبحانه.
ثم يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولَا تَجَسَّسُوا ولَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] كذلك أخلاق ذميمة، الظن شره عظيم، قد يسبب البغضاء، والعداوة، والفتنة، ولا أصل له، ولا أساس له، فالواجب اجتناب كثير من الظن، ولا يقبل من الظن إلا ما قامت عليه الشواهد، والدلائل، ولهذا يقول ﷺ: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث متفق على صحته، إياكم والظن يعني: احذروه، إنما يأخذ بالظن الذي تقوم عليه شواهد، وقرائن يعمل به في محله، ثم يقول: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] التجسس: التفتيش عن عيوب الناس، وتطلع عيوب الناس، وهذا شره عظيم أيضًا، وهكذا الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره، فالتفتيش عن عيوب الناس، وذكر عيوب الناس فيه فساد كبير، وغيبتهم والقول في أعراضهم فيه فساد كبير.
ثم يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] ما هو لتفاخروا، أو تكبروا، الناس خلقهم الله من آدم، وحواء، ذكر وهو آدم، وأنثى وهي حواء، بيت واحد، لماذا التفاخر، والتقاطع، والحسد، والبغي؟ الواجب الإنصاف، وتحري الحق، وعدم التكبر، والبغضاء، والعداوة، والشحناء، فالفخر، والخيلاء يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى جدير بهم أن يحذروا البغضاء، والعداوة، والشحناء فهم أولاد شخص واحد، وأولاد امرأة واحدة، فالواجب التراحم، والتعاطف، والتعاون على البر، والتقوى، والتواصي بالحق، ذرية واحدة، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا للتعارف ما هو للتفاخر، والظلم لا، للتعارف، هذا مطيري، هذا من بني هاشم، هذا كذا، هذا كذا، يتعارف الناس، ما هو للتفاخر، والتكبر، ولو كنت من بني هاشم أفضل القبائل ليس لك التكبر، احمد الله على ما أعطاك من النعم، ولا تفخر، ولا تكبر، ولهذا قال: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا لعظيم هذه الفائدة العظيمة لتعارفوا لا للتكبر، ولا للتفاخر، ولا للظلم، ولا للبغي، لكن ليعرف هذا مطيري هذا هاشمي هذا قرشي هذا عتيبي هذا كذا هذا كذا يتعارف الناس.
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] أكرم الناس أتقاهم، وإن كان من أي جهة، وإن كان عبدًا مملوكًا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ من جهينة، من بني هاشم، من عتيبة، من مطير، من كذا، من كذا، رقيق، عتيق، كله واحد إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ فاحذروا يعني: التفاخر، والبغي.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] هو الذي يعلم أحوال الناس، وهو يخبر أخبار الناس يخبر الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح، لا أحد أعلم منه، ولا أكبر منه ، فالواجب علينا جميعًا أن نتقي الله، وأن نستفيد من توجيه ربنا وتعليمه، هذا الواجب على جميع المسلمين في أي مكان، يجب على جميع المسلمين، بل على جميع الخلق من ذكر وأنثى، يجب على جميع الجن والإنس، يجب عليهم الأخذ بتعليم الله وتوجيه الله، وإرشاده، هذا هو الواجب على الجميع، خلقوا ليعبدوا الله، وعبادته هي الأخذ بتعاليمه جل وعلا، فالعبادة هي تقواه، والأخذ بتعاليمه، وتوجيهات سبحانه، والعمل بذلك، هذا هو الدين، هذا هو الإسلام، هذا هو الإيمان، والتقوى، هذه هو العبادة التي أنت مخلوق لها، أنت مخلوق لتعمل بتوجيه ربك، وأمره، وترك ما نهى عنه، هذا هو دينك، هذا هو الإسلام الذي قال فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذا هو التقوى، وهذا هو البر، وهذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، أن تأخذ بأوامر الله، وأن تنتهي عن نواهي الله، وأن تقف عند حدود الله، وأن تستجيب لأمر الله، وأن تحذر محارم الله، هذا هو الدين، هذا هو التقوى، هذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، هذا هو الهدى، فالله جعل الناس شعوبًا وقبائل، وفرق بينهم، هذا غني، وهذا فقير، وهذا ذميم، وهذا جميل، وهذا طويل، وهذا قصير، وهذا من كذا؛ ليتعارفوا، وليعرفوا قدر نعمة الله عليهم، ويشكروا الله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالواجب على كل إنسان أن يشكر نعمة الله على ما أعطاه، وأن يحمد الله، وأن يثني عليه، لولا فضل الله لكنت أسوأ من حالك التي أنت عليها، إن كنت فقير لولا فضل الله لكنت أسوأ، وإن كنت قصيرًا لولا فضل الله لكنت أسوأ، وإن كنت ذميمًا لولا فضل الله لكنت أسوأ، وهكذا فكل إنسان يحمد الله على ما أعطاه من النعم العظيمة، والخير الكثير، وليستقم على طاعة ربه، وليحافظ على أوامر الله، ولينتهي عن نواهي الله، وليسأل ربه الاستقامة على الحق، والثبات على الحق، وليسأل ربه حسن الختام، فهذه الدار دار العمل، أنت فيها مؤقت مدة يسيرة، والدار أمامك، والحياة أمامك، فاعمل للحياة الدائمة، والنعيم المقيم، أما هذه دار زائلة نعيمها زائل، وشرها زائل، وخيرها زائل، وفقرها زائل، وغناها زائل كله زائل، أمامك دار نعيمها دائم، وعذابها دائم، اعمل للدار التي نعيمها دائم، واحذر الدار التي شرها، وعذابها دائم.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والتواصي بحقه، والتناصح والتعاون على البر والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان.