05 من حديث (أتى النبي ﷺ الغائط, فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار..)

وعن عبدالله بن مسعودٍ، هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبدالله بن مسعود الهذلي المعروف، أحد السابقين الأولين، أحد علماء الصحابة وكبارهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو معروف بعلمه وفضله وسبق إسلامه، كانت وفاته سنة 32 أو 33 من الهجرة، في آخر خلافة عثمان رضي الله عنهما.

قال: أتى النبيُّ ﷺ الغائطَ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجارٍ، فوجدتُ حجرين، ولم أجد ثالثًا، فأتيته بروثةٍ، فأخذهما –يعني: الحجرين- وألقى الرَّوثة وقال: إنها رجس –أو: ركس أخرجه البخاري، زاد أحمد والدَّارقطني: ائتني بغيرها.

هذا الحديث من الدلائل على أنَّ الاستجمار يكون بثلاثة أحجارٍ، وأنه لا يُجزئ أقل من ذلك لمن استطاب بالحجارة وحدها، لا يُجزئه أقل من ثلاثة أحجار.

وتقدم في حديث سلمان الفارسي ر عند مسلم: أنَّ النبي ﷺ أمرهم ألا يستنجوا بأقل من ثلاثة أحجارٍ، ومنه حديث عائشة: إذا ذهب أحدُكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ يستطب بهنَّ، فإنها تُجزئ عنه.

هذا المعنى جاء في عدة أخبارٍ عن النبي ﷺ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام ذلك، وهو يدل على أنه لا بدَّ من ثلاثة أحجارٍ للاكتفاء بالاستجمار عن الماء، وأنه إذا استنجى بثلاثة أحجارٍ فأكثر وأنقى المحلَّ، أما الثلاثة فبالنص، وأما الإنقاء فلا بدَّ منه عند الجميع؛ لأنَّ المقصود إزالة الأذى، كما يقصد الماء، فإذا أنقى بالثلاثة كفت الثلاثة، فإن لم يُنْقِ بها وجب أن يزيد حتى يُنقي المحلَّ من آثار الغائط.

وفي قوله: ائتني بغيرها يعني: الرَّوثة؛ دليل على أنَّ الثلاثة لا بدَّ منها، وأنَّ الروثة لا يُستنجى بها.

قد جاء في هذا المعنى عدةُ أحاديث كلها تدل على أنه لا يُستنجى بالعظام ولا بالروث: حديث ابن مسعودٍ عند مسلم، وهنا حديث أبي هريرة الآتي، وأحاديث أخرى منها: حديث سلمان المتقدم، فهي تدل على أنه لا يُستنجى بالعظام، ولا بالأرواث.

ولعلَّ العلة في العظم ما فيه من الملوسة فلا يُنقي المحلَّ؛ ولأنه أيضًا كما جاء في الحديث الصحيح أنه زاد إخواننا من الجنِّ، فإنه ﷺ لما طالبوه بالزاد دعا لهم ألا يجدوا عظمًا إلا وجدوا عليه لحمة، ولا بعرة إلا وجدوا فيها من قوتها وحبّها علفًا لدوابهم، فعُلم بذلك أنَّ الاستنجاء بها فيه تقذير على الجنِّ، والأرواث كذلك تقذير على دوابهم وتوسيخ لها؛ ولأنها أيضًا قد تكون نجسةً، وقد تشتبه بالأرواث الطَّاهرة فنُهِيَ عن الجميع.

وجاء في رواية ابن خُزيمة كما قال الشارح: "روثة حمار"، ولا شكَّ أن روثه نجس، والحكم يعمّ روث الحمار وغيره، الحكم في الأرواث مطلقًا: روث حمار، أو إبل، أو غنم، أو بقر، أو غير ذلك، كل الأرواث لا يُستنجى بها، ويعمّها الخبر، وما يتعلق بالنَّجس -كروث الحمار والبغال- ظاهر، وما يتعلق بروث البهائم الطاهرة فلأنها زاد دواب إخواننا من الجنِّ، فلا يُستنجى به ولا يُقذَّر.

وفيه من الفوائد: أنه يُطهر؛ لأنَّ الرسول لم يطلب الماء، بل اكتفى بالحجر، وكما في حديث سلمان يدل على أنه يُطهر أيضًا، وهذا هو الحق، وهو كالإجماع من أهل العلم، ذكر بعضُهم أنه إجماع أهل العلم: أن الحجارة وحدها تُجزئ، إذا أنقى المحلَّ بثلاثٍ فأكثر أجزأت عند الجميع، وليس هناك حاجة إلى الماء، وإن ضمَّ إليها الماء لميزة النَّظافة والطَّهارة فلا بأس، وهو أكمل الأنواع الثلاثة.

والنوع الثاني: الاستنجاء بالماء وحده كما في حديث أنسٍ المتقدم، وحديث المغيرة.

والنوع الثالث: الجمع بينهما كما يأتي إن شاء الله في الباب.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة ، وهو متعلق بالباب أيضًا: أنَّ رسول الله نهى أن يُستنجى بعظمٍ أو روثٍ، وقال: إنَّهما لا يُطهران، وهو حديث جيد، رواه الدَّارقطني وغيره بأسانيد جيدةٍ.

وهو يدل على ما دلَّ عليه السابق من النَّهي عن الاستنجاء بالأرواث والعظام لما تقدم، وفيه التَّصريح بأنهما لا يُطهران، مع أنهما زاد إخواننا من الجنِّ ودوابهم فهما لا يُطهران: إما لهذا المعنى؛ لكونهما زاد إخواننا من الجنِّ، أو لمعنًى آخر؛ لكون الروث قد يكون نجسًا، قد يكون ضعيفًا لا يحصل به التَّطهير؛ أو لأنه زاد الدَّواب، العظم زاد الجنِّ، والروث زاد بهائمهم كما تقدم.

فالخلاصة أنهما لا يُطهران، فهذا فيه حسم مادة التَّعلق بهذا الشيء، وأنهما لا يُستنجى بهما، وأنهما لا يُطهران، ولو فعل مع كونه آثمًا، ومع كونه يُقذرهما على الجنِّ؛ فهما لا يُطهران.

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة عند الدَّارقطني والحاكم، ورواه أحمد وابن ماجه أيضًا.

حديث أبي هريرة : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: استنزهوا من البول؛ فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه، وفي رواية الحاكم وأحمد وابن ماجه: أكثر عذاب القبر من البول.

وهذا كله يدل على تحريم التَّساهل بالبول، وأنه يجب التَّنزه منه، والحذر منه، وأن التَّلطخ به والتَّساهل به من أسباب عذاب القبر.

ومن ذلك: حديث ابن عباسٍ في "الصحيحين": أن النبي ﷺ اطَّلع على قبرين يُعذَّبان، وقال: أما إنهما لا يُعذَّبان في كبيرٍ، ثم قال: بلى، إنه لكبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفي لفظٍ: لا يستنزه من البول يعني: لا يتبرأ منه، ولا يتحفظ منه: وأما الآخر فكان يمشي بالنَّميمة.

فدلَّ ذلك على عظم الخطر في عدم التَّنزه من البول، وأن الواجب على المسلم أن يأخذ حيطته من البول، وأن يحذر التَّساهل به، فإذا أراد أن يبول فليتحرز من أن يكون في محلٍّ دمثٍ؛ حتى لا يطير عليه البول، أو في جُحر الغائط؛ حتى لا يُصيبه شيء منه، ثم إذا أصابه شيء منه فليحرص على تطهير ما أصابه؛ حذرًا مما بيَّنه النبيُّ ﷺ من العذاب في القبر، ويُوجب الطَّهارة والتَّنزه من هذه الأشياء.

وهذا في بول بني آدم وما يُشبهه من النَّجاسات، أما مَن عمم قال: المراد بالبول جنس الأبوال مطلقًا، كما هو في الإبل والغنم. هذا غلط؛ لأنَّ قوله: من البول "أل" للعهد، بدل المضاف إليه، المعنى: بول الإنسان، من بوله يعني، أما أبوال الإبل فقد أباح النبيُّ شربها للتَّداوي، ولم يقل للشَّاربين: تحفظوا منها، أو: اغسلوا أفواهكم، أو ما أصابكم منها، فهي طاهرة، بول الإبل والغنم والبقر وكل مأكول اللحم جعل الله بوله وروثه طاهرًا على الصحيح من أقوال العلماء، وإنما يُراد بالبول هنا بول الإنسان، ويُلحق به ما يُشابهه من أبوال الحيوانات النَّجسة: كالحمار والبغل والذئب والأسد وأشباهها من السباع التي حرَّمها الله، فبولها وروثها كذلك.

الحديث الرابع: حديث سُراقة بن مالك الجُعشمي المدلجي رحمه الله ورضي عنه، الذي جرت له القصةُ مع النبي ﷺ حين بعثه المشركون فيمَن بعثوا يطلبونه عند الهجرة، فلحق بالنبيِّ ﷺ في الطريق، فلما دنا من النبي ﷺ ساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها، فعرف سُراقة أنَّ هذا من حماية الله لنبيه ﷺ، فقال: ادع الله لجوادي ولا أضرّك. فدعا الله لجواده فأُطلق، فرجع سُراقة محاميًا ومُدافعًا عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم لقي بعض المشركين وقال: اتركوا هذا الطريقَ؛ فقد خبرته وليس فيه شيء، ارجعوا، فليس أمامكم أحد، فقد خبرت هذا الطريق، فصار بعدما كان طالبًا له ﷺ، مُدافعًا ومحاميًا عنه عليه الصلاة والسلام.

وهذا من آيات الله، ومن المعجزات التي جرت لنبيه ﷺ؛ لحمايته ورعايته والدفاع عنه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38].

يقول: أنَّ الرسول ﷺ علَّمه في الخلاء أن يقعد على اليُسرى وينصب اليمنى.

هذا الحديث ضعيف؛ رواه البيهقي بإسنادٍ ضعيفٍ، ويغلب على ظنِّي أنَّ هذا الحديثَ وقع فيه تصحيفٌ من الرواة؛ فإنَّ الأمر بالقعود -التعليم بالقعود- في الخلاء على اليسرى ونصب اليُمنى ليس بظاهرٍ، وليس قضاء الحاجة محلَّ قعودٍ على اليسرى؛ فإنَّ الإنسان يقعد على قدميه لينتبه؛ حتى لا يتلوث بالنَّجاسات، فقعوده على يُسراه يُلوثه بالنَّجاسة، ولا يستطيعه حال قضاء حاجته؛ فلعلَّه تصحف على الراوي: "في الخلاء"، وإنما هو "في الصلاة"، تصحفت عليه الصَّاد فجعلها خاءً، والهاء فجعلها همزةً.

ولعلَّ الواقع أنَّ هذا الراوي الضَّعيف الذي أصابه شيء في حفظه وجهله بالمعنى حتى حرَّفه وجعله "الخلاء" بدل "الصلاة"، وإلا فليس معقولًا أن يُعلمهم النبيُّ ﷺ القعودَ في الخلاء؛ لأنَّ قعوده على رجله اليسرى يُلوثه إذا أراد أن يقضي حاجته، وإذا كان في محلٍّ ترابي لوَّثه بالتراب أيضًا.

فيُقال: الحاصل أنَّ هذا الحديث ضعيف، ومع ضعفه فالظاهر أنه وقع فيه تصحيف ..... لاحظ هذا، والظاهر والله أعلم أنه تصحف من "الصلاة"، تصحف على الراوي الضَّعيف الذي ليس عنده بصيرة بـ"الخلاء".

ولو أوّل بأنَّ المعنى يعني: نميل عليها عند الجلوس، لكنه ليس بظاهرٍ، يعني: ليس من القعود عليها، وإنما يميل الإنسانُ إليها؛ بعض الأحيان يقعد عليها مائلًا، وإلا فليس بفارشٍ لها، ثم نصب اليُمنى غير مناسبٍ هنا؛ لأنه يتعب لو نصبها، بل يستريح إذا بسطها واعتمد عليها في حال قضاء حاجته، فإذا نصبها صار اعتماده كله على اليسرى؛ تَعِب في ذلك، وتعبت اليُسرى أيضًا.

فالحاصل أنَّ هذا الحديث ليس بظاهر المتن، فهو ضعيفٌ من جهة متنه، وضعيف من جهة إسناده، وقد عُرف عن النبي ﷺ أنه كان يقعد على اليسرى في الصلاة وينصب اليمنى، بين السَّجدتين، وفي حال التَّشهد الأول، وينصب اليمنى ويجعل اليسرى عن يمينه ويقعد على مقعدته في التَّشهد الأخير، هذا هو المعروف في الصلاة.

في حديث عائشة: أنه كان يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى في الصلاة عليه الصلاة والسلام، وكما في حديث أبي حميدٍ السَّاعدي: أنه كان يفرش اليُسرى وينصب اليمنى في التَّشهد الأول، فهذا واضحٌ في أنَّ هذا الخبر لو صحَّ فإنه في الصلاة، لا في الخلاء، والله أعلم.

.............

س: ما معنى: أتى النبي من الغائط؟

ج: يعني: محلّ قضاء الحاجة يُسمَّى: غائطًا، كانوا ينتابون المحلات المطمئنة المنخفضة فيقضون حوائجهم فيها، يُسمَّى المحلّ المطمئن: غائطًا.

..............

فهذا حديث عيسى بن يزداد، عن النبي ﷺ أنه قال: إذا بال أحدُكم فلينتر ذكره ثلاث مراتٍ خرجه ابن ماجه بإسنادٍ ضعيفٍ.

عيسى بن يزداد هذا قال فيه صاحب "التقريب": أنه يُقال فيه: يزداد بالياء، ويقال فيه: أزداد بالهمزة، وذكره في باب "عيسى بن أزداد"، وذكر أنه ابن فَسَاءة -بفتح الفاء والسين- اليماني الفارسي، من فارس الذين جاءوا من اليمن، وذكر أنه اختُلف في اسم أبيه.

وذكر غيره أنَّ الحديثَ لا يُعرف، وأن عيسى وأباه مجهولان، كما قاله العلامة الإمام الكبير ابن معين رحمه الله، وهكذا قال العُقيلي: إنه لا يُعرف إلا به، ولا يُتابع عليه.

وقد أجمع علماءُ الحديث على ضعف هذا الحديث، وأنه لا يصح عن النبي ﷺ، وقال ابنُ معين في عيسى وفي أبيه: أنهما مجهولان لا يُعرفان.

فالحاصل أنه حديث ضعيف، وليس له طريق مستقيم، ثم معناه أيضًا كذلك غير صحيحٍ؛ فإنَّ نتر الذَّكَر مما يُسبب درّ البول؛ لأنَّ الذكر يُشبه الضرع، إذا عبث به الإنسانُ وجعل ينتره صار من أسباب تساقط البول وتتابع البول، وربما طالت المدةُ حتى لا ينقطع البول.

والطريق السَّوي هو أن يُهريق الإنسانُ ما فيه من البول، ثم يستجمر أو يستنجي وينتهي، ولا يتباطأ ولا يتأخّر ولا ينتر، فإنَّ نتره والتَّباطؤ في هذا مما يُسبب تتابع البول ومجيء الوساوس والسَّلس، فالذي ينبغي هو عدم ذلك، والحديث كما عرفت ضعيف، بل ساقط جدًّا لا يُعوَّل عليه.

فالمشروع للمؤمن إذا انتهى الماءُ وانتهت قطرات الماء أن يستنجي بالحجارة أو بالماء أو بهما، وينتهي، ولا ينتر، ولا يُحرك شيئًا من هذه الحيثية؛ لئلا يجرَّ على نفسه بلاءً من الوساوس والسلس وطول المدة في بقائه على حاجته.

وأما كون بعضهم يحتجُّ له بحديث القبرين، وفيه: أما أحدهما فلا يستنزه من البول، ليس بصوابٍ، لا يشهد له، روايته ليست شاهدةً له، وإنما ذاك يدل على عظم خطر مَن تساهل في البول، وأنَّ الواجب التَّنزه منه والحذر منه، كما تقدم في حديث أبي هريرة: استنزهوا من البول؛ فإنَّ عامة عذاب القبر منه، فالتَّنزه منه لا يلزم منه نتر الذكر، التَّنزه منه بغسل الذكر، وغسل ما أصاب الثوب، وغسل ما أصاب البدن من البول، هذا التَّنزه، أما النَّتر ودوام التَّحريك أو مسحه من أصله إلى أعلاه، وبعضهم يمسح من أسفله إلى أعلاه ثلاث مراتٍ حتى يُخرج البول، هذا كله مما يُسبب درّ البول، ويُسبب طول مدة خروجه، فينبغي ترك ذلك.

الحديث الثاني: حديث ابن عباسٍ في قصة أهل قُباء، وأنَّ الرسول قال لهم: إنَّ الله أثنى عليكم في طهوركم، فما هو هذا الطّهور الذي تتطهرونه؟ قالوا: كنا نُتبع الحجارةَ الماء.

وجاء في رواية أبي هريرة وعُويمر بن ساعدة الأنصاري وخزيمة بن ثابت الأنصاري ومحمد بن عبدالله بن سلام الإسرائيلي: أنهم قالوا أنَّ طُهورهم هو أنهم يغسلون أدبارهم من الغائط، وأنهم كان لهم جيران من اليهود يغسلون أدبارهم فأتسوا بهم، وأنهم أخذوا هذا عن التَّوراة؛ فلهذا تأسى بهم الأنصار لأنهم جيرانهم، هذا هو طهورهم: غسل أدبارهم من الغائط.

وكانت العربُ يغلب عليها الاستنجاء بالحجارة، ويغلب عليها قلة الماء، فكانوا يستجمرون بالحجارة من الأذى ويكتفون بذلك، وهؤلاء الأنصار استفادوا من جيرانهم اليهود غسل أدبارهم بالماء، فهذا هو الطهور الذي أثنى الله عليهم بقوله: فِيهِ رِجَالٌ يعني: في مسجد قباء يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108]، وهذا الطهور هو غسل أدبارهم من آثار النَّجو.

أما رواية البزار: (أنا نُتبع الحجارة الماء) حكم عليه المؤلفُ بأنه ضعيف، وحكم عليه البزار أيضًا بأنه ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن عبد العزيز والراوي عنه ضعيفان، فالحاصل أنَّ رواية البزار هذه التي فيها زيادة الحجارة ضعيفة.

وذكر صاحب الشرح -صاحب "السبل"- عن صاحب "الإلمام" ابن دقيق العيد: أنه وجد له طريقًا صحيحًا.

و"الإلمام" كتاب جيد، كتاب حديث من جنس "البلوغ" للحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله، وله شرح سمَّاه "الإمام على الإلمام" جيد أيضًا ومفيد.

وابن دقيق العيد من أئمة الشَّافعية، وهو ممن يُعنى بالحديث الشَّريف، كانت وفاته سنة ثنتين وسبعمئة في أول القرن الثامن.

ولكن يُؤيد رواية البزار الضَّعيفة وما ذكره صاحب "الإلمام": أنَّ من عادة العرب -المعروف عنهم- الاستجمار بالحجارة، وقد استنجى النبيُّ بالماء، استنجاءه بالماء في حديث أنسٍ يحتمل أنه استنجى به بعد الاستجمار بالحجارة، ويحتمل أنه استنجى به وحده، فيدل على جواز هذا وهذا، وأنه إن ضمَّ إلى الحجارة الماء فهذا أكمل في الطَّهارة، وإن اكتفى بالحجارة وحدها فلا بأس، وإن اكتفى بالماء وحده فلا بأس، والماء وحده أفضل من الحجارة وحدها، ثم الحجارة وحدها، ثم الجمع بينهما للإنقاء والطَّهارة من آثار البول والغائط.

والبزار هو الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، الإمام المشهور، والحافظ الكبير، صاحب "المسند"، قال الحافظ الذهبي رحمه الله فيه: أنه صدوق. توفي سنة اثنتين وتسعين ومئتين، قال علي بن البزار: أنه مات سنة إحدى وتسعين ومئتين. وقد شارك البخاري ومسلم وأهل السنن في كثيرٍ من شيوخهم، وروى عن كثير من شيوخهم، وروى عن غيرهم رحمه الله.

............

باب الغسل وحكم الجنب

يعني: باب أحكام الغسل وما يُستحب منه وما يجب، وحكم الجنب في الصلاة وغيرها والقراءة وغير ذلك.

فالجنب له أحكام، والغسل له أحكام: قد يجب، وقد يُستحب، والمؤلف ذكر هذا الباب ليُبين فيه الأحاديث الواردة في الأغسال الواجبة والأغسال المستحبَّة وأحكام الجنب.

أبو سعيدٍ هو سعد بن مالك بن سنان الخُدري، من بني خُدرة من الأنصار، وهو صحابي، وأبوه صحابي رضي الله عنهما، وأبو سعيدٍ يُعتبر من المكثرين عن النبي عليه الصلاة والسلام.

أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: الماء من الماء رواه مسلم، وأصله في البخاري، قد ثبت هذا من عدة أحاديث عن جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فيه أنَّ الماء من الماء، منهم: عثمان وطلحة والزبير وأُبي بن كعب وجماعة.

وكان هذا في أول الإسلام، كان النبي ﷺ أمرهم إذا أكسلوا ولم يُمْـنوا أن يتوضَّؤوا ويستنجوا ويكفي، يغسل ذكره وما أصابه ويتوضأ وضوء الصَّلاة.

ثم شرع الله لعباده أن يغتسلوا مطلقًا وإن لم يُنزلوا، كانت في الأول رخصةً كما قال أُبي بن كعب، ثم أُمِروا بالغسل لمجرد الإيلاج، ويدل لهذا المعنى حديثُ أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: إذا جلس بين شُعبها الأربع ثم جهدها وفي روايةٍ: ومسّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسلُ، فدل ذلك على أنه لا يُشترط الإمناء، فمتى جلس بين شُعبها الأربع، ومتى أولج -يعني: مس الختانُ الختان- وجب الغسل، زاد مسلم لإيضاح ذلك: وإن لم يُنزل رواه مسلم من طريق .....

ورواه مسلم أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي ﷺ قال: إذا جلس بين شُعبها الأربع ومسّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل. وسُئل عن ذلك فقال: "كنتُ أفعله مع أهلي فأغتسل".

فدلَّ ذلك على وجوب الغسل وإن لم يُنزل، وهذا من كمال الشريعة وعنايتها؛ لأنَّ الإنسان قد يُجامع وقد يسبقه الماء ولا يفطن له، فجعل الله جلَّ وعلا الغسلَ واجبًا مطلقًا؛ حتى لا تقع أشياء يظن أنه لم يُنزل وقد أنزل.

وبقي الماء من الماء في حقِّ المحتلم كما يأتي، إذا احتلم ولم يُنزل فلا غسلَ، وإنما الغسلُ يكون من الماء، إذا وجد الماء في الاحتلام اغتسل، وإن لم يجد فلا غُسلَ كما سيأتي.

أما الجماع فيكفي فيه مجرد الإيلاج، إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل وإن لم يحصل إنزال، وهو الإكسال، يُسمَّى: الإكسال. يُولج ثم يضعف ولا يُنزل.

س: تصحيح ابن خزيمة لحديث قصة قباء من رواية أبي هريرة؟

ج: ليس بجيدٍ؛ لأنه من رواية يونس بن الحارث، وهو ضعيف عند أهل العلم، وصححه ابن خُزيمة من طريق عُويمر بن ساعدة أيضًا رواه الإمام أحمد من طريق الحسن بن محمد، عن أبي أويس، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري، عن عويمر. وقيل: عن شرحبيل أنه ضعيف.

فالحاصل أن الحديث له طرق متعددة، وهو حسن من هذه الحيثية؛ لتعدد طرقه: من طريق عويمر بن ساعدة، ومن طريق أبي هريرة، ومن طريق خزيمة بن ثابت الأنصاري، ومن طريق ابن عباس، ومن طريق محمد بن عبدالله بن سلام. خمسة أحاديث يشدّ بعضُها بعضًا، وهي كلها لا تسلم من نقدٍ لأسانيدها، لكنها مجموعة مع تعدد طرقها واختلاف مخارجها جيدة، فهي من قسم المقبول، من قسم الحسن لغيره مع ظاهر القرآن الكريم.

س: ما معنى الماء من الماء؟

ج: الماء ماء الغسل، من الماء ماء المني، هذا يقولون: من الجِناس.

الماء ماء الغسل، الماء المعروف، من الماء يعني: من وجود الماء الذي هو المني، إذا احتلم ثم وجد الماءَ اغتسل، وكان في أول الإسلام إذا أمنى في الجماع اغتسل وإلا فلا، ثم استقرت الشريعةُ وإجماع أهل العلم، وهو كالإجماع من أهل العلم، وإن خالف فيه مَن خالف، وكالإجماع في وجوب الغسل من مجرد الجماع.

فهذا حديث أنسٍ ، وأنس إذا أُطلق فهو أنس بن مالك بن النَّضر الأنصاري الخزرجي النّجاري، خادم النبي عليه الصلاة والسلام: أنه قال في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجلُ، قال: تغتسل متفق عليه.

وعند مسلم قالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ فقال النبيُّ: نعم، فمن أين يكون الشَّبَه؟!.

هذا الحديث يدل على أنَّ المرأة كالرجل: إذا رأت في منامها أنها جُومعت -جامعها الرجل- فإنها تغتسل كما يغتسل الرجلُ، لكن بشرط وجود الماء، وهو المني.

ولو ذكر المؤلفُ هنا حديث أم سليم لكان أوضح، في "الصحيحين" من حديث أم سليم أنها سألت رسولَ الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحي من الحقِّ، فهل على المرأة غسلٌ إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء، فهو قيدٌ لحديث أنسٍ هذا، وهكذا حديث أبي سعيدٍ المتقدم: الماء من الماء قيد لهذا.

والمرأة إذا رأت في منامها ما يرى الرجلُ فإنها تغتسل إذا رأت الماء -يعني: المني- وهكذا الرجل إذا احتلم ورأى الماء يغتسل، كما تقدم: الماء من الماء؛ ولحديث أم سليم الذي سمعت.

وهو محل إجماعٍ بين أهل العلم: أنه إذا رأى الماء وجب عليه الغسل، أما إذا ما رأى الماء فلا غسلَ عليه.

وهذا دليل على أنَّ النساء يرين ما يرى الرجال، يحتلمن كما يحتلم الرجال، والظاهر أنه فيهن أقلّ حسبما يُعرف عنهن في الواقع، ولكنه فيهن أقلّ من الرجال.

وقوله: فمن أين يكون الشَّبَه؟! يدل على أنَّ الله جلَّ وعلا خلق الولد من الماءين، فأيّهما غلب وعلا صار الشَّبه له، قد يغلب ماؤها فيكون الشَّبه لها ولأقاربها، وقد يغلب ماءُ الرجل ويعلو فيكون الشَّبَه له.

وقد جاء في الحديث الصحيح: إذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة كان الشَّبَه له، وإذا سبق ماؤها ماءَ الرجل كان الشَّبَه لها ولأقاربها.

وفي لفظٍ: وإذا علا ماءُ الرجل ماءَ المرأة أَذْكَر بإذن الله، وإذا علا ماؤها ماءَه أنَّث بإذن الله.

فالمقصود أنَّ المياه هذه تختلط وتجتمع كما قال الله جلَّ وعلا: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان:2] يعني: أخلاط، فيجتمع ماؤها وماؤه، ويكون الشَّبه بإذن الله لأحدهما على حسب ما بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام.

والولد مخلوق من مائهما جميعًا، فدلَّ على أنَّ لها ماءً وله ماءً، وإذا رأى الماء –رأى المني- ولم يذكر احتلامًا وجب عليه الغسل أيضًا، إذا عرف أنه مني -يعني- يجب الغسل حتى ولو ما ذكر الاحتلام، إذا استيقظ أو استيقظت ورأى الماء أو رأت الماء -ماء المني- وجب الغسل وإن لم يذكر احتلامًا مثلما تقدم: الماء من الماء، وقوله: إذا رأت الماء.

والحديث الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قالت: "كان يغتسل من أربعٍ: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن غسل الميت، ومن الحجامة". رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، وإسناده لا بأس به على شرط مسلم.

وفي رواية أحمد رحمه الله: "يُـغتسل من أربعٍ" بلفظ الخبر، بمعنى الأمر: "الجنابة، والجمعة، وغسل الميت، والحجامة"، وقد ليَّنه بعضُهم بمصعب بن شيبة، ولكنه لا بأس به، وثَّقه جماعة، واعتمده مسلم رحمه الله في "صحيحه".

وهو دليل على شرعية الغسل من الجنابة، وهو إجماع من أهل العلم، وجوب الغسل من الجنابة ليس فيه خلافٌ بين أهل العلم.

وتقدم البحثُ فيما إذا أكسل ولم يُمْنِ إذا جامع، وتقدم أنَّ الذي عليه جمهورُ أهل العلم -وهو كالإجماع منهم- أنه يجب الغسل، وأنَّ الرخصة السَّابقة نُسِخت التي فيها الاكتفاء بالوضوء عند الإكسال، دلَّ حديثُ أُبي وغيره، وحديث أبي هريرة وعائشة، وما جاء في معناه: أن هذا الشيء نُسخ، وأن الغُسل يكون بمجرد الجماع ومسّ الختان الختان كما تقدم.

ويُروى عن الظاهرية الأخذ بالقول الأول؛ وهو عدم الغسل إلا من الماء. ولكن الذي عليه جمهورُ أهل العلم الأربعة والجمهور خلاف ذلك، وأنَّ الرخصة هذه قد ذهبت ونُسِخت، وأنه استقرَّ الإجماعُ على وجوب الغُسْل.

أما يوم الجمعة فهو سنة مُؤكدة كما يأتي في حديث أبي سعيدٍ: أن النبي ﷺ قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل مُحتلمٍ الحديث.

وقال بعضُ أهل العلم: إنه واجب؛ لإطلاق حديث أبي سعيدٍ المتقدم المشار إليه والآتي.

وقال آخرون بالتفصيل: إن كان الشخصُ من أهل الحِرَف التي ينشأ عنها الروائح الكريهة وجب عليه الغسلُ، وإن لم يكن كذلك لم يجب. واحتجُّوا بما جاء في بعض الأحاديث: أن الصحابة كانوا أهل أعمالٍ، وكانوا عمال أنفسهم، وكانوا إذا جاءوا الجمعة تكون لهم روائح، فأمرهم النبيُّ ﷺ بالغسل، قالوا: وهذا يدل على أنه يجب لمن كان عاملًا وترتب على ترك الغسل روائح قد تُؤذي جيرانه.

هذه أقوال ثلاثة ساقها ابنُ القيم وغيره رحمهم الله، والأقرب والأظهر أنَّ الغُسل متأكد وليس بفريضةٍ، بل هو متأكد؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على عدم وجوبه.

أما حديث أبي سعيدٍ الآتي، وهو قول النبيِّ ﷺ: غسل الجمعة واجبٌ على كل مُحتلمٍ هذا محمول عند الجمهور على التَّأكد، تقول العرب: حقّك عليَّ واجب، ودَينك عليَّ واجب. يعني: متأكد، وليس معناه الفريضة التي يأثم مَن تركها.

قالوا: ويُؤيد ذلك ما في نفس الحديث، قال: وأن يستاك ويتطيب، وقد أجمع أهلُ العلم على أنَّ السواك مُستحب، والطيب كذلك، فدلَّ على أن المعطوف عليه -وهو الغسل- متأكد، وليس بواجبٍ: كالسواك والطِّيب.

قالوا: ويدل على ذلك حديثُ سمرة الذي بعد حديث أبي سعيدٍ: أن النبي ﷺ قال: مَن توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت أتى بالرخصة أو بالسنة ونعمت الرخصة، ومَن اغتسل فالغُسل أفضل، هذا يدل على أن الغسل ليس بواجبٍ، ولكنه أفضل.

وحديث سمرة فيه كلام لأهل العلم؛ لأنَّ جماعةً من أهل العلم قالوا: إنَّ الحسنَ لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. وقال آخرون: إنه سمع منه مطلقًا.

والقول بأنه سمع منه قول قوي؛ لأنَّ سمرة مُقيم بالبصرة، ومات سنة ثمانٍ وخمسين، أو تسع وخمسين، والحسن مُقيم بالبصرة، فيبعد جدًّا ألا يلقاه وألا يأخذ عنه إلا حديث العقيقة وهو مقيم عنده، ومعلوم حرص التابعين على الأخذ عن الصحابة وكتابة أحاديثهم وضبطها، هذا أمر معلوم، هذا مما يُؤيد قول مَن قال أنه سمع منه مطلقًا.

وبكل حالٍ، فهو حديث مُؤيد للأحاديث الدالة على عدم وجوب الغُسل.

وجاء في المعنى عدة أحاديث تدل على تأكد الغسل، مثل: حديث ابن عمر: مَن جاء منكم يوم الجمعة فليغتسل، ومَن راح الجمعة فليغتسل، وهو دليل على تأكد الغسل، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يدعه لأمرين:

  • الأمر الأول: أن النبي ﷺ أمر بذلك وحثَّ عليه عليه الصلاة والسلام.
  • والأمر الثاني: خروجًا من خلاف مَن قال بالوجوب.

فينبغي للمؤمن أن يعتاد ذلك، وأن يحرص عليه، وأن لا يدع الغسل يوم الجمعة؛ لما فيه من الفائدة الكبيرة والنَّشاط والنَّظافة، وقطع الروائح الكريهة، وفعل السنة، والخروج من خلاف مَن قال بوجوبه.

ومما يُؤيد ذلك ما رواه مسلم في الصحيح: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: مَن توضأ فأحسن الطّهور، ثم أتى الجمعةَ وصلَّى ما قُدِّر له، وأنصت؛ غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام، فذكر الوضوءَ فقط، ولم يذكر الغسل، فدلَّ على أنَّ هذا هو الواجب، وأما الغسل فهو متأكد ومُستحب ومُكمِّل.

أما الغسل من الحجامة فهو سنة، وهكذا من غسل الميت، وليس بواجبٍ، والحجامة والله أعلم شُرع الغُسل لها لأنَّ الحجامة تُضعف، يحصل بإخراج الدم شيء من الضَّعف للإنسان؛ لأنَّ الدم فيه قوة الإنسان، فإذا احتجم يحصل له بذلك ضعف فيُجبر بالغسل، فإنَّ الغسل ينشط البدن ويُقويه، ويحصل بذلك انجبار لما حصل من الضَّعف.

وهكذا قيل في حكمة الغُسل من الحيض والنفاس، قال أهلُ العلم: إنَّ الحيض والنفاس يحصل بهما ضعف؛ لخروج الدماء، فجعل الله الغسل بعدهما نظافةً وجبرًا؛ نظافةً من النَّجاسة، وجبرًا لما يحصل للبدن من الضَّعف عند خروج الدَّم، وهكذا الجنب؛ إذا أجنب وخرج الماءُ يحصل له بعض الضعف، فشرع الله له الغسل من الجنابة ليستعيد قوته ونشاطه الذي كان سابقًا، وربك حكيم عليم جلَّ وعلا.

وأما غُسل الميت فدلَّ على شرعيته هذا الحديث، فيُستحب لمن غسل الميت أن يغتسل، وسبق في حديث أبي هريرة: مَن غسل الميت فليغتسل، وسبق الكلامُ عليه، وأنَّ فيه ضعفًا، حتى قال أحمد: "لا يصح في هذا الباب شيء"، ولكنه يُؤيد ويُؤكد هذا المعنى، إذا جاء ضعيفًا مع حديثٍ أقوى منه صار مُؤكدًا له.

كذلك ما ثبت في قصة أسماء بنت عميس لما تُوفي الصديقُ، وقد أوصى بأن تغسله، فغسلته، وكان يومًا باردًا، فاستشارت مَن حضرها من الصَّحابة: هل يلزمها الغسل؟ فقالوا: "لا"، فدلَّ ذلك على أنه شيء مُستقر عندهم: أن الغُسل من غسل الميت أمر مستقر ومعروف عندهم.

فالصواب أنه سنة ومشروع لمن غسل الميت؛ لما في ذلك من جبره وتنشيطه، فإنَّ رؤية الميت وتقليبه قد يكسل الإنسان ويُضعفه، فيحصل به شيء من التَّحطم من مشاهدة الميت وتقليبه، لكن في غسله بعد ذلك جبرٌ وتنشيطٌ له، وإعادة لقوته التي قد حصل لها ضعف برؤية الموت، وتقليب الميت، وما يحصل للإنسان من الضعف عند ذلك والخوف وذكر الآخرة وضعف البدن والقوة، فيكون في هذا جبر وقوة ونشاط بعد ذلك الانكسار.

أما حديث عبد الرزاق في قصة ثمامة بن أثال: فهو يدل على شريعة الغسل بعد الإسلام، ولكن المحفوظ في قصة ثمامة هو أنه هو الذي اغتسل من دون أمرٍ، هكذا في "الصحيحين": فإنَّ ثمامة بن أثال من سادات بني حنيفة، ومن كبارهم رحمه الله، فجاءته خيل النبيِّ ﷺ وهو مُتوجه إلى العمرة، فأخذوه وأسروه وأتوا به النبيَّ ﷺ، فربطه النبيُّ في ساريةٍ من سواري المسجد؛ ليرى الناس ويُشاهد الناس، وكان يمرّ عليه ﷺ ويقول: ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: إن تُنْعِم تُنْعِم على شاكرٍ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ -لأنَّ دمه له شأن؛ لأنه كبير من كبراء بني حنيفة- وإن تُرد المال تُعْطَ منه ما شئتَ. أي: إن تُرد الفداء، فتركه النبيُّ ﷺ يومين يقول له هذا الكلام، ويرد عليه هذا الرد، وفي اليوم الثالث قال له هذا الكلام: ما عندك يا ثمامة؟ قال: إن تُنعم تنعم على شاكرٍ، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تُرد شيئًا من المال تُعطه. فأمر النبيُّ ﷺ بإطلاقه بعدما رأى من حاله أنَّ الرجل ظاهره الخير؛ لقوله: تُنْعِم على شاكرٍ، فأطلق سراحه، فلما أطلق سراحه ذهب إلى عينٍ هناك فاغتسل فيها، ثم جاء فشهد شهادة الحقِّ: شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسوله، فدخل في الإسلام، وحسن إسلامه، وقال: إنه سوف لا يُمكِّن قرى أهل مكة من أي شيءٍ من اليمامة حتى يأذن محمدٌ ﷺ. يعني: من الحبوب التي كانت بنو حنيفة تُزود بها مكة.

وسأل النبيَّ ﷺ أنَّ جيشه أخذه وهو قاصد العمرة، فأمره النبيُّ ﷺ أن يُتمم عمرته، وأن يتوجه إلى مكة للعمرة، فتوجه للعمرة، وأخبر قريشًا بما أخبر رضي الله عنه ورحمه، وحسن إسلامه، واستقام أمره.

وقد ثبت في الباب ما يدل على شرعية الغسل عند الإسلام؛ لأنَّ الرسول ﷺ أقرَّ ثمامة على الغسل، فدلَّ على أن الغسل عند الإسلام حسن ومطلوب.

ومن ذلك ما رواه أحمد والثلاثة -أهل السنن- إلا ابن ماجه، بإسنادٍ جيدٍ، عن قيس بن عاصم المُنقري قال: "أمرني النبيُّ ﷺ لما أسلمتُ أن أغتسل بماءٍ وسدرٍ".

فدلَّ ذلك على شرعية الغسل، ولكن لا يجب؛ لأنَّ الرسول ﷺ لم يأمر به الجمَّ الغفير الذين أسلموا عام الفتح وغيره، فدلَّ ذلك على أنه سنة ومُستحب، وليس بواجبٍ؛ جمعًا بين الأخبار، والله أعلم.

س: هل يُجزئ الغسل ليلة الجمعة؟

ج: لا، في النهار، غسل يوم الجمعة الأفضل أن يكون الغسلُ عند التَّوجه إلى المسجد؛ حتى يكون أكملَ في النَّشاط، مع الطِّيب.

س: سؤال عمَّن قام من النوم وهو جنب، فإذا اغتسل ذهبت عليه الطائرة .....؟

ج: يغتسل ويتطهر، وإذا فاتت الطائرةُ فبدل الطائرة طائرة أخرى، الحمد لله، ليس عذر لترك الغسل، يغتسل من الجنابة، وإذا أدرك الطائرةَ فالحمد لله، وإلا فطائرة أخرى، الأمر متيسر، الحمد لله.

س: ..............؟

ج: يُستحب .....؛ فإنَّ الرسول لم يأمر به الآخرين، فلما أمر به قومًا دون قومٍ دلَّ على أنه مستحب.

س: والوضوء لا يجب؟

ج: ما سمعنا فيه شيئًا، الوضوء يجب عند إرادة الصَّلاة.

س: إذا كان الماء باردًا جدًّا يخشى على نفسه منه الهلاك، وليس عنده ما يُدفئه به، فما الحكم؟

ج: إذا كان في الصحراء ما عنده شيء يستدفئ به ولا نار يتيمم كما فعل عمرو بن العاص، أما إذا وجد الماءَ الدَّافئ فلا يجوز له التَّيمم؛ لأنَّ الله قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

س: ...............؟

ج: كذلك من باب أولى إذا تيسر له ماء دافئ اغتسل، وإن ما تيسر فلا حرج والحمد لله، سنة.

س: الفرق بين الميت والميِّت؟

ج: لغتان، المشهور أنهما لغتان، مثل: ميت وميّت، ولين وليّن، لغتان، تُشدد وتُكسر هذا الصواب، هذا المعروف، بعض الناس يقول: ميت، للذي فارقت روحه جسده، يقال له: ميت بالتخفيف، والذي سيموت يقال له: ميّت، ويحتج بقوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وهذا ليس بشيءٍ، الصواب أنهما لغتان.

"كَانَ رَسُولُ اللَّه ﷺ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا" خرَّجه الخمسة، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.

هذا الحديث جاء من حديث عبدالله بن سلمة المرادي، رواه الخمسة من طريقه: أنه سمع عليًّا قال: "كان رسولُ الله ﷺ يُقرئنا القرآنَ ما لم يكن جُنُبًا".

وفي لفظٍ: أنه وجه شخصين إلى وجهٍ، وقال لهما: "إنكما علجان، فعالجا عن دينكما"، ثم دخل المخرج، ثم خرج فقرأ شيئًا من القرآن، وقال: هكذا فعل النبيُّ ﷺ وقال: "كان يُقرئنا القرآن ما لم يكن جنبًا" هكذا رواه عبدالله بن سلِمة.

وفي روايةٍ من طريق الإمام أحمد بإسنادٍ جيدٍ: أن عليًّا قال: توضأ النبيُّ ﷺ ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: هكذا ما لم يكن جنبًا، أما إذا كان جنبًا فلا ولا آية.

وله شاهد ضعيف من حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه: أن النبي ﷺ قال: لا تقرأ الحائض ولا النُّفساء شيئًا من القرآن، وهو ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن مسلم بن عقبة، وهو حجازي، ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة كما هو معلوم عند الأكثر.

حديث عليٍّ بهاتين الروايتين يدل على تحريم قراءة القرآن للجنب، وأنه ليس له أن يقرأ القرآنَ إذا كان جنبًا حتى يغتسل.

وقال جمعٌ من أهل العلم: ويُلحق بذلك الحائض والنُّفساء؛ لأنَّ حدثهما أشدّ، يلحق بالجنب؛ فلا يقرآن القرآن بجامع أنَّ كلًّا منهما عليه الغسل، عليهم الحدث الأكبر والغسل الأكبر، فيجتمعون في هذا المعنى، فيُمنع الجميع من قراءة القرآن.

وأجاز هذا قومٌ وقالوا: إنَّ عبدالله بن سلِمة قد تغير في آخره، وأنَّ في حديثه نظرًا.

والأقرب والأظهر كما قال الحافظ: أنَّ حديثه هذا جيد، وأنه حسن تقوم به الحجَّة، وهو كذلك، فإنَّ إسناده جيد، وعبدالله بن سلِمة صدوق، وإن كان قد تغير في آخره، لكن سياقه للحديث يدل على حفظه له؛ فإنه ساقه وذكر قصة توجيه الرَّجلين إلى وجهٍ من الوجوه، وأنه فعل كذا وفعل كذا، فيدل على أنه حفظ القضية وضبطها.

ثم يُجبر نقصه ويُؤيد ما رواه عبدالله بن سلِمة رواية أبي الغريف -وهو جيد ثقة- عن عليٍّ بمعناه، فدلَّ ذلك على أنَّ الجنب لا يقرأ شيئًا من القرآن، بل يلزمه التَّوقف عن ذلك حتى يغتسل، وله شواهد تدل على هذا المعنى ..... كما تقدم من حديث ابن عمر.

ثم الجنب مدته لا تطول؛ فإنَّ في إمكانه أن يغتسل متى شاء، وفي إمكانه أن يتيمم متى فقد الماء، خلاف الحائض والنفساء، فقياسهما عليه فيه نظر؛ لأنَّ مدتهما تطول، وليس في أيديهما القُدرة على الغُسل متى شاءتا؛ لأنَّ مدة الحيض قد تطول، وهما ممنوعان من الغسل المؤثر الذي يُزيل الحدث إلا بعد انقطاع الدم.

فدلَّ ذلك على أنَّ لهما شأنًا غير شأن الجنب؛ ولهذا الأقرب والأظهر أنهما لا يُقاسان عليه ..... بخلاف الجنب فلا يُقال له ذلك حتى يغتسل، أما قياس الحائض والنُّفساء ففيه نظر، وإن كان قال ذلك جمعٌ كثير من أهل العلم كما عرفتُم الفرق.

أما حديث ابن عمر الذي فيه: لا تقرأ الحائض والنُّفساء شيئًا من القرآن فقد عرفت ضعفه عند الأكثر، وقد تحتاج الحائض والنُّفساء إلى قراءة القرآن لئلا تنساه، قد تكون طالبةً تحتاج إلى ذلك، وقد تكون معلمةً تحتاج إلى ذلك.

بخلاف الجنب؛ فإنَّ أمره بسيط ويسير، وقد لا يفوته شيء؛ لأنَّ الاغتسال بيده، متى فرغ من جماع أهله وتسنى له الغسل فإنه لا يحتاج إلى مدةٍ طويلةٍ.

والحديث الثاني: حديث أبي سعيدٍ الخدري ، هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صحابي، وأبوه صحابي مالك بن سنان رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءً، يعني: إذا جامع أهله، ثم بدا له أن يعود إلى الجماع فليتوضأ بينهما وضوءً، يعني: وضوء الصلاة.

هذا يدل على شرعية ذلك، وأن الأفضل أن يتوضأ بينهما، وظاهر الأمر الوجوب، فينبغي له ألا يعود إلا بعد الوضوء.

قال الحاكم في روايته: فإنه أنشط للعود، أنشط لعوده إليها، فإنَّ الوضوء يشدّه ويُقويه فيكون أنشطَ له، مع ما فيه من النَّظافة الظاهرة.

أما الغُسل فلا يلزم؛ لأنه قد طاف على نسائه بغسلٍ واحدٍ عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على جواز الجماع مرات بدون غسلٍ، سواء لواحدةٍ أو لأكثر، أما الوضوء فالأفضل أن يكون بين كلِّ جماعين وضوء، سواء كانا لواحدةٍ أو لأكثر؛ لما فيه من النَّظافة والنَّشاط على العمل، بخلاف ما إذا عاد ولم يتوضأ فإنَّ حاله تكون أضعف.

والحديث الثالث: حديث عائشة عند الأربعة، والأربعة كما لا يخفى هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. كما في اصطلاح المؤلف، هم الأربعة أهل السنن.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي ﷺ ينام وهو جنب من غير أن يمسَّ ماءً".

قال المؤلفُ: هو معلول، أعلّه بعضُ الحفّاظ؛ لأنَّه وهم فيه أبو إسحاق السّبيعي، عن أنسٍ، عن عائشة. والمحفوظ عنها في "الصّحيحين" وفي غيرهما: أنّه كان ﷺ لا ينام إلا بعد الوضوء، كان يغسل فرجَه ثمّ يتوضَّأ ثمّ ينام.

فقولها: "من غير أن يمسَّ ماءً" أعلَّه بعضُ الحفاظ بأنه وهمٌ.

قال بعضُهم: ويمكن حمله على أنَّ الماء هنا ماء الغسل: "من غير أن يمسَّ ماءً" ماء للغسل، أما الوضوء فهو ثابت ومحفوظ من حديث عائشة رضي الله عنها وغيرها، فهو سنة مؤكدة كما تقدم، ويُحمل حديثها هذا الذي رواه الأربعةُ على أنَّ المراد ماء الغسل، لا ماء الوضوء: "من غير أن يمسَّ ماءً" يعني: للغسل.

أما على فرض صحَّته فهو يدل على أنَّ الوضوء ليس بواجبٍ، ولكنه مستحب؛ ولهذا ربما نام ولم يتوضأ، فدل ذلك على أنه ليس بواجبٍ، ولكنه مستحب، إذا فرضنا صحته، وأنه ليس فيه علَّة، وليس فيه وهم، فيكون في بعض الأحيان قد ينام ولا يتوضأ، ولكن في الأغلب كما في روايتها في "الصحيحين" أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم ينام.

والأصل كما لا يخفى عدم توهين الرواة، هذا هو الأصل، الأصل عدم توهين الثِّقات، والسند جيد، إلا أنَّ أبا إسحاق كان يُدلس، وقد رواه بالعنعنة -فيما وقفتُ عليه- عن الأسود، ويحتمل أنه دلَّسه فحصل وهم.

وبكل حالٍ، فالوضوء ثابتٌ وسنة مؤكدة بعد الجماع وقبل النوم، وجاء في حديث عمر الأمر بذلك: يتوضأ ثم ينام، هذا السنة: أن يتوضأ وضوءًا كاملًا بعد غسل فرجه، ثم ينام، هذا هو السنة، ويترك الغسل في آخر الليل.

وإذا اغتسل قبل ذلك كما رُوي في حديث أبى رافعٍ كان أكمل، فالأمر في هذا واسع والحمد لله: إن اغتسل قبل أن ينام فلا بأس، وإن أخَّره بعد آخر الليل فلا بأس، أما الوضوء فالسنة أن يفعله قبل أن ينام، كما ثبت عنه ﷺ ذلك، وكما أمر به عمر كما في حديث عمر.

 

الحديث الرابع حديث عائشة، والخامس حديث ميمونة، حديث عائشة وميمونة فيهما الدلالة على كيفية غسل النبي ﷺ، وأنه كان يبدأ فيغسل كفَّيه ثلاثًا، وهذا محفوظ في روايات كثيرة: أنه يبدأ بغسل كفَّيه ثلاثًا، ثمّ يغسل فرجه وينقيه، ثم يضرب بيده اليسرى التراب مرتين أو ثلاثًا، أو الحائط، هذا من باب الإنقاء والعناية، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، كما في حديث عائشة. وفي حديث ميمونة في بعض رواياته: أنه توضأ إلا رجليه.

فالظاهر أنه كان يفعل هذا تارةً، وهذا تارة، تارة يُكمل الوضوء ثم يغسل قدميه مرةً أخرى عند فراغه من الوضوء، كما في حديث عائشة. وتارةً يتوضأ وضوءه للصلاة ما عدا الرجلين، ثم إذا كمل غسله أتى بالرجلين في مكانٍ آخر، كان يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً.

وفي حديث عائشة: أنه أدخل أصابعه في أصول الشعر بعدما توضأ وضوءه للصلاة حتى ظنَّ أنه قد أروى بشرته، كما في الرواية الأخرى، ثم أفاض على رأسه الماء ثلاث مرات.

هذا يدل على أنه يروي رأسه بالماء بإدخال أصابعه في الشعر، ثم بعد ذلك يفيض على رأسه الماء ثلاث مرات، ثم يفيضه على بقية الجسد، ولم يذكر التَّثليث في الجسد، إنما ذكر التثليث في الرأس، التثليث في الرأس، أما بقية الجسد فيمر عليه الماء، وليس فيه ذكر العدد، يفيض عليه الماء حتى -يعني- يغلب على ظنِّه أنه كمّل، وأنه لم يبقَ فيه بقعة، ثم بعد ذلك يغسل قدميه في مكانٍ آخر؛ لتنظيفهما من آثار المكان.

قال بعضُهم: هذا والله أعلم فيما إذا كان المكانُ فيه طين وأشياء تعلق بالرجل؛ يتحوّل إلى مكانٍ آخر حتى يغسلهما. أما إذا كان المكانُ مُبَلَّطًا ولا يتعلَّق بالرجلين شيء فلا حاجةَ إلى التَّحوّل؛ لأنَّ المقام ليس فيه شيء يُوجب التَّحوّل.

وبكل حالٍ، فإذا تحوّل الإنسانُ أخذًا بظاهر السنّة، ولو كان في الأماكن المعروفة الآن -المبلطة النَّظيفة- تحول قليلًا من مكانه فهذا حسن، من باب العناية وتحري السنة في أي شيءٍ، هذا كله من باب كمال العناية بالسنة، فلو تحول قليلًا إلى مكانٍ آخر ليغسل رجليه فهذا أكمل في تحري السنة، وفي الأخذ بها، والتأسي برسول الله عليه الصلاة والسلام.

يقول في حديث ميمونة: أنها أتته بالمنديل فردَّه، وجعل ينفض الماء بيده. هذا يدل على أنَّ الأفضل عدم التَّمندل: عدم التَّمسح بعد الغسل من الجنابة، وأنَّ الأفضل نفض الماء بيديه.

وجاء في حديثٍ: أنه قام يُصلي فتذكر أنه جنب، فذهب واغتسل، فجاء ورأسه يقطر ماءً. هذا يدل على أنه لم يتمسح بشيءٍ.

فسنته عليه الصلاة والسلام عدم التَّمسح بالمنديل والمناشف بعد الغسل، هذا هو المحفوظ عنه عليه الصلاة والسلام، ولكنه لم يمنع من ذلك، فدلَّ على الجواز، لا بأس بالتَّمندل، ولا حرج فيه، لكن تركه أفضل؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنَّ الأصل الجواز كما لم يفعله عليه الصلاة والسلام، هو لم ينهَ عن هذا، ولكن تركه، فدلَّ ذلك على أنَّ تركه أفضل، ونفض الماء باليد أفضل من التَّمندل.

ويدل الحديثان -حديث ميمونة وعائشة- وما جاء في معناهما من الأحاديث على أنَّ الغسل الكامل أن يبدأ فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ ماءً فيُدخل أصابعه في أصول الشعر حتى يظنَّ أنه قد أروى بشرته، ثم يفيض على رأسه الماء ثلاث مراتٍ، ثم يغسل سائر جسده بالماء، ثم يغسل قدميه في مكانٍ آخر، هذا هو الكمال في الغسل.

ومن كماله أن يضرب الحائطَ أو التراب بيده اليسرى بعد غسله لفرجه، ثم يغسلها؛ لمزيد النظافة.

قال العلماء: كونه غسل بدنه كله بالماء، وأفاض عليه الماء كله، ولم يبدأ بالوضوء؛ أجزأه ذلك، ولكن ترك الأفضل، ترك السنة، فالمقصود تعميم الجسد بالماء بنية الطَّهارة الكبرى، فإذا فعل هذا أجزأه، وقد جاء في هذا المعنى أحاديث، ولكن كونه يفعل كفعل النبيِّ ﷺ هذا هو الأفضل، وهذا هو الكمال.

النبي ﷺ كان لا يتوضأ بعد الغسل، فدلَّ ذلك على أنه يكتفي بالوضوء قبل الغسل، وأن السنة الوضوء قبل الغسل لا بعده؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، لكن لو قدر أنه أحدث في أثناء غسله بأن خرج منه ريح، أو بعد غسله؛ فإنه يُعيد الوضوء؛ لأنه انتقضت الطَّهارة الصغرى حينئذٍ، فلو أحدث عند غسله رجليه، أو عند فراغه من رجليه خرج منه الريح؛ فإنه في هذه الحال يبطل الوضوء كما لا يخفى، يبطل الوضوء ويحتاج إلى إعادة الوضوء، أما الغسل فقد انتهى.

س: غسل الرِّجْلين في مكانٍ آخر هذا زيادة على غسلهما؟

ج: نعم ...... كان النبيُّ ﷺ يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً، كما يظهر تارةً يكمل وضوءه ثم يغسلهما كما في حديث عائشة ..... "ثم غسلهما" غسل رجليه، وتارةً يُبقيهما في وضوئه الأول، يغسل رأسه ثم يفيض الماء على جسده، ثم يغسل قدميه يُكمل بهما الغسل والوضوء جميعًا.

س: يعني تارةً يغسلهما مرتين، وتارةً يُؤخر؟

ج: نعم.

س: في الحديث: "فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، ثُمَّ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ"، هل إدخال الأصابع في أصول الشعر هل ..؟

ج: هذا من باب الكمال.

س: هل يُعتبر مرةً رابعةً؟

ج: لا، مستقل كما في الرواية الأخرى: حتى إذا ظنَّ أنه قد أورى بشرته أفاض عليه الماء.

.............

س: هل ورد ما يدل على تقديم الجنب الأيمن على الجنب الأيسر؟

ج: هذا يُفهم من حديث عائشة: "كان يُعجبه التَّيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله"، وأنَّ الأفضل أن يفيض الماء على شقِّه الأيمن ثم الأيسر.

س: ما جاء في الحديث أنه يتوضأ بعد الغُسل؟

ج: نعم، الوضوء قبل، هذا السنة، لكن لو أحدث في أثناء الغسل بعدها توضأ، هذا المعروف.

س: التَّمندل في الوضوء أحسن الله إليك؟

ج: لا حرج .....، لكن الحديث في سنده ضعف.

س: هل يلزم تعميم الجسد ثلاث مرات؟

ج: لا أحفظ شيئًا في الثلاث، تعميم الجسد يكفي التعميم ولو مرة واحدة، المهم أن يعمَّه الماء.

س: أثناء الاغتسال لو مسَّ فرجه فما الحكم؟

ج: بعد الوضوء أو قبله؟

س: بعد الوضوء.

ج: يُعيد الوضوء؛ لأنه حدث، لكن لو مسَّه قبل ثم توضأ فلا مانع.

س: إذا عمَّ بدنه بالغسل ولم ينوِ الوضوء، وكان من غسل الجنابة، فهل يدخل الوضوء؟

ج: لا، لا يدخل إلا بنية الحدثين: إنما الأعمال بالنيات، بعضهم يقول: يدخل؛ لأنها طهارة صغرى تدخل في الكبرى، لكن ليس بظاهرٍ إلا بالنية.

س: إذا نوى؟

ج: دخل على الصحيح، وفيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يدخل؛ لأنه تدخل الصغرى في الكبرى.

..............

س: في أثناء الوضوء الذي بين يدي الغسل هل يمسح الرأسَ فقط؟

ج: نعم يمسح الرأس فقط ثم يغتسل بعد ذلك.

..............

... وكانت وفاتها سنة ثنتين وستين من الهجرة النبوية، طالت حياتها رضي الله عنها.

قالت: "يا رسول الله، كنت أشد شعر رأسي". يعني: أُضفره، وفي لفظٍ: "ظفر رأسي"، "أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟" فقال ﷺ: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، زاد في رواية مسلم: ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين، اختصره المؤلفُ رحمه الله، رواه مسلم.

هذا الحديث يدلُّ على أنَّه لا يلزم نقض الرأس، إذا كان الرأسُ مشدودًا ومضفورًا فلا يلزم نقضه للجنابة، بل يكفي غسل ظاهره إذا أفاضت عليه الماء ..... إذا حثت عليه الماء ثلاث حثيات كفى، ولا حاجةَ إلى نقضه وغسل ما تحته، بل يكفي غسل الظاهر، وهذا من تيسير الله ومن رحمته وإحسانه جلَّ وعلا.

وقد بلغ عائشة: أنَّ عبدالله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهنَّ، فقالت: يا عجبًا لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهنَّ، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهنَّ؟! لقد كنتُ أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناءٍ واحدٍ ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.

فالمقصود أنَّ من تيسير الله ورحمته وإحسانه أنَّ الرأس المفتول المضفور لا يحتاج إلى نقضه في غسل الجنابة، بل يكفي إمرار الماء عليه وحثي الماء عليه ثلاث مرّات ويكفيه.

وتقدّم في حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّه كان يُدخل أصابعه إلى أصول الشَّعر، ثم حفن على رأسه الماء ثلاث مرّات في غسل الجنابة. هذا مجموع في حديث أم سلمة أوسع من ذلك وأعم.

وفي رواية: "والحيضة" يدل على أنَّ الحيض كذلك، وأنه لا بأس أيضًا في حقِّ الحائض أن تمرّ عليها الماء، ولا حاجة إلى النَّقض.

وجاء في أحاديث أخرى عن عائشة وغيرها ما يدلُّ على أن الأفضل نقضه ..... بالماء؛ لأنّه تطول المدّة وتكثر الأوساخ، فقد ينبو الماءُ عن كثيرٍ من الأوساخ التي في الرَّأس، وربّما ترتب على هذا شيء من الرَّوائح الكريهة؛ فاحتيج إلى نقضه، فنقضه أولى وأكمل، ولو أنها لم تنقضه بل حثت عليه الماء ثلاث حثياتٍ -كما في حديث أم سلمة- كفى ذلك.

وهذه الزيادة التي جاءت في حديث أم سلمة تدلُّ على أنَّ الواجب هو إمرار الماء وحثيه على الرأس ثلاث حثيات في الجنابة والحيضة، ولكن نقضه في الحيضة -كما في الرِّوايات الأخرى- أولى وأكمل؛ جمعًا بين الأخبار في ذلك.

وفي قوله: ثمَّ تفيضي عليه الماء بعد حثيه على الرأس ثلاث حثيات تمرُّ الماء على بقية الجسد؛ فيحصل لها الطَّهارة بذلك: فتطهرين، فالطهارة حاصلة فيما ذكر من غير تكلفٍ بالنقض، وإذا نقض في الحيض والنِّفاس كان أكمل؛ لأحاديث أخرى جاءت في هذا المعنى.

والحديث الثاني: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله ﷺ: إني لا أحلّ المسجد لحائضٍ ولا جنبٍ حديث لا بأس به، لا بأس بإسناده، وقد رواه أبو داود من طريق فليت بن خليفة العامري، ويقال: أفلت، عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة.

وإسناده لا بأس به على المختار؛ ولهذا أقرَّه المؤلفُ وقال: رواه أبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة، وهو مُوافقةٌ من المؤلف على تصحيح مَن صحَّحه، فلا بأس بإسناده.

وهو يدل على أنَّه لا يجوز للحائض والجنب الإقامة في المساجد، والجلوس في المساجد؛ لأنه قال: إني لا أحلّ المسجد لحائضٍ ولا جنبٍ.

فدلَّ على أنَّه ليس للحائضٍ أن تُقيم في المسجد، وليس لها أن تجلس في المسجد، وليس لها أن تطوف كما جاء في الحديث الآخر، وليس للجنب كذلك، لكن العابر المارَّ لا بأس؛ لقوله جلَّ وعلا: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، فالمرور للحائض والجنب في المسجد لحاجة الدُّخول من الباب إلى الباب لأنَّه أيسر، أو أخذ حاجةٍ من المسجد: كسجّادةٍ أو كتابٍ أو ما أشبه ذلك، لا بأس بذلك؛ للآية الكريمة: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ؛ ولحديث عائشة في الصحيح: أن النبيَّ ﷺ أمرها أن تأتي بالخمرة من المسجد، قالت: إني حائض! قال: إنَّ حيضتك ليست في يدك، فدلَّ ذلك على أنَّ أخذها الشَّيء ومرورها في المسجد لحاجةٍ ليس داخلًا في هذا الحديث، وليس ممنوعًا.

وهذا أيضًا من تيسير الله ومن رحمته ومن إحسانه جلَّ وعلا، ومن سماحة هذه الشريعة وتيسيرها، فإذا كانت تأمن تلويث المسجد من الدم، محفوظًا لا يُلوث المسجد، فلا بأس بدخولها -الحائض والنفساء المسجد- لحاجةٍ، ثم تخرج من غير جلوسٍ.

وهكذا الجنب دخوله المسجد لحاجةٍ لا بأس بذلك؛ قد رُوي عن بعض الصَّحابة أنهم كانوا يجلسون في المسجد إذا توضَّؤوا، وأجازه جماعةٌ، والأحوط والأولى الأخذ بظاهر هذا الحديث، وأن لا يجلس فيه إلا بعد الغسل، وأما الوضوء فلا بأس بذلك.

الحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تغتسل مع النبي ﷺ في إناءٍ واحدٍ. تقدم هذا في أول الكتاب، وأن الرسول وأصحابه كان يغتسل الرجلُ مع امرأته، وتقدم حديث رجلٍ من أصحاب النبي ﷺ: وليغترفا جميعًا، هذا أمر معلوم من حديث ميمونة، ومن حديث عائشة، ومن حديث أم سلمة وغيرها.

كل هذا يدل على أنه لا بأس أن تغتسل المرأةُ مع زوجها من الجنابة من إناءٍ واحدٍ، وأنَّ هذا لا حرج فيه؛ لأنها تُباح له، فلا بأس من النظر إليها، ونظرها إليه، فلا يضرّ اغتسالهما جميعًا.

وفي هذا دلالة أنه تلتقي أيديهم في الإناء -يد النبي ﷺ ويدها- فيدل هذا على أنه لا حرجَ في ذلك؛ أن تغرف بعده، ويغرف بعدها، وأن تلتقي الأيدي في الإناء، كل هذا لا حرج فيه، ولا يجعل الماء مستعملًا، كما تقدم في حديث غسل النبي ﷺ، مع أمر النبي ﷺ بالاغتراف جميعًا في الغسل، والنهي عن اغتسال هذا بفضل هذا، وهذا بفضل هذا، كما تقدم في حديث أنسٍ، وحديث الحكم بن عمرو الغفاري في النَّهي عن غسل الرجل بفضل طهور المرأة.

وجاء في حديث رجلٍ من أصحاب النبي ﷺ النَّهي عن ذلك، واغتسال كلٍّ منهما بفضل الآخر.

وتقدم أنَّ هذا على سبيل الأولوية، وإلا فالصحيح أنه لا بأس باغتسال أحدهما بفضل الآخر كما تقدم، وكونهما يغتسلان جميعًا أولى، أو كل واحدٍ على حدة، وكونهما يغتسلان جميعًا ليس فيه سبق أحدهما للآخر على سبيل الاستقلال، وإنما على سبيل الاشتراك: يأخذ بعد أخذها، وهي تأخذ بعد أخذه، وكل واحدٍ يصدق عليه أنه أخذ، أو أنه اغتسل بفضل الآخر، وهو يُقوي ويُؤيد ما تقدم من أن غسل الرجل بفضل المرأة أو المرأة بفضل الرجل أنه لا محظورَ فيه، ولا حرج فيه، وإن كان الأولى ترك ذلك كما تقدم، مع أنهما لو اغتسلا جميعًا لا بدَّ أن يغترف كلُّ واحدٍ بعد الآخر، فيصدق عليهما أنه أخذ بعض فضلته واغتسل بها.

والحديث الرابع: حديث أبي هريرة وعائشة عند أحمد: إن تحت كل شعرةٍ جنابة، فاغسلوا الشعر، وانقوا البشر.

الحديث كما تقدم ذكر المؤلفُ أنه ضعيف، ولكن عموم الأدلة في هذا المقام تدل على وجوب العناية بغسل الجنابة، والغسل في الحيض والنفاس كما تقدم، ولكن لا يلزم من ذلك أن ينقض الشعر، ولو صحَّ أنَّ تحت كل شعرةٍ جنابة كفى غسل الظاهر؛ ولهذا يكون غسل الشعر الخفيف الذي لا يمنع الماء فإنه يُبالغ فيه المغتسل حتى يصل البشرة.

أما الشعر الكثيف -الشعر المفتول- فيكفي ظاهره، فإذا غسل الإنسانُ ظاهره وعمَّه بالماء كفى، ولا سيما بعد إدخال الماء إلى أصول الشعر كما تقدم، فإنه أكمل كما في حديث عائشة، وإن مرَّ الماء على ظاهره واكتفى به كفى ذلك؛ لحديث أم سلمة كما تقدم.

أما كونه يتتبع كل شعرةٍ فليس هذا بواجبٍ، والحديث ضعيف، ولو صحَّ لم يكن المراد هذا، بل المراد العموم، يعني: تعميم الشعر بالماء، وأن يغسله غسلًا كاملًا حتى لا تبقى شعرات قد نبا عنها الماء وتركها الماء، هذا لو صحَّ.

وفي الأحاديث الصَّحيحة كفاية وغنية عن ذلك، وأن الواجب تعميم الماء لجميع الشعر حتى يعمَّه الماء ويعمّ الجسد ..... أصول الشعر، فإذا حصل ذلك فهو حسن، ومن كمال الطَّهارة كما تقدم في حديث عائشة: فيُدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم يحفن على رأسه الماء ثلاث حفنات.

وحديث أم سلمة يدل على أنه متى عمَّه بالماء وأفرغ عليه الماء -على المفتول وعلى الكثيف- كفاه ذلك.

................

باب التَّيمم

التيمم مصدر تيمم تيممًا، بمعنى القصد، وتيمم كذا: إذا قصد كذا.

والمراد هنا بالتيمم: قصد الأرض، قصد الصعيد الطيب للتَّطهر منه ومسح الوجه والكفَّين بالتراب.

وتيمم للطهارة إذا قصد الصعيد الطيب وضرب بيديه الأرض حتى يمسح بهما وجهه وكفَّيه بدلًا من الماء.

وهو عمل شرعي، واصطلاح شرعي، غير الاصطلاح العام، والمعنى العام اللغوي، المعنى العام اللغوي بالنسبة لقصد الأرض: تيمم كذا: قصد كذا ........

وهو مشروع لهذه الأمة، ومن رحمة الله جلَّ وعلا بهذه الأمة عند فقدها الماء، وعند عجزها عن الماء لجراحات أو مرض ونحو ذلك، فإنه يقوم مقامه؛ لقول الله جلَّ وعلا: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا الآية [النساء:43].

فالمقصود أنَّه طهور، جعله الله جلَّ وعلا للأمة بدلًا من تطهرها بالماء عند فقده، أو عند العجز عنه لأسبابٍ اقتضت ذلك، وهو من خصائص هذه الأمّة.

واختلف العلماءُ: هل يقوم مقام الماء في كل شيءٍ، أو هو مُبيح فقط، أو رافع مُقيّدًا بالوقت أو عند عدم وجود الماء، أو رافع مطلقًا؟

على أقوال أربعة:

أحدها: أنه رافع مطلقًا ولو وُجد الماء. وهذا قول باطل مخالف للأدلّة الشَّرعية.

الثاني: أنَّه رافع عند عدم وجود الماء كالماء ويقوم مقامه، وهذا هو الصواب كما يأتي عند حديث أبي هريرة: الصَّعيد طهور المسلم، رافع عند عدم وجود الماء، هذا هو الصَّواب؛ لأنَّ الله سمَّاه: طهورًا، والرَّسول ﷺ سمَّاه: طهورًا، فهو يقوم مقام الماء، ويرفع الحدث عند عدم وجود الماء، أو عند وجود ناقضٍ من النَّواقض كالماء.

الثالث: أنه رافعٌ للوقت فقط، إذا دخل الوقتُ بطل.

الرابع: أنه مبيحٌ فقط، ولا يرفع، فهو مبيح الطَّهارة للضَّرورة، فإذا تيمم لنافلةٍ لم يُصلّ به فرضًا، فهو مبيح فقط، وهذا قاله جماعة.

والصواب من الأقوال الأربعة أنه رافع عند عدم وجود الماء كالماء، يقوم مقام الماء، ويرفع الحدث، فإذا تيمم لصلاة الضُّحى مثلًا وجاء وقتُ الظهر وهو على طهارته صلَّى بها الظهر؛ لأنه رفع الحدث كالماء، وإذا تيمم للظهر وجاء العصر وهو على طهارته صلَّى به العصر، وهكذا إذا تيمم العصر وجاء المغربُ والعشاء صلَّى به المغرب والعشاء كالماء سواء؛ لقوله ﷺ: الصعيد وضوء المسلم: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48] سمَّاه: طهورًا، والطَّهور هو الذي يرفع الأحداثَ، فيكون هذا رافعًا للأحداث.

الحديث الأول: حديث جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: أُعْطِيتُ خمسًا يعني: خمس خصالٍ لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي يعني: من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسلام.

الأولى: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهرٍ الله جعل من نصره ومن تأييده لنبيه أن يجعل الرعبَ في قلوب الأعداء وإن كانوا مسيرة شهرٍ؛ لبُعدهم عنه، فالأعداء يرهبونه وإن بعدوا هذه المسافة، هذا من تأييد الله له، وهذه الخصلة تُرجى لمن أخذ بسنته وتابعها واستقام عليها من ولاة الأمور، وهو أن ينزل الرعبُ في قلوب أعدائهم كما أنزله لإمامهم ومتبوعهم عليه الصلاة والسلام.

والثانية: جُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا هذه الخاصية هي الشَّاهد لهذا الباب: فأيما عبدٍ أدركته الصَّلاةُ فليُصلَّ، وفي لفظٍ: أيما رجلٍ من أمتي أدركته الصَّلاة فليُصلِّ، وفي لفظٍ: فعنده مسجده وطهوره.

فالأرض طهور ومسجد جميعًا، فأيما رجلٍ من الأمة -أي: الأمة المحمدية- أدركته الصلاةُ فليُصلِّ، فعنده مسجده وطهوره، فليتيمم من الأرض ويُصلي في الأرض، وهذا عامّ مقيد بما هو معروف في الشرع: بأن تكون الأرضُ طاهرةً، وأن تكون ليست مقبرةً ولا حمَّامًا كما جاء في الأحاديث، أي: مسجده وطهوره أي مكانٍ في الأرض ما لم يكن هناك مانعٌ من نجاسةٍ أو مانع آخر كالمقبرة ونحو ذلك.

وهكذا وطهورًا هذا أيضًا مطلق ما لم يكن الترابُ نجسًا، فهذا مُستثنى، وهو شيء معروف، وسمَّاها: طَهورًا بفتح الطاء كالوَضوء، فدلَّ ذلك على أنَّ التراب طهور كالماء.

والثالثة: المصنف اختصره؛ لأنَّ المقصود ذكر التَّيمم: حِلّ الغنائم: وأُحلَّت لي الغنائم.

والرابعة: إعطاؤه الشَّفاعة: أي العامَّة لأهل الموقف.

والخامسة: أنَّ الله بعثه إلى الناس عامَّة، والأنبياء يُبعثون إلى قومهم خاصَّة، أما رسولنا ﷺ محمد فقد بُعِث إلى الناس عامَّة.

هذه خمس خصالٍ خُصَّ بها ﷺ، لم يُعطها أحدٌ قبله، وهناك خصال أخرى معروفة من خصائصه عليه الصلاة والسلام، هذه الخمس جاءت في حديث جابرٍ.

والشاهد منها ما يتعلق بالتَّيمم، فدلَّ ذلك على أنَّ التيمم قد أُعطي هذه الأمة، وأنه مشروع لها، وأنه حقّ ومنّة من الله وفضل منه ، ومَن فقد الماء في الصحراء وغير الصحراء، أو عجز عنه لمرضٍ أو أسرٍ أو ما أشبه ذلك؛ فإنه يُصلي بالتيمم، ومَن عجز عنهما جميعًا فلا تيمم ولا ماء صلَّى على حسب حاله؛ لأنَّ الله قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

فلو أُسِرَ على خشبةٍ أو على عمودٍ ولم يتمكن من ضرب الأرض ولا من الوضوء صلَّى على حسب حاله، أو كان مريضًا عاجزًا ليس عنده مَن يُقرّب له التراب، أو يُقرّبه من الأرض، أو يُعطيه الماء؛ فإنّه يُصلِّي على حسب حاله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

وهكذا فعل الصَّحابةُ لما كانوا في منزلٍ من المنازل ولم يجدوا الماء، ولم يستطيعوا التَّيمم صلَّوا بغير ماءٍ ولا تيمُّم، والله يقول جلَّ وعلا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، هذه قاعدة معروفة.

وقد يقع هذا لبعض الناس: لبعض المرضى، وبعض السُّجناء؛ فيُصلِّي على حسب حاله.

حديث حذيفة عند مسلم: جُعِلَتْ تربتُها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء هذا قيد، وهو معروف، قيد في كتاب الله جلَّ وعلا: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [النساء:43]، هذا بإجماع المسلمين: التيمم عند فقد الماء، أما عند وجوده ومع القُدرة على استعماله فهذا لا يجوز بإجماع المسلمين، ليس فيه نزاع.

وقوله: تربتها يتعلَّق به مَن يقول أنَّه لا بدَّ من التُّراب، وأنَّ الصعيد المذكور في الآية المراد به التُّراب، كما قال بعض السَّلف -ومنهم ابن عباس وغيره- هي أرض الحراثة. أي: التُّراب الذي له غبارَ، يعني: يعلق باليد، هذه تربتها، ما استقرَّ على ظاهرها هو تربتها.

والغالب أنَّه يُطلق على ما كان ذا غبارٍ، بخلاف الحصى، وخلاف الرَّمْل، وخلاف النَّورة، وما أشبه ذلك، هذه التُّربة عند الإطلاق.

وقال آخرون: بل المراد الصَّعيد من حيث هو، صعيدها: وجهها، فإذا كان في رملٍ تيمّم من الرَّمل، وإذا كان في الأرض نورة تيمَّم منها، وإذا كان فيه حصى وجبال ضرب وجه الأرض، سواء علق به شيء أو لم يعلق به شيء، على قُدرته، وهذا صحيح؛ لأنَّ الله تعالى قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، لكن إذا تيسَّرت الأرض التي فيها التُّراب فهي أولى، وهي المقصودة؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، فقوله مِنْهُ على الراجح المراد به البعضية، أي: من هذا الصعيد، ولا يكون مِنْهُ إلا إذا كان له غبار يعلق باليد، وإذا كان ليس به شيء فإنَّ البعضية لا تحصل.

فإذا تيسر الترابُ الذي هو تربة الأرض المعروفة، تربة الحراثة التي لها غبار؛ تيمم منها، فإن لم يتيسر ذلك تيمم مما عنده.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يُسافر الأسفار الطويلة التي يتعرض فيها للرمال والصَّحراء القاحلة، ويتيمم مما تيسر، ولم يكن الماء معه دائمًا، بل قد يعوزه الماء، وقد يشقّ عليه الماء فيحتاج إلى تيمُّمٍ.

وإن لم يتيسر له التراب تيمم من الصَّعيد الذي هو الرمل أو الحجر أو ما أشبه ذلك، وأجزأه ذلك، وعند تيسر التراب فينبغي له أن يتيمم بالتراب الذي له غبار، بحيث يتعلق جزء منه بيديه؛ حتى يتحقق قوله: مِنْهُ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، فالمسح منه إنما يكون إذا كان له غبار.

وفي حديث عليٍّ عند أحمد: وجُعل الترابُ لي طهورًا، "التراب" بالألف واللام، التراب المعروف المقصود. وهو أيضًا المقصود بقوله: وجُعلت تربتُها.

فإذا تيسر الترابُ المعروف تيمم منه، فإن لم يتيسر ذلك تيمم مما عنده وأجزأه ذلك، كما يُجزئه الماء من أي نوعٍ كان: الماء العذب، أو الماء المر، أو ماء البحر، أيّ أنواع الماء تُجزئه، هكذا أنواع وجه الأرض، وأنواع تُربة الأرض تُجزئه، لكن إذا تيسر الترابُ الذي يعلق باليد وتحصل به البعضية فهو مُقدَّم.

وحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه يدل على كيفية التَّيمم، وأنه يضرب الترابَ بيديه، فيمسح بيديه كفَّيه ووجهه، الله قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ.

والقاعدة: أنَّ الوجه يُقدَّم في الوضوء، هكذا في التيمم؛ ولهذا قدَّمه الله في الآية الكريمة، وفي رواية البخاري: "ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه".

أما رواية "الصحيحين" فظاهرها عدم الترتيب؛ أنه لا مانعَ أن يمسح كفَّيه ثم وجهه: "فمسح ظاهر كفَّيه ووجهه"، فلم يُرتب، لكن الرواية المرتبة أولى بالأخذ؛ لأنها مُطابقة لظاهر الكتاب العزيز، ويكون إطلاق رواية "الصحيحين" تُفسر لك الروايات الأخرى، وعند البخاري بدأ بالوجه.

فيضرب الترابَ بيديه هكذا، ثم يمسح بهما وجهه وكفَّيه، إذا علقها تراب كثير ينفخ كما نفخ النبيُّ ﷺ، فنفخ فيهما ليخفّ التراب، إنما المقصود هو الامتثال، وليس المقصود تلطيخ الوجه بالتراب، المقصود امتثال أمر الله بالتيمم، فإذا علق باليدين تراب كثير ينفخه حتى يخفَّ، ثم يمسح بهما وجهه وكفَّيه امتثالًا لأمر الله.

ثم قد يقول قائلٌ: ما الفائدة من التراب الذي يُوسخ الوجه، والله جلَّ وعلا كريم جواد جميل يُحب الجمال؟! كيف شرع لنا هذا التراب الذي فيه تلطيخ الوجه وتوسيخه؟!

فالجواب أن يقال: أن المقصود من هذا هو الخضوع لأمر الله، والخضوع لشرع الله، وامتثال أمره ، وإن كان في ذلك ما يُخالف هوى الإنسان، الله شرع لنا الترابَ بدلًا من الماء، كما أنه يُنور الوجه، ويُطهر الوجه، ويُنظفه؛ جعل بدله ترابًا فيه توسيخ للوجه عند عدم الماء؛ ليختبر العبد في صبره وخضوعه لأمر الله وطاعته وشعوره بأنه عبد مأمور يمتثل أمر الله، وإن كان فيه ما يُخالف هواه.

هذا فيه بيان حكمة الرب جلَّ وعلا في ابتلاء العباد بما يُوافق أهواءهم، وبما يُخالف أهواءهم، فالعبد المؤمن يمتثل أمر الله مطلقًا فيما وافق هواه أو فيما خالف هواه.

أما عبد هواه فلا يُطيع إلا هواه: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، كما جاء في الحديث، والمؤمن هو الذي يُطيع ربَّه جلَّ وعلا في كل شيءٍ، أما ضعيف الإيمان أو معدوم الإيمان فهو عبد هواه، ليس عبدًا لله .

وأما حديث ابن عمر: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين والمرفقين" فهو حديث موقوف على الصحيح، وليس مرفوعًا.

وقد دلَّ حديثُ عمار على أنه ضربة، هذا هو السنة، ضربة واحدة يمسح بهما وجهه وكفَّيه، هذا هو السنة، وهذا هو الأفضل، وهو المشروع.

أما رواية ابن عمر فهي موقوفة، والحجَّة فيما روى لا فيما رأى إذا خالف النص، هذه قاعدة: إذا رأى الصحابيُّ أو التابعي أو مَن دونهما رأيًا يُخالف السنةَ فلا عبرة برأيه، وإنما السنة هي المحكمة؛ لأنَّ الله قال جلَّ وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

والقاعدة التي لا خلافَ ولا نزاعَ فيها: أن الآراء تُعرض على الكتاب والسنة: فما وافق الكتابَ والسنةَ فهو الرأي المتبع، وما خالف ذلك تُرك، مع الترحم على صاحبه ذي العلم والإيمان، والعلم بأنه غير معصومٍ، يُخطئ وُيصيب، ولكن لا يُؤخذ رأيه ولا يُعتمد رأيه إذا خالف النصَّ من كتاب الله أو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وهكذا قوله: "إلى المرفقين" غلط أيضًا، والصواب أنه للكفَّين فقط، وهكذا جاء في بعض الروايات في حديث عمار: أن التيمم إلى المرافق وإلى الآباط، فكله غلط، كله من اجتهاد بعض الصحابة الذين لم يبلغهم النص، الذي تيمم إلى المرفق أو إلى الآباط ما بلغه النص، والصواب أن التيمم يكون في الكفين فقط، مفصل الكف من الذراع، هذه الكفان، إذا أُطلق اليدان فهو الكفَّان، وإذا أريد الذراع قيل: إلى المرافق، كما في الوضوء.

أما في التيمم فقد يسَّر الله وسامح وعفا وجعله في الوجه والكفَّين فقط، فلا حاجةَ إلى الذِّراع، ولا حاجة إلى مسح الرأس، ولا حاجة إلى مسح الرِّجلين، بل الوجه فقط، الوجه وبعض ما يُغسَل في الوضوء وهو الكفُّ فقط، هذا تيسير وتخفيف من ربنا في أمر التَّيمم؛ إذ المقصود هو الشعور بأنك مُطيع لله، وأنك عبد لله، وليس المقصود مُساواة التيمم للوضوء من كل وجهٍ، ولكن امتثل هذا الأمر لتشعر بأنك عبد مأمور، تمتثل أمر الله وتخضع له في هذه الطَّهارة التي جعلها الله بدلًا من الماء؛ حتى تُصلي عن شعورٍ بأنك امتثلت أمر الله وأطعته في هذا الأمر الذي قد يُخالف هواك، وقد لا ترضاه؛ لما فيه من شيءٍ من توسيخ الوجه بالتراب، ولكنك ترضاه وتُحبه لأنه طاعة لله ، وامتثال لأمره .

س: ..............؟

ج: مثل الوضوء سواء، إذا تيمم تحصل به الطهارة مثل الوضوء للصلاة أو للقراءة أو للطواف، ويُصلي به الفرائض والنَّوافل.

س: ..............؟

ج: نعم على الصحيح، خلافًا لمن قال: إنه مُبيح فقط.

................