152 من حديث: (أَن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم..)

 
14/425- وعن عبداللَّه بن عَمْرو بن العاص رضي اللَّه عنهما: أَن النَّبِيَّ ﷺ تَلا قَول اللَّهِ في إِبراهِيمَ ﷺ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم:36]، وَقَوْلَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، فَرَفَعَ يَدَيْه وَقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى، فَقَالَ اللَّه : يَا جبريلُ، اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فسَلْهُ: مَا يُبْكِيهِ؟ فَأَتَاهُ جبرِيلُ، فَأَخْبَرَهُ رسولُ اللَّه ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُو أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا جِبريلُ، اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ رواه مسلم.
15/426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النبيِّ ﷺ عَلَى حِمارٍ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ؟ ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فقلتُ: يَا رسول اللَّهِ، أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا متفقٌ عَلَيهِ.
16/427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّه، فذلك قولهُ تَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في الدلالة على أنَّ الله جلَّ وعلا وعد الأمة خيرًا، الذين استجابوا لله وللرسول، وأنَّ الواجب إحسان الظن بالله، وأنه سبحانه هو الجواد الكريم، لكن مع الحذر من الغرور والإقدام على المعاصي أو الإصرار عليها، فالمؤمن يكون حسنَ الظن بالله، يرجو رحمته، ويخشى عقابه، مع الحذر من السيئات.
يقول إبراهيمُ لربه: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، ويقول عيسى عليه الصلاة والسلام: إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ، لما تلا عليه السلام هاتين الآيتين قال: يا ربّ، أمتي، أمتي، وجعل يبكي، فأرسل الله له جبريل، وقال له: قل يا جبرائيلُ: إنا سنُرضيك في أمتك يعني: فيمَن وحَّد الله واتَّبَعَ الشريعة، وقال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، فمَن اتَّبع الشرعَ فسوف يُرضي اللهُ نبيَّه فيه، وسوف يُدخله الجنةَ، ويُنجيه من النار، قال جلَّ وعلا في كتابه العظيم: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ .. الآية [الأعراف:156]، وقال جلَّ وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وأنيبوا إلى ربكم .. [الزمر:53- 54]، عليهم حُسن الظن بالله، مع عدم القنوط، ومع الإقبال على الله، والجدّ في العمل، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا، ومع التوبة إنابة وصدق.
وقال لمعاذٍ: يا معاذ، أتدري ما حقّ الله على العباد، وما حقّ العباد على الله؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وحقّ العباد على الله ألا يُعذِّب مَن لا يُشرك به شيئًا، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبشر الناسَ؟ قال: لا تُبشرهم فيتَّكلوا، ثم بشَّر بها معاذٌ في آخر حياته.
كما جاءت في ذلك الأحاديث الصَّحيحة: أنَّ مَن قال: لا إله إلا الله، وشهد أنَّ محمدًا رسول الله، صِدْقًا من قلبه دخل الجنَّة، وفي الحديث الآخر: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها، وحقّها اتِّباع الشريعة وتعظيمها، وفي  الحديث الآخر: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاةَ، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالَهم، إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله متفق عليه من حديث ابن عمر .
فالأحاديث يُفَسِّر بعضُها بعضًا، ويدل بعضُها على بعضٍ، فالواجب على كل مؤمنٍ أن يتَّقي الله، وأن يُراقب الله، وأن يحذر نقمةَ الله بإصراره على المعاصي، بل يكون حذرًا، بعيدًا عن كلِّ ما حرَّم الله ، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه.
كذلك قوله جلَّ وعلا: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، فالمؤمن إذا سُئل في قبره قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، فيُثبته الله في قبره، ويفتح له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من ريحها ونعيمها، ويُفسح له في قبره، وتُرفع روحُه إلى الجنة، تخرف في الجنة حيث شاءت، فهو على خيرٍ عظيمٍ، كما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، مَن آمن بالله وصدق ثبَّته الله.
نسأل الله للجميع التوفيق والصدق.

الأسئلة:

س: هل يجوز كتم العلم لمصلحةٍ؟
ج: يكتم العلمَ الذي ما يليق بالمجلس، كأن يخاف أنهم يتَّكلوا أو ما أشبه ذلك، لكن إذا وضَّح لهم أحسن، يُوضِّح لهم الأسبابَ التي تمنعهم من الاتكال.
س: إخبار معاذٍ خوفًا من الكتم؟
ج: مثلما قال ﷺ: لا تُبَشِّرهم فيتَّكلوا يعني: قد يجهلون ويحسبون مجرد التوحيد ولو فعلوا المعاصي سببًا لدخول الجنة وعدم العذاب، وهذا غلط؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فمَن مات على المعاصي فهو على خطرٍ، قد يُعفا عنه وقد يُعذَّب.
س: هنا التَّثبيت يكون في السؤال عند القبر فقط أو من قبل؟
ج: التثبيت عنده وعند خروج الروح، فالمؤمن إذا حضره الأجلُ بُشِّر بالجنة، فتأتيه الملائكةُ تُبشره برحمة الله، فيُحب لقاء الله، ويحب الله لقاءه، والكافر بضد ذلك: يكره لقاءَ الله، ويكره اللهُ لقاءَه.
س: ....................
س: بالنسبة للحديث السابق وهو قوله ﷺ: لو لم تُذْنِبُوا لأتى الله بقومٍ يُذْنِبون فيستغفرون، ما معنى هذا الحديث؟
ج: على ظاهره: أنَّ الله جلَّ وعلا خلق قومًا يُذْنِبون حتى تظهر آثار رحمته وعفوه ومغفرته، وآثار انتقامه، فهو سبحانه رحيم ودود شديد العقاب، كما قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49- 50]، وقال تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3]، فلو كانوا كلهم مسلمين ما فيهم أحد كافر ولا عاصٍ لم تظهر آثار الرحمة والعفو والمغفرة.
س: ................